احكام الكافر المقاتل - اراء اخرى حول الاية 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 9088

أحكام الكافر المقاتل:
المعروف بين الشيعة الإمامية أن الكافر المقاتل يجب قتله ما لم يسلم، ولا يسقط قتله بالأسر قبل أن يثخن المسلمون الكافرين، ويعجز الكافرون عن القتال لكثرة القتل فيهم، وإذا أسلم ارتفع موضوع القتل، وهو الكافر، وأما الأسر بعد الاثخان فيسقط فيه القتل، فان الآية قد جعلت الاثخان غاية لوجوب ضرب الرقاب.
ومن الواضح: أن الحكم يسقط عند حصول غايته، ويتخير ولي الأمر في تلك الحال بين استرقاق الأسير، وبين مفاداته، والمن عليه من غير فداء، من غير فرق في ذلك بين المشرك وغيره من فرق الكفار، وقد ادعي الإجماع على ما ذكرناه من الأحكام، والمخالف فيها شاذ لا يعبأ بخلافه، "وسيظهر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى".
وهذا الذي ذكروه يوافق ظاهر الآية الكريمة من جميع الجهات إذا كان شد الوثاق هو الاسترقاق، باعتبار أن معنى شد الوثاق هو عزله عن الاستقلال ما لم يمن عليه أو يفاد. وأما إذا لم يكن شد الوثاق بمعنى الاسترقاق، فلا بد من إضافة الاسترقاق إلى المفاداة والمن للعلم بجوازه من أدلة أخرى، فيكون ذلك تقييدا لإطلاق الآية بالدليل.

ــ[365]ــ

وقد وردت الأحكام المذكورة فيما رواه الكليني، والشيخ الطوسي بإسنادهما عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"سمعته يقول كان أبي يقول أن للحرب حكمين: إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها، ولم يثخن أهلها، فكل أسير أخذ في تلك الحال فان الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم، وتركه يتشحط في دمه حتى يموت وهو قول الله تعالى:
{إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}(5 : 33).
ألا ترى أنه التخيير الذي خير الله الإمام على شيء واحد وهو الكفر وليس هو على أشياء مختلفة فقلت لجعفر بن محمد (عليه السلام) قول الله تعالى: {أو ينفوا من الأرض}، قال ذلك الطلب أن يطلبه الخيل حتى يهرب، فإن أخذته الخيل حكم ببعض الأحكام التي وصفت ذلك، والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها، فكل أسير أخذ على تلك الحال وكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار، إن شاء من عليهم فأرسلهم، وإن شاء فاداهم أنفسهم، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا"(1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي: 5 / 32، الحديث 1، والتهذيب: 6 / 143 باب 22، الحديث: 5.

ــ[366]ــ

ووافقنا على سقوط القتل عن الأسير بعد الاثخان: الضحاك وعطاء، وصرح الحسن بذلك وان الامام بالخيار إما أن يمن أو يفادي أو يسترق (1).
وعلى ما ذكرناه فلا نسخ في الآية الكريمة، غاية الأمر أن القتل يختص بمورد، ويختص عدم القتل بمورد آخر من غير فرق بين أن تكون آية السيف متقدمة في النزول على هذه الآية، وبين أن تكون متأخرة عنها.
ومن الغريب: أن الشيخ الطوسي - في هذا المقام - نسب إلى أصحابنا أنهم رووا تخيير الإمام في الأسير بعد الإثخان بين القتل وبين ما ذكر من الأمور.
قال: "والذي رواه أصحابنا أن الأسير إن أخذ قبل انقضاء الحرب والقتال - بأن تكون الحرب قائمة، والقتال باق - فالإمام مخير بين أن يقتلهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويتركهم حتى ينزفوا، وليس له المن ولا الفداء، وإن كان أخذ بعد وضع الحرب أوزارها وانقضاء الحرب والقتال كان - الإمام - مخيرا بين المن والمفاداة إما بالمال أو النفس، وبين الاسترقاق - وضرب الرقاب - "(2).
وتبعه على ذلك الطبرسي في تفسيره (3) مع أنه لم ترد في ذلك رواية أصلا.
وقد نص الشيخ الطوسي بنفسه في كتاب المبسوط (4). "كل أسير يؤخذ بعد أن تضع الحرب أوزارها، فانه يكون الإمام مخيرا فيه بين أن يمن عليه فيطلقه، وبين أن يسترقه وبين أن يفاديه، وليس له قتله على ما رواه أصحابنا".
وقد ادعى الإجماع والاخبارعلى ذلك: في المسألة السابعة عشرة من كتاب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القرطبي: 16 / 227، 228، ونقله النحاس في الناسخ والمنسوخ عن عطاء ص 221.
(2) تفسير التبيان: 9 / 291، طبع النجف الأشرف.
(3) تفسير مجمع البيان: 9 / 126.
(4) المبسوط: 2 / 13، كتاب الجهاد، فصل: أصناف الكفار وكيفية قتالهم.

ــ[367]ــ

 الفيء، وقسمة الغنائم من كتاب الخلاف.
ومن الذين ادعوا الإجماع على ذلك صريحا العلامة في كتابي "المنتهى والتذكرة" في أحكام الاسارى من كتاب الجهاد.
وفي ظني: أن كلمة "ضرب الرقاب" في عبارة "التبيان" إنما كانت من سهو القلم، وقد جرى عليه الطبرسي من غير مراجعة.
هذا هو مذهب علماء الشيعة الإمامية، والضحاك، وعطاء، والحسن.
آراء أخرى حول الآية:
وأما بقية علماء أهل السنة فقد ذهبوا إلى أقوال:
1 ـ منهم من قال: "إن الآية نزلت في المشركين، ثم نسخت بآيات السيف"، نسب ذلك إلى قتادة، والضحاك، والسدي، وابن جريح، وابن عباس، وإلى كثير من الكوفيين، فقالوا: "إن الأسير المشرك يجب قتله، ولا تجوز مفاداته، ولا المن عليه بإطلاقه"(1).
ويرد5:
أنه لا وجه للنسخ على هذا القول، فإن نسبة هذه الآية إلى آيات السيف نسبة المقيد إلى المطلق، سواء أكانت متقدمة عليها في النزول أم كانت متأخرة عنها. وقد أوضحنا ـ فيما سبق ـ أن العام المتأخر لا يكون ناسخا للخاص المتقدم، فكيف بالمطلق إذا سبقه المقيد(2)؟.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير القرطبي: 16/ 227.
(2) قد فصلنا الكلام في ذلك في بحث العموم والخصوص من كتابنا " أجود التقريرات". (المؤلف).

ــ[368]ــ

2 ـ ومنهم من قال: "إن الآية نزلت في الكفار جميعا، فنسخت في خصوص المشرك" نسب ذلك إلى قتادة، ومجاهد، والحكم، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة(1).
ويرد5:
أن هذا القول واضح البطلان كالقول السابق، فإن ذلك موقوف على أن تكون آيات السيف متأخرة في النزول عن هذه الآية، ولا يمكن القائل بالنسخ إثبات ذلك، ولا سند له غير التمسك بخبر الواحد، وقد أوضحنا أن خبر الواحد لا يثبت به النسخ إجماعا، ولو فرضنا ثبوت ذلك، فلا دليل على كون آيات السيف ناسخة لها، ليصح القول المذكور، بل تكون هذه الآية مقيدة لآيات السيف، وذلك: لإجماع الأمة على أن هذه الآية قد شملت المشركين أو أنها مختصة بهم، وعلى ذلك كانت الآية المباركة قرينة على تقييد آيات السيف لما أشرنا إليه آنفا من أن المطلق لا يصلح أن يكون ناسخا للمقيد، وإذا أغمضنا عن ذلك كانت هذه الآية الكريمة معارضة لآيات السيف بالعموم من وجه، ومورد الاجتماع هو المشرك الأسير بعد الإثخان، ولا مجال للالتزام بالنسخ فيه.
3 ـ ومنهم من قال: "إن الآية ناسخة لآية السيف"، نسب ذلك إلى الضحاك. وغيره (2).
ويرد5:
أن هذا القول، يتوقف على إثبات تأخر هذه الآية في النزول عن آيات السيف، ولا يمكن هذا القائل إثبات ذلك، على أنا قد أوضحنا - فيما تقدم - أنه لا موجب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير القرطبي: 16/ 227.
(2) نفس المصدر.

ــ[369]ــ

للالتزام بالنسخ، تأخرت الآية في النزول عن آيات السيف، أم تقدمت عليها.
4 ـ ومنهم من قال: "إن الإمام مخير في كل حال بين القتل والاسترقاق والمفاداة والمن"، رواه أبوطلحة عن ابن عباس، واختاره كثير، منهم: ابن عمر، والحسن، وعطاء، وهو مذهب مالك، والشافعي، والثوري والأوزاعي وأبي عبيد، وغيرهم. وعلى هذا القول فلا نسخ في الآية(1) قال النحاس بعدما ذكر هذا القول: "وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما، وهو قول حسن لأن النسخ إنما يكون بشيء قاطع، فأما إذا أمكن العمل بالآيتين، فلا معنى في القول بالنسخ... وهذا القول يروى عن أهل المدينة، والشافعي، وأبي عبيد"(2).
ويرد5:
ان هذا القول وإن لم يستلزم نسخا في الآية، إلا أنه باطل أيضا، لأن الآية الكريمة صريحة في أن المن والفداء إنما هما بعد الاثخان فالقول بثبوتهما - قبل ذلك - قول بخلاف القرآن، والأمر بالقتل في الآية مغيا بالإثخان فالقول بثبوت القتل بعده قول بخلاف القرآن أيضا، وقد سمعت أن آيات السيف مقيدة بهذه الآية.
وأما ما استدل به على هذا القول من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قتل بعض الاسارى وفادى بعضا، ومن على آخرين، فهذه الرواية - على فرض صحتها - لا دلالة لها على التخيير بين القتل وغيره، لجواز أن يكون قتله للأسير قبل الاثخان وفداؤه ومنه في الاسراء بعده، وأما ما روي من فعل أبي بكر وعمر فهو - على تقدير ثبوته - لا حجية فيه، لترفع اليد به عن ظاهر الكتاب العزيز.

                                                                         *****
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير القرطبي: 16/ 228.
(2) الناسخ والمنسوخ: ص 221.

ــ[370]ــ

33 ـ {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} (51: 19).
34 ـ {والذين في أموالهم حق معلوم 70: 24. للسائل والمحروم: 25}.
فقد وقع الاختلاف في نسخ الآيتين وإحكامهما. ووجه الاختلاف في ذلك: أن الحق المعلوم الذي أمرت الآيتان به قد يكون هو الزكاة المفروضة، وقد يكون فرضا ماليا آخر غيرها، وقد يكون حقا غير الزكاة ولكنه مندوب وليس بمفروض. فإن كان الحق واجبا ماليا غير الزكاة فالآيتان الكريمتان منسوختان لا محالة، من حيث إن الزكاة نسخت كل صدقة واجبة في القرآن وقد اختار هذا الوجه جماعة من العلماء. وإن كان الحق المعلوم هو الزكاة نفسها، أو كان حقا مستحبا غير مفروض، فالآيتان محكمتان بلا ريب.
والتحقيق: يقتضي اختيار الوجه الأخير، وأن الحق المعلوم شيء غير الزكاة، وهو أمر قد ندب إليه الشرع. فقد استفاضت النصوص من الطريقين بأن الصدقة الواجبة منحصرة بالزكاة، وقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) بيان المراد من هذا الحق المعلوم.
روى الشيخ الكليني بإسناده عن أبي بصير قال:
"كنا عند أبي عبدالله (عليه السلام) ومعنا بعض أصحاب الأموال فذكروا الزكاة فقال أبوعبدالله (عليه السلام): إن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها، وإنما هو شيء ظاهر إنما حقن بها دمه وسمي بها مسلما، ولو لم يؤدها لم تقبل صلاته، وإن عليكم في أموالكم غير الزكاة. فقلت: أصلحك الله وما علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال: سبحان الله! أما تسمع الله يقول في كتابه: والذين في أموالهم…؟ قال: قلت: فماذا الحق

ــ[371]ــ

المعلوم الذي علينا؟ قال: هو والله الشيء يعلمه الرجل في ماله يعطيه في اليوم، أو في الجمعة، أو الشهر قل أو كثر غير أنه يدوم عليه"(1).
وروى أيضا بإسناده، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبدالله (عليه السلام):
"في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم...} أهو سوى الزكاة؟ فقال: هو الرجل يؤتيه الله الثروة من المال فيخرج منه الألف، والألفين، والثلاثة الاف، والأقل والأكثر فيصل به رحمه، ويحتمل به الكل عن قومه"(2).
وغير ذلك من الروايات عن الصادقين (عليهما السلام) (3).
وروى البيهقي في شعب الإيمان، بإسناده، عن غزوان بن أبي حاتم قال:
"بينا أبوذر عند باب عثمان لم يؤذن له إذ مر به رجل من قريش قال: يا أباذر ما يجلسك ههنا؟ فقال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لي، فدخل الرجل فقال: يا أميرالمؤمنين ما بال أبي ذر على الباب لا يؤذن له؟ فأمر فأذن له فجاء حتى جلس ناحية القوم.. فقال عثمان لكعب: يا أبا إسحق أرأيت المال إذا أدي زكاته هل يخشى على صاحبه فيه تبعة؟ قال: لا، فقام أبوذر ومعه عصا فضرب بها بين أذني كعب، ثم قال: يا ابن اليهودية، أنت تزعم أنه ليس حق في ماله إذا أدى الزكاة. والله تعالى يقول: {ويؤثرون على أنفسهم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي: 3 / 499، ا لحديث: 9.
(2) نفس المصدر: الحديث: 10.
(3) الكافي: 3 / 498 ـ .. 5، الحديث: 8، 9، 10 ، 11.

ــ[372]ــ

ولو كان بهم خصاصة}، (59: 9). الله تعالى يقول: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} (76: 8). والله تعالى يقول: {والذين في أموالهم حق معلوم 7: 74. للسائل والمحروم:75}.
فجعل يذكر نحو هذا من القرآن..."(1).
وروى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس:
"أن الحق المعلوم سوى الصدقة يصل بها رحما، أو يقري بها ضيفا أو يحمل بها كلاً، أو يعين بها محروما"(2).
وتبع ابن عباس على ذلك جملة من المفسرين، وعلى هذا فلا نسخ في الآية المباركة.

*****

35 ـ {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم} (58: 12).
فقد ذهب أكثر العلماء إلى نسخها بقوله تعالى:
{ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون} (58: 13).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كنز العمال: 3 / 310.
(2) تفسير القرطبي: 29 / 50.

ــ[373]ــ

فقد استفاضت الروايات من الطريقين: أن الآية المباركة لما نزلت لم يعمل بها غير علي (عليه السلام) فكان له دينار فباعه بعشرة دراهم، فكان كلما ناجى الرسول (صلى الله عليه وآله) قدم درهما حتى ناجاه عشر مرات.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net