تحليل آية بسم الله الرحمن الرحيم - الله 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 5120


ــ[426]ــ

تحليل آية
بسم الله الرحمن الرحيم

اللغة

الله:
علم للذات المقدسة، وقد عرفها العرب به حتى في الجاهلية، قال لبيد:
                                          ألا كل شَيء ماخلا الله باطل      وكل نعيم لا محالة زائل وقال سبحانه:
{وَلَئنْ سَألتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ} (31: 25).
ومن توهم أنه اسم جنس فقد أخطأ، ودليلنا على ذلك أُمور:
الأول: التبادر، فإن لفظ الجلالة ينصرف بلا قرينة إلى الذات المقدسة، ولا يشك في ذلك أحد، وبأصالة عدم النقل يثبت أنه كذلك في اللغة، وقد حققت حجيتها في علم الأصول.
الثاني: ان لفظ الجلالة - بما له من المعنى - لا يستعمل وصفاً، فلا يقال: العالم الله، الخالق الله، على أن يراد بذلك توصيف العالم والخالق بصفة هي كونه الله وهذه آية كون لفظ الجلالة جامداً، وإذا كان جامداً كان علماً لا محالة، فإن الذاهب إلى

ــ[427]ــ

أنه اسم جنس فسره بالمعنى الاشتقاقي.
الثالث: أن لفظ الجلالة لو لم يكن علماً لما كانت كلمة (لا إله إلا الله) كلمة توحيد، فإنها لا تدل على التوحيد بنفسها حينئذ، كما لا يدل عليه قول: لا إله إلا الرازق، أو الخالق، أو غيرهما من الألفاظ التي تطلق على الله سبحانه، ولذلك لا يقبل إسلام من قال إحدى هذه الكلمات.
الرابع: أن حكمة الوضع تقتضي وضع لفظ للذات المقدسة، كما تقتضي الوضع بازاء سائر المفاهيم، وليس في لغة العرب لفظ موضوع لها غير لفظ الجلالة، فيتعين أن يكون هو اللفظ الموضوع لها.
إن قلت:
إن وضع لفظ لمعنى يتوقف على تصور كل منهما، وذات الله سبحانه يستحيل تصورها، لاستحالة إحاطة الممكن بالواجب، فيمتنع وضع لفظ لها، ولو قلنا بأن الواضع هو الله
- وأنه لا يستحيل عليه أن يضع اسماً لذاته لأنه محيط بها - لما كانت لهذا الوضع فائدة لاستحالة أن يستعمله المخلوق في معناه فان الاستعمال أيضاً يتوقف على تصور المعنى كالوضع، على أن هذا القول باطل في نفسه.
قلت:
وضع اللفظ بأزاء المعنى يتوقف على تصوره في الجملة، ولو بالإشارة إليه، وهذا أمر ممكن في الواجب وغيره، والمستحيل هو تصور الواجب بكنهه وحقيقته، وهذا لا يعتبر في الوضع ولا في الاستعمال، ولو اعتبر ذلك لامتنع الوضع والاستعمال في الموجودات الممكنة التي لا تمكن الاحاطة بكنهها: كالروح والملك والجن، ومما لا يرتاب فيه أحد أنه يصح استعمال اسم الإشارة أو الضمير ويقصد به الذات المقدسة،

ــ[428]ــ

فكذلك يمكن قصدها من اللفظ الموضوع لها، وبما أن الذات المقدسة مستجمعة لجميع صفات الكمال، ولم يلحظ فيها - في مرحلة الوضع - جهة من كمالاتها دون جهة صح أن يقال: لفظ الجلالة موضوع للذات المستجمعة لجميع صفات الكمال.
إن قلت:
إن كلمة "الله" لو كانت علماً شخصياً لم يستقيم معنى قوله عز اسمه:
{وَهوَ اللّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الأَرْضِ} (6: 3).
وذلك لأنها لو كانت علماً لكانت الآية قد أثبتت له المكان وهو محال، فلا مناص من أن يكون معناه المعبود، فيكون معنى الآية: وهو المعبود في السماوات والأرضين.
قلت:
المراد بالآية المباركة أنه تعالى لا يخلو منه مكان، وأنه محيط بما في السماوات وما في الأرض، ولا تخفى عليه منها خافية، ويشهد لهذا قوله تعالى في آخر الآية الكريمة:
{يَعْلَم سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ } (6: 3).
وقد روى أبو جعفر وهو محمد بن نعمان في ظن الصدوق قال: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: {وَهُوَ اللّهُ فِي السماواتِ وَفِي الأَرْض}(6: 3).
قال (عليه السلام):
كذلك هو في كل مكان، قلت: بذاته؟ قال: ويحك إن الأماكن أقدار، فإذا قلت في مكان بذاته لزمك أن تقول في أقدار وغير ذلك،

ــ[429]ــ

ولكن هو بائن من خلقه محيط بما خلق: علماً وقدرة وإحاطة وسلطاناً...(1).
والألف واللام: من كلمة الجلالة وإن كانت جزءاً منها على العلمية، إلا أن الهمزة فيها همزة وصل تسقط في الدرج، إلا إذا وقعت بعد حرف النداء، فتقول يا الله بإثبات الهمزة وهذا مما اختص به لفظ الجلالة، ولم يوجد نظيره في كلام العرب قط، ولا مضايقة في كون كلمة الجلالة من المنقول، وعليه فالأظهر أنه مأخوذ من كلمة "لاه" بمعنى الاحتجاب والارتفاع، فهو مصدر مبني للفاعل، لأنه سبحانه هو المرتفع حقيقة الارتفاع التي لا يشوبها انخفاض، وهو في غاية ظهوره
- بآثاره وآياته - محتجب عن خلقه بذاته، فلا تدركه الأبصار ولا تصل إلى كنهه الأفكار:
                                                    فيك  يا أُعجوبة   الكو        ن غدا الفكر كليـلا
                                                    أنت  حيـّرْتَ   ذوي         اللّبِّ وبلْبلتَ العقولا
                                                    كلـما   أقدم   فكري        فيك شبرا فرّ  ميـلا
                                                    ناكصاً يخبط في عشواء         لا  يهـدي  السبيلا
ولا موجب للقول باشتقاقه من "ألَه" بمعنى عبد، أو "ألِه" بمعنى تحير ليكون الإله مصدراً بمعنى المفعول – ككتاب - فانه التزام بما لا يلزم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير البرهان: 1 / 315.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net