الملك، التفسير - تحليل آية اياك نعبد واياك نستعين 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 4208


ــ[457]ــ

الملك:
الإحاطة والسلطة، وهذه قد تكون خارجية حقيقية كما في إحاطته تعالى بالموجودات، فإن كل موجود إنما يتقوم في ذاته بخالقه وموجده، وليس له واقع مستقل سوى التدلي والارتباط بعلته الموجدة، والممكن فقير محتاج إلى المؤثر في حدوثه وفي بقائه، فهو لا ينفك عن الحاجة أبداً:
{وَاللّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ} (47: 38).
وقد تكون اعتبارية، كما في ملكية الناس للأشياء، فان ملكية زيد لما بيده مثلاً ليست إلا اعتبار كونه مالكاً لذلك الشيء، وأن زمام أمره بيده، وذلك عند حدوث سبب يقتضيه من عقد أو إيقاع أو حيازة أو إرث أو غير ذلك، حسب ما توجبه المصلحة في نظر الشارع أو العقلاء. والملكية عند الفلاسفة هيئة حاصلة من إحاطة شيء بشيء، وهي أحد الأعراض التسعة، ويعبر عنها بمقولة الجدة، كالهيئة الحاصلة من إحاطة العمامة بالرأس أو الخاتم بالإصبع.
الدين:
معنى الجزاء والحساب، وكلاهما مناسب للمقام، فإن الحساب مقدمة للجزاء ويوم الحساب هو يوم الجزاء بعينه.

التفسير

بيّن سبحانه أن طبيعة الحمد وجنسه تختص به تعالى، وذلك لأمور:
الأمر الأول:
إن حسن الفعل وكماله ينشأ من حسن الفاعل وكماله، والله سبحانه هو الكامل

ــ[458]ــ

المطلق الذي لا نقص فيه من جهة أبداً، ففعله هو الفعل الكامل الذي لا نقص فيه أبداً:
{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شَاكِلَتِهِ}(17: 84).
وأما غيره فلا يخلو عن نقيصة ذاتية بل نقائص، فأفعاله لا محالة تكون كذلك. والفعل الحسن المحض يختص به سبحانه، ويمتنع صدوره من سواه، فهو المختص بالحمد ويمتنع أن يستحقه أحد سواه. وقد أُشير إلى هذا بقوله: "الحمد لله" فقد عرفت أن كلمة "الله" علم للذات المقدسة المستجمعة لجميع صفات الكمال. وقد ورد عن الصادق (عليه السلام) أنه قال:
"فقدَ لأبي بغلة فقال: لئن ردَّها الله عليَّ لاحمدنَّه بمحامد يرضاها، فما لبث أن جيء بها بسرجها ولجامها، ولما استوى وضمَّ إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال: الحمد لله، ولم يزد، ثم قال: ما تركت ولا أبقيت شيئاً، جعلت جميع أنواع المحامد لله عزوجل فما من حمد إلا وهو داخل فيما قلت"(1).
وعنه ـ سلام الله عليه ـ:
"ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال: الحمدلله، إلا أدَّى شكرها"(2).
الأمر الثاني:
إن الكمال الأول لكل ممكن من العقول والنفوس والأرواح والأشباح إنما هو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير البرهان: 1 / 29 وقريب منه في اصول الكافي: 2 / 97، الحديث: 18.
(2) اصول الكافي: 2 / 96، الحديث: 14.

ــ[459]ــ

وجوده. ولا ريب في أنه فعل الله سبحانه وهو مبدعه وموجده. وأما الكمال الثاني وهي الأمور التي توجب الفضل والميز، فما كان منه خارجاً عن اختيار المخلوق فهو أيضاً من أفعال الله تعالى بلا ريب. وذلك كما في نمو النبات وإدارك الحيوان منافعه ومضاره، وقدرة الإنسان على بيان مقاصده. وما كان منه صادراً عن المخلوقين باختيارهم، فهي وإن كانت اختيارية إلا أنها منتهية إلى الله سبحانه، فانه الموفق للصواب، والهادي إلى الرشاد. وقد ورد: "إن الله أولى بحسنات العبد منه"(1) وقد أشير إلى ذلك بجملة: "رب العالمين".
الأمر الثالث:
إن الفعل الحسن الصادر من الله تعالى لا يرجع نفعه إليه، لأنه الكامل المطلق الذي يستحيل عليه الاستكمال. وفعله إنما هو إحسان محض يرجع نفعه إلى المخلوقين. وأما الفعل الحسن الصادر من غيره فهو وإن كان إحساناً إلى أحد في بعض الأحيان، إلا أنه إحسان إلى نفسه أولاً وبالذات، وبه يدرك كماله:
{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ }(17: 7).
فالإحسان المحض إنما هو فعل الله تعالى لا غير فهو المستحق للحمد دون غيره وإلى ذلك أُشير بجملة: "الرحمن الرحيم".
ثم إن الثناء على الفعل الجميل قد يكون ناشئاً عن إدراك الحامد حسن ذات الفاعل وصفاته من دون نظر إلى إنعامه، أو الرغبة فيه، أو الرهبة منه. وقد يكون ناشئاً عن النظر إلى أحد هذه الأمور الثلاثة، فقد أُشير إلى المنشأ الأول بجملة:
"الحمدُ لله" فالحامد يحمده تعالى بما أنه مستحق للحمد في ذاته، وبما أنه مستجمع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوافي: باب الخير والقدر ج 1 ص 119.

ــ[460]ــ

لجميع صفات الكمال منزّه عن جميع جهات النقص. وأُشير إلى المنشأ الثاني بجملة: "رَبِّ العالمينَ" فانه المنعم على عباده بالخلق والإيجاد، ثم بالتربية والتكميل. وأُشير إلى المنشأ الثالث بجملة: "الرَّحمنِ الرَّحيم".
فان صفة الرحمة تستدعي الرغبة في نعمائه تعالى وطلب الخير منه. وأُشير إلى المنشأ الرابع بقوله: "مالكِ يومِ الدِّين"، فان من تنتهي إليه الأمور ويكون إليه المنقلب جدير بأن تُرهَب سطوته، وتُحذّر مخالفته. وقد يكون الوجه هو بيان أن يوم الدين هو يوم ظهور العدل والفضل الإلهيين، وكلاهما جميل لابد من حمده تعالى لأجله، فكما أن أفعاله في الدنيا من الخلق والتربية والإحسان كلها أفعال جميلة يستحق عليها الحمد فكذلك أفعاله في الآخرة من العفو والغفران وإثابة المطيعين، وعقاب العاصين كلها أفعال جميلة يستوجب الحمد بها.
ومما بيَّناه يتضح أن جملة: "الرَّحمنِ الرَّحيمِ" ليس تكراراً أُتي بها للتأكيد - كما زعمه بعض المفسرين - بل هي لبيان منشأ اختصاص الحمد به تعالى فلا تغني عنه ذكرها أولاً في مقام التيمُّن والتبرُّك، وهو ظاهر.

 
 

ــ[461]ــ


(3)
تحليل آية

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net