اعتبار استناد الجفاف إلى إشراق الشمس من دون حجاب 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5817


ــ[137]ــ

وأن تجففها بالاشراق عليها بلا حجاب عليها كالغيم ونحوه ولا على المذكورات(1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واليبس عليها ، وعلى ذلك يحمل قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن بزيع : «كيف يطهر من غير ماء» وأما الزائد على ذلك أعني الرطوبة المسرية فلا دليل على اشتراطه ، هذا .

   وقد يقال : الجفاف غير اليبوسة ، إذ الأول في مقابل الرطوبة المسرية والثاني في قبال النداوة ، وبما أن بينهما بحسب المورد عموماً من وجه ـ  لأن الأول يتوقّف على الرطوبة المسرية ويصدق بذهابها وإن بقيت النداوة في الجملة ، والثاني يكفي فيه مجرّد النداوة ولا يصدق إلاّ بذهاب النداوة بتمامها  ـ كان مقتضى الجمع بين صحيحة زرارة المشتملة على اعتبار الجفاف وبين الموثقة المتضمنة لاعتبار اليبوسة هو الاكتفاء بكل من الرطوبة المسرية والنداوة ، بحيث لو كانت في الموضع المتنجِّس رطوبة مسرية فأذهبتها الشمس طهر ولو مع بقاء نداوته لصدق الجفاف بذهاب الرطوبة ، وإن كانت فيه نداوة طهر بذهابها لصدق اليبس بالشمس ، هذا .

   ولا يخفي أن اليبس والجفاف على ما يظهر من اللغة مترادفان فيقال : جففه أي يبّسه ، ويبّس الشيء : جففه . والارتكاز العرفي وملاحظة موارد الاستعمالات أقوى شاهد على المدعى . وعليه فالمعتبر إنما هو ذهاب النداوة بالشمس حتى يصدق معه اليبوسة والجفاف ، إذ  لو أذهبت الشمس بالرطوبة وبقيت النداوة لم يصدق معه شيء منهما ، فلا يقال إن الشيء جاف أو يابس فلا يحكم بطهارته .

   (1) اعتبار استناد الجفاف إلى إشراق الشمس على المتنجِّس هو المصرح به في رواية الحضرمي حيث قال : «كل ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر»(1) فبناء على اعتبار الرواية لاغبار في هذا الاشتراط ، ولعلّها المستند في المسألة عند الماتن وغيره ممّن ذهب إلى ذلك ، وتبع الرواية في التعبير بالاشراق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 453 / أبواب النجاسات ب 29 ح 6 .  وتقدّمت في ص 128 .

ــ[138]ــ

    فلو جفت بها من دون إشراقها ـ ولو باشراقها على ما يجاورها ـ أو لم تجف أو كان الجفاف بمعونة الريح لم تطهر .

   نعم ، الظاهر أن الغيم الرقيق أو الريح اليسير على وجه يستند التجفيف إلى الشمس وإشراقها لا يضرّ (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأما إذا لم نعتمد على الرواية ـ كما لا نعتمد ـ فالمدرك في هذا الاشتراط موثقة عمار وقد ورد فيها : «إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة ...»(1) لوضوح أن الاصابة لا تصدق مع الحجاب على الشمس أو على المتتنجس كالغيم والحصير الملقى على الأرض وغيره مما يمنع من إشراق الشمس عليه ، فلا يكفي الجفاف حينئذ لعدم إصابة الشمس عليه .

   (1) أما إذا جفت بالمجاورة فلما تقدم من اعتبار إصابة الشمس وإشراقها على المتنجِّس ومع انتفائها لا يكفي مطلق الجفاف ، وما ورد في صحيحة زرارة من قوله : «إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر»(2) وإن كان مطلقاً يشمل الجفاف بالمجاورة إلاّ أنه لا بدّ من تقييدها بما إذا كان الجفاف مستنداً إلى إصابة الشمس وإشراقها بمقتضى موثقة عمار .

   وأما إذا جفت بمعونة الريح بأن استند الجفاف إلى إشراق الشمس وإلى غيره كالهواء والريح وغيرهما ، فهل يكفي في الطهارة اشتراكهما في التجفيف أو لا بدّ من إستناده إلى الإشراق بالاستقلال ؟ فالصحيح أن يفصّل بين ما إذا كان تأثير الريح مثلاً في التجفيف بالمقدار المتعارف ، وبين ما إذا كان بالمقدار الزائد عليه .

   أما في الصورة الاُولى فلا ينبغي الاشكال في كفاية التجفيف المشترك ، لأنه المتعارف في الاشراق وإليه تنظر الاطلاقات ، فانّ اشراق الشمس وتأثيرها في الجفاف من دون أن يشترك معها غيرها ولو بمقدار يسير أمر نادر أو لا تحقق له أصلاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 452 / أبواب النجاسات ب 29 ح 4 . وتقدّمت في ص 126 .

(2) الوسائل 3 : 451 / أبواب النجاسات ب 29 ح 1 . وتقدّمت في ص 124 .

ــ[139]ــ

   وأمّا الصورة الثانية : كما إذا استند التجفيف في مقدار نصفه إلى الاشراق وفي النصف الآخر إلى النار أو الهواء ، فقد يقال فيها بكفاية التجفيف أيضاً ، بدعوى أن المعتبر حسبما يستفاد من الأخبار استناد الجفاف إلى الشمس وهو حاصل في فرض الاشتراك ، وأما عدم استناده إلى غير الشمس فهو مما لم يقم عليه دليل ولا يستفاد من الأخبار .

   ويؤيد ذلك بموثقة عمار لما ورد فيها من قوله: «فأصابته الشمس ثم يبس الموضع» لاطلاق اليبوسة فيها وعدم تقييدها بكونها مستندة إلى الشمس فحسب فمع الاشتراك يصدق أن الأرض مما أصابته الشمس ثم يبست ، هذا .

   ولا يخفى أن موثقة عمار وإن كانت مطلقة من تلك الجهة إلاّ أنه على خلاف الاجماع القطعي عندنا ، لصدقها على ما إذا أصابت الشمس شيئاً في زمان ولم يحصل معها الجفاف ولكنه حصل بعد مدة كيوم أو أقل أو أكثر ، لبداهة صدق أن الشيء أصابته الشمس ثم يبس حينئذ ، مع أنه غير موجب للطهارة من غير نكير ، فسوء التعبير مستند إلى عمار ، وعلى أيّ حال لا يمكن الاعتماد على إطلاق الموثقة ، وعليه فلا بد من ملاحظة أنه هل هناك دليل على لزوم استقلال الشمس في التجفيف وعدم استناده إلى غيرها أو لا دليل عليه ؟

   فنقول إن قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر» يقتضي بظاهره لزوم استناد التجفيف إلى الشمس باستقلالها ، وذلك لأن الجفاف عن رطوبة لا يعقل فيه التعدّد والتكرار ، لأنه أي الجفاف عرض غير قابل للتعدّد عن رطوبة واحـدة ، وإذا اُسند مثله إلى شيء فظاهـره أنه مسـتند إليه بالاستقلال ، لأنه لو كان مستنداً إلى شيئين أو أكثر كالشمس والنار ونحوهما لم يصح إسناده إلى أحدهما ، لأنه مستند إلى المجموع على الفرض ولا يعقل فيه التعدّد ، فاذا استند إلى شيء واحد كما في الخبر حيث اُسند فيه إلى الشمس فحسب كان ظاهراً في الاستناد بالاستقلال ، وليست اليبوسة كأكل زيد ونحوه مما لا ظهور له في نفي صدور الفعل عن غيره ، لوضوح أن قولنا : أكل زيد لا ظهور له في عدم صدور الأكل من عمرو مثلاً ، والسر فيه أن الأكل في نفسه أمر قابل للتعدد والتكرار ، فيمكن أن يستند

ــ[140]ــ

وفي كفاية إشراقها على المرآة مع وقوع عكسه على الأرض إشكال ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى زيد كما يستند إلى عمرو لتعدّده ، وهذا بخلاف الجفاف واليبس ، لأن الشيء الواحد لا يجف عن رطوبة واحدة مرتين ، فعلى ذلك يعتبر في الطهارة بالشمس استناد الجفاف إلى الشمس بالاستقلال ، فمع استناده إليها وإلى غيرها لم يحكم بالطهارة . وأما ما ورد في صحيحة زرارة وحديد من قوله (عليه السلام) «إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافاً فلا بأس» فقد قدّمنا (2) أنها أجنبية عن مورد الكلام ، وإنما تدل على جواز الصلاة في الأمكنة المتنجسة إذا يبست بشيء من الشمس أو النار أو الريح أو غيرها .

   (1) ومنشأ الاشكال في المسألة ليس هو عدم صدق الاشراق عليه ، بدعوى أن ظاهر الاشراق وقوع نفس الضوء على الأرض ، وذلك لأ نّا لو اعتمدنا على رواية الحضرمي ومنعنا عن صدق الاشراق مع الواسطة ، فلنا أن نحكم بطهارة الأرض في مفروض المسألة بصحيحة زرارة ، لأن الجفاف الوارد فيها مطلق يعم ما إذا كان الجفاف مع الواسطة ، وذلك كما إذا أشرقت الشمس على أرض مجاورة للأرض المتنجسة فجفت بحرارة الشمس لا باشراقها ، ولا تنافي بينها وبين رواية الحضرمي لأنها ليست بذات مفهوم لتدل على أن غير الاشراق لا يطهّر الأرض ، حتى تقع المعارضة بينهما في التطهير بالجفاف مع الواسطة .

   بل الاشكال في المسألة ينشأ عما قدمناه آنفاً من اعتبار الاصابة في مطهرية الشمس لموثقة عمار : «إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ...» فان الاصـابة لا تصدق مع وجود الواسطة وعدم المقابلة بين الشمس والموضع . ومفهوم الموثقة عدم حصول الطهارة في غير صورة الاصابة ، وبها قيدنا إطلاق الجفاف في صحيحة زرارة ، وكذا الحال في رواية الحضرمي على تقدير تماميّتها سنداً وشمول الاشراق للاشراق مع الواسطة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أظهره عدم الكفاية .

(2) في ص 125 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net