تطهير الشمس باطن الأرض المتّصل بالظاهر - اشتراط زوال العين في مطهِّريّة الشمس 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7408

 

ــ[141]ــ

   [ 356 ] مسألة 1 : كما تطهّر ظاهر الأرض كذلك باطنها المتصل بالظاهر النجس باشراقها عليه ، وجفافه بذلك (1) بخلاف ما إذا كان الباطن فقط نجساً أو لم يكن متصلاً بالظاهر ، بأن يكون بينهما فصل بهواء أو بمقدار طاهر (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومن هنا يظهر أن اشراق الشمس على المتنجِّس بواسطة الأجسام الشفافة كالبلور والزجاج وبعض الأحجار الكريمة كالدر لا يكفي في الطهارة ، لعدم صدق الاصابة معها ، فالحاجز على إطلاقه مانع عن التطهير بالشمس .

   (1) قد يقال بعدم طهارة الباطن باشراق الشمس على ظاهر الأرض ، نظراً إلى أن مطهرية الشمس إنما استفدناها من حكمهم (عليهم السلام) بجواز الصلاة على الأرض المتنجسة بعد جفافها بالشمس ، ومن الظاهر أن في جواز الصلاة على الأرض المتنجسة تكفي طهارة الظاهر فحسب فلا يكون ذلك مقتضياً لطهارة الباطن أيضاً . نعم لا محيص من الالتزام بطهارة شيء يسير من الباطن ، فان الصلاة على بعض الأراضي ـ  كالأراضي الرملية  ـ يستتبع تبدل أجزائها وقد توجب تبدل الظاهر باطناً وبالعكس ، ففي هذا المقدار لا بدّ من الالتزام بطهارة الباطن دون الزائد عليه .

   والصحيح ما أفاده الماتن (قدس سره) لأن جواز الصلاة على الأرض وإن لم يقتض طهارة المقدار الزائد على السطح الظاهر كما ذكر ، إلاّ أن صحيحة زرارة تدلنا على طهارة الباطن أيضاً لقوله فيها : «فهو طاهر» حيث إن الضمير فيه يرجع إلى الشيء المتنجِّس بالبول ونحوه ، ومعناه أن ذلك المتنجِّس إذا جففته الشمس حكم بطهارته ، ومن الظاهر أن الباطن المتصل بالظاهر شيء واحد ، ففي المقدار الذي وصل إليه النجس إذا جف بالشمس حكمنا بطهارته لوحدتهما .

   (2) ومما ذكرناه في التعليقة المتقدِّمة يظهر أن النجس إذا كان هو الباطن فحسب لم يحكم بطهارته باشراق الشمس على ظاهرها ، لأن النجس حينئذ شيء آخر يغاير ظاهرها، فاشراق الشمس على الظاهر لا يوجب صدق الاصابة والاشراق على باطنه لأنه أمر آخر غير ما تصيبه الشمس ، وكذا الحال فيما إذا لم يكن الباطن متصلاً بالظاهر لتخلل هواء أو مقدار طاهر من الأرض بينهما ، وذلك لأن الباطن والظاهر

ــ[142]ــ

أو لم يجف (1) أو جف بغير الاشراق على الظاهر (2) أو كان فصل بين تجفيفها للظاهر وتجفيفها للباطن ، كأن يكون أحدهما في يوم والآخر في يوم آخر ، فانّه لا  يطهر في هذه الصور(3) .

   [ 357 ] مسألة 2: إذا كانت الأرض أو نحوها جافة واُريد تطهيرها بالشمس، يصب عليها الماء الطاهر أو النجس أو غيره (4) مما يورث الرطوبة فيها حتى تجففها .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حينئذ شيئان متعددان ولا موجب لطهارة أحدهما باشراق الشمس على الآخر .

   (1) فالطاهر خصوص السطح الظاهر الذي جف بالشمس ، وأما الباطن الباقي على رطوبته فلا ، لاشتراط الجفاف في مطهرية الشمس .

   (2) لأنه يعتبر في الجفاف أن يستند إلى إشراق الشمس وإصابتها ولا يكتفى في الطهارة بمطلق الجفاف .

   (3) حيث إن الباطن إذا جف مقارناً لجفاف السطح الظاهر صدق أنهما شيء واحد جف باشراق الشمس عليه ، وأما إذا حصل بين الجفافين فصل مخل للمقارنة العرفية ـ  لأن جفاف الظاهر حقيقة متقدِّم على جفاف الباطن ، إلاّ أنهما متقارنان بالنظر العرفي ما لم يفصل بينهما بكثير  ـ  كما في ما مثّل به الماتن (قدس سره) فلا يمكن الحكم بطهارة الباطن ، لأنّ إشراق الشمس على ظاهر الأرض في اليوم الآخر لا يعدّ إشراقاً على باطنها ، لتوسّط الجزء الطاهر  ـ  وهو ظاهر الأرض ، حيث طهر في اليوم السابق على الفرض  ـ  بينه وبين الباطن ، وهو كتوسط جسم آخر بين ظاهر الأرض وباطنها في المسألة المتقدِّمة . وأما إشراق الشمس على ظاهر الأرض ، في اليوم السابق في المثال فهو أيضاً غير مقتض لطهارة الباطن ، لعدم جفافه حينئذ وإنما يبس في اليوم الآخر .

   (4) كسائر المائعات المورثة للرطوبة ، لما عرفت من اعتبار الجفاف بالشمس وهو لا يتحقّق مع اليبوسة كما مرّ ، وعلى ذلك حملنا قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن بزيع : «كيف تطهر بغير الماء» .

ــ[143]ــ

   [ 358 ] مسألة 3 : ألحق بعض العلماء البَيدر الكبير بغير المنقولات وهو مشكل (1) .

   [ 359 ] مسألة 4 : الحصى والتراب والطين والأحجار ونحوها ما دامت واقعة على الأرض هي في حكمها وإن اُخذت منها لحقت بالمنقولات (2) ، وإن اُعيدت عاد حكمها (3) وكذا المسمار الثابت في الأرض أو البناء ، ما دام ثابتاً يلحقه الحكم ، وإذا قلع يلحقه حكم المنقول ، وإذا اُثبت ثانياً يعود حكمه الأوّل ، وهكذا فيما يشبه ذلك .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ولا بأس بهذا الإلحاق لو تمت رواية الحضرمي ، لأنها باطلاقها أو عمومها تدل على طهارة كل ما أشرقت عليه الشمس ، وقد خرجنا عنها في الأشياء القابلة للانتقال بالاجماع والضرورة . والبَيدر وأمثاله من الظروف الكبيرة التي يصعب نقلها وإن كان من المنقول حقيقة ، إلاّ أنه لا إجماع ولا ضرورة يقتضي خروجه عن إطلاق الرواية . نعم من لا يعتمد عليها لضعفها ، لا يمكنه الحكم بالالتحاق ، لعدم شمول الأخبار له حيث لا يصدق عليه عنوان السطح أو المكان الذي يصلّى فيه أو غيرهما من العناوين الواردة في الأخبار .

   (2) والوجه فيه أن المدار في طهارة المتنجِّس بالشمس إنما هو صدق عنوان السطح أو المكان أو الموضع عليه ، ففي أي زمان صدق عليه شيء من العناوين المذكورة حكم بطهارته ، كما  أنه إذا  لم يصدق عليه شيء منها  لم يحكم بطـهارته والحصاة التي هي من أجزاء الأرض أو الرمل إذا كانت واقعة على الأرض صدق عليها عنوان المكان أو الموضع بتبع الأرض فيحكم بطهارتها بالاشراق . وإذا اُخذت من الأرض لحقها حكم المنقول ، لعدم صدق العناوين الواردة في الأخبار عليها .

   (3) لما عرفت من أن المدار في طهارة المتنجِّس بالشمس هو صدق شيء من العناوين المتقدِّمة عليه ، فاذا صدق شيء من تلك العناوين باعادة الحصى إلى الأرض حكم بطهارتها بالاشراق . بل الحال كذلك فيما إذا عرضت لها النجاسة بعد الانفصال لعدم اشتراط الطهارة بالشمس بعروض النجاسة عليها حال اتصالها بالأرض .

ــ[144]ــ

   [ 360 ] مسألة 5 : يشترط في التطهير بالشمس زوال عين النجاسة إن كان لها عين (1) .

   [ 361 ] مسألة 6 : إذا  شكّ في رطوبة الأرض حين الاشراق ، أو في زوال

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وذلك للارتكاز الشاهد على أن الغرض من الأخبار الواردة في المقام إنما هو تسهيل الأمر على المكلفين ، بجعل إشراق الشمس قائماً مقام الغسل بالماء ، ولا ينبغي الاشكال بحسب الارتكاز في اعتبار زوال العين في الغسل به ، ولا بدّ معه من اعتبار ذلك أيضاً في بدله ، ويصلح هذا الارتكاز لتقييد المطلقات بصورة زوال عين النجس .

   هذا على أن النجس إذا لم تكن له عين لدى العرف ـ  لكونه عندهم عرضاً وإن كان من الجواهر حقيقة ، كما في البول حيث إن له أجزاء صغيرة وربما يظهر أثره فيما يصيبه إذا تكررت إصابته ، إلاّ أنه عرض بالنظر العرفي  ـ فلا عين له ليشترط زوالها أو لا  يشترط وهو مورد جملة من الأخبار المتقدِّمة . وأما إذا عد من الجواهر وكانت له عين بنظرهم فلا شبهة في أن وجود النجس حينئذ يمنع عن إصابة الشمس للأرض ، فهو لو كان طاهراً منع عن طهارة الأرض ولم تصدق معه الاصابة ، فكيف بما إذا كان نجساً .

   وتوهّم أنّ العين بعد ما وقعت على الأرض عدت من أجزائها فتطهر العين بنفسها حينئذ تبعاً لطهارة الأرض بالاشراق ، فلا عين نجس بعد ذلك حتى يشترط زوالها .

   يندفع بأن العين النجسة لا تعد من الأجزاء الأرضية بوجه ، والصحيحة المتضمنة للسطح والمكان غير شاملة للعين النجسة لاختصاصها بالبول .

   وأما موثقة عمار المشـتملة على «الموضع القذر» فهي وإن كانت مطلقـة ولا اختصاص لها بالبول ، وباطلاقها تعدينا إلى غير البول من النجاسات ، إلاّ أنه لا  مناص من تقييدها بالقرينة الخارجية بما إذا لم تكن في الموضع عين النجس والقرينة هو الارتكاز الشاهد على أن اصابة الشمس وإشراقها قائمة مقام الغسل بالماء تسهيلاً للعباد ، ومن الظاهر أن مع عدم زوال العين لا تحصل الطهارة بالماء . وعلى الجملة لا دلالة في شيء من الصحيحة ولا الموثقة على طهارة العين النجسة تبعاً.

ــ[145]ــ

العين بعد العلم بوجودها ، أو في حصول الجفاف ، أو في كونه بالشمس أو بغيرها أو بمعونة الغير لا يحكم بالطهارة (1) وإذا شك في حدوث المانع عن الاشراق من ستر ونحوه يبنى على عدمه على إشكال تقدّم نظيره((1)) في مطهرية الأرض (2) .

   [ 362 ] مسألة 7 : الحصير يطهر ـ  باشراق الشمس ((2)) على أحد طرفيه  ـ طرفه الآخر (3) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) للشك في حصول شرطها ، ومعه لا بدّ من الرجوع إلى استصحاب النجاسة السابقة وهو بلا معارض .

   (2) وهو أن استصحاب عدم حدوث المانع لا أثر له في نفسه ، واستصحابه لاثبات إصابة الشمس وإشراقها على الأرض من الاُصول المثبتة ، ومع عدم إحراز الاصابة لا يمكن الحكم بالطهارة ، لأنها كما مرّ مترتبة على إصابة الشمس وإشراقها .

   (3) لأن في الأخبار الواردة في جواز الصلاة على الحصر والبواري عند جفافهما بالشمس ـ على القول بطهارتهما بذلك ـ ما يدل على أن إشراق الشمس على أحد جانبيهما يقتضي طهارة جميع أجزائهما الداخلية والخارجية ، كما في صحيحة علي بن جعفر المروية عن كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلى عليه ؟ قال : إذا يبست فلا بأس»(3) .

   وموثقة عمار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن البارية يبل قصبها بماء قذر ، هل تجوز الصلاة عليها ؟ فقال : إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها»(4) لأن ظاهر السؤال فيهما أن الماء القذر أصاب جميع أجزاء البارية وأجاب (عليه السلام) بأنها إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها ، ومقتضى مطابقة الجواب للسؤال أن الشمس إذا أصابت أحد جانبي البارية وجففته جازت الصلاة على كلا جانبيها ، فاذا كان جواز الصلاة عليها دليلاً على طهارتها فلا محالة يحكم بطهارة كلا الجانبين باشراق الشمس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وتقدم أن الأظهر عدم الحكم بالطهارة .

(2) تقدم آنفاً أن الأقرب عدم طهارته به .

(3) ، (4) الوسائل 3 : 453 / أبواب النجاسات  ب 30 ح 2 ، 5 .

ــ[146]ــ

وأما إذا كانت الأرض التي تحته نجسة فلا تطهر بتبعيته وإن جفت بعد كونها رطبة (1) ، وكذا إذا كان تحته حصير آخر إلاّ إذا خيط به على وجه يعدان معاً شيئاً واحداً (2) ، وأما الجدار المتنجِّس إذا أشرقت الشمس على أحد جانبيه فلا يبعد طهارة جانبه الآخر إذا جفّ به(3) وإن كان لا يخلو عن اشكال(4) وأما إذا أشرقت على جانبه الآخر أيضاً فلا إشكال .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على أحدهما .

   (1) وذلك لأنها جسم آخر ، والشمس إنما أصابت الحصير دون الأرض ، وقد اشترطنا في التطهير بها إصابتها على المتنجِّس والمفروض عدمها في المقام .

   (2) لعين ما عرفته آنفاً .

   (3) لأن الضمير في قوله (عليه السلام) «وهو طاهر» الوارد في صحيحة زرارة راجع إلى السطح أو المكان ، وقد دلّ على طهارتهما باشراق الشمس عليهما وتجفيفهما ومقتضى إطلاقه عدم اختصاص الطهارة بجانب منهما دون جانب ، وبذلك يحكم على طهارة السطح أو المكان بتمامهما إذا جفا بالشمس .

   (4) ومنشأ الاشكال في المقام دعوى أن إطلاق الصحيحة ينصرف إلى خصوص السطح الذي تشرق الشمس عليه ، وكذا أجزاؤه الداخلية غير القابلة لأن تصيبها وأما الجانب الآخر القابل لاشراق الشمس عليه في نفسه من غير أن يكون تابعاً لشيء آخر فلا يشمله إطلاقها . إلاّ أن دعوى الانصراف مما لا شاهد له ، وإطلاق الصحيحة يقتضي طهارة السطح أو المكان بأوّله وآخره وظاهره وباطنه .

   وبما ذكرناه يتضح أن الماتن لماذا خص الإستشكال في طهارة الجانب الآخر بالجدار ولم يستشكل في طهارة الجانب الآخر في الحصير ، وتوضيح الفارق بينهما : أن الحكم بالطهارة في الطرف الآخر في الجدار ـ  على تقدير نجاسته وجفافه بيبوسة الطرف الذي أشرقت عليه الشمس  ـ إنما هو باطلاق الصحيحة المتقدِّمة ، ومن ثمة استشكل في ذلك بدعوى الانصراف إلى الأجزاء غير القابلة لاشراق الشمس عليها في نفسها ، وأما الحكم بطهارة الجانب الآخر في الحصير فهو مستند إلى الروايتين

ـــــــــــــــــــــــــــ

المتقدِّمتين ، نظراً إلى أن مفروض سؤالهما وصول النجاسة إلى جميع أجزاء البارية وجوانبها ، كما أن مقتضى جوابه (عليه السلام) طهارة جميع تلك الأجزاء والجوانب بإشراق الشمس على بعضها ، فالاستدلال على طهارة الجانب الآخر في الحصير ليس هو بالإطلاق ليستشكل عليه بدعوى الانصراف .

   نعم ، هذا كله إنما هو فيما إذا قلنا بطهارة البواري بالشمس ، ولكنّا منعنا عن دلالة الأخبار على طهارتها وقلنا إن مدلولها جواز الصلاة فيها على تقدير يبوستها وهو لا يقتضي الطهارة فليلاحظ .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net