18 ـ غيبة المسلم 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6259


   الثامن عشر : غيبة المسلم فانّها مطهّرة لبدنه أو لباسه أو فرشه أو ظرفه أو غير ذلك ممّا في يده(3) .

 ـــــــــــــــــــــــ

 مطهِّريّة غيبة المسلم

    (3) عد غيبة المسلم من المطهرات لا يخلو عن تسامح ظاهر ، لأنها طريق يستكشف بها طهارة بدن المسلم وما يتعلق به لدى الشك ، لا أنها مطهرة لبدنه ومتعلقاته ، فالأولى ذكرها في عداد ما تثبت به الطهارة كإخبار ذي اليد وخبر الثقة ونحوهما .

   والوجه في الحكم بالطهارة معها استمرار سيرتهم القطعية المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) على المعاملة مع المسلمين وألبستهم وظروفهم وغيرها مما يتعلق بهم معاملة الأشياء الطاهرة عند الشك في طهارتها ، مع العلم العادي بتنجسها في زمان لا محالة ، ولا سيما في الجلود واللحوم والسراويل للعلم بتنجسها حين الذبح أو في وقت ما من غير شك ، ومع هذا كله لا يبنون على نجاستها بالاستصحاب وهذا مما لا شبهة فيه . إنما الكلام في أن الحكم بالطهارة وقتئذ وعدم التمسك باستصحاب

ــ[239]ــ

الحالة السابقة هل هو من باب تقديم الظاهر على الأصل ، لظهور حال المسلم في التجنب عن شرب النجس وعن الصلاة في غير الطاهر وعن بيع النجس من غير اعلام بنجاسته وهكذا ، أو أن الطهارة حكم تعبدي نظير قاعدة الطهارة من غير ملاحظة حال المسلم وظهوره ؟ فعلى الأول يستند عدم جريان الاستصحاب إلى قيام الأمارة على انتقاض الحالة السابقة وخلافها ، كما أنه على الثاني يستند إلى التخصيص في أدلة اعتبار الاستصحاب .

   ذهب شيخنا الأنصاري (قدس سره) إلى الأول لظهور حال المسلم في التنزه عن النجاسات ، وقد جعله الشارع أمارة على الطهارة ـ للسيرة وغيرها (1) ـ كما جعل سوق المسلمين أمارة على الذكاة ، وعليه لا يمكن الحكم بطهارة بدن المسلم وتوابعه إلاّ مع عدم العلم بعدم مبالاته بالنجاسة ، إذ لا يستكشف الطهارة بظهور حال المسلم مع القطع بعدم مبالاته بنجاسته . كما أنه يشترط في الحكم بالطهارة بناء على أنها من باب تقديم الظاهر على الأصل علم المسلم بنجاسة ما يستعمله ، لوضوح أنه لا ظهور في التنزه عن النجاسة في استعمالاته مع الجهل بالنجاسة ، وهذا ينحل إلى أمرين :

   أحدهما : استعماله الثوب أو غيره فيما يشترط فيه الطهارة .

   وثانيهما : العلم بشرطية الطهارة فيما يستعمله ، لأنه لولاهما لم يكن استعماله الخارجي إخباراً عملياً عن طهارة ما يستعمله فلا يكون له ظهور في الطهارة بوجه . نعم العلم بأن المستعمل عالم بالاشتراط غير معتبر في استكشاف الطهارة إذ يكفي احتمال كونه عالماً به ، وذلك لأن حال المسلم ظاهر في كونه عارفاً بما يشترط في أعماله ، ومن هنا لم نستبعد في التعليقة كفاية احتمال العلم أيضاً ، هذا كله بناء على أن الحكم بالطهارة عند الغيبة من باب تقديم الظاهر على الأصل وحمل فعل المسلم على الصحة .

   ولا يبعد أن يقال إن الحكم بالطـهارة أمر تعبدي كما هو الحال في قاعدة الطهارة من غير أن يلاحظ حال المسلم وظهوره ، وعليه لا يعتبر في الحكم بالطهارة شيء من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطهارة : 389 السطر 31 (بحث المطهرات ومنها : الغيبة) .

ــ[240]ــ

الشرائط المتقدِّمة ، ويبتني استكشاف أنه من باب التعبّد على التأمل في أن السيرة الجارية على الحكم بالطهارة في موارد الغيبة خاصة بموارد وجود الشرائط المتقدِّمة أو أنها جارية في جميع الموارد حتى في الفاقد لتلك الشروط ؟

   والأقرب أنها عامة لجميع موارد الشك في الطهارة وإن لم يكن واجداً للشروط ، وذلك لأن التأمل في سيرة الأئمة (عليهم السلام) وتابعيهم في عصرهم وغيره يعطي عدم اختصاصها بمورد دون مورد ، لأنهم (عليهم السلام) كانوا يساورون أهل الخلاف الموجودين في زمانهم ويدخلون بيوت الفسقة والمرتكبين لأعظم المحرمات ، مع أن العامة لا يلتزمون بنجاسة جملة من الاُمور المعلومة نجاستها عندنا لذهابهم إلى طهارة جلد الميتة بالدباغة (1) وطهارة مخرج البول بالتمسّح على الحائط ونحو ذلك (2) والفسقة كانوا يشربون الخمور ولا يبالون باصابة البول وغيره من النجاسات والمتنجسات ولم يسمع تجنبهم (عليهم السلام) عن أمثالهم وعدم مساورتهم أو غسلهم لما يشترونه من الفساق أو أهل الخلاف . وكذلك الحال في المسلمين فتراهم يشترون الفرو مثلاً ممن يغلب في بلاده المخالفون من غير سؤال عن صانعه وأنه من الشيعة أو غيرهم .

   وقد نسب إلى الميرزا الشيرازي (قدس سره) أنه كان بانياً في الحكم بالطهارة عند الغيبة على مراعات الشروط المتقدِّمة إلى أن نزل سامراء وشاهد العامة وأوضاعهم فعدل عن ذلك وبنى على عدم اعتبار تلك الشروط ، ومن الظاهر أن أهل الخلاف الذين كانوا يتعيشون في عصرهم (عليهم السلام) إما كانوا أسوأ حالاً منهم في عصرنا أو أنهم مثلهم ، وقد عرفت أن من النجاسات القطعية عندنا ما هو محكوم بالطهارة عندهم ، وكذلك أهل القرى والبوادي لعدم جريان السيرة على التجنب عن مساورتهم والمؤاكلة معهم مع العلم بتنجس ظروفهم أو ألبستهم أو أيديهم في زمان وعدم علمهم بنجاسة جملة من النجاسات والمتنجسات في الشريعة المقدّسة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم نقله في شرح العروة 2 : 455 .

(2) تقدّم نقله في شرح العروة  2 : 32 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net