الكلام في كفاية التمسّح بأقلّ من الثلاث إذا حصل النّقاء به 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5678


ــ[363]ــ

وفي المسح لا بدّ من ثلاث وإن حصل النقاء بالأقل ((1)) ، وإن لم يحصل بالثلاث فالى النقاء ، فالواجب في المسح أكثر الأمرين من النقاء والعدد (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يغسل ذكره ويذهب الغائط ثم يتوضّأ مرّتين مرّتين» (2) لدلالتها على أن المدار إنما هو إذهاب الغائط ، سواء كان ذلك بالتمسح أو بالغسلة الواحدة أو بالغسلتين .

   (1) لا ينبغي التردد في أن الغائط إذا لم يذهب عينه بالتمسح ثلاثاً لم يحكم بطهارة المحل ، بل وجب غسله أو التمسح بعد ذلك حتى يحصل النقاء ، إذ لا يحتمل طهارة المحل بمجرد المسح ثلاث مرات وإن كانت العين بحالها ، فزوال العين مما لا بدّ منه في كل من الغسل والمسح ، وإنما الكلام في أن النقاء إذا حصل بأقل من الثلاث فهل يكتفى به في تطهير المحل أو يجب إكمال الثلاث ؟ والكلام في ذلك يقع في موردين :

   أحدهما : أن التمسح بأقل من الثلاث هل دلّ دليل على كفايته ، بحيث لا تصل النوبة إلى الشك والأصل العملي من استصحاب النجاسة أو قاعدة الطهارة ، أو لا  دليل عليها ولا بدّ من الرجوع إلى الأصل العملي في المسألة ؟

   وثانيهما : في الأدلّة الواردة في التقييد بالثلاث .

   أمّا المورد الأوّل : فقد يستدل على كفاية الأقل من الثلاث بعدة من الروايات :

   منها : موثقة يونس بن يعقوب المتقدِّمة ، لأن السؤال فيها وإن كان عن الوضوء إلاّ أنه (عليه السلام) تصدى لبيان ما يعتبر في الوضوء ومقدماته من غسل الذكر وتطهير موضع الغائط أيضاً تفضلاً ، وحيث إنه لم يقيد إذهاب الغائط بشيء فمقتضى إطلاقها عدم الفرق بين التمسح مرة واحدة أو مرتين ، لأن المدار على ما يستفاد منها إنما هو على ذهاب الغائط فحسب فاذا حصل بالمسح مرة واحدة حكم بكفايته .

   وعن شيخنا الأنصاري (قدس سره) المناقشة في الموثقة ، بأن ذكر الوضوء في صدرها وذكر غسل الذكر في الجواب ، قرينتان على أنها ناظرة إلى التطهير بالماء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط وجوباً .

(2) الوسائل 1 : 316 / أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5 .

ــ[364]ــ

فلا  تعم التمسح بالأحجار أو غيرها ، فالمراد من الموثقة أنه يغسل ذكره ودبره ، وإنما ترك التعبير بغسل الدبر للاستهجان بذكره (1) .

   وفيه : أن الذكر والدبر في الاستهجان سواء ، فلماذا صرح بالذكر دون الدبر . على أن في بعض الروايات صرح بمسح العجان (2) وهو والدّبر بمعنى واحد . هذا مضافاً إلى إمكان التعبير عن الدبر بموضع الغائط ومحل النجو ونحوهما مما لا استهجان في ذكره فعدم ذكر الغسل في موضع الغائط يكشف عن أن الموثقة ناظرة إلى كفاية مجرّد النقاء سواء أ كان بالماء أو بالتمسح مرة أو مرتين أو أكثر .

   ومنها : حسنة ابن المغيرة المتقدِّمة (3) لأنها صريحة الدلالة على أن حدّ الاستنجاء هو النقاء سواء حصل ذلك بالغسل أو بالتمسح مرة أو مرتين أو أكثر .

   وربما يناقش في دلالتها ـ كما عن شيخنا الأنصاري ـ (قدس سره) بأن الرواية بذيلها «قلت ينقي ماثمة ويبقى الريح ؟ قال : الريح لا ينظر إليها» ظاهرة في إرادة النقاء بالماء ، لأن الريح الباقية في المحل إنما يستكشف باستشمام اليد ، ومزاولة اليد المحل إنما هي في الاستنجاء بالماء (4) .

   ولا يخفي ضعف هذه المناقشة ، لأن بقاء الريح كما يمكن استكشافه باستشمام اليد المزاولة للمحل كذلك يمكن أن يستكشف بغيرها من الأشياء الملاقية له ، وكذا باستشمام اليد الماسحة على الموضع بعد التمسح بالأحجار أو الخرق ونحوهما ، فهذه المناقشة ساقطة .

   نعم ، يرد على الاستدلال بالحسنة ، أن المراد بالنقاء لو كان يعم التمسّح لكان الأولى بل المتعيّن أن يسأل عن الأجزاء الصغار أيضاً ، لتخلّفها في المحل وعدم زوالها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطهارة 1 : 457 .

(2) وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال  «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار، أن يمسح العجان ولا يغسله...» الوسائل 1 : 348 / أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 3 .

(3) في ص 362 .

(4) كتاب الطهارة 1 : 455 .

ــ[365]ــ

بالتمسّح . ويشهد لذلك اختباره في اليد الملوثة بالوحل أو غيره ، حيث ترى أن مسحها بالحجر أو الخرق لا يزيل الأجزاء الصغار ، ومن هنا ذكر فقهاؤنا الأعلام (قدس سرهم) أنه لا يعتبر في الاستنجاء بالتمسح إزالة الأثر المفسر بالأجزاء الصغار ، دون الأعراض الخارجية من اللون والرائحة ونحوهما ، لعدم اعتبار زوالها في الغسل فكيف بالمسح ، وحيث لم يسأل عن الأجزاء الصغار فيستكشف به أن الرواية ناظرة إلى الاستنجاء بالماء ولا تعم التمسح أصلاً . بل لو كانت الرواية ناظرة إلى الأعم منه لم يبق موجب للسؤال عن بقاء الريح بوجه ، وذلك لأن التمسح غير قالع للأجزاء الصغار وهي مستتبعة لبقاء الريح بلا كلام ، ومع العفو عن الأجزاء المذكورة كيف يكون بقاء الريح مخلاً للطهارة ، وهذا بخلاف ما إذا اختصت الرواية بالغسل ، فان بقاء الريح أمر لا  يلازمه ، بل قد تزول به وقد لا تزول ، كما إذا كان الغائط عفناً جداً ، وعليه فللسؤال عن بقاء الريح مجال .

   وحاصل الجواب عنه : أن المبالغة في الغسل على وجه يذهب به الريح غير معتبر في الاستنجاء ، ومجرد زوال العين كاف في طهارة المحل ، ولعل هذا مراد من منع عن دلالة الرواية على كفاية الأقل من الثلاث في المسح .

   ومنها : رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : «يجزئ من الغائط المسح بالأحجار ، ولا يجزئ من البول إلاّ الماء» (1) بتقريب أن اللاّم في الأحجار للجنس ، ومقتضاه أن جنس الحجر كاف في تطهير المحل متعدِّداً  كان أو غيره ، ولم يرد به الجمع ليقال إن أقل الجمع ثلاثة .

   وفيه : أن اللاّم وإن كان للجنس كما اُفيد ، إذ لا يحتمل حمله على الاستغراق للقطع بعدم إرادة التمسح بأحجار العالم جمع ، كما لا يحتمل حمله على العهد لبعد إرادة الأحجار المعهودة خارجاً ، فلا مناص من أن يكون اللاّم للجنس والطبيعة ، وإنما الكلام في أن المراد به طبيعي الفرد أو طبيعي الجمع ، ولا إشكال في أن ظاهر اللاّم الداخل على الجمع جنس الجمع لا الفرد ـ  حيث لا قرينة على العهد ولم يمكن حمله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 348 / أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 2 .

ــ[366]ــ

على الاستغراق  ـ نعم قد تقوم القرينة على إرادة جنس الفرد من اللاّم الداخل على
الجمع ، كما في قوله عزّ من قائل : (وَاعْلَمُوا أَ نَّما غَنِمْتُم مِن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبى وَاليَتامى والمَساكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ ... ) (1) وقوله : (إِنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالمَساكِينِ وَالعامِلِينَ عَلَيْها ... ) (2) وذلك لوضوح أن الخمس والصدقات إنما تدفعان للأفراد لا إلى الجموع ، فهذه الرواية على خلاف المطلوب أدل .

   ومنها : مضمرة زرارة : «كان يستنجي من البول ثلاث مرّات ، ومن الغائط بالمدر والخرق» (3) حيث لم يقيد المسح بالمدر والخرق بالتعدّد ، ومقتضى إطلاقها كفاية التمسّح مطلقاً .

   ويرد هذا الاستدلال ، أن الرواية غير واردة لبيان اعتبار التعدّد وعدمه ، وإنما وردت حكاية عن فعل الامام (عليه السلام) وغاية ما تدل عليه أن مخرج البول لا  يجتزأ فيه بالتمسح ، لالتزامه (عليه السلام) فيه بالماء وإنما يكفي ذلك في الغائط ، وأما أنه يكفي مطلقاً أو ثلاث مرات فليست الرواية ناظرة إليه . وعلى الجملة الراوي إنما حكى عن الامام كفاية التمسح في الغائط دون التعدّد وعدمه ، إذ لم يكن (عليه السلام) يستنجي من الغائط بمرأى من زرارة ليتمكن من حكاية ذلك عنه (عليه السلام) .

   والحاصل أن الأخبار المتقدِّمة لا دلالة في شيء منها على الاجتزاء بالأقل من الثلاث ، عدا موثقة يونس لتماميـة دلالتها كما مرّ ، ومعها لا تصل النوبة إلى الأصل فان قام دليل مقيد لاطلاقها فلا كلام وإلاّ فلا مناص من الأخذ باطلاق الموثقة والحكم بالاجتزاء بالأقل من الثلاث في المسح كالغسل ، هذا كله في المورد الأول .

   وأمّا المورد الثاني : فقد ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنة من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنفال 8 : 41 .

(2) التوبة 9 : 60 .

(3) الوسائل 1 : 344 / أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 6 .

ــ[367]ــ

رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) »(1) وقد قيدت المجزئ من الاستنجاء بالثلاث ، وحيث إنّا نلتزم بمفهوم العدد بالاضافة إلى الأقل ، لأن المتفاهم العرفي في مثل قولنا : الاقامة عشرة أيام موجبة لاتمام الصلاة ، عدم وجوب الاتمام في الاقامة بما دون العشرة ، فلا مناص من الالتزام بعدم إجزاء ما دون الأحجار الثلاثة في المقام ، فهي صالحة لتقييد الموثقة المتقدِّمة بما إذا كان إذهاب الغائط في التمسح بالثلاث .

   هذا وقد نوقش في التقييد بهذه الصحيحة من وجوه :

   الأوّل : استبعاد وجوب التمسح ثانياً وثالثاً بعد النقاء ، لأن المسح وقتئذ لغو ظاهر لا يترتب عليه أي أثر .

   ويبعده أن الأحكام التعبدية لا سبيل إلى استكشاف ملاكاتها بالوجوه الاعتبارية والاستحسانات ، ومن المحتمل أن يكون الملاك في وجوب التمسّح ثلاثاً أمراً آخر وراء النقاء ، ونظائر ذلك كثيرة في الشريعة المقدّسة . منها : وجوب الغسل مرّتين كما في المتنجِّس بالبول ، لأ نّا إذا بالغنا في الغسلة الاُولى في غسله وأزلنا عنه العين وأثرها لم يترتب على الغسلة الثانية أثر حينئذ ، مع أنها معتبرة في الحكم بطهارته . ومنها : وجوب الغسل ثلاث مرات في الاناء ، مع أن العين قد تزول عنه بالأقل من الثلاث . ومن هذا القبيل نفس الخزف المصنوع منه الاناء لأنه إذا صنع بهيئة غير الاناء كفى في تطهيره الغسل مرّة ، وإذا صنع بهيئة الاناء اعتبر فيه الغسل ثلاث مرّات ، مع أن الخزف هو الخزف بعينه . وكذا الحال في إزالة الغائط بالتمسح حيث يختص ذلك بما إذا كان الغائط في المحل ، لأنه إذا كان في غير المخرج لم يكف في إزالته المسح من غير خلاف ، مع أن العذرة هي العذرة بعينها . وعلى الجملة لا مجال لاستكشاف الملاكات بالاستحسان ، وحيث إن الدليل دلّ على وجوب التمسح ثلاثاً فلا مناص من الأخذ بظاهره والحكم باعتبار التعدّد وإن حصل النقاء قبل الثلاث .

   الثاني : أن الصحيحة تشتمل على كلمة السنة وهي تحتمل الاستحباب ، ومع احتماله لا يمكن الاستدلال بها على وجوب التمسح ثلاثاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 315 / أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1 .

ــ[368]ــ

   ويندفع بأن السنّة في قبال الفريضة ، فالمراد بها ما ثبت وجوبه وتشريعه من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما أن الفريضة هي ما أوجبه الله سبحانه في كتابه . واستعمال السنة بالمعنى المذكور أمر شائع في الأخبار ، فاذا قيل : الركعتان الأخيرتان سنتان في الصلاة ، لا يراد منها استحبابهما وهذا ظاهر .

   الثالث : أن التقييد في الصحيحة بالثلاث إنما ورد مورد الغالب ، لعدم حصول النقاء غالباً بالمسح بأقل من ثلاث مرات ، ولا مفهوم للقيد إذا كان وارداً مورد الغالب كما في قوله عزّ من قائل: (وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِن نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ )(1) .

   وهذه المناقشة يرد عليها أمران :

   أحدهما : منع الكبرى المدعاة ، لأن الاتيان بأي قيد في الكلام ظاهره أن للمتكلم عناية خاصّة به وهو يقتضي المفهوم لا محالة ، ورد في مورد الغالب أو غيره ، لأن الغلبة غير مانعة عما ندعيه من الظهور ، وأما عدم التزامنا بمفهوم القيد في الآية المباركة فهو مستند إلى الأدلّة الدالّة على أن حرمة الربائب لا تختص بما إذا كانت في الحجور ولو لا تلك الأدلّة لالتزمنا بمفهومه كما التزمنا به في قوله : دخلتم بهن . مع أن كون المرأة المزوجة مدخولاً بها أمر غالبي وقلّما يتفق عدم الدخول بها .

   وثانيهما : أن القيد الوارد مورد الغالب لو سلمنا عدم دلالته على الاختصاص فلا  ينطبق ذلك على المقام لعدم كونه من هذا القبيل ، وذلك لأن حصول النقاء بالتمسح بثلاثة أحجـار ليس بغالبي فانّه كما يحصل بالثلاثة كذلك يحصل بالأربعة والخمسة نعم لا يحصل النقاء بالمرة الاُولى والثانية غالباً ، لا أن حصوله غالبي في الثلاثة ، فلو كانت العبارة هكذا : لا يجتزأ بالمرة الاُولى والثانية ، لكان للقول بأن التقييد بهما مستند إلى الغلبة وجه صحيح . وأما في مثل قوله (عليه السلام) يجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار فلا ، لعدم الغلبة في الثلاثة كما عرفت .

   إذن فما ذهب إليه المشهور من اشتراط أن يكون التمسح بثلاثة أحجار هو الصحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 23 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net