كفاية الحجر الواحد ذي الجهات الثلاث - كفاية كلّ قالع للنّجاسة ولو كان أصابع المتخلِّي 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6409


ــ[369]ــ

ويجزئ ذو الجهات الثلاث من الحجر ((1)) ، وبثلاثة أجزاء من الخرقة الواحدة ، وإن كان الأحوط ثلاثة منفصلات (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بعد ما اتضح أن التمسح يشترط أن يكون بالثلاث ولا يجزئ الأقل منها ، يقع الكلام في أنه هل يعتبر في الاستنجاء به أن يكون المسح بثلاثة أحجار ، أو يكفي التمسّح بالحجر الواحد ثلاث مرات ، كما إذا كان له جهات ثلاث ؟ وبعبارة اُخرى أن المعتبر تعدّد المسح فحسب وإن كان ما به التمسح واحداً ، أو يعتبر التعدّد في كل من التمسح وما به المسح ؟

   اختلفت كلماتهم في المقام ، فذهب جماعة إلى اعتبار التعدّد فيما يتمسح به من الحجر أو غيره نظراً إلى صحيحة زرارة المتقدِّمة : «يجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار» لصراحتها في تعدد ما يتمسح به .

   وعن جماعة آخرين كفاية التمسح بالحجر الواحد ثلاثاً كما إذا كانت له جهات ثلاث ، للقطع بعدم الفرق بين الاتصال والانفصال ، حيث إن المدار على التمسح ثلاث مرات سواء أ كان ما يتمسح به في كل مرة منفصلاً عما يتمسح به في المرة الاُخرى أم لم يكن .

   وهذه الدعوى عهدتها على مدعيها ، لما تقدم من أن الأحكام التعبدية لا سبيل إلى استكشاف ملاكاتها بالوجوه الاعتبارية والاستحسانات ، إذ من المحتمل بالوجدان أن يكون للانفصال خصوصية لا يحصل الغرض من التمسح إلاّ به ، ولولا هذا الاحتمال للزم الحكم بكفاية الغسلة الواحدة ـ  فيما يجب فيه الغسلتان  ـ إذا كانت الغسلة بمقدار الغسلتين بحسب الكم والزمان ، كما إذا فرضنا زمان كل من الغسلتين دقيقة واحدة وكان الماء المستعمل فيها بمقدار كأس مثلاً ، وقد غسلناه دقيقتين وصببنا عليه الماء كأسين ، فهل يصح أن يقال إنها غسلتان متصلتان ولا فرق بين اتصالهما وانفصالهما ، فهذه الدعوى ساقطة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال ، والاحتياط لا يترك .

ــ[370]ــ

   ويكفي كل قالع ولو من الأصابع ((1)) (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومن الغريب في المقام ما صدر عن بعضهم من أن قوله (عليه السلام) «يجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار» يدل على كفاية التمسح بالحجر ذي جهات ثلاث ، وذلك بدعوى أن المراد بالتمسح بثلاثة أحجار هو ثلاث مسحات قياساً للمقام بما إذا قيل : ضربته خمسين سوطاً ، لوضوح أن صدقه لا يتوقّف على تعدّد السوط وما به الضرب ، وعليه فالمسح ثلاث مرات إنما يقتضي تعدّد المسح سواء أ كان ما به التمسّح أيضاً متعدِّداً أم لم يكن .

   والوجه في غرابته ، أن السوط في المثال مصدر ساط أي ضرب بالسوط ، لأنه قد يستعمل بالمعنى المصدري وقد يستعمل بمعنى الآلة وما به الضرب ، فالمعنى حينئذ : ضربته خمسين مرّة بالسوط ، فسوطاً مفعول مطلق للضرب أي ضربته كذا مقداراً ضرباً بالسوط ، فالتعدّد في المثال إنما هو في الضرب لا في السوط وما به الضرب وأين هذا من قوله (عليه السلام) «يجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار» حيث إن التعدّد فيه في الآلة وما به التمسح أعني الأحجار ، ولا ينطبق الأحجار الثلاثة على الحجر الواحد وإن كان ذا جهات ثلاث . وعلى ذلك لا مناص من أن يكون ما يتمسّح به كالمسح متعدداً . نعم قد يصدق المسح بالأحجار الثلاثة على التمسّح بالحجر الواحد كما إذا كان حجراً عظيماً أو جبلاً متحجِّراً ، لأنه حجر واحد حقيقة إذ الاتصال مساوق للوحدة ، مع أنه لو تمسح بأطرافه الثلاثة صدق التمسح بالأحجار الثلاثة عرفاً لطول الفواصل بين الأطراف .

   (1) كما إذا استنجى بثلاثة من أصابعه ، والمستند في ذلك اُمور :

   الأوّل : الاجماع على أنه لا فرق في جواز الاستجمار بين الأحجار وغيرها من الأجسام الطاهرة القالعة للنجاسة ـ ولو كانت هي أصابع المتخلي ـ عدا ما استثني من العظم والروث وغيرهما مما يأتي عليه الكلام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع .

ــ[371]ــ

   ويندفع بأن الاجماع التعبدي على جواز الاستجمار بكل جسم قالع للنجاسة لم يثبت بوجه ، وعلى فرض التحقق لا نعلم بل نظن أن يكون المراد من معقد إجماع المجمعين أي جسم قالع للنجاسة ولو كان من أعضاء المتخلي كأصابعه .

   الثاني : الأخبار المشتملة على كفاية الاستجمار بغير الأحجار من المدر والخرق والكرسف وغيرها ، فقد ورد في بعضها أن الحسين بن علي (عليه السلام) كان يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغسل (1) وفي مضمرة زرارة المتقدِّمة (2) أنه كان يستنجي من الغائط بالمدر والخرق (الخزف) كما عن بعض نسخ التهذيب (3) ومعها لا نحتمل أن تكون للأحجار خصوصية بوجه . نعم لو كان الوارد في النصوص خصوص التمسح بالأحجار لاحتملنا أن تكون لها مدخلية في الحكم بالطهارة ، كما أ نّا لا نحتمل خصوصية للكرسف والمدر وغيرهما من الاُمور الواردة في النصوص ، بل يستفاد من مجموع الأخبار الواردة في المسألة أن الحكم يعم كل جسم قالع للنجاسة ولو كان من أعضاء المتخلِّي كأصابعه .

   ويؤيده ما ورد في رواية ليث المرادي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود ؟ قال : أما العظم والروث فطعام الجن وذلك مما اشترطوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : لا يصلح بشيء من ذلك» (4) حيث إن ظاهرها أن الأجسام القالعة بأجمعها صالحة للاستنجاء عدا العظم والروث لاقترانهما بالمانع وهو عهده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للجن أن لا يستعمل طعامهم في الاستنجاء بلا فرق في ذلك بين الأصابع وغيرها .

   ويرد هذا الوجه أن الأحجار وإن لم يحتمل أن تكون لها خصوصية في الاستنجاء فلا مانع من التعدي عنها إلى كل جسم قالع للنجاسة إلاّ أن التعدي إلى مثل الأصابع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 358 / أبواب أحكام الخلوة ب 35 ح 3 .

(2) في ص 366 .

(3) كما في مصباح الفقيه (الطهارة) : 91 السطر 8 .

(4) الوسائل 1 : 357 / أبواب أحكام الخلوة ب 35 ح 1 .

ــ[372]ــ

التي هي من أعضاء المتخلي وليست من الأجسام الخارجية الواردة في الروايات يحتاج إلى دليل ، إذ لا يستفاد من النصوص سوى التعدي إلى الأجسام الخارجية دون الأصابع ونحوها .

   الثالث : حسنة ابن المغيرة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «قلت له : للاستنجاء حد ؟ قال لا ، ينقي ماثمة ...» (1) حيث إن الظاهر من جواب الامام (عليه السلام) بقوله : «لا ، ينقي ماثمة» أن المدار في طهارة موضع الغائط على النقاء ، سواء أ كان ذلك بالماء أو حصل من التمسح بالكرسف أو الأحجار أو غيرهما من الأجسام القالعة للنجاسة ولو كانت هي الأصابع .

   ويدفع ذلك أمران : أحدهما : ما قدمناه من أن المراد بالنقاء بقرينة السؤال عن الريح هو النقاء المسبب من الغسل ، إذ لو كان المراد به الأعم من التمسّح والغسل لكان المتعيّن أن يسأله عن الأجزاء الصغار المتخلفة في المحل بعد المسح ، بل لم يكن وجه للسؤال عن الريح لأنها من لوازم المسح كما مر .

   وثانيهما : أن الحسنة ـ بعد الغض عن المناقشة المتقدِّمة ـ إنما وردت لبيان حد الاستنجاء فحسب لأنه مورد السؤال فيها ، ولم ترد لبيان حد ما يستنجى به ، وكم فرق بينهما ، فالحسنة لا إطلاق لها من تلك الناحية حتى يشمل الأصابع ونحوها .

   الرابع : موثقة يونس بن يعقوب «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال : يغسل ذكره ويذهب الغائط ثم يتوضّأ مرّتين مرّتين» (2) حيث إنها ناظرة إلى بيان ما يجب في الوضوء وما هو مقدّمة له من غسل الذكر وإذهاب الغائط ، وحيث إنها مطلقة فتعم إذهابه بكل جسم قالع للنجاسة ولو كان هي الأصابع ، ولعل هذه الموثقة هي التي اعتمد عليها الماتن في المقام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 322 / أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 1 ، 358 ب 35 ح 6 ، 3 : 439 / أبواب النجاسات ب 25 ح 2 .

(2) الوسائل 1 : 316 / أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net