5 ـ ناقضيّة زوال العقل 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6416


ــ[445]ــ

   الخامس : كل ما أزال العقل (1) مثل الاغماء والسكر والجنون دون مثل البهت .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يوم الجمعة بعد ما ازدحم الناس إلى الصلاة وقامت الصفوف إن كان خرج من المسجد وخرق الصفوف من دون أن يصرح بعذره فلا شبهة في أنه على خلاف التقية المأمور بها ، فانّه إعراض عن الواجب المتعيّن في حقه من غير عذر وهو يستتبع الحكم بفسقه على الأقل . وإن كان قد خرج مصرحاً بعذره أيضاً ارتكب خلاف التقية ، لأن النوم اليسير أو النوم جالساً ولو كان غير يسير ليس من النواقض عند كثير منهم كما عرفت ، فكيف يمكن أن يعلل الخروج بالنوم اليسير أو بالنوم جالساً ومن هنا ورد في الرواية «أنه في حال ضرورة» وعليه فلا مناص من الحكم بصحة صلاته لأنها مع الطهارة على عقيدتهم ، وإن كان الأمر على خلاف ذلك عندنا لانتقاض وضوئه بالنوم ، وهي نظير ما إذا توضأ على طريقتهم بأن مسح على الخف أو غسل منكوساً تقيّة ، لأنه متطهر حينئذ على عقيدتهم ولأجله يحكم بصحّة صلاته للعمومات الدالّة على أن التقيّة في كل شيء كما يأتي تفصيله في محلِّه (1) إن شاء الله .

   فالمتحصل : أن الرجل إذا نام في المسجد يوم الجمعة وهو جالس لم يحكم بوجوب الوضوء في حقه فيما اقتضت التقية ذلك ، بل لا بدّ من الحكم بصحّة صلاته ، فالعمل بالرواية على طبق القاعدة . اللّهمّ إلاّ أن يقوم إجماع تعبّدي على بطلان وضوئه أو صلاته في مفروضها ، إذ معه لا بدّ من الحكم بالبطلان لأنه دليل شرعي يخصص به عمومات التقيّة .

   (1) المتسالَم عليه بين الأصحاب (قدس سرهم) أن الاغماء والسكر وغيرهما من الأسباب المزيلة للعقل ناقض كالنوم ، والعمدة في ذلك هو التسالم والاجماع المنقولين عن جمع غفير . نعم توقّف في ذلك صاحبا الحدائق (2) والوسائل (3) (قدس سرهما) إلاّ أن مخالفتهما غير مضرة للاجماع ، لما مرّ غير مرة من أن الاتفاق بما هو كذلك مما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في بحوث التقية الجهة الثانية ذيل المسألة [ 527 ] .

(2) الحدائق 2 : 107 .

(3) الوسائل 1 : 257 / أبواب نواقض الوضوء ب 4 ذيل الحديث 1 .

ــ[446]ــ

لا اعتبار به ، وإنما المدار على حصول القطع أو الاطمئنان بقول المعصوم (عليه السلام) من اتفاقاتهم ، وحيث إنّا نطمئن بقوله (عليه السلام) من اتفاق الأصـحاب (قدس سرهم) في المسألة فلا مناص من اتباعه ، وإن خالف فيها من لم يحصل له الاطمئنان بقوله (عليه السلام) من إجماعهم .

   وقد ذكر المحقق الهمداني (قدس سره) (1) : أنه قلّما يوجد في الأحكام الشرعية مورد يمكن استكشاف قول الامام (عليه السلام) أو وجود دليل معتبر من اتفاق الأصحاب مثل المقام ، كما أنه قلّما يمكن الاطلاع على الاجماع لكثرة ناقليه واعتضاد نقلهم بعدم نقل الخلاف كما فيما نحن فيه ، فلعل الوجه في مخالفة صاحبي الحدائق والوسائل عدم تمامية الاجماع عندهما .

   ثم إن اتفاقهم هذا في المسألة إن استكشفنا منه قوله (عليه السلام) ولو على وجه الاطمئنان فهو ، وإلاّ فلتوقفهما مجال واسع .

   وقد يستدل على ذلك بوجوه : منها : صحيحة زرارة المتقدِّمة (2) . «قلت لأبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) ما ينقض الوضوء ؟ فقالا : ما يخرج من طرفيك الأسفلين ... والنوم حتى يذهب العقل» وما رواه عبدالله بن المغيرة ومحمد بن عبدالله في الحسن عن الرضا (عليه السلام) قالا : «سألناه عن الرجل ينام على دابته ؟ فقال : إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» (3) بتقريب أن الروايتين تدلاّن على أن الوضوء ينقض بالنوم حتى يذهب العقل ، أو إذا ذهب النوم بالعقل ، ومعنى ذلك أن الناقض حقيقة هو ذهاب العقل سواء استند ذلك إلى النوم أم إلى غيره .

   ويرده أن الصحيحة والحسنة إنما وردتا لتحديد النوم الناقض للوضوء ، وقد دلّتا على أن الناقض هو النوم المستولي على العين والاُذن والقلب ، وهو المعبّر عنه بذهاب العقل ، وليست فيهما أية دلالة ولا إشعار بأن الناقض ذهاب العقل بأي وجه اتفق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 78 السطر 31 .

(2) في ص 431 .

(3) الوسائل 1 : 252 / أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 2 .

ــ[447]ــ

   ومنها : صحيحة معمر بن خلاد قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع ، والوضوء يشتد عليه ، وهو قاعد مستند بالوسائد فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال ؟ قال : يتوضأ ، قلت له : إن الوضوء يشتد عليه لحال علته ، فقال : إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء ...» (1) وذلك بتقريبين :

   أحدهما : أن الاغفاء وإن كان قد يطلق ويراد به النوم إلاّ أنه في الصحيحة بمعنى الاغماء ، وذلك لأن كلمة «ربّما» تدل على التكثير بل هو الغالب فيها على ما صرح به في مغني اللّبيب(2) ، ومن الظاهر أن ما يكثر في حالة المرض هو الاغماء دون النوم .

   ويندفع بأن الاغفاء في الصحيحة بمعنى النوم ولم تقم قرينة على إرادة الاغماء منه وأما كلمة «ربما» فهي إنما تستعمل بمعنى «قد» كما هو الظاهر منها عند الاطلاق ، فمعنى الجملة حينئذ : أنه قد يطرأ عليه الاغفاء أي النوم ، وإنما احتيج إلى استعمال تلك الكلمة ـ  مع أن النوم قد يطرأ على الانسان  ـ من دون أن يحتاج إلى البيان ، نظراً إلى أن النوم وهو قاعد متكئ على الوسادة خلاف المعتاد ، إذ العادة المتعارفة في النوم هو الاضطجاع .

   وثانيهما : أن قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة : «إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء» يدل على أن خفاء الصوت على المكلف هو العلة في انتقاض الوضوء ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في ذلك بين أن يستند إلى النوم وبين استناده إلى السكر ونحوه من الأسباب المزيلة للعقل .

   وفيه : أن الخفاء على نحو الاطلاق لم يجعل في الصحيحة مناطاً للانتقاض ، وإنما دلّت الصحيحة على أن خفاء الصوت في خصوص النائم كذلك ، وهذا لأن الضمير في «عليه» راجع إلى الرجل النائم ، فلا دلالة في الصحيحة على أن مجرد خفاء الصوت ينقض الوضوء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 257 / أبواب نواقض الوضوء ب 4 ح 1 .

(2) مغني اللّبيب 1 : 180 .

ــ[448]ــ

   ومنها : ما رواه الصدوق في العلل والعيون عن الرضا (عليه السلام) قال : «إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم ـ إلى أن قال ـ وأما النوم فان النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شيء منه واسترخى ، فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة» (1) وذلك لوحدة الملاك ، حيث إن من ذهب عقله لسكر أو إغماء ونحوهما يسترخي مفاصله ويفتح منه كل شيء ، والغالب في تلك الحالة خروج الريح كما في النائم بعينه ، فهو ومن ذهب عقله سيّان في المناط .

   والاستدلال بهذه الرواية في المقام قابل للمناقشة صغرى وكبرى . أما بحسب الصغرى ، فلأنه لم يعلم أن الجنون أو غيره من الأسباب المزيلة للعقل يستتبع الاسترخاء كالنوم .

   وأما بحسب الكبرى ، فلأن الرواية كما مر إنما وردت لبيان حكمة التشريع والجعل والاطراد غير معتبر في الحِكَم ، ومن ثمة أوجبنا الوضوء على النائم وإن علم بعدم خروج الريح منه ، ولا يحكم بارتفاع الطهارة في من له حالة الفتور والاسترخاء إلاّ أن يعلم بالخروج . على أن الرواية ضعيفة السند كما مر .

   ومنها : رواية دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) «إن الوضوء لا يجب إلاّ من حدث ، وأن المرء إذا توضأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ، ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكن منه ما يجب منه إعادة الوضوء» (2) .

   ويرد عليه : أن مؤلف كتاب الدعائم وإن كان من أجلاء أصحابنا ، إلاّ أن رواياته مرسلة وغير قابلة للاعتماد عليها بوجه . على أن الرواية تشتمل على انتقاض الطهارة بالاغماء فحسب ، والتعدِّي عنه إلى الجنون والسكر وغيرهما من الأسباب المزيلة للعقل يحتاج إلى دليل . وعلى الجملة أن العمدة في المسألة هو الاجماع كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّمت الاشارة إلى مصادرها في ص 443 .

(2) المستدرك 1 : 229 / أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 4 . دعائم الاسلام 1 : 101 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net