ما توهم منافاته لاستحباب الغسل ثانياً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6853

   ما توهّم منافاته لاستحباب الغسل ثانياً :

   الأوّل : الوضوءات البيانية ، لأنها على كثرتها وكونها واردة في مقام البيان غير

ــ[34]ــ

متعرضة لاستحباب الغسل مرتين ، وإنما اشتملت على اعتبار غسل الوجه واليدين ولزوم المسح على الرأس والرجلين ، فلو كانت التثنية مستحبة في غسل الوجه واليدين لكانت الأخبار المذكورة مشتملة على بيانها لا محالة .

   الثاني : موثقة عبدالكريم بن عمرو قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الوضوء ، فقال : ما كان وضوء علي (عليه السلام) إلاّ مرّة مرّة» (1) وبمضمونها غيرها من الروايات ، فلو كان الغسل ثانياً أمراً مستحباً وأفضل في الشريعة المقدسة فكيف التزم علي (عليه السلام) بالوضوء مرة مرة طيلة حياته ؟ .

   الثالث : صحيحة زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليه السلام) إن الله وتر يحب الوتر فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين ...» (2) وهذه الاُمور هي التي تبعّد الاستدلال بالأخبار المتقدمة على استحباب الغسلة الثانية في كل من الوجه واليدين .

   ولكن الصحيح أن الوجوه المتقدمة غير منافية للمدعى ، وذلك لأن الأخبار البيانية ناظرة إلى بيان ما يعتبر في كيفية الوضوء ، من غسل اليدين إلى الأصابع ومسح الرأس والرجلين على النحو الدائر المتعارف لدى الشيعة ، إيذاناً بأن وضوء العامة أجنبي عن وضوء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنه ليس بوضوئه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بل إن وضوءه ليس إلاّ ما هو الدائر عند الشيعة ، وإلى ذلك يشير بقوله (عليه السلام) في جملة من الروايات «ألا أحكي لكم وضوء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) » أو ما هو بمعناه فليلاحظ (3) وليست ناظرة إلى بيان الكم والعدد واعتبار الغسل الواحد فيه أو المتعدد ، فهذا الوجه ساقط .

   وأمّا صحيحة زرارة فهي بقرينة اشتمالها على كلمة يجزئك واردة لبيان اعتبار الغسل الواحد في مقام الإجزاء ، بمعنى أن الله وتر وقد أمر بالغسل مرة وهو الغسل الواجب في الوضوء ، ويجوز الاكتفاء به في مقام الامتثال ، وأما الغسل الزائد على ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 437 / أبواب الوضوء ب 31 ح 7 ، 2 .

(3) الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 .

ــ[35]ــ

ـ  أعني الغسل الثاني  ـ فهو أمر مستحب ، وقد زاده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على ما في بعض الروايات (1) .

   وأمّا ما دلّ على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان ملتزماً بالغسل مرة في وضوئه فليس إلاّ حكاية فعل صادر عنه وهو مجمل غير مبين الوجه في الرواية ، فلا ينافي الأخبار المعتبرة الدالة على أن الغسل ثانياً أمر مندوب في الشريعة المقدسة ، وغاية الأمر أ نّا لا نفهم الوجه في فعله (عليه السلام) وأنه لماذا كان ملتزماً بالغسل الواحد ولا يمكننا رفع اليد عن الأخبار الظاهرة بالفعل المجمل ، وهذا ظاهر . ولعل فعله هذا من جهة أن له (سلام الله عليه) كالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحكاماً اختصاصية ، كعدم حرمة دخوله المسجد في حال جنابته على ما اشتملت عليه الروايات ، فليكن هذا الحكم أيضاً من تلك الأحكام المختصة به .

   ويؤكِّد هذا الاحتمال رواية داود الرقي عن أبي عبدالله (عليه السلام) حيث قال : «ما أوجبه الله فواحدة وأضاف إليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واحدة لضعف الناس» (2) إذ الناس لا يبالون ولا يهتمون بأفعالهم فقد يتسامحون فلا يغسلون موضعاً من وجوههم وأيديهم فأمر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالغسل ثانياً لاسباغ الوضوء .

   ومن هنا يظهر أن استحباب الغسل الثاني من الوضوء إنما يختص بالرعايا ، لأنهم الذين لا يبالون في أفعالهم وواجباتهم وهم الضعفاء في دينهم دون المعصومين (عليهم السلام) إذ لا ضعف في إيمانهم ولا يتصوّر فيهم الغفلة أبداً ، وعلى هذا تحمل الأخبار الدالّة على أن رسـول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يتوضأ مرّة مرّة (3) على تقدير صحّة أسانيدها .

   وكيف كان فسواء صح هذا الاحتمال أم لم يصح لا يسوغ لنا رفع اليد عن الروايات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 439 / أبواب الوضوء ب 31 ح 15 ، 443 / أبواب الوضوء ب 32 ح 2 .

(2) الوسائل 1 : 443 / أبواب الوضوء ب 32 ح 2 .

(3) الوسائل 1 : 436 / أبواب الوضوء ب 31 ح 5 ، 10 ، 21 .

ــ[36]ــ

الظاهرة لأجل حكاية فعل مجمل الوجه ، فانه نظير ما إذا شاهدنا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يتوضأ مرّة مرّة وسمعنا عن الصادق (عليه السلام) مشافهة أن الغسل الثاني مستحب ، فهل كنّا نطرح قول الصادق (عليه السلام) بمجرّد رؤية أن عليّاً (عليه السلام) توضأ مرّة مرّة ، بل كنّا نأخذ بقوله وإن لم ندر الوجه في عمل أمير المؤمنين (عليه السلام) .

   إذن لا مانع من أن يؤخذ بالأخـبار الظاهرة في الدلالة على المدعى ، وهو استحباب الغسلة الثانية في كل من الوجه واليدين .

   نعم ، رواية ابن أبي يعفور قد دلت على مرجوحية الغسلة الثانية في الوضوء حيث روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الوضوء أنه قال : «اعلم أن الفضل في واحدة ...» (1) فان مقتضى كون الفضل في الواحدة أن الغسلة الثانية مرجوحة ومما لا  فضل فيها ، فتكون معارضة للأخبار الدالة على استحباب الغسلة الثانية في الوضوء ، إلاّ أنها ضعيفة السند وغير قابلة للاعتماد عليها ، لأن محمد بن إدريس رواها عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر وطريقه إلى كتاب النوادر مجهول عندنا ، إذن فلا  معارض للأخبار المتقدمة ومقتضاها هو استحباب الغسلة الثانية في كل من الوجه واليدين .

   ولكن شيخنا الأنصاري (قدس سره) قد احتاط بترك الغسلة الثانية في اليد اليسرى ، لاحتمال عدم مشروعية الغسلة الثانية ، ومعه يقع المسح ببلة الغسلة غير المشروعة وليست هي من الوضوء فلا بدّ من الحكم ببطلانه (2) .

   واحتاط سيد أساتيذنا الشيرازي (قدس سره) بترك الغسلة الثانية حتى في اليد اليمنى ، فيما إذا كان غسل اليد اليسرى على نحو الارتماس الذي لا يحتاج معه إلى إمرار اليد اليمنى عليها ، حتى تكون البلة الموجودة في اليمنى مستندة إلى بلة اليد اليسرى والمفروض أن بلتها بلة الغسلة الاُولى التي هي من الوضوء ، لفرض أ نّا تركنا الغسلة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 441 / أبواب الوضوء ب 31 ح 27 .

(2) كتاب الطهارة : 139 السطر 25 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net