الأوّل : غسل الوجه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7885


ــ[38]ــ

 فصل في أفعال الوضوء

    الأوّل : غسل الوجه (1) وحدّه من قصاص الشعر إلى الذقن طولاً ، وما اشتمل عليه الإبهام والوسطى عرضاً  (2) ، والأنزع والأغم ومن خرج وجهه أو يده عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في أفعال الوضوء

    (1) لأن الوضوء غسلتان ومسحتان ، واُولى الغسلتين غسل الوجه ، ولا إشكال في وجوبه على ما يأتي في ضمن أخبار المسألة .

   (2) لصحيحة زرارة قال لأبي جعفر (عليه السلام) : «أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال الله عزّ وجلّ ؟ فقال : الوجه الذي قال الله وأمر الله عزّ  وجلّ بغسله ، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم ، ما دارت عليه الوسطى والابهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الاصبعان من الوجه مستديراً فهو من الوجه ، وما سوى ذلك فليس من الوجه ، فقال له : الصدغ من الوجه ؟ فقال : لا» (1) .

   ورواه الكليني (قدس سره) أيضاً وزاد لفظة «السبابة» وقال : ما دارت عليه السبّابة والوسطى والابهام(2) .

   ولكن ذكر السبابة مستدرك ومما لا ثمرة له ، لوضوح أن الوسطى أطول من السبابة ، فاذا دارت الوسطى والابهام على شيء دارت عليه السبابة أيضاً لا محالة لأنها تقع في وسط الابهام والوسطى ، ولعل ذكرها من جهة جريان العمل في الخارج على إدارة السبابة مع الوسطى عند غسل الوجه فانها لا تنفك عن الوسطى وقتئذ ، لا من جهة أن إدارة السبابة أيضاً معتبرة شرعاً . والذي يشهد على عدم اهتمام الشارع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 403 / أبواب الوضوء ب 17 ح 1 .

(2) الكافي 3 : 27 / 1 .

ــ[39]ــ

بادارة السبابة ، وأن ذكرها من جهة جريان العمل في الخارج بذلك ، قوله (عليه السلام) «وما جرت عليه الاصبعان» فلو كانت إدارة السبابة أيضاً معتبرة للزم أن يقول : وما جرت عليه الأصابع الثلاث .

   ثم إنّ هذه الصحيحة وغيرها ممّا وردت في هذا المقـام إنما هي بصدد توضيح المفهوم المستفاد من الوجه لدى العرف ، وليست فيها أية دلالة على أن للشارع اصطلاحاً جديداً في معنى الوجه وأنه حقيقة شرعية في ذلك المعنى ، وذلك لأن الله سبحانه قد أمر عباده بغسل وجوههم وكانوا يغسلونها من لدن زمان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى عصر الصادقين (عليهما السلام) ولم ينقل إلينا أنهم كانوا يسألون عمّا هو المراد بالوجه لدى الشارع ، بل كانوا يغسلونه على ما هو معناه المرتكز لدى العرف ، ولكن زرارة أراد أن يصل إلى حقيقته فسأله (عليه السلام) وأجابه بما قدمنا نقله .

   وكيف كان المعروف المشهور وجوب غسل الوجه من القصاص إلى الذقن طولاً وبمقدار ما بين الوسطى والابهام عرضاً ، هذا هو المعروف في تحديد الوجه الواجب غسله في الوضوء ، بل عن بعضهم أن هذا التحديد مجمع عليه بين الأصحاب (قدس الله أسرارهم) .

    مناقشة شيخنا  البهائي (قدس سره) :

   وقد أورد عليه شيخنا البهائي (قدس سره) بأن مبدأ الغسل إن كان هو القصاص بعرض ما بين الاصبعين لدخل النزعتان بذلك تحت الوجه الواجب غسله وهما البياضان فوق الجبين ، وذلك لأن سعة ما بين الاصبعين تشمل النزعتين قطعاً ، مع أنهما خارجتان عن المحدود جزماً ، بل وتدخل الصدغان فيه أيضاً مع عدم وجوب غسلهما على ما صرح به في الصحيحة المتقدمة . ولأجل هذه المناقشة لم يرتض (قدس سره) بهذا التفسير المعروف عند الأصحاب ، وفسّر الرواية بمعنى آخر يناسب الهندسة ولا يلائم الفهم العرفي أبداً وحاصله :

ــ[40]ــ

   أنّ المقدار الواجب غسله إنما هو ما تشتمل عليه الاصبعان على وجه الدائرة الهندسية ، بأن توضع إحداهما على القصاص والاُخرى على الذقن من دون أن يتحرك وسطهما ، بل يدار كل من الاصبعين على الوجه أحدهما من طرف الفوق إلى الأسفل وثانيهما من الأسفل إلى الفوق ، وبهذا تتشكل شبه الدائرة الحقيقية وتخرج النزعتان عن المحدود الواجب الغسل ، لأن الاصبع الموضوع على القصاص ينزل إلى الأسفل شيئاً فشيئاً ، والنزعتان تقعان فوق ذلك ، ويكون ما زاد عليه خارجاً عن المحدود كما تخرج الصدغان(1) .

   وإنّما عبّر (قدس سره) بشبه الدائرة ، مع أن المتشكل من إدارة الاصبعين مع إثبات الوسط هو الدائرة الحقيقية لا ما يشبهها ، من جهة أن الوجه غير مسطح ، فلو كان مسطحاً لكان الأمر كما ذكرناه وتشكلت من إدارة الاصبعين دائرة حقيقية ، ولعل الذي أوقعه في هذا التفسير الهندسي هو كلمتا «دارت» و «مستديرا» فحسب من ذلك أن المراد بهما هو الدائرة ، وهي إنما تتشكل بما تقدم من وضع إحدى الاصبعين على القصاص ، والاُخرى على الذقن وإدارة إحداهما من الأعلى إلى الأسفل ، وإدارة الاُخرى من الأسفل إلى الأعلى ، هذا .

    الجواب عن مناقشة البهائي (قدس سره) :

   والصحيح هو ما ذكره المشهور ، ولا يرد عليه ما أورده البهائي (قدس سره) وذلك لأن القصاص إن أخذناه بمعنى منتهى منبت الشعر مطلقاً ولو كان محاذياً للجبينين ـ  أعني منتهى منابت الشعر في النزعتين ـ فهو وإن كان يشمل النزعتين لا  محالة ، إلاّ أن الظاهر المتفاهم منه عرفاً هو خصوص منتهى منبت الشعر من مقدم الرأس المتصل بالجبين ، ومن الواضح أن وضع الاصبعين من القصاص ـ  بهذا المعنى  ـ غير موجب لدخول النزعتين في الوجه ، لأنهما تبقيان فوق المحدود الذي يجب غسله من الوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حبل المتين : 14 .

 
 

ــ[41]ــ

   وأمّا الصدغان فان فسرناهما بآخر الجبين ـ المعبر عنه في كلماتهم بما بين العين والاُذن ـ فهما مندرجان في الوجه فيجب غسله على كلا التفسيرين ، كما أنهما إذا كانا بمعنى الشعر المتدلِّي من الرأس أيضاً دخل مقدار منهما في المحدود وخرج مقدار آخر ، فما أورده (قدس سره) على تفسير المشهور غير وارد .

   وأمّا قوله : «ما دارت» ، فهو ليس بمعنى الدائرة الهندسية كما تخيل ، بل بمعنى التحريك والاطافة ، كما أن قوله (عليه السلام) «وما جرت عليه الاصبعان من الوجه مستديراً» بمعنى تحريك الاصبعين على وجه الدائرة ، وهذا بلحاظ أن الجهة العالية من الوجه أوسع من الجهة السافلة منه ، لأنها أضيق كما هو ظاهر ، فاذا وضع المتوضئ إصبعيه على القصاص كان الفصل بينهما أكثر وأوسع ، وكلما حركهما نحو الذقن تضيقت الدائرة بذلك إلى أن يتصلا إلى الذقن ، كما أنه إذا وضعناهما على الذقن كان الفصل بينهما أقل وأضيق ، وكلما حركناهما نحو القصاص اتسعت الدائرة بذلك لا محالة ، وبهذا الاعتبار عبّر عنه بالدائرة لشباهته إياها .

   وأما ما فسّر به الرواية من وجوب غسل الدائرة المتشكلة من وضع إحدى الاصبعين على القصاص والاُخرى على الذقن ، فتتوجه عليه المناقشة من جهات :

    المناقشة مع البهائي (قدس سره) من جهات :

   الاُولى : أ نّا لو سلمنا تمامية ما أفاده (قدس سره) فلا ينبغي التردد في أنه على خلاف الظاهر والمتفاهم العرفي من الرواية ، ومن هنا لم يخطر هذا المعنى ببال أحد من لدن عصر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى زمان الصادقين (عليهما السلام) والفقهاء (قدس سرهم) أيضاً لم يفسروها بذلك إلى زمان شيخنا البهائي (قدس سره) .

   الثانية : أن القسمة المتوسطة من الجبين إنما هي على شكل الخط المستقيم ، ومعه لا يمكن أن يراد من الرواية ما ذكره (قدس سره) لأن لازم وضع الاصبع على القصاص وإدارته على الوجه بشكل الدائرة أن يمر الاصبع على الجبين ، على نحو

ــ[42]ــ

يكون المقدار الواقع منه بين الخطين الحادثين من إمرار الاصبعين عليه بشكل القوس للدائرة ، لا بشكل الخط المستقيم ، لأن جزء الدائرة لا مناص من أن يكون قوساً لها ولا يعقل أن يكون خطاً مستقيماً أبداً ، ومع فرض إمرارهما على الجبين على هذا النحو ، بحيث يكون المقدار الواقع من الجبين بينهما بشكل القوس ـ  كما إذا أمرّهما مما يلي طرف عينيه بشكل الدائرة  ـ يبقى مقدار من طرفي الجبين في خارج الدائرة ولا بدّ من الحكم بعدم وجوب غسله ، مع وضوح أن الجبين واجب الغسل بتمامه حتى عند شيخنا البهائي (قدس سره) فما ذهب إليه مما لا يمكن الالتزام به .

   الثالثة : أن مقتضى صريح الرواية أن المبدأ للوضع في كل من الاصبعين شيء واحد ، كما أن المنتهى كذلك ، فمبدؤهما القصاص ومنتهاهما الذقن ، فيوضعان على القصاص ويحركان وينتهي كل منهما إلى الآخر في الذقن ، وهذا إنما يتم على ما ذكره المشهور ، وأما على ما أفاده (قدس سره) فلا محالة يكون مبدأ الوضع ومنتهاه في كل من الاصبعين غير المبدأ والمنتهى في الاصبع الآخر ، فالمبدأ لوضع أحدهما هو القصاص والمنتهى هو الذقن ، كما أن المبدأ لوضع الاصبع الآخر هو الذقن والمنتهى هو القصاص ، بأن يوضع أحد الاصبعين على القصاص فيحرك إلى طرف الذقن وينتهي إليه ، كما يوضع الآخر على الذقن ويحرك إلى طرف القصاص وينتهي إليه ، وهذا لعله خلاف صريح الرواية كما مرّ .

   الرابعة : أن المشاهدة الخارجية قاضية بعدم تساوي البعد والفصل الحاصلين بين الاصبعين مع البعد الموجود بين الذقن والقصاص غالباً ، فان كل شخص إذا وضع إحدى إصبعيه على القصاص والاُخرى على ذقنه ليرى بالعيان أن ما بين الاصبعين أطول من وجهه . وعليه فاذا وضع إحداهما على القصاص تجاوز الاُخرى عن الذقن ووصل إلى تحت الذقن بمقدار ، كما أنه إذا وضع إحداهما على الذقن تجاوز الاُخرى عن القصاص ووصل إلى مقدار من الرأس ، فعلى ما فسره (قدس سره) لا بدّ من التزام وجوب الغسل في شيء من تحت الذقن أو فوق الجبين ، وهذا مما لا يلتزم به هو ولا غيره من الفقـهاء (قدس سرهم) فالصحيح إذن هو ما ذهب إليه المشهور من




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net