عدم جواز الاكتفاء بغسل البشرة عن غسل الشعر المحيط - الخلاف في تعين غسل البشرة أو الشعر إذا كان خفيفاً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6289

 

ــ[61]ــ

    بقي الكلام في اُمور :

   الأوّل : أن غسل ظاهر اللحية أو الشعر في مثل الحاجب والشارب هل هو على سبيل الحتم واللزوم ، بحيث لو غسل ذات البشرة وترك الغسل في ظاهرهما فسد وضوءه ، أو أنه على وجه الرخصة والجواز بمعنى أن غسل ظاهر اللحية أو الشعر مجزئ عن غسل البشرة لا أنه متعيّن على وجه اللزوم ؟

   الأوّل هو المتعيّن ، وذلك لأن ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة : «فليس للعباد أن يغسلوه» إنما هو نفي المشروعية والجواز ، فلا يجوز للمتوضئ أن يغسل نفس البشرة ، هذا على نسخة اللاّم ، وأما على النسخة الاُخرى أعني قوله (عليه السلام) «فليس على العباد أن يغسلوه» فظاهرها وإن كان هو نفي الوجوب والالزام عن غسل ذات البشرة ، ولا دلالة لها على نفي المشروعية والجواز غير أن نفي الوجوب يكفي في الحكم ببطلان الوضوء فيما إذا غسل نفس البشرة ، وذلك لأنه بعد عدم وجوبه تحتاج مشروعيته وجوازه إلى دليل وهو مفقود .

   إن قلت : يكفي في الدلالة على ذلك الروايات المطلقة والآية المباركة الدالتان على وجوب غسل الوجه والبشرة كما تقدّم ، وهما كافيتان في الحكم بمشروعية غسل البشرة وكونه متعلقاً للأمر .

   قلت : نعم ، ولكنك قد عرفت بما لا مزيد عليه أن المطلقات مخصصة بما دلّ على لزوم غسل ظاهر الشعر ، فقد رفعنا اليد عن مقتضى تلك الاطلاقات بالأخبار المتقدمة ، ومع التخصيص لا أمر ولا وجوب ، إذن يحتاج جواز غسل البشرة والاكتفاء به في مقام الامتثال عن غسل ظاهر اللحية والشعر ـ كما إذا لصق بلحيته ما  يحجب عن وصول الماء إلى ظاهرها ـ إلى دليل وهو مفقود .

   الأمر الثاني : لا ينبغي الاشكال في وجوب غسل البشرة وعدم كفاية غسل ظاهر الشعر فيما إذا كانت كل واحدة من الشعرات نابتة منفصلة عن الاُخرى بفاصل ، لعدم صدق الاحاطة بالشعر وقتئذ ، كما لا إشكال ولا خلاف في أن الشعر إذا كان كثيفاً بحيث يمنع عن وقوع النظر إلى ذات البشرة وجب غسل ظاهر اللحية والشعر

ــ[62]ــ

كالشارب والحاجبين ، ولم يجز الاقتصار بغسل ذات البشرة حسبما تقتضيه الأخبار المتقدِّمة التي قدّمنا الكلام على دلالتها بما لا مزيد عليه .

   وأمّا إذا كان الشعر خفيفاً وغير مانع عن وقوع الابصار على نفس الوجه والبشرة، ففي وجوب غسل الظاهر أو لزوم غسل ذات البشرة خلاف ونزاع، وكلماتهم في ذلك مضطربة على ما نقلها الأصحاب (قدس سرهم) في كتبهم ، حتى أن بعضهم ادعى الاجماع على وجوب غسل البشرة إذا لم تكن مغطاة بالشعر أبداً ، بل كانت ظاهرة يقع عليها حس البصر ، وذكر أن محل الخلاف والنزاع إنما هو ما إذا كانت البشرة مستورة بالشعر الخفيف ومغطاةً به .

   وبعضهم قد عكس الأمر في المسألة فنفى الريب عن الاجماع وعدم الخلاف في عدم لزوم غسل البشرة المستورة بالشعر الخفيف ، وذكر أن الخلاف منحصر بما إذا كانت البشرة ظاهرة وغير مغطاة بوجه ، لا بالشعر الكثيف ولا بالشعر الخفيف ، كما إذا نبت الشعر على الوجه من غير التفاف بعضه ببعض ، بأن كانت كل شعرة قائمة بأصلها مع الفصل بين منابتها بمقدار إصبع أو أكثر أو أقل .

   ولا يخفى الفرق الشاسع بين الدعويين ، فان مقتضى الدعوى الاُولى أن اللحية الخفيفة أو غيرها من الشعر الخفيف ـ وهو الذي لا يمنع عن وقوع النظر إلى ذات البشرة ـ هي التي وقع فيها النزاع والخلاف واختلفت فيها آراء الفقهاء ، ولا اتفاق على عدم وجوب غسل البشرة وقتئذ ، كما أن مقتضى الدعوى الثانية أن الشعر الخفيف كالشعر الكثيف مورد الاتفاق ، على أن معه لا يجب غسل البشرة ، وبين الدعويين بون بعيد . وعن ثالث أن النزاع لفظي في المقام ، هذا .

   والذي ينبغي أن يقال : إن الأخبار البيانية الواردة في حكاية وضوء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم تدع شكاً في أيّ مورد في وجوب غسل البشرة وعدمه ، لأنها دلتنا على أن اللاّزم غسله في محل الكلام إنما هو عبارة عما يصله الماء بطبعه عند إسداله على الوجه ، من دون فرق في ذلك بين ما عليه شعر خفيف وما كان عليه شعر كثيف ، حيث حكت ذلك عن وضوء النبي ، وكان الأئمة (عليهم السلام) أيضاً يكتفون

ــ[63]ــ

به في وضوءاتهم .

   ولحاهم (عليهم السلام) وإن لم تكن خفيفة ، إلاّ أن الشعر الخفيف كان موجوداً على وجوههم ، وذلك لأن من الواضح أن وجوههم (عليهم السلام) لم تكن إلاّ متعارفة ، ووجود الشعر الخفيف في الوجه المتعارف أيضاً غير قابل للانكار ، كالشعر النابت على الخدين ، بل الموجود بين الحاجبين ، لأنه أيضاً خفيف إلاّ في بعض الناس وقد كانوا (عليهم السلام) يكتفون بغسل الظواهر من ذلك بمقدار يصل إليه الماء ـ  بحسب الطبع  ـ عند إسداله .

   إذن فالمدار فيما يجب غسله ـ بمقتضى تلك الروايات ـ على المقدار الذي يصل إليه الماء بطبعه عند إسداله من أعلى الوجه من غير تعمق ولا تبطين ، وببركة تلك الأخبار لا يبقى لنا أي مورد نشك فيه في وجوب غسل البشرة وعدمه هذا ، ثم لو أغمضنا عن ذلك فنقول : الشعر النابت على الوجه على ثلاثة أقسام :




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net