كلمة المؤلف‌ 

الكتاب : فقه الشيعة - الاجتهاد والتقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6645

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 3‌

[الخطبة]

الاجتهاد و التقليد

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ القرآن الكريم‌

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 5‌

كلمة المؤلف

حمدا لك اللّهمّ على ما أوليتنا به من تفقّه في الدّين، و هداية إلى الحق. و صلاة زاكية على سيدنا محمّد (صلّى اللّه عليه و آله) صاحب الشريعة الخالدة السمحاء. و سلاما على آله الطّيبين الأطهار، حماة الدّين، و حملة الأحكام، و دعاة الحق المبين، و بعد:

إن الفقه الإسلامي من أمثل العلوم، و أكثر المعارف إنارة لحياة الإنسان، و إشراقا لطريقة إلى الحق و الخير. فلم يضع تشريعاته الدقيقة عقل أنساني خاص، ليقف عند جيل معين لا يتعداه، بل وضعته حكمة السماء بأوسع مداركها لصالح الإنسانية في كل جيل، فأدركته العقول البشريّة النيّرة بالإذعان و الاعتناق. و كل ما تتقدم الأجيال في تفكيرها يتسنى للفقه الإسلامي هذا أن يعطي أسرارا اخرى، و أحكاما قيّمة لصالح هذا التطور، و لتنظيم تلك الحياة الجديدة الّتي سترتقي إليها البشريّة في حياتها الدائمة المتطورة إلى الأفضل.

و في الفقه الإسلامي حياة عملية وطّدت دعائمها على أساس نظام اجتماعي دقيق، وضعت للنّاس مقاييس للتعامل العادل، و موازين يرجعون إليها في تنظيم سوقهم، و تصحيح تجارتهم، كما يرجعون إليها في تأدية عباداتهم لخالقهم جلّ و علا، و تنظيم سياستهم فيما بينهم، و في سائر أمور معاشهم و معادهم.

و الفقه الإسلامي مصدر تشريعي من أقوم المصادر الّتي تجعل من المجتمع المتمسك بتعاليم دينه مجتمعا سليما سويا، بعيدا عن المشاكل‌

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 6‌

و الملابسات الاجتماعية يسود فيه النظام، و تحكم الطمأنينة و الرضا، و الثقة المتبادلة بين جميع الأفراد. و فقهنا الإسلامي الذي ينبثق من معين الوحي شريعة سمحاء، جاء بها محمّد- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و حملها أبناؤه الأئمّة الطّاهارون، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، كيف لا يزداد حرصنا عليه، و لا يقوى إيماننا به، و لا تفنى حياتنا في سبيل الإبقاء عليه؟! فإن كان تشريعه من اللّه، و تبليغه من محمّد- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و حملته أهل البيت- عليه السّلام- كيف يستطيع الخطأ و الباطل أن يتطرّق إليه؟!، و كيف يستطيع مسلم أن يتقاعس عن معرفته و تعلمه، و التفقه في أموره لدنياه أو آخرته، و لمعاشه و معاده!؟

و في الكتاب العزيز الذي هو المصدر الأول للتشريع حث على التفقه في الدين، و دعوة شديدة إلى الاجتهاد فيه فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «1» كما ورد في السنة الكريمة الحث على ذلك بما لا يحصى عدده. فأدرك رجال العلم، و حملة الدين الأبرار أهمية الفقه الإسلامي و علو شأنه، فأتعبوا نفوسهم في تنقيح قواعده، و تهذيب مداركه، و صنّفوا فيه كتبا قيمة، و وضعوا أسفارا محكمة، و مشى ذلك في مختلف العصور، حتى أصبح في عصرنا الحاضر كتاب (العروة الوثقى) للفقيه الجليل آية اللّه العظمى السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي (قده) محطا للأنظار، و محورا لأبحاث العلماء، حيث علّقوا نظرياتهم على الكتاب فيما اختلفوا معه في الرأي و الاجتهاد. و قد أغناهم ذلك الكتاب الجامع عن تأليف كتاب آخر لاعتمادهم عليه.

و ممن عني بهذا الكتاب، و جعله عنوانا لمحاضراته الفقهية في (البحث الخارج) و محطا لنظرياته العلميّة هو الأب الروحي، أستاذ الفقهاء و المجتهدين، حجة عصره، و غرة دهره، مصباح المهتدين، و بغية الطالبين،

______________________________
(1) التوبة: 122.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 7‌

المحقق البارع، و المؤسس الجامع، آية اللّه العظمى في العالمين سيدنا الأستاذ السيد أبو القاسم الخوئي دام ظله العالي. و قد وفقت بحمد اللّه تعالى لحضور أبحاثه الشريفة في الفقه، و الأصول، و التفسير، محررا ذلك كله، حريصا على الاحتفاظ به. و من جملة ما حررته: هو ما ألقاه بحثا عن مدارك العروة الوثقى و أدلتها، فجاء بحمد اللّه شرحا وافيا، و مستندا كافيا لكتاب العروة الوثقى.

و قد اشتمل هذا الشرح على ذكر تعليقات سيدنا الأستاذ- دام ظله- على الكتاب المذكور مع الإشارة إلى وجه مخالفة نظره مع المصنف (قده)، و نقده على ما يمكن أن يكون دليلا لما ذهب إليه الماتن. و ربما أوضحت المقصود، أو استدركت بعض ما أعرض عنه الأستاذ- دام ظله- اختصارا للبحث في بعض التعليقات الّتي سيمر عليها القارئ الكريم.

ثمّ إنه دام ظله لم يتعرض للبحث عن مسائل الاجتهاد و التقليد من كتاب العروة الوثقى في هذه الدورة التي حضرتها. و لكن كان من الحري أن أتعرض لهذه المسائل أيضا تكميلا لشرح الكتاب، فحررتها على ضوء إفاداته في الأصول و ملاحظاته دام ظله. مع إنّي قد لا حظت في الأثناء ما حرره بعض الأفاضل من تلامذته السابقين تقريرا لبحث سيدنا الأستاذ دام ظله عن هذه المسائل سابقا، فجاء ما حررته- بحمد اللّه- شرحا منقحا يفي بالمقصود.

و أسأله تعالى أن ينفعني به و إخواني من أهل العلم، و أن ينظر إليه بعين الرضا و القبول، و يجعله ذخرا ليوم لا ينفع فيه مال و لا بنون، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

ذي قعدة الحرام 1378 محمد مهدي الموسوي الخلخالي‌




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net