فصل: طرق ثبوت النجاسة 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7486

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌3، ص: 287

[فصل طرق ثبوت النجاسة]

______________________________
طرق ثبوت النجاسة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 288‌

..........

______________________________
العلم الوجداني. البيّنة العادلة. العدل الواحد. قول صاحب اليد. الظن المطلق. علم الوسواسى. العلم الإجمالي. الشهادة بموجب النجاسة. اختلاف العدلين في مستند الشهادة.

أنواع الشهادة. اخبار الزوجة أو الخادمة بنجاسة شي‌ء في البيت. حكم ما كان في يد شخصين. قول ذي اليد إذا كان فاسقا أو كافرا أو صبيّا مراهقا. اخبار ذي اليد بعد الاستعمال أو بعد خروج الشي‌ء من يده.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 289‌

فصل طريق ثبوت النجاسة أو التنجس: العلم الوجداني، أو البيّنة العادلة (1)

______________________________
(1)
فصل في طريق ثبوت النجاسة البيّنة العادلة قد أوضحنا الكلام في اعتبار البيّنة العادلة على النجاسة أو غيرها من الموضوعات الخارجية في مباحث المياه «1» بما لا مزيد عليه. و حاصل ما ذكرناه هناك و اعتمدنا عليه، هو ان مقتضى إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان.» «2» انما هو حجيتها في مطلق الموضوعات الخارجية، لأن البيّنة في اللغة بمعنى ما يتبين و يتضح به الشي‌ء، و حيث أنا قد علمنا من الخارج انه صلّى اللّه عليه و آله قضى في المرافعات بشهادة عدلين، و طبّق البينة عليها، ثبت لدينا انها كانت عنده صلّى اللّه عليه و آله من مصاديق الحجة، و التطبيق و ان كان في مورد خاص- و هو القضاء- الا ان الظاهر عدم خصوصية للمورد، فلا مانع من التمسك بالإطلاق بهذا المعنى.

الا فيما ثبت الدليل على عدم اعتبارها فيه، كما في الزنا، و الهلال على قول. و ان شئت توضيح الحال فراجع ما ذكرناه هناك. و ذكرنا ايضا: ان الكلام في حجية البينة انما هو مع قطع النظر عن حجية خبر العدل و الا فلا إشكال في حجيتها، لشمول أدلة حجيته لها، لكن لا بعنوان انها بيّنة، بل بعنوان أنها خبر العدل، إذ لا فرق فيه بين أن يكون واحدا أو متعددا.

______________________________
(1) ج 2 ص 54.

(2) وسائل الشيعة، الباب: 2 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعاوي، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 290‌

و في كفاية العدل الواحد اشكال (1)، فلا يترك مراعاة الاحتياط.

______________________________
(1)
العدل الواحد لا إشكال في عدم اعتبار العدل الواحد في باب القضاء، لاعتبار البيّنة فيه جزما فإنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقض بخبر العدل الواحد، مع قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان.» و انما طبق البيّنة- التي هي بمعنى ما يتبين به الشي‌ء، كما ذكرنا آنفا- على خصوص شهادة عدلين اى قضى بها فقط. كما لا إشكال في عدم اعتباره في الزنا لعدم الاكتفاء بأقل من أربعة شهود. و انما الكلام و الخلاف في اعتباره في غير هذين الموردين من الموضوعات الخارجية- بعد التسالم على ثبوت الأحكام الكلية به- و انه هل يثبت به مطلق الموضوعات الخارجيّة، الا ان يمنع عن اعتباره دليل خاص، أو لا اعتبار به إلا فيما ثبت بدليل، و قد ذكرنا في بحث المياه «1» ان الأقوى اعتباره مطلقا الا ما خرج. و العمدة في ذلك هو ما دل على حجيته في الأحكام الكلية، و هي السيرة العقلائية المستمرة على العمل بخبر الثقة في أمور معاشهم و معادهم، في الموضوعات و الأحكام، من دون ردع من الشارع. ثم ان السيرة قد استقرت على مجرد كون المخبر ثقة متحرزا عن الكذب، فلا نعتبر العدالة في المخبر، و لا حصول الوثوق الفعلي من خبره، بل يكفي كون المخبر ثقة متحرزا عن الكذب و ان لم يكن عدلا إماميا.

و قد يقال: بردع الشارع عن السيرة المذكورة بمفهوم الحصر الوارد في ذيل رواية مسعدة بن صدقة، حيث قال عليه السّلام: «و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة» «2» فإنه عليه السّلام حصر‌

______________________________
(1) ج 2 ص 6.

(2) وسائل الشيعة: ج 17 ص 89 الباب: 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 291‌

..........

______________________________
ما يرفع به اليد عن قاعدة الحل بالعلم و البيّنة، و خبر العدل أو الثقة ليسا منها.

و قد أجبنا عنه فيما تقدم بضعف الرواية- سندا- بمسعدة،- و دلالة.

بأن البيّنة ليست بمعنى شهادة العدلين- كما هو مبنى التوهم- لأن البيّنة بالمعنى المذكور اصطلاح متأخر، بل هي بمعنى ما يتضح و يتبين به الشي‌ء و يكون دليلا عليه- كما هو معناها لغة- فيكون خبر العدل من مصاديقها أيضا. و من هنا لم تنحصر مثبتات الموضوعات الخارجية بالعلم و البينة المصطلحة، لثبوتها، بالاستصحاب، و حكم الحاكم، و الإقرار أيضا، فعليه يكون حاصل معنى الرواية: ان الأشياء كلها على هذا حتى يعلم حكمها، أو يدل عليه دليل معتبر، و من المعلوم صدق الدليل على خبر العدل، كصدقه على البيّنة المصطلحة، و حكم الحاكم، و الاستصحاب، و إقرار المقر، فلا تكون الرواية رادعة عن السيرة. و لأجل توهم الردع استشكل المصنف «قده» في العمل بخبر العدل، و قد عرفت دفعه. كيف و في بعض الروايات- مضافا الى ما ذكرناه في بحث المياه «1»- ما يؤيد السيرة المذكورة، كالنهي عن إعلام المصلي بنجاسة ثوبه بقوله عليه السّلام: «لا يؤذنه حتى ينصرف» «2». و كذا التوبيخ على اعلام المغتسل ببقاء لمعة في ظهره لم يصبها الماء، بقوله عليه السّلام:

«ما كان عليك لو سكت» «3»، لدلالته على حجيّة اخبار العدل، أو الثقة، و‌

______________________________
(1) ج 2 ص 61.

(2) عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما، و هو يصلى. قال: لا يؤذنه حتى ينصرف».

وسائل الشيعة: ج 3 ص 487 الباب 47 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

(3) عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال «اغتسل أبى من الجنابة، فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكت، ثم مسح تلك اللمعة بيده».

وسائل الشيعة: ج 3 ص 487 الباب: 47 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 292‌

و تثبت ايضا بقول صاحب اليد (1)، بملك، أو إجارة، أو إعارة، أو أمانة، بل أو غصب.

و لا اعتبار بمطلق الظن (2) و ان كان قويا. فالدهن، و اللبن، و الجبن المأخوذ من أهل البوادي محكوم بالطهارة و ان حصل الظن بنجاستها. بل قد

______________________________
الا فلا وجه للمنع أو التوبيخ عن الإعلام.

(1) قول صاحب اليد قد أوضحنا الكلام في ذلك في بحث المياه «1» فلا نعيده تفصيلا و حاصل ما ذكرناه: هو ان العمدة في حجية قوله- و ان لم يكن عدلا أو ثقة- السيرة المستمرة، الممضاة بعدم الردع، القائمة على العمل بقول ذي اليد، مطلقا، سواء أ كان مالكا للعين، أو للمنفعة، أو للانتفاع، أو كان غاصبا. بل لا يبعد قبول قول أمهات الأولاد، و مربّياتهم، فيقبل إخبارهن بنجاسة ثيابهم، و أبدانهم، و طهارتها. و لعل السرّ فيها: هو ارتكاز ان المستولي على الشي‌ء أعرف بحال ما في يده من غيره، فيقبل قوله بالطهارة، و ان كان على خلاف استصحاب النجاسة، الجاري في كثير من الموارد. و إن شئت الإحاطة بما قيل أو يقال في المقام، فراجع ما ذكرناه هناك.

(2) الظن المطلق ما لم يبلغ مرتبة الاطمئنان، و الا فهو حجة عقلائية، لم يردع عنها الشارع و أما إذا كان دونها فالأصل عدم حجيته، فيكون المرجع استصحاب الطهارة، أو قاعدتها ان لم تكن له حالة سابقة- كما إذا شك في انه من الأعيان‌

______________________________
(1) ج 2 ص 63.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 293‌

يقال بعدم رجحان الاحتياط (1) بالاجتناب عنها، بل قد يكره أو يحرم إذا كان «1» في معرض الوسواس.

______________________________
النجسة أو غيرها- لأن موضوع الأصول أعم من الظن غير المعتبر، كما ثبت في محله. خلافا لما عن الشيخ في النهاية، و الحلبي، من القول بحجية مطلق الظن في باب النجاسات، كما ذكرناه في بحث المياه
«2»، مع جوابه.

(1) الاحتياط المؤدي إلى الوسواس لا إشكال في أن الاحتياط في نفسه- اى بما هو احتياط- أمر راجح، لانه تحفظ على الواقع المحتمل، حذرا من الوقوع في مفسدته، بترك محتمل الحرمة. أو جلبا لحصول مصلحته، بإتيان محتمل الوجوب. نعم قد يزاحمه عنوان آخر طارئ مساو له في الأهمية، أو أرجح، فيوجب مرجوحيّته بالإضافة، أو حرمته، تبعا لأهمية العنوان المزاحم، و هذا مما لا يختص بالاحتياط في باب النجاسات، بل و لا بباب الاحتياط، بل يجرى ذلك في جميع العناوين الثانوية المزاحمة للعناوين الأولية في الملاك، و هذا كما إذا كان عنده ماء مشكوك الطهارة حيث انه يحسن الاحتياط حينئذ بترك الوضوء أو الغسل منه إذا كان عنده ماء آخر معلوم الطهارة. و أما إذا كان الماء منحصرا به فلا يجوز الاحتياط بتركه و الإتيان بالتيمم، لعدم مشروعيته مع وجود ماء محكوم بالطهارة شرعا. و كما إذا فرضنا ان تحصيل الماء الطاهر يحتاج إلى صرف وقت يوجب تأخير الصلاة عن وقتها، فإنه يحرم الاحتياط حينئذ أيضا، و هكذا. و هذا واضح لا كلام فيه، و انما‌

______________________________
(1) و في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده»:- أو يحرم إذا كان .. «في إطلاقه إشكال، بل منع».

(2) ج 2 ص 49.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 294‌

..........

______________________________
الكلام في أمرين آخرين، «أحدهما»: في حرمة الاحتياط الناشي عن الوسواس. «الثاني»: في حرمة الاحتياط المؤدى إليه.

أما الأول فنقول: ان نفس الوسوسة- و هي حالة نفسانية- مما لا إشكال في مرجوحيّتها، لأنها توجب تضييع الأوقات الغالية، كما هو المشاهد في الأشخاص المبتلين بها. بل قد توجب اختلال النظام، أعاذنا اللّه منها. الا ان الكلام في أن الاحتياط الناشئ من هذه الحالة- اى الجري العملي على طبقها- هل يكون حراما أم لا؟ فإذا أعاد الوضوء، أو الصلاة، مرارا من جهة الوسوسة في صحتهما، فهل يحكم بفسقه لو فرض التفاته الى الحكم و الموضوع، كما في بقية المحرمات الشرعية؟ الظاهر عدم الحرمة ما لم يستلزم تفويت واجب، أو ارتكاب حرام، و ان التزم بعضهم بحرمة العمل على طبق الوسواس بما هو، بل في بعض الكلمات نفي الاشكال عن حرمته. و قد يستدل لها بروايات:

منها: ما ورد فيها النهى عن تعويد الشيطان نقض الصلاة، بقوله عليه السّلام: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة» «1».

بدعوى: دلالتها على حرمة إعادة الصلاة إذا كانت عن وسوسة الشيطان.

و يندفع: بأن النهي قد تعلق بنقض الصلاة، دون إعادتها، فهو إرشاد إلى مرجوحيّة النقض، أو حرمته، كما عليها المشهور، فليس أمرا مولويا دالا‌

______________________________
(1) كما عن زرارة و أبى بصير جميعا قالا: «قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدرى كم صلى، و لا ما بقي عليه؟ فقال: يعيد. قلنا: فإنه يكثر عليه ذلك، كلما أعاد شك. قال: يمضى في شكه. ثم قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة، فتطمعوه، فان الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه الشك. قال زرارة: ثم قال: انما يريد الخبيث ان يطاع، فإذا عصى لم يعد إلى أحدكم».

الوسائل ج 8 ص 228 الباب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 295‌

..........

______________________________
على حرمة الاحتياط بالإعادة. و يؤيده: تعليل النهى المذكور، بأنه: «انما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصى لم يعد إلى أحدكم»
«1»، و التعليل المذكور قرينة صريحة على الإرشاد.

و منها: ما دلت على أن الوسوسة من عمل الشيطان، و ما كان كذلك فهو حرام، ك‍:

صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «ذكرت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجلا مبتلى بالوضوء و الصلاة، و قلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

و أىّ عقل له، و هو يطيع الشيطان. فقلت له: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال:

سله هذا الذي يأتيه من أيّ شي‌ء هو، فإنه يقول لك من عمل الشيطان» «2».

و فيه: أن الصغرى- أعنى كون الوسوسة من عمل الشيطان- و ان كانت مسلّمة، بل مطلق الشك و الترديد يكون منه، و الوسواسى يطيعه. إلا أنّ الكبرى- و هي أن كل عمل شيطاني يكون حراما- غير ثابتة. كيف و أن ارتكاب المباح أو المكروه يعدّ من الشيطان جزما، لأن المؤمن الحقيقي لا يضيّع أوقاته الثمينة بالاشتغال بالمباح أو المكروه؟ و قد حكى عن بعض:

أنه لم يرتكب طيلة حياته مباحا، فضلا عن المكروه. و هذا و ان كان صعبا، إلّا انه أمر ممكن، بالإتيان بجميع أموره متقربا بها من اللّه تعالى، بإضافته إليه تعالى بنحو من الإضافة. فإذا كان ارتكاب غير محبوبه تعالى مع كونه اطاعة للشيطان حلالا، فليكن الوسواس أيضا من هذا القبيل.

و بالجملة: لا دليل على حرمة العمل على طبق الوسواس، بما هو،

______________________________
(1) كما في رواية زرارة و أبى بصير المتقدمة آنفا.

(2) وسائل الشيعة: ج 1 ص 63 الباب 10 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 296‌

[مسألة 1: لا اعتبار بعلم الوسواسى]

«مسألة 1»: لا اعتبار بعلم الوسواسى في الطهارة و النجاسة (1) «1»

______________________________
نعم لو استلزم عنوانا آخرا محرما حرم لهذه الجهة، كما إذا استلزم نقض الصلاة المحرّم على المشهور، أو ترك واجب، كتأخير الصلاة عن وقتها- كما حكى عن بعض المبتلين بالوسواس انه اتى نهرا للاغتسال قبل طلوع الشمس بساعة، و فرغ من اغتساله بعد الغروب- أو ترك الإنفاق على واجبي النفقة بواسطة صرف الوقت في الوسوسة، أو استلزم اختلال النظام، أو الهلاكة، أو الضرر على النفس، أو على الغير، الى غير ذلك من العناوين الطارئة المحرمة، ففي جميع هذه الفروض يحرم الاحتياط و لو لم يكن من جهة الوسواس. هذا كله في الاحتياط الناشئ عن الوسوسة.

و أما الأمر الثاني، و هو الاحتياط المؤدي إلى الوسواس، فقد ظهر حكمه مما ذكرناه في الأمر الأول، من عدم حرمة الوسواس، فالاحتياط المؤدى إليه لا يكون حراما بطريق أولى، لأن حرمة المقدمة متوقفة على حرمة ذيها، و المفروض عدم حرمته. فما ذكره في المتن، من حرمة الاحتياط إذا كان في معرض الوسواس غير صحيح، أما أولا: فلعدم حرمة الوسواس، فمقدمته غير محرمة أيضا. و أما ثانيا: فلان مجرد المعرضيّة لا يكفي في حرمة المقدمة ما لم يبلغ ذيها مرتبة من الأهميّة تستوجب الحذر من الوقوع فيه، و الوسوسة- لو سلم حرمتها- مما لم تبلغ هذه المرتبة.

(1) علم الوسواسى ينبغي التكلم في جهات، «الاولى»: في أنه هل يجب على‌

______________________________
(1) و في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده»:- «لا اعتبار بعلم الوسواسى».

«بمعنى انه لا يجب عليه تحصيل العلم بالطهارة، و لا يعتمد على اخباره بالنجاسة».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 297‌

..........

______________________________
الوسواسى تحصيل العلم بالواقع في مقام الامتثال، أو يجوز له الاكتفاء باحتمال فراغ الذمة؟ لا ينبغي الإشكال في تعيّن الثاني، و جواز اكتفاءه بالاحتمال، و ذلك لخروج شكه عما هو المتعارف عند العقلاء، لحصول الشك له من الأسباب غير المتعارفة، فلا يشمله موضوع الأصول العملية الشرعيّة، من استصحاب النجاسة و نحوه، لانصرافه عنه. بل لا يجري في حقه قاعدة الاشتغال العقلي، و ذلك للروايات
«1» الدالة على عدم لزوم الاعتناء بشك كثير الشك، و انه لا يجب عليه تحصيل العلم بإتيان المأمور به إذا أتى بالعمل على النحو المتعارف، فيثبت الحكم في الوسواسي- الذي أشدّ من كثرة الشك بطريق أولى.

الجهة الثانية في حجية شهادته كما إذا شهد بنجاسة شي‌ء مثلا.

الصحيح هو عدم الحجية، لحصول العلم له من الأسباب غير المتعارفة، فينصرف عنه أدلة اعتبارها كانصراف أدلة الأصول العمليّة عن شكه الحاصل له من الأسباب غير العادية، كما ذكرنا آنفا. و عن بعض الوسواسيين: انه كان يتوضأ على السطح، فاعتقد أن قطرة من ماء الوضوء قد نزت من أرض الدار، فأصابت رقبته، فصار ذلك سببا لتنبهه، و زوال وسوسته، إذ كيف يمكن صعود قطرة ماء من ارض الدار الى السطح، فتصيب رقبته. و عن بعضهم: انه كان يعتقد نجاسة جميع المساجد في النجف الأشرف، من جهة انفعال الماء القليل بملاقاة الآلات و الأدوات المستعملة في البناء. و أعجب من ذلك ما حكى عن بعض العوام من أهل الوسوسة انه كان يحلق لحيته لوصول الماء إلى بشرته في الوضوء، لاعتقاده ان الشعر و لو خفيفه يمنع‌

______________________________
(1) المذكورة في الوسائل ج 8 ص 227 الباب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 298‌

..........

______________________________
عن وصول الماء إلى البشرة. فأمثال هذه الاعتقادات الحاصلة من الأسباب غير المتعارفة لا يمكن دعوى شمول أدلة حجية الشهادة لها، مع انها لا توجب الظن- بل و لا الاحتمال- لغير الوسواسى.

الجهة الثالثة: في حجية علم الوسواسى بالنسبة إلى عمل نفسه، فإذا اعتقد نجاسة شي‌ء- مثلا- فهل يجب عليه الاجتناب عنه أو لا؟ و هكذا لو اعتقد بطلان عمله، من صلاة، أو وضوء، و نحوهما، من جهة علمه بفقد شرط، أو طرو مانع- كالحدث- فهل يكون اعتقاده في حقه حجة أو لا؟

الصحيح هو الحجية، و لزوم العمل على طبق علمه و اعتقاده. و ذلك لما حقق في محله: من أن حجيّة القطع ذاتية لا يمكن الردع عنه في نظر القاطع و ان كان مخالفا للواقع في نظر الرّادع. نعم يمكن التصرف في متعلق قطعه، بان يقال: ما علم نجاسته من طريق الوسوسة لا يجب الاجتناب عنه، أو أنّ فقدان الشرط أو وجود المانع إنما يبطلان العمل إذا علم بهما من غير هذا الطريق. الا ان هذا تقييد في موضوعات الأحكام الواقعيّة من غير دليل، لأن مفادها ثبوت الأحكام للموضوعات الواقعيّة بما هي، فالنجاسة بما هي يجب الاجتناب عنها، كما أن الحدث- مثلا- بما هو يبطل الصلاة، أو الوضوء، لا النجاسة المعلومة، أو الحدث المعلوم من طريق متعارف. و «دعوى»: ظهور الإجماع على ذلك «غير مسموعة» لأن المسألة لم تكن معنونة في كلمات الأصحاب كي يمكن تحصيل إجماع تعبدي في المقام.

و أما الروايات الدالة على النهى عن تعويد الخبيث من نفسه، أو أن الوسوسة من عمل الشيطان، أو أن من أطاعه لا عقل له- كما تقدمت «1»-

______________________________
(1) في الصفحة: 294- 295 في المتن و التعليقة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 299‌

[مسألة 2: العلم الإجمالي كالتفصيلى]

«مسألة 2»: العلم الإجمالي كالتفصيلى (1)، فإذا علم بنجاسة أحد الشيئين يجب الاجتناب عنهما، إلا إذا لم يكن أحدهما محلا لابتلاءه (2) فلا يجب الاجتناب عما هو محل الابتلاء أيضا.

______________________________
فمختصّة بصورة الشك، و لا تعمّ العلم، كما لا يخفى على من لا حظها. و من هنا ورد النهى فيها عن نقض الصلاة، و هو أمر اختياري للمكلف، و كذا إطاعة الشيطان، و هذا من خواص الشك و الترديد، و إلا فالعالم بالفساد تكون صلاته منتقضة في نفسها، كما أنه لا يرى البطلان إلا إطاعة الرحمن، لانه قاطع بالفساد، كما هو مفروض الكلام. فالصحيح يجب عليه العمل بعلمه.

(1) العلم الإجمالي بالنجاسة قد أوضحنا الكلام في ذلك في مباحث القطع من الأصول، فراجع.

(2) لا يخفى أن من شرائط تنجيز العلم الإجمالي فعلية التكليف على كل تقدير، بحيث لو فرض عدم فعليته- على تقدير ثبوته في بعض الأطراف- لانحل العلم الإجمالي، و لم يكن منجزا للتكليف، و جرى الأصل النافي في الطرف الأخر، لأنه حينئذ يكون من موارد الشك في التكليف لا المكلف به.

و من هنا تعتبر القدرة على جميع الأطراف، لأنها من الشرائط العامة للتكاليف، فلو كان بعض الأطراف خارجا عن قدرة المكلف لم يكن العلم منجزا، كما إذا علم إجمالا بغصبية أحد الإنائين و كان أحدهما في قعر البحر، فإنه لا يصح النهى عن الإناء الواقع في البحر على تقدير أنه المغصوب، لخروجه عن قدرة المكلف، فيرجع في الإناء الأخر الى الأصل. الا ان شيخنا الأنصاري «قده» و تبعه من تأخر عنه- زاد على ذلك في الشبهة التحريمية‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 300‌

..........

______________________________
اشتراط كون جميع الأطراف داخلا في محل الابتلاء. و المراد به كونها في معرض تصرف المكلف ليحسن التكليف بكل واحد منها، و هو أخص من القدرة، إذ المكلف قد يكون قادرا على شي‌ء الا انه لا داعي له الى ارتكابه، لخروجه عن معرض تصرفه، كما إذا فرضنا العلم الإجمالي بنجاسة إناء الملك أو إناء نفسه، فان الشرب في إناء الملك و ان كان مقدورا و لو بإتعاب النفس، و توسيط الوسائط، و التوسل بخدم السلطان مثلا، الا انه لا داعي له إلى ذلك. و الوجه في هذا الاشتراط: استهجان التكليف بما يكون خارجا عن محل الابتلاء، لانه يعد لغوا في نظر العرف.

و بعبارة أخرى: النهي عن شي‌ء انما يكون في مرتبة المانع، و لا يستند عدم الشي‌ء إلى المانع الا بعد فرض وجود المقتضى له، فإذا فرضنا عدم تعلق ارادة العبد بفعل شي‌ء أبدا، فلم يكن المقتضى له موجودا، فلا محالة يستند عدمه الى عدم المقتضى، لا المانع.

أقول: الصحيح هو عدم اعتبار هذا الشرط في التكاليف الشرعية زائدا على اعتبار القدرة، لأن الغرض من النواهي الشرعيّة ليس مجرد حصول الترك في الخارج و ان كانت توصليّة- كما هو الحال في التكاليف العرفية- بل الغرض منها هو الترك مع إمكان حصول الكمال النفساني بالتقرب منه تعالى بالامتثال، و يكفي في حصول هذا الغرض مجرد القدرة على فعل الحرام و ان لم تتعلق ارادة العبد بفعله- عادة- لصحة استناد الترك اليه اختيارا، امتثالا لنهى المولى، فمجرد إمكان الداعوية للنهى يكفي في حسنه و ان لم يكن داعيا بالفعل. و من هنا صح النهى عن نكاح المحارم، و أكل القاذورات، و الخبائث، و لحوم الإنسان و ان لم ترغب النفس فيها عادة.

و بالجملة: إذا كان الخروج عن محل الابتلاء ملازما للخروج عن‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 301‌

[مسألة 3: لا يعتبر في البيّنة حصول الظن بصدقها]

«مسألة 3»: لا يعتبر في البيّنة حصول الظن بصدقها (1). نعم يعتبر عدم معارضتها بمثلها (2).

[مسألة 4: لا يعتبر في البيّنة ذكر مستند الشهادة]

«مسألة 4»: لا يعتبر في البيّنة ذكر مستند الشهادة (3). نعم لو ذكرا مستندها، و علم عدم صحته لم يحكم بالنجاسة.

______________________________
القدرة- كما هو الحال في أكثر الأمثلة التي ذكروها لذلك صح الاشتراط المذكور، الا انه في الحقيقة اشتراط للقدرة لا شي‌ء آخر، و الا فلا دليل على اعتباره. و تفصيل الكلام في محله في الأصول.

(1) بل لا يضر الظن بخلافها، لإطلاق دليل حجيتها، فالبيّنة حجة، سواء أظن بوفاقها أم بخلافها أم لا.

(2) لعدم إمكان شمول الدليل للمتعارضين لاستحالة التعبد بالنقيضين، أو الضدين و لا لأحدهما المعين لانه ترجيح بلا مرجح و لا لأحدهما لا بعينه، إذ لا مصداق له في الخارج، لان ما في الخارج كلها تعيّنات.

فلا بد من التساقط و الرجوع الى أصل أو غيره. الا ان يقوم دليل على الترجيح، أو التخيير، كما في الخبرين المتعارضين الواردين في الأحكام دون الموضوعات الخارجية.

(3) ذكر مستند الشهادة هل تعتبر البيّنة مطلقا و لو من دون ذكر مستند الشهادة، أو يفصل بين ما إذا اتحد الشاهد و المشهود عنده في سبب النجاسة فتكون حجة من غير ذكر السبب، و بين ما إذا كان خلاف بينهما فلا يكون حجة؟؟

الصحيح هو الثاني «1».

______________________________
(1) كما أشار الى ذلك في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده»: «لا تعتبر في البينة» بقوله: «إلا إذا كان بين البينة و من قامت عنده خلاف في سبب النجاسة».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 302‌

..........

______________________________
توضيح المقال: هو انه لو ذكرت البيّنة- القائمة على النجاسة مثلا- مستند الشهادة، و علمنا بخطاءها فيه، لم يحكم بالنجاسة، كما أشار إليه بقوله «قده»: «نعم لو ذكرا.» و ذلك لعدم حجية الأمارة مع العلم بالخلاف، سواء أ كان خطاءها في الموضوع- كما إذا شهدت بوقوع الدم في الماء، و علمنا بعدم وقوعه فيه- أم كان في الحكم، كما إذا شهدت بنجاسة الثوب من جهة ملاقاته لعرق الجنب من الحرام، و لم نقل بنجاسته.

و توهم: بقاء حجيتها في الدلالة على أصل النجاسة و ان لم تكن حجة في السبب الخاص من جهة العلم بالخطاء فيه.

مندفع: بسقوط المدلول الالتزامي عن الحجية بعد سقوط المدلول المطابقي، فإن أصل النجاسة مدلول التزامي، لأخبارها عن النجاسة الخاصة المسببة عن سبب خاص، فإذا سقطت دلالتها على النجاسة الخاصة لم تكن حجة في الدلالة على أصل النجاسة.

و بعبارة أخرى: النجاسة المسببة عن ملاقاة الدم- مثلا- منتفية يقينا للعلم بخطاءها فيها، و النجاسة المسببة عن سبب آخر لم تحك عنها البيّنة، لا بالمطابقة، و لا بالالتزام. هذا كله فيما ذكرت البيّنة مستند الشهادة، و علمنا بخطاءها فيه.

و أما إذا لم تذكر مستندها، فان علمنا باتحاد البيّنة و المشهود عنده في أسباب النجاسة اجتهادا أو تقليدا كما هو الغالب كانت حجة حينئذ، لترتب الأثر- على هذا التقدير- على الشهادة عند المشهود عنده، فيشملها دليل الحجية. و أما إذا لم نعلم بالاتحاد، و احتملنا استنادها إلى شي‌ء لا يكون سببا عند المشهود عنده، فالظاهر عدم الحجية في هذا الحال كما عليه العلامة «قده»، حيث قال في محكي كلامه في التذكرة: انه «لا تقبل الا بالسبب، لجواز‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 303‌

..........

______________________________
ان يعتقد ان سئور المسوخ نجس.» و ذلك لعدم ثبوت اخباره عن ملاقاة ما يؤثر في النجاسة عند المشهود عنده. و الوجه في ذلك: ان الاخبار عن نجاسة الثوب- مثلا- ينحل إلى أمرين، كبروى و صغروي. «أما الكبرى» فهي الاخبار عن ثبوت الحكم بالنجاسة في الشريعة المقدسة على نحو القضايا الحقيقية لشي‌ء ما- كالبول، و الدم، و المنى- و منجسيته لملاقيه. «و اما الصغرى» فهي الاخبار عن ملاقاة الثوب لذلك النجس.

أما الكبرى فلا طريق الى ثبوتها سوى الكتاب، و السنة، أو فتوى المجتهد، لأنها من الشبهات الحكميّة، و لا حجية للبيّنة فيها، لاختصاص حجيتها بالموضوعات الخارجية، كما هو واضح.

و أما الصغرى- و هي الاخبار عن ملاقاة الثوب مع النجس- فالبيّنة و ان كانت حجة فيها إلا أنها غير ثابتة، لجواز ان يكون الملاقي طاهرا عند المشهود عنده، لاحتمال خطاء هذا الشاهد في اعتقاده بنجاسته، فلا أثر لهذه الملاقاة في نظره، لأن الملاقاة مع جسم ما أعم من الطاهر و النجس لا توجب نجاسة ملاقية، فالإخبار عن الملاقاة المؤثرة في نظر المشهود عنده غير ثابتة، و الإخبار عن طبيعي الملاقاة مع جسم ما و ان كان ثابتا إلا أنه لا أثر له، فلا مانع حينئذ من الرجوع الى استصحاب عدم تحقق الملاقاة المؤثرة- كملاقاة البول، أو الدم- بعد قيام الأمارة على خلافه، و أثره الحكم بطهارة المشهود بنجاسته، و لا يعارضه استصحاب عدم الملاقاة مع غير المؤثر، لعدم ترتب أثر عليه.

و دعوى: قيام السيرة على العمل بخبر الشاهد حتى في هذا الحال، كما يعمل بخبره فيما إذا ذكر السبب الثابت سببيّته عند المشهود عنده. «غير مسموعة» لعدم ثبوتها عندنا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 304‌

[مسألة 5: إذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجبها كفى]

«مسألة 5»: إذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجبها كفى، (1) و ان لم يكن موجبا عندهما، أو عند أحدهما، فلو قالا: ان هذا الثوب لاقى عرق الجنب من حرام، أو ماء الغسالة: كفى عند من يقول بنجاستهما، و ان لم يكن من مذهبهما النجاسة.

[مسألة 6: إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما]

«مسألة 6»: إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى في ثبوتها (2)

______________________________
و بالجملة: المدار في حجية البيّنة، و ثبوت النجاسة بها انما هو على اخبارها بالملاقاة المؤثرة عند من قامت عنده لا في نظر الشاهد، و من هنا اكتفى المصنف «قده» في المسألة الاتية بالشهادة بموجب النجاسة عند المشهود عنده، و لو لم يكن موجبا لها عند الشاهدين، أو عند أحدهما.

و ما ذكرناه يجري في قول صاحب اليد ايضا، فلا يكون قوله حجة إلا مع توافقه مع الأخر في السبب، كما هو الغالب. فتحصل: انه لا بد في حجية البيّنة اما من العلم باتحادها مع المشهود عنده في الأسباب، أو ذكر سبب النجاسة.

(1) قد ظهر حال هذه المسألة مما ذكرناه في المسألة السابقة، من أن العبرة في الحجية بترتب الأثر عند المشهود عنده، و ان لم يكن له أثر عند البيّنة نفسها، كما هو الحال في جميع الأمارات: و معه لا مجال لاستصحاب عدم الملاقاة مع النجس، لقيام الأمارة الحاكمة على خلافه.

(2) اختلاف مستند الشهادة حاصل ما ذكره المصنف «قده» في هذه المسألة هو التفصيل بين ما إذا نفى كل من الشاهدين قول الأخر، و بين ما إذا لم ينفه، ففي الأول لا يثبت القدر المشترك أعني أصل النجاسة، كما لا تثبت الخصوصيّة، و في الثاني يثبت الجامع و ان لم تثبت الخصوصيّة، لوجود التنافي بين قوليهما في‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 305‌

و ان لم تثبت الخصوصية، كما إذا قال أحدهما: ان هذا الشي‌ء لاقى البول، و قال الأخر: أنه لاقى الدم، فيحكم بنجاسته، لكن لا تثبت النجاسة البولية، و لا الدمية، بل القدر المشترك بينهما. لكن هذا إذا لم ينف كل منهما قول الأخر، بأن اتفقا على أصل النجاسة، و أما إذا نفاه- كما إذا قال أحدهما:

انه لاقى البول، و قال الأخر: لا بل لاقى الدم- ففي الحكم بالنجاسة إشكال.

______________________________
الأول دون الثاني. و الصحيح هو عدم الفرق بينهما، لأن النافي للخصوصيّة لا ينفي القدر المشترك، فنفيها لا يستلزم نفي الجامع، فلو قلنا بثبوت القدر الجامع بمجرد الشهادة على خصوصيّتين نقول به في كلتا الصورتين، و الا فلا.

و تنقيح الكلام في المقام بحيث يتضح به حال صور اختلاف الشاهدين أن يقال: انه لا بد في حجية البيّنة من اتحاد مورد شهادة الشاهدين بحيث يتواردان على مورد واحد كي تتم البيّنة عليه، سواء كان ذاك المورد أمرا شخصيا أم كليا، و أما انتزاع قدر جامع من قولهما فيما إذا اختلف مورد قول كل منهما عن الأخر فلا أثر له، لعدم قيام البيّنة عليه، بل هو أمر انتزاعي من موردين مختلفين. نعم إذا كان نفس العنوان المذكور- اعنى الجامع الانتزاعي- موردا للشهادة، و كان ذا أثر شرعي، تكون البيّنة حجة أيضا.

و عليه فإذا شهد كل منهما ببيع زيد داره من عمرو و تمت البيّنة حينئذ على بيع شخصي، كما انه إذا شهدا ببيعها من أحد الشخصين عمرو أو بكر من دون تعيين أحدهما تمت البيّنة أيضا على بيع الدار من كلي أحدهما، و يترتب عليه الأثر، كانتفاء حق ورثة زيد في هذه الدار، و نحو ذلك، و ان لم يحكم بانتقالها الى خصوص عمرو، أو بكر. فمورد الشهادة في هذه الصورة هو الأمر الكلي، أي عنوان أحدهما، نظير متعلق العلم الإجمالي فيما إذا علمنا إجمالا ببيع داره من أحد هذين الشخصين، فكما ان العلم الإجمالي فيه يكون حجة فكذلك البيّنة، لوحدة المتعلق في كلا الموردين. و أما إذا شهد أحدهما‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 306‌

..........

______________________________
ببيع الدر من عمرو، و شهد الأخر ببيعها من بكر فلا أثر لهذه الشهادة، إذ بيعها على كل من عمر و أبو بكر مما لم تقم عليه البينة، بل مجرد شهادة عدل واحد كما أن بيعها من أحدهما على نحو العنوان الكلى لم تقم عليه البيّنة أيضا، غاية ما هناك إمكان انتزاع جامع أحدهما عما هو المورد لكل من الشهادتين، الذي هو المدلول الالتزامي لكل منهما، لأن الشهادة على بيع الدار من عمرو- مثلا- تدل بالالتزام على بيعها من أحدهما، لصدق هذا العنوان على عمرو الا انه قد ذكرنا مرارا: أن الدلالة الالتزامية كما انها تتبع الدلالة المطابقية في أصل وجودها، كذلك تتبعها في الحجية، فلو سقطت الدلالة المطابقية عن الحجية سقطت الدلالة الالتزامية أيضا، و حيث انه لا اعتبار بشهادة عدل واحد في مدلولها المطابقي لا اعتبار بها في مدلولها الالتزامي أيضا، لعدم قبول شهادة عدل واحد في باب المرافعات نعم إذا شهدا ابتداء بانتقال الدار إلى أحدهما تمت البيّنة على العنوان الكلى كما ذكرنا.

إذا عرفت ذلك فنقول: ان شهادة الشاهدين بالنجاسة قد يردان على وجود واحد، و اخرى على وجودين، فهنا قسمان:

أما القسم الأول، فان لم يكن فيه اختلاف أصلا حتى في الخصوصيات فالأمر واضح، كما إذا شهدا بوقوع قطرة من البول في الإناء المعين في الزمان المعين، بلا اختلاف في شي‌ء من ذلك، فحينئذ تثبت النجاسة بها بلا كلام.

و أما إذا اختلفا فالاختلاف يكون- تارة- في العوارض الشخصيّة- و اخرى في الصنف، و ثالثة في النوع، فالصور ثلاثة:

أما الصورة الأولى: فكما إذا شهدا بوقوع قطرة من البول في الإناء، إلا أنهما اختلفا في زمانه، فقال أحدهما: انه كان في الليل، و قال الأخر: أنه‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 307‌

..........

______________________________
كان في النهار، بعد اتفاقهما على ان ما شهد به أحدهما هو عين ما شهد به الأخر. و لا إشكال في تمامية البيّنة في هذه الصورة، لاتفاق الشاهدين على أمر واحد و ان اختلفا في خصوصياته، إذ لا يضر هذا الاختلاف في الحكم بالنجاسة المترتبة على طبيعي البول، من دون فرق بين إصابته للإناء في الليل أو في النهار، أو سائر الخصوصيات.

و أما الصورة الثانية: فكما إذا شهدا بوقوع الميتة في الماء، و اختلفا في انها كانت ميتة شاة أو هرة. و لا إشكال في ثبوت النجاسة في هذه الصورة أيضا، لتمامية البيّنة على وقوع الميتة التي هي موضوع الحكم بالنجاسة، و الاختلاف في الصنف لا يقدح في الحكم بالنجاسة المترتبة على طبيعي الميتة بعد اتفاقهما على وحدة المشهود به وجودا، و ان ما شهد به أحدهما عين ما شهد به الأخر.

و أما الصورة الثالثة: فكما إذا شهد أحدهما بوقوع قطرة من الدم في الإناء، و شهد الأخر بوقوع قطرة من البول، بحيث كانا متفقين أيضا في ملاقاة قطرة واحدة فاتحد المشهود به بهذا المقدار، إلا أنهما اختلفا في ماهيّة هذه القطرة. و الظاهر عدم الحكم بالنجاسة في هذه الصورة، لأنهما و إن اتفقا على وحدة المشهود به، الا أنهما اختلفا في نوعه، و الاختلاف في النوع مما له دخل في ثبوت النجاسة، بخلاف الاختلاف في الصنف، أو العوارض الشخصيّة، فإن الميتة من ذي النفس السائلة نوع واحد محكوم عليه بالنجاسة، سواء أ كانت ميتة هرة أم شاة مثلا و هذا بخلاف الدم و البول، فان كل واحد من هذين نوع مستقل محكوم عليه بالنجاسة- كسائر أنواع النجاسات- و لا جامع ما هويّا بينهما يكون هو المحكوم عليه بالنجاسة، و الجامع الانتزاعي- اعنى: عنوان أحدهما- لم يكن موضوعا للحكم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 308‌

..........

______________________________
بالنجاسة، و لا مشهودا به. فالمدلول المطابقي لكل واحد من الشهادتين غير ثابت، لأنه مما أخبر به عدل واحد، و لا نقول بحجيته- فرضا- فلا يثبت المدلول الالتزامي لهما- و هو وقوع أحد هذين النجسين في الإناء- أيضا، لتبعيته للمدلول المطابقي وجودا، و حجية، و هذا من دون فرق بين نفي أحدهما للآخر و عدمه. نعم إذا شهدا بوقوع قطرة من أحدهما بحيث كان مصبّ الشهادة هو هذا الجامع- اعنى وقوع النجس المردد بين البول و الدم- فقد تمت البيّنة، لاتفاق قولهما على مورد واحد و ان كان هو الجامع الانتزاعي.

و أما القسم الثاني- و هو ما إذا كان مورد شهادتهما وجودين مختلفين- فله أيضا صور ثلاثة، لأنهما قد يختلفان في الشخص، و اخرى في الصنف، و ثالثة في النوع أما «الأولى» فكما إذا شهد أحدهما بوقوع قطرة من البول في الإناء صباحا، و شهد الأخر بوقوع قطرة أخرى منه فيه مساء.

و أما «الثانية» فكما إذا شهد أحدهما بوقوع قطرة من دم الرعاف، و شهد الأخر بوقوع دم الذبيحة. و أما «الثالثة» فكما إذا شهد أحدهما بوقوع الدم و الأخر بوقوع البول. و في شي‌ء من هذه الصور الثلاثة لا يحكم بالنجاسة، لعدم تمامية البيّنة على شي‌ء واحد، لأن المفروض تعدد مورد كل من الشهادتين، و ان المشهود به لأحدهما غير ما هو المشهود به للآخر.

و الفرق بين الاختلاف في هذا القسم و القسم الأول هو: انه في هذا القسم قد يقع التنافي بين قوليهما، و قد لا يقع، لان المخبر عن وقوع قطرة من البول قد ينفى وقوع قطرة الدم في الإناء من باب الاتفاق، و قد لا ينفيه، لعدم علمه بوقوع نجس أخر فيه و أما القسم الأول فالتنافي بين القولين ثابت فيه دائما، لفرض وحدة الوجود، فيمكن القول بثبوت النجاسة في هذا القسم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 309‌

[مسألة 7: الشهادة بالإجمال كافية أيضا]

«مسألة 7»: الشهادة بالإجمال كافية أيضا، كما إذا قالا: أحد هذين نجس، فيجب الاجتناب عنهما. و اما لو شهد أحدهما بالإجمال، و الأخر بالتعيين كما إذا قال أحدهما: أحد هذين نجس، و قال الأخر: هذا- معينا- نجس ففي المسألة وجوه، وجوب الاجتناب عنهما، و وجوبه عن المعين فقط، و عدم الوجوب أصلا (1).

______________________________
من جهة اخبار العدل الواحد- لو قلنا بحجيته في الموضوعات- لعدم التعارض بينهما، بخلاف القسم الأول، كما عرفت. فتفصيل المصنف «قده» بين وقوع التنافي و عدمه ان تم فهو انما يتم في القسم الثاني دون الأول، لوقوع التنافي فيه دائما.

(1) الشهادة بالإجمال بعد ان ذكر «قده» حكم الشهادة بالتفصيل تعرض في هذه المسألة لحكم الشهادة بالإجمال و هي على نحوين، لأنهما قد يشهدان- معا- بالإجمال، و قد يشهد أحدهما بالتعيين، و الأخر بالإجمال.

أما الأول فإن كانت الواقعة فيه واحدة فلا إشكال في ثبوت النجاسة بها، كما إذا شهدا بوقوع قطرة من الدم في أحد الإنائين مع عدم علمهما بما وقع فيه بالخصوص لما ذكرنا من عدم الفرق في المشهود به بين ان يكون أمرا شخصيا أو كليا، لأن الشهادة بالإجمال في حكم العلم الإجمالي بنجاسة أحد الأمرين، فهي علم تعبدي و بمنزلة العلم الحقيقي. و أما إذا تعددت الواقعة، أو لم تحرز وحدتها، فلا يمكن إثبات نجاسة أحدهما بالبيّنة، لما عرفت من لزوم وحدة المشهود به في حجيتها، فلو شهد أحد الشاهدين بوقوع قطرة من البول من أحد الإنائين، و شهد الأخر بوقوع قطرة من الدم في أحدهما، فلا يمكن إثبات نجاسة أحدهما عن طريق البيّنة. نعم بناء على حجية خبر‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 310‌

..........

______________________________
العدل- كما هو المختار- تثبت نجاسة أحدهما.

و أما الثاني- و هو شهادة أحدهما بالتعيين و الأخر بالإجمال، كما إذا شهد أحدهما بوقوع قطرة من الدم في الإناء الصغير، و شهد الأخر بوقوع قطرة من البول في أحدهما- فإذا تعددت الواقعة فيه، و كان المشهود به لأحدهما غير المشهود به للآخر- كما في المثال- فلا حجية للبيّنة حينئذ، كما ذكرنا. فلا يجب الاجتناب عن شي‌ء منهما، الا على القول بحجية خبر العدل، إذ عليه يجب الاجتناب عن المعين، و اما الإناء الأخر فيبتني الاجتناب عنه على سبق المعلوم بالإجمال زمانا على المعلوم بالتفصيل دون العكس.

و أما إذا اتحدت الواقعة، بأن اتفقا على وحدة المشهود به و ان اختلفا في التعيين و الإجمال- كما إذا أخبر أحدهما عن وقوع قطرة من الدم في أحد الإنائين، و الأخر عن وقوع تلك القطرة بعينها في الإناء الصغير مثلا،- ففيها وجوه، أشار إليها في المتن:

أحدها: وجوب الاجتناب عنهما، بتوهم اتفاق الشهادتين في الشهادة بنجاسة الجامع فيجب الاحتياط، لأن الشهادة بالتعيين شهادة بالجامع أيضا، فإن المخبر بوقوع النجس في الإناء الصغير يخبر بوقوعه في أحدهما أيضا، فيتحد مورد الشهادتين و هو وقوع النجس في أحدهما. و بعبارة أخرى. الشهادة في المعين ينحل إلى أمرين خصوصيّة التعيين و الجامع، و بما انها تنفرد في الخصوصيّة فلا أثر لها فيها، بناء على عدم حجية خبر العدل، بخلاف الجامع، فإنها تتحد فيه مع الثانية، فيكون الجامع مشهودا به لكليهما.

و فيه: ان الشاهد بالمعين لا شهادة له بالجامع إلا بالدلالة الالتزامية، و هي تابعة للمطابقة في الحجية، كما مر، و المفروض عدم حجيتها فيها. بل لا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 311‌

..........

______________________________
شهادة له بالجامع أصلا، لأن الشاهد بالمعين انما يشهد بوقوع النجس في المعين لا في المعين و اللّامعين، كيف و هما ضدان؟ و بعبارة اخرى: انما يشهد شاهد التعيين بوقوع النجس في الحصة الخاصة من الجامع- و هو الإناء الصغير- لا الجامع بينه و بين غيره، بل ينفى ذلك، فدعوى الانحلال غير تامة.

ثانيها: وجوب الاجتناب عن المعين فقط، بدعوى: اجتماع الشهادتين في الشهادة بوجوب الاجتناب عنه و ان لم يجتمعا في الشهادة بنجاسته لان لازم الشهادة بوقوع النجس في أحدهما لا بعينه هو الشهادة بوجوب الاجتناب عن الطرفين، المعين و الطرف الأخر، فإن مقتضى علم الشاهد بوقوع النجس في أحدهما هو وجوب الاجتناب عن كليهما و المفروض أن الشاهد بالتعيين أيضا يشهد بوجوب الاجتناب عن المعين خاصّة، فيتحد مورد الشهادتين في المعين دون الطرف الأخر. نعم لا يثبت بذلك نجاسته حتى يحكم بنجاسة ملاقيه، لان المشهود به وجوب الاجتناب عنه دون نجاسته، كما أشرنا.

و فيه: أن الشهادة بغير المعين انما تدل على وجوب الاجتناب عن الطرفين بالالتزام، و هي تابعة للمطابقة في الحجية، و المفروض عدم حجيتها في مدلولها المطابقي، لانفرادها فيه، فكذلك الالتزامي. بل لا استلزام في المقام، لأن وجوب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي حكم عقلي لا معنى للشهادة به، و إنما تعتبر في الأحكام الشرعية- كالنجاسة، و الملكية، و الزوجية، و نحوها- أو في موضوعاتها- كالخمر، و البول، و نحوهما- فالصحيح هو:

الوجه الثالث و هو عدم وجوب الاجتناب أصلا، لعدم قيام البيّنة، لا على المعين و لا على غير المعين.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 312‌

[مسألة 8: لو شهد أحدهما بنجاسة الشي‌ء فعلا، و الأخر بنجاسته سابقا]

«مسألة 8»: لو شهد أحدهما بنجاسة الشي‌ء فعلا، و الأخر بنجاسته سابقا مع الجهل بحاله فعلا، فالظاهر وجوب الاجتناب (1). و كذا إذا شهدا معا بالنجاسة السابقة، لجريان الاستصحاب.

______________________________
هذا كله بناء على اعتبار خصوص البيّنة في الموضوعات الخارجية، و أما بناء على حجية خبر العدل فيها- كما هو الأقوى- فيجب الاجتناب عن خصوص المعيّن
«1» لقيام الحجة على نجاسته. و أما الطرف الأخر فيجري فيه الأصل بلا معارض، فان مقتضى الأخبار بنجاسة أحدهما و ان كان هو الاحتياط، لانه علم تعبدي إجمالي، الا انه ينحل بالاخبار بنجاسة المعين الى علم تفصيلي بنجاسته و شك بدوي بنجاسة الطرف الأخر، كما في اجتماع العلم الإجمالي الحقيقي مع العلم التفصيلي فيما إذا اتحد متعلقهما، لان المفروض وحدة الوجود، فيتحد متعلق العلمين، و كذلك الخبرين. و لا يعتبر في ذلك رعاية سبق تاريخ أحد الخبرين على الأخر، و لحوقه به، أو مقارنته له، لأن العبرة بزمان المعلوم، و مع فرض وحدته لا مجال لهذه التفاصيل، كما هو واضح.

(1) اختلاف الشهود لا إشكال في ثبوت النجاسة فيما إذا اتّحد الشاهدان في المشهود به وجودا و زمانا- كما إذا شهدا معا بنجاسة شخصيّة سابقة- فإنها تثبت حدوثا بالبيّنة، و بقاء بالاستصحاب، لأنها يقين تعبدي، و به يتم كلا ركني الاستصحاب، و يكفي في جريانه ترتب الأثر بقاء، و به تتم حجية البيّنة‌

______________________________
(1) و في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده»: «ففي المسألة وجوه»: «أوجهها أوسطها، بناء على ثبوت النجاسة باخبار العدل الواحد، و الا فالوجه الأخير هو الأوجه».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 313‌

..........

______________________________
أيضا، و لو لم يكن لها أثر آخر، كنجاسة الملاقي للنجس في الزمان السابق.

و إلى ذلك أشار المصنف «قده» بقوله: «و كذا إذا شهدا معا بالنجاسة السابقة».

كما انه لا إشكال في ثبوت النجاسة فيما إذا شهدا بنجاسة الشي‌ء فعلا، على تفصيل تقدم في المسألة السابقة بين وحدة المشهود به و تعدده.

و أما إذا اختلفا في زمان المشهود به، فشهد أحدهما بنجاسة الشي‌ء فعلا، و الأخر بنجاسته سابقا مع الجهل بحاله فعلا، فان اختلفا في وجوده أيضا، بأن كان المشهود به لكل منهما غير المشهود به للآخر، كما إذا شهد أحدهما بإصابة الدم الإناء أول الليل، و شهد الأخر بإصابة البول إياه آخر الليل، لم تثبت النجاسة بالبيّنة- كما ذكرنا في المسألة السابقة- لعدم اتحاد مورد الشهادتين، و الجامع الانتزاعي غير مشهود به، فلا تثبت بها النجاسة فيما لو اتفقا في زمان المشهود به، فضلا عما إذا اختلفا فيه. و الظاهر ان المصنف «قده» أيضا لا يريد هذه الصورة.

و أما إذا اتحدا في المشهود به وجودا، بان كان المشهود به لهما وجودا واحدا قد اختلف الشاهدان في زمانه من حيث السبق و اللحوق، فأخبر أحدهما بوجوده أول الليل مثلا، و أخبر الأخر بوجوده آخره، فهل يحكم بثبوته فعلا أم لا؟ الحق هو التفصيل، لأن المسألة صورا ثلاثة:

الأولى: ما إذا علم المشهود عنده بعدم طرو مطهر في البين. لا سابقا، و لا لاحقا، بحيث يعلم ببقاء نجاسة الشي‌ء فعلا على تقدير ثبوتها سابقا، و فيها يحكم بنجاسته فعلا من دون حاجة إلى الاستصحاب، لقيام البيّنة عليها في الحال، مرددة بين حدوثها فعلا أو بقاءها من السابق، فان الاختلاف في الزمان لا يقدح في تحقق البيّنة على الوجود الجامع بين الزمانين، كالاختلاف‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 314‌

..........

______________________________
في سائر الخصوصيات، ككون الدم أحمر، أو أصفر. فيكون المقام نظير ما إذا شهدا معا بنجاسة الشي‌ء سابقا، و علمنا ببقائها على تقدير ثبوتها في السابق، إذ فيه يحكم بنجاسته بالفعل من دون حاجة الى الاستصحاب، للعلم بالملازمة بين البقاء و الحدوث فرضا.

الثانية: ما إذا شك المشهود عنده في بقاء النجاسة على تقدير ثبوتها سابقا، بان احتمل طروّ المطهر بين الزمانين، و فيها أيضا يحكم بالنجاسة، لا من جهة استصحاب النجاسة المحتملة سابقا كي يشكل عليه بعدم اليقين بالحدوث، بل لاستصحاب كلى النجاسة المرددة بين الزمانين الثابتة بالبيّنة، فالشك انما هو في بقاء ما علم بحدوثه تعبدا، و هو من استصحاب الكلى من القسم الثاني، و قد حققنا في الأصول انه لا فرق في الكلي المستصحب بين أن يكون جامعا بين فردين. أو افراد- كالجامع المردد بين زيد و عمرو- و بين ان يكون جامعا بين زمانين لفرد واحد، فالخصوصيّة المشكوكة من جهة الزمان لا تمنع عن استصحاب الجامع بين افراده. فهو من استصحاب الكلى بحسب الزمان، و ليس ذلك من استصحاب الفرد المردد- كما حققناه في محله أيضا- لأن المستصحب هو الجامع القابل للانطباق على كل من الخصوصيّتين بحسب الزمان، لا الخصوصيّة المرددة، كي يقال بعدم وجودها في الخارج. و ان شئت فاستصحب عدم طروّ المطهر، لان مرجع الاستصحاب في الأحكام الجزئية إلى استصحاب موضوعاتها، وجودا أو عدما.

الثالثة: ما إذا علم بطروّ المطهر بين الزمانين، بان علم بزوال النجاسة على تقدير ثبوتها سابقا، و ببقائها على تقدير حدوثها لاحقا، فيدور أمرها بين مقطوع الارتفاع و مشكوك الحدوث، و فيها يجرى استصحاب كلي النجاسة أيضا، و هو من استصحاب الكلى من القسم الثاني أيضا، كما في‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 315‌

[مسألة 9: لو قال أحدهما: انه نجس، و قال الآخر: انه كان نجسا و الان طاهر]

«مسألة 9»: لو قال أحدهما: انه نجس، و قال الأخر: انه كان نجسا و الان طاهر، فالظاهر عدم الكفاية، «1» و عدم الحكم بالنجاسة (1)

______________________________
الصورة الثانية، كاستصحاب جامع الحيوان المردد بين البق و الفيل. الا انه معارض باستصحاب الطهارة المتخللة بين الزمانين، للعلم بحدوثها مع الشك في ارتفاعها، و بعد التساقط يرجع الى قاعدة الطهارة فظهر انه لا بد من الحكم بالنجاسة في الصورة الاولى و الثانية، و بالطهارة في الصورة الثالثة.

و لكن كل ذلك مبنى على عدم حجية خبر العدل، و الا فلا بد من الحكم بالنجاسة في جميع الصور المتقدمة، لاخبار العدل بنجاسة الشي‌ء بالفعل، و لا يعارضه اخبار العدل الأخر بنجاسته سابقا الا فيما إذا اتحدت الواقعة المشهود بها، لان إخبار كل واحد منهما بوجودها في أحد الزمانين ينفى الأخر بالالتزام. لاستحالة حدوث نجاسة واحدة في زمانين، فمع التساقط بالمعارضة يرجع الى قاعدة الطهارة. ففيما إذا اتحدت الواقعة لا بد من الحكم بالطهارة في جميع الصور، و مع تعددها يحكم بالنجاسة.

(1) الفرق بين هذه المسألة و سابقتها هو: ان المفروض هنا أن الشاهد بالنجاسة السابقة يشهد ايضا بارتفاعها في الحال، فله شهادتان، بخلاف المسألة السابقة. ثم ان الوجه في حكم المصنف «قده» بعدم النجاسة هو انقطاع استصحاب النجاسة السابقة باخبار نفس الشاهد بالطهارة في الحال في هذه المسألة، بخلاف سابقتها، و كيف كان فتفصيل الكلام هنا ان يقال: انا إذا قلنا بحجية خبر العدل- كما هو الأصح- فإن كان المشهود به لكل من الشاهدين غير ما هو المشهود به للآخر- بان شهدا بوجودين من‌

______________________________
(1) و في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف: «فالظاهر عدم الكفاية»: «بل الظاهر الكفاية فيما إذا كانت الواقعة واحدة».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 316‌

..........

______________________________
النجاسة أحدهما سابقا، و الأخر لاحقا وقعت المعارضة بين الخبرين بالنسبة إلى الزمان المتأخر- لأن أحدهما يشهد بنجاسة الشي‌ء فعلا، و الأخر بطهارته، و مع التساقط يرجع الى الأصل، و لا مانع من استصحاب النجاسة السابقة الثابتة باخبار أحدهما، فيحكم بالنجاسة.

و قد يتوهم: ان المخبر عن طهارته الفعلية يخبر عن ارتفاع النجاسة السابقة بالدلالة الالتزامية، و لا مجال للاستصحاب مع وجود الأمارة على الخلاف.

و يندفع: بأنه لا حجية لهذه الدلالة مع عدم حجية المطابقية المبتلاة بالمعارض لأن الدلالة الالتزامية تتبع المطابقية في الوجود و الحجية.

و ان كان المشهود به لهما وجودا واحدا، مع اختلافهما في زمانه فهل يحكم بالنجاسة أم لا؟ ربما يقال بالثاني، لتعارض الخبرين في مدلولهما الالتزامي، لأن المخبر عن وجودها في الحال ينفى وجودها في السابق- و كذلك العكس- و بعد التساقط يرجع إلى قاعدة الطهارة. إلا أن الأظهر هو الحكم بالنجاسة، لاستصحاب كلى النجاسة، المرددة بحسب الزمان، الثابتة بخبرهما معا- كما ذكرنا في المسألة السابقة- دون النجاسة الشخصيّة السابقة الساقطة بالتعارض. و إخبار أحدهما بالطهارة الفعلية لا يصلح أمارة على ارتفاع الكلي، لابتلائه بالمعارض، فالشك في بقاء الكلى على حاله. هذا كله بناء على حجية خبر العدل.

و أما بناء على عدم اعتباره- كما هو مبنى المصنف «قده»- فيجري هنا ما ذكرناه في المسألة السابقة، إذ لا أثر لاخبار أحدهما بالطهارة الفعلية، لأنه عدل واحد فان كان المشهود به لكليهما وجودا واحدا فيستصحب كلى النجاسة، و أما إذا كان وجودين فلا أثر للشهادتين، لعدم اتحاد مركزهما، فلا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 317‌

[مسألة 10 إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها]

«مسألة 10» إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت كفى في الحكم بالنجاسة. و كذا إذا أخبرت المربية للطفل أو المجنون بنجاسته أو نجاسة ثيابه. بل و كذا لو أخبر المولى (1) «1» بنجاسة بدن العبد أو الجارية أو ثوبهما مع كونهما عنده أو في بيته.

______________________________
تثبت النجاسة. فظهر انه لا فرق في الحكم بالنجاسة فيما إذا اتحد المشهود به بين ما إذا اعتبرنا خبر العدل و بين ما إذا قلنا باعتبار خصوص البيّنة، لجريان استصحاب كلي النجاسة على كلا التقديرين، و انما الفرق بينهما فيما إذا تعدد، فعلى الأول يحكم بالنجاسة دون الثاني.

(1) أخبار الزوجة أو الخادمة بنجاسة شي‌ء في البيت قد ذكرنا سابقا «2» ان السيرة القطعيّة العقلائية قائمة على حجية اخبار ذي اليد فيما استولى عليه سواء أ كان ذلك استيلاء ملك أم غيره، و عليه يتم ما أفاده في المتن من حجية إخبار هؤلاء بالنجاسة. إلا في إخبار المولى عن نجاسة بدن العبد أو الجارية أو ثيابهما، فان العبد و الجارية و ان كانا مملوكين للمولى، و كانا تحت يده بحيث كان يضمنهما إذا كانا مغصوبين، الا أنه لا يكفي هذا المقدار في اليد التي تكون موضوعا لحجية إخبار ذي اليد بالنجاسة، فإنه يعتبر فيها- زائدا على الاستيلاء- ان لا يكون لما تحت اليد استقلال في التصرف أصلا، و هذا يتم في غير الإنسان العاقل كالجمادات، و الحيوانات، و أما العبد و الجارية فهما يستقلان بالتصرف في بدنهما و ثيابهما،

______________________________
(1) و في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده»: «و كذا لو أخبر المولى»: «فيه اشكال، بل منع. نعم إذا كان ثوبهما مملوكا للمولى، أو في حكمه، قبل اخباره بنجاسته».

(2) ج 2 ص 63 و في هذا المجلد ص 292.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 318‌

[مسألة 11 إذا كان الشي‌ء بيد شخصين كالشريكين]

«مسألة 11» إذا كان الشي‌ء بيد شخصين- كالشريكين- يسمع قول كل منهما في نجاسته. نعم لو قال أحدهما: انه طاهر، و قال الأخر: أنه نجس، تساقطا (1) كما ان البيّنة تسقط مع التعارض (2). و مع معارضتها بقول صاحب اليد تقدم عليه.

______________________________
و ليسا تابعين للمولى تبعية محضة، كالثوب الذي على بدن المولى: نعم في الطفل غير المميّز، و المجنون يتم ذلك، لكونهما في حكم الحيوان. و كذلك في ثياب العبد و الجارية إذا كانت تحت يد المولى، كما إذا كانت في صندوقه يعطيها لهما عند الحاجة، فلو أخبر بالنجاسة حينئذ كان خبره حجة، كما إذا أخبر بنجاسة ثوب نفسه. نعم الثياب التي لبسها العبد أو الجارية تخرج بعد اللبس عن يد المولى، و يكون خبرهما حجة فيها لا خبره. و الحاصل: انه ليس في المقام دليل لفظي يتمسك بإطلاقه في جميع هذه الموارد، و انما الدليل هي السيرة، و القدر المتيقن منها هو تحقق استيلاء ذي اليد، مع عدم إرادة استقلالية لما تحت اليد، و نتيجة ذلك هو ما ذكرناه.

(1) أما سماع قول كل منهما، فلعدم الفرق بين اليد الاستقلالية و الضمنية في حجية إخبار ذي اليد عما هو تحت يده، لقيام السيرة على كلتا الصورتين. و أما تساقطهما بالمعارضة، فلأنه مقتضى حجية قول كل منهما. في نفسه. نعم لو استند أحدهما إلى ما يرفع مستند الأخر- كما إذا استند أحدهما إلى العلم أو العلمي، و استند الأخر إلى الأصل- قدم الأول، لحكومة الأمارات مطلقا على الأصول، كما أوضحنا ذلك فيما سبق «1».

(2) على تفصيل تقدم «2» فيه و في تعارض البيّنة مع قول صاحب‌

______________________________
(1) في الجزء الثاني من كتابنا ص 69- 72 في البحث عن تعارض البينتين، أو تعارض البينة مع اليد، لوحدة الملاك.

(2) في الجزء الثاني ص 69- 72.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 319‌

[مسألة 12: لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين ان يكون فاسقا أو عادلا]

«مسألة 12»: لا فرق في اعتبار (1) قول ذي اليد بالنجاسة بين ان يكون فاسقا أو عادلا، بل مسلما أو كافرا.

[مسألة 13: في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيا اشكال]

«مسألة 13»: في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيا اشكال (2)، و ان كان لا يبعد إذا كان مراهقا.

______________________________
اليد، من ان التساقط بالمعارضة في البيّنتين انما يتحقق مع تكافؤهما في المستند، و أما إذا كان مستند إحداهما رافعا لمستند الأخرى فتقدم الاولى على الثانية. كما انه يشترط في تقدم البيّنة على قول صاحب اليد ذلك أيضا، إذ معه لا سيرة على حجية قول ذي اليد عند معارضته مع البيّنة. الا ان يستند صاحب اليد إلى ما يكون حاكما على مستند البيّنة، فيقدم عليها.

(1) حجية قول ذي اليد و ان كان فاسقا أو كافرا لقيام السيرة في جميع ذلك، و الاشكال في الكافر لما في بعض النصوص «1» الواردة في البختج من اعتبار الإسلام، بل الورع. مندفع:

بخروجها عن محل الكلام لان البحث هنا في حجية قول ذي اليد بالنجاسة، و مورد النصوص هو الإخبار بالطهارة بعد النجاسة. و سيأتي الكلام في ذلك في بحث المطهرات إنشاء اللّه تعالى.

(2) و الظاهر عدمه، لثبوت السيرة على حجية خبر الصبي إذا كان مميزا للطهارة و النجاسة و ان لم يكن مراهقا، فلا وجه للتقييد به، فاشتراط تكليفه بالبلوغ لا يلازم اشتراط قبول قوله به، و لا بكونه مراهقا. نعم لا عبرة بقول غير المميّز.

______________________________
(1) كموثقة عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- انه سئل عن الرجل يأتي بالشراب، فيقول مطبوخ على الثلث؟ قال: ان كان مسلما، ورعا، مؤمنا (مأمونا) فلا بأس أن تشرب».

الوسائل: الباب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث: 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 320‌

[مسألة 14: لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد ان يكون قبل الاستعمال]

«مسألة 14»: لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد ان يكون قبل الاستعمال (1)- كما قد يقال- فلو توضأ شخص بماء- مثلا- و بعده أخبر ذو اليد بنجاسته يحكم ببطلان وضوئه و كذا لا يعتبر ان يكون ذلك حين كونه في يده، فلو أخبر بعد خروجه عن يده بنجاسته حين كان في يده يحكم

______________________________
(1) لقيام السيرة على قبول قوله و لو بعد الاستعمال الموجب لانعدام الموضوع إذا كان له أثر في هذا الحال، كما إذا أخبر بنجاسة الماء المستعمل في الوضوء، فإن أثره بطلان الوضوء، و نجاسة الأعضاء، و ان انعدم الماء بالاستعمال في الوضوء، و خرج بذلك عن يد المخبر. فلا يفرق الحال بين ان يكون اخباره قبل الاستعمال أو بعده، و لا بين بقاء العين بعد الاستعمال- كالثوب و نحوه- و بين انعدامه به- كالماء المستعمل في الوضوء- لأن العبرة بثبوت اليد حال الاستعمال لا حال الاخبار. نعم لو لم يكن له أثر بعد الاستعمال لم يقبل قوله، كما إذا أخبر بنجاسة ثوب المصلى بعد الصلاة فيه، فإنه لا يوجب البطلان، لأن الطهارة عن الخبث شرط علمي للصلاة لا واقعي، بخلاف طهارة الماء المستعمل في الطهارة عن الحدث، فإنها شرط واقعي فيها، فعدم قبول قوله في المثال انما يكون من جهة عدم الأثر، لا من جهة انعدام الموضوع بالاستعمال، و خروجه عن تحت اليد.

و يؤيد ذلك: صحيحة العيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلى في ثوب رجل أياما، ثم ان صاحب الثوب أخبره انه لا يصلى فيه. قال: لا يعيد شيئا من صلاته» «1».

بناء على ان المانع عن الصلاة في الثوب هي النجاسة دون غيرها من الموانع.

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 3 ص 475 الباب: 40 من أبواب النجاسات، الحديث: 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 321‌

عليه بالنجاسة «1» (1) في ذلك الزمان، و مع الشك في زوالها تستصحب (2).

______________________________
فظهر: ان القول بعدم القبول بعد الاستعمال- كما عن التذكرة
«2»- ضعيف.

(1) فيه اشكال، لاستناد حجية قول ذي اليد إلى السيرة، و ثبوتها بعد خروج الشي‌ء عن استيلائه غير معلوم، أو معلوم العدم، فإذا خرج عن استيلائه- ببيع و نحوه- لا يصدق عليه انه صاحب اليد حينئذ، و لا يعتمد على اخباره بالنجاسة، لما ذكر. و هذا من دون فرق بين اليد البعيدة- كما إذا باع شيئا ثم أخبر بعد سنة مثلا بنجاسته- أو القريبة، كما لو دفع المبيع إلى المشترى ثمّ أخبر بنجاسته بلا فصل.

و قد يقال: ان السيرة العملية و ان لم تكن ثابتة الا ان السيرة الارتكازية قائمة على العمل بخبره، و لا سيما في اليد القريبة.

و لكنه ضعيف، لان قيامها في هذا الحال انما يكون بلحاظ حجية خبر الثقة لا قول ذي اليد، و من هنا لم يعتمد على قوله فيما إذا لم تثبت وثاقته عند المشترى، كما إذا كان مورد اتهام استرجاع المبيع، و الندم على البيع، كيف و لا إشكال في عدم حجية قوله بعد البيع إذا أخبر عن كونه مغصوبا، أو وقفا، كما أحوط.

كان يعتبر قبله من باب حجية إقرار العقلاء على ما في يدهم. فظهر ان‌

(2) هذا فيما تثبت حجية قول ذي اليد في حدوث النجاسة، و قد عرفت اعتبار بقاء الشي‌ء تحت يده حال الاخبار في حجية قوله.

______________________________
(1) و في تعليقته قدس سره على قول المصنف «قده»: «يحكم عليه بالنجاسة» «على الأحوط، و لا يبعد ان لا يحكم عليه بها».

(2) كما في الجواهر ج 6 ص 177- 178.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net