بقية المطهرات 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌6   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7202

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 49‌

[التاسع: التبعيّة]

«التاسع»: التبعيّة، و هي في موارد

[ (أحدها): تبعيّة فضلات الكافر المتصلة ببدنه]

(أحدها): تبعيّة فضلات الكافر المتصلة ببدنه،- كما مر- (1).

[ (الثاني): تبعية ولد الكافر له في الإسلام]

(الثاني): تبعية ولد الكافر «1» له في الإسلام أبا كان أو جدا، أمّا أو جدّة (2).

______________________________
(1)
(المطهّر التاسع): التبعيّة 1- تبعيّة فضلات الكافر المتصلة ببدنه لو أسلم.

و قد مر «2» وجهه، و هو أن نجاسة فضلاته- كشعره و بصاقه و الوسخ الذي على بدنه- كانت بحكم التبعيّة للكافر، فإذا زال عنه الكفر و أسلم انقلبت النسبة و صارت تبعا للمسلم، فيحكم بطهارتها لا محالة، لصدق شعر المسلم- مثلا- على شعره حينئذ، فلا موجب للحكم بالنجاسة، 2- تبعية الولد لأشرف الأبوين في الإسلام‌

(2) لو أسلم أحد الأبوين- قبل ولادته أو بعدها- تبعه الولد الصغير في الإسلام، و هذا مما لا خلاف فيه ظاهرا «3» و هذه هي القاعدة المعروفة من لحوق الولد بأشرف أبويه «4»

______________________________
(1) جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف قدّس سرّه «تبعية ولد الكافر»: (بشرط أن لا يكون الولد مظهرا للكفر مع تمييزه، و كذا الحال في تبعية الأسير للمسلم الذي أسره).

(2) ص 9.

(3) كما في الجواهر ج 21 ص 135 كتاب الجهاد، حيث يقول من جامع متن الشرائع «و حكم الطفل المسبي حكم أبويه المسبيين معه، فإن أسلما أو أسلم أحدهما تبعه الولد بلا خلاف أجده فيه»

(4) قال في الجواهر ج 21 ص 136: «القاعدة إن الإسلام يعلو و لا يعلى عليه (كنز العمال ج 1 ص 17 الرقم 246 و جامع الصغير ج 1 ص 123) و لحوق الولد بأشرف أبويه في الحرية، ففي الإسلام أولى»

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 50‌

..........

______________________________
و قد يستدل
«1» على ذلك ب‍ رواية حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب، فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك، فقال: إسلامه إسلام لنفسه، و لولده الصغار، و هم إحراز و ماله و متاعه و رقيقه له، فأما الولد الكبار فهم في‌ء للمسلمين إلا ان يكونوا أسلموا قبل ذلك.» «2»

و قد يناقش «3» في دلالتها بقصورها عن شمول الأم و الجدّة لاختصاصها بالرجل و ولده، و ان يشمل الأب و الجد و أما الأم و الجدة فلا تشملها الرواية.

أقول: لا حاجة في التعميم لهما الى الاستدلال بهذه الرواية كي يورد عليها بما ذكر، مضافا الى ضعف سندها ب‍ «قاسم بن محمد» «4» و «على بن محمد القاساني» «5» الضعيف بقرينة رواية الصفار عنه، بل يكفينا في الحكم بطهارة الولد إذا أسلم أحد أبويه عدم الدليل على النجاسة لما تقدم «6» في بحث نجاسة ولد الكافر تبعا لوالديه من ان الدليل على التبعية في النجاسة لهما إنما هو الإجماع، و السيرة «7» و القدر المتيقن منهما ما إذا بقيا على كفرهما و لم يسلم أحدهما، و أما إذا أسلم أحدهما أبا كان أو جدّا، أما كان أو جدّة فلا دليل على النجاسة التبعية من إجماع أو سيرة بل كان مقتضى الأصل هو‌

______________________________
(1) الجواهر ج 21 ص 135 و المستمسك ج 2 ص 126

(2) الوسائل ج 15 ص 116 في الباب 43 ح 1 ط م قم.

(3) المستمسك ج 2 ص 126

(4) فإنه مشترك

(5) فإنه ضعيف

(6) ج 3 الطبعة الثالثة.

(7) لاحظ مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 562.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 51‌

[ (الثالث): تبعيّة الأسير للمسلم الذي أسره]

(الثالث): تبعيّة الأسير للمسلم الذي أسره، إذا كان غير بالغ، و لم يكن معه أبوه أو جدّه (1)

______________________________
الحكم بالطهارة، لأن النجاسة على خلاف الأصل، فإن النجاسة الكفرية غير متحققه له، لأن المفروض عدم إظهاره للكفر، و الحكمية لا دليل عليه، فيرجع إلى الأصل، و أما بالنسبة إلى سائر الأحكام الثابتة للمسلمين كجواز نكاحه للمسلم، و وجوب تجهيزه لو مات و الصلاة عليه و نحو ذلك فالظاهر تسالم الأصحاب
«1» على ذلك أيضا‌

(1) 3- تبعيّة الطفل الأسير منفردا للمسلم.

لو أسر ولد الكافر مع أبويه تبعهما في الإسلام، و الكفر، و ما يتبعهما من الأحكام كالطهارة و النجاسة و غيرهما- و هذا مما لا خلاف فيه «2» و أما لو أسر منفردا، فان كان مميزا و أظهر الإسلام أو الكفر فلا إشكال في حكمه أيضا فإنه مسلم، أو كافر، حسب ما أظهره، لما تقدم من شمول أدلة الإسلام، و الكفر لكل من أظهرهما عن تمييز و إدراك للمعنى، و هذا ظاهر.

و أما إذا أسر منفردا، و لم يكن مميّزا أو لم يظهر الإسلام، أو الكفر فلا يكون مسلما، و لا كافرا بالاستقلال، بل يجرى عليه أحكام التبعيّة، فحينئذ يقع السؤال عن أنه هل يتبع المسلمين الذين هو في أسرهم مطلقا في جميع الأحكام، أو يتبع أبويه الكافرين المنفصلين عنه، أى هل العبرة فيه بالتبعيّة الخارجيّة للمسلمين، أو التبعيّة النسبيّة لأبويه الصحيح هو التفصيل في الأحكام بان يقال أما من حيث الطهارة فهو‌

______________________________
(1) الجواهر ج 21 ص 135 كتاب الجهاد و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 562 الطبع الحجري

(2) الجواهر ج 21 ص 134- 135 كتاب الجهاد و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 562- 563 الطبع الحجري

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 52‌

..........

______________________________
تابع للسابي المسلم، لأن القدر المتيقن من الإجماع أو السيرة على تبعية ولد الكافر له في الحكم بالنجاسة انما هو فيما إذا كان تبعا لهم في الخارج أيضا بحيث يكون معدودا في عداد الكفار و في جمعهم، و أما إذا انفصل عنهم خارجا و لحق بدار الإسلام و صار في جميع المسلمين فلا دليل على تأثير التبعيّة النسبية في هذه الحالة، و كان مقتضى الأصل طهارته- كما هو المشهور- و ان لم يصدق عليه عنوان المسلم بل ادعى
«1» الإجماع و السيرة على المعاملة مع السبايا معاملة المسلمين و كيف كان فيكفينا الأصل بعد عدم ثبوت التبعيّة النسبية لأبويه في حال أسره عند المسلمين.

و أما من حيث سائر الأحكام كتزويجه للمسلم، و وجوب تجهيزه، و الصلاة عليه بعد موته فلا دليل على الحاقه بالمسلمين، و مقتضى الأصل عدمه ما لم يثبت اندراجه في زمرة المسلمين حقيقة أو حكما و الحاصل: ان الطفل الأسير منفردا يتبع السابي المسلم في الطهارة دون الإسلام بمقتضى الأصل في كل منهما، و ان حكى «2» عن بعض تبعيّته للسابي المسلم في الإسلام و لا دليل عليه- كما أشرنا- و تفصيل الكلام في محله «3» و المتحصل مما ذكرناه: ان الطفل الأسير منفردا يحكم بطهارته تبعا للسابي المسلم دون سائر الأحكام بشروط ثلاثة 1- عدم البلوغ، و أما إذا بلغ فيكلف بالإسلام 2- لم يكن معه أبواه الكافران، و الا كان تابعا لهما‌

______________________________
(1) كما حكاه في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 563 س 6.

(2) راجع الجواهر ج 21 ص 136 كتاب الجهاد.

(3) راجع كتاب الجهاد من الكتب الفقهية، كالجواهر ج 21 ص 136

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 53‌

[ (الرابع): تبعيّة ظرف الخمر له]

(الرابع): تبعيّة ظرف الخمر له بانقلابه خلّا (1)

______________________________
3- لم يظهر الكفر إذا كان مميّزا كما ذكرنا في التعليقة
«1» و الا كان كافرا 4- تبعية ظرف الخمر له إذا انقلب خلّا‌

(1) لا إشكال في ذلك، لما ذكرناه في بحث مطهريّة الانقلاب من ثبوت الملازمة العقليّة بين الحكم بطهارة الخمر المنقلب خلا، و بين الحكم بطهارة إنائه، و إلا كان الحكم بطهارة الخلل وحده لغوا، لتنجسه- بملاقاة الإناء- ثانيا، و هذا ظاهر.

و عن بعض المتقدمين ممن عاصرناهم القول بثبوت الملازمة في خصوص المقدار الملاقي للخل من الإناء، و أما الزائد على ذلك، و هي الأجزاء الفوقانية من الإناء فلا ملازمة بين طهارتها و طهارة الخل الموجود في الإناء، لعدم التماس، و لا محذور في الالتزام بنجاستها على ما كانت عليه قبل الانقلاب، لعدم ملاقاتها للخل، كي يتنجس ثانيا، فان الغالب هو نقص كميّة الخمر الموجود في الإناء بالانقلاب، لتصرف الهواء و الحرارة فيه، و كان ملتزما بهذا القول و يقول بلزوم كسر الإناء، أو ثقبه من التحت، و إخراج الخل بهذا النحو، لئلا يتنجس بملاقاة الأجزاء الفوقانية للإناء.

و لا يخفى: أنه لا يمكن المساعدة على هذا القول بوجه للسّيرة القطعيّة على خلافه من الصدر الأول إلى اليوم، إذ لم نر و لم نسمع أن أحدا من المسلمين فعل ذلك بأواني الخلّ المنقلب عن الخمر، بل كانوا يأخذون منها الخل على النحو المتعارف في سائر الأواني من إفراغ ما فيه من الماء أو سائر المائعات من دون كسر أو ثقب و بالجملة لا ينبغي التشكيك في ذلك‌

______________________________
(1) تقدمت في تعليقة ص 49.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 54‌

[ (الخامس): آلات تغسيل الميّت]

(الخامس): آلات تغسيل الميّت (1) من السدّة و الثوب الذي يغسل فيه، و يد الغاسل، دون ثيابه، بل الأولى و الأحوط الاقتصار على يد الغاسل

______________________________
(1)
5- تبعيّة آلات تغسيل الميت له إذا تم غسل الميت فقد طهر بدنه و يطهر بتبعه آلات تغسيله، و هي كل ما يستعمل في تغسيله على النحو المتعارف ك‍ «السدّة» و هي عبارة عما يغسل عليه الميت من خشبة و نحوها و الثوب الذي قد يغسل فيه الميت، و يد الغاسل و «الكيس» الذي قد يمسح به بدنه لإزالة الوسخ و نحوه لقيام السيرة على عدم تطهير شي‌ء من ذلك مستقلا، إذ لم يعهد عصر ثوب الميت و لو كان نجسا لزمه ذلك، لتوقف طهارته على إخراج الغسالة منه بالعصر، بل في بعض الروايات «1» النص على جواز تغسيل الميت في ثيابه و مناقشة الشيخ الأعظم «2» فيما عدا اليد من الآلات غير مسموعة نعم: الأشياء الخارجيّة التي لم تعد من آلات الغسل- كثياب الغاسل- لم تطهر بالتبع، لعدم السيرة، فلو أصابها الماء النجس لزم تطهيرها‌

______________________________
(1) راجع الوسائل ج 2 ص 516 ب 20 و ص 526 ب 23 و ص 528 ب 24 من أبواب غسل الميت ط: م قم.

(2) المستمسك ج 2 ص 128

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 55‌

[ (السادس): تبعيّة أطراف البئر]

(السادس): تبعيّة أطراف البئر، و الدلو، و العدّة، و ثياب النازح (1) على القول بنجاسة البئر

______________________________
(1)
6- تبعية أطراف البئر له لا إشكال في قيام السيرة على عدم تطهير أطراف البئر، و الدّلو، و الرشاء، و ثياب النازح بعد تمام النزح- المأمور به في الروايات «1» عند وقوع النجس أو موت الحيوانات في البئر- و لكن هل ذلك من باب السالبة بانتفاء الموضوع، أى عدم تنجس ماء البئر بملاقاة النجس أو لطهارتها بتبع طهارة ماء البئر على القول بالتنجس.

الصحيح هو الأول لما حقق في بحث المياه من عدم تنجس ماء البئر بالملاقاة، فالأمر بالنزح محمول على الاستحباب و التنزه، أو الوجوب تعبدا على قول ضعيف، فلا يتنجس ماء البئر إلا بالتغيّر بالنجاسة كما دل على ذلك صحيحة ابن بزيع «2».

و أما على القول بنجاسة ماء البئر بالملاقاة فيكون النزح مطهرا له فحينئذ نلتزم بطهارة الدلو و الرشاء تبعا لا محالة لسكوت الروايات عن التعرض لتطهيرها مستقلا مع الغفلة عنه فيكون قرينة على الطهارة تبعا و هكذا الكلام في ثياب النازح و أطراف البئر للسيرة على عدم التطهير.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 في الباب 14 و 15 و 16 الى 23 من أبواب المياه

(2) عن محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السّلام قال: «ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلا أن يتغيّر ريحه، أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح، و يطيب طعمه، لأن له مادّة»- الوسائل ج 1 ص 172 في الباب 14 من المياه ح 1 و 7- ط: م قم

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 56‌

لكن المختار عدم تنجسه بما عدا التغيّر، و معه أيضا يشكل جريان حكم التبعيّة (1)

______________________________
(1) لعدم ثبوت السيرة على عدم التطهير- مستقلا- في فرض التغيّر، لقلة وقوعه، و ندرة تحققه، و في مثله لا يمكن إحراز السيرة، فمقتضى القاعدة بقاء أطراف البئر، و آلات النزح على النجاسة، إذ المطهّر لها إما الغسل و إما التبعيّة، و إذا لم يثبت الثاني فأدلّة الأول هي المحكّمة.

و مما ذكرنا يظهر عدم الفرق «1» بين القول بان المطهّر للبئر المتغير هل هو النزح بنفسه أو زوال التغيّر و النزح مقدمة له، لعدم ثبوت السيرة على عدم التطهير على كل تقدير، سواء قلنا ان المطهّر هو النزح أو زوال التغير، و إن كان الثاني هو الأصح، لظهور قوله عليه السّلام في صحيحة ابن بزيع «فينزح» حتى يذهب الريح و يطيب طعمه» «2» في أن ذهاب الريح و طيب الطعم هو المطهّر، و من هذا التزمنا في بحث المياه «3» بكفاية إلقاء الكر، أو نزول المطر في زوال تغيره من دون حاجة إلى النزح، بل يكفى زوال التغير بنفسه، لاتصاله بالمادّة، و عليه لا مجال لقياس النزح المزيل للتغير على النزح الرافع للنجاسة بالملاقاة، لعدم ثبوت السيرة على التبعيّة في الأول لندرته و ثبوتها في الثاني، لشيوعه.

______________________________
(1) تعريض على المستمسك ج 2 ص 129.

(2) تقدمت في تعليقة ص 55.

(3) ج 2 ص 54 (مسألة 1) من مسائل ماء البئر- الطبعة الثالثة-

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 57‌

[ (السابع): تبعيّة الآلات المعمولة في طبخ العصير]

(السابع): تبعيّة الآلات المعمولة في طبخ العصير (1) على القول بنجاسته، فإنها تطهر تبعا له بعد ذهاب الثلثين.

[ (الثامن): يد الغاسل، و آلات الغسل في تطهير النجاسات]

(الثامن): يد الغاسل، و آلات «1» الغسل في تطهير النجاسات، و بقيّة الغسالة الباقية في المحل بعد انفصالها (2)

______________________________
(1)
7- تبعيّة آلات طبخ العصير له لقيام السيرة على عدم تطهيرها بعد ذهاب الثلثين، إذ لم يعهد غسل مثل الملعقة المستعملة في طبخ العصير بعد ذهاب ثلثيه، و لو قلنا بنجاسته بالغليان، مضافا الى ان الحكم بطهارة العصير دون الإناء الذي يطبخ فيه لغو محض، كما في أواني الخمر إذا انقلب خلا، لتنجسه بملاقاة الإناء ثانيا‌

(2) 8- تبعية يد الغاسل و آلات الغسل أما طهارة يد الغاسل و آلات الغسل كالإناء في تطهير المتنجسات و إن كان ثابتة فلا نناقش فيها، و لكن الكلام في سبب الطهارة فيها، هل هو التبعية، أو الغسل بالتبع، الظاهر هو الثاني، لانغسالها تبعا لغسل المتنجسات في الماء الكثير كالكر أو الجاري، أو بصب الماء القليل عليها.

و أما بقية الغسالة في الشي‌ء المغسول- كالثوب و نحوه- فهي أيضا محكومة بالطهارة، و لكن ليست تبعية أيضا، بل لطهارة الغسالة المتعقبة لطهارة المحل بذاتها كما تقدم «2» في بحث الغسالة، و أشرنا في التعليقة‌

______________________________
(1) و في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «يد الغاسل و آلات الغسل»: (الحكم بطهارتها إنما هو لأجل غسلها بالتبع، و أما بقية الغسالة فقد مر أنها طاهرة في نفسها)

(2) ج 2 ص 167

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 58‌

[ (التاسع): تبعيّة ما يجعل مع العنب أو التّمر للتخليل كالخيار]

(التاسع): تبعيّة ما يجعل «1» مع العنب أو التّمر للتخليل (1) كالخيار، و الباذنجان، و نحوهما، كالخشب و العود، فإنها تنجس تبعا له عند غليانه- على القول بها- و تطهر تبعا له، بعد صيرورته خلا

______________________________
(1)
9- تبعيّة ما يجعل مع العنب أو التمر للتخليل إذا قلنا بعدم نجاسة العصير مطلقا «2» بالغليان- كما هو الصحيح على ما تقدم «3»- فيسهل الأمر في مفروض المسألة لعدم تنجس شي‌ء من ذلك حتى يحتاج الى التطهير، كما أشرنا في التعليقة.

و أما لو قلنا بنجاسة العصير بالغليان فيشكل الأمر، بل يمنع عن طهارة ما يجعل معهما من الأشياء الخارجيّة، كالخيار و الباذنجان، و نحو ذلك مما لم تجر العادة بوجودها مع التمر أو العنب، فإنها أمور زائدة يضاف إليهما حسب اختلاف الرغبات في التخليل، و ذلك لعدم الدليل على طهارتها التبعية حينئذ، بل مقتضى القاعدة تنجس العصير بها ثانيا بالملاقاة حين ينقلب خلا، إذ لا دليل على الطهارة التبعية في مثل ذلك إلا السيرة و لم تثبت في مثل هذه الأشياء الخارجية الزائدة و هكذا الكلام فيما يجعل في العصير علاجا للتخليل مما لم تجر العادة به.

نعم لو كان الشي‌ء مما جرت العادة به كنواة التمر و عود العنب فلا بأس بالالتزام بطهارته التبعية للملازمة العادية بكونه معهما و قيام السيرة على عدم الاجتناب عن خلّ التمر، أو العنب إذا كان فيه شي‌ء من هذا القبيل، و‌

______________________________
(1) جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «تبعية ما يجعل مع العنب»: (في تبعيّته في الطهارة إشكال، بل منع، و الذي يسهل الخطب ما مرّ من أن العصير لا ينجس بالغليان).

(2) اى سواء العصير العنبي، أو التمري أو الزبيبي، و قد تقدم الكلام (في ج 3 ص 174 م 1 الطبعة الاولى) في أقسام العصير و ان الأقوى عدم النجاسة في مطلق العصير و ان قال بالتفصيل بعض

(3) ج 3 ص 174- الطبعة الأولى في بحث نجاسة الخمر

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 59‌

..........

______________________________
شمول الأخبار الدالة على الطهارة الخمر المنقلب عن الخمر إذا كان فيه شي‌ء مما تعارف وضعه فيه للتخليل، كالملح.

فتحصل: أنه لا بد من القول بالتفصيل بين ما جرت العادة بوجوده مع التمر و العنب، كالنواة و العود و بين ما لا يكون كذلك، كالخيار، و الباذنجان و نحوهما من الأشياء الإضافية و هذا على القول بنجاسة العصير بالغليان، و لكن الذي يسهل الخطب هو ما ذكرناه فيما سبق «1» من عدم تنجسه به، بل غاية ما هناك حرمته، و هي ترتفع بالتثليث، أو الانقلاب خلا، و لا محذور في ملاقي الحرام، و انما الإشكال في ملاقي النجس و قد تقدم بعض الكلام هناك.

______________________________
(1) راجع ج 3 ص 174 ذيل (مسألة 1) من مسائل نجاسة الخمر في عدم النجاسة بالغليان- الطبعة الأولى.

و راجع ج 5 ص 357 ذيل (مسألة 8) فيما يجعل مع العنب و التمر في بحث مطهرية ذهاب الثلثين.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 61‌

..........

______________________________
المطهر العاشر زوال عين النجاسة عن بدن الحيوانات و عن بواطن الإنسان‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 62‌

..........

______________________________
زوال عين النجاسة عن جسد الحيوان، زوالها عن باطن الإنسان، الشك في كون شي‌ء من الباطن أو الظاهر، حكم مطبق الشفتين و مطبق الجفنين.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 63‌

[ (العاشر) من المطهرات: زوال عين النجاسة، أو المتنجس عن جسد الحيوان غير الإنسان]

(العاشر) من المطهرات: زوال عين النجاسة، أو المتنجس عن جسد الحيوان غير الإنسان، بأي وجه كان، سواء كان بمزيل، أو من قبل نفسه، فمنقار الدجاجة إذا تلوث بالعذرة يطهر بزوال عينها و جفاف رطوبتها، و كذا ظهر الدابة المجروح إذا زال دمه بأي وجه، و كذا ولد الحيوانات الملوّث بالدم عند التولد الى غير ذلك (1).

______________________________
(1)
(المطهّر العاشر): زوال عين النجاسة عن بدن الحيوان لا ينبغي الإشكال في طهارة بدن الحيوان بزوال عين النجس أو المتنجس عنه، و قد حكى «1» عن المشهور طهارة فم الهرّة بمجرد زوال عين النجاسة سواء غابت عن العين أم لا كما عن جمع التصريح بذلك، و الحق جملة من المتأخرين بها كل حيوان غير الآدمي، و نسب الى المشهور بل‌

______________________________
(1) قال في الحدائق ج 1 ص 433: «المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) طهارة فم الهرّة بمجرد زوال عين النجاسة سواء غابت عن العين أم لا، صرح بذلك الشيخ و المحقق و العلامة و غيرهم، و الحق جملة من المتأخرين بها كل حيوان غير الآدمي، و استحسنه في المدارك و قيل بالنجاسة لأصالة البقاء عليها، و قيل بالطهارة بالغيبة، ذهب إليه العلامة في النهاية.» أقول: و يأتي عبارة النهاية في الشرح في الاحتمال الثالث من وجوه الاحتمالات في روايات السؤر و لاحظ الجواهر ج 1 ص 377.

و كذا مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 71- 72 في بحث الأسئار و ص 640 في بحث المطهرات في نقل الأقوال في المسألة و هي 1- القول بطهارة بدن الحيوان بمجرد زوال عين النجس أو المتنجس ذهب اليه المشهور، و ادعى عليه الإجماع.

2- القول بعدم تنجسه رأسا- كما مال اليه المصنف قدّس سرّه و ربما يظهر من بعض كلمات الجواهر 3- القول ببقائه على النجاسة كسائر المتنجسات إلى ان يغسل ذهب اليه بعض، حكاه في الحدائق (ج 1 ص 433) و لم يسم قائله، و هو شاذ 4- القول بطهارته بالغيبة مع احتمال غسله بالماء فهو طاهر ظاهرا ذهب إليه العلامة في النهاية.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 64‌

..........

______________________________
ادعى عدم الخلاف فيه.
«1»

أقول: قامت السيرة القطعية من المتشرعة خلفا عن سلف على عدم الاجتناب عن مطلق الحيوانات- سواء الهرة أم غيرها- بعد زوال عين النجس أو المتنجس عن أبدانها و المعاملة معها معاملة الطاهر مع العلم بسبق تلوثها بالنجاسة، لا أقل من دم الولادة، أو غيرها من النجاسات عند أكلها النجس أو المتنجس، أو الشرب منه، فيعاملون معها معاملة الطهارة مع العلم بعدم ورود مطهر عليها من كرّ أو مطر و نحو ذلك، و لا تصح هذه السيرة إلا بالالتزام بطهارة بدن الحيوانات بمجرد زوال العين من دون حاجة إلى مطهر آخر- كالغسل بالماء- و هذا من الوضوح بمكان.

روايات السؤر و قد يستدل على ذلك بإطلاق الروايات الدالة على طهارة سئور الحيوانات و الطيور الجوارح مع العلم بتلوثها، أو تلوث منقارها بالنجاسات غالبا من دون ورود مطهرا عليها.

(منها) ما دلت على طهارة سئور الهرة «2» مع العلم بنجاسة فمها عادة بأكل فأرة، أو ميتة، أو طعام متنجس، أو شربها من ماء متنجس و نحو ذلك، و لو وقتا ما.

(و منها) ما دلت على طهارة ماء شرب منه جوارح الطيور «3» كالباز، و‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 71 س 33 بحث الأسئار و ص 72 س 1 و 2.

(2) الوسائل ج 1 ص 227 في الباب 2 من أبواب الأسئار ط: م قم.

(3) الوسائل ج 1 ص 230 في الباب 4 منها.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 65‌

..........

______________________________
الصقر، و العقاب، و نحوها، و كذلك الوحش و السباع مما يكثر تلوثها بالنجاسات، بأكلها الميتة و الدم، فان السباع و الجوارح تأكل غالبا مما تصيدها من الحيوانات الأخر، و دلالة هذه الروايات على طهارة سئور هذه الحيوانات لا تتم إلا بطهارتها بزوال العين، ما لم ير في منقارها دم
«1» (و منها) ما دلت «2» على طهارة الدّهن أو الماء الذي وقعت فيه الفأرة، و أخرجت قبل أن تموت، بتقريب أن الحكم بطهارة الدّهن يدل على طهارة موضع بول الفأرة، و بعرها بزوال العين.

و الحاصل: أن دلالة هذه الروايات على طهارة أسئار «3» الحيوانات الطاهرة العين بالفعل في قبال الحيوانات النجسة العين كالكلب و الخنزير «4» لا يتم إلا بالالتزام بطهارة أبدانها بعد زوال عين النجس منها من دون حاجة الى الغسل بالماء، فإنها و إن كانت في مقام بيان الطهارة الذاتية في قبال الحيوانات النجسة العين كالكلب و الخنزير، إلا أن عدم تعرضها للتنبيه على تخصيص الحكم بالطهارة بصورة عدم تلوثها بالنجاسة وقتا ما مع غلبة التلوث بها دليل قطعي على الطهارة، و لو في صورة التلوث إذا زال عين النجس، بل أكثر أخبار السؤر تأبى عن الحمل على خصوص‌

______________________________
(1) كما في موثقة عمار المروية في الوسائل ج 1 ص 230 في الباب 4 من أبواب الأسئار ح 2 روى عمار بن موسى، عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عما شرب منه الحمامة، فقال: كل ما أكل لحمه فتوضأ من سئوره، و اشرب، و عن ماء شرب منه باز، أو صقر، أو عقاب، فقال: كل شي‌ء من الطير يتوضأ مما شرب منه، إلا أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه، و لا تشرب».

و نحوها غيرها في نفس الباب ح 1 و 3 و 4.

(2) الوسائل ج 1 ص 238 في الباب 9 من أبواب الأسئار ح: 1 و ح: 4 ص 240- ط: م قم.

(3) المراد من السؤر مطلق ما باشر جسم الحيوان، كما تقدم في بحث الأسئار ج 2 ص 232- الطبعة الاولى.

(4) الوسائل ج 1 ص 225 باب 1 من أبواب الأسئار، نجاسة سؤر الكلب و الخنزير ط: م قم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 66‌

..........

______________________________
الطهارة الذاتية، فإنها كالصريح في كونها مسوقة للحكم الفعلي- أي الطهارة الفعلية- لا الذاتية فقط، كرواية عمار
«1» التي تقدمت الإشارة إليها فإنه قد استثنى فيها خصوص ما إذا رأى في منقار الطير دما فلا يتوضؤ من سئوره و لا يشرب منه حينئذ، و أما إذا لم ير ذلك فلا بأس به، و لا يتم ذلك إلا بالطهارة الفعلية بعد زوال العين، هذا.

المناقشة في دلالة روايات السؤر ربما يناقش في دلالة روايات السؤر على طهارة بدن الحيوانات بزوال العين بوجوه.

(الأول) عدم تنجيس المتنجس الجامد كبدن الحيوان و هذا ما ذكره المحقق الهمداني قدّس سرّه «2» في بحث المطهرات من احتمال أن يكون الحكم بطهارة سئور هذه الحيوانات مبنيا على عدم تنجسها بملاقاة المتنجس الجامد، كفم الهرة، و منقار الطير، و لو كان متنجسا بملاقاة النجس،

______________________________
(1) تقدمت في تعليقة ص 65.

(2) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 640 قال قدّس سرّه «تنبيه: عد بعض الأصحاب من جملة المطهرات غيبة الإنسان، و زوال العين من باطنه، و من بدن الحيوان، أقول: أما طهارة بدن الحيوان بعد زوال العين فقد عرفت في مبحث الأسئار أنه مما لا ينبغي الاستشكال فيه، لكن لو منعنا سراية النجاسة من المتنجسات الجامدة الخالية من العين، كما نفينا عنه البعد عند التكلم في مسألة السراية أشكل استفادة طهارة الحيوان من الأدلة المتقدمة في ذلك المبحث، فإنها لا تدل إلا على طهارة السؤر التي لا ينافيها بقاء الحيوان على نجاسته على هذا التقدير، فليس حكم الحيوان حينئذ مخالفا لحكم سائر المتنجسات، و مقتضى الأصل انفعاله بالملاقاة، و بقاء نجاسته إلى أن يغسل، فلا يجوز اتخاذ جلده أو صوفه ثوبا للمصلي ما لم يغسل» أقول: حكى في الحدائق (ج 1 ص 433) القول بنجاسة بدن الحيوان حتى بعد زوال العين، لأصالة البقاء عليها، و لم يسم قائله.

و لا حظ الجواهر ج 1 ص 374 في هذا المجال.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 67‌

..........

______________________________
كما مال إليه في بحث «السراية»
«1» و عليه يشكل استفادة طهارة بدن الحيوان من الروايات المشار إليها، لأنها لا تدل إلا على طهارة السؤر، و هي لا تنافي بقاء الحيوان على نجاسته، بل غاية ما هناك أنه لم تسر نجاسته إلى ملاقيه، لأنه من المتنجس الجامد، و عليه لا يكون حكم الحيوان حينئذ مخالفا لحكم سائر المتنجسات، و مقتضى الأصل انفعاله بالملاقاة، و بقاء نجاسته إلى أن يغسل.

ثمرة هذا القول ثم أشار إلى ان الثمرة بين الاحتمالين تظهر في اتخاذ جلده أو صوفه ثوبا للمصلي ما لم يغسل، إذ على الاحتمال الأول و هو ما ذكرناه من طهارة بدن الحيوان بمجرد زوال العين يجوز الصلاة فيهما و على الثاني لا يجوز، لبقائهما على النجاسة ما لم يغسلا.

(ثانيها) عدم انفعال بدن الحيوان بملاقاة النجس و هذا أيضا ذكره المحقق المذكور قدّس سرّه «2» في بحث الأسئار- و هو في مقابل الأول- من احتمال عدم انفعال بدن الحيوان بالنجس رأسا كالبواطن التي لا تنفعل بملاقاة النجس، فلم يتنجس كي يطهر بزوال العين، و ملاقي الطاهر طاهر، فإذا لم يكن على منقار الطير، أو فم الهرة عين الدم، و شربا من الماء كان طاهرا، لعدم تنجس الطير أو الهرة من الأول.

و هذا الاحتمال هو الذي استقر به في المتن حيث يقول «و لكن يمكن أن‌

______________________________
(1) لاحظ مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 577.

(2) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 72 س 20- 23 قال قدّس سرّه «فالحكم- يعنى بطهارة سئور الحيوانات الطاهرة العين- من الوضوح بمكان لا يحوم حوله الارتياب و انما الإشكال في أنه هل يتنجس بدن الحيوان عند تلوثه بالنجاسة فيطهر بزوال العين أو لا ينفعل أصلا، كالبواطن التي لا تتأثر بما فيها من النجاسات.»

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 68‌

..........

______________________________
يقال بعدم تنجسها أصلا، و إنما النجس هو العين الموجودة في الباطن، أو على جسد الحيوان، و على هذا فلا وجه لعدّه من المطهرات و هذا الوجه قريب جدا» و وجه تقريب هذا الاحتمال هو دعوى عدم وجود إطلاق أو عموم في أدلة سراية النجاسة بالملاقاة تدل على نجاسة الملاقي مطلقا، و لو كان بدن الحيوان، لأن ما دلّ على السراية إنما هي أدلة وردت في موارد خاصة، كملاقاة النجس للثوب، أو بدن الإنسان، أو الإناء، و نحو ذلك من الموارد الخاصة، فلا عموم هناك إلا عموم ما تداول في كلمات الأعلام من أن كل ما لاقى نجسا يتنجس، و ليس هذا بدليل شرعي، إذ لا يبتني إلا على دعوى عدم الفرق بين هذه الموارد الخاصة التي وردت في الروايات و غيرها مما لم يرد فيه نص خاص، و عهدة هذه الدعوى على مدعيها، فلا يمكن الالتزام بها.

و عليه يكون مقتضى القاعدة هو الحكم بعدم تنجس بدن الحيوان بملاقاة النجس و كأنه بنى على ذاك المصنف قدّس سرّه في المتن.

ثمرة القول بعدم الانفعال و ثمرة هذا القول هي أنه لو ذبح حيوان، و كانت على بدنه أو صوفه نجاسة يابسة- كالعذرة- لا يحكم بنجاسة بدنه أو صوفه حينئذ، لأنه في حال حياته لم يتنجس بدنه على الفرض و بعد الذبح لم تكن في النجاسة رطوبة مسرية كي تسرى إلى بدن الحيوان، أو صوفه و هذا بخلاف ما إذا قلنا بانفعال بدن الحيوان بملاقاة النجس، فإنه يبقى على النجاسة، لعدم زوال العين في حال حيوته، فلا بد و أن يغسل بعد ذبحه.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 69‌

..........

______________________________
(ثالثها) الطهارة بالغيبة ذهب إليه العلامة قدّس سرّه في النهاية حيث قال: «لو نجس فم الهرة بسبب كأكل الفارة و شبهه، ثم و لغت في ماء قليل، و نحن نتيقن نجاسة فمها فالأقوى النجاسة، لأنه ماء قليل لاقى نجاسة، و الاحتراز يعسر عن مطلق الولوغ لا عن الولوغ بعد تيقن نجاسة الفم، و لو غابت عن العين، و احتمل ولوغها في ماء كثير أو جار لم ينجس، لأن الإناء معلوم الطهارة فلا يحكم بنجاسته بالشك» «1» و مفاد هذا المقال هو الرجوع الى استصحاب طهارة الإناء أو قاعدة الطهارة فيها، لاحتمال طهارة بدن الحيوان بالغسل، و معنى ذلك سقوط استصحاب نجاسة بدن الحيوان فيحكم بطهارته لقاعدتها، فيحكم بطهارة ملاقيه لا محالة.

فتلخص إلى هنا: ان مجموع الاحتمالات المطروحة في تفسير روايات السؤر مع العلم بملاقاة بدن الحيوان للنجاسة- عادة- أربعة:

1- عدم تنجس السؤر، على أساس عدم تنجيس المتنجس الجامد، كبدن الحيوان في مورد البحث لو سلم تنجسه بالملاقاة.

2- عدم نجاسة بدن الحيوان بملاقاة النجس رأسا كما استقر به في المتن.

3- الطهارة الظاهرية بالغيبة فيما إذا احتمل طهارة بدن الحيوان بالغسل بالماء، تخصيصا في أدلة الاستصحاب، فان مقتضاه و ان كان استصحاب النجاسة عند الشك في بقائها على بدن الحيوان و لكن دلت روايات السؤر على الطهارة في هذه الحال أيضا.

4- طهارة بدن الحيوان بزوال العين طهارة واقعية- كما هو المشهور- و‌

______________________________
(1) بنقل الحدائق ج 1 ص 433.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 70‌

..........

______________________________
هو الصحيح، إذ لا يمكن المساعدة على الثلاثة الباقية.

أما الاحتمال الأول الذي ذكره المحقق الهمداني قدّس سرّه ففيه:

أولا: أنه قد ذكرنا في بحث تنجيس المتنجس «1» أن المتنجس الأول- أي ما لا يكون له واسطة- يكون منجسا لملاقيه و ان كان جامدا، لإطلاق جملة من الروايات.

(منها) قوله عليه السّلام في موثقة سماعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أصاب الرجل جنابة، فأدخل يده في الإناء فلا بأس به إذا لم يكن أصاب يده شي‌ء من المني» «2» فإن مفهومه أنه لو أصاب يده شي‌ء من المني فأدخل يده في الماء ففيه بأس، فينجس الماء، كما صرح بذلك في روايته الثانية «3» و اليد من المتنجس الجامد، كبدن الحيوان ينجس ملاقيه.

و ثانيا: انه لو تم هذا الاحتمال في الروايات فلا يتم في السيرة القطعية من المتشرعة خلفا عن سلف فإنهم لا يجتنبون من نفس الحيوانات مع قطع النظر عن أسئارها بعد زوال العين عن بدنها من دون غسل، إذ لا أقل من تلوثها بدم الولادة، مضافا إلى جريان العادة بتنجس أبدانها بسائر النجاسات- غالبا- كدم القروح و الجروح، أو تنجس فمها بأكل طعام نجس، أو شرب ماء نجس، أو تنجس بدنها بالمني الخارج منها حين اللقاح، إلى غير ذلك من الفروض، و الأمثلة و لم يعهد من أحد من المتشرعة غسل فم هرة البيت لو أكلت فأرة، أو أكلت طعاما نجسا أو شربت ماء نجسا، مع‌

______________________________
(1) ج 3 ص 355- الطبعة الاولى.

(2) الوسائل ج 1 ص 153 في الباب 8 من أبواب الماء المطلق، ح: 9 ط: م قم.

(3) الوسائل ج 1 ص 154 في الباب 8 من أبواب الماء المطلق، ح: 10 ط: م قم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 71‌

..........

______________________________
العلم بأنها تباشر ما في البيت من الطعام و غيره.

و الحاصل: أنه لا ينبغي التأمل في قيام السيرة المستمرة من كافة المتشرعة على عدم التحرز من بدن الحيوانات، و لا من أصوافها و أوبارها التي يعلم بنجاستها- بنحو من الأنحاء- لو زالت عنها عين النجس من دون تطهير بالماء، فيستعملون أصوافها في ما يشترط فيه الطهارة، كالثوب في الصلاة، و هذا مع قطع النظر عن حكم أسئارها التي دلت الروايات على طهارتها.

و احتمال حصول غسل أبدانها بالمطر و نحوه من المياه التي تصيب بدن الحيوان قهرا، كالشطوط و الأنهار التي يدخلها الحيوان و يسبح فيها فلو تم فإنما يتم في بعض الأمكنة التي يوجد فيها المياه بكثرة، و أما في غيرها لا سيما في مثل الحجاز الذي هو مصدر الروايات من أهل البيت عليهم السّلام فلا يتأتى فيه هذا الاحتمال مضافا إلى ان المطر لا يصيب- غالبا- الأظهر الحيوان دون بطنه، و نحوه من الأعضاء السفلى، و الحاصل: انهم لا يجتنبون عن بدن الحيوانات حتى مع العلم بسبق تلوثها بالنجس من دون حاجة الى غسل بالماء إذا زالت النجاسة عن بدنها.

و أما الاحتمال الثالث- و هو الرجوع الى قاعدة الطهارة أو استصحاب طهارة الملاقي كما عن نهاية العلامة فمبني على احتمال غسل الحيوان بالماء إذا غاب عن العين- فلا يمكن المساعدة عليه أيضا بوجه، لما ذكرناه في رد الاحتمال الأول من قيام السيرة القطعية على عدم الاجتناب من نفس الحيوان الملاقي للنجس بعد زوال العين حتى مع العلم بعدم ورود مطهر عليه، و من هنا ذكرنا مثال هرة البيوتات إذا أكلت فارة و نحوها- مثلا- أو تنجس فمها بأكل طعام نجس، و بشرب ماء نجس، فإنه لا يغسل فمها‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 72‌

..........

______________________________
صاحب البيت، بل لو فعل ذلك لغرض حصول الطهارة عدّ من أهل الوسواس، و الجنون فان هذا و أمثاله من موارد السيرة القطعية يدلنا على عدم الحاجة الى الغسل بالماء، في طهارة بدن الحيوان بعد زوال عين النجس عنه.

فيبقى الاحتمال الثاني- و هو عدم تنجس بدن الحيوان بملاقاة النجس رأسا- كما استقر به في المتن و أشار إليه الفقيه الهمداني قدّس سرّه أيضا كما تقدم.

و لكن يردّه انه مبنى على عدم عموم فيما دل على تنجس مطلق ملاقي النجس، و لو كان بدن الحيوان، و لكن الصحيح ثبوت هذا العموم، و هو ما أشرنا إليه مرارا في الأبحاث السابقة من كفاية عموم موثقة عمار في الدلالة على ذلك، حيث أنه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حكم ملاقي الماء المتنجس بوقوع ميتة الفارة فيه، فقال عليه السّلام: «يغسل ثيابه و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء، و يعيد الوضوء و الصلاة.» «1» فإن عموم «كل ما أصابه ذلك الماء» يشمل بدن الحيوان أيضا، فيتنجس بملاقاة النجس، كما هو الحال في سائر ما يلاقي النجس، إلا أنه لا يحتاج في طهارته إلى الغسل بالماء، بل يطهر بمجرد زوال العين، و هذا تخصيص فيما ذكرناه مرارا فيما مر من الأبحاث من أن الأمر بغسل الملاقي للنجس يدل على أمرين.

______________________________
(1) روى عمار بن موسى الساباطي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يجد في إنائه فارة، و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا، و اغتسل منه، أو غسل ثيابه، و قد كانت الفأرة متسلخة؟ فقال: ان كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ، أو يغسل ثيابه، ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه، و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء، و يعيد الوضوء و الصلاة، و ان كان انما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمس من ذلك الماء شيئا و ليس عليه شي‌ء، لأنه لا يعلم متى سقطت فيه، ثم قال: لعله أن يكون انما سقطت فيه في تلك الساعة التي رآها».

الوسائل ج 1 ص 142 في الباب 4 من أبواب الماء المطلق: ح 1 ط: م قم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 73‌

..........

______________________________
(الأول) تنجس الملاقي- كالثوب و البدن- بملاقاة ذاك النجس، كالبول، مثلا.

(الثاني) عدم حصول الطهارة للملاقي، إلا بالغسل.

و لكن قد دلّت السيرة القطعية على عدم الاجتناب عن خصوص بدن الحيوان بمجرد زوال العين- كما عرفت- فيكون المطهر لبدن الحيوان زوال العين من دون حاجة الى الغسل بالماء و هذا بخلاف سائر المتنجسات، فإنها لا تطهر إلا بالغسل بالماء.

فتحصل: ان مقتضى الجمع بين الموثقة، و السيرة هو الالتزام بتنجس بدن الحيوان بملاقاة النجس أولا، ثم يطهر بزواله، لأن عموم الموثقة تدل على انفعال مطلق الملاقي للنجس، و لو كان بدن الحيوان، و هذا بضميمة قيام السيرة القطعية على عدم الاجتناب من الحيوانات بمجرد زوال عين النجس عنها ينتج كفاية زوالها في الطهارة- كما هو المشهور- فالأوفق بالجمع بين الأدلة هو القول بتنجس بدن الحيوان بملاقاة النجس و طهره بزواله، ثم القول بعدم تنجسه رأسا، و أما القولان الآخران، و هما عدم سراية نجاسته إلى الملاقي، أو الطهارة الظاهرية مشروطا بالغيبة و احتمال غسل الحيوان فيمن الضعف بمكان كما عرفت.

الثمرة بين القولين بقي الكلام في الثمرة بين القولين (طهارة بدن الحيوان بزوال العين، أو عدم تنجسه رأسا) 1- تظهر الثمرة في بقاء عين النجس على بدن الحيوان الى ما بعد الذبح، فان قلنا بتنجس بدنه- كما هو المختار- يجب غسله حينئذ، إذ لا يكفى مجرد زوال عين النجس عن جسمه في هذه الحال بفرك و نحوه، لبقاء النجاسة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 74‌

..........

______________________________
على بدنه من حال حياته، فان زوالها مطهر للحيوان بما هو حيوان حيّ، و المفروض عدمه، و أما بعد الذبح فليس بحيوان، بل هو لحم و عظم و جلد فلا بد من غسله بالماء لتنجس بدنه من الأول و لم يزل باقيا على النجاسة، و أما إذا قلنا بعدم تنجسه من الأول- كما رجحه في المتن- فلا يجب غسله إذا كانت النجاسة يابسة، لأنه حال حياته لم يتنجس بدنه، و ان كانت النجاسة رطبة، و بعد الذبح لم تكن فيها رطوبة مسرية، لان المفروض يبوستها على بدنه من حال حياته.

2- و قد يقال بوجود ثمرة أخرى أشار إليها الفقيه الهمداني قدّس سرّه «1» و شيخنا الأستاذ قدّس سرّه في بحث الأصول.

و هي تظهر في حكم الملاقي لبدن الحيوان فيما لو شك في بقاء عين النجس على بدنه، فإنه على القول بعدم تنجس بدنه بملاقاة النجس لا يمكن الحكم بنجاسة ملاقيه الا على القول بالأصل المثبت، و لا نقول به. لأن استصحاب النجس على بدنه لا يثبت الملاقاة معه، إذ هي ليس بأثر شرعي، بل أمر عادي و ان كان يترتب عليه نجاسة الملاقي الا انه مع الواسطة العادية، و أما الملاقاة مع نفس بدن الحيوان لا اثر لها لان المفروض هو القول بعدم تنجس بدن الحيوان، و أما إذا قلنا بتنجس بدنه بملاقاة النجس فيحكم بنجاسة ملاقيه عند الشك في بقاء النجس على بدنه، لاستصحاب نجاسته، و الملاقاة معه وجدانية فيحكم بنجاسة الملاقي لا محالة بضم الوجدان إلى الأصل من دون أى محذور، و السر في الفرق بين القولين هو ان الشك على القول بعدم تنجس بدن الحيوان انما هو في موضوع الاستصحاب، و هو النجس على بدنه، و لم يحرز، و أما على القول بتنجسه فالموضوع محرز، و هو بدن الحيوان‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 72 س 22 بحث الأسئار.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 75‌

..........

______________________________
الذي علم بنجاسته سابقا فيستصحب حكمه و ان كان منشأ الشك هو بقاء العين على بدنه.

فتحصل: أنه على القول بعدم انفعال بدن الحيوان لا يحكم بنجاسة ملاقيه عند الشك في بقاء العين، بخلافه على القول بانفعاله فيحكم بنجاسته، فمقتضى القاعدة هو التفصيل بين القولين، و التمسك بقاعدة الطهارة على الأول، دون الثاني، هذا هو مقتضى القواعد الأصولية و لكن قد دل بعض الروايات في خصوص الطيور على الحكم بالطهارة مطلقا و ان علم بنجاستها سابقا، الا ان يعلم بوجود النجس على بدنها بالفعل، فتكون مخصصة لأدلة الاستصحاب عند الشك في بقاء النجاسة على بدن الحيوان، و لو كانت مسبوقة بالعلم بوجودها، و هذه كموثقة عمار الواردة في الطيور الجوارح، بل مطلق الطير، أو الدجاجة حيث انها دلت على جواز الشرب و الوضوء من اسئارها إلا ان يرى في منقارها دما، أو قذرا فان المستفاد منها إناطة الحكم بالاجتناب عن سئورها بالعلم بوجود القذر على منقارها بالفعل، فلا مجال لاستصحاب النجاسة فيها.

و هي الرواية المتقدمة «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عما شرب منه الحمامة؟ فقال: كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره، و اشرب، و عن ماء شرب منه باز، أو صقر، أو عقاب فقال: كل شي‌ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه، و لا تشرب» «2» فان مفادها لزوم العلم بوجود النجس على منقار الطير في الحكم‌

______________________________
(1) ص 65 في التعليقة.

(2) الوسائل ج 1 ص 230 في الباب 4 من أبواب الأسئار ح: 2 و نحوها ح 3 و 4 عنه أيضا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 76‌

و كذا زوال عين النجاسة، أو المتنجس عن بواطن الإنسان كفمه، و أنفه، و أذنه، فإذا أكل طعاما نجسا يطهر فمه بمجرد بلعه (1)

______________________________
بنجاسة سؤره، فتكون الموثقة مخصصة لأدلة الاستصحاب في خصوص المورد.

نعم هذه الموثقة وردت في خصوص الطيور، و قد ورد النص في الفأرة أيضا حيث دل على طهارة ما وقعت فيه الفأرة من الدهن أو الماء، إذا خرجت حيّة، مع ان مقتضى الاستصحاب بقاء محل خرئها و بولها على النجاسة فينجس ملاقيه، الا انه لا أثر له في المقام للحكم بطهارة ما يلاقيه من الدهن أو الماء بمقتضى النص «1» المشار اليه، فنحتاج في شمول الحكم لغير مورد النص الى العلم بعدم الفرق بين الحيوانات من هذه الجهة، كما لا يبعد ذلك، و الا فيقتصر على مورد النص و هو الطير مطلقا الجوارح و غيرها، و يلحق بها الفارة، و في باقي الحيوانات يجرى استصحاب النجاسة لو علم بتنجسها و شك في زوال العين عن بدنها.

(1) طهارة البواطن بزوال العين لا إشكال و لا خلاف «2» ظاهرا في طهارة بواطن الإنسان بعد زوال العين من دون حاجة الى الغسل، سواء أ كانت النجاسة داخلية كدم الرعاف يصيب باطن الأنف أو خارجية، كما إذا استنشق ماء نجسا و هذا مما لا ينبغي التأمل فيه، و انما الإشكال في أنه هل يتنجس البواطن بوصول النجاسة، فيكون زوالها مطهرا لها، أم لا تنجس من أصلها «3» فيكون حينئذ عدّ‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 238 و 240 في الباب 9 من أبواب الأسئار، ح: 1 و 4.

(2) الحدائق ج 5 ص 297.

(3) قد يتوهم وجود الثمرة بين الاحتمالين بأنه لو قلنا بأن طهارة باطن البدن أيضا شرط في صحة- الصلاة، كطهارة ظاهره، فيجوز الصلاة قبل زوال العين على القول بعدم انفعال الباطن، و لا يجوز على القول بالانفعال ما لم يعلم بزوالها، و هذا كما إذا تنجس باطن الأنف بدم الرعاف أو غيره و لم يزل الدم باقيا داخل الأنف نعم لو قلنا بان حمل النجس موجب للبطلان بطلت الصلاة حتى على القول بعدم الانفعال، هذا و لكن أصل المبنى فاسد، لعدم الدليل على اشتراط طهارة باطن البدن في الصلاة و لو كان من قبيل باطن الأنف أو الفم أو الأذن فضلا عن سائر بواطنه الداخلية أي ما دون الحلق.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 77‌

..........

______________________________
زوال العين من جملة المطهرات مبنيا على المسامحة، فالكلام في بواطن الإنسان هو الكلام في ظاهر الحيوان بعينه.

فنقول توضيحا للمقام: إن البواطن تكون على قسمين «الأول» ما دون الحلق و «الثاني» ما فوق الحلق.

أما (القسم الأول)- و هو مما لا يمكن غسله بالماء- فلا ينبغي التأمل في عدم الحكم بتنجسه بملاقاة النجس، أو المتنجس، لعدم الدليل على ذلك، لأن العموم المستفاد من موثقة عمار المتقدمة «1» منصرف عن بواطن الإنسان، للقطع بعدم شمول الأمر بالغسل لهذا القسم من البواطن التي لا يمكن غسلها.

بل لا ثمرة للبحث عن تنجسها، لضرورة صحة صلاة من لاقى النجس بواطنه الداخلية، سواء كان النجس من النجاسات المتكونة في الباطن، كالعذرة، و البول، و الدم، أو الخارجية كما إذا شرب الخمر، أو الماء المتنجس، أو أكل لحم الخنزير، أو الميتة، و كانت باقية في جوفه، فلا ثمرة في الحكم بتنجس البواطن ما دون الحلق أصلا، لصحة الصلاة على كل تقدير، و ليس له أثر آخر.

و أما (القسم الثاني) و هو البواطن ما فوق الحلق، كباطن الفم، و الأنف،

______________________________
(1) ص 72 تقدمت في تعليقه.

الوسائل ج 1 ص 142 في الباب 4 من أبواب الماء المطلق: ح 1 ط: م قم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 78‌

..........

______________________________
و الأذن- مما يمكن غسله بالماء- فالملاقى له إما أن تكون نجاسة داخلية كدم الرعاف الملاقي لباطن الأنف أو الدم الخارج من الأذن، أو الدم الخارج من اللّثة الملاقي لباطن الفم، و الأسنان، أو نجاسة خارجية كما إذا شرب الماء النجس أو استنشق به و نحوذ ذلك.

أما الأول أي الملاقاة مع النجس الداخلي فلا دليل على نجاسة الباطن بملاقاته و لو أمكن غسله، لعدم الدليل على ذلك، بل ورد في موثقة عمار الساباطي الأمر بالاكتفاء بغسل ظاهر الأنف من دم الرعاف، من دون حاجة إلى غسل باطنه.

قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يسيل من أنفه الدم، هل عليه أن يغسل باطنه، يعنى جوف الأنف فقال: انما عليه أن يغسل ما ظهر منه» «1» فان الحصر ب‍ «انما» يدل على أن الباطن لا يجب غسله، فإذا لا دليل على تنجسه، لما مر مرارا من أن الدليل على تنجس شي‌ء بملاقاة النجس انما هو الأمر بغسله الدال إرشادا على تنجس الملاقي للنجس، و أن المطهر له هو الغسل بالماء.

و عليه تكون هذه الموثقة مخصصة للعموم المستفاد من موثقته الأخرى المتقدمة «2» الدالة على وجوب غسل كل ما يلاقي الماء المتنجس بميتة الفأرة، بعد إلغاء خصوصية الماء المتنجس و استفادة العموم لكل نجس أو متنجس، لو لم نقل بانصرافها عن غسل البواطن رأسا و الحاصل: انه لا دليل على تنجس البواطن بالنجاسة الداخلية، لقصور في العموم أو لتخصيصه، فالمرجع قاعدة الطهارة، هذا كله في الباطن الممكن غسله إذا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 3 ص 438 في الباب 24 من أبواب النجاسات ح: 5 ط: م قم.

(2) ص 72 في التعليقة و الوسائل ج 1 ص 142 ح 1 ط: م قم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 79‌

..........

______________________________
لاقى نجاسة داخلية.

و أما الثاني و هو ملاقاته للنجس الخارجي كما إذا أكل أو شرب نجسا، أو استنشق بالماء المتنجس فهل يتنجس ريقه، و داخل فمه، أو أنفه بذلك أولا؟

لا مانع من الالتزام بتنجسها بالنجاسة الخارجية لشمول، موثقة عمار المتقدمة له من دون وجه للانصراف إذا كانت النجاسة خارجية، و لم يرد مخصص لها في ذلك، فان المخصص، و هو موثقته «1» أيضا وردت في دم الرعاف، و هو نجاسة داخلية- كما عرفت- فالدليل على تنجس الباطن ما فوق الحلق مما يمكن غسله هو الدليل الذي اعتمدنا عليه في الحكم بتنجس ظاهر بدن الحيوان بملاقاة النجس، و هو عموم موثقة عمار المتقدمة. «2»

نعم قامت السيرة القطعية على كفاية زوال العين في الحكم بطهارتهما سواء ظاهر الحيوان، أو باطن الإنسان من دون حاجة الى الغسل، و أما ما ذكرناه آنفا- و في بحث نجاسة البول و الغائط من عدم الحكم بنجاسة البواطن بملاقاة النجس مطلقا داخلية كانت أو خارجية- فإنما هو في القسم الأول منها، أعنى هو في القسم الأول منها، أعنى ما دون الحلق الذي لا يمكن غسله.

و مما يؤيد ما ذكرناه من كفاية زوال العين في الحكم بطهارة الباطن ما فوق الحلق بعد تنجسه بملاقاة النجس الخارجي ما ورد في الحديث من طهارة بصاق شارب الخمر و هي:

رواية عبد الحميد أبى ديلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل يشرب‌

______________________________
(1) تقدمت ص 78 وسائل ج 3 ص 438 ط: م قم.

(2) تقدمت ص 72 وسائل ج 1 ص 142 ط: م قم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 80‌

..........

______________________________
الخمر فيبصق، فأصاب ثوبي من بصاقه؟ قال: ليس بشي‌ء»
«1» و رواية الحسن بن موسى الحناط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي؟ فقال: لا بأس» «2» و الحاصل: أن المقتضى للحكم بنجاسة القسم الثاني من باطن الإنسان- و هو ما فوق الحلق- بملاقاة النجاسة الخارجية موجود، و هو عموم موثق عمار الدال على سراية النجاسة من النجس إلى ملاقيه مطلقا من دون فرق بين أقسام الملاقي نعم يطهر البواطن بمجرد زوال العين من دون حاجة إلى الغسل، لقيام السيرة القطعية.

و تظهر الثمرة بين القولين (القول بتنجس الباطن و القول بعدمه) ما ذكره في المتن من أنه لو كان في فمه شي‌ء من الدم، فريقه نجس ما دام الدم موجودا في الفم على الأول، فإذا لاقى شيئا نجسه، بخلافه على الثاني- أي عدم تنجس الباطن- فان الريق طاهر، و النجس هو الدم فقط، فإن أدخل إصبعه- مثلا- في فمه، و لم يلاق الدم لم ينجس، و إن لاقى الريق فتحصل: ان القسم الأول من البواطن و هو ما لا يمكن غسله بالماء، كما دون الحلق، لا دليل على تنجسه بالنجس، و أما القسم الثاني و هو ما يمكن غسله به كما فوق الحلق فيتنجس بالملاقاة لعموم الموثقة الا انه يطهر بزوال العين، للسيرة القطعية على الاكتفاء به من دون غسل.

______________________________
(1) الوسائل ج 3 ص 473 ط: م قم في الباب 39 من النجاسات ح: 1.

(2) في الباب المتقدم: ح: 2 و هذا محمول على ما يوافق الحديث الأول.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 81‌

هذا إذا قلنا إن البواطن تتنجس بملاقاة النجاسة، و كذا جسد الحيوان، و لكن يمكن أن يقال بعدم تنجسها أصلا، و إنما النجس هو العين الموجودة في الباطن، أو على جسد الحيوان، و على هذا فلا وجه لعدّه من المطهرات، و هذا الوجه قريب جدا «1» (1)

______________________________
كما ذكرنا في ظاهر بدن الحيوان بعينه.

(1) بل هو بعيد، لما عرفت في طي البحث في هذه المسألة من أن مقتضى عموم موثقة عمار المتقدمة «2» سراية النجاسة إلى مطلق ملاقي النجس، سواء أ كان من الأجسام الخارجية، كالثوب و نحوه، أو كان بدن الحيوان، أو بدن الإنسان ظاهره أو باطنه الممكن غسله، لعموم لفظة «كل» في قوله عليه السّلام في الموثقة المذكورة: «يغسل كل ما أصابه ذلك الماء» لكل شي‌ء أصابه الماء النجس، سواء أ كان بدن الحيوان أو الإنسان ظاهره أو باطنه، نعم قامت السيرة القطعية على الاكتفاء بزوال العين النجس من الباطن في الحكم بطهارته، و لو أمكن غسله كباطن الأنف و الفم و نحوهما، مضافا الى دلالة موثقته الأخرى «3» على كفاية غسل ظاهر الأنف من دم الرعاف من دون حاجة الى غسل باطنه و إن أمكن.

______________________________
(1) جاء في تعليقته «دام ظله» على قول المصنف «قده» «قريب جدا» (بل هو بعيد، نعم هو قريب بالإضافة إلى ما دون الحلق)

(2) في ص 72 وسائل ج 1 ص 142 ح 1 ط: م قم.

(3) الوسائل ج 3 ص 438 في الباب 24 من أبواب النجاسات، ح: 5 ط: م- قم و تقدمت ص 78.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 82‌

و مما يترتب على الوجهين أنه لو كان في فمه شي‌ء من الدم فريقه نجس ما دام الدم موجودا على الوجه الأول، فإذا لاقى شيئا نجّسه بخلافه على الوجه الثاني، فإن الريق طاهر، و النجس هو الدم فقط، فإن أدخل إصبعه- مثلا- في فمه، و لم يلاق الدم لم ينجس، و إن لاقى الدم ينجس إذا قلنا بأن ملاقاة النجس في الباطن أيضا موجبة للتنجس، و إلا فلا ينجس أصلا، إلا إذا أخرجه، و هو ملوث بالدم.

[ (مسألة 1): إذا شك في كون شي‌ء من الباطن أو الظاهر]

(مسألة 1): إذا شك في كون شي‌ء «1» من الباطن أو الظاهر يحكم ببقائه على النجاسة بعد زوال العين على الوجه الأول من الوجهين، و يبنى على طهارته على الوجه الثاني، لأن الشك عليه يرجع إلى الشك في أصل التنجس (1)

______________________________
(1)
الشك في كون شي‌ء من الباطن أو الظاهر ذكره «قده» أنه إذا شك في جزء من البدن هل هو من الباطن أو الظاهر يحكم ببقائه على النجاسة بعد زوال العين على الوجه الأول، أى على الحكم بتنجس الباطن، و ذلك لاستصحاب النجاسة، للعلم بتنجسه على كل حال، سواء أ كان من الظاهر أو الباطن- على الفرض- و إنما نشك في طهارته بزوال العين من دون حاجة إلى الغسل، لاحتمال كونه من الباطن، و مقتضى الاستصحاب بقائه على النجاسة.

و أما إذا قلنا بالوجه الثاني- و هو عدم تنجس البواطن- فيحكم بطهارته بعد زوال العين، لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في أصل تنجسه، لاحتمال أن يكون من الباطن، و لم يتنجس- على هذا الوجه- رأسا، فيرجع‌

______________________________
(1) جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف قدّس سرّه «إذا شك في كون شي‌ء»: (المشكوك فيه يحكم بعدم كونه من الباطن، و عليه فلا أثر للوجهين المذكورين)

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 83‌

..........

______________________________
إلى قاعدة الطهارة، هذا ما أفاده في المتن.

أقول: إذا كانت النجاسة من الخارج- كما هو ظاهر المتن- فيحكم ببقائه على النجاسة على كلا الوجهين أما على الوجه الأول فلما ذكرنا من الاستصحاب الحكمي أعني استصحاب النجاسة و أما على الوجه الثاني فللاستصحاب الموضوعي و به ينقح موضوع عموم دليل تنجس الشي‌ء بملاقاة النجس، و هو استصحاب عدم كون المشكوك من الباطن، عدما أزليا، فيشمله عموم دليل وجوب الغسل، إذ لا يكفى مجرد زوال العين إلا في الباطن، و المفروض عدمه.

توضيح المقام: إن النجاسة الملاقية للشي‌ء المشكوك كونه من الباطن أو الظاهر قد تكون نجاسة خارجية، و أخرى تكون نجاسة داخلية فهنا فرضان.

أما (الفرض الأول) إما أن يكون لشبهة مفهومية، أو موضوعية.

أما الشبهة المفهومية فلا بد فيها من الرجوع إلى عموم أو إطلاق ما دل على تنجس ملاقي النجس، لأن الشك حينئذ يكون في التخصيص الزائد بيان ذلك: إن مقتضى عموم قوله عليه السّلام في موثقة عمار «1» «و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء» هو الحكم بنجاسة مطلق ما أصابه ذلك الماء النجس، سواء أ كان باطن البدن أو ظاهره، أو غيرهما و أنه لا يطهر إلا بالغسل بالماء، و لكن خرجنا عن هذا العموم في خصوص الباطن بعدم وجوب غسله، إما لعدم تنجسه رأسا، أو لطهره بزوال العين، و أما المقدار الزائد على ذلك، و هو الجزء المشكوك أنه من الظاهر أو الباطن للشبهة في سعة مفهوم الباطن و‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 142 ح 1 ط: م قم و قد تقدمت في ص 72.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 84‌

..........

______________________________
ضيقه. فلا بد من الحكم بتنجسه، و عدم كفاية زوال العين في طهارته، لأنه من الشك في التخصيص الزائد، و من موارد دوران الأمر بين الأقل و الأكثر في التخصيص، فيرجع الى عموم نجاسة ملاقي النجس الى أن يغسل و أما إذا كانت الشبهة مصداقية للباطن- لظلمة و نحوها- فلا يجوز التمسك فيها بعموم العام ابتداء، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و لكن لا مانع من التمسك به بعد تنقيح موضوعه باستصحاب عدم الخاص، حيث ان عنوان الباطن الخارج عن عموم السراية هو عنوان وجودي، فيجري فيه استصحاب العدم الأزلي، و به ينقح موضوع عموم الموثقة المذكورة، و هو كل ما ليس بباطن الإنسان، فيحكم بنجاسته أيضا، كالشبهة المفهومية.

و هذا من دون فرق بين الوجهين، أى سواء قلنا بتنجس الباطن، أو لم نقل به لأن المشكوك فيه يحكم بعدم كونه من الباطن- كما عرفت- سواء في الشبهة الموضوعية لاستصحاب عدم كونه من الباطن، أو في الشبهة المفهومية، لأنه من الشك في التخصيص الزائد، فيبقى تحت عموم وجوب الغسل، و عليه فلا أثر للوجهين المذكورين- كما أشرنا في التعليقة- هذا كله فيما لو أصابته النجاسة من الخارج.

و أما (الفرض الثاني) و هو إصابة النجس للجزء المشكوك من الداخل، كدم الرعاف، و البواسير، و نحوه إذا خرج و أصاب البدن فيكون الحكم فيه على عكس الفرض الأول، أي يحكم بطهارة المشكوك- كونه من الباطن حينئذ إذا زالت عين النجس منه- و ذلك للعموم المستفاد من موثقة عمار «1» الدالة على الاكتفاء بغسل ظاهر الأنف من دم الرعاف، بعد إلغاء‌

______________________________
(1) الوسائل ج 3 ص 438 من أبواب النجاسات: ح 5 و تقدمت ص 78.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 85‌

..........

______________________________
خصوصية المورد، فلا يجب الغسل من النجاسة الداخلية إلا إذا أصابت ظاهر البدن، لقوله عليه السّلام في هذه الموثقة «إنما يغسل ظاهره» أى يغسل من دم الرعاف ما أصاب ظاهر الأنف، ففي هذا الفرض إذا كانت الشبهة مفهومية لأجل الشك في مفهوم الظاهر سعة و ضيقا بحيث يشمل المشكوك أو لا يكون المرجع عموم الموثقة المذكورة الدالة على عدم وجوب الغسل من النجاسة الداخلية، إلا إذا أصابت ظاهر البدن، لان الشك حينئذ يكون في التخصيص الزائد أيضا، و أما إذا كانت الشبهة مصداقية فيرجع إلى العموم المذكور أيضا بعد تنقيح موضوعه باستصحاب عدم كون الجزء المشكوك فيه من الظاهر، عدما أزليا، فلا يجب غسله من النجاسة الداخلية لشمول عموم النجاسة الداخلية هذا إذا قلنا بان مفاد قوله عليه السّلام «و إنما يغسل ظاهره» هو حكم واحد و هو وجوب غسل الظاهر، فاستصحاب عدم كون المشكوك من الظاهر يكون بلا معارض، و أما إذا قلنا بان مفاده إثبات حكمين، أحدهما إيجابي و هو ما ذكرنا، و الآخر حكم سلبي، و هو عدم وجوب غسل الباطن من النجس الداخلي، فيكون موضوعه الباطن، و هو أيضا عنوان وجودي، لا عدم الظاهر، حتى يكون مفهوما سلبيا، فاستصحاب عدم كونه من الظاهر يعارضه استصحاب عدم كونه من الباطن، فيتعارضان، فيرجع إلى قاعدة الطهارة: فالمرجع في هذا الفرض إما قاعدة الطهارة أو استصحاب عدم كون المشكوك من الظاهر.

فتلخص: أنه لا فرق بين الوجهين سواء كانت النجاسة من الخارج- كما هو مفروض المتن- أو من الداخل، إذ لا بد في النجاسة الداخلية من الحكم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 86‌

..........

______________________________
بالطهارة على الوجهين، و في النجاسة الخارجية يحكم بالنجاسة و وجوب الغسل بالماء كذلك، و السر في ذلك هو أن الملاقي للنجس الخارجي يجب غسله مطلقا، كما هو مفاد قوله عليه السّلام في موثقة عمار
«1» «يغسل كل ما أصابه ذلك الماء» و قد خرج عن هذا العموم ظاهر الحيوان و باطن الإنسان بالسيرة و الإجماع، فمع الشك في صدق عنوان الباطن على شي‌ء لشبهة مفهومية، أو كونه مصداقا له لشبهة موضوعية يرجع إلى عموم وجوب الغسل، للشك في التخصيص الزائد في الأول و استصحاب عدم المخصص في الثاني، و هذه قاعدة كلية فيما اصابه النجس من الخارج، و هي «عموم وجوب الغسل عنه الا الباطن» و أما إذا أصابه النجس من داخل البدن، فتنعكس القاعدة لدلالة موثقة عمار الواردة في دم الرعاف على أنه لا يجب الغسل من النجس الداخلي إلا ما ظهر، ففي مورد الشك في مفهوم الظاهر أو مصداقه يرجع إلى عموم قاعدة عدم وجوب الغسل من النجاسة الداخلية إلا ما ظهر على البدن، لأنه في الأول يكون الشك في التخصيص الزائد، و في الثاني يستصحب عدم كونه من الظاهر عدما أزليا، فيشمله عموم عدم وجوب الغسل من النجاسة الداخلية. و بالجملة قاعدتان «الأولى» وجوب الغسل من كل نجس خارجي إلا ما أصاب باطن الإنسان و «الثانية» عدم وجوب الغسل عن أى نجس داخلي، إلا إذا أصاب ظاهر البدن، فتكون النتيجة ما ذكرناه من التفصيل، ففي الأول يحكم بالنجاسة، و في الثاني بالطهارة على كلا القولين في نجاسة البواطن و عدمها.

______________________________
(1) تقدمت في ص 72.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 87‌

[ (مسألة 2): مطبق الشفتين من الباطن]

(مسألة 2): مطبق الشفتين من الباطن، و كذا مطبق الجفنين، فالمناط في الظاهر فيهما ما يظهر منهما بعد التطبيق (1)

______________________________
(1) يقع الكلام فيهما تارة في غسلهما في رفع الحدث في الوضوء و الغسل و أخرى في غسلهما في رفع الخبث أما الطهارة الحدثية فلا إشكال في أن مطبق الشفتين و الجفنين فيها من الباطن، لعدم وجوب غسل المطبقتين، لا في الوضوء، و لا في الغسل، لأن الواجب في الوضوء إنما هو غسل الوجه، كما في الآية الكريمة
«1» و الروايات «2» و ظاهر لفظ «الوجه» هو ما يواجه الإنسان، و ليس المطبقات مما يواجه الإنسان و أما الغسل فيدل على عدم وجوب غسلهما فيه ما دل على كفاية الارتماس في الماء كقوله عليه السّلام «لو أن رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك» «3» لجريان العادة على إطباق الشفتين، و الجفنين داخل الماء، و هذا مما لا خلاف، و لا إشكال فيه و أما الطهارة الخبثية فالصحيح أنهما فيها يعدان من الباطن أيضا، فلا يجب غسلهما لو تنجسا، بل يكفى فيهما زوال العين، فيلحق مطبق الشفتين بالفم، و مطبق الجفنين بالعين، و يدل على ذلك سيرة المتشرعة على عدم غسلهما عند غسل الفم و العين إذا تنجس تمام الوجه، أو جميع البدن كما هو المشاهدة في الحمامات و يؤيد ذلك ما ورد في طهارة بصاق شارب الخمر من رواية عبد الحميد،

______________________________
(1) قوله تعالى: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.».

(2) الوسائل ج 1 ص 387 ط: م قم في الباب 15 من أبواب الوضوء.

(3) كما في صحيحة زرارة المروية في الوسائل ج 2 ص 203 في الباب 26 من أبواب الجنابة ح 5 ط:

م قم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 88‌

..........

______________________________
و الحسن بن موسى الحناط المتقدمتان
«1» مع أن البصاق يلاقي مطبق الشفتين- غالبا- فحكمه عليه السّلام بطهارته يدل على عدم نجاسة مطبقهما إما رأسا، أو بعد زوال العين، لأنه من الباطن، إذ لو كان من الظاهر لبقي على النجاسة، و تنجس البصاق بملاقاته، و لو زال العين (عين الخمر) عنه، و بعدم القول بالفصل يحكم بان مطبق الجفنين أيضا من الباطن فظهر مما ذكرناه أن الحكم في الطهارة الخبثية لم يستند إلى ما رود في الرعاف من وجوب غسل ظاهر الأنف- كموثقة عمار «2»- و ما ورد في الاستنجاء «3» من وجوب غسل ما ظهر من المقعدة، دون باطنهما.

كي يورد عليهما بما أورده شيخنا الأعظم الأنصاري قدّس سرّه من اختصاصهما بالأنف و المقعدة، و التعدي إلى غيرهما غير ظاهر، مضافا إلى اختصاصهما بالنجاسة الداخلية، و قد عرفت أنه لا دليل على تنجس البواطن بها، و الكلام في النجاسة الخارجية التي تنجس البواطن على الأصح، و إن كانت تطهر بزوال العين، فتلخص: أن الصحيح ما ذكره في المتن من أن مطبق الشفتين و الجفنين من البواطن، و لا يجب غسلهما، للسيرة على الاكتفاء بزوال النجس عنهما.

______________________________
(1) في ص 79- 80 وسائل ج 3 ص 473 في الباب 39 من النجاسات ط: م قم.

(2) المتقدمة ص 78.

(3) الوسائل ج 3 ص 437 في الباب 24 من النجاسات و ج 1 ص 347 في الباب 29 من أبواب أحكام الخلوة ح 2. ط: م- قم

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 89‌

..........

______________________________
المطهر الحادي عشر استبراء الحيوان الجلّال‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 90‌

..........

______________________________
حرمة لحم الجلّال، نجاسة روثه و بوله، تعريف الجلّال، مدّة ما يحصل به الجلل، استبراء الجلّال، كيفية استبرائه، القواعد العامة عند الشك في الجلل حدوثا أو بقاء، الاستبراء بالأيام.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 91‌

[ (الحادي عشر): استبراء الحيوان الجلّال]

(الحادي عشر): استبراء الحيوان الجلّال (1) فإنه مطهر لبوله و روثه، و المراد بالجلّال مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المعتادة بتغذي العذرة، و هي غائط الإنسان.

______________________________
(1)
(المطهّر الحادي عشر) استبراء الحيوان الجلّال يقع الكلام في الحيوان الجلّال من جهات (الأولى): في حرمة لحمه (الثانية): في نجاسة روثه و بوله (الثالثة): في المراد من الجلّال (الرابعة): في كيفية استبرائه حرمة لحم الحيوان الجلّال أما الجهة الأولى فالمشهور شهرة عظيمة حرمة لحمه لدلالة جملة من الروايات عليها (منها): ما ورد في حرمة مطلق الحيوان الجلّال كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا تأكلوا لحوم الجلالات و إن أصابك من عرقها شي‌ء فاغسله. «1».

و (منها) ما ورد في خصوص الإبل الجلّالة «2» أو غيرها من الحيوانات «3» و تفصيل ذلك موكول إلى كتاب الأطعمة و الأشربة «4»

______________________________
(1) الوسائل ج 3 ص 423 ط: م قم في الباب 15 من النجاسات، ح: 1.

(2) الوسائل ج 24 ص 167 ط: م قم في الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 3.

(3) الوسائل ج 24 ص 166- 168 في الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح 1 و 2 و 5 و 6.

(4) راجع الجواهر ج 36 ص 271 و ما عبدها كتاب الأطعمة و الأشربة و حكى عن الإسكافي و الشيخ القول بكراهة لحمه و قد حمل قولهما على أكثرية علف الدابة بالعذرة لا الذي لا علف له غيرها الذي لا محيص عن القول بالحرمة للروايات، فراجع

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 92‌

..........

______________________________
نجاسة بول الحيوان الجلّال و روثه و أما الجهة الثانية ففي نجاسة روث الحيوان الجلّال و بوله و يدل عليها إطلاق ما ورد من الأمر بغسل الثوب من أبوال ما لا يؤكل لحمه.

كحسنة عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «1» فإن الأمر بالغسل عن شي‌ء إرشاد إلى نجاسته- كما مر غير مرة- و إطلاق حرمة اللحم في هذه الحسنة، و غيرها تشمل المحرم الذاتي، و العرضي، كعروض الجلل، و الحسنة و ان اختصت بالبول، إلا أنه لا كلام في الملازمة بين نجاسته و نجاسة روث الحيوان، و هكذا طهارتهما فالنتيجة: أن المستفاد من الحسنة و نحوها: أنه لا فرق في الحيوان المحرم أكله بين المحرم الذاتي و العرضي، لصدق المحرم على المحرم بالعرض أيضا، فلا وجه لدعوى انصرافه إلى خصوص المحرم بالذات و جعل العنوان مشيرا إلى السباع.

نعم: لا ينبغي توهم شمول الحكم بالنجاسة في الحرمة العرضية للعناوين العرضية المختصة ببعض الأفراد، دون بعض، كعنوان الضرر، أو الغصب، أو النذر، و نحو ذلك، فإن حرمة أكل اللحم المضرّ انما تختص بمن يحرم عليه لمرض و نحوه، و هكذا حرمة أكل اللحم المغصوب مختصة بالغاصب، و لا تعم المالك أو المأذون من قبله، و ذلك لظهور العنوان أعنى «الحيوان المحرم‌

______________________________
(1) الوسائل ج 3 ص 405 ط: م قم في الباب 8 من النجاسات ح: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 93‌

..........

______________________________
الأكل» أو «ما لا يؤكل لحمه» في ما كان كذلك بحسب طبعه، و بالنسبة إلى جميع المكلفين، سواء أ كانت الحرمة ذاتية أو عرضية، كما أن الأمر في المحلل الأكل أيضا كذلك، فان هذا العنوان لا يعم من حلّ له أكل لحم السباع بالاضطرار أو التداوي، أو الإكراه، و نحو ذلك و بالجملة: حيث أن حرمة لحم الحيوان الجلّال لا تختص ببعض دون بعض، فتشمله الحسنة و غيرها، فيحكم بنجاسة بوله و روثه و قد تقدم الكلام في ذلك في بحث نجاسة البول
«1» و نجاسة الإبل الجلّالة «2» تعريف الحيوان الجلّال و شموله لمطلق الحيوانات و أما الجهة الثالثة ففي تعريف الحيوان الجلّال و بيان مفهوم الجلل، فنقول أما من ناحية الآكل:

فالصحيح أن الجلل يعم مطلق الحيوان المحلل الأكل لو اعتاد بتغذي العذرة، فلا يختص بالبقرة، كما ربما يظهر من بعض أهل اللغة «3» لتفسيرهم إياه بالبقرة المعتادة لأكل النجاسات، و الظاهر أنها من باب التفسير بالمثال، لا التحديد بالبقرة خاصة.

و ذلك لما ورد في روايات عديدة «4» من إطلاق الجلّال على سائر‌

______________________________
(1) ج 2 ص 262- الطبعة الأولى.

(2) ج 3 ص 245- الطبعة الأولى.

(3) قال في أقرب الموارد «الجلّالة: البقرة تتّبع النجاسات.» و في الجواهر ج 36 ص 271 عن المصباح.

(4) (منها) رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام الناقة الجلّالة لا يؤكل لحمها، و لا يشرب لبنها حتى تغذى أربعين يوما، و البقرة الجلّالة لا يؤكل لحمها، و لا يشرب لبنها حتى تغذى ثلاثين يوما، و الشاة الجلّالة لا يؤكل لحمها، و لا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام، و البطة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتى تربى خمسة أيام، و الدجاجة ثلاثة أيام» الوسائل ج 24 ص 166 في الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 2، ط: م قم.

و نحوها غيرها في نفس الباب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 94‌

..........

______________________________
الحيوانات من الطيور، كالدجاجة و البطة، و من الأنعام كالناقة و الشاة، فالمفهوم من حيث الآكل يعم جميع الحيوانات المحلّلة الأكل.

اختصاص غذائه بعذرة الإنسان و أما من حيث المأكول فهل يعم مطلق النجاسات سواء العذرة أو غيرها كالميتة، أو الدم، أو يختص بعذرة الإنسان فقط، دون غيرها، و لو كانت عذرة حيوان آخر.

القول بعموم النجاسات.

ربما يقال «1» بعموم مأكوله لسائر النجاسات، و لكن الصحيح هو اختصاص هذا المفهوم بأكل عذرة الإنسان فقط، و ذلك لعدم صدق مفهوم الجلّال على الحيوان الآكل لسائر النجاسات، فلا يطلق على الهرّة لو أكلت الميتة حتى لو اعتادت على ذلك، بل لا يطلق على السباع، كالأسد و نحوه أنه الجلّال، مع أنها لا تأكل إلا الميتة، و كذلك الطيور الجوارح المعتادة على ذلك.

و لو شك في الصدق- في هذه الحالة- كان المرجع عموم أو إطلاق ما دل على حلية لحم الحيوان لأنه من الشك في التخصيص الزائدة، لدوران مفهوم المخصص بين الأقل و الأكثر، و القدر المتيقن من التخصيص هو الأقل، فيبقى الباقي تحت عموم العام، كما هو الحال في نظائر المقام.

هذا من ناحية عموم المفهوم (أعنى مفهوم الجلّال) بالإضافة إلى أكل سائر النجاسات- كالميتة و الدم و غيرهما- و قلنا بعدم العموم بالنسبة إليها،

______________________________
(1) كما عن الحلبي إلحاق سائر النجاسات بعذرة الإنسان- الجواهر ج 36 ص 271 كتاب الأطعمة و الأشربة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 95‌

..........

______________________________
فتختص بالعذرة فقط.

و أما بالإضافة إلى تعميم تحققه بالإضافة إلى عذرة غير الإنسان من الخرء النجس كخرء الكلب، أو الهرة، و نحوهما فالصحيح هو الاختصاص بعذرة الإنسان، و ذلك لعدم معهودية أكل الحيوان عذرة غير الإنسان، كعذرة الكلب و الهرة و نحوهما، فإن الدجاجة أو الشاة أو البقرة في البيوت و غيرها لم تر منها أكل خرء سائر الحيوانات التي تعيش معها، كالهرة و الكلب، و إنما المشاهد منها أكل عذرة الإنسان فقط، و مع الشك في الصدق من هذه الناحية أيضا كان المرجع عموم حلّ أكل لحكم الحيوان، لأن الشك في التخصيص الزائد- كما عرفت- و ما ذكرناه من التخصيص بعذرة الإنسان هو المشهور، و قد يستدل «1» له بمرسل موسى بن أكيل عن بعض أصحابه عن أبى جعفر عليه السّلام في شاة شربت بولا، ثم ذبحت قال: فقال عليه السّلام: يغسل ما في جوفها، ثم لا بأس به، و كذلك إذا اعتلفت العذرة، ما لم تكن الجلّالة، و الجلّالة التي يكون ذلك غذائها» «2».

بدعوى انصرافها الى عذرة الإنسان و فيه: أولا أنها ضعيفة السند بالإرسال و ثانيا: منع الانصراف المذكور لإطلاق لفظ «العذرة» على الرجيع النتن من أى حيوان و لو كان غير الإنسان، بل في بعض الروايات إطلاقها على رجيع الكلب و السنور «3»

______________________________
(1) الجواهر ج 36 ص 271 كتاب الأطعمة و الأشربة و المستمسك ج 2 ص 133.

(2) الوسائل ج 24 ص 160 ط: م قم في الباب 24 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح: 2.

(3) روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلى، و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور، أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: ان كان لم يعلم فلا يعيد» الوسائل ج 3 ص 475 ط: م قم في الباب 40 من أبواب النجاسات ح 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 96‌

..........

______________________________
فدليلنا على التخصيص بعذرة الإنسان بالخصوص إنما هو عدم معهودية أكل الحيوان من عذرة غير الإنسان كالكلب و الهرة و نحوهما، و لو شك في ذلك كان المرجع عموم ما دل على حلية أكل لحكم الحيوان، لأن الشك في التخصيص الزائد أيضا، فالحيوان الآكل يعم مطلق الحيوانات، إلا أن مأكوله لا يكون مطلق النجاسات، بل يختص بعذرة الإنسان و هذا هو معنى الجلّال في الاصطلاح الفقهي.

تعيين المدّة التي يحصل فيها الجلل ثم انه وقع الكلام في تعيين المدة التي يحصل فيه للحيوان، عنوان الجلّال، و الصحيح أن المرجع في أمثال المقام انما هو العرف، لعدم ورود نص في تعيين المدة التي يحصل فيه هذا العنوان و ان وردت روايات في مدة الاستبراء كما يأتي، فما قيل «1» أو احتمل لا يعتمد شي‌ء منها سوى على الحدس و الاستحسان من قبيل تعيينها 1- بمدة استبراء ذاك الحيوان قياسا عليها 2- تقديرها بنمو بدنه من أكل العذرة 3- أو بيوم و ليلة، كما في الرضاع المحرم 4- أو بظهور النتن في لحمه و جلده، يعنى رائحة النجاسة التي اغتذى‌

______________________________
(1) قال في الجواهر ج 36 ص 374 كتاب الأطعمة و الأشربة «فقد ذكر غير واحد: ان النصوص و الفتاوى المعتبرة خالية عن تعيين المدة التي يحصل فيها الجلل، و غاية ما يستفاد من المرسل الأول (الوسائل ج 24 ص 160 في الباب 24 من الأطعمة المحرمة ح: 2) اعتبار كون العذرة غذاؤه، و من الثاني (نفس المصدر في الباب 27 منها ح 3) عدم البأس بأكله مع الخلط، و كل منهما بالإضافة إليها مجملة، و احتمال استفادتها من مدة الاستبراء- باعتبار دعوى اقتضاء ارتفاعه بها بحبسه عنها تحققه بتغذيه فيها- لم نجد له أثرا في كلام الأصحاب، و لعله لوضوح منع الاقتضاء المزبور، و عن بعضهم تقديرها بأن ينمو ذلك في بدنه و يصير جزأ منه، و آخر بيوم و ليلة، و استقر به الكركي، قال: «و يرجع في كونه جلالا إلى العرف، و قدره بعض المحققين بيوم و ليلة، و هو قريب، كما في الرضاع المحرم، لأنه أقصر زمان الاستبراء، و ثالث بأن يظهر النتن في المحققين بيوم و ليلة و هو قريب، كما في الرضاع المحرم، لأنه أقصر زمان الاستبراء، و ثالث بأن يظهر النتن في لحمه، و جلده، يعنى رائحة النجاسة التي اغتذت بها، و الجميع كما ترى- و ان مال في المسالك إلى الأخير- لا دليل عليه سوى اعتبارات لا تصلح دليلا، و من هنا جعل بعضهم المدار على ما يسمى جلالا عرفا.».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 97‌

و المراد بالاستبراء منعه من ذلك و اغتذاؤه بالعلف الطاهر حتى يزول عنه اسم الجلل (1) و الأحوط مع زوال الاسم مضى المدة المنصوصة في كل حيوان بهذا التفصيل

______________________________
الحيوان بها، و لا دليل على شي‌ء منها، فليس المرجع حينئذ إلا الصدق العرفي- كما أشرنا- فلو شك في تحققه حدوثا، أو بقاء لا بد من الرجوع الى القواعد الكلية- كما يأتي-

(1) استبراء الحيوانات الجلّالة الجهة الرابعة في المدة التي يحصل فيها استبراء الحيوان عن الجلل كي يحل لحمه، و يطهر بوله و روثه، و فيها وجوه، أو أقوال (أحدها): ما في المتن- و هو الصحيح- من زوال عنوان الجلل عنه بمنعه عن أكل العذرة، و اغتذائه بالعلف الطاهر، حتى يزول العنوان المذكور، فيزول أحكامه، لتبدل الحكم بتبدل موضوعه لا محالة، كما في نظائر المقام فان الحكم يدور مدار موضوعه حدوثا و بقاء، و هذا ظاهر. و لا مجال لاستصحاب الأحكام السابقة بعد زوال العنوان، كحرمة اللحم، و نجاسة البول و الروث، لانتفاء موضوعه، و هو الجلل لظهور النصوص في انه الموضوع للأحكام المذكورة، مضافا إلى أنه من الاستصحاب في الشبهة الحكمية، و لا نقول به.

(الثاني) ما عن المشهور «1»- لو صحت النسبة- من كون المدار على الاستبراء في الأيام المنصوصة في الروايات، سواء زال العنوان قبلها، أو بقي إلى ما بعدها، فالعبرة بالمدة المنصوصة و ان بقي على وصف اسم الجلل، كما انه قبل انقضاء المدة لا يحل، و إن زال عنه الاسم و ذلك لإطلاق تلك‌

______________________________
(1) الجواهر ج 36 ص 276 متن الشرائع.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 98‌

..........

______________________________
النصوص، هذا في المنصوص، و أما إذا لم يرد فيه نص فيكتفى فيه بزوال العنوان.

و فيه: أولا: أن أخبار الأيام «1» كلها ضعاف، لأنها بين مراسيل، أو ضعاف، أو مضمرات، لا اعتماد عليها، و عمل المشهور بها لو ثبت لا يجبر ضعفها- كما مر غير مرة.

و ثانيا: منع إطلاقها بالنسبة إلى زوال العنوان، لظهورها في اعتبار العدد تعبدا، مضافا إلى زوال العنوان، سواء سبق العدد أو تأخر عنه، فيعتبر في رجوع حلية لحمه و طهارة بوله و روثه أمران زوال عنوان الجلل، و مضى الأيام المنصوصة، فلا يكفى مجرد انقضاء تلك الأيام إذا بقي العنوان، لان معنى ذلك ان تكون روايات العدد تخصيصا في أدلة المنع، اى استثناء من حكم الجلّال دون موضوعه و هذا مخالف لما هو المرتكز في أذهان العرف من أن الجلل سبب للحرمة و لا بد من زواله، نعم يعتبر مضافا الى ذلك انقضاء الأيام المنصوصة لو تمت أسناد رواياتها تعبدا، فالبعير الجلّال لا يرتفع حرمة لحمه، إلا بزوال عنوان الجلل عنه مع انقضاء أربعين يوما عن منعه عن أكل النجس، و يكون المقام نظير ما ورد في التطهير من النجاسات و الاستنجاء من الغائط و نحو ذلك فان سياق الروايات الواردة في المقام سياق تلك الروايات الواردة في نظائره، كغسل الثوب مرتين إذا تنجس بالبول «2» أو صب الماء على البدن كذلك «3»- مثلا- أو الاستنجاء بثلاثة أحجار «4»

______________________________
(1) راجع الوسائل ج 24 ص 160 ط: م قم من أبواب الأطعمة المحرمة.

(2) الوسائل ج 3 ص 395 ط: م قم في الباب 1 من النجاسات ح 1 و 2.

(3) الوسائل في الباب المتقدم: ح 3 و 4

(4) الوسائل ج 1 ص 348 ب: 30 من أحكام الخلوة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 99‌

..........

______________________________
فإنه لا إشكال في ظهورها في اعتبار العدد مع زوال العين، إذ لا يحتمل طهارة المحل مع بقاء عين النجس و إن صب الماء عليه مرتين، أو أكثر، أو استنجى بثلاثة أحجار، مع بقاء الغائط في المحل، بحيث تكون أدلة الغسل و الاستنجاء تخصيصا في أدلة نجاسة البول و الغائط، و رافعا للحكم دون الموضوع بمعنى انه يجب الاجتناب عن البول و الغائط، إلا إذا صب عليه الماء هذا مما لا يحتمل القول به.

فتحصل: ان الاكتفاء بعدد الأيام المنصوصة غير صحيح، و إن نسب الى المشهور، إذ لو تم إسنادها لزم الجمع بين الأمرين (زوال العنوان و انقضاء الأيام)، فإن زال العنوان قبل عدد الأيام ينتظر انقضائها، و إن انقضت الأيام و لم يزل عنوان الجلل لزم انتظار زواله، كي يتم الأمران و لعلّ هذا هو ما يأتي عن الشهيد الثاني قدّس سرّه و جماعة.

(الثالث) ما عن الشهيد الثاني قدّس سرّه «1» و جماعة من اعتبار أكثر الأمرين من عدد الأيام المنصوصة، و ما يزول به اسم الجلل، و لعل مرادهم ما ذكرناه آنفا من أن مقتضى الجمع بين ما دل على سببية الجلل للحرمة و النجاسة، و اعتبار الأيام المنصوصة هو اعتبار الأمرين (زوال العنوان و مضى الأيام) معا، فلا يكفى انقضاء الأيام قبل زوال العنوان، إلا أن هذا القول مبنى على اعتبار الروايات العددية، و لا نقول به.

(الرابع) ما في الجواهر «2» من الأخذ بمقدار الأيام، إلا أن يعلم ببقاء اسم‌

______________________________
(1) الجواهر ج 36 ص 280.

(2) ج 36 ص 276 قال قده: «بقي شي‌ء و هو انه قد يظهر من غير واحد أن ماله تقدير معتبر شرعا يعود إلى الحل، و إن بقي على وصف اسم الجلل، لإطلاق الدليل، لكن قد يناقش بانصرافه إلى ما هو المعتاد من زوال الاسم بذلك، و لا أقل من أن يكون به محل الشك، لا ما علم بقاء وصف الجلل فيه، حتى يكون مستثنى حينئذ من حكم الجلّال لا موضوعه، و ان كان محتملا، إلا أن الأظهر خلافه، و اللّه العالم»

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 100‌

..........

______________________________
الجلل، فيحرم، و لو مع انقضاء المدة، لانصراف نصوص التقدير إلى ما هو المعتاد من زوال الاسم بانقضائه، دون ما إذا علم ببقاء وصف الجلل فيه و قد أورد
«1» عليه بأنه إن أراد أن التقدير حجة في مقام الشك فالحكم معه ظاهري فهو خلاف ظاهر الأدلة، و لازمة الحكم بالحلل مع العلم بانتفاء وصف الجلل، و لو قبل حصول المقدار، و إن أراد أنه شرط في الحل واقعا، فالانصراف إلى صورة عدم حصول العلم ببقاء الجلل ممنوع.

و حاصل الإيراد هو أنه لو كان التقدير بالعدد أمارة على زوال العنوان لزم الاكتفاء بزوال العنوان لو علم به قبل العدد، و هو خلاف ظاهر الأدلة، و ان كان شرطا واقعيا للحلية فلا معنى لدعوى انصرافها إلى صورة عدم حصول العلم ببقاء الجلل، فإنه لا بد من تحقق العدد و زوال العنوان بعده و يمكن دفعه باحتمال ان يكون مراده قدّس سرّه ما ذكرناه من أن اعتبار المدة المنصوصة يكون تعبدا و لو علم بزوال العنوان قبل ذلك، إلا أنه مع ذلك تكون أمارة على زوال العنوان عند الشك في بقائه، لأن أغلب الناس لا معرفة لهم بزواله، و لا طريق لهم إليه، فتكون انقضاء الأيام المنصوصة أمارة لهم على ذلك، و في نفس الوقت لا بد من حصولها تعبدا، ففي المدة جهتان تعبد في العدد، و أمارة على زوال العنوان عند الشك، فعليه لو علم ببقاء العنوان بعد انقضاء الأيام لزم الصبر الى زواله.

فظهر مما ذكرناه انه يمكن دعوى اتحاد مراد المشهور، و الشهيد الثاني، و صاحب الجواهر (قدس) جميعا، و هو لزوم انقضاء الأيام المنصوصة‌

______________________________
(1) المستمسك ج 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 101‌

..........

______________________________
بضميمة زوال عنوان الجلل مقارنا معها، أو قبلها، أو بعدها، كما في نظائر المقام، نعم عند الشك في زواله يكتفى بالأيام أمارة عليه، و لكن هذا كله مبنى على اعتبار روايات العدد، و قد عرفت منعه، فتحمل الأيام على الاستحباب لا محالة تسامحا، فالأقوى ما في المتن من اعتبار زوال الاسم بالاستبراء فإذا لا بد من المشي على القواعد الكلية لو شك في حصول الجلل للحيوان حدوثا أو بقاء.

القواعد العامة عند الشك في تحقق الجلل حدوثا أو بقاء حيث انتهى بناء الكلام إلى حصول الترديد في تحقق عنوان الجلل للحيوان حدوثا أو بقاء، و لم يكن نص معتبر يرجع إليه في ذلك.

فلا بد من الرجوع الى القواعد العامة، إذ من المعلوم ان المرجع في أمثال المقام من المفاهيم العرفية ابتداء انما هو العرف الا انه قد يشك في الصدق العرفي أيضا، فحينئذ لا بد من الرجوع الى القواعد الكلية و نتكلم في موردين (الحدوث و البقاء) الأول: الشك في حدوث الجلل للحيوان أقول: لم تتعرض النصوص لتعيين مدة لحصول الجلل في الحيوان لو اعتاد بالتغذي بالعذرة، و ان تعرضت في نصوص غير معتبرة لمدة الاستبراء منه في جملة من الحيوانات- كما أشرنا و يأتي- و هذا مما اعترف به غير واحد من الأصحاب «1» و عليه لا يمكن الالتزام بما عن بعض من تقدير مدّة حصوله بيوم و ليلة، أو تقديرها بما يظهر النتن في لحمه و جلده، كما عن آخرين.

______________________________
(1) الجواهر ج 36 ص 274 و قد تقدم نقل كلامه قدّس سرّه في تعليقة ص 96 فراجع.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 102‌

..........

______________________________
و عن ثالث بأنه ما ينمو ذلك في بدنه، و يصير جزأ منه، لعدم استناد هذه الأقوال إلى دليل- كما أشرنا- فإذا لا بد من الرجوع إلى القواعد العامة إذا شك في حدوثه، فنقول: الشك في حدوث الجلل للحيوان قد يكون لشبهة مفهومية، و أخرى لشبهة موضوعية، و على كلا التقديرين يكون المرجع عمومات الحلّ، و الطهارة ما لم يعلم بتحقق عنوان الجلل أما في الشبهة المفهومية- فواضح- سواء قلنا بجريان الاستصحاب الحكمي في الشبهات المفهومية، كاستصحاب حل لحم الحيوان و طهارة روثه و بوله في المقام أم لا، لأنه على تقدير جريانه فهو يوافق العمومات و الإطلاقات الدالة على الحل، و كيف كان فحيث أن مرجع الشك في الشبهة المفهومية للخاص من حيث السعة و الضيق يرجع الى التخصيص الزائد لأنه من الشك في الأقل و الأكثر كان المرجع العموم و هذا كما إذا شك في حصول الجلل بالتغذي بالعذرة يوما و ليلة، أو لا بد من ثلاثة أيام مثلا فيرجع إلى عموم أو إطلاق ما دل على حلية لحم البقرة، أو الشاة، أو الدجاجة- مثلا- و طهارة بولها أو روثها، في الزائد على المتيقن لأن الشك حينئذ في التخصيص الزائد، فيؤخذ بالقدر المتيقن من الخاص- كما في نظائر المقام كما مرّ غير مرة- فإن إجمال المخصص المنفصل الدائر بين الأقل و الأكثر لا يسرى الى عموم العام، فلا بد في مفروض المثال من تغذى الحيوان ثلاثة أيام- مثلا- كي يحصل العلم بالجلل و أما إذا كانت الشبهة مصداقية للشك في الأمور الخارجية من دون شك في أصل المفهوم، كما إذا شككنا في تغذى الحيوان ثلاثة أيام أو يومين- مثلا- مع فرض حصول الجلل في الثلاثة ففيها لا يرجع الى العموم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 103‌

..........

______________________________
ابتداء، لأنه يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بل يرجع أولا إلى استصحاب عدم حدوث الجلل عدما أزليا، بل نعتيا، لأنه وجد الحيوان و لم يكن جلّالا، فيستصحب عدم جلله، و به ينقح موضوع عمومات الحلّ، و الطهارة فيرجع إليها، لأنه حيوان غير جلّال بضم الوجدان إلى الأصل، هذا كله في حدوث الجلل.

الشك في بقاء الجلل لو علمنا بحصول عنوان الجلل للحيوان بمضي زمان صدق فيه اعتياده بالتغذي بالعذرة، ثم منع في زمان فشك في زواله عنه فحينئذ يكون الشك أيضا تارة لشبهة مفهومية للجلل سعة و ضيقا، و أخرى يكون موضوعية أما الشبهة المفهومية كما إذا شك في زوال عنوان الجلل بالاستبراء في ثلاثة أيام- مثلا- فان قلنا باعتبار الأيام المنصوصة- كما نسب إلى المشهور- فلا مجال لبقاء الشك حينئذ لأن العبرة بمضي تلك الأيام فهي الرافعة للجلل تعبدا، إلا فيما لا نص فيه، و أما إذا لم نقل به- كما هو المختار- و قلنا إن العبرة بزوال العنوان ففي الشبهة المفهومية يرجع الى عموم الحلّ و الطهارة كما في الشك في الحدوث، لأن الشك حينئذ أيضا يكون في التخصيص الزائد، لأن القدر المتيقن في الخروج عن عمومات الحل هو الأقل،- و هو ما لم يستبرء، و لو يوما واحدا، مثلا- و أما لو استبرء بثلاثة أيام- مثلا- فيشك في خروجه عن عموم الحل، فلا مانع من التمسك به، و لا مجال حينئذ للاستصحاب الحكمي، أي أحكام الجلل من حرمة اللحم و نجاسة البول و الروث لعدم إحراز موضوعها، و هو عنوان الجلل، لأن هذه أحكام الجلّال، لا الحيوان بما هو حيوان و لم يحرز بقاء الوصف فرضا، و هذا كما ذكرناه غير مرة من عدم جواز الرجوع الى الاستصحاب الحكمي في‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 104‌

..........

______________________________
الشبهات المفهومية للخاص، بل حققنا في الأصول انه لو دار الأمر بين الرجوع الى عموم العام أو استصحاب حكم المخصص لزوم الرجوع الى العموم، سواء أ كان الزمان قيد للخاص كي يمنع عن الاستصحاب أو ظرفا له كي يجرى، لتقدم العموم أو الإطلاق على الأصل مطلقا، و لو منع عن الرجوع الى العموم أيضا كما في الكفاية
«1» في بعض فروض المسألة كان المرجع سائر الأصول كقاعدة الحل في لحم الحيوان فيحكم بطهارة بوله و روثه تبعا لحلية لحمه، و لو نوقش في ذلك و قيل بأن طهارة بوله و روثه من أحكام الحلّ الواقعي، و لم يثبت بالقاعدة المفروضة سوى الحلية الظاهرية، كفانا الرجوع الى قاعدة الطهارة، فتحصل: انه لو شك في بقاء الجلل لشبهة مفهومية سعة و ضيقا في هذا المفهوم كان المرجع عموم حل لحم الحيوان الذي وقع تحت الشك فيحل لحمه، و يحكم بطهارة بوله و روثه، إما واقعا، أو ظاهرا، هذا كله في الشبهة المفهومية، من دون شك فيما جرى على الحيوان في الخارج من منعه عن التغذي بالعذرة في يوم، أو يومين، أو أقل أو أكثر- مثلا- و أما إذا كان الشك في الشبهة الموضوعية و ان الحيوان المعين هل استبرء في يوم واحد، أو ثلاثة أيام- مثلا- مع العلم بأنه لا يزول عنه الجلل الا بالاستبراء ثلاثة أيام فلا مانع من الاستصحاب الموضوعي في بقاء عنوان الجلل لأنه موضوع للأحكام الخاصة، كحرمة اللحم، و نجاسة البول و الروث، فتحصل: أنه لو شك في البقاء لشبهة موضوعية جرى استصحاب الجلل، و حكم فيها بأحكامها، لأن منشأ الشك الأمور الخارجية، لا المفهوم و ان كان لشبهة مفهومية يرجع الى عموم الحل و الطهارة، لأنه من الشك في‌

______________________________
(1) في التنبيه الثالث عشر من تنبيهات الاستصحاب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 105‌

في الإبل إلى أربعين يوما (1)

______________________________
التخصيص الزائد.

(1) استبراء الجلّال في الأيام المنصوصة قد أشرنا إلى انه لا اعتبار بنصوص الأيام، لضعفها سندا إلا أنه مع ذلك لا بأس بالعمل بها احتياطا كما عن المشهور مدّة استبراء البعير أربعون يوما أما في البعير فعن المشهور بل في الجواهر «1» انه لا خلاف فيه، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، سواء كان بعيرا أو ناقة، بل مطلق الإبل و ان كان صغيرا انه يستبرأ بأربعين يوما و هو الذي نص عليه خبر السكوني عن أبى عبد اللّه عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام: الدجاجة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتى تقيد ثلاثة أيام، و البطة الجلّالة بخمسة أيام، و الشاة الجلّالة عشرة أيام، و البقرة الجلّالة عشرين يوما، و الناقة الجلّالة أربعين يوما» «2» و نحوها رواية مسمع و فيها «. الناقة الجلّالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى أربعين يوما.» «3»

و نحوها خبر البسام الصيرفي و فيها «في الإبل الجلّالة؟ قال: لا يؤكل لحمها و لا تركب أربعين يوما» «4» و نحوها غيرها «5»

______________________________
(1) ج 36 ص 376 كتاب الأطعمة و الأشربة.

(2) الوسائل ج 24 ص 166 ط: م قم في الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة ح: 1.

(3) في الباب المتقدم: ح 2.

(4) في الباب المتقدم ح: 3.

(5) راجع الباب المتقدم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 106‌

و في البقر إلى ثلاثين (1)

______________________________
(1)
مدّة استبراء البقرة ثلاثون يوما أى جنس البقرة سواء الذكر أو الأنثى، و الصغير أو الكبير- كما في الجواهر «1»- فعن الصدوق و الإسكافي «2» التقدير بثلاثين يوما كما في المتن.

لخبر مسمع عن أبى عبد اللّه عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام- في حديث- «.

و البقرة الجلّالة لا يؤكل لحمها، و لا يشرب لبنها حتى تغذى ثلاثين يوما.» «3» و نحوها: خبر يونس «4» و مرفوعة يعقوب بن يزيد «5» و غيرها إلا ان هناك قولين آخرين في استبراء البقرة.

(أحدهما) ما عن المشهور- كما في الشرائع- بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه «6» انها تستبرأ بعشرين يوما.

لخبر السكوني المتقدمة «7» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام- في حديث- «. و البقرة الجلّالة عشرين يوما.» «8»

و خبر مسمع في التهذيب عن الكافي «9»

______________________________
(1) ج 36 ص 377.

(2) الجواهر ج 36 ص 278.

(3) الوسائل في الباب المتقدم ح 2.

(4) نفس المصدر: ح 5.

(5) نفس المصدر: ح 4.

(6) الجواهر ج 36 ص 377.

(7) ص 105.

(8) الوسائل في الباب المتقدم: ح 1.

(9) في الباب المتقدم ذيل ح 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 107‌

و في الغنم عشرة أيام (1)

______________________________
(ثانيهما): ما عن القاضي و الشيخ في المبسوط
«1» انها تستبرأ بأربعين يوما، كالناقة.

لخبر مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام على ما في التهذيب و الاستبصار عن الكافي في بعض نسخة المنافي لما هو الموجود الآن في نسخ الكافي- كما اعترف به غير واحد- من الثلاثين- كما نبه في الجواهر «2» فالأقوال في البقرة ثلاثة (ثلاثين، و عشرين، و أربعين يوما) و مقتضى القاعدة هو الاكتفاء بالأقل، و هو عشرين «3» و حمل الزائد على الرجحان، و لكن المستند في الجميع ضعيف، و الاحتياط واضح‌

(1) مدّة استبراء الغنم: عشرة أيام كما عن المشهور «4» بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه لخبر السكوني و مسمع و مرفوع يعقوب «5» و هناك أقوال أخر لا تستند الى دليل واضح 1- سبعة أيام- كما عن الشيخ في المبسوط و قال في الجواهر «6» «و لم نجد له دليلا على ذلك، إلا ما في كشف اللثام من أنه مروي في بعض‌

______________________________
(1) الجواهر ج 36 ص 377 عن متن الشرائع مع شرحه قدّس سرّه.

(2) ج 36 ص 377.

و كذا في تعليقة الوسائل ج 24 ص 167 ط: م- قم.

(3) جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف قدّس سرّه «و في البقرة إلى ثلاثين»: (بل الظاهر كفاية العشرين).

(4) الجواهر ج 36 ص 279.

(5) الوسائل ج 24 ص 166 و 167 ط: م قم في الباب 28 من الأطعمة المحرمة: ح 1 و 2 و 4.

(6) ج 36 ص 279.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 108‌

و في البطة إلى خمسة أو سبعة (1)

______________________________
الكتب
«1» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) 2- عشرين يوما- كما عن الصدوق، و لم يعرف له دليل «2».

3- أربعة عشر يوما- كما عن الإسكافي لخبر يونس عن الرضا عليه السّلام في حديث- «. و الشاة أربعة عشر يوما.» «3»

و هو شاذ أعرض عنه المشهور‌

(1) مدة استبراء البطة خمسة أو سبعة أيام أما استبرائها بخمسة أيام فهو المشهور بل عن الغنية الإجماع عليه «4» لخبر السكوني «5» و مسمع «6» و أما سبعة أيام فقد حكى «7» عن الشيخ في الخلاف لخبر يونس المتقدم الإشارة إليها، و كأنه أعرض عنه الأصحاب.

______________________________
(1) المستدرك في الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث 3 و رأوه في الاستبصار في باب كراهية الجلالات: ح 2.

(2) الجواهر ج 36 ص 279.

(3) الوسائل ج 24 ص 167 في الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة ح 5 ط: م- قم.

(4) الجواهر ج 36 ص 279.

(5) الوسائل ج 24 باب 28 ص 166 ط: م قم، ح 1.

(6) الوسائل ج 24 باب 28 ص 166 ح 2 ط: م قم.

(7) الجواهر ج 36 ص 279.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 109‌

و في الدجاجة إلى ثلاثة أيام (1) و في غيرها يكفى زوال الاسم (2)

______________________________
(1)
مدة استبراء الدجاجة ثلاثة أيام كما عن المشهور، بل عن الخلاف الإجماع عليه لخبر السكوني «1» و مسمع «2» و يونس «3» و غيرها «4»

(2) استبراء ما لا نص فيه أى في غير ما ذكر من الحيوانات التي لا نص فيها، فتكون العبرة في استبرائها بزوال الاسم، فيزول حكمه لا محالة لأن الأحكام تابعة لموضوعاتها. فإذا زال الموضوع زال حكمه بالضرورة، الا ان الكلام في معرفة ذلك و تقدم «5» الكلام في ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل في الباب المتقدم ح 1.

(2) الوسائل في الباب المتقدم ح 2.

(3) الوسائل في الباب المتقدم ح 6.

(4) الوسائل في الباب المتقدم.

(5) ص 103

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 111‌

..........

______________________________
المطهر الثاني عشر حجر الاستنجاء المطهر الثالث عشر خروج الدم من الذبيحة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 112‌

..........

______________________________
حجر الاستنجاء خروج الدم من الذبيحة

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 113‌

[ (الثاني عشر): حجر الاستنجاء، على التفصيل الآتي]

(الثاني عشر): حجر الاستنجاء، على التفصيل الآتي (1)

[ (الثالث عشر): خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف]

(الثالث عشر): خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف، فإنه مطهر لما بقي منه في الجوف (2)

______________________________
(1)
(المطهّر الثاني عشر): حجر الاستنجاء و سيأتي الكلام في شرائطه في الفصل الثاني من فصول أحكام التخلي‌

(2) (المطهّر الثالث عشر): خروج الدم من الذبيحة تقدم الكلام في بحث نجاسة الدم أن الدم المتخلف في الذبيحة محكوم بالطهارة، و هذا مما لا خلاف فيه «1» إلا أن جعل خروج المقدار المتعارف مطهرا له مبنى على القول بنجاسة الدم في الباطن، و لكن تقدم في ذاك البحث انه لا دليل على ذلك، و انما النجس هو الدم المسفوح، أى الخارج من العروق، و عليه يكون خروج الدم المتعارف من الذبيحة دافعا لنجاسة الدم المتخلف، لا رافعا عنها، لأنه لم يتنجس حتى يطهر، بل بقي على طهارته الأصلية، و إطلاق المطهر على المانع عن النجاسة إطلاق صحيح، و يكون ذلك من قبيل قوله تعالى «يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» «2» إذ لم تنجسهم الجاهلية بأنجاسها‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 541- الطبع الحجري.

(2) الأحزاب: 33.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 115‌

..........

______________________________
المطهر الرابع عشر منزوحات البئر المطهر الخامس عشر تيمّم الميّت‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 116‌

..........

______________________________
منزوحات البئر تيمم الميّت

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 117‌

[ (الرابع عشر): نزح المقادير المنصوصة لوقوع النجاسات المخصوصة في البئر على القول بنجاستها، و وجوب نزحها]

(الرابع عشر): نزح المقادير المنصوصة لوقوع النجاسات المخصوصة في البئر على القول بنجاستها، و وجوب نزحها (1)

[ (الخامس عشر): تيمم الميت بدلا عن الأغسال عند فقد الماء]

(الخامس عشر): تيمم الميت بدلا عن الأغسال عند فقد الماء فإنه مطهر لبدنه، على الأقوى (2)

______________________________
(1)
المطهّر الرابع عشر): منزوحات البئر نزح المقادير المنصوصة انما يكون مطهرا لماء البئر بناء على القول بتنجسه بملاقاة النجس- كما أشار في المتن- لظهور الأمر بالنزح حينئذ في الإرشاد إلى مطهرية النزح كالأمر بغسل الثوب المتنجس بالماء، و أما على المختار من عدم انفعاله بالنجس كان الأمر بالنزح محمولا على الاستحباب و التنزه، أو التعبد المحض، و هذا ظاهر‌

(2) (المطهّر الخامس عشر): تيمم الميت سيأتي «1» انه إذا كان الميت مجروحا، أو محروقا، أو مجدورا أو نحو ذلك مما يخاف معه تناثر جلده ييمم أيضا كما في صورة فقد الماء، و هذا مما لا كلام فيه، و قد دلت عليه الرواية «2» فلا اختصاص لبدلية التيمم عن الغسل بالأحياء، و انما الكلام في رافعيته لنجاسة بدن الميت، كما يرفع عنه الحدث، فان الموت يؤثر فيه الحدث «3» و النجاسة «4» و يرتفعان عنه بالغسل بلا إشكال، و هل يرتفعان عنه بالتيمم بدلا عنه، أو يكون التيمم رافعا لحدثه، دون نجاسته، يبتنى الجواب على استفادة العموم من‌

______________________________
(1) في فصل كيفية غسل الميت م 8.

(2) الوسائل ج 2 ص 513 في الباب 16 من أبواب غسل الميت: ح 3، ط: م قم.

(3) الوسائل ج 2 ص 486 في الباب 3 من أبواب غسل الميت، ط: م قم.

(4) الوسائل ج 3 ص 461 في الباب 34 من أبواب النجاسات، ط: م قم.

و قد أشار الى ذلك المصنف قدس سره في مسألة 20 من فصل غسل مس الميت.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 118‌

..........

______________________________
أدلة
«1» بدلية التيمم عن الغسل بالنسبة إلى الميت، و هو مشكل، فان القدر المتيقن منها بدليته عنه في رفع حدثه، دون نجاسته، كما في الأحياء، إذ لا إطلاق في أدلة البدلية، و ليست نجاسته بدنه من آثار حدثه كي ترتفع بارتفاعه، لثبوتها له بدليل مستقل، فرفع أحدهما ببدل لا يلازم رفع الآخر به، و الحاصل: أن رافعية التيمم لنجاسة بدن الميت يبتنى على أحد أمرين إما إثبات الإطلاق لأدلة البدلية، و إما كون النجاسة من آثار الحدث، و كلاهما مشكل، فالأقرب بقاء بدنه على النجاسة ما لم يغسل، كما أشرنا في التعليقة «2» فالقول «3» بترتب جميع الآثار حتى طهارة البدن ما دامت الضرورة ضعيف، و تفصيل الكلام في بحث غسل الميّت «4».

______________________________
(1) لاحظ رواياتها العامة في الوسائل ج 3 ص 349 في الباب 7 من أبواب التيمم و ص 385 في الباب 23 منها و في خصوص الميت في ص 702 في الباب 16 من أبواب غسل الميت.

(2) جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف قدّس سرّه «فإنه مطهر لبدنه»: (فيه إشكال و الأقرب بقاء بدنه على النجاسة ما لم يغسل)

(3) كما ذهب اليه الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 385 س 29- 30- الطبع الحجري في بحث أحكام الأموات

(4) مسألة 6 و 7 و 8 من مسائل (فصل في كيفية غسل الميّت)

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 119‌

..........

______________________________
المطهر السادس عشر الاستبراء المطهر السابع عشر زوال التغيّر‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 120‌

[ (السادس عشر): الاستبراء بالخرطات بعد البول و بالبول بعد خروج المني]

(السادس عشر): الاستبراء بالخرطات بعد البول (1) و بالبول بعد خروج المني، فإنه مطهر لما يخرج منه من الرطوبة المشتبهة، لكن لا يخفى: أن عدّ هذا من المطهرات من باب المسامحة، و الا ففي الحقيقة مانع عن الحكم بالنجاسة أصلا

[ (السابع عشر): زوال التغير في الجاري، و البئر]

(السابع عشر): زوال التغير في الجاري، و البئر، بل مطلق النابع بأي وجه كان، و في عد هذا منها أيضا مسامحة، و الا ففي الحقيقة المطهر هو الماء الموجود في المادة (2)

______________________________
(المطهّر السادس عشر): الاستبراء بعد البول و بعد خروج المنى‌

(1) الكلام فيه هو الكلام بعينه في خروج دم الذبيحة من حيث أنه لا يكون رافعا للنجاسة و مزيلا لها، بل دافع للحكم بنجاسة البلل المشتبهة، لعدم دليل على نجاسة البول أو المني قبل الخروج، فالخارج بعد الاستبراء طاهر في نفسه، و غير محكوم بالنجاسة رأسا (المطهّر السابع عشر): زوال التغير‌

(2) في عدّ زوال التغير من المطهرات أيضا مسامحة كما أشار في المتن، لأن المطهر في الحقيقة هو الماء المتصل بالمادة، دون زوال التغير و من هنا لا نقول بمطهريته في الكر و القليل إذا لم يتصلا بالماء العاصم، فالتغيّر مانع عن تأثير المادة، فإذا زال تؤثر المادة في التطهير.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 121‌

..........

______________________________
المطهر الثامن عشر غياب المسلم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 122‌

..........

______________________________
هل العبرة في المسلم بظاهر الحال أو مطلق الاحتمال، البناء على عدم تنجيس المتنجس، شروط مطهريّة غياب المسلم عن النظر 1- علمه بالملاقاة 2- علمه بنجاسة الملاقي (بالفتح) 3- استعماله الملاقي فيما يشترط فيه الطهارة 4- علمه باشتراط الطهارة 5- احتمال تطهيره للملاقي عدم اشتراط البلوغ، حكم ولى الطفل، إلحاق الظلمة و العمى بالغيبة، مطهريّة الغياب حكم ظاهري

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 123‌

[ (الثامن عشر): غيبة المسلم]

(الثامن عشر): غيبة المسلم، فإنها مطهرة (1) لبدنه، أو لباسه، أو فرشه، أو ظرفه

______________________________
(1)
(المطهّر الثامن عشر): غيبة المسلم لا يخفى: أنه لو تنجس بدن المسلم أو ما يلحق به كان مقتضى الاستصحاب بقائه على النجاسة إلى أن تقوم أمارة على طهارته «1» حكى الإجماع «2» بل قامت السيرة على أن غيبة المسلم توجب الحكم بطهارة بدنه، بل ما يلحق به مما ذكر في المتن في الجملة، و لا يخفى ان عد هذا من المطهرات لا يخلو عن مسامحة واضحة كما أشار في المتن ص 131 لأن الغيبة بما هي لا تكون مطهرة لشي‌ء، كالماء مثلا، بل هي طريق، أو قاعدة لإثبات الطهارة، و أما الواقع فهو على ما هو عليه من النجاسة أو الطهارة الواقعية، و كان ينبغي عدّ الغيبة من الأمارات كالبينة، أو خبر العدل، أو الثقة، أو ذي اليد و نحو ذلك هل العبرة بظاهر الحال أو مطلق الاحتمال بعد الاتفاق على الاعتماد على الغيبة في الحكم بالطهارة فقد وقع الكلام «3» في أنها هل تكون أمارة على الطهارة و كاشفة عنها- من باب‌

______________________________
(1) الجواهر ج 6 ص 301 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 641.

(2) في الجواهر ج 6 ص 301- 302 حكاية الإجماع عن بعض شراح منظومة الطباطبائي قدّس سرّه لهاتين البيتين

(و احكم على الإنسان بالطهارة

مع غيبة تحتمل الطهارة

و هكذا ثيابه و ما معه

لسيرة ماضية متبعة.)

(3) الجواهر ج 6 ص 301- 302 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 641 بتصرف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 124‌

..........

______________________________
حمل فعل المسلم على الصحة كي يلزم فيها رعاية الشروط المذكورة في المتن- أو تكون أصلا عمليا مخصصا الدليل استصحاب النجاسة فيرجع الى قاعدة الطهارة و لا يعتبر فيها إلا احتمال التطهير، فيقتصر على اعتبار الشرط الأخير فقط، و بعبارة أخرى هل يكون الاعتماد على الغيبة من باب تقديم الظاهر على الأصل- أي ظهور حال المسلم في رعاية الطهارة فيما تشترط فيه تقديما على استصحاب النجاسة العارضة على بدنه، أو ثيابه وقتا ما قطعا- أو يكفي مجرد احتمال تطهيره و لو اتفاقا الناشئ من الغيبة، و لو لم يكن ظاهر حاله ذلك، أو لا يعتقد بنجاسة الملاقي لبدنه، أو ثيابه اجتهادا أو تقليدا، كالعامة في بعض النجاسات
«1» أو لا يعلم بالملاقاة و اعتقد بنجاسته، أو لا يكون مباليا للطهارة و النجاسة، فيرجع الى قاعدة الطهارة في جميع ذلك و بالجملة هل يعتمد على ظاهر الحال، أو يكفي مجرد الاحتمال وجهان بل قولان القول بالاعتماد على ظاهر الحال ذهب شيخنا الأنصاري قدّس سرّه «2» إلى الأول، أي كونها أمارة على الطهارة بدعوى: انه القدر المتيقن من السيرة العمليّة الجارية بين المسلمين، و من هنا يعتبر في أمارتيها أن يكون عالما بملاقاة ثوبه للنجس، و هذا ينحل الى شرطين العلم بنجاسة الملاقي- بالفتح- و العلم بالملاقاة كما أشار إليهما في‌

______________________________
(1) كالميتة بعد الدباغة، و مخرج البول بعد المسح بالحائط.

(2) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 641 بتصرف بل هو المعروف بين الأصحاب ممن تعرض لذلك، بل عن التمهيد «انه المستفاد من تعليل الأصحاب حيث قالوا: يحكم بالطهارة عملا بظاهر حال المسلم، لأنه مما يتنزه عن النجاسة» الجواهر ج 6 ص 302 و لكن اختار هو القول الآخر عملا بالسيرة فلا حظ نفس المصدر و ان احتاط بما ذكر.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 125‌

..........

______________________________
المتن (الأول و الثاني) و أن يخبر عن طهارته عملا، بأن يستعمله فيما يشترط فيه الطهارة مع العلم بالاشتراط- كما إذا صلى في ثوبه، أو أكل بيده التي كانت متنجسة- و هذا ينحل الى شرطين أيضا، العلم بالاشتراط، و استعماله فيما يشترط فيه الطهارة- كما أشار في المتن أيضا (الثالث و الرابع) فهذه أربعة شروط أو اثنان، و الشرط الثالث هو احتمال التطهير، و إلا فمع العلم بعدمه لا يحكم بطهارته جزما، بل لو علم من حاله أنه لا يبالي بالنجاسة، و ان الطاهر و النجس عنده سواء يشكل الحكم بطهارته، لعدم ظهور حاله في مراعاة الطهارة حينئذ، و المفروض ان أمارية الغيبة تبتنى على ظهور حال المسلم في رعايته أحكام الإسلام، و لم يتحقق في غير المبالين بالشرع و بالجملة: اعتبار هذه الشروط الثلاثة أو الخمسة، انما يتم بناء على القول بأن الغيبة تكون أمارة على الطهارة، بدعوى انه القدر المتيقن من السيرة العملية بين المسلمين، كما عن الشيخ الأنصاري قدّس سرّه و لا يخفى: انه لو تم هذا القول فلا يعتبر في الشرط الرابع المذكور في المتن العلم بعلمه باشتراط الطهارة فيما يستعمله فيه بل، و يكفى مجرد الاحتمال كما أشرنا في التعليقة
«1» إذا كما أن ظاهر حال المسلم هو أنه لا يستعمله فيما يشترط فيه الطهارة إلا بعد التطهير، كذلك ظاهره انه يتعلم الأحكام الشرعية، فيكفينا ان نحتمل في حقه ذلك، و أيضا لا يعتبر أن يكون اعتقاده باعتبار الطهارة في شي‌ء ان يعم الغير أيضا، بل يكفى اعتقاد نفسه، كما إذا اعتقد- مثلا- أنه يعتبر في دخول الحرم، فانا نحكم بطهارته أيضا فتحصل:

انه بناء على القول بالأمارية تكون الغيبة موجبة للحكم بالطهارة من باب‌

______________________________
(1) جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف قدّس سرّه «الرابع علمه باشتراط»: (لا تبعد كفاية احتمال العلم أيضا)

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 126‌

..........

______________________________
ظهور حاله في ذلك، و هذا و ان لم يترتب عليه الأثر بالنسبة إلى الغير في غير هذا المورد (الغيبة) الا أنه فيه لا بد من ترتيب الأثر في الطهارة، كما عليه السيرة القطعية بلا خلاف و لا اشكال، هذا
القول بالاعتماد على مطلق الاحتمال أقول: لا يخفى: أن القول بالأمارية اعتمادا على ظهور حال المسلم في التنزه عن النجاسات و ان كان موافقا للاحتياط الا أنه لا يبعد، بل نجزم بقيام السيرة على الأعم من ذلك، و أنه يكفى في الحكم بالطهارة مجرد احتمال تحققها منه و لو اتفاقا، لا التزاما فلا يشترط الا مجرد احتمال التطهير فقط، إلا أن يعلم بالعدم، و يدل على ذلك استقرار سيرة المتشرعة من صدر الإسلام، بل الأئمة الأطهار عليهم السّلام على المعاملة مع المسلمين و ما يتعلق بهم من الثياب و الفراش و المأكول، و الأواني و غير ذلك معاملة الطاهر بمجرد احتمال الطهارة، من دون فرق بين سبق علمهم بالنجاسة و عدمه، و لا بين كون من يعامل معه معاملة الطاهر ممن يظهر من حاله التجنب عن النجاسة أو يظهر عدمه، أو يشتبه حاله، فان الظاهر من حال العامة و كثير من الخاصة انهم لا يجتنبون عن كثير من النجاسات، بل ربما يعتقدون طهارتها، كطهارة الميتة بالدباغة، أو الاستبراء من البول بالمسح بالحائط، مع أنه لم يعهد التجنب عنهم، و لا عما عليهم من اللباس، كما أنه لم يعهد التجنب عما في أيديهم و أسواقهم من الجلود و غيرها من الأشياء التي مقتضى الاستصحاب فيها النجاسة لملاقاتها للنجس في وقت ما، و لو كالدم حين ذبح الحيوان و غير ذلك، فظهر أن ملاحظة حال المتشرعة مع عامة المسلمين بل جريان سيرة الأئمة الأطهار عليهم السّلام مع عامة الناس ترشدنا الى ان البناء العملي معهم يكون‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 127‌

..........

______________________________
على الطهارة في مساورتهم و مباشرتهم اليومية، و لو مع سبق العلم بالنجاسة كما هو الغالب، و لو عن طريق مخالطتهم مع الكفار المحكومون بالنجاسة و لو من باب عدم اجتنابهم عن النجاسات فالنتيجة انه يكفى في الغيبة احتمال تطهير المسلم بدنه أو ثيابه و ما يتعلق به، بل لو لا ذلك لزم العسر و الحرج، فان البناء على استصحاب النجاسة قد يستدعي الاحتياط التام من كل أحد و الاجتناب عن المؤاكلة معهم و المخالطة بهم، و هذا كما ترى حرج عظيم
البناء على عدم تنجيس المتنجس نعم ربما يقال «1» بان الاستشهاد بالسيرة و نفى الحرج لإثبات المدعى يبتنى على ما هو المشهور من كون المتنجس منجسا على الإطلاق، و الا فلا يخلو الاستدلال بهما عن النظر فيكون المتجه هو القول بكون الغيبة أمارة على الطهارة فيعتبر فيها الشروط المذكورة و فيه: انه يمكن دعوى ثبوت السيرة حتى في الملاقي لنفس النجس مباشرة من دون أى واسطة كالجلود الملاقية للدم، أو أيديهم أو لباسهم الملاقية لنفس النجس كالبول و غيره، فإن المتشرعة يعاملون مع هذه كله أيضا معاملة الطهارة بمجرد احتمال طرو المطهر، فإنهم يستعملونها فيما يشترط فيه كالصلاة في الجلود المأخوذة من المسلم فتحصل: أن الأقوى و الأظهر هو ثبوت السيرة على المعاملة مع ما في أيدي المسلمين معاملة الطهارة مطلقا الا مع العلم ببقائها على النجاسة، فغيبة المسلم أصل في طهارته عند الاحتمال‌

______________________________
(1) كالفقيه الهمداني قدّس سرّه في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 641 س 29- 30 و عن بعض الأصحاب، كما في الجواهر ج 6 ص 301 آخر الصفحة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 128‌

أو غير ذلك مما في يده (1) بشروط خمسة (الأول): أن يكون عالما بملاقاة المذكورات للنجس الفلاني (الثاني): علمه بكون ذلك الشي‌ء نجسا أو متنجسا اجتهادا أو تقليدا (2) (الثالث): استعماله لذلك الشي‌ء فيما يشترط فيه الطهارة، على وجه يكون أمارة نوعية على طهارته، من باب حمل فعل المسلم على الصحة (3)

______________________________
(1) كما في الجواهر
«1» لقيام السيرة على ذلك كله، فلا وجه لما عن مجمع البرهان و عن المدارك من التأمل في ذلك، و قيام السيرة مع رعاية الشروط المذكورة لا ينبغي التأمل فيه، بل مع عدمها احتمال الطهارة سواء في البدن أو غيره مما يتعلق به، فما عن الموجز «2» من الالتزام بذلك في البدن خاصة لا وجه له، فالأقوى عدم اعتبار شي‌ء منها سوى الأخير، و هو احتمال التطهير و لو من باب الاتفاق، لقيام السيرة على البناء على الطهارة عند الشك، لا من باب حمل فعل المسلم على الصحة، كي تلحظ تلحظ الشروط، بل من باب قاعدة ظاهرية.

(2) قد أشرنا إلى رجوع هذا الشرط و ما قبله الى شرط واحد، و هو اشتراط علمه بنجاسة بدنه أو ثوبه، أو غيرهما.

(3) قد ذكرنا أن الأقوى كون الغيبة سببا للحكم بالطهارة من باب قاعدة ظاهرية، لا حمل فعل المسلم على الصحة، فلا يعتبر استعماله فيما يشترط فيه الطهارة، بل يكفى مجرد احتمال الطهارة و لو من باب الاتفاق.

______________________________
(1) الجواهر ج 6 ص 302 فلاحظ.

(2) الجواهر ج 6 ص 302 فلاحظ.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 129‌

(الرابع): علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض (1) (الخامس): أن يكون تطهيره لذلك الشي‌ء محتملا، و الا فمع العلم بعدمه لا وجه للحكم بطهارته (2) بل لو علم من حاله أنه لا يبالي بالنجاسة و ان الطاهر و النجس عنده سواء يشكل الحكم بطهارته (3) و ان كان تطهيره محتملا و في اشتراط كونه بالغا، أو يكفي و لو كان صبيا مميزا وجهان (4) و الأحوط ذلك «1»

______________________________
(1) بل يكفى احتمال علمه بذلك حملا له على الصحة كما أشرنا في التعليقة
«2» ثم ان هذا الشرط و ما قبله يرجع الى شرط واحد و هو استعماله فيما يعلم باشتراط الطهارة فيه.

(2) سواء أ كانت الغيبة أمارة، أو قاعدة ظاهرية لحجّيتهما في صورة الشك، دون العلم بالخلاف‌

(3) إذا لا مجال حينئذ لحمل فعله على الصحة، لعدم ظهور حاله في هذه الصورة في مراعاة الطهارة، و لكن قد عرفت: أن الغيبة قاعدة ظاهرية للطهارة، لا أمارة كاشفة عن الطهارة الواقعية، لقيام السيرة على ذلك مطلقا، فلا يفرق الحال بين الأفراد و ان كان الاحتياط حسنا.

(4) هل يشترط البلوغ أو يكفي التمييز بل قولان حيث حكى «3» عن بعضهم اعتباره، و الصحيح عدم اعتباره، و كفاية التمييز، بحيث كان من شأنه الاجتناب عن النجس، لعموم‌

______________________________
(1) جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف قدّس سرّه «و لو كان صبيا مميزا وجهان»: (لا يبعد عدم اعتبار البلوغ).

(2) تقدمت في الصفحة 125.

(3) كما في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 641 أواخر الصفحة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 130‌

نعم لو رأينا أن وليه- مع علمه بنجاسة بدنه أو ثوبه- يجرى عليه بعد غيبته آثار الطهارة لا يبعد البناء عليها (1) و الظاهر إلحاق الظلمة و العمى بالغيبة مع تحقق الشروط المذكورة (2)

______________________________
السيرة لكل من يحتمل في حقه التطهير عن شعور و إدراك، و أما غير المميز و لو لعدم العقل فلم يكن موردا لهذا الأصل، لعدم ثبوت السيرة بهذا العموم، فلا يشمل من لا يشعر التطهير بحيث يكون احتمال الطهارة فيه من باب الصدفة، و الاتفاق كنزول المطر عليه، أو غسل انسان له، أو لثيابه صدفة، و هذا مما لم يثبت فيه السيرة، و لا يعتنى باحتمال طهارته المتشرعة إذا علموا فيه بسبق النجاسة، هذا فيما إذا كان مستقلا في تصرفاته و أما إذا كان تحت رعاية الولي، أو مسلم آخر بحيث عد من توابعه و تحت يده فلا مانع من الحكم بطهارته كسائر متعلقاته من ثوبه و فراشه و نحو ذلك مما في يده باعتبار أنه من توابع المسلم لا باستقلاله فتأمل‌

(1) كما تقدم آنفا، لعدّه حينئذ من توابعه، و ظاهر حاله رعاية الطهارة في توابعه كما يراعى لنفسه، كما إذا رأينا أنه يأكل معه في إناء واحد، أو يشرب من الماء الذي باشره الطفل، أو يمسح بيده مع الرطوبة ثياب الطفل، أو بدنه ثم يصلى من غير ان يغسل يده، و نحو ذلك‌

(2) هل يلحق الظلمة بالغيبة قال في الجواهر «1» «ينبغي القطع بعدم مساواة الظلمة، أو العمى، أو حبس البصر للغيبة، للأصل السالم عن معارضة السيرة، و نحوها، إذ ليس المدار على احتمال الطهارة»‌

______________________________
(1) ج 6 ص 313.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌6، ص: 131‌

ثم لا يخفى: أن مطهرية الغيبة انما هي في الظاهر، و الا فالواقع على حاله (1) و كذا المطهر السابق و هو الاستبراء بخلاف سائر الأمور المذكورة فعد الغيبة من المطهرات من باب المسامحة، و الا فهي في الحقيقة من طرق إثبات التطهير (2)

______________________________
أقول: إذا كانت الغيبة حجة على الطهارة من باب حمل فعل المسلم على الصحة جرى المناط في الظلمة و العمى أيضا مع رعاية الشروط المذكورة المؤدية إلى ظهور حال المسلم في رعاية الطهارة، إذ لا فرق حينئذ بين الغيبة الموجبة للحمل على الصحة، أو الظلمة الموجبة لذلك، كما إذا فرضنا أنه تخلى في الظلمة، لئلا يراه أحد، ثم رجع و باشر بيده ما يشترط فيه الطهارة، فإنه يحكم بطهارة يده و لو مع العلم بسبق نجاسته عند التخلي، لظهور حاله في التطهير، و هذا ظاهر، و أما إذا قلنا بأن الغيبة أصل ظاهري للحكم بالطهارة بمجرد احتمالها في حق المسلم، لقيام السيرة على ذلك كان الأمر كذلك أيضا، لوحدة الملاك في الغيبة و الظلمة، أو العمى و حبس البصر إذا صارت منشأ لاحتمال التطهير، إذا المناط حينئذ مجرد الاحتمال من دون دخل للخصوصية الموجبة له، سواء أ كانت الغيبة، أو الظلمة، فالأقوى هو الإلحاق الا ان يعلم ببقاء النجاسة‌

(1) كما تقدم في أول البحث عن هذا المطهّر‌

(2) بناء على كونها أمارة على الطهارة الواقعية، و أما إذا قلنا بان الاعتماد على مجرد احتمال الطهارة كانت الغيبة أصلا ظاهر يا تجري في موردها قاعدة الطهارة في مقابل استصحاب النجاسة- كما أوضحنا.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net