ما يستفاد من الأخبار في المقام 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6042


    ما يُستفاد من الأخبار الآمرة بالتقيّة :

   إذن لا بدّ من عطف عنان الكلام إلى أنه هل يستفاد من الأخبار الآمرة بالتقية صحّة العمل لدى الاتيان به فاقداً لشيء من أجزائه وشرائطه أو واجداً لشيء من موانعه للتقيّة أو لا يستفاد منها ذلك ؟ فنقول :

   الصحيح أن يقال : إن الاضطرار إذا كان مستنداً إلى غير جهة التقيّة المصطلح عليها ، وهي التقيّة من العامة فيما يرجع إلى الاُمور الدينية ، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوط الأمر بالمركب عند الاضطرار إلى ترك شيء مما اعتبر في المأمور به ، لأن ذلك مقتضى إطلاق أدلة الجزئية والشرطية أو المانعية ، وهو يشمل كلا من صورتي التمكن من الاتيان بها وعدمه ، وبما أن المكلف غير متمكن من إتيان العمل واجداً لشرطه أو جزئه أو فاقداً لمانعه ، فلا محالة يسقط الأمر بالمركب رأساً في حقه فلا يجب عليه شيء وقتئذ ، إلاّ في خصوص الصلاة فيما إذا لم يتمكن من شيء من أجزائها وشرائطها ـ  في غير الطهور  ـ فانه يجب فيها الاتيان بالمقدار الممكن من الصلاة لأنها لا تسقط بحال .

   وأمّا إذا  كان الاضطرار من جهة التقيّة المصطلح عليها ، فان كان العمل المتقى به مورداً للأمر به بالخصوص في شيء من رواياتنا كما في غسل الرجلين والغسل منكوساً وترك القراءة في الصلاة خلفهم ونحو ذلك مما ورد فيه الأمر بالعمل بالخصوص ، فلا ينبغي الاشكال في صحته بل وإجزائه عن المأمور  به الواقعي بحيث لا تجب عليه الاعادة ولا القضاء ، وذلك لأن الظاهر من الأمر بالاتيان بالعمل الفاقد لبعض الاُمور المعتبرة في المأمور به إنما هو جعل المصداق للطبيعة المأمور بها تقيّة، ومع جعل الشارع شيئاً مصداقاً للمأمور  به لا بدّ من الحكم بسقوط الأمر المتعلق بالطبيعة

ــ[252]ــ

لأن الاتيان بذلك الشيء إتيان لما هو مصداق وفرد للطبيعة المأمور  بها ، فيسقط به الأمر المتعلق بها لا محالة .

   وأمّا إذا لم يكن العمل المتقى به مورداً للأمر بالخصوص ، فالتحقيق أن يفصّل حينئذ بين الاُمور التي يكثر الابتلاء بها لدى الناس ، أعني الاُمور عامة البلوى التي كانوا يأتون بها بمرأى من الأئمة (عليهم السلام) والاُمور التي لا يكون الابتلاء بها غالباً وبمرأى منهم (عليهم السلام) بل يندر الابتلاء به .

   فان كان العمل من القسم الأوّل ، كما في التكتف في الصلاة وغسل الرجلين في الوضوء ـ مع قطع النظر عن كونه مورداً للأمر به بالخصوص ـ لكثرة الابتلاء به في كل يوم مرات متعددة ، فلا مناص فيه من الالتزام بالصحة والاجزاء ، أي عدم وجوب الاعادة أو القضاء ، لأن عدم ردعهم عما جرت به السيرة من إتيان العمل تقيّة أقوى دليل على صحته وكونه مجزئاً في مقام الامتثال ، فلو لم تكن التقيّة مفيدة للإجزاء في مثله فلا بدّ من بيانه ، ونفس عدم بيان البطلان وترك التنبيه على عدم إجزائها ـ مع كون العمل مورداً للابتلاء وبمرأى منهم (عليهم السلام) ـ يدلنا على إمضائهم لما جرت به السيرة . ولم يرد في شيء من رواياتنا أمر باعادة العمل المتقى به أو قضائه ولو على نحو الاستحباب .

   نعم ، عقد صاحب الوسائل (قدس سره) باباً وعنونه باستحباب إيقاع الفريضة قبل المخالف أو بعده(1) إلاّ أن شيئاً مما نقله من الروايات غير مشتمل على الأمر بالاعادة أو القضاء فيما أتى به تقيّة ولو على وجه الاستحباب ، بل قد ورد في بعض الروايات ما لا تقبل المناقشة في دلالته على الإجزاء ، وهذا كما دلّ على أن «من صلّى معهم في الصف الأوّل كان كمن صلّى خلف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) » (2) أفيحتمل عدم كون الصلاة خلف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مجزئة عن المأمور  به الأوّلي . وفي بعض آخر «إن المصلي معهم في الصف الأوّل كالشاهر سيفه في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 302 / أبواب صلاة الجماعة ب 6 .

(2) الوسائل 8 : 299 / أبواب الجماعة ب 5 ح 1 .

ــ[253]ــ

سبيل الله»(1) وفي جملة من الروايات الأمر بالصلاة معهم في مساجدهم(2) والحث على الصلاة في عشائرهم(3) ، وفي بعضها الصلاة في عشائركم(4) فليلاحظ .

   وكيف كان ، فلم يرد في رواياتنا أمر باعادة الصلاة أو الوضوء أو غيرهما من الأعمال المتقى بها من العامة على كثرة الابتلاء بها ، لكونهم معاشرين لهم في أسواقهم ومساجدهم وفي محلاتهم وأماكنهم حتى في بيت واحد ، إذ ربما كان الابن عامياً والأب على خلافه أو بالعكس ، أو أحد الأخوين شيعي والآخر عامي ، وكانوا يصلون أو يتوضئون بمرأى منهم ومشهد ، فالسيرة كانت جارية على التقيّة في تلك الأفعال كثيرة الدوران ، ومع عدم ردعهم (عليهم السلام) يثبت صحتها لا محالة .

   نعم ، ورد في بعض الروايات الأمر بالصلاة قبل الامام أو بعده إذا لم يكن مورداً للوثوق ، حيث نهى (عليه السلام) السائل عن الصلاة خلفه ولو بجعلها تطوّعاً ، لعدم جواز الصلاة خلف من لا يوثق به ، ثم أمره بالصلاة قبله أو بعده ، ولعلّه إلى ذلك أشار صاحب الوسائل (قدس سره) في عنوان الباب المتقدم نقله ، غير أن الرواية خارجة عمّا نحن بصدده ، لورودها في الصلاة خلف من لا يثق به ، وهو أعم من أن يكون عامياً أو شيعياً ، والرواية لم تشتمل على الأمر بالصلاة معه ثم إتيانها إعادة أو قضاء بعده .

   وممّا يؤيد ما قدمناه ، ما فهمه زرارة في الصحيحة المتقدمة (5) المشتملة على قوله (عليه السلام) «ثلاثة لا أتقي فيهنّ أحداً ...» (6) حيث قال ـ أعني زرارة ـ ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهنّ أحداً ، وذلك لأن المسح على الخفين ليس من المحرّمات النفسية ليكون جريان التقيّة فيه موجباً لارتفاع حرمته ، بل إنما هو محرم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 8 : 299 / أبواب الجماعة ب 5 ح 7 ، 1 ، 4 ، 8 .

(3) الوسائل 16 : 219 / أبواب الأمر والنهي ب 26 ح 2 .

(4) الوسائل 12 : 8 / أبواب أحكام العشرة ب 1 ح 8 .

(5) في ص 215 .

(6) الوسائل 16 : 215 / أبواب الأمر والنهي ب 25 ح 5 .

ــ[254]ــ

غيري ، فلو جازت التقيّة فيه أو وجبت لدل على ارتفاع المنع الغيري أعني المانعية في الوضوء ، وكون الوضوء المشتمل على مسح الخفين صحيحاً ، هذا كلّه في الصلاة والوضوء .

   ومن هذا القبيل الصيام ، لأنه أيضاً من الاُمور العامة البلوى وقد كانوا يصومون معهم ويفطرون بما لا يراه العامة مفطراً في نهار شهر رمضان أو في اليوم الذي لا يرونه من شهر رمضان ، وذلك كله للتقية والمعاشرة معهم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net