11 ـ اشتراط الموالاة في الوضوء \ معنى الموالاة المعتبرة في الوضوء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10691


   الحادي عشر : الموالاة بمعنى عدم جفاف الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاّحقة ، فلو جفّ تمام ما سبق بطل (2) ، بل لو جفّ العضو السابق على العضو

ـــــــــــــــــــــــــ
    اشتراط الموالاة في أفعال الوضوء :

   (2) لا إشكال ولا خلاف في اعتبار الموالاة في الوضوء وإن كان بينهم كلام في أن الموالاة واجب شرطي فيبطل الوضوء بالاخلال بها ، أو أنها واجب نفسي فالاخلال بها يوجب الاثم والعقاب ولا يبطل بذلك الوضوء ، وكيف كان فالمسألة متسالم عليها عندهم .

ــ[388]ــ

   وتوضيح الكلام في ذلك : أن مقتضى إطلاق أدلة الوضوء من الآية المباركة والأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) عدم الموالاة في الوضوء وأن حاله حال الغسل ، فكما لا تعتبر الموالاة في صحته فله أن يغسل رأسه في مجلس وزمان ويغسل طرفه الأيمن في وقت آخر والأيسر في زمان ثالث ، فكذلك الحال في الوضوء فيتمكّن المكلّف من أن يغسل وجهه في زمان ويديه في وقت آخر وإن طال الفصل بينهما حسبما يقتضيه إطلاق الأدلة كما عرفت .

   نعم ، الفصل الطويل بين الغسلتين والمسحتين مخل بالصحة من جهة اعتبار أن يكون المسح في الوضوء بالنداوة الباقية في يد المتوضئ ، ومع الفصل الكثير ترتفع النداوة وييبس المحل فلا يتحقّق المسح المأمور  به في الوضوء . وعلى الجملة أ نّا لو كنّا نحن وهذه المطلقات لحكمنا بعدم اعتبار الموالاة ـ بما لها من المعنى والتفسير ـ في الوضوء .

   وأمّا الأخبار الآمرة بالاتباع في الوضوء أو الأخبار الدالة على وجوب المتابعة فيه ، أو ما دلّ على أن الوضوء غير قابل للتبعيض فسيأتي أن شيئاً من ذلك لا دلالة له على اعتبار الموالاة العرفية فلاحظ .

   نعم ، إنّ بين الروايات روايتين وهما موثقة أبي بصير وصحيحة معاوية بن عمّار وكلتاهما عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في اُولاهما : «إذا توضأت بعض وضوئك وعرضت لك حاجة حتى يبس وضوءك فأعد وضوءك فان الوضوء لا يبعّض» (1) .

   وفي ثانيتهما : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ربما توضأت فنفد الماء ، فدعوت الجارية فأبطأت عليَّ بالماء فيجف وضوئي ، فقال : أعد» (2) وقد دلتا على عدم بطلان الوضوء بحدوث الفصل الطويل في أثنائه ما دام لم يؤد إلى جفاف الأعضاء المتقدمة ولو كان الفصل مخلاً بالموالاة لدى العُرف ، فنستفيد منهما أن الموالاة المعتبرة في الوضوء عند الشارع ليست هي الموالاة العرفية فحسب ، بل إن لبقاء الرطوبة على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 446 / أبواب الوضوء ب 33 ح 2 ، 3 .

ــ[389]ــ

الأعضاء المتقدِّمة مدخلية تامّة في تحقّق الموالاة في نظره .

   وهذا المعنى من الموالاة أعني عدم جفاف الأعضاء المتقدمة ، وإن كان أمراً تعبدياً في الجملة لا محالة ، إلاّ أنه في الجملة أيضاً موافق للذوق العرفي ، فان الأعضاء السابقة ما دامت باقية على رطوبتها فكأنها باقية على اتصالها مع الأجزاء اللاّحقة عليها لدى العرف ، وإنما يراها منفصلة عن سابقتها إذا جفت ويبست ، وأما مع بقاء الرطوبة فالوحدة باقية في نظره .

   وعليه فمقتضى الجمع بينهما وبين الأخبار المطلقة أن نكتفي في حصول شرط الوضوء بكل من الموالاة العرفية وبقاء الأعضاء المتقدِّمة على رطوبتها ، فأي منهما حصل كفى في الحكم بصحّة الوضوء .

   فاذا فرضنا أنه فصل بين أجزاء الوضوء بمقدار مخل للموالاة العرفية ، ولكن الأعضاء المتقدمة كانت باقية على رطوبتها لبرودة الهواء مثلاً كما في الشتاء بحيث لو كان الفصل غير فصل الشتاء لجفت ويبست ، كفى ذلك في صحة الوضوء . كما أ نّا لو فرضنا أن الأعضاء السابقة ـ لمرض كما في بعض أقسام الحمى أو لحرارة الهواء ـ تجف بمجرد وصول الماء إليها ، إلاّ أن الفصل المخل بالموالاة العرفية لم يتحقق في الخارج أيضاً حكمنا بصحّة الوضوء .

   نعم ، إذا فرضنا أن الأعضاء السابقة قد يبست من جهة التأخير وعدم مراعاة الموالاة حكمنا عليه بالبطلان بمقتضى الموثقة والصحيحة ، وهذا بخلاف ما إذا راعى الموالاة ولكن الأعضاء يبست بسبب حرارة البدن أو الهواء فان الاطلاقات المقتضية للصحة هي المحكّمة وقتئذ . فلا نشترط الموالاة العرفية على وجه الاطلاق ، كما لا نشترط بقاء الأعضاء السابقة على رطوبتها على الاطلاق ، هذا .

   وقد يُقال مستدلاًّ بالموثقة والصحيحة المتقدِّمتين (1) إن المدار في بطلان الوضوء إنما هو جفاف الأعضاء المتقدمة ، سواء استند ذلك إلى التأخير والفصل الكثير المنافي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 388 .

ــ[390]ــ

للموالاة العرفية أم استند إلى حرارة البدن أو الهواء ، فبجفاف الأعضاء المتقدمة يحكم بالبطلان وإن كانت المولاة العرفية غير زائلة ، لأن المذكور في الموثقة وإن كان هو يبوسة الأعضاء المتقدمة من جهة الفصل الطويل المسبب عن عروض الحاجة له إلاّ أن التعليل الوارد في ذيلها بقوله (عليه السلام) «فان الوضوء لا يبعّض» يعم ما إذا حصل الجفاف من جهة حرارة البدن أو الهواء ، لدلالته على أن جفاف الأعضاء السابقة مبعض للوضوء سواء استند إلى ذلك أو إلى ذاك ، هذا .

   ولا يخفى أن الكبرى الواردة في ذيل الموثقة وإن كنّا نسلمها ونعترف بأن الوضوء لا يبعض ، إلاّ أن الكلام في أن التبعيض في الوضوء يتحقق بأي شيء ، والظاهر أنه لا بدّ أن يكون التبعيض بأحد أمرين : فإما أن يكون التبعيض بالنظر العرفي وترك الموالاة العرفية ، وإما أن يكون التبعيض بالتعبد الشرعي ، كما إذا حصلت اليبوسة في الأعضاء السابقة من جهة الفصل الطويل كما هو مورد الرواية .

   وإذا فرضنا بقاء الموالاة العرفية في مورد فلا محالة يتوقف حصول التبعيض تعبداً بمجرد جفاف الأعضاء السابقة من جهة المرض أو لحرارة الهواء على دلالة الدليل عليه ، والمفروض عدمها ، لأن العلة الواردة في ذيل الموثقة إنما تشتمل على الكبرى فقط ، وقد عرفت أ نّا نسلمها ونعترف بمضمونها ، إلاّ أنها غير متكفِّلة لبيان الصغرى والمصداق ، أعني ما به يتحقّق التبعيض في الوضوء ، وموردها خصوص ما إذا استند جفاف الأعضاء السابقة إلى الفصل الطويل لأجل عروض الحاجة له ، ولا تعرض لها إلى الجفاف المستند إلى حرارة البدن أو الهواء ، وقد ذكرنا أن التبعيض إنما يتحقق بأحد أمرين والمفروض أنه لا أثر منهما في المقام ، هذا كله في الموثقة .

   وأمّا صحيحة معاوية ، فيتوجّه على الاستدلال بها في المقام أن الحكم الذي تكفلته الصحيحة قضية شخصية في واقعة وهو خطاب لمعاوية ، ولا بدّ في مثلها من الاقتصار على المقدار المتيقن والمعلوم ، وهو مورد الرواية أعني ما اشتمل على قيدين أحدهما : جفاف الأعضاء السابقة . وثانيهما : استناد ذلك إلى التأخير والابطاء المستندين إلى عروض الحاجة له ، ووجوب الاعادة في مثله مما لا كلام فيه ، وأمّا التعدِّي عنه إلى

ــ[391]ــ

ما اشتمل على قيد واحد وهو مجرّد الجفاف وإن لم يستند إلى الابطاء والتأخير فمما لا  شاهد له ، ولا يمكن استفادته من الحكم الخاص أعني ما تكفلته الصحيحة في موردها .

   وعليه فما ذهب إليه في المتن ووافقه عليه جملة من المحققين أعني القول بكفاية أحد الأمرين من الموالاة العرفية أعني عدم التبعيض وبقاء الرطوبة في الأعضاء هو المتين ولعلّ هذا القول منشؤه الصدوق (قدس سره) (1) هذا .

   ثم إن مقتضى الروايتين هو اعتبار جفاف الأعضاء السابقة بأجمعها ، لمكان قوله (عليه السلام) «فيجف وضوئي» أو «حتى يبس وضوءك» فان ظاهرهما هو جفاف تمام الوضوء ، وعليه فجفاف بعض الأعضاء السابقة مع رطوبة البعض الآخر مما لا يترتّب عليه أثر في البطلان .

   ومن ذلك يظهر بطلان ما ذهب إليه الاسكافي (قدس سره) من الحكم بالبطلان عندما يبس شيء من الأعضاء المتقدِّمة (2) لما عرفت من أن المدار في ذلك إنما هو يبوسة الأعضاء السابقة بتمامها ، ولا دليل على بطلان الوضوء بجفاف بعضها بوجه .

   وكذلك الحال فيما سلكه الحلي (قدس سره) من ذهابه إلى الحكم بالبطلان عند جفاف العضو المتقدم على العضو الذي يريد غسله أو مسحه (3) وذلك لأنه إن أراد بذلك جفاف تمام الأعضاء المتقدمة بالملازمة كما هو الأقرب ، لأنه إذا كان التأخير بمقدار جف معه العضو المتقدم على ما يريد الاشتغال به فيجف معه الأعضاء المتقدمة عليه بطريق أولى ، فهو عين ما قدمناه من اعتبار جفاف الأعضاء السابقة بتمامها ، وإن أراد به جفاف خصوص العضو السابق على ما بيده ولو مع بقاء الرطوبة في العضو المتقدِّم عنه ، كما إذا  كانت رطوبة وجهه باقية وقد جفت رطوبة يده اليمنى وهو يريد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 1 : 35 .

(2) المختلف 1 : 141 المسألة 93 .

(3) السرائر : 1 : 101 .

ــ[392]ــ

الاشتغال باليد اليسرى مثلاً ، فقد ظهر أنه مما لا دليل عليه ، لأن ظاهر الصحيحة والموثقة إنما هو اعتبار الجفاف في تمام الأعضاء المتقدِّمة كما مرّ .

   ومما يدلنا على بطلان هذا القول هو الأخبار الآمرة بأخذ البلّة من اللحى والحاجبين فيما إذا توضأ ونسي المسح ثم تذكر وقد جفت رطوبة يده ووجهه ، فان الوضوء إذا قلنا ببطلانه بجفاف العضو السابق على المسح للزم الحكم ببطلان الوضوء في موارد الأخبار المذكورة ولم يكن وجه لصحته بأخذ البلّة من اللّحى والحاجبين .

   فالمتحصل : أن الوضوء يعتبر فيه أحد الأمرين المتقدمين : بقاء الأعضاء السابقة على رطوبتها . والموالاة العرفية فيما إذا لم يستند جفاف الأعضاء إلى التأخير .

    ما ذهب إليه جمع من الأصحاب (قدس سرهم)

   بقي الكلام فيما ذهب إليه جمع من الأصحاب (قدس سرهم) من أن العامد في الإخلال بالموالاة العرفية يبطل وضوءه ، وأما المضطر الذي من جملته الناسي فهو إنما يبطل وضـوءه بالاخلال بالموالاة فيما إذا جفت الأعضاء المتقدِّمة ، وأما إذا تذكر مع بقاء الأعضاء المتقدمة على رطوبتها فهو محكوم بصحة الوضوء .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net