لزوم الاستمرار في النيّة - عدم اعتبار نيّة الوجوب والاستحباب 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6356


ــ[418]ــ

بل يكفي وجود الداعي في القلب بحيث لو سئل عن شغله يقول : أتوضأ مثلاً ، وأما لو كان غافلاً بحيث لو سئل بقي متحيّراً فلا يكفي وإن كان مسبوقاً بالعزم والقصد حين المقدّمات (1) . ويجب إستمرار النيّة إلى آخر العمل فلو نوى الخلاف أو تردّد وأتى ببعض الأفعال بطل ، إلاّ أن يعود إلى النيّة الاُولى قبل فوات الموالاة (2) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالداعي القربى أخطرها بقلبه أم لا .

    كفاية وجود الداعي في القلب :

   (1) إن ما أفاده (قدس سره) في كلا شقي كلامه أمر غالبي لا دائمي وإلاّ فللنقض على كلا الشقين مجال واسع ، حيث إن العمل قد يصدر عن الارادة الاجمالية والارتكازية إلاّ أنه لو سئل عن شغله يتحيّر في الجواب وليس تحيّره إلاّ من نفس السؤال ، حيث ينشغل باله ولا يتمكن من الجواب فيتحيّر لا محالة ، مع أنه لولا هذا السؤال كان يتحرك على طبق إرادته الاجمالية والارتكازية .

   كما ربما يقع ذلك في الأفعال الخارجية ، فنرى أنه يمشي إلى داره بحسب إرادته الاجمالية وإذا سئل عن أنك تمشي إلى أي مكان يتحيّر في الجواب ، ولا سيما فيما إذا اندهش من السؤال كما إذا كان السائل كبيراً من الأكابر مثلاً .

   وكذا الحال في الشق الآخر من كلامه ، فانه قد يأتي بالعمل لا عن الارادة الاجمالية لغفلته ، إلاّ أنه إذا سئل عن عمله لا يتحيّر في الجواب بل يخطر مقصده بباله بنفس هذا السؤال بعدما كان غافلاً عن وجه عمله وموجبه بالكلية فيجيب . فالصحيح أن الوضوء لا يعـتبر في صحّته إلاّ أن يكون صادراً عن داع قربي إلهي سواء تمكّن من الجواب عند السؤال عن موجب عمله أم لم يتمكّن من ذلك .

    لزوم الاستمرار في النيّة :

   (2) فان العمل بمجموعه عبادة وليست العبادية مختصة بأوله ، فلا بدّ من إيقاع كل

ــ[419]ــ

جزء من أجزاء العمل بداع إلهى ، فلو وقع شيء منها لا بهدا الداعي بطل العمل برمّته ، وهذا هو المراد من اعتبارهم استمرار النيّة إلى آخر العمل ، وهذا مما لا شبهة فيه ولا كلام .

   وإنما الكلام في اعتبار استمرارها في الآنات المتخللة بين أجزاء العمل ، وأنه إذا عدل عنها ونوى خلافها ، أو تردد فيها ثم بنى على نيّته الأولية صح عمله مطلقاً  أو لا يصح كذلك ، أو أن هناك تفصيلاً  ؟

   قد يكون العدول عن نيّته ـ بالعزم على عدم الاتيان بالعمل أو بالتردد في ذلك ـ موجباً لوقوع جزء من العمل من دون نيّة قربية ، كما في الصوم حيث يجب فيه الامساك بالنيّة المقربة في كل آن من الآنات النهارية ، فاذا فرضنا أنه عدل عن نيّته فعزم على الافطار أو تردّد في ذلك ، فقد مضى عليه آن أو آنات من دون نيّة مقربة وهو أمر غير قابل للتدارك ، ولا مناص حينئذ من أن يحكم بالفساد لعدم اشتمال بعض أجزاء العمل على النيّة المعتبرة في العبادة ، وهذا لا من جهة أن العزم على الافطار مفطر حتى يقال إن العزم على الافطار ليس بافطار بالضرورة ، بل هو عزم على الافطار لا أنه إفطار بنفسه ، ومن هنا لا يترتب عليه أحكام الافطار العمدي في نهار شهر رمضان فلا تجب عليه الكفّارة بذلك ، بل من جهة أن العزم على الافطار يستلزم انتفاء شرط الصحة في جزء من أجزاء العمل وهو الصوم ، فيبطل العمل بأسره لبطلان جزء من أجزائه كما هو الحال في جميع الواجبات الارتباطية .

   وقد يكون العدول في أثناء العمل غير مستلزم لوقوع شيء من أجزائه من دون نيّة مقربة ، أو أنه إذا استلزم ذلك فصدر بعض أجزاء العمل في حالة التردّد أو العزم بعدم الاتيان به فهو أمر قابل للتدارك ، كما في الوضوء لأنه مركّب من الغسلتين والمسحتين فاذا عدل عنه في أثناء الغسلتين أو في أثناء أحدهما وفرضنا أنه قد غسل نصفاً من يده من دون نيّة مقربة ثم رجع عن ذلك إلى نيّته الأولية ، فلا مانع من أن يعيد غسل النصف من يده مع النيّة المقربة وبذلك يحكم بصحة وضوئه . اللّهمّ إلاّ أن يكون ذلك مستلزماً لفوات الموالاة المعتبرة في الوضوء، كما إذا تردّد زماناً جفّت أعضاؤه السابقة بذلك فانه يقتضي الحكم ببطلان الوضوء لا محالة ، إلاّ أنه من جهة

ــ[420]ــ

ولا يجب نيّة الوجوب والندب لا وصفاً ولا غاية ، ولا نيّة وجه الوجوب والنّدب بأن يقول أتوضّأ الوضوء الواجب أو المندوب أو لوجوبه أو ندبه أو أتوضأ لما فيه من المصلحة ، بل يكفي قصد القربة وإتيانه لداعي الله (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاخلال بالموالاة لا من جهة العدول عن نيّة الوضوء ، وهذا ظاهر .

   وهناك شق ثالث متوسط بين مثل الصوم والوضوء وهو عبارة عن الصلاة فيما إذا عدل عن نيّتها في أثنائها فعزم على قطع الصلاة أو تردد في ذلك ، وهذا يتصوّر تارة فيما إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة متردِّداً أو عازماً على القطع ، ويتصوّر اُخرى فيما إذا لم يأت بشيء من أجزائها مع التردّد أو العزم على القطع ، كما إذا عدل عن نيّة الصلاة في أثنائها ثم رجع إلى نيّتها من دون أن يأتي بشيء من أجزائها عند العدول .

   أمّا في الصورة الاُولى ، فلا تأمل في الحكم ببطلان الصلاة ، من جهة أن ما أتى به من الأجزاء الصلاتية عند العدول ـ  أي لا بنيّة الصلاة  ـ زيادة عمدية مبطلة للصلاة لا محالة ، لعدم احتسابها من الصلاة لافتقادها النيّة المعتبرة في صحتها .

   وأمّا الصورة الثانية ، فالحكم فيها بالبطلان يبتني على القول بأن الأكوان المتخللة بين أجزاء الصلاة جزء من الصلاة ، وحيث إن الظاهر أن الأكوان المتخللة خارجة عن أجزاء الصلاة ، فالظاهر عدم بطلان الصلاة بالعدول في تلك الأكوان . ولا ينافي هذا مع الحكم ببطلانها فيما إذا أتى بشيء من قواطع الصلاة في أثنائها ولو في الأكوان المتخللة ، كما إذا تكلم فيها بكلام الآدميين أو أحدث أو استدبر ، لأن الحكم بالبطلان وقتئذ ليس مستنداً إلى أن الأكوان المتخللة جزء من الصلاة ، بل مستند إلى الاتيان بالقاطع وهو في الصلاة ، لأن المصلِّي لا يخرج عنها إلاّ بالتسليمة فان أوّلها التكبيرة وآخرها التسليمة ، فما دام لم يسلّم فهو في الصلاة ، فاذا تكلم فقد تكلم في الصلاة ، كما أنه إذا أحدث وقتئذ فقد أحدث في صلاته وهو موجب لبطلان الصلاة لا محالة .

    عدم اعتبار نيّة الوجوب ولا نيّة وجهه :

   (1) بعدما بيّن الشروط المعتبرة في الوضوء تعرض (قدس سره) لجملة من الاُمور

 
 

ــ[421]ــ

التي ربما يقال باعتبارها في صحّة الوضوء وذكر عدم اعتبار شيء منها في صحته .

   ومن تلك الاُمور وجوب نيّة الوجوب أو الندب ، إمّا على نحو التوصيف كما إذا قال أتوضأ الوضوء الواجب أو الندب ، وإما على نحو الغاية بأن يقول أتوضأ لوجوبه أو لاستحبابه ، فان الغاية هي الداعي بوجوده الخارجي كما أن الداعي هي الغاية بوجودها الذهني ، فسقوط الوجوب وتحقق الندب بوجودهما الخارجيين غايتان للوضوء ، كما أنهما بوجودهما الذهنيين داعيان له ، فيتصوّر سقوط الوجوب ويأتي بالوضوء بداعي امتثال أمره وإسقاطه أو لغاية الامتثال وسقوط الوجوب .

   ومنها : نيّة وجه الوجوب أو الندب وهو على ما فسره الماتن (قدس سره) عبارة عمّا يقتضي الوجوب أو الندب أعني المصلحة ، بناء على ما ذهب إليه العدلية من أن الواجبات الشرعية تابعة للمصالح الكامنة فيها .

   ومنها : قصد رفع الحدث بالوضوء أو قصد الاستباحة به أعني قصد إباحة الدخول به في الصلاة .

   ومنها : قصد موجب الوضوء وأنه بول أو نوم .

   ومنها : قصد الغاية التي لأجلها وجب الوضوء ، وحكم في جميع ذلك بعدم الاعتبار .

   وتوضيح الكلام في المقام : أنه قد يكون الواجب أو المستحب على نحو لا يتعيّن إلاّ بنيّة الواجب أو المستحب ، وهذا كما في صلاة الصبح ونافلتها ، لأن كُلاً منهما ركعتان ولا امتياز بينهما في شيء ، فلو أتى بركعتين ولم يقصد الركعتين الواجبتين أو المستحبتين بطلتا لا محالة ، وكذلك الحال فيما إذا كانت على ذمّته أربع ركعات أدائية وأربع اُخرى قضائية ، فان إحداهما لا تتميز عن الاُخرى إلاّ بالقصد ، إذ الطبيعي الواحد لا يعقل أن يحكم عليه بحكمين متضادين كالوجوب والاستحباب أو بحكمين متماثلين كالحكم بوجوبه مثلاً مرّتين ، فلا مناص في الحكم بالصحة والوجوب من تميزه عمّا يحكم عليه بالاستحباب أو يحكم عليه بوجوب آخر أو بتوصيفهما من الأدائية أو القضائية ، هذا كله فيما إذا لم يتميّز الواجب عن غيره إلاّ بنيّته وقصده .

ــ[422]ــ

   وأمّا فيما إذا كان الواجب أو المستحب متميزاً في نفسه أو لم يكن على ذمة المكلف واجب آخر غيره ، فلا دليل على اعتبار نيّة الوجوب أو الندب لا من العقل ولا من الشرع .

   أمّا العقل ، فلأنه لا سبيل له إلى استكشاف مدخلية تلك الاُمور في الأحكام وعدمها .

   وأمّا احتمال دخلها بحسب الشرع ، فان بنينا على ما بنينا عليه في محله من إمكان أخذ قصد الأمر وتوابعه ـ مما ينشأ من الأمر وفي مرتبة متأخرة عنه كقصد الوجه من الوجوب أو الندب ـ  في متعلق الأمر الأول أو في متعلق الأمر الثاني كما بنى عليه المحقق النائيني (قدس سره) (1) أو فرضنا الكلام في القيود التي لا استحالة في أخذها في المتعلق كقصد المصلحة أو الرفع والاستباحة أو قصد موجب الوضوء أو قصد الغاية ، فيندفع باطلاق الأمر الأوّل أو الأمر الثاني ، لأنه سبحانه أمر بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين في كل من الكتاب والسنة ، ومقتضى إطلاقهما عدم اعتبار شيء مما يحتمل دخله في الواجب وهو الوضوء ، وقد أشرنا فيما سبق إلى أن الأمر بذلك إرشاد إلى اشتراط الصلاة بالوضوء ، ولم يقيد الوضوء بشيء من نيّة الوجوب أو الندب لا وصفاً ولا غاية ، كما أنه غير مقيد بنيّة وجه الوجوب أو غيره مما قدمناه ذكره ، فمقتضى إطلاق الكتاب كاطلاق السنة والروايات عدم اعتبار شيء من ذلك في صحة الوضوء .

   نعم ، خرجنا عن إطلاقهما في الحكم باعتبار نيّة القربة وقصد الامتثال بالارتكاز المتشرعي المتأكد ببعض الروايات .

   وأمّا إذا قلنا باستحالة ذلك وعدم إمكان أخذ قصد الأمر وتوابعه في متعلق الأمر الأوّل ولا الثاني ، وبنينا أيضاً على وجوب تحصيل الغرض ـ  كما بنى عليه صاحب الكفاية (قدس سره) (2)  ـ فمقتضى ذلك وإن كان هو الالتزام باعتبار كل ما يحتمل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 165 ، أجود التقريرات 1 : 115 .

(2) كفاية الاُصول : 74 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net