صحّة الوضوء إذا دخل الوقت في أثنائه - قصد الغاية المستحبّة دون الواجبة إذا اجتمعتا 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6649


ــ[54]ــ

   [ 571 ] مسألة 32 : إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت وفي أثنائه دخل لا إشكال في صحّته (1) وأ نّه متّصف بالوجوب ((1)) باعتبار ما كان بعد الوقت من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أسبابه لا من ناحية غاياته ، حيث قالوا إن الغسل من جهة الحيض طبيعة ومن ناحية الجنابة طبيعة اُخرى وهكذا ، وإن كانت هذه الطبائع تتداخل فيما إذا أتى بالغسل الواحد ناوياً للجميع ، وقد ذكرنا أن التعدّد في طبيعة الوضوء من حيث الغايات لم يثبت فقلنا بكونه طبيعة واحدة وماهيّة فاردة ، فتعدّد الماهية والطبيعة غير مشروع إلاّ أن النّذر إنما تعلق بالفرد لا بالماهية والطبيعة ، فقد نذر أن يأتي بفرد من الوضوء لغاية كذا ، وأيضاً نذر أن يأتي بفرد آخر منه لغاية اُخرى ، والتعدّد في الفرد أمر سائغ شرعاً لبداهة أنه يجوز للمكلّف أن يتوضأ لصلاة الفريضة ثمّ يأتي بوضوء آخر لها ثانياً ، فان التجديد للفريضة مستحب حيث إن الوضوء على الوضوء نور على نور فلا مانع من نذر التعدّد في الوضوء هذا أوّلاً .

   وثانياً : أنا لو سلمنا ـ فرضاً ـ عدم مشروعية تجديد الوضوء للفريضة أيضاً ، أو قلنا بأن التجديد إنما يسوغ فيما إذا أتى به ثانياً بعنوان التجديد لا بعنوان كونه مقدّمة لغاية اُخرى أيضاً ، لا مانع من صحّة نذر التعدّد في الوضوء ، وذلك لأنه متمكن من أن يأتي بفرد من الوضوء أوّلاً ثمّ ينقضه ثانياً بالحدث ثمّ يأتي بفرد آخر من الوضوء وفاء لنذره ، فإنه مع التمكن من إبطال وضوئه الأوّل لا مانع من أن ينذر التعدّد ، لأنه لم ينذر أن يأتي بوضوءين متعاقبين بل له أن يحدث بينهما ، ومعه لا إشكال في مشروعية الفرد الثاني من الوضوء ، فنذر التعدّد في الوضوء مما لا إشكال فيه .

    إذا دخل الوقت في أثناء الوضوء

   (1) نسب إلى العلاّمة (قدس سره) الحكم ببطلان الوضوء حينئذ والحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا مبني على اتصاف المقدّمة بالوجوب الغيري ، وقد مرّ ما فيه .

ــ[55]ــ

أجزائه وبالاستحباب بالنسبة إلى ما كان قبل الوقت ، فلو أراد نيّة الوجوب والندب نوى الأوّل بعد الوقت والثاني قبله .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالاستئناف ، نظراً إلى أن ما قصده المكلّف قبل دخول الوقت من الاستحباب لا واقع له ، لعدم تمكنه في الواقع من إتيان العمل المستحب وإنهائه لفرض دخول الوقت في أثنائه وتبدّل استحبابه بالوجوب. ولا يتمكّن من قصد الوجوب إذ لا وجوب قبل دخول الوقت فلا محالة يبطل وضوءه ويجب
استئنافه (1) هذا .

   ولكن الصحيح وفاقاً للماتن صحّة هذا الوضوء وعدم وجوب الاستئناف فيه . والوجه في حكمنا بصحّته أنه لا يتوجه إشكال في صحّة الوضوء على جميع المحتملات في المسألة ، حيث إن فيها احتمالات : لأنا إن قلنا بعدم اتصاف المقدّمة بالوجوب الغيري أصلاً كما بنينا عليه وقلنا إنه
الصحيح (2) فلا إشكال في المسألة ، لأن الوضوء حينئذ باق على استحبابه بعد الوقت أيضاً ولم يتبدل ولم ينقلب إلى الوجوب فهو متمكن من إتيان العمل المستحب من أوّله إلى آخره .

   وأمّا إذا قلنا بوجوب المقدّمة وخصصنا وجوبها بالمقدّمة الموصلة ـ كما هو المختار على تقدير القول بالوجوب الغيري في المقدّمة ـ فكذلك لا إشكال في المسألة فيما إذا لم يوصله هذا الوضوء إلى الفريضة ، كما إذا قرأ القرآن بعد ذلك ثمّ أحدث ثمّ توضأ للفريضة . وكذلك الحال فيما إذا خصصنا وجوبها بما إذا قصد به التوصل إلى ذيها كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (3) إذا لم يقصد المكلّف من وضوئه هذا التوصّل إلى الفريضة ، فان الوضوء حينئذ باق على استحبابه بعد الوقت ولم يتبدل إلى الوجوب ، فالمكلف يتمكن من إتيان العمل المستحب الذي قصده قبل دخول الوقت من مبدئه إلى منتهاه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النهاية 1 : 33 .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 438 .

(3) مطارح الأنظار : 72 / 8  .

ــ[56]ــ

   وأمّا إذا قلنا بوجوب المقدّمة مطلقاً ، أو خصصناه بالموصلة مع فرض كون الوضوء موصلاً له إلى الواجب ، أو خصصناه بما قصد به التوصل إلى ذيها وفرضنا أن المكلّف قصد به التوصل إليه ، فأيضاً لا إشكال في المسألة فيما إذا قلنا إن متعلق الأمر الغيري ليس هو متعلق الأمر الاستحبابي ليكونا في عرض واحد ، وإنما متعلق الأمر الغيري هو إتيان العمل امتثالاً لأمره الاستحبابي ـ لا ذات العمل ـ فهما طوليان ، نظير ما إذا نذر صلاة الليل أو استؤجر للصلاة عن الغير أو حلف باتيان الفريضة ، حيث إن متعلق الأمر النّذري أو الحلفي أو الإجاري ليس هو ذات العمل ـ كالغسلتين والمسحتين في الوضوء ـ حتى يكون في عرض الأمر المتعلق به نفساً ، وذلك لأن ذات العمل غير مفيدة في حق الحي والميت وإنما المفيد هو الإتيان بالذات امتثالاً لأمرها وهو متعلق للأمر النّذري وشقيقيه . وعليه أيضاً لا إشكال في المسألة لعدم ارتفاع الاستحباب عن الوضوء بعد دخول وقته ، بل هو باق على استحبابه وغاية الأمر طرأ عليه الأمر الغيري بعد الوقت ، فالمكلّف متمكن من إتيان العمل المستحب من مبدئه إلى منتهاه .

   وأما إذا قلنا إن متعلق الأمر الغيري هو الذات وأنه مع الأمر الاستحبابي في عرض واحد فعليه أيضاً لا إشكال في المسألة ، لأن المرتفع حينئذ بعد دخول الوقت هو حدّ الاستحباب ومرتبته لا ملاكه وذاته لأنه باق على محبوبيّته ، وغاية الأمر قد تأكد طلبه فصار الاستحباب بحدّه مندكاً في الوجوب ، وأما بذاته وملاكه فهو باق فهو متمكن من إتيان العمل المستحب بذاته لا بحدّه فلا إشكال في المسألة . هذا كلّه على أنه لا محذور في اتصاف عمل واحد بالاستحباب بحسب الحدوث وبالوجوب بحسب البقاء حتى في الوجوب النفسي فضلاً عن الوجوب الغيري . ولقد وقع ذلك في غير مورد في الشريعة المقدّسة وهذا كما في الحج المندوب ، لأنه بعد الدخول والشروع فيه يجب إتمامه ، وكذا في نذر إتمام المستحب بعد الدخول فيه ، وفي عبادات الصبي إذا بلغ في أثنائها ، لأنها حين دخوله فيها مستحبة وفي الأثناء تتصف بالوجوب ، فهل يمكن الإشكال في صحّة هذه الاُمور حينئذ ؟ كلاّ .

ــ[57]ــ

   [ 572 ] مسألة 33 : إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء ولم يكن عازماً على إتيانها فعلاً فتوضّأ لقراءة القرآن فهذا الوضوء متّصف بالوجوب ((1)) (1) وإن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 والسرّ في ذلك أن الاستحباب والوجوب ـ بعد اتحاد الطبيعة المتعلقة بهما لضرورة أن الوضوء الذي يؤتى به لقراءة القرآن أو قبل الوقت هو الذي يؤتى به للفريضة أو بعد دخول وقتها ـ إما أن يكونا مرتبتين من الطلب ، فالاستحباب مرتبة ضعيفة منه والوجوب مرتبة قويّة ، وعليه فالطلب الداعي للمكلف إلى الإتيان بالوضوء قبل الوقت طلب واحد شخصي باق إلى المنتهى ، لأن الاختلاف في المرتبة لا ينافي التشخص والوحدة ، كالبياض الضعيف والقوي لأنه شيء واحد لا متعدِّد . وإما أنهما اعتبار واحد وإنما يختلفان بانضمام الترخيص إليه وعدمه فإن انضم إليه الترخيص في الترك فيعبر عنه بالاستحباب ، وإن لم ينضم يعبر عنه بالوجوب ، وعليه فالأمر أوضح لأنهما شيء واحد وقد أتى المكلّف العمل بداعي هذا الاعتبار وإن انضم إليه الترخيص في الترك قبل دخول الوقت ولم ينضم إليه بعده ، نعم لا بدّ من فرض وحدة الطبيعة وعدم تعدّدها كما بيّناه .

   فإذا كان هذا حال الاسـتحباب والوجوب النفسي فما ظنّك بالاسـتحباب والوجوب الغيري الذي لا نقول به أوّلاً ، وعلى تقدير القول به نخصصه بالموصلة أو بقصد التوصل ، وعلى تقدير التعميم أو فرض كونه موصلاً أو مقصوداً به التوصل نرى أن متعلقه هو الوضوء المأتي به امتثالاً لأمره الاستحبابي ، وعلى تقدير أن متعلقه هو الذات لا نراه منافياً لذات الاستحباب وملاكه وإن كان منافياً لحدّه ومرتبته . فكيف كان ، لا إشكال في المسألة .

   (1) بناء على وجوب مقدّمة الواجب مطلقا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا مبني على عدم اعتبار الإيصال في اتصاف المقدّمة بالمطلوبية الغيرية على القول به ، وهو خلاف التحقيق .

ــ[58]ــ

لم يكن الداعي عليه الأمر الوجوبي ، فلو أراد قصد الوجوب والندب لا بدّ أن يقصد الوجوب الوصفي والندب الغائي بأن يقول : أتوضأ الوضوء الواجب امتثالاً للأمر به لقراءة القرآن (1) ، هذا ولكن الأقوى أن هذا الوضوء متصف بالوجوب والاستحباب معاً ولا مانع من اجتماعهما (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ولا يتمكن من أن يقصد الاستحباب الوصفي ، لعدم كون الوضوء مستحباً حيث فرضنا أن مقدّمة الواجب واجبة .

   (2) ما أفاده في هذه المسألة من أوّلها إلى آخرها يبتني على اُمور :

   الأوّل : أن نقول بوجوب مقدّمة الواجب ، إذ لو أنكرنا وجوبها فالوضوء مستحب لا وجوب فيه حتى يأتي به بوصف كونه واجباً ويجتمع مع الاستحباب أو لا يجتمع .

   الثاني : أن نعمم وجوب المقدّمة إلى مطلقها ولا نخصصها بالموصلة أو بما قصد منه التوصل به إلى الواجب ، وإلاّ لم يكن الوضوء واجباً في مفروض الكلام لعدم كونه موصلاً إلى الواجب ، لأنه يأتي بعده بغاية مندوبة على الفرض ولا يأتي بغاية واجبة كما أنه قصد به التوصل إلى الغاية المندوبة لا إلى الواجبة .

  الثالث : أن يكون المقام من صغريات كبرى جواز اجتماع الأمر والنهي ، لأن الماتن (قدس سره) إنما نفى المانع من اجتماع الوجوب والاستحباب في المسألة بحسبان أنها من تلك الكبرى التي ألفّ فيها رسالة مستقلّة وهي مطبوعة وبنى على جواز اجتماعهما ، حيث إن الأصحاب (قدس الله أسرارهم) وإن عنونوها بعنوان اجتماع الأمر والنهي إلاّ أن المصرح به في محله عدم خصوصية للوجوب والحرمة في ذلك ، بل المبحوث عنه هناك هو جواز اجتماع كل حكمين متنافيين في شيء واحد بعنوانين كالكراهة والوجوب ، أو الاستحباب والكراهة وهكذا(1) ، وإنما عنونوها بذلك العنوان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 4 : 306 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net