مقتضى القاعدة الأوّليّة في موارد الجبيرة - وضوء الجبيرة في موارد استلزام حلّ الجبيرة للحرج 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6997


ــ[143]ــ

 فصل

في أحكام الجبائر

    وهي الألواح الموضوعة على الكسر والخرق والأدوية الموضوعة على الجروح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في أحكام الجبائر

    إن من كان على موضع من مواضع وضوئه كسر أو قرح أو جرح وقد وضع عليه جبيرة يجب أن يمسح على الجبيرة على تفصيل يأتي عليه الكلام إن شاء الله تعالى . وقبل الشروع في مسائل الجبيرة ننبه على اُمور .

    تنبيهات المسألة :

   الأوّل : أن مقتضى القاعدة الأولية وجوب التيمم على من لم يتمكن من الوضوء أو الغسل ، لثبوت بدليته عنهما بالكتاب والسنّة ، لأن التراب أحد الطهورين وقد قال الله سـبحانه : (فَلَم تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )(1) فلولا الأخبار الواردة في كفاية غسل الجبيرة أو مسحها لحكمنا بانتقال الفريضة حينئذ إلى التيمم لعجز المكلّف عن الوضوء أو الغسل ، وإنما رفعنا اليد عن ذلك بالأدلّة الدالّة على كفاية مسح الجبيرة ، وعليه فلا بدّ من الاقتصار على كل مورد ورد فيه الدليل بالخصوص على كفاية المسح على الجبيرة ، وفي غيره لا مناص من الحكم بوجوب التيمم كما عرفت .

   نعم لو قلنا بتمامية قاعدة الميسور وأن الميسور من كل شيء لا يسقط بمعسوره لانعكس الحال في المقام وكان مقتضى القاعدة الأولية تعيّن مسح الجبيرة من غير أن يجب عليه التيمم ، لأن الطّهارة المائية متقدّمة على الطّهارة الترابية ، وحيث إن المكلّف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 43 ، المائدة 5 : 6 .

ــ[144]ــ

والقروح والدماميل ، فالجرح ونحوه إما مكشوف أو مجبور ، وعلى التقديرين إما في موضع الغسل أو في موضع المسح ، ثمّ إما على بعض العضو أو تمامه أو تمام الأعضـاء ، ثمّ إمّا يمكن غسل المحـل أو مسـحه أو لا يمـكن ، فإن أمكـن ذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

متمكن من الوضوء الناقص فلا يسقط وجوب الميسور منه بتعذر المعسور منه ، لأنّ المتعذر إنما هو مسح جميع الأعضاء وأما مسح بعضها فلا ، فالوضوء الناقص منزل منزلة الوضوء التامّ بتلك القاعدة . فمقتضى القاعدة الأولية في موارد الجبيرة هو الوضوء الناقص ومسح الجبيرة من غير أن تنتقل الفريضة إلى التيمم ، لتأخر الطّهارة الترابية عن الطّهارة المائية .

   إلاّ أنا ذكرنا في محلِّه أن الأخبار الواردة في تلك القاعدة غير تامّة للمناقشة في سندها أو في دلالتها (1) ، نعم في العمومات الانحلالية لا مناص من الالتزام بتلك القاعدة إلاّ أنه لا من جهة ثبوتها تعبّداً بل من جهة ثبوتها عقلاً ، لاستقلال العقل بأن وجوب امتثال كل حكم إنما يتبع قدرة المكلّف لمتعلقه لا لقدرته على متعلق حكم آخر ، فإذا كان زيد مديوناً لعمرو خمسة دراهم ولم يتمكّن إلاّ من ردّ درهم واحد وجب ردّه لتمكّنه من امتثال الأمر بردّه وإن لم يتمكّن من امتثال الأمر برد غيره من الدراهم ، وهكذا في غيره من موارد الانحلال . وأمّا في المركّبات والمقيّدات فلم يقم دليل على وجوب مقدار منهما إذا تعذّر بعض أجزائها .

   نعم لو تمّت رواية عبد الأعلى مولى آل سام في رجل عثر فوقع ظفره وجعل على إصبعه مرارة كيف يمسحها ؟ قال : يعرف حكم هذا وأشباهه من كتاب الله سبحانه وهو قوله: (مَا جَعَل عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَج ) امسح على المرارة(2) ، لقلنا بثبوت قاعدة الميسور ولو في خصوص الوضوء ، وذلك لأنّ المتعذر إنما هو خصوصية المسح على البشرة وأمّا مطلق المسح فهو غير متعذر في مورد الرواية ، ومن هنا أمره بالمسح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 477 .

(2) الوسائل 1 : 464 / أبواب الوضوء ب 39 ح 5 .

ــ[145]ــ

على المرارة وقال : إنه وأشباهه يعرف من كتاب الله . فتدلّ على أن الوظيفة في جميع هذه الموارد هو المسح على الجبيرة من دون أن ينتقل الأمر إلى التيمم . إلاّ أن الرواية ضعيفة السند كما أن دلالتها كذلك ، وذلك لأن المسح على المرارة مما لا يعرف من كتاب الله قطعاً ، لأن العرف لا يرى المسح على المرارة ميسوراً من المسح على البشرة بل يراهما متعدِّداً ، ومن هنا لو تعذّر المسح على الجبيرة والمرارة أيضاً لم يتوهّم أحد وجوب المسح على الحائط مثلاً بدعوى أن المتعذر إنما هو خصوصية المسح على المرارة وأمّا أصل المسح ولو بالمسح على الجدار فهو أمر ممكن ، ولعلّه ظاهر ، وإنما يعرف منه سقوط الأمر بمسح البشرة لتعذّره وأمّا أن المسح على المرارة واجب فممّا لا يمكن استفادته من الكتاب ، فقوله (عليه السلام) : امسح على المرارة . على تقدير صحّة الرواية حكم خاص أنشأه الإمام(عليه السلام) في مورده ، ولا دليل على التعدِّي منه إلى غيره .

   فالمتحصل من ذلك : أن مقتضى القاعدة الأولية في موارد الجبيرة هو التيمم ، ففي كل مورد ثبت كفاية غسل الجبيرة أو المسح عليها فهو وإلاّ فلا بدّ من الحكم بوجوب التيمم بمقتضى الكتاب والسنّة .

   الأمر الثاني : أن في موارد الجبيرة إذا أمكن غسل البشرة أو مسحها برفع الجبيرة من غير أن يكون في وصول الماء إليها ضرر ولا في رفع الجبيرة وشدّها حرج ومشقة ، فلا إشكال في وجوب غسل البشرة أو مسحها برفع الجبيرة بمقتضى أدلّة وجوبهما ، فإن الأخبار الواردة في الجبائر الآمرة بالمسح على الجبيرة إنما هي فيما إذا كان في وصول الماء إلى البشرة ضرر متوجه إلى المكلّف ، ومع عدمه فلا تشمله الأخبار فيتعيّن غسلها ولعله ظاهر .

   وأما إذا كان في حل الجبيرة وشدّها مشقّة ولم يكن في وصول الماء إلى البشرة ضرر ، فهل يكفي جعل موضع الجبيرة في الماء وارتماسه فيه حتى يصل الماء إلى تحتها و هو البشرة أو لا بدّ من المسح على الجبيرة ؟ أما إذا كانت الجبيرة في مواضع المسح فجعل موضع الجبيرة في الماء مما لا إشكال في عدم كفايته ، لأن الواجب هو المسح

ــ[146]ــ

بلا مشقّة ولو بتكرار الماء عليه حتى يصل إليه لو كان عليه جبيرة أو وضعه((1)) في الماء حتى يصل إليه بشرط أن يكون المحل والجبيرة طاهرين أو أمكن تطهيرهما وجب ذلك ، وإن لم يمكن إما لضرر الماء أو للنجاسة وعدم إمكان التطهير((2))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولا يتحقق المسح بوصول الماء إلى البشرة . وأما إذا كانت الجبيرة في مواضع الغسل وفرضنا تحققه برمس موضع الجبيرة في الماء بأن تحقق به مفهوم الغسل أعني جريان الماء على البشرة ولو بأدنى مرتبة منه ، فظاهر جماعة ومنهم الماتن (قدس سره) كفايته ووجوبه .

   والتحقيق : أن غسل الموضع إذا كان ممكناً مع التحفظ على الترتيب المعتبر في الوضوء أعني غسل العضو من الأعلى إلى الأسفل كما إذا كان متمكناً من رفع الجبيرة ، فلا إشكال في تعينه ولزوم رفعها مقدّمة لتحقق الغسل المعتبر في الوضـوء وكما إذا لم يكن عليه جبيرة أصلاً فانّ الغسل وإيصال الماء إلى البشرة مترتباً معتبر في الوضوء، كان على الموضع جبيرة أم لم يكن ، فعلى تقدير وجودها يتعيّن رفعها مقدّمة. وأمّا إذا لم يمكن غسله مع الترتيب ففي كفاية وضع الموضع على الماء ووصول الماء إلى البشرة ولو مع تحقق مفهوم الغسل إشكال ، لعدم حصول الترتيب المعتبر معه .

   وأمّا ما قد يتوهّم في المقام من الاستدلال على كفاية وضع المحل في الماء وإن فاته الترتيب المعتبر في الوضوء بموثقة عمار أو إسحاق بن عمار ، حيث أسندها إلى كل منهما في الوسائل عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا يقدر أن يحلّه لحال الجبر إذا جُبّر كيف يصنع ؟ قال : إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء ويضع موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى جلده

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاكتفاء به مع عدم حصول الترتيب محل إشكال ، بل الأظهر رعاية الترتيب حينئذ .

(2) الظاهر أنه لا يجري حكم الجبيرة عند عدم إمكان تطهير المحل النجس بلا ضرر في الغسل بل يتعين فيه التيمم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net