هل تقبل شهادة الضيف والأجير قبل وبعد مفارقته لصاحبه ؟ - هل تقبل شهادة المملوك لمولاه وعليه ولغيره وعلى غيره ؟ 

الكتاب : مبـاني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الأول : القضاء   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5804


   (مسألة 92) : تُقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له (2) ، وكذلك الأجير بعد مفارقته لصاحبه (3) ، وأمّا شهادته لصاحبه قبل مفارقته ففي جوازها إشكال ، والأظهر عدم القبول (4) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــ
   (2) بلا خلاف ظاهر، وتدلّ عليه ـ مضافاً إلى العمومات ـ معتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا بأس بشهادة الضيف إذا  كان عفيفاً صائناً . قال  : ويكره شهادة الأجير لصاحبه ، ولا بأس بشهادته لغيره ، ولا بأس به له بعد مفارقته» (1) .

   (3) للعمومات والإطلاقات ومعتبرة أبي بصير المتقدّمة ، وصحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثمّ فارقه ، أتجوز شهادته بعد أن يفارقه ؟ «قال (عليه السلام) : نعم» الحديث (2) .

   (4) بيان ذلك: أنّه اختلفت كلمات الأصحاب في قبول شهادة الأجير لصاحبه، فقد نسب عدم القبول إلى أكثر المتقدّمين ، منهم : الشيخ في النهاية (3) ، كما أ نّه نسب القبول إلى المشهور بين المتأخّرين.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 372 /  كتاب الشهادات ب 29 ح 3 .

(2) الوسائل 27 : 371 /  كتاب الشهادات ب 29 ح 1 .

(3) النهاية : 325 .

ــ[124]ــ

   (مسألة 93) : تقبل شهادة المملوك لمولاه ولغيره وعلى غيره (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   واستدلّ على القبول بالعمومات وخصوص موثّقة أبي بصير المتقدّمة ، بناءً على إرادة المعنى المصطلح عليه من الكراهة .

   واستدلّ على عدم القبول بعدّة روايات ، عمدتها موثّقة سماعة ، قال : سألته عمّا يردّ من الشهود «قال : المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير» الحديث (1) . بعد تقييدها بما قبل المفارقة لما تقدّم ، وموثّقة أبي بصير الآنفة الذكر ، بناءً على إرادة الحرمة من الكراهة ، وحملها على المعنى اللغوي .

   أقول : إنّ العمومات إنّما يصحّ التمسّك بها فيما إذا لم يتمّ الاستدلال بالنصوص الخاصّة ، فإن تمّت دلالتها فلا مجال للرجوع إلى العمومات . ولا ريب في أنّ موثّقة سماعة ظاهرة في عدم قبول شهادة الأجير، كما أنّ موثّقة أبي بصير ظاهرة في ذلك، فإنّ الكراهة بالمعنى المصطلح لايمكن إرادتها في المقام، إذ لو كانت شهادة الأجير مقبولة لوجبت عليه الشهادة ، لما سيأتي من وجوب أداء الشهادة عند طلبها عيناً (2)، فكيف يمكن الحكم بكراهتها؟! وحمل الشهادة على الإشهاد خلاف الظاهر جدّاً ، بل ينافيه سياق الموثّقة ، فحينئذ لا مناص من تقييد العمومات والمطلقات بهما ، والالتزام بعدم قبول شهادة الأجير لصاحبه قبل مفارقته .  

   (1) على المشهور شهرة عظيمة، خلافاً لجماعة ، فقيل : لاتقبل شهادته أصلاً، وهو مختار
العماني (3)، ونسبه في المسالك إلى أكثر العامّة (4) ، وعن الشيخ : أ نّه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 378 /  كتاب الشهادات ب 32 ح 3 .

(2) في ص 170 .

(3) فتاوى ابن أبي عقيل (ضمن رسالتان مجموعتان من فتاوى العلمين) : 153 .

(4) المسالك 14 : 205 .

ــ[125]ــ

مذهب عامّتهم (1) ، وعن كنز العرفان : أ نّه مذهب الفقهاء الأربعة (2) .

   وقيل : لا تقبل على الحرّ المسلم خاصّة دون غيره ، وهو مختار الإسكافي (3) .

   ومنشأ الخلاف هو اختلاف الروايات ، وهي على طوائف :

   الطائفة الاُولى :  ما تدلّ على قبول شهادة العبد مطلقاً :

   منها : صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً» (4) .

   ومنها : صحيحته الاُخرى ، قال : دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر (عليه السلام) فسألاه عن شاهد ويمين «فقال : قضى به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ـ إلى أن قال : ـ إنّ عليّاً (عليه السلام) كان قاعداً في مسجد الكوفة ، فمرّ به عبدالله بن قفل التميمي ومعه درع طلحة ، فقال علي (عليه السلام) : هذه درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال له عبدالله ابن قفل : اجعل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين ، فجعل بينه وبينه شريحاً ، فقال علي (عليه السلام) : هذه درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال له شريح : هات على ما تقول بيّنة ـ إلى أن قال : ـ فدعا قنبراً فشهد أ نّها درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة، فقال شريح: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك ، قال : فغضب علي (عليه السلام) وقال : خذها ، فإنّ هذا قضى بجور ثلاث مرّات ـ إلى أن قال : ـ ثمّ أتيتك بقنبر فشهد أ نّها درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة ، فقلت : هذا مملوك وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا»

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه في الرياض (حجري) 2 : 437 .

(2) كنز العرفان 2 : 53 .

(3) حكاه في الجواهر 41 : 91 .

(4) الوسائل 27 : 345 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 1 .

ــ[126]ــ

الحديث . وروى محمّد بن قيس في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قصّة علي (عليه السلام) مع شريح وزاد في آخرها «ثمّ قال : إنّ أوّل من ردّ شهادة المملوك رمع» (1) .

   وتؤيّد ذلك رواية بريد عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن المملوك تجوز شهادته ؟ «قال : نعم ، إنّ أوّل من ردّ شهادة المملوك لفلان» (2) ، وقريب منها رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) (3) .

   الطائفة الثانية :  ما تدلّ على عدم قبول شهادته مطلقاً .

   منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن شهادة ولد الزنا «فقال : لا ولا عبد» (4) .

   ومنها : معتبرة سماعة ، قال : سألته عمّا يردّ من الشهود «فقال : المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد» (5) .

   ومنها : معتبرة إسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر، عن أبيه ، عن علي (عليهم السلام) «قال : إنّ شهادة الصبيان إذا شهدوا وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها، وكذلك اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم ، والعبد إذا شهد بشهادة ثمّ اُعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يعتق . وقال علي (عليه السلام) : وإن اُعتق لموضع الشهادة لم تجز شهادته» (6) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 265 /  أبواب كيفية الحكم ب 14 ح 6 ، الفقيه 3 : 63 / 213 .

(2) الوسائل 27 : 345 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 2 .

(3) الوسائل 27 : 345 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 3 .

(4) الوسائل 27 : 376 /  كتاب الشهادات ب 31 ح 6 .

(5) الوسائل 27 : 378 /  كتاب الشهادات ب 32 ح 3 .

(6) الوسائل 27 : 349 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 13 .

ــ[127]ــ

   ومنها : صحيحة أبي بصير، قال: سألته عن شهادة المكاتب كيف تقول فيها ؟ قال: «فقال: تجوز على قدر ما اُعتق منه إن لم يكن اشترط عليه أ نّك إن عجزت رددناك ، فإن كان اشترط عليه ذلك لم تجز شهادته حتى يؤدّي» الحديث (1) .

   أقول :  هذه الطائفة معارضـة بالطائفة الاُولى بالتباين ، ولا شكّ في تقدّم الطائفة الاُولى على الثانية ، لموافقتها للكتاب ، وموافقة الثانية للعامّة ، كما يظهر ذلك من نفس صحيحة محمّد بن قيس أيضاً .

   وأمّا ما في التفسير المنسوب إلى العسكري (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «قال : كنّا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يذاكرنا بقوله  تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا  شَهِيدَيْنِ مِن رِجْالِكُمْ ) قال: أحراركم دون عبيدكم» الحديث (2).

   فهو لعدم ثبوته غير قابل للاستدلال به .

   بقي الكلام في الطائفة الثالثة :  وهي ما دلّت على اختصاص قبول شهادة العبد بموارد خاصّة ، فهي إن تمّت كانت شاهد جمع بين الطائفتين المتقدّمتين ، ولكنّها لا تتمّ ، وهي عدّة روايات :

   الاُولى : معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل المملوك المسلم تجوز شهادته لغير مواليه ؟ «قال : تجوز في الدين والشيء اليسير» (3) .

   وهذه الرواية لا دلالة فيها على عدم قبول شهادة العبد للموالي بوجه ، فإنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 349 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 14 .

(2) الوسائل 27 : 350 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 15 ، تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 656 / 374 ، والآية في سورة البقرة 2 : 282 .

(3) الوسائل 27 : 347 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 8 .

ــ[128]ــ

السؤال إنّما هو عن الشهادة لغير الموالي ، ولا مفهوم لها أصلاً . وأمّا بالنسبة إلى اختصاص قبول شهادته لغير مواليه بالدين والشيء اليسير فهذا لا قائل به منّا ، فلا مناص من حمل الرواية على التقيّة . على أنّ صحيحتي عبدالرحمن بن الحجّاج ومحمّد بن قيس قد دلّتا صريحاً على قبول شهادة المملوك في درع طلحة، بل يظهر منهما أنّ قبول شهادة المملوك لا يختصّ بمورد النزاع .

   الثانية : صحيحة جميل ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المكاتب تجوز شهادته ؟ «فقال : في القتل وحده» (1) .

   وهذه الرواية أيضاً لا بدّ من حملها على التقيّة ، لعين ما ذكرناه في الرواية الاُولى . ويزيد على ذلك : أنّ تخصيص ما دلّ على قبول شهادة المملوك بالقتل وحده تخصيصٌ بفرد نادر وهو مستهجن .

   الثالثة : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحـدهما (عليهما السلام) «قال : تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب ، وقال : العبد المملوك لا تجوز شهادته» (2) .

   الرابعة : صحيحته الاُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : لا تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم» (3) .

   أقول :  وهاتان الصحيحتان معارضتان بصحيحة محمّد بن مسلم الثالثة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 348 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 9 .

(2) الوسائل 27 : 348 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 10 .

(3) الوسائل 27 : 348 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 12 .

(4) الوسائل 27 : 346 /  كتاب الشهادات ب 23 ح 5 ، التهذيب 6 : 249 / 636 ، الاستبصار 3 : 16 / 44 .

ــ[129]ــ

وأمّا شهادته على مولاه ففي قبولها إشكال ، والأظهر القبول (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذه الصحيحة رواها الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب ، ورواها بإسناده عن محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن الحسن بن محبوب . والموجود في نسخة الفقيه التي عندنا كما ذكره الشيخ (1) ، ولكن في الوسائل أنّ في نسخة من الفقيه كلمة : «لا يجوز» بدل : «يجوز» .

   أقول :  المظنون قويّاً أنّ ما ذكره من النسخة فيها تحريف ، وعلى تقدير تسليم اختلاف  النسخة يكفي في المعارضة ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب ، أضف إلى ذلك أنّ الروايتين معارضتان بصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج وصحيحة محمّد بن قيس المتقدّمتين (2) اللتين كان موردهما الشهادة على الحرّ ، فلا مناص من حمل الصحيحتين على التقيّة .

   فالمتحصّل ممّا ذكرناه :  أنّ ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح ، وأنّ ما دلّ على عدم قبول شهادة العبد محمول على التقيّة . ومن هنا يظهر حال بقيّة الأقوال في المسألة .

   (1) وجه الإشكال : أنّ كثيراً من الأصحاب ذهبوا إلى عدم قبول شهادة العبد على مولاه ، بل ادّعى عليه الإجماع في السرائر والانتصار والغنية (3) . واستدلّ على ذلك بعدّة اُمور :

   الأوّل :  دعوى الإجماع على ذلك .

   وفيه : أنّ هذه الدعوى خاطئة ، فإنّ الإجماع الكاشف عن قول المعصوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 3 : 26 / 69 .

(2) في ص 125 و 126 .

(3) السرائر 2 : 135 ، الغنية 2 : 440 ، الانتصار : 499 .

ــ[130]ــ

(عليه السلام) غير متحقق جزماً .

   وقد مال الشهيد الثاني (قدس سره) إلى القبول(1)، ونسبه في الجواهر إلى جماعة من المتأخّرين(2).

   الثاني :  قياس العبد بالولد، فكما أنّ شهادة الولد لا تقبل على الوالد ، فكذلك شهادة العبد على سيّده .

   ولكنّه يندفع أوّلاً : بأنّ الحكم في المقيس عليه غير ثابت كما تقدّم (3) .

   وثانياً : بأ نّه قياس محض ولا نقول به .

   الثالث :  أ نّه لا يقبل إقرار العبد على نفسه ، باعتبار أ نّه إقرار على المولى ، ولو أنّ شهادته كانت مقبولة على سيّده كان إقراره أيضاً مقبولاً .

   وفيه : أ نّه لا ربط لأحدهما بالآخر أصلاً ، فإنّ عدم نفوذ إقراره على نفسه باعتبار أ نّه إقرار في حقّ الغير، ودليل حجّيّة الإقرار لايشمل مثله ، وهذا بخلاف دليل حجّيّة الشهادة ، فإنّه عامّ ولا مخصّص له ولا مقيّد .

   بقي هنا شيء :  وهو أ نّه قد يجمع بين ما دلّ على قبول شهادة العبد وما دلّ على عدم قبولها ، بحمل الطائفة الاُولى على غير الشهادة على المولى ، وحمل الطائفة الثانية على الشهادة على المولى ، ونسب هذا الجمع إلى جماعة ، منهم الشيخ (قدس سره)  (4) .

   وغير خفي أنّ هذا النحو من الجمع هو من أظهر موارد الجمع التبرّعي الذي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المسالك 14 : 204 ـ 205 .

(2) الجواهر 41 : 92 .

(3) في ص 117 ـ 119 .

(4) التهذيب 6 : 249 / 639 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net