حدّ الزاني \ حكم ما لو زنى بذات محرم له 

الكتاب : مبـاني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الأول : القضاء   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8456


ــ[229]ــ

   حدّ الزاني

   (مسألة 151): من زنى بذات محرم له ـ كالاُمّ والبنت والاُخت وما شاكل ذلك ـ يقتل بالضرب بالسيف في رقبته(1)،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بأحكام المسلمين» (1) .

   (1) بلا خلاف بين الأصحاب ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :

   منها : صحيحة أبي أيّوب ، قال: سمعت ابن بكير بن أعين يروي عن أحدهما (عليهما السلام) «قال : من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضُرِبَ ضربةً بالسيف أخذت منه ما أخذت ، وإن كانت تابعة ضُرِبَت ضربةً بالسيف أخذت منها ما أخذت» قيل له : فمن يضربهما وليس لهما خصم ؟ «قال : ذاك على الإمام إذا رفعا إليه» (2) .

   وقد يقال :  إنّ هذه الصحيحة أو ما شاكلها لا تدلّ على القتل ، وإنّما تدلّ على وجوب ضربة واحدة بالسيف بلغت ما بلغت ، سواء أترتّب عليها القتل أم لم يترتّب ، فلا ملازمة بين الأمرين .

   ويدفعه : أنّ المراد بقوله (عليه السلام) : «أخذت منه ما أخذت» أ نّه لايعتبر مقدار خاصّ في بلوغ السيف ، وأمّا ترتّب القتل عليه فهو أمر عادي لا يتخلّف عنه عادةً ، ويكشف عن ذلك قوله (عليه السلام) في صحيحة جميل بن درّاج ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف؟ أين هذه الضربة؟ «قال: تضرب عنقه. أو قال : تضرب رقبته» (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 219 /  أبواب ديات النفس ب 13 ح 8 .

(2) الوسائل 28 : 113 /  أبواب حد الزنا ب 19 ح 1 .

(3) الوسائل 28 : 114 /  أبواب حد الزنا ب 19 ح 3 .

ــ[230]ــ

   فإنّ المتفاهم عرفاً من ضرب العتق بالسيف أو الرقبة هو الضرب المترتّب عليه القتل ، ويؤيّد ذلك تفسير أخذ السيف ما أخذ بالقتل في روايتي سليمان بن هلال (1) .

   وأمّا رواية محمّد بن عبدالله بن مهران ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل وقع على اُخته «قال : يضرب ضربه بالسيف» قلت : فإنّه يخلص «قال : يحبس أبداً حتى يموت» (2) .

   ورواية عامر بن السمط عن علي بن الحسين (عليه السلام) : في الرجل يقع على اُخته «قال : يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت ، فإن عاش خلد في السجن حتى يموت» (3) .

   فلم نجد قائلاً بمضمونهما ، على أنّ الرواية الاُولى مرسلة من جهتين ، ومحمّد ابن عبدالله بن همران غال كذّاب ، وعامر بن السمط في الرواية الثانية لم تثبت وثاقته ، على أنّ في نسخة الفقيه المرويّ عنها الرواية : عمرو بن السمط ، وهو مهمل ، فالروايتان لا يمكن الاعتماد عليهما .

   ثمّ إنّ الروايات ظاهرة في تعيّن الضرب بالسيف في رقبته ، فما يظهر من إطلاق كلام بعضهم ـ من جواز الاكتفاء بالقتل بالسيف وإن لم يكن قتله بالضرب بالعنق ، أو جواز الاكتفاء بالقتل مطلقاً وإن لم يكن بالضرب بالسيف  ـ لا يمكن المساعدة عليه ، حيث إنّه خلاف ظاهر روايات الباب ، فلا موجب لرفع اليد عن ظهورها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 153 / أبواب حد اللواط ب1 ح2 ، الوسائل 28 : 359 / أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 7 .

(2) الوسائل 28 : 114 /  أبواب حد الزنا ب 19 ح 4 .

(3) الوسائل 28 : 116 /  أبواب حد الزنا ب 19 ح 10 ، الفقيه 3 : 19 / 46 .

ــ[231]ــ

ولايجب جلده قبل قتله . ولا فرق في ذلك بين المحصن وغيره (1) والحرّ والعبد والمسلم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) على المشهور شهرة عظيمة .

   وعن ابن إدريس : أ نّه إذا لم يكن محصناً يجلد ثمّ يقتل ، وإذا كان محصناً جلد ثمّ رجم (1) .

   ويردّه : أ نّه لا دليل على ثبوت الجلد في المحصن أصلاً ، وأمّا الرجم فيه والجلد في غيره فهما وإن ثبتا بالإطلاقات إلاّ أنّ نسبتها إلى ما دلّ على وجوب القتل بالسيف في الزنا بذات محرم نسبةُ العامّ إلى الخاصّ ، فإنّ نسبته إلى كلٍّ ممّا دلّ على وجوب الجلد في غير المحصن ووجوب الرجم في المحصن وإن كانت نسبة العموم من وجه ، إلاّ أ نّه لا بدّ من تقديم هذه الروايات ، لأ نّها ناظرة إلى إثبات خصوصيّة للزنا بذات المحرم ، فيرفع اليد بها عن إطلاق ما دلّ على ثبوت الجلد أو الرجم .

   على أنّ الروايات الدالّة على أنّ الزاني بذات المحرم يقتل بالسيف أظهر من الروايات الدالّة على أنّ الزاني يجلد أو يرجم ، نظراً إلى أنّ دلالتها على ذلك بالعموم وضعاً، ودلالة تلك بالإطلاق، تقدّم عليها في مورد الاجتماع والمعارضة .

   وأمّا معتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا زنى الرجل بذات محرم حُدَّ حدّ الزاني ، إلاّ أ نّه أعظم ذنباً» (2) .

   فهي وإن دلّت على ثبوت الجلد أو الرجم في الزنا بذات محرم إلاّ أ نّها ظاهرة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السرائر 3 : 438 .

(2) الوسائل 28 : 115 /  أبواب حد الزنا ب 19 ح 8 .

ــ[232]ــ

في عدم وجوب القتل، ولا سيّما بقرينة الاستثناء ، ومعنى ذلك : أ نّه لا خصوصيّة للزنا بذات محرم، وأنّ حكمه حكم الزنا بالأجنبيّة ، وإنّما يختلفان من جهة زيادة الإثم ، فهي معارضة للروايات المتقدّمة الدالّة على لزوم القتل بالسيف ، فتطرح لشذوذها وشهرة تلك الروايات .

   ولا يبعد حملها على التقيّة والله العالم .

   ثمّ إنّ الشيخ (قدس سره) حمل هذه الرواية على التخيير ، وقال ـ بعد ذكر الرواية ـ : فلا ينافي ما قدّمناه من الأخبار من أ نّه يجب عليه ضربة بالسيف ، لأ نّه إذا كان الغرض بالضربة قتله وفيما يجب على الزاني الرجم، وهو يأتي على النفس، فالإمام مخيّر بين أن يضربه ضربة بالسيف أو يرجمه(1).

   وما ذكره (قدس سره) غريب ، فإنّ الرواية لم ترد في خصوص المحصن ، وإنّماوردت في الزنا بذات محرم على الإطلاق ، فكيف يمكن أن يقال : إنّ الإمام مخيّر بين قتله بالسيف وبين رجمه ؟!

   بقي هنا شيء :  وهو أنّ صاحب الجـواهر (قدس سره) نسب إلى بعضهم اختصاص الحكم بذات المحرم من حلال ، فلو كانت من حرام كالزنا لم تكن مشمولة للحكم . وربّما يظهر من كلامه الميل إليه (2) .

   ولكنّه يندفع : بأ نّه لا وجه له أصلاً ، حيث إنّه لا أثر للزنا من هذه الناحية بعد صدق ذات المحرم عليها وعدم انصرافها عنها ولو قلنا بانصرافها عن المحرم بالرضاع والمصاهرة ، وإنّما الأثر لها في مسألة الإرث فحسب ، والفارق وجود النصّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 10 : 23 / 71 .

(2) الجواهر 41 : 313 .

ــ[233]ــ

والكافر والشيخ والشاب(1)، كما لا فرق في هذا الحكم بين الرجل والمرأة إذا تابعته(2)، والأظهر عموم الحكم للمحرم بالرضاع أو بالمصاهرة(3). نعم، يستثنى من المحرم بالمصاهرة زوجة الأب فإنّ من زنى بها يرجم وإن كان غير محصن(4) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لعين ما تقدّم من وجود خصوصيّة للزنا بذات المحرم .

   (2) وذلك لصحيحة أبي أيّوب المتقدّمة  (1) .

   (3) وذلك لإطلاقات الأدلّة الدالّة على ذلك الحكم .

   ودعوى الانصراف إلى المحرمن بالنسب ـ كما عن غير واحد ـ لم يظهر لها وجه صحيح ، فإنّ المراد بالمحرم من حرم نكاحها ، وهو شامل للمحرم بالنسب والرضاع والمصاهرة .

   هذا ، ولكنّ المشهور بين الفقهاء هو اختصاص الحكم بالنسب .

   وعن الشيخ وابن سعيد : إلحاق الرضاع به (2) .

   فإن تمّ إجماع على الاختصاص فهو ، وإلاّ فالظاهر هو عموم الحكم ، كما احتمله الشهيد الثاني في الروضة (3) .

   نعم ، لا يبعد دعوى انصراف ذات المحرم عمّن حرم نكاحها تأديباً ، كما في اللعان والمطلّقة تسعاً ، ومن يحرم نكاحها باللواط ، ونحو ذلك .

   (4) تدلّ على ذلك معتبرة إسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 229 .

(2) المبسوط 8 : 8 ، الجامع للشرائع : 549 .

(3) الروضة البهية 9 : 63 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net