المانع الثالث الرّق‌ 

الكتاب : محاضرات في المواريث   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5980

محاضرات في المواريث؛ ص: 251

المانع الثالث الرّق

من جملة موانع الإرث (الرقيّة) فإن العبد لا يرث و لا يورث.

و جعل هذا من الموانع مبني على أن يكون العبد مالكا- كما اخترناه و قلنا إن العبد يكون مالكا- و إن كان ملكه في طول ملك المولى يعني أن المولى يملكه و يملك ما يملكه.

و قد استدللنا على ذلك بعدّة روايات:

منها: ما دل على أنّه لا زكاة في مال المملوك «1»، فقد فرض أن للمملوك مالا و أنّه لا تتعلّق به الزكاة، كما أنّ مال الصبي و المجنون لا تتعلّق بهما الزكاة.

و أمّا بناء على عدم ملكية العبد فعدم الإرث لعدم المقتضي لا لوجود المانع، كيف نقول بانتقال إرثه إلى وارثه مع فرض أنّه لا مال له؟

و كذلك إذا كان العبد وارثا فهو ليس قابلا للتملّك لينتقل إليه المال، و سيّده ليس بوارث لينتقل إلى السيّد فعدم الإرث إنّما هو لعدم المقتضي لا لوجود المانع.

فكيف ما كان فالروايات متضافرة و عدّة منها صحيحة قد دلّت على أن العبد‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 9: 91 باب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1. عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس في مال المملوك شي‌ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا».

محاضرات في المواريث، ص: 252‌

لا يرث «1»، فإذا مات عبد يكون إرثه لمولاه و لا يرثه الحر، و إذا مات حر و له وارث عبد لا يرثه العبد بل يرثه الحر إن وجد و لو فرضنا أنّ الحر في طبقة متأخّرة عن الوارث العبد، كما إذا فرضنا أنّه مات حر و كان له ابن عبد و لابنه ابن حر يرثه ابن الابن و لا يرثه الابن كما هو مفروض هذه الروايات، فالعبد لا يرث و لا يحجب من هو متأخر عنه.

و هذا لا إشكال فيه و الروايات فيه متضافرة.

و أيضا يجري هنا- في الرقيّة- ما تكلّمنا فيه في الكفر، فإن العبد إذا أعتق قبل القسمة و كان وارثا يشترك معهم إذا كان في طبقتهم، و يتقدّم عليهم إذا كان في الطبقة المتقدّمة عليهم، فلو فرضنا أن للميت ابن عبد و ليس له ابن آخر، و للابن أولاد أحرار، أو لابنه الآخر أولاد، فالورثة أبناء الابن و ليس للابن شي‌ء، فإذا أعتق قبل قسمة المال بما أنّه متقدّم عليهم في الطبقة يختص به المال و يحجبهم، و إذا كان في طبقتهم يشترك معهم.

الروايات هنا متضافرة أيضا كما هو الحال في الكفر فحال الرقيّة حال الكفر من هذه الجهة.

نعم إذا فرضنا أن الوارث واحد و ليس بمتعدّد فلا موضوع للقسمة بمجرد الموت ينتقل المال إلى الوارث الحر، فلا أثر لعتقه بعد ذلك.

فموضوع الحكم العتق قبل القسمة، فإذا لم يكن موضوع للقسمة فلا يجري هذا الحكم و يكون المال لذلك الوارث حتّى لو فرضنا أنّ الوارث الإمام عليه السّلام ليس له‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 26: 43 الباب 16 من أبواب موانع الإرث، ح 1. عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «لا يتوارث الحر و المملوك».

محاضرات في المواريث، ص: 253‌

وارث إلّا الإمام و قد فرضنا أنّه مات و انتقل ماله إلى الإمام فلا أثر لانعتاق الوارث بعد ذلك.

نعم لو فرضنا أنّ الوارث زوجة فهي لا ترث تمام المال- كما تقدّم- بل ترث الربع لعدم الولد، و يكون الباقي للإمام عليه السّلام حينئذ يجري ما ذكرناه: إن قسّم المال فانعتق لا أثر لانعتاقه بعد القسمة، و إذا كان انعتاقه قبل القسمة فيرث و لا ينتقل إلى الإمام.

تقدّم الكلام فيه عند الكلام في الكفر و الحال في الرق هو الحال في الكفر، و الروايات واضحة الدلالة على ذلك.

ثمّ إن هناك مسألة اخرى هي أن الوارث إذا كان منحصرا بالعبد و لم يكن للميت وارث غيره، و كان المال وافيا لشرائه فالمال بمقدار قيمته أو أكثر، ففي هذه الصورة لا ينتقل المال إلى الإمام عليه السّلام بل لا بدّ من شرائه و يعتق بعد ذلك بناء على الاحتياط، و إلّا فلا دليل على لزوم العتق، بل ينعتق بنفسه بالشراء، و يرد إليه بقيّة المال.

و لا فرق بين أن يكون الوارث واحدا أو متعددا فلو فرضنا أنّه مات الميت و له ولدان و كلاهما رقّ و المال يفي بشرائهما فلا بدّ من شرائهما، يجبر المالك على البيع، فإن زاد شي‌ء من المال يعطى الزائد لهما.

و هذا أيضا لا إشكال فيه و الروايات متضافرة.

إلّا أنّه يقع الكلام في أمرين:

الأمر الأوّل: أنّ هذا الوارث هل يشترط أن يكون قريبا للميت بأن يكون من‌

محاضرات في المواريث، ص: 254‌

أحد الطبقات الثلاث؟ أم أنّه يجري ذلك حتّى في ضامن الجريرة، عبد ضمن جريرة أحد بإذن مولاه، فهل يجب شراء هذا العبد و عتقه و إعطاء باقي المال له؟ أم أنّه يختص هذا الحكم بما إذا كان قريبا للميت؟

لم يتعرّض صاحب الجواهر قدّس سرّه لهذه المسألة، و لكن ذكر في كلامه أنّه لا فرق في الوارث المنحصر بين القريب و غير القريب حتّى ضامن الجريرة على إشكال يأتي «1».

الظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في شمول هذا الحكم حتّى لغير القريب كضامن الجريرة فلا بدّ من شرائه و إعطاء بقيّة المال له و لا تصل النوبة إلى الإمام، فإن الروايات الواردة في المقام و إن كانت أكثرها لا تشمل هذه الصورة، فإن موردها أن للميت أمّا أو أخا أو أختا أو عصبة «2»- كما في بعض الروايات- فمثل ضامن الجريرة غير داخل في هذه الروايات، إلّا أنّ معتبرة إسحاق بن عمّار أنّه كان لعلي بن الحسين عليه السّلام مولى فمات فقال: أطلبوا له وارثا فطلبوا فوجدوا له بنتين و لكنّهما أمتان فأمر عليه السّلام بشرائهما و أعطاهما بقية المال «3».

هذه الرواية بحسب السند رواها الشيخ قدّس سرّه بعدة طرق كلّها ضعاف، و لكن الصدوق قدّس سرّه رواها بسنده عن حنان بن سدير عن ابن أبي يعفور عن إسحاق بن عمار، و طريق الصدوق إلى حنان بن سدير صحيح، فالرواية صحيحة على طريق الصدوق.

______________________________
(1) الجواهر 39: 50.

(2) راجع الوسائل 26: 49 و ما بعدها باب 20 من أبواب موانع الإرث.

(3) الوسائل 26: 52 باب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 8، و 26: 240 باب 2 من أبواب ميراث ولاء العتق، ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 255‌

و قوله عليه السّلام: أطلبوا له وارثا ظاهره مطلق الوارث فالحكم ثابت لطبيعي الوارث، و لا خصوصية للأمّ أو الأخت أو البنت، و إن كان في مورد الرواية وجدوا له بنتين، إلّا أن الإمام عليه السّلام ذكر بعنوان الكبرى الكلية اطلبوا له وارثا فإطلاق هذا الكلام يشمل ما إذا كان الوارث ضامن جريرة أيضا، فلو فرضنا أنّ الميّت ليس له وارث إلّا ضامن جريرته مقتضاه أنّه يشتري فيعتق و يعطى باقي المال، فلا خصوصية للأمثلة المذكورة في الروايات من الأخ و الأخت و الأم و غير ذلك. هذه جهة من الكلام.

الجهة الثانية: أنّ هذا الحكم مختص بما إذا كان الوارث منحصرا به، و أمّا إذا كان هناك وارث آخر و هو حر فينتقل المال إلى ذلك الوارث الحر- كما ذكرنا ذلك قريبا- فإذا فرضنا أن للميت وارثين أحدهما عبد و الآخر حر فينتقل المال إلى الحر.

فهذا الذي ذكرناه من شراء الوارث و عتقه إنّما هو فيما إذا كان الوارث منحصرا به، فهل الانحصار يلاحظ بالنسبة إلى القريب يعني ليس للميت وارث قريب من طبقات الورّاث؟

أو أنّه لا يكون له وارث حتّى ضامن الجريرة؟

فلو فرضنا أن له وارثا و لكن ليس من طبقات القرابة بل هو ضامن جريرة حر، فهل يكون الإرث لضامن الجريرة باعتبار أنّه حر و مع وجود الحر يمنع العبد؟

أو أن العبرة بعدم وجود القريب الحر، و أمّا ضامن الجريرة فوجوده و عدمه سيّان؟

فيه كلام و إشكال: نسب إلى العلّامة قدّس سرّه و إلى غيره- كما في الجواهر «1»-

______________________________
(1) لم نجد في الجواهر نسبة هذا القول إلى العلّامة فهو سهو من سيدنا الأستاذ راجع الجواهر 39: 50 و ما بعدها.

محاضرات في المواريث، ص: 256‌

التصريح بعموم المنع يعني وجود الوارث الحر يمنع من إرث العبد حتّى إذا كان الوارث ضامن جريرة، فلا فرق بين القريب و غير القريب.

و لكن استشكل في ذلك صاحب الجواهر قدّس سرّه و قال لو لم يكن في المسألة إجماع فللنظر مجال.

الذي ينبغي أن يقال في المقام أن الروايات الواردة في المقام مطلقة بين ما إذا كان هناك ضامن جريرة و ما إذا لم يكن، يسأل من الإمام عليه السّلام عن امرأة نصرانية ماتت و لها ولد مسلم عبد- المفروض أنّه ليس لها وارث مسلم غيره و إن لم يذكر في الرواية- دلّت هذه الرواية و غيرها على أنّه يشترى العبد ثمّ يعتق ثمّ يعطى له بقية المال «1» مطلقة من حيث وجود ضامن جريرة و عدم وجوده، فبالإطلاق تشمل حتّى وجود ضامن الجريرة.

المفروض أنّ لهذه النصرانية ابن مسلم حكم الإمام عليه السّلام بأنّه يشترى الابن و يعتق و يعطى له بقية المال كان هنا ضامن جريرة أم لم يكن فبالإطلاق تدل على أن وجود ضامن الجريرة لا يمنع من شراء الابن.

و أمّا وجود وارث آخر غير ضامن الجريرة فقد ثبت أن العبد لا يرث مع‌

______________________________
(1) لم نعثر على رواية بهذا المضمون الذي نقله سماحة السيّد الأستاذ، و لعله سهو منشأه الخلط بين الروايات، فالموجود في امرأة نصرانية تموت و لها ابن مسلم عبد ما رواه صاحب الوسائل في با بين من أبواب موانع الإرث الباب 1، 26: 16 ح 18 و الباب 2617: 45 ح 1، عن مهزم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في عبد مسلم و له أمّ نصرانية و للعبد ابن حر، قيل: أ رأيت إن ماتت أمّ العبد و تركت مالا؟ قال: «يرثها ابن ابنها الحر» و هذه الرواية ليست لها أي دلالة على مطلبه قدّس سرّه، و كان الأولى الاستدلال بما ورد في 26: 49 و ما بعدها الباب 20 من أبواب موانع الإرث فقد وردت هناك عدة روايات دالة على هذا المطلب منها الحديث الرابع فقد روي عن جميل بن دراج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يموت و له ابن مملوك، قال: «يشترى و يعتق ثمّ يدفع إليه ما بقي».

محاضرات في المواريث، ص: 257‌

وجود وارث حر فيتمسّك بالإطلاق.

و ناقش في ذلك صاحب الجواهر قدّس سرّه «1» بأن هذه الإطلاقات معارضة بما دل على أن من لا وارث له فوارثه ضامن الجريرة «2» يعني إذا لم يكن وارث حر فالإرث لضامن الجريرة، فإطلاق هذه الروايات يشمل ما إذا كان هناك وارث عبد يمكن شراؤه من مال الميت، و المعارضة بالعموم من وجه فلا يمكن التمسك بهذه الإطلاقات لإثبات هذا الحكم، و هو أن وجود ضامن الجريرة لا يمنع.

إلّا أنّه يرد على ما أفاده قدّس سرّه بأن المعارضة و إن كانت بالعموم من وجه إلّا أن إطلاقات الروايات المتقدّمة الدالة على إرث القريب حاكمة على إطلاق إرث ضامن الجريرة فتقدّم عليها حكومة لأنها رافعة لموضوعها، فإن الروايات الواردة في إرث ضامن الجريرة مقيّدة بعدم الوارث من الطبقات الثلاث «3»، و هذه الروايات تثبت وجود الوارث و أن العبد وارث، فيرتفع موضوع تلك الأدلة.

و مع قطع النظر عن ذلك يكفينا صحيح ابن سنان «4» فإنّه في الصحيح المذكور قيّد الحكم بأن لا يكون له ذو قرابة أو (ذووا قرابة)- على اختلاف النسخ- إذا كان له وارث عبد يشترى و يعتق و يعطى له بقية المال إذا لم يكن له ذو قرابة أو (ذووا‌

______________________________
(1) الجواهر 39: 50، و ما بعدها.

(2) راجع الوسائل 26: 244 باب 1 من أبواب ولاء ضامن الجريرة و الإمامة ففي ح 3 عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن مملوك اعتق سائبة قال: «يتولّى من شاء و على من تولاه جريرته و له ميراثه».

(3) راجع الوسائل 26: 246 و ما بعدها باب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

(4) الوسائل 26: 51 باب 20 من أبواب موانع الإرث ح 6 عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الرجل يموت و له أمّ مملوكة و له مال أن تشترى امّه من ماله ثمّ يدفع إليها بقية المال إذا لم يكن له ذووا قرابة لهم سهم في الكتاب».

محاضرات في المواريث، ص: 258‌

قرابة) يستفاد من هذه الصحيحة بوضوح أن موضوع الحكم عدم وجود قريب له، و وجود ضامن الجريرة و عدمه سيان من هذه الجهة.

إذا الصحيح أنّه يعتبر في إرث العبد أن لا يكون هناك قريب حر للميت، و أمّا وجود ضامن الجريرة فلا يضر، فلو كان هنا ضامن جريرة أيضا لا تصل النوبة إليه، بل يشترى العبد و يعتق.

و هذا هو الصحيح.

استدراك على ما تقدّم في الجهة الاولى:

تقدّم الكلام في أن الوارث إذا كان ضامن جريرة فهل يكون الحكم فيه كما في غيره من الورثة؟

يعني إذا كان ضامن الجريرة عبدا أيضا يشترى من مال الميت و يعتق و يعطى له بقية المال؟ أم أن هذا مختص بقرابة الميت من الطبقات الثلاث في الإرث؟

ظاهر كلام المشهور عدم الاختصاص بالقرابة، فإنّهم ذكروا أن الوارث إذا انحصر بالرق يشترى، فلا فرق بين ضامن الجريرة و غيره.

و لكن الروايات الواردة في المقام ليس في شي‌ء منها ذكر لضامن الجريرة، و إنّما هي واردة في قرابة الميت من أمّه و أبيه و أخيه و نحو ذلك، فالتعدي من القريب إلى غير القريب كضامن الجريرة يحتاج إلى دليل و إن كان ظاهر إطلاق كلماتهم هو الشمول.

قلنا ربّما يستدل على ذلك بمعتبرة إسحاق بن عمار، و قلنا إنّها رويت بعدة طرق و طريق الصدوق صحيح.

ففي هذه الرواية ذكر أنّه مات مولى لعلي بن الحسين عليه السّلام فأمر بأن يطلب له‌

محاضرات في المواريث، ص: 259‌

وارث ..

قلنا: إنّ إطلاق كلمة الوارث يعم ضامن الجريرة و غيره، فلا يختص الحكم بالأقارب «1».

و لكن الظاهر عدم تمامية هذا الاستدلال من وجهين:

أمّا الوجه الأوّل: فإن كلمة وارث و إن كانت مطلقة فلم يفصّل فيها بين كون الوارث ضامن جريرة أو غير ضامن جريرة. ففي مورد الرواية أنّه كان له بنتان مملوكتان فأمر عليه السّلام بشرائهما و عتقهما و إعطائهما بقية المال.

فلو فرضنا أنّه لم يكن له وارث غير ضامن الجريرة و هو عبد فأي شي‌ء حكمه؟ لم يذكر في الرواية فهل يعطى له المال أو لا يعطى ليس في الرواية ذكر من ذلك. هذا أمر.

و ثانيا: مع قطع النظر عن ذلك الظاهر أنّ هذا المولى كان معتقا من قبل الإمام علي بن الحسين عليه السّلام و بطبيعة الحال عتق الإمام عتق تبرعي، إذ لا يتصور أن يكون العتق من قبل الإمام عليه السّلام كفّارة لإفطار عمدي أو لقتل عمدي أو خطئي و نحو ذلك كلّ ذلك لا يكون.

فالظاهر أن عتقه عليه السّلام كان عتقا تبرعيا، فإذا كان للإمام عليه السّلام ولاء العتق و معه لا تصل النوبة إلى ولاء ضمان الجريرة، فلو كان له ضامن جريرة حر فضلا عن العبد لم يكن وارثا، فالوارث هنا المقصود منه خصوص القريب بقرينة كون الإمام معتقا و له ولاء العتق، فقوله عليه السّلام: أطلبوا له وارثا أي أطلبوا له وارثا قريبا، إذ لو لم يكن له وارث قريب يكون إرثه لمولاه الذي أعتقه و هو الإمام عليه السّلام.

______________________________
(1) راجع ص 255 و ما بعدها من هذا البحث.

محاضرات في المواريث، ص: 260‌

فالاستدلال بهذه الرواية ساقط.

إذا يبقى الإشكال على حاله و الجزم مشكل، فإن اعتماد الفقهاء بإطلاقها يشمل ذلك، و لكن إتمامه بالدليل مشكل.

هذا ما أردنا استدراكه على ما ذكرناه في الجهة الاولى.

يبقى الكلام في جهات:

الجهة الاولى: هل هناك حاجة إلى العتق؟ أم أنّه بمجرّد الشراء ينعتق العبد، فإن كان للمال باق فيعطى له بلا حاجة إلى عتق؟

ذكر بعضهم أنه لا حاجة إلى العتق، فإن العتق لا يكون إلّا في ملك، فمن يكون مالك هذا العبد بعد الشراء حتّى يعتق من قبله؟

إلّا أن جملة من الروايات «1» صريحة الدلالة على لزوم العتق أنّه يشترى ثمّ يعتق ثمّ يعطى له باقي المال، فالتعبير بثم- كما ذكرنا- يدل على التراخي فلا بدّ من العتق.

و في بعض الروايات أن الإمام عليه السّلام هو اشترى كما في البنتين اشتراهما و أعتقهما و أعطاهما بقية المال.

فلا يمكن رفع اليد عن هذه الروايات الصريحة في لزوم العتق و أنّه لا بدّ منه.

و أمّا الإشكال في أنّه ملك من فالظاهر أنّه ملك للميت لما ذكرناه في باب البيع من أن البيع مبادلة بين المالين ينتقل كلّ مال إلى مكان المال الآخر من دون نظر إلى‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 26: 49 باب 20 من أبواب موانع الإرث ففي ح 1 عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول في الرجل الحر يموت و له أمّ مملوكة قال: تشترى من مال ابنها ثمّ تعتق ثمّ يورّثها».

محاضرات في المواريث، ص: 261‌

المالك، فالتبديل إنّما هو بين المالين، فإذا كانت التركة بعد لم تنتقل إلى أحد و مات الميت و له مال فبطبيعة الحال يكون المال ملكا للميت و بالشراء يكون داخلا في ملك الميت و يعتق من مال الميت و هذا مما ليس فيه أي إشكال، كما يكون الميت مالكا لأصل المال يكون مالكا لبدله و هو العبد أو الامة، فهذا المملوك يشترى بمال الميت فيكون داخلا في ملكه، ثمّ بعد ذلك يعتق.

بل يظهر من هذه الروايات أن الميت يكون مالكا لعموديه أو لمحارمه، مع أن هذا لا يجري في الحي فإن ملك العمودين غير ممكن في الحي فإنّه بمجرد الدخول في الملك ينعتق، فلا يملك الإنسان آباءه، أو أولاده، أو محارمه من النساء مثل الأخت أو العمّة أو الخالة و غيرهن ممّن تكون محرما عليه، فبمجرّد الملك ينعتق.

و أمّا في الميت فلا مانع من ذلك، فإذا مات و كانت إحدى محارمه مملوكة تشترى بمال الميت و بعد ذلك تعتق- كما هو مورد الروايات كان له بنتين- فعدم ملك العمودين و المحارم مختص بالحي، و أمّا بالنسبة إلى الميت فلا يجري فيه ذلك.

و هذا ممّا لا إشكال فيه، فرفع اليد عن هذه الروايات لا موجب له فلا بدّ من العتق بعد الشراء.

نعم يستثنى من ذلك صورة واحدة- كما ذكرها في الجواهر «1»- و هي ما إذا كان هذا العبد ملكا للميت، فرضنا أنّه مات و ليس له وارث غير هذا العبد الذي هو ملك له من جملة تركته، فإذا كان كذلك لا يبقى مجال للشراء، فوجوب الشراء و عدمه سيان، بل يعتق بلا شراء، و يكون المال له، يعني لا يتصور فيه الشراء لأنّه إنّما يشترى بمال الميت و هو بنفسه مال للميت قبل الشراء فلا حاجة إلى الشراء،

______________________________
(1) الجواهر 39: 52.

محاضرات في المواريث، ص: 262‌

فيعتق و يعطى له بقية المال.

الجهة الثانية: هل يجوز لمالك العبد أو الامة أن يطالب بقيمة أكثر من القيمة السوقية؟ أم أنّه ليس له ذلك بل لا بدّ من أن يبيعه بالقيمة السوقية؟

هذا أيضا وقع محلا للكلام: فذهب بعضهم إلى أنّه له المطالبة بأكثر من القيمة السوقية.

و هذا أيضا لا يمكن المساعدة عليه، بل الظاهر أن له المطالبة بالقيمة السوقية بدون زيادة على ذلك.

و الوجه فيه أن المستفاد من الروايات أنّه إذا أبى عن البيع يقوّم عليه و يعطى القيمة «1»، يظهر من هذه الرواية بوضوح أن سلطنة المالك على ملكه قد سقطت من جهة موت مورثه و أنه أصبح في معرض العتق، فليس للمالك السلطنة على شخصه بما هو شخص، و إنّما هو مسلط على قيمته، فإن رضي بالبيع فبها، و إن لم يرض فيؤخذ منه العبد ببيع قهري، يقوّم العبد و يعطى له القيمة و ليس له أن يطالب بالزيادة، بل قد تكون التركة غير وافية بما يطلبه من الزيادة، كما إذا كانت التركة خمسين و القيمة السوقية أيضا خمسين، و لكن المولى يطلب ستّين فلا يمكن شراؤه بهذه القيمة، فيكون هذا داخلا في إباء المالك عن البيع، فقول الراوي فإن أبى، و أمره عليه السّلام باجباره يشمل مثل ذلك، فإن التركة وافية بالقيمة السوقية و ليس للمالك الامتناع و المطالبة بستّين.

______________________________
(1) الوسائل 26: 50 باب 20 من أبواب موانع الإرث ح 5، عن عبد اللّه بن طلحة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن رجل مات و ترك مالا كثيرا و ترك أمّا مملوكة و أختا مملوكة، قال: «تشتريان من مال الميت ثمّ تعتقان و تورّثان»، قلت: أ رأيت إن أبى أهل الجارية كيف يصنع؟ قال: «ليس لهم ذلك، يقوّمان قيمة عدل ثمّ يعطى مالهم على قدر القيمة ..».

محاضرات في المواريث، ص: 263‌

قد يستفاد هذا من بعض الروايات بوضوح، فإنّه ورد في بعض هذه الروايات يشترى بالقيمة، كلمة (ال) للتعريف بأي قيمة يشترى؟ طبيعي القيمة لا تحتاج إلى الذكر فيقال: (إنّه يشترى) طبعا الشراء لا بدّ أن يكون بقيمة.

فقوله عليه السّلام: «يشترى بالقيمة» «1» يكون إشارة إلى القيمة الخارجية المعهودة و هي القيمة العادلة لهذا العبد أو لهذه الأمة، و هي القيمة السوقية.

إذا تدل هذه الرواية بوضوح على أن سلطنة المالك ساقطة عن ملكه إلّا من جهة القيمة فقط، فله أن يبيعه بالقيمة السوقية لا أكثر، فإن أبى عن ذلك و لم يرض بالقيمة السوقية يقوّم عليه و يعطى له القيمة السوقية، فيكون بيعا قهريا من دون حاجة إلى رضاه.

هذه الرواية واضحة الدلالة مع أنّه يفهم من غيرها أيضا فلو فرضنا أن التركة زائدة آلاف الدنانير و القيمة السوقية ماءة دينار فقط، فليس للمالك أن يطالب بأكثر من القيمة السوقية و هي ماءة دينار فقط، و أمّا بالنسبة إلى الزائد فليس له سلطنة أبدا.

الجهة الثالثة: يبقى الكلام فيما إذا كان الوارث المملوك أكثر من واحد كما ورد في رواية البنتين: أنّه مات مولى لعلي بن الحسين عليه السّلام «2»، أو لعلي عليه السّلام «3»- على اختلاف النسخ- فقال عليه السّلام: «أطلبوا له وارثا» فوجدوا له بنتين مملوكتين، فأمر عليه السّلام بشرائهما و عتقهما و إعطائهما بقية المال.

______________________________
(1) هذه العبارة لم ترد إلّا في الوسائل 26: 54 الحديث 12 من الباب 20 من أبواب موانع الإرث و أمّا الرواية التي في الهامش السابق فالعبارة فيها هكذا: «ثمّ يعطى مالهم على قدر القيمة».

(2) الوسائل 26: 52 الباب 20 من أبواب موانع الإرث، ح 8.

(3) التهذيب 9: 330 (1186) و (1187).

محاضرات في المواريث، ص: 264‌

فهذا الحكم و هو شراء العبد بتركة مورّثه أو شراء الأمة بتركة مورّثها لا يختص بما إذا كان العبد واحدا أو الأمة واحدة، فإذا كانت التركة وافية بشرائهما معا لا ينبغي الشك، بل الظاهر أنّه لم يستشكل أحد أيضا في وجوب شرائهما و عتقهما و إن كانت قيمة إحداهما أكثر من قيمة الاخرى، كما إذا فرضناهما عبد و أمة و قيمة الأمة أكثر من قيمة العبد بمراتب لأنّها شابّة جميلة مثلا و العبد شيخ كبير لا يتمكّن من الخدمة فقيمته قليلة جدّا، أو في مثل البنتين الذي ورد في الرواية أن الإمام عليه السّلام اشتراهما و أعتقهما لم يرد في الرواية أنّ قيمتهما كانت متساوية، بل المساواة بعيدة جدا، و ذلك لأن الإماء تختلف قيمتهن لتفاوتهن في الجمال و في السن و القدرة على الخدمة، فمن جهة الكمالات الخارجية تتفاوت القيمة، فأمر الإمام عليه السّلام بشرائهما من دون ذكر لقيمة كلّ منهما بالنسبة إلى الاخرى، فشراؤهما إنّما هو من مال الميت و هو بعد لم ينتقل إليهما و قد دلّ النص على وجوب الشراء و العتق، و هذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه، يعني أن العبد أو الأمة قبل أن يشترى و يعتق ليس له أي نصيب في هذا المال لأنّه ليس بحر فالمال مال الميت و يشترى للميت فيكون ملكا للميت، ثمّ يعتق و بعد العتق يكون له نصيب، فإن كان أحدهما ذكرا و الآخر انثى مثلا يعطى للذكر ضعف الانثى، و أمّا قبل العتق فليس لهما أي نصيب، فلا يفرق بين اختلاف القيمة و عدم اختلافها فإن كان المال وافيا بشرائهما يشترى كلاهما فيعتقان و بعد ذلك يعطى لهما الباقي إن كان هناك باق.

و أمّا إذا فرضنا أن المال لا يفي بشرائهما معا فلنفرض أنّ المال ثمانون دينارا و قيمة كلّ منهما خمسون دينارا و هما أخوان مثلا، فهل يجب شراء أحدهما دون الآخر و يعيّن ذلك بالقرعة؟ أو أنه ينتقل المال إلى الإمام عليه السّلام- إن لم يكن للميت‌

محاضرات في المواريث، ص: 265‌

ضامن جريرة- و لا يعتق أيّ منهما لأنّه ترجيح بلا مرجح؟

احتمل بعضهم لزوم العتق و الرجوع إلى القرعة، و هذا لا نعرف له أيّ وجه، فإنّ في هذه الموارد ما لم يكن دليل على القرعة بالخصوص لا يلتزم بالقرعة بالأدلّة المطلقة، لأنّ القرعة لكلّ أمر مشكل، و ليس هنا أي إشكال إطلاقا، دلت إطلاقات الأدلّة على أن العبد لا يرث و استثنيت صورة واحدة، فلزوم الشراء و العتق على خلاف تلك الإطلاقات، و تخصيص في تلك الأدلّة، لا بدّ له من دليل، فإذا لم يكن دليل مقتضى القاعدة أنّه لا يرث.

فتبقى صورة واحدة و هو ما إذا كانت حصة أحدهما من الإرث لو فرض حرا تفي بشرائه و عتقه، و حصة الآخر لا تفي فهل الحكم مثل الأوّل و أنّهما لا يعتقان و ينتقل المال إلى الإمام عليه السّلام؟ فلو فرضنا أن الوارث عبد و أمة فحصّة العبد على تقدير حرّيتهما ضعف حصّة الأمة- و إنّما قلنا على تقدير حريتهما لأنّا قد ذكرنا أن العبد ليست له حصّة، فتكون الحصة على تقدير الحرية- و لنفرض أن المال الموجود تسعون دينارا طبعا تكون ستّون منها للعبد، و ثلاثون للأمة على تقدير حريتهما، و لكن الأمة لاتباع بثلاثين دينارا، فلا تفي حصّتها بقيمتها، و العبد يباع بخمسين أو أقل أو أكثر بستّين أو أقل، فحصته من الإرث تفي بشرائه، فهل يجب شراء العبد لأنّه على تقدير كونه حرا حصته تفي بشرائه أم لا يجب؟

فيه كلام بين الأعلام:

اختار جماعة منهم صاحب الشرائع «1» قدّس سرّه أنّه و إن كانت حصته وافية ينتقل‌

______________________________
(1) شرائع الإسلام 4: 9.

محاضرات في المواريث، ص: 266‌

المال إلى الإمام عليه السّلام و لا يشترى، و أشكل عليه صاحب الجواهر «1» قدّس سرّه في تعبيره أنّه تلاحظ حصّته فقال أي حصّة له؟ العبد و الأمة ليس لهما حصّة حتّى يقال إنّ حصّته وافية أم لا.

و لكن معلوم أن مراده قدّس سرّه من الحصّة الحصّة التقديرية يعني إذا فرضنا أنّه كان حرا كانت حصته بذلك المقدار، فهل الحكم فيه كالحكم فيما إذا لم يكن حصة أحدهما وافية؟ أم أنّه يتعين الشراء و العتق، و الذي لا تفي حصته تنتقل حصته إلى الإمام عليه السّلام؟

لا يبعد- كما ذكرناه في المنهاج «2»- أن يكون القول الأوّل و هو العتق هو الأظهر، و إن لم يكن له نصيب بالفعل.

و الوجه في ذلك ما ثبت في محله في بحث الأصول من أن المطلق أو العام إذا دار أمره بين التقييد بالأقل أو الأكثر أو التخصيص بالأقل أو الأكثر يتعين التقييد بالأقل و لا يتقيد بالأكثر، يعني كلّ ما لا يحتمل فيه الإطلاق يخرج، و كلّ ما يحتمل فيه الإطلاق يؤخذ بالإطلاق، فإذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر، الأقل لا يحتمل فيه الإطلاق مقيد لا محالة، و أمّا الزائد على ذلك فيؤخذ بالإطلاق.

و مقامنا من هذا القبيل- و إن كان ليس للعبد أو الأمة حصّة قبل العتق- و الوجه في ذلك أن شمول الإطلاق لمن لا تكون حصّته وافية بعتقه معلوم جزما، يعني لا يحتمل أن يجب شراء من لا تفي حصّته فيعتق و من كانت حصته وافية لا يعتق، هذا غير محتمل، فالتقييد بالنسبة إليه معلوم لا محالة، و أمّا التقييد بالنسبة‌

______________________________
(1) الجواهر 39: 53، و ما بعدها.

(2) منهاج الصالحين 2: 357، مسألة (1730).

محاضرات في المواريث، ص: 267‌

إلى الذي يمكن شراؤه و عتقه التقييد بالنسبة إليه غير معلوم يبقى تحت الإطلاقات بأنّه مات أحد و له وارث عبد فيشترى و يعتق، هذا قابل للشراء و العتق فيؤخذ بالإطلاق.

و بعبارة اخرى: يقال إن شمول الإطلاق للآخر أي لمن لا تفي حصّته بعتقه معلوم العدم، لأنّه إذا شمله الإطلاق، إمّا أن يشمله فقط يعني يلزم عتق من لا تفي حصّته، و يبقى على الرقّية من كانت حصّته وافية.

فإمّا أن يؤخذ بالإطلاق بالنسبة إلى الفرد الآخر و يخرج الفرد الأوّل، أو أنّه كلاهما يخرجان فيحكم بعدم عتقهما معا.

التقييد بالنسبة إلى الآخر منفردا أو مجتمعا معلوم، يعني لا يؤخذ بالإطلاق فيهما معا لأن المال غير واف، و لا يمكن الأخذ بالإطلاق في الفرد الآخر فقط دون الفرد الأوّل هذا أيضا ترجيح من دون مرجّح و لا يحتمل أن يلتزم بوجوب الشراء و العتق بالنسبة إلى من ليست حصّته وافية و يبقى من كانت حصّته وافية على الرقّية، هذا غير محتمل جزما.

إذا يتعيّن الأخذ بالإطلاق بالنسبة إلى الفرد الأوّل و هو من كانت حصّته وافية فيشترى و يعتق و يبقى الآخر على الرقّية، و لذا ذكرنا أن هذا غير بعيد، و إن كان ليس له حصة بالفعل، لكن الحصّة التقديرية على تقدير العتق تكون حصّته أكثر من حصّة الآخر.

يحتمل بحسب الواقع أن يكون هذا مرجّحا فالأخذ بالإطلاق بالنسبة إلى هذا الفرد لا مانع منه.

و أمّا الأخذ بالإطلاق في الفرد الثاني فقط أو مع الفرد الأوّل فهذا معلوم‌

محاضرات في المواريث، ص: 268‌

العدم.

إذا لا يبعد أن يكون الحكم كما ذهب إليه بعضهم من لزوم عتق من كانت حصّته وافية بعتقه، فيبقى الآخر على الرقّية.

هذا تمام كلامنا في من يكون رقّا بتمامه.

الكلام في المبعّض:

و أمّا إذا فرضنا أنّه مبعّض فالمشهور و المعروف بل المتسالم عليه بينهم أن إرثه و الإرث منه إنّما يكون بمقدار ما فيه من الحرّية، فإذا فرضنا أن نصفه حر و نصفه عبد يرث بمقدار حريته و يورث أيضا بمقدار حريته، فلو فرضنا أن للميت ولدان أحدهما حر كامل و الآخر نصفه حر فيكون ربع المال للمبعّض لأنّه يرث بنصفه لا بتمامه، فيبقى باقي المال للآخر، يعني نفرض الأخوان أربعة أنصاف ثلاثة أنصاف منها ترث و نصف لا يرث، و لكلّ نصف ربع من المال فربع النصف الذي لا يرث ينتقل إلى الأخ الآخر لأنّه حرّ.

فلو فرضنا أن الوارث ولد نصفه حر، و أخ فالولد يأخذ نصف المال، و النصف الآخر يبقى بلا وارث، فيكون للطبقة الثانية و هو الأخ و هكذا بقيّة الأمثلة.

فإرث العبد المبعّض إنّما يكون بمقدار حرّيته.

دلت على ذلك عدة من الروايات الواردة في المكاتب «1» و أنّه يرث بمقدار ما أدّاه أي بالمقدار الذي يكون معتقا، و لا يحتمل اختصاص الحكم بالمكاتب بل من جهة عتقه و لا سيّما بلحاظ هذا التعبير (أنّه يرث بقدر ما أدّاه) يعني بقدر ما هو‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 26: 49 و ما بعدها باب 19 من أبواب موانع الإرث.

محاضرات في المواريث، ص: 269‌

معتق فهذا لا إشكال فيه.

و أمّا الإرث منه أيضا هكذا في عبارة جمع، و المحقّق «1» أيضا عبّر: «و كذا يورث منه»، يعني بمقدار حريته.

و هنا وقع الكلام في كيفية الإرث منه، فذكر جمع أن الإرث منه يعني يورث أيضا بهذا المقدار.

فلو فرضنا أنّ نصفه حر و نصفه عبد و له مال يقسّم المال نصفين ما لنصفه الحر ينتقل إلى ورثته، و النصف الآخر للمولى بأي وجه حصل هذا المال.

فلو فرضنا أنّه حصّل المال بجزئه الحر يعني في أيّامه التي كانت مقسّمة بينه و بين المولى، هذه الأموال حصّلها في أيامه المختصّة به ما يملكه يقسّم على نسبة حريته ما يقع بإزاء حريته ينتقل إلى ورثته، و ما يكون بإزاء عبوديته ينتقل إلى المولى.

و لكن أشكل فيه جماعة منهم صاحب الجواهر قدّس سرّه «2» بأنّ ما حصّله بجزئه الحر انتقاله إلى السيّد بلا مقتض بأيّ موجب ينتقل إلى السيّد مع أنّ هذا المال إنّما حصل له بجزئه الحر؟ بل المبعّض يقسّم إرثه ما حصّله بجزئه الحر ينتقل إلى وارثه، و ما حصّله بجزئه الرق ينتقل إلى سيّده.

و الظاهر أنّ ما ذكره الأوّلون هو الصحيح.

و الوجه في ذلك: أنّ الروايات الواردة في منع العبد من الإرث لا تشمل المقام، فإنّ الموضوع هو العبد، و المبعّض لا بدّ فيه من دليل خاص في كيفية إرثه، يعني أنّ‌

______________________________
(1) شرائع الإسلام 4: 9.

(2) الجواهر 39: 55، و ما بعدها.

محاضرات في المواريث، ص: 270‌

المالك هو مجموع العبد و الحر، لا أنّ نصفا منه مالكا لمقدار و النصف الآخر مالك لمقدار آخر، المالك ليس هو نصف الإنسان بل هو مجموع الإنسان بما هو إنسان، و ما حصّله بجزئه الحر أو بجزئه العبد إنّما هو من قبيل الوساطة في العروض يعني علّة للملكية لا موضوع للملكية.

موضوع الملكية ليس الجزء الحر أو الجزء العبد، بل هو هذا الشخص الواحد الذي هو واحد شخصي و غير قابل للتقييد، هذا واجد و مالك للمال، سبب ملكيته يختلف قد يكون ملكه بجزئه الحر و قد يكون بجزئه العبد، فهذا من قبيل الوساطة في العروض لا من قبيل الموضوع.

لا بدّ من النظر في الروايات فهي تدلنا بوضوح على أنّ إرث هذا الشخص إنّما يكون بنسبة عبوديته و حريته، ففي صحيحة منصور بن حازم في المكاتب (أنّه يرث و يورث بقدر ما أدى) «1».

فإذا فرضنا أنّه أدى نصف المال فصار حرا بمقدار نصفه، إرثه و الإرث منه يكون بمقدار ما أدّاه، يعني وارثه يرث منه النصف، و هو أيضا يرث النصف من مورثه.

و في معتبرة عمّار الساباطي يسأل الإمام عليه السّلام عن مكاتب بين شريكين، فأعتق أحدهما هذا المكاتب فصار نصفه حرا كيف يصنع هذا المكاتب؟ قال عليه السّلام:

«يعمل يوما لنفسه و يوما لمولاه»، قال: فإن مات و كان له مال؟

قال عليه السّلام: «نصفه لورثته و نصفه لمولاه» [1].

______________________________
[1] الوسائل 26: 48 باب 19 من أبواب موانع الإرث ح 4، عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في

______________________________
(1) الوسائل 26: 48 الباب 19 من أبواب موانع الإرث، ح 3.

محاضرات في المواريث، ص: 271‌

هذه الرواية صريحة فيما ذكره هؤلاء الجماعة من أن الإرث يكون بنسبة الحرية من غير فرق بين ما حصّله و أنّه في اليوم الذي كان له أو في اليوم الذي كان لمولاه لا أثر لذلك.

مقتضى إطلاق هذه الروايات و لا سيّما معتبرة عمار الساباطي أن مال العبد المكاتب بعد موته ينصف بأي سبب حصل هذا المال في الأيام التي كانت له أو التي كانت لمولاه فنصف لمولاه و نصف لورثته.

فالظاهر أن ما ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه لا يمكن المساعدة عليه، بل الصحيح أن الإرث منه كإرثه من غيره فكما أن إرثه من غيره يكون بنسبة حريته، الإرث منه أيضا يكون بنسبة حريته بلا نظر إلى سبب حصول هذا المال و أنّه من أي مورد حصّله.

المولوية و العبودية و دليل الإرث يقتضي ذلك أن يقسّم بمقتضى رواية عمار الساباطي المتقدّمة.

هذا تمام كلامنا في الموانع و يقع الكلام في مراتب الإرث إن شاء اللّه تعالى «1».

و الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السّلام على أشرف الخلق أجمعين محمّد و أهل بيته الطيبين الطاهرين.

و اللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

______________________________
مكاتبة بين شريكين يعتق أحدهما نصيبه كيف تصنع الخادم؟ قال عليه السّلام: «تخدم الباقي يوما و تخدم نفسها يوما» قلت: فإن ماتت و تركت مالا؟ قال عليه السّلام: «المال بينهما نصفان بين الذي أعتق و بين الذي أمسك».

______________________________
(1) ممّا يؤسفنا جدّا عدم إتمام سماحة سيدنا الأستاذ قدّس سرّه لهذه المباحث، فهو لم يشرع في بحث مراتب الإرث بل انتقل إلى موضوع القضاء و ترك هذا البحث ناقصا.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net