فصل في الماء الجاري‌ 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6515

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 97‌

[فصل في الماء الجاري]

فصل في الماء الجاري

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 98‌

..........

______________________________
تعريف الماء الجاري، اعتصام الماء الجاري، النابع الواقف في حكم الجاري، الشك في وجود النبع، استصحاب العدم الأزلي، الرّاكد المتّصل بالجاري كالجاري، إذا تغيّر بعض الجاري.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 99‌

فصل الماء الجاري- و هو النابع السائل على وجه الأرض، فوقها، أو تحتها، كالقنوات (1).

______________________________
فصل في الماء الجاري

(1) نتكلم في الماء الجاري في مقامين، الأول في موضوعه، و الثاني في حكمه.

أما المقام الأول: اعتبر المشهور في الماء الجاري الذي هو موضوع لأحكام خاصة أمرين: (النبع و السيلان) و هو المنسوب إلى الفهم العرفي من لفظ (الماء الجاري). و النسبة بين الأمرين العموم من وجه كما هو واضح.

و ذهب بعضهم إلى كفاية مجرد السيلان و الجري على الأرض نظرا إلى صحة إطلاق الماء الجاري على المياه الجارية من ذوبان الثلوج من فوق الجبال، كما عن ابن أبي عقيل.

و أورد عليه بمنع الصدق عرفا، لأن الكلام في مفهوم الماء الجاري الذي هو قسم خاص من أقسام المياه، و له أحكام خاصة، دون لفظ الجاري لغة، و إلا فيصدق الجاري على الماء المنصب من الإبريق و نحوه، و لم يتوهم أحد صدق الماء الجاري عليه. بل و كذلك الجاري من ذوبان الثلج إذا كان قليلا، فإنه ينصرف عنه الإطلاق جزما. بل عن جامع المقاصد: إن الجاري لا عن نبع من أقسام‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 100‌

..........

______________________________
الراكد يعتبر فيه الكرية اتفاقا ممن عدا ابن أبي عقيل.

أقول: إن كان مراد ابن أبي عقيل دعوى صدق الماء الجاري على مطلق ما يجري على وجه الأرض حتى مثل ماء الإبريق المنصب على الأرض ففيه منع ظاهر. و إن كان مراده صدقه على ما يكون الجريان الفعلي وصفا لازما له عرفا- أي ما يكون جاريا بالفعل بحسب طبعه- كما في الأنهر الجارية من العيون أو من ذوبان الثلوج فلا محيص عن الالتزام به، لأن منع صدق الماء الجاري على الأنهر الجارية من ذوبان الثلوج التي على الجبال مكابرة محضة، و موجب لخروج أكثر أفراد الماء الجاري عن مفهومه، لما عن أهل الخبرة من أن أكثر أنهر العالم يتشكل من ذوبان الثلوج، فلا وجه لاعتبار النبع من الأرض في مفهوم الماء الجاري، فيصدق هذا المفهوم على مطلق ماله مادة طبيعية سواء أ كانت العيون أو الثلوج أو غيرهما كالنهر الجاري من البحر، فإن البحر مادة له عرفا و إن كان هو راكدا، و محكوما بحكمه. نعم الماء الجاري من الثلج القليل بحيث لا يصدق عليه أنه ذو مادة لا يكون من مصاديق هذا المفهوم، فلا ينبغي النقض به، و نحوه مياه السيول لعدم الدوام في مادتها، كما أنه لا يصدق على ماله مادة جعلية، كماء الحمام و ماء الأنابيب المتعارفة في عصرنا إذا لم يكن متصلا بالنهر و كان متصلا بحياض الماء فقط. نعم يثبت حكم الجاري للماء القليل المتصل بالكر من حيث عدم انفعاله بملاقاة النجس بتعبد شرعي لورود النص بذلك في ماء الحمام. بل يدل عليه عموم التعليل في صحيحة ابن بزيع الواردة في ماء البئر بقوله (عليه السلام) «لأن له مادة» فإنه يشمل مطلق المياه القليلة المتصلة بالمادة و لو غير ماء الحمام.

و ذهب بعضهم إلى كفاية مجرد النبع في صدق الماء الجاري بلا اعتبار السيلان، كما عن الشهيد الثاني (قده) في المسالك. فإنه قال: «المراد بالجاري النابع غير البئر سواء جرى أم لا و إطلاق الجريان عليه مطلقا تغليب أو حقيقة عرفية». (و فيه) أن الظاهر من الجاري عرفا هو الجاري بالفعل لا ما فيه اقتضاء‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 101‌

لا ينجس بملاقاة النجس ما لم يتغير (1) سواء كان كرا أو أقل.

______________________________
الجريان و إن لم يجر بالفعل لعلو أطرافه، كما في العيون، فالعرف العام لا يساعد على ذلك، و عرف الفقهاء غير ثابت. بل ثبت عدمه، لتصريح كثير منهم باعتبار الجريان الفعلي. فإن أراد (قده) من التعميم إلحاق العيون الواقفة بالجاري حكما من حيث عدم انفعال قليله لاتصاله بالمادة فلا بأس، إلا أنه لا يدخل بذلك في موضوع الماء الجاري بحيث يثبت له ما بقيت للجاري من الأحكام، كعدم اعتبار التعدد في الثوب المتنجس بالبول إذا غسل في الجاري كما في.

صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين، فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة» «1».

فالمتحصل: ان الظاهر من لفظ الماء الجاري في العرف الثابت به اللغة هو الماء السائل عن مادة طبيعية سواء سال فوق الأرض أو تحتها، كالقنوات و الآبار الجارية. و أما اعتبار الفوران و عدمه بحيث يكفي الرشح فيأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له. هذا تمام الكلام في المقام الأول، و يأتي الكلام في المقام الثاني.

(1) ذكرنا أن المقام الثاني الذي نبحث فيه هو في بيان حكم الماء الجاري.

فنقول: لا خلاف في تنجس الماء الجاري إذا تغير بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة (الطعم و الريح و اللون) لدلالة الروايات الكثيرة على ذلك، كما أنه لا خلاف في عدم تنجسه بملاقاة النجس إذا كان كرا. و إنما الخلاف في تنجسه بالملاقاة إذا كان أقل من الكر. و المشهور- بل ادعى الإجماع في كلمات جملة من الأعلام- على عدم اشتراط الكرية، و لم يصرح بالخلاف إلا العلامة في بعض كتبه، و تبعه الشهيد الثاني في المسالك، و نسب إلى بعض قدماء الأصحاب أيضا، و إن كان في النسبة نظر. و كيف كان فالصحيح ما ذهب إليه المشهور، لدلالة جملة من الروايات و استفاضة نقل الإجماعات عليه.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1002 باب 2 من أبواب النجاسات ح 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 102‌

..........

______________________________
و الكلام فيها يقع من جهتين:

(الأولى) في دلالتها على عدم اشتراط الكرية.

(الثانية) في معارضتها على تقدير الدلالة بما دل على انفعال الماء القليل الذي هو حجة العلامة (قده)، فإن النسبة بين الطرفين العموم من وجه لأن مفهوم قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1».

هو تنجس الماء إذا كان أقل من الكر و إن كان جاريا، و لو نوقش في مفهوم مثل هذه الرواية فلا إشكال في دلالة بقية الروايات على اعتبار الكرية في عدم الانفعال، كصحيح إسماعيل بن جابر قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الماء الذي لا ينسجه شي‌ء؟ فقال: كر.» «2».

فإنه في مقام بيان تحديد الماء الذي لا ينفعل بالنجس، و بيّن (عليه السلام) أنه كر من الماء، فالأقل من الكر خارج عن الحد و إن كان جاريا.

أما الجهة الأولى: ففي دلالة الروايات على عدم اشتراط الكرية في الجاري. و هي على طوائف:

منها: الروايات الواردة في البول في الماء الجاري. و هي على قسمين:

(أحدهما) ما سئل فيه عن حكم الماء الجاري الذي يبال فيه.

(ثانيهما) ما سئل فيه عن حكم البول في الجاري.

أما الأول: و هو العمدة في الاستدلال كما عن المحقق الهمداني (قده) فكرواية سماعة قال: «سألته عن الماء الجاري يبال فيه؟ قال: لا بأس به» «3».

فإن السؤال فيها إنما هو عن حكم الماء الجاري الذي يبال فيه. و من الظاهر أن المراد من نفي البأس بالماء حينئذ هو جواز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 117 باب 9 من أبواب الماء المطلق ح 1.

(2) الوسائل ج 1 ص 118 باب 9 من أبواب الماء المطلق ح 7.

(3) الوسائل ج 1 ص 107 باب 5 من أبواب الماء المطلق ح 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 103‌

..........

______________________________
من الشرب و الوضوء و الغسل و نحو ذلك، و إلّا فلا يتوهّم محذور آخر في الماء كي يسئل عنه، و إطلاقها يشمل الجاري القليل.

و توهم انصراف الماء الجاري إلى ما يكون كرا أو أكثر، لقلة ما دون الكر.

(مندفع): بأنه لو سلم فهو انصراف بدوي نشأ من غلبة الفرد الخارجي و إلا فالجاري القليل كثير في نفسه. بل لعل أغلب العيون الجارية في القرى و الصحاري لا تبلغ الكر، لصرفها في المزارع و الشرب و نحو ذلك. و الإنصاف انها مجملة [1] لا دلالة لها على المطلوب، لاحتمال أن يكون السؤال فيها على المحمول لا الموضوع، لأن الضمير في قوله (عليه السلام): (لا بأس به) يحتمل رجوعه إلى البول في الماء المدلول عليه بقوله: (يبال فيه) كما يحتمل رجوعه إلى الماء، فكما يصح السؤال بهذه العبارة عن الماء الجاري إذا وقع فيه البول من حيث طهارته و نجاسته كذلك يصح أن يكون عن البول فيه من حيث الكراهة و عدمها. و قد وقع هذا التعبير في كثير من الروايات مع إرادة السؤال عن المحمول، كما في رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «عن الرجل يغتسل بغير إزار حيث لا يراه أحد؟ قال: لا بأس» «2». فإن السؤال فيها إنما هو عن المحمول أي الغسل بغير إزار سواء كان المغتسل رجلا أم امرأة، لا خصوص الرجل.

و نحوها السؤال في بعض الروايات عن الرجل يصلي النافلة عن جلوس.

______________________________
[1] لا يخفى أنّ مقتضى كون الجملة بعد النكرة صفة، و أنّ المعرف بلام الجنس في حكم النكرة هو ظهور الكلام في السؤال عن الموضوع، فأنّ قول السائل (يبال فيه) جملة واقعة بعد المعرّف بلام الجنس أي (الماء الجاري) فكأنه قال: سألته عن الماء الجاري الذي يبال فيه و النقض بالموارد المذكورة غير وارد، لعدم معنى محصل للسؤال فيها عن الموضوع و هو قرينة على صرف السؤال إلى المحمول هذا. و لكن مع ذلك لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية لمناقشة في سندها فراجع.

______________________________
(2) الوسائل ج 1 ص 370 باب 11 من أبواب آداب الحمّام ح 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 104‌

..........

______________________________
فإن السؤال فيه أيضا عن المحمول، و الصلاة عن جلوس، لا عن الرجل بخصوصه.

هذا مع أن الظاهر أن المرتكز في ذهن السائل هو المنع عن البول في الماء كما هو المستفاد من القسم الثاني، فسأل عن حكم البول في خصوص الجاري، لاحتمال الفرق بينه و بين الراكد، فلو كان مراد السائل السؤال عن حال نفس الماء كان الأنسب التعبير بقوله: سألته عن الماء الجاري يقع فيه البول مثلا.

و أما القسم الثاني: و هو ما سئل فيه عن البول في الماء الجاري فكصحيحة الفضيل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري، و كره أن يبول في الماء الراكد» «1».

و رواية عنبسة بن مصعب قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يبول في الماء الجاري؟ قال: لا بأس به إذا كان الماء جاريا» «2».

و نحوهما غيرهما.

و استدل بهما على المطلوب بدعوى أنه لو كان ملاقاة الجاري القليل للبول سببا لتنجسه لكان على الإمام (عليه السلام) التنبيه عليه، فمقتضى إطلاق الدلالة الالتزامية عدم انفعال الجاري بالبول فيه، و إن كان أقل من الكر.

(و فيه) منع الدلالة، لأنها ليست في مقام البيان من جهة انفعال الجاري بالنجاسة و عدمه. بل في مقام بيان حكم البول في الجاري من حيث الكراهة و عدمها، فلا تعارض ما دل على اشتراط الكرية في اعتصام الماء.

و (منها): صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين، فإن غسلته في ماء جار‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 107 باب 5 من أبواب الماء المطلق ح 1.

(2) الوسائل ج 1 ص 107 باب 5 من أبواب الماء المطلق ح 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 105‌

..........

______________________________
فمرة واحدة»
«1» [1].

و الاستدلال بها من وجهين أشار إليهما المحقق الهمداني في مصباح الفقيه «3».

(الأول): ما تقدم في تقريب الاستدلال بالقسم الثاني من الطائفة الأولى من أنه لو كان ملاقاة النجس للجاري القليل سببا لتنجسه لكان على الإمام (عليه السلام) التنبيه عليه و يبتني هذا الوجه على عدم اعتبار ورود الماء القليل في تطهير الثوب المغسول به، و أنه يكفي في طهارته مجرد الغسل، و إن ورد الثوب على الماء. و عليه لو كان الجاري القليل متنجسا بالثوب- و إن طهر الثوب به، لعدم المنافاة بين نجاسة الغسالة و طهارة المغسول- لزمه البيان.

و يرده: أيضا ما ذكرناه من أنها ليست في مقام بيان تنجس الماء و عدمه بغسل المتنجس فيه، لأن السؤال فيها إنما هو عن كيفية تطهير الثوب المتنجس بالبول، فأجاب (عليه السلام) بالفرق بين الجاري و الراكد، و أنه لا يعتبر التعدد في الأول و يعتبر في الثاني. فالسؤال و الجواب ناظران إلى كيفية التطهير فقط.

و من هنا لم يبين الامام (عليه السلام) نجاسة المركن المغسول فيه الثوب إذا كان أقل من الكر مع أنه يتنجس بالملاقاة قطعا.

(الوجه الثاني): إن الصحيحة قد دلت على طهارة الثوب المتنجس الوارد على الجاري الصادق على الكر و ما دونه للتعبير بكلمة (في) دون (الباء) في قوله (عليه السلام): «فإن غسلته في ماء جار» فلو كانت الكرية معتبرة في طهارة المغسول فيه لزم التقييد بها، لعدم طهارة الثوب إلا مع هذا الشرط بناء على اعتبار الورود فيما إذا كان الغسل بالماء القليل، فتدل الصحيحة بهذا التقريب على عدم اعتبار الكرية في الجاري مطابقة.

______________________________
[1] عن الجوهري المركن: الإجانة التي تغسل فيها الثياب.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1002 باب 2 من أبواب النجاسات ح 1.

(3) ص 8.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 106‌

..........

______________________________
و يرده: أولا: ابتنائه على ما ذكر من اعتبار ورود الماء القليل على المتنجس.

و هو أول الكلام، إذ لنا منع المبني، كما هو مقتضى صدر الصحيحة الدال على طهارة الثوب المغسول في المركن مرتين مع أنه أقل من الكر. نعم نلتزم بالمبنى المذكور في خصوص ما ورد النص فيه بصب الماء عليه، كم سيأتي تفصيله في بحث المطهرات إن شاء اللّه تعالى. و عليه فلنا أن نلتزم بطهارة الثوب النجس الوارد على الجاري القليل مع تنجس الجاري به، إذ لا منافاة بين طهارة المغسول و نجاسة الغسالة.

و ثانيا: إنا لو سلمنا كلية المبني فلا مانع من الالتزام بتخصيصها بهذه الصحيحة في خصوص الجاري فنلتزم باعتبار ورود القليل على النجس إلا في الجاري، فلا تدل على عدم انفعاله و إن دلت على طهارة الثوب المغسول فيه، لما أشرنا إليه من عدم المنافاة بين نجاسة الغسالة و طهارة المغسول. هذا كله من إمكان المنع عن شمول الجاري في الصحيحة للجاري القليل، لقلته بل ندرته في بلاد السائل، فلا يبعد دعوى انصرافه عن ذلك.

و (منها): ما تدل على عدم نجاسة الجاري بما هو جار بحيث لو اشترط فيه الكرية لم يكن لتعليق عدم النجاسة على الجاري معنى محصلا.

كمرسلة الراوندي عن علي (عليه السلام) «الماء الجاري لا ينجسه شي‌ء» «1».

و ما عن الفقه الرضوي: «إعلموا رحمكم اللّه أن كل ماء جار لا ينجسه شي‌ء» «2».

و رواية دعائم الإسلام عن علي (عليه السلام) «في الماء الجاري يمرّ بالجيف و العذرة و الدم يتوضأ منه و يشرب و ليس ينجسه شي‌ء ما لم يتغير أوصافه طعمه‌

______________________________
(1) مستدرك الوسائل ج 1 ص 26 باب 5 من أبواب الماء المطلق ح 1.

(2) مستدرك الوسائل ج 1 ص 26 باب 5 من أبواب الماء المطلق ح 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 107‌

..........

______________________________
و لونه و ريحه
«1».

و هذه الروايات و إن كانت ظاهرة الدلالة على المطلوب، لشمول إطلاقها للجاري القليل و لكن جميعها ضعيفة السند لا يمكن الاعتماد على شي‌ء منها. أما الأولى فمرسلة و أما الفقه الرضوي و دعائم الإسلام فقد حققنا حالهما في بحث المكاسب، و ذكرنا هناك أنه لم يعلم أن الفقه الرضوي روايات. بل ظاهرة أنه فتوى مستنبطة من الروايات، و لو سلم فهي مراسيل. و أما دعائم الإسلام فمؤلفه و لو سلم إنه جليل القدر إلا أنه أرسل روايات كتابه.

و (منها): صحيحة داود قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ما تقول في ماء الحمام؟ قال: هو بمنزلة الماء الجاري» «2».

بتقريب أن الظاهر منها هو أن المسئول عنه حكم المياه القليلة الموجودة في الحياض الصغار المتصلة بالمادة، و هي الخزانة، فإنه يتوهم تنجسها بملاقاة النجس خصوصا في تلك الأعصار، لدخول اليهود و النصارى و النواصب في حمامات المسلمين، و كانوا يغتسلون من تلك الحياض، كما ورد ذلك في بقية روايات الحمام فقال (عليه السلام) «هو بمنزلة الجاري» فكما أن الجاري لا ينقل بملاقاة النجس، لاتصاله بالمادة، كذلك ماء الحمام، لأنه متصل بالمادة أيضا، فيستدل بإطلاق المنزل عليه على عدم انفعاله و لو كان أقل من الكر. هذا و لكن الظاهر أن منشأ السؤال عن حكم ماء الحمام هو توهم عدم وحدة مياه الحياض الصغار مع الماء الموجود في الخزانة، لعدم كفاية الاتصال بأنبوب و نحوه بينهما في صدق الوحدة بنظر العرف فيتوهم تنجس الماء الموجود فيها، لأنه قليل يلاقي النجس مع انفصاله عن المخزن عرفا فقال (عليه السلام) دفعا لهذا التوهم: «هو بمنزلة الجاري» أي في أن بعضه عاصم للبعض الآخر، فكما أن ملاقاة النجس للجزء‌

______________________________
(1) مستدرك الوسائل ج 1 ص 25 باب 3 من أبواب الماء المطلق ح 1.

(2) الوسائل ج 1 ص 110 باب 7 من أبواب الماء المطلق ح 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 108‌

..........

______________________________
السافل من الجاري لا يوجب نجاسته، لاتصاله بالجزء العالي، فكذلك ماء الحمام، لاعتصامه بماء المخزن المتصل به و المتحد معه تعبدا، فهذا المقدار من الاتصال في ماء الحمام كاف في عدم انفعاله بنظر الشرع و أن لم يساعد عليه العرف، فالرواية ناظرة سؤالا و جوابا إلى حيثية وحدة المائين و عدمها فقط، و إنه يعتصم الماء بالوحدة التعبدية. و أما ان هذه العصمة هل تكون مشروطة بالكرية أم لا فليست الرواية في مقام بيانها كي يستدل بإطلاقها. فكأنه قال (عليه السلام) ماء الحمام بمنزلة الجاري في اعتصام بعضه ببعضه، فتكون و زان الصحيحة و زان رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت له أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب، و الصبي، و اليهودي، و النصراني، و المجوسي؟ فقال (عليه السلام) إن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا»
«1».

فإنها صريحة في مطهرية بعض الماء الموجود في النهر للبعض الآخر بمعنى المنع عن الانفعال لا زوال النجاسة كما في قوله تعالى وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فليس في الروايتين دلالة على عدم اعتبار الكرية في الجاري فلا بد في إثباته من دليل خارج.

و (منها): صحيحة ابن بزيع المتقدمة «2» و هي أحسن ما يستدل به على عدم اشتراط الكرية في الجاري، إذ قد عرفت الخدشة في الروايات المتقدمة سندا أو دلالة، و هذه ظاهرة الدلالة و قوية السند. و يمكن تقريب الاستدلال بها على كل من احتمالي رجوع التعليل إلى الذيل أو الصدر.

أما الأول فبوجهين (أحدهما) الملازمة القطعية بين عليّة المادة لرفع النجاسة عن الماء و عليّتها لدفعها عنه، لأن دفع الشي‌ء أهون من رفعه حسب الارتكاز، فإذا دلت الصحيحة على أن علة ارتفاع النجاسة عن ماء البئر بعد‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 112 باب 7 من أبواب الماء المطلق ح 7.

(2) ص 66

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 109‌

..........

______________________________
زوال تغيره هي المادة- كما هو مقتضى رجوع التعليل إلى الذيل على ما استظهرناه- تدل بالأولية على عليّتها لدفعها عنه. و بما أن إطلاق ماء البئر يشمل ما دون الكر و أن مقتضى عموم التعليل التعدي إلى غير مادة البئر- كمادة العين الجاري- تدل الصحيحة على عدم تنجس مطلق المياه إذا كان لها مادة نبعية، و منها الجاري و إن كان أقل من الكر.

(ثانيهما): هو أنه لو سلمنا عدم دلالة الصحيحة على دفع النجاسة بالأولوية فلا إشكال في دلالتها على رفعها عند زوال التغير، لأجل الاتصال بالمادة سواء كان ماء البئر كرا أم أقل. و عليه فالحكم بنجاسته بالملاقاة آنا ما في فرض القلة ثم ارتفاعها عنه للاتصال بالمادة لغو محض لا يليق صدوره بالحكيم.

توضيحة: إن ماء البئر إما كر أو أقل. و على الأول لا يتنجس بالملاقاة للكرية، فلا مجال لتعليل طهارته بالمادة، لعدم انفعال الكر و إن لم يكن متصلا بها. و على الثاني فلا يخلو الحال فيه من أحد أمور ثلاثة. إما الحكم بعدم تنجسه بالملاقاة لاتصاله بالمادة، و هو المطلوب. و إما الحكم ببقائه على النجاسة مع اتصاله بالمادة، و هذا مناف لصريح الرواية في علية المادة لرفع النجاسة الحاصلة بالتغير، فكيف بالحاصلة بالملاقاة، إذ لا يمكن الالتزام برفع الأولى دون الثانية. و أما الحكم بارتفاع النجاسة بعد حصولها آنا ما، و هذا لغو، لعدم فائدة في الحكم بنجاسة الماء آنا ما ثم الحكم بارتفاعها في الآن الثاني، فلا مناص عن الالتزام بعدم انفعال البئر القليل بالملاقاة صونا للكلام عن اللغوية و يتعدى عنه إلى الجاري لعموم التعليل.

و أما الثاني: و هو دلالة الصحيحة على عدم اشتراط الكرية بناء على رجوع التعليل إلى الصدر فواضح، لإن المراد من الوسعة كما قدمنا هو عدم انفعال بوقوع النجس فيه و إذا علل ذلك (بأن له مادة) يتعدى منه إلى غيره مما له مادة، كالجاري، و مقتضى الإطلاق شموله للكثير و القليل. فالمتحصل من الصحيحة عدم اشتراط الكرية في مطلق ماله مادة و منه الجاري. هذا تمام الكلام في الجهة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 110‌

..........

______________________________
الأولى.

و أما الجهة الثانية: و هي معارضة الصحيحة بما دل على انفعال الماء القليل من الأخبار الدالة على اشتراط الكرية مفهوما أو منطوقا فلا إشكال في تقدم الصحيحة عليها تقدم النص على الظاهر و الخاص على العام، لأن التعليل بمنزلة النص على وجود سبب آخر للاعتصام، فيرفع اليد عن ظهور أخبار الكر في السببية المنحصرة بصريح التعليل، فيكون هناك سببان لعدم انفعال الماء- الكرية و المادة- و عليه فلا تصل النوبة إلى ملاحظة النسبة بين الطرفين و أنها عموم من وجه فيتعارضان في القليل الذي له مادة و بعد التساقط يرجع إلى عموم النبوي «خلق اللّه الماء طهورا لا ينسجه شي‌ء.» «1» الدال على اعتصام الماء مطلقا، أو إلى أصالة الطهارة بناء على ضعف سنده- كما تقدم- لما عرفت من لزوم تخصيص تلك الروايات بالصحيحة.

هذا مع أنه لو قطعنا النظر عن التعليل المذكور، و لا حظنا النسبة بين صدر الصحيحة و تلك الأخبار لزمنا تقديمها عليها في مورد المعارضة و هو البئر القليل و إن كانت النسبة عموما من وجه، لاستلزام العكس إلغاء عنوان البئر، و هو أحد مرجحات العامين من وجه- كما ذكرنا في مباحث التعادل و الترجيح.

و توضيحه: إن العامين من وجه قد يكونان على نحو لا يلزم من ترجيح أحدهما على الآخر لغويّة العنوان المعلق عليه الحكم في الدليل المرجوح لتخصيصه بغير مورد المعارضة- كما في أكرم العلماء و لا تكرم الفساق- ففي مورد المعارضة- و هو العالم الفاسق- لو قدم دليل الوجوب بقي تحت دليل الحرمة الجاهل الفاسق، كما أنه لو قدم دليل الحرمة بقي تحت دليل الوجوب العالم العادل، و لا محذور في الالتزام بكل منهما، و بما أنه لا مرجح لأحدهما على الآخر فلا بد من الرجوع إلى المرجحات السندية.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 101 باب 1 من أبواب الماء المطلق ح 9.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 111‌

..........

______________________________
و قد يكونان على نحو يلزم من ترجيح أحدهما على الآخر لغوية العنوان في المرجوح لبقائه بلا مورد- كما في اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه. و لا بأس بخرء الطائر و بوله- ففي مورد المعارضة- و هو الطائر غير المأكول كالخفاش- لو قدمنا دليل النجاسة يلغو عنوان الطائر بما هو طائر، فلا يبقى وجه لتعليق طهارة الخرء و البول على عنوان الطائر، لأن الباقي تحت دليل الطهارة حينئذ إنما هو الطائر المأكول، و ليس لعنوان الطائر دخل فيها، لأن مجرد كونه مأكول اللحم يكفي في الحكم بطهارة بوله و خرئه. و هذا بخلاف العكس فإنه لو قدمنا دليل الطهارة، و التزامنا بطهارة بول الطائر و خرئه مطلقا و إن كان محرم الأكل- كما هو الأظهر- بقي تحت دليل النجاسة الحيوان غير المأكول إذا لم يكن طائرا.

و في المقام لو قدم دليل انفعال الماء القليل على الصحيحة فلا يبقى لعنوان البئر خصوصية في الحكم بالطهارة، لاختصاصها حينئذ بالبئر الكر. و الكر بنفسه عاصم سواء البئر و غيره. بخلاف العكس، فإنه إذا قدم الصحيحة يختص دليل انفعال القليل بغير البئر من المياه القليلة الراكدة، فتكون للبئر خصوصية في عدم الانفعال و إن كان أقل من الكر، و هذا هو المتعين. ثم يتعدى عن موردها إلى كل ما له مادة من المياه كالجاري و العيون و القنوات بمقتضى عموم التعليل هذا.

(و لا يخفى): ان غاية ما يستفاد من التعليل هو ثبوت الحكم لكل ماله مادة نبعية تحت الأرض كالبئر. و أما غيره- كالمياه الجارية من ذوبان الثلج- فيشكل التعدي إليه، و الحكم بعدم انفعاله إذا كان أقل من الكر و إن صدق عليه عنوان (الماء الجاري) لعدم عموم في التعليل بحيث يشمل غير ما يسانخ البئر في المادة، للفرق بين القسمين في نظر العرف. و من هنا يتوجه الفرق بين الجاري عن مادة نبعية، و الجاري عن ذوبان الثلوج في التنجس بالملاقاة، ففي الأول لا يشترط الكرية، بخلاف الثاني. نعم الأحكام الثابتة للجاري بما هو جار، كعدم اعتبار‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 112‌

و سواء كان بالفوران أو بنحو الرشح (1).

______________________________
التعدد في الغسل به، يثبت لمطلق الجاري، لأن موضوع الدليل هو هذا العنوان كما في قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم «فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة»
«1».

فالمتحصل مما ذكرنا: أنه لا دليل على اعتصام الماء الجاري بما هو جار، كي يشمل القليل و الكثير منه. و إنما العصمة ثابتة لكل ماله مادة نبعية سواء الجاري عن نبع أو غيره، كالعيون الواقفة و القنوات، لعموم التعليل في الصحيحة.

(1) لصدق المادة على ما يخرج بنحو الرشح و قد عرفت أن عمدة الدليل على اعتصام الماء الجاري هو عموم التعليل في صحيحة ابن بزيع الدال على أن مجرد الاتصال بالمادة مانع عن الانفعال بالنجاسة، و لم يقيد المادة فيها بما إذا كانت على نحو الفوران. بل الغالب في الآبار التي هي مورد الصحيحة هو الرشح كما لا يخفى فالاكتفاء به في غيرها أولى.

و في الحدائق «2» عن والده: إنه كان يطهر تلك الآبار (يعني ما كان ماؤها بطريق الترشح من الأرض) حيث كانت في قريته متى تنجست بإلقاء الكر عليها دون مجرد النزح منها. إلا أن تطهيره لها بإلقاء الكر عليها كان يجعل الكر في ظروف متعددة. ثم أشكل على والده في كيفية التطهير، لاعتبار الدفعة في إلقاء الكر. و هذا الإشكال في محله، و يشكل أيضا بعدم الحاجة إلى التطهير رأسا، لما عرفت من كفاية الترشح في عدم الانفعال.

ثم إن المراد من الرشح [1] ما يخرج على نحو النزيز- نظير المياه المجتمعة في الحفرات على جوانب الشطوط- و الفوران هو الخروج بدفع و قوة.

______________________________
[1] و في اللغة رشح الإناء: تحلب من الماء، و رشح: ندى بالعرق، و الراشح: ما يجري من الماء خلال الحجارة، و الجبال الرواشح: جبال تندى. و عليه إذا جرى الراشح فهو من الماء الجاري، و إلا فمن ذي المادة، و الفرق في حكمهما يظهر من المتن.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1002 باب 2 من أبواب النجاسات ح 1.

(2) ص 172: الطبع الحديث.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 113‌

و مثله كل نابع و إن كان واقفا (1).

[ (مسألة 1) الجاري على الأرض من غير مادة نابعة أو راشحة]

(مسألة 1) الجاري على الأرض من غير مادة نابعة أو راشحة إذا لم يكن كرا ينجس بالملاقاة (2) نعم إذا كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس أعلاه (3) بملاقاة الأسفل للنجاسة، و إن كان قليلا.

[ (مسألة 2) إذا شك في أن له مادة أم لا و كان قليلا ينجس بالملاقاة]

(مسألة 2) إذا شك في أن له مادة أم لا و كان قليلا ينجس بالملاقاة (4).

______________________________
(1) أي في عدم التنجس بملاقاة النجس- لا في مطلق أحكام الماء الجاري- لما عرفت من عموم التعليل في صحيحة ابن بزيع الدال على مانعية الاتصال بالمادة عن الانفعال بملاقاة النجس.

(2) لعدم صدق (الماء الجاري) الذي هو قسم خاص من أقسام المياه و له أحكام خاصة على مطلق ما يجري على الأرض و إن لم يكن له مادة، و عدم شمول التعليل في الصحيحة لما ليس له مادة، فيشمله أدلة انفعال الماء القليل.

(3) لما تقدم «1» من عدم سراية النجاسة إلى العالي عرفا، لأن الجريان من الأعلى يوجب تعدد العالي مع السافل في نظر العرف، فتنجس السافل لا يلازم تنجس العالي. نعم إذا لم يكن جاريا و لاقى أسفله النجس تنجس الجميع، لصدق الوحدة حينئذ، كما في الإناء إذا كان تحته ثقب و لاقى النجس أسفله، و من هنا يظهر أن المناط في عدم التنجس هو الدفع بلا فرق بين العالي و غيره، لأن الدفع هو الموجب لتعدد المائين، فلو كان الدفع من الأسفل و لاقى الأعلى النجاسة لم يتنجس السافل.

(4) إذا شك في نجاسة الماء القليل بالملاقاة للشك في اتصاله بالمادة فمقتضى قاعدة الطهارة أو استصحابها و إن كان الحكم بطهارته، إلا أن الأقوى الحكم فيه بالنجاسة- كما هو المعروف- و الكلام في مدرك ذلك.

و يمكن الاستدلال عليه بوجوه.

______________________________
(1) ص 48- 49)

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 114‌

..........

______________________________
(أحدها): عموم ما دل على انفعال الماء القليل بالملاقاة، لإحراز موضوعه مع عدم إحراز موضوع الخاص.

(و فيه): انه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لخروج القليل المتصل بالمادة عن تحت العموم، فيسقط العام عن الحجية في الخاص و إن كان التخصيص بدليل منفصل، لتقيد موضوع الحجة في العموم بعدم ذاك الخاص بمقتضى الجمع بين الدليلين، فمع احتمال وجود الخاص لم يحرز موضوع الحجة في العام لتقيده بعدمه.

و قد أوضحنا الكلام في ذلك في بحث العام و الخاص من مباحثنا الأصولية.

و لكن الذي يظهر من المصنف: القول بحجية العام في الشبهة المصداقية للخاص، لما بني عليه جملة من الفروع التي يقع البحث عنها في طي الكتاب إنشاء اللّه تعالى و إن منع عن التمسك به في موارد أخر بدعوى عدم كونه من مصاديق العام، فيمكن أن يكون حكمه بالنجاسة في هذه المسألة أيضا مبنيا على القول المذكور.

(ثانيها): قاعدة المقتضى و المانع، إذ الملاقاة مع النجس تقتضي تنجس الماء، و يشك في وجود المانع- و هو الاتصال بالمادة- و يبني على عدمه كما هو مبني القاعدة المذكورة، و قد استند إليها جملة من القدماء و بعض المتأخرين. بل أرجع الاستصحاب إلى هذه القاعدة.

(و فيه): إنه لا دليل عليها لا شرعا و لا عقلا، فإن تم أركان الاستصحاب في مورد فهو و إلا فلا مجري لهذه القاعدة، و التفصيل في محله.

(ثالثها): ما أفاده شيخنا المحقق النائيني (قده)، و بني عليه جملة من الفروع، و منها هذا الفرع، من أنه إذا كان دليل العام مشتملا على حكم إلزامي أو ما في حكمه، و خصص بعنوان وجودي فمقتضى الفهم العرفي هو اعتبار إحراز عنوان الخاص في رفع اليد عن عموم العام، فمع الشك لا بدّ من الرجوع إلى العموم لا البراءة، لأن الخارج هو خصوص ما أحرز صدق الخاص عليه فإذا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 115‌

..........

______________________________
قال المولى لعبده لا تدخل علي أحدا إلا أصدقائي فشك العبد في رجل انه صديق المولى أم لا، فليس له أن يأذن له بالدخول تمسكا بالبراءة، لأن الخارج خصوص ما علم صداقته، فالمشكوك كالمتيقن في البقاء تحت عموم النهي. و المقام من هذا القبيل، لأن الخارج عن عموم ما دل على تنجس الماء بملاقاة النجس هو المتصل بالمادة، فلا بد من إحراز الاتصال في الحكم بعدم الانفعال، و مع الشك يرجع إلى عموم دليله.

(و فيه): ما ذكرناه في الأصول [1] من أنه لا أساس لهذا الكلام، إذا لم يساعد عليه الفهم العرفي و إن كان المستثنى عنوانا وجوديا. بل حاله حال بقية التخصيصات في أن الخارج نفس عنوان الخاص، فيشكل التمسك بالعموم.

نعم لا محذور في استصحاب عدم الخاص إذا تم أركانه- كما في المثال- فإنه يستصحب عدم حصول علقة الصداقة بينه و بين المولى و به ينقح موضوع العام.

(رابعها)- و هو العمدة- استصحاب العدم الأزلي في المادة، إذ به يحرز موضوع العام بضم الوجدان إلى الأصل، فإنه بعد تخصيص عموم ما دل على انفعال الماء القليل بما دل على اعتصام ذي المادة يكون الباقي تحت العام القليل الذي لا مادة له، و القلة محرزة بالوجدان، و عدم الاتصال بالمادة بالأصل. توضيح المقال: هو أن صور الشك في اتصال القليل بالمادة أربعة.

(إحداها): الشك في بقاء الاتصال بها مع العلم بسبقه.

(ثانيتها): الشك في بقاء عدم الاتصال مع العلم بسبق عدمه. و فيهما يجري الاستصحاب بلا كلام، فيحكم في الأولى بعدم انفعال الماء بالملاقاة، و في الثانية بانفعاله.

______________________________
[1] في موارد منها بحث مجهولي التاريخ من مباحث الاستصحاب و قد أوضح الكلام دام ظلّه في الجواب، فراجع كتاب (مباني الاستنباط) من تقريرات أبحاثه دام ظله ص 215- 219).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 116‌

..........

______________________________
(ثالثتها): الشك في المتأخر من الاتصال و عدمه لتوارد الحالتين على الماء.

و يأتي الكلام فيها.

(رابعتها): الشك في مقارنته للمادة من أول وجوده، اما لعدم العلم بالحالة السابقة، أو لم تكن له حالة سابقة- نظير الشك في كون المرأة قرشية- و هذه هي محل الكلام في المقام، و انه هل يجري فيها استصحاب عدم اتصاله بالمادة أزلا أولا.

(و الحق): فيه تبعا لصاحب الكفاية (قده) جريانه، إلا أن شيخنا المحقق النائيني (قده) منع عنه، و بالغ في المنع حتى أنه مهد لتحقيق مرامه مقدمات رتب عليها عدم صحة الاستصحاب المذكور، و لا بأس بالتعرض لها و الجواب عنها على وجه الإجمال، كي نعول على ما نذكره هنا فيما بعد إن شاء اللّه تعالى «1».

(المقدمة الأولى): إن تخصيص العام بأمر وجودي أو عدمي سواء كان بمتصل أو بمنفصل استثناء كان المتصل أو غيره يوجب تقيد موضوع العام بغير ذاك الخاص، فإذا كان التخصيص بأمر وجودي يتقيد العام بعدمه لا محالة، فموضوع الحكم في قول القائل: (أكرم العلماء إلا فساقهم) العالم غير الفاسق (و الوجه في ذلك) هو أن الإهمال في الواقعيات أمر مستحيل، فلا يخلو حال أي خصوصية من خصوصيات العام من دخل وجودها أو عدمها أو عدم دخل شي‌ء منها في ترتب الحكم عليه واقعا، فإذا أخرج المولى قسما من أقسام العام على الحكم يكشف ذلك عن تقيد موضوع الحكم بعدم الخارج، و دخل عدمه في ترتب الحكم عليه، لأن دخل وجوده ينافي التخصيص و عدم دخله لا وجودا و لا عدما يستلزم التناقض، لأن الموجبة الكلية تناقض السالبة الجزئية، فالاستثناء في المثال يكشف عن دخل عدم الفسق في وجوب إكرام العالم.

(المقدمة الثانية): إن موضوع الحكم إذا كان مركبا من العرض و محله فلا بد‌

______________________________
(1) و ان شئت التفصيل فراجع (أجود التقريرات) ص 464- 483.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 117‌

..........

______________________________
و ان يكون التقييد على نحو التوصيف به لا مجرد مقارنة العرض مع المحل، لأن انقسام الشي‌ء باعتبار أوصافه و نعوته القائمة به في مرتبة سابقة على انقسامه باعتبار مقارناته، فإذا قيد العام بوجود العرض أو بعدمه فلا بد و ان يكون على نحو مفاد «كان أو ليس الناقصتين» المعبر عنهما ب‍ «الوجود و العدم النعتيين».

و الوجه في ذلك: هو أنه إذا قيد المحل بوجود العرض أو بعدمه على نحو المقارنة و مفاد «كان أو ليس التامتين» المعبر عنهما ب‍ «الوجود و العدم المحمولين» فإما أن يكون بالإضافة إلى الاتصاف بوجود العرض، أو عدمه باقيا على إطلاقه أو مقيدا به. و كلاهما باطل، أما بقائه على الإطلاق فلأدائه إلى التدافع، لاستحالة أن يكون الواجب إكرام العالم الذي لا يكون معه فسق سواء كان فاسقا أم لا، و أما التقييد به فلاستلزامه لغوية التقييد بالوجود أو العدم المحمولين، لأن التقييد بهما على وجه النعتية يغني عن التقييد بهما على وجه المحمولية.

(المقدمة الثالثة): انه لا بد في «العدم النعتي» من وجود الموضوع خارجا «كالوجود النعتي» إذ هو عبارة عن اتصاف شي‌ء بعدم العرض، و لا بد في الاتصاف من وجود الموصوف خارجا سواء أ كانت الصفة أمرا وجوديا أو عدميا، فإن اتصاف الجسم بعدم البياض لا بد فيه من وجود الجسم خارجا كاتصافه بوجوده، و هذا بخلاف «العدم المحمولي» فإنه لا يعتبر فيه وجود الموضوع إذ هو عدم الماهية فالتقابل بين «العدم النعتي» و «الوجود النعتي» تقابل العدم و الملكة فلا بد فيهما من وجود الموضوع، و التقابل بين «العدم المحمولي» و «الوجود المحمولي» تقابل السلب و الإيجاب فلا يعتبر فيهما وجود الموضوع.

إذا عرفت هذه المقدمات تعرف أن استصحاب العدم الأزلي لا يحرز به موضوع العام، لأن عدم الوصف أزلا أنما هو عدم محمولي، لأنه عدم نفس العرض، و عدمه للمحل بعد وجوده عدم نعتي، لما عرفت في المقدمة الثانية من لزوم التقييد به على نحو مفاد: ليس الناقصة، و استصحاب العدم المحمولي أزلا لا يثبت العدم النعتي، فإشكاله (قده) في استصحاب العدم الأزلي إنّما هو من أجل أنه‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 118‌

..........

______________________________
من الأصل المثبت، لأن استصحاب عدم الاتصاف لا يثبت الاتصاف بالعدم، و ليس مراده أن العدم الأزلي غير العدم المحمولي، و أن عدم العارض عند عدم المعروض غير عدمه عند وجوده فلا يكون أحدهما عين الآخر كي تكون القضية المتيقنة متحدة مع القضية المشكوكة، حتى يدفع بأن بناء الاستصحاب على صدق الشك في البقاء عرفا لا عقلا. و ذلك لوضوح أنه ليس العدم عدمين إذ لا ميز في الإعدام و إن استند العدم أزلا إلى عدم المقتضي، و فيما لا يزال إلى وجود المانع، بل الإشكال ما أشرنا إليه من عدم ثبوت العدم النعتي بالعدم المحمولي.

هذه خلاصة ما أفاده شيخنا الأستاذ (قده) في المقام.

(أقول): ما ذكره (قده) في المقدمة الأولى و الثانية لا إشكال فيه، و إنما الإشكال في المقدمة الثالثة التي هي العمدة في استدلاله على المنع. و ذلك للفرق بين تقييد العام بعنوان وجودي و تقييده بعنوان عدمي في لزوم رجوع الأول إلى التقييد بالاتصاف دون الثاني.

بيان الفارق: هو أنه إذا كان موضوع الحكم مركبا من وجود العرض و محله فالتقييد به يكون تقييدا باتصاف المحل به لا محالة لا لما ذكره (قده) من البرهان. بل لأن وجود العرض في نفسه عين وجوده لغيره، و لا معنى للاتصاف إلا ثبوت شي‌ء لشي‌ء، ففي قول القائل: «أكرم العلماء العدول» الموضوع هو العام المتصف بالعدالة لا محالة.

و أما إذا كان مركبا من المحل و عدم العرض فما هو الموافق للخارج و طبيعة نفس الأمر التقييد بعدم العرض، لأن المحل لم يتصف بالعرض الخاص حقيقة و في نفس الأمر.

و أما الاتصاف بعدمه فهو أمر اعتباري يحتاج إلى اللحاظ و مؤنة زائدة، فلا بد في التقييد به من نصب قرينة في الكلام تدل عليه، و المفروض عدمها، فإذا خصص العام بعنوان وجودي كان الباقي تحته بعد التخصيص ما ليس بذاك الخاص، لا المتصف بعدمه، ففي المثال يكون موضوع الحكم العالم غير المتصف‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 119‌

..........

______________________________
بالفسق لا المتصف بعدمه، و أما الاستدلال عليه بما ذكره (قده) فيمكن قلبه: بأن يقال: إذا قيد الموضوع بالاتصاف بالعدم، فإما أن يكون بالإضافة إلى عدم الاتصاف باقيا على إطلاقه أو مقيدا به، و الأول موجب للتهافت، و الثاني لغو.

و الحلّ: هو أن كلا من التقييدين يغني عن الآخر، و لا يبقى مجالا للإطلاق أو التقييد فيه، غير أن التوصيف بالعدم أمر اعتباري لحاظي لا واقعي حقيقي، و الانقسامات التي لا بد لكل متكلم غير غافل من لحاظها إنما هي الانقسامات الحقيقية كانقسام العالم إلى المتصف بالعدالة و غير المتصف بها فإذا ثبت التقييد بغير المتصف بالأمر الوجودي كان ذلك مغنيا عن التقييد بالاتصاف بالعدم. و أن شئت قلت أن الإطلاق و التقييد بالإضافة إلى الاتصاف بالعدم إنما يلحقان الماهية بعد أعمال المؤنة الزائدة، و بدونه لا موضوع للإطلاق و التقييد، فإن المعروض في طبعه إما متصف بالعرض أو غير متصف به، و أما اتصافه بالعدم فهو محتاج إلى إعمال عناية زائدة كما عرفت.

فظهر مما ذكرنا أن الباقي تحت عموم ما دل على انفعال الماء القليل بعد تخصيصه بما دل على اعتصام ماله المادة القليل الذي لا مادة له على نحو العدم المحمولي إذ الخارج عنوان وجودي فيتقيد العام بعدمه لا محالة فموضوع الانفعال مركب من الماء القليل و عدمه اتصاله بالمادة، و هو قبل وجوده لم يكن متصلا بها من باب السلب بانتفاء الموضوع، و بعده كذلك بمقتضى الاستصحاب، و به يتم كلا جزئي الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل، و ما ذكرناه هو الموافق لما عليه المحقق صاحب الكفاية (قده) من صحة استصحاب العدم الأزلي.

و أما (الصورة الثالثة): و هي توارد الحالتين- و لم يتعرض لها المصنف في المقام-: فلا يجري فيها استصحاب العدم الأزلي، لانقطاعه بالعلم بالاتصال بالمادة في زمان، كما أن استصحاب عدم اتصاله بها بعد وجوده أيضا غير جار، إما لمعارضته باستصحاب اتصاله بالمادة في زمان- كما هو المختار في جميع موارد توارد‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 120‌

..........

______________________________
الحالتين- و إما لعدم جريانه في نفسه، لعدم اتصال زمان اليقين بالشك- كما عليه صاحب الكفاية- و كيف كان فلا مجرى للاستصحاب الموضوعي في هذه الصورة. و أما الرجوع إلى عموم ما دل على نجاسة الماء القليل فهو من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لعدم جريان الأصل المنقح لموضوعه، و قاعدة المقتضى و المانع غير تامة، و نحوها القاعدة التي عول عليها شيخنا المحقق النائيني من لزوم إحراز المخصص الوجودي للعام المشتمل على حكم إلزامي- كما عرفت- نعم يأتي من المصنف
«1» الحكم بعدم تنجس الماء المشكوك كريته بالملاقاة مع عدم العلم بحالته السابقة، و أنه لا يحكم بطهارة متنجس غسل فيه، و هذا الفرع نظير ما نحن فيه لو لم نقل فيه بجريان استصحاب العدم الأزلي في الكرية، إذ مع عدمه لا بد من ملاحظة الأصل في كل من الماء و ما غسل فيه، أما الماء فمقتضى الأصل فيه الطهارة إما للاستصحاب أو لقاعدة الطهارة، كما أن مقتضى الاستصحاب نجاسة المغسول فيه. و لا مانع من التفكيك بين المتلازمين في الأحكام الظاهرية و إن استحال في الحكم الواقعي، إذ بقاء الماء على طهارته الواقعية يلازم طهارة المغسول فيه واقعا كما ان نجاسة المغسول واقعا تلازم نجاسة الماء، إلا أن قد ذكرنا في محله، ان التفكيك في مجاري الأصول- أي التفكيك بين المتلازمين في الحكم الظاهري- غير عزيز، و مجرد العلم بكذب أحد الأصلين ما لم يستلزم مخالفة عملية لا محذور فيه، و ليس المقام داخلا في مسألة الأصل السببي و المسبّبي حتى يكون الأصل في السبب حاكما على الأصل في المسبب- كما في غسل الثوب بالماء المشكوك طهارته- لأن الشك في طهارة الماء هناك لم ينشأ من ناحية غسل الثوب فيه. بل نشأ من جهة خارجية بخلاف المقام، إذ الشك في بقائه على الطهارة إنما هو من ناحية غسل النجس فيه.

و بالجملة: لو منعنا عن استصحاب العدم الأزلي في الكرية فلا فرق بين‌

______________________________
(1) في المسألة «7»، من فصل الماء الراكد.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 121‌

[ (مسألة 3) يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة]

(مسألة 3) يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة (1) فلو كانت المادة من فوق تترشح و تتقاطر. فإن كان دون الكر ينجس. نعم إذا لاقى محل الرشح للنجاسة لا ينجس.

______________________________
المسألتين على مسلك المصنف.

و لكن لا يخفى أن الحكم بطهارة الماء عملا بالاستصحاب أو بقاعدة الطهارة و إن كان متينا، إلّا أن الحكم بنجاسة ما غسل فيه لا يستقيم على إطلاقه، لأنا إذا لم نعتبر ورود الماء القليل على المغسول به و اكتفينا بمجرد الغسل في طهارة المغسول و إن ورد النجس على الماء- كما قيل- فلا وجه للحكم بنجاسة المغسول فيه، للقطع بحصول طهارته و إن لم يكن القليل متصلا بالمادة، أو لم يكن الماء كرا، و أما إذا اعتبرنا الورود فلا بد من النظر في دليله، فإن كان الدليل ما قيل من تنجس الماء إذا ورد عليه المتنجس بملاقاته أول جزء منه و يسقط عن قابلية التطهير به فلا يأتي في المقام، لما عرفت من لزوم الحكم بطهارة الماء، للأصل نعم إذا كان الدليل الجمود على لفظ الصب المذكور في الروايات الواردة في كيفية غسل المتنجسات، و استظهار شرطية الورود منها إذا كان الماء قليلا فلا بد من الحكم بنجاسة المغسول، للشك في حصول الشرط حينما كان الماء الذي يرد عليه الجسم المتنجس قليلا يشك في اتصاله بالمادة، أو كان مشكوك الكرية.

(1) قد عرفت أن العبرة في اعتصام الجاري على ما صرح به في صحيحة ابن بزيع كونه ذا مادّة و ظاهره بمقتضى الفهم العرفي هو الاتصال بها، لا مجرد وجود المادة و إن لم تكن متصلة، فلو انفصلت عن الماء من جهة قصور في المقتضى لضعف المادة أو من جهة وجود المانع، لفصل بالطين و نحوه ينفعل الماء بملاقاة النجس إذا كان أقل من الكر، فلو كان الماء المجتمع من الرشح و التقاطر منفصلا عنها و كان أقل من الكر ينجس بملاقاة النجس. نعم محل الرشح لا ينجس بالملاقاة لاتصاله بالمادة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 122‌

[ (مسألة 4) يعتبر في المادة الدوام]

(مسألة 4) يعتبر في المادة الدوام (1) فلو اجتمع الماء من المطر أو غيره تحت الأرض، و يترشح إذا حفرت لا يلحقه حكم الجاري.

______________________________
(1) مراده (قده) من دوام النبع كما يظهر من التفريع بقوله: فلو اجتمع الماء من المطر. أن يكون النبع في المادة بحسب طبعها لا بالجعل و عارض خارجي، كما إذا اجتمع ماء المطر تحت الأرض أو صب الماء في محل، فإن ذلك لا يكفي في اعتصام الماء و لو جرى بحفر الأرض، لانصراف صحيحة ابن بزيع عن مثله- كما لا يخفى- فلا إجمال في مراد المصنف، بل لا يخفى ظهوره فيما ذكرناه بقرينة التفريع.

نعم اعتبر الشهيد الأول (قده) في الدروس دوام النبع في الجاري، و تبعه في ذلك الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد في موجزه- على ما حكي عنه في الحدائق- و الظاهر أنه لم يسبقه أحد من العلماء في هذا الشرط و قد اختلفوا في تفسير مراده على احتمالات:

(أحدها) ما عن أكثر المتأخرين عنه منهم الشهيد الثاني في روض الجنان من أن المراد بدوام النبع عدم الانقطاع في أثناء الزمان- ككثير من المياه التي تخرج زمن الشتاء و تجف في الصيف- إذ لا يحتمل إرادة عدم الانقطاع إلى الأبد، إذ لعله لم يوجد له مصداق في الخارج، فالمراد الاحتراز عما ذكرناه فينفعل بملاقاة النجس و لو في زمان نبعه، و اعترض عليه بعد أن فسره بذلك: بأنه لا دليل عليه، و أورد عليه صاحب الحدائق (قده) مضافا إلى ذلك: بأنه إن أريد به ما يعم الزمان كله فلا ريب في بطلانه، إذ لا سبيل إلى العلم به، و إن خص ببعضها فهو مجرد تحكم. فلا ضابطة لهذا الشرط و ما ذكره متين جدا، و لعله لضعف هذا التفسير و وضوح بطلانه عبر المحقق الثاني (قده) عمن فسره بذلك: ببعض من لا تحصيل له. و كيف كان فضعف هذا الاحتمال من الظهور بمكان و إن كان ظاهر اللفظ هو ذلك. و من هنا نبه المصنف على عدم اعتبار هذا المعنى في المسألة السابعة بقوله: العيون التي تنبع في الشتاء مثلا و تنقطع في الصيف يلحقها الحكم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 123‌

..........

______________________________
في زمان النبع.

(الاحتمال الثاني) أن يكون المراد بدوام النبع استمراره حال ملاقاة النجاسة كما احتمله المحقق الثاني (قده) فالجاري القليل الذي يخرج مائه آنا فآنا بحيث لم يكن له مادة بين الزمانين لضعفها يحكم عليه بالنجاسة إذا لاقى النجس، للشك في وجود المادة حال الملاقاة، فيشمله عموم ما دل على انفعال الماء القليل من دون معارض.

(و فيه) أولا: إن هذا لا يزيد على اشتراط المادة، إذ حال الانقطاع و الفصل بين الزمانين لا مادة له، فزيادة هذا القيد لا فائدة فيها.

و ثانيا: أنه لو سلم إرادته من القيد المذكور فلا يصح التمسك بعموم أدلة الانفعال عند الشك في خروج المادة، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية- و قد عرفت فساده- و حيث أن المفروض توارد الحالتين على الماء فلا يجري فيه استصحاب العدم الأزلي، كي ينقح به موضوع العام، للعلم بانتفاض الحالة السابقة، و استصحاب عدم الاتصال فيما لا يزال معارض باستصحاب الاتصال به، فالمرجع قاعدة الطهارة في الماء، و استصحاب النجاسة في المغسول فيه- كما تقدم في ذيل المسألة الثانية في الصورة الرابعة.

(الاحتمال الثالث) ما عن بعض الفضلاء المحدثين- على ما في الحدائق- «1» من أنه احتراز عما لا ينبع ثانيا إلا بعد حفر جديد، فإنه فسر النابع على وجوه:

(أحدها): أن ينبع الماء حتى يبلغ حدا معينا ثم يقف و لا ينبع ثانيا إلا بعد إخراج بعض الماء.

و (ثانيها): أن لا ينبع ثانيا إلا بعد حفر جديد كما هو المشاهد في بعض الأراضي.

______________________________
(1) ج 1 ص 196 الطبعة الأخيرة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 124‌

..........

______________________________
و (ثالثها): أن ينبع الماء و لا يقف إلى حد كما في العيون الجارية. و قال:

«و شمول الأخبار المستفاد منها حكم الجاري للوجه الثاني غير واضح، فيبقى تحت ما يدل على اعتبار الكرية و كأن مراد شيخنا الشهيد (رحمه اللّه) ما ذكرنا، و بذلك اندفع عنه ما أورد عليه».

(و فيه): أن دوام النبع بهذا المعنى و إن لم يكن بعيدا عن كلام الشهيد إلا أنه لا يزيد على اعتبار الاتصال بالمادة، فإنه لا مادة لهذا الماء الموجود في الحفرة إذا فرض أنه لا يخرج منها الماء إلا بحفر جديد. و ذلك لأن الظاهر من لفظ المادة هو ما يستمد منه الماء شيئا فشيئا بحيث يمد الماء إذا أخذ منه مقدار- كما في العيون و الآبار المتعارفة- فإن مادة البئر هي التي تزودها ماء بمقدار ما نزح بحيث يتجدد الماء كما أخذ منه. و هذا المعنى هو المستفاد من صحيحة ابن بزيع التي هي العمدة في المقام فإنه (عليه السلام) رتب فيها ذهاب الريح و طيب طعم الماء على النزح من البئر بقوله (عليه السلام): «فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه» و علل طهارتها بعد النزح بوجود المادة لها، و من المعلوم أنه لا يترتب على النزح ذهاب أوصاف النجس إلا بخروج ماء جديد شيئا فشيئا بحيث كلما نزح مقدار من الماء خرج مثله إلى أن يخلو البئر من الماء المتغير فالمادة التي علل بها طهارة البئر في الصحيحة إنما هي هذا القسم فلا يمكن التعدي إلى ما يحتاج في تجدد نبعه إلى الحفر، فلو كان أقل من الكر حكم بنجاسته بالملاقاة.

(الاحتمال الرابع) أن يراد به عدم انقطاع النبع لمانع- كالطين و نحوه- فإذا انقطع بذلك تنجس بالملاقاة، لعدم اتصاله بالمادة في ظرف الملاقاة و إن كانت المادة قوية في نفسها.

(و فيه): أن هذا أيضا لا يزيد على اعتبار الاتصال بالمادة، فاشتراط دوام النبع يكون مستدركا، فلا بد من حمله على التوضيح لو كان مراده هذا المعنى.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 125‌

[ (مسألة 5) لو انقطع الاتصال بالمادة- كما لو اجتمع الطين]

(مسألة 5) لو انقطع الاتصال بالمادة- كما لو اجتمع الطين فمنع من النبع- كان حكمه حكم الراكد (1) فإن أزيل الطين لحقه حكم الجاري و إن لم يخرج من المادة شي‌ء، فاللازم مجرد الاتصال.

______________________________
(الاحتمال الخامس) أن يكون المراد من دوام النبع قوته و شدته بحيث يفيض و يحصل فيه الجريان، فيكون احترازا عما لم يجر لعلو أطرافه، كما في الآبار و أكثر العيون التي يقف نبعها بوصول الماء إلى حد خاص دون سطح الأرض أو لا يتجاوزه.

(و فيه): أنه لا دليل على اعتبار ذلك، و إنما يعتبر الاتصال بالمادة، كما دل عليه الصحيحة، و هي لا تختص بما له شدة و قوة. نعم لو كان الدليل ما أخذ فيه عنوان الجاري لكان لهذا الاحتراز وجه، لعدم صدق الجاري على ما ذكر. نعم لا يثبت أحكام الجاري- ككفاية الغسل مرة في ما تنجس بالبول- في غير ماله جريان بالفعل، إلا أنه خارج عن محل الكلام.

و الأولى أن يفسر كلام الشهيد (قده) بما فسرنا به كلام المصنف من أنه يعتبر في المادة أن تكون طبيعية لا جعلية- كما تقدم- و هذا معنى صحيح لا إشكال في اعتباره، لعدم الدليل على كفاية غيره، إلّا أنه مع ذلك لا يزيد على اعتبار الاتصال بالمادة بعد ظهورها في المادة الطبيعية النابعة من عروق الأرض.

فتلخص من جميع ما ذكرنا أن محتملات كلامه (قده) لا تخلو إما من اعتبار الاتصال بالمادة و هو أمر صحيح إلا أنه ليس شرطا آخر و إما من اعتبار أمر آخر لا دليل عليه، فالمعتبر في عدم انفعال القليل هو اتصاله بمادة طبيعية فقط.

(1) و ذلك لما تقدم من اعتبار الاتصال بالمادة و مع وجود المانع لا اتصال بها.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 126‌

[ (مسألة 6) الراكد المتصل بالجاري كالجاري]

(مسألة 6) الراكد المتصل بالجاري كالجاري (1) [1] فالحوض المتصل بالنهر بساقية يلحقه حكمه، و كذا أطراف النهر، و إن كان ماؤها واقفا.

[ (مسألة 7) العيون التي تنبع في الشتاء- مثلا- و تنقطع في الصيف]

(مسألة 7) العيون التي تنبع في الشتاء- مثلا- و تنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها (2).

[ (مسألة 8) إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر فالطرف المتصل بالمادة]

(مسألة 8) إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر فالطرف المتصل بالمادة لا ينجس بالملاقاة (3) و إن كان قليلا، و الطرف الآخر حكمه حكم الراكد (4) إن تغيّر تمام قطر ذلك البعض المتغيّر، و إلا فالمتنجس هو المقدار المتغيّر فقط، لاتصال ما عداه بالمادة.

______________________________
(1) لا بد من تقييده بخصوص عدم الانفعال بملاقاة النجس إذ بقية أحكام الجاري- كالاكتفاء بالمرة في غسل المتنجس بالبول- مختصة بما فيه وصف الجريان بالفعل، فلا تثبت في الراكد المتصل به.

(2) و الوجه فيه ظاهر، لأن مناط الاعتصام الاتصال بالمادة فيدور مداره وجودا و عدما و قد تقدم «2» احتمال إرادة هذا المعنى من دوام النبع في كلام الشهيد (قده) إلا أن الاحتراز عن مثل ذلك حتى في حال النبع لا وجه له- كما تقدم.

(3) لاتصاله بالمادة و إن كان من الطرف الآخر متصلا بالمتغير.

(4) لأن الفصل بالمتغير كالفصل بعين النجس أو بالحائل في كونه قاطعا عن المادة.

توضيح المقال: إن التغير إما أن يستوعب لجميع الماء أو لبعضه، و على الأول فلا إشكال‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «المتصل بالجاري كالجاري»: (في الاعتصام و عدم انفعاله بالملاقاة).

______________________________
(2) في ذيله مسألة 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 127‌

..........

______________________________
في نجاسة جميعه- كما تقدم- و على الثاني فإما أن لا يكون البعض المتغير قاطعا لعمود الماء- بأن كان غير المتغير متصلا بعضه ببعض- فلا يحكم إلا بنجاسة خصوص البعض المتغير، و أما الباقي فمحكوم بالطهارة و إن كان أقل من الكر، لاتصاله بالمادة، و إما أن يكون قاطعا- بأن استوعب التغير في ذلك البعض قطر الماء في أبعاده الثلاثة- و فيه يحكم بنجاسة المتغير، و اما ما بعده ففي حكم الراكد، فإن كان كرا يبقى على طهارته، و إن كان أقل يحكم بنجاسته، لملاقاته مع المتغير، فيشمله عموم أدلة انفعال القليل، لانقطاعه عن المادة، لأن الفصل بالمتغير كالفصل بعين النجس أو بحائل آخر في كونه قاطعا عن المادة، إذ الظاهر مما دل على اعتبار الاتصال بالمادة الاتصال بنفس الماء، فالفصل بالمتغير كالفصل بالأجنبي في نظر العرف، فلا ينبغي توهم الاتصال- كما عن بعض.

نعم في الجواهر «1» بعد أن ضعّف احتمال أن يكون المتغير سببا للاتصال فيشك في شمول أدلة الجاري له قال: «يمكن أن يقال إن تغير بعض الجاري لا يخرج البعض الأخر من هذا الإطلاق، و أيضا احتمال الدخول تحت الجاري معارض باحتمال الخروج، فيبقى أصل الطهارة سالما، فيحكم عليه حينئذ بالطهارة فتأمل جيدا».

أقول: قد ذكرنا أنه ليس بأيدينا من الأخبار المعتبرة ما يدل على عدم انفعال الجاري- بهذا العنوان- كي يتمسك بإطلاقه، لما عرفت من ضعف ما يتوهم دلالته على ذلك إما سندا أو دلالة، و إنما اعتمدنا في عدم انفعال الجاري على ما دل على الاعتصام بالمادة- أعني عموم التعليل الوارد في صحيحة ابن بزيع بقوله (عليه السلام): لأن له مادة- و ما بعد المتغير المستوعب لعمود الماء لا يكون متصلا بها، لأن المادة- كما ذكرنا- هي ما يمد الشي‌ء بحيث كلما نقص عنه تخلف مكانه من المادة، و هذا الماء الذي هو بعد المتغير لا يستمد من المادة،

______________________________
(1) ج 1 ص 89 الطبعة السادسة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 128‌

..........

______________________________
لانفصاله عنها بالماء النجس بل يستمد من المتغير لو أخذ منه شي‌ء، فالفصل به كالفصل بالحاجب كالطين و الخشب و نحوهما، فلو كان قليلا يحكم بنجاسته بلا ترديد و إذا كان كرا فيعتصم بنفسه لا بالمادة.

ثم إنه لو شك في صدق الاتصال مع الفصل بالمتغير فهل المرجع أصل الطهارة- كما أفاد قده- أولا؟

و (الصحيح): ان المقام من صغريات دوران الأمر بين الرجوع إلى العام أو استصحاب حكم المخصص، لأن مقتضى عموم ما دل على انفعال الماء القليل هو نجاسته مطلقا و إن اتصل بالمادة، خرج منه المتصل بها، فإذا كان فرد من الماء متصلا بالمادة سابقا كان في هذا الحال محكوما بحكم الخاص- أعني الاعتصام- فإذا شك في بقائه على ما هو عليه من جهة انفصاله عن المادة بالماء المتغير، و شككنا في بقاء حكمه، لإجمال المخصص من جهة الشك في صدق الاتصال على ما انفصل بالمتغير يدور الأمر بين الرجوع إلى عموم ما دل على انفعال القليل أو استصحاب الاعتصام الذي كان ثابتا له قبل الفصل بالمتغير، فإن قلنا بأن المرجع هو استصحاب حكم المخصص مطلقا، أو في خصوص ما إذا لم يكن الزمان مكثرا للموضوع- بأن كان مأخوذا على نحو الظرفية و الاستمرار للحكم كما في المقام: فإن هذا الفرد من الماء كان محكوما بالاعتصام قبل انفصاله بالمتغير لاتصاله بالمادة يقينا ثم يشك في بقائه على ما كان للشك في بقاء الاتصال- كان المرجع استصحاب الطهارة. و إن قلنا بالتوقف و لم نتمكن من ترجيح أحد القولين كان المرجع قاعدة الطهارة لسقوط الدليلين.

و لعل صاحب الجواهر (قده) كان يرى المرجع استصحاب حكم المخصص أو قاعدة الطهارة.

هذا و لكن حققنا في بحث الاستصحاب أن المرجع في تلك المسألة هو عموم العام حتى فيما لم يكن الزمان مفردا، لما ذكرناه هناك من أن مرجع الشك في مفهوم المخصص سعة و ضيقا من جهة إجمال المفهوم إلى الشك في الأقل و الأكثر،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌1، ص: 129‌

..........

______________________________
فيشك في التخصيص الزائد، فيؤخذ بالقدر المتيقن من التخصيص، و يرجع في الباقي إلى عموم العام، للشك في التخصيص الزائد، و مقتضى العموم في المقام هو الانفعال فالمتجه هو القول بتنجس ما بعد المتغير إذا كان أقل من الكر حتى لو شك في صدق الاتصال.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net