فصل: الماء المستعمل 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9821

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌2، ص: 98

[فصل: الماء المستعمل]

فصل: الماء المستعمل:

______________________________
الماء المستعمل في الوضوء، الماء المستعمل في الأغسال المندوبة الماء المستعمل في الحدث الأكبر، جواز استعماله في رفع الحدث، تحرير محل النزاع، أدلة المانعين و الجواب عنها، ماء الاستنجاء، ماء الغسالة، شرائط ماء الاستنجاء،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 99‌

فصل الماء المستعمل في الوضوء طاهر، و مطهّر من الحدث و الخبث (1)

______________________________
فصل في الماء المستعمل

(1) إذا استعمل الماء في تنظيف شي‌ء طاهر من القذارات، و الأوساخ العرفية، أو استعمل في تطهير النجس مع الحكم بنجاسته- كالغسالة التي لا تتعقب طهارة المحل- فلا اشكال و لا خلاف في حكمه، إذ الأول طاهر و مطهر من الحدث و الخبث، و الثاني نجس غير مطهر، و هذا واضح.

و اما المستعمل في غير ذلك فهو على أربعة أقسام: (أحدها) أن يكون رافعا للحدث الأصغر، كالوضوء الرافع (ثانيها) أن لا يكون رافعا للحدث أو الخبث، كالماء المستعمل في الأغسال المندوبة فيما إذا لم يكن المغتسل محدثا بالأكبر و لا بالأصغر، أو كان و لكن لم نقل بكونه رافعا للحدث، و كالوضوء التجديدي (ثالثها) أن يكون رافعا للحدث الأكبر من الجنابة و الحيض و نحو هما (رابعها) أن يكون رافعا للخبث مع الحكم بطهارته، كماء الاستنجاء و الغسالة المتعقبة لطهارة المحل- بناء على الحكم بطهارتها كما هو الصحيح- و لا بد من بيان حكم كل من هذه الأقسام الأربعة تبعا لما في المتن.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 100‌

..........

______________________________
الماء المستعمل في الوضوء أما القسم الأول- و هو المستعمل في رفع الحدث الأصغر- فلا اشكال و لا خلاف بيننا في كونه طاهرا، و مطهرا من الحدث و الخبث، فيجوز استعماله في الوضوء ثانيا و ثالثا و هكذا للمتوضئ الأول أو غيره. بل ادعى ضرورة المذهب على طهارته، و الإجماع على طهوريته. و يكفى فيهما مضافا الى ذلك إطلاقات ما دل على طهورية الماء من الآيات و الأخبار «1» لأنها لم تقيد بما قبل استعماله في رفع الحدث، و معها لا حاجة الى أصالة الطهارة في إثبات طهارته، لعدم احتمال طرو النجاسة، لأن المفروض طهارة أعضاء الوضوء، فيكون الماء الذي لاقاها طاهرا ضرورة، و لا الى الاستصحاب في إثبات طهوريته كي يقال بأنه استصحاب تعليقي، أو أن الشبهة حكمية، و لا يجرى فيه الاستصحاب. نعم مع قطع النظر عن الإطلاقات تصل النوبة إلى الأصول، و مقتضاها ما ذكر.

هذا مضافا الى ما في بعض الروايات من التصريح بجواز استعماله في الوضوء، كما ورد في ذيل رواية عبد اللّه بن سنان «2» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «و أما الذي يتوضأ الرجل به، فيغسل به وجهه و يده في شي‌ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره، و يتوضأ به».

و ما روى زرارة [1] عن أحدهما عليهما السّلام قال: «كان‌

______________________________
[1] الوسائل ج 1 ص 152 في الباب 8 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 1.

و قد روي من طرق العامة ما يقرب من ذلك: ففي عمده القارئ في شرح البخاري ص 823

______________________________
(1) ذكرناها في الجزء الأول: القسم الثاني ص 5- 15، الطبعة الثانية.

(2) الوسائل ج 1 ص 154 في الباب 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 13.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 101‌

..........

______________________________
النبي صلّى اللّه عليه و آله إذا توضأ أخذ ما يسقط من وضوئه، فيتوضؤون به».

و بالجملة: اتفقت أقوال الخاصة على طهارة الماء المستعمل في الوضوء، و كونه رافعا للحدث و الخبث من دون نقل خلاف في ذلك، إلا عن المفيد «1» فإنه قال: باستحباب التنزه عنه.

نعم نسب [1] الى أبى حنيفة القول بنجاسة الماء المستعمل في‌

______________________________
روى عن أبي جحيفة انه قال: «خرج علينا النبي- ص- بالهاجرة فأتى بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به.».

ثم قال في ص 824 في بيان استنباط الأحكام من هذا الحديث: ان فيه دلالة ظاهرة على طهارة الماء المستعمل إذا كان المراد انهم كانوا يأخذون ما سال من أعضائه عليه السّلام، لا ما فضل في الإناء لتبركه بوصول يده المباركة فيه انتهى ملخصا. و نحوها غيرها من الروايات رواها في سنن البيهقي ج 1 ص 235 (باب طهارة الماء المستعمل).

[1] ففي كتاب بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 66: «و روى محمد عن أبي حنيفة انه- يعنى الماء المستعمل- طاهر غير طهور، و به أخذ الشافعي، و هو أظهر أقوال الشافعي. و روى أبو يوسف و الحسن بن زياد عنه: انه نجس غير ان الحسن روى عنه انه نجس نجاسة غليظة يقدر فيه بالدرهم، و به أخذ. و أبو يوسف روى عنه: انه نجس نجاسة خفيفة، يقدر فيه بالكثير الفاحش، و به أخذ. (الى ان قال) ثم مشايخ بلخ حققوا الخلاف، فقالوا الماء المستعمل نجس عند أبي حنيفة، و ابي يوسف، و عند محمد طاهر غير طهور و مشايخ العراق لم يحققوا الخلاف، فقالوا انه طاهر غير طهور عند أصحابنا حتى روي عن القاضي أبي حازم العراقي: انه كان يقول: انا نرجو أن لا تثبت رواية نجاسة الماء المستعمل عن أبي حنيفة، و هو اختيار المحققين من مشايخنا بما وراء النهر».

و في كتاب المحلى لابن حزم ج 1 ص 185: «و قال أبو حنيفة لا يجوز الغسل، و لا الوضوء بماء قد

______________________________
(1) كما في الحدائق ج 1 ص 436- 437 طبع النجف 1376 ه‍ نقلا عن الشهيد في الدروس.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 102‌

..........

______________________________
الوضوء و الغسل. و قد روى [1] عنه أيضا القول بأنه طاهر غير طهور، إلا أن بعضهم
«2» قوى نسبة القول بالنجاسة اليه، و إن اختلفوا في روايته عنه انه نجس نجاسة مخففة، فيجوز الصلاة مع الثوب الذي أصابه الماء المستعمل، إلا أن يكون فاحشا، أو مغلظة حتى انه إذا أصاب الثوب أكثر من درهم لا يجوز الصلاة فيه و استثنى القطرات، لأن نجاستها أو الاجتناب عنها حرجية، و هو من غرائبه، إذ لا موجب لنجاسة الماء مع فرض طهارة بدن المتوضئ و المغتسل.

و أما باقي المذاهب [2] فاتفقوا على انه طاهر، و اختلفوا في انه طهور أم لا.

______________________________
- توضأ به، أو اغتسل به، و يكره شربه. و روى عنه: انه طاهر. و الأظهر عنه انه نجس، و هو الذي روى عنه نصا، و انه لا ينجس الثوب إذا اصابه الماء المستعمل، إلا ان يكون كثيرا فاحشا (الى ان قال) و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: ان كان رجل طاهر قد توضأ للصلاة، أو لم يتوضأ لها، فتوضأ في بئر فقد تنجس ماؤها كله، و تنزح كلها، و لا يجزيه ذلك الوضوء إن كان غير متوضئ، فان اغتسل فيها ايضا انجسها كلها. و كذلك لو اغتسل و هو طاهر غير جنب في سبعة آبار نجسها كلها. و قال أبو يوسف: ينجسها كلها و لو انها عشرون بئرا.».

[1] كما عرفت مما نقلناه آنفا من كتابي بدائع الصنائع و المحلى. و في عمدة القارئ في شرح البخاري للعيني الحنفي ج 1 ص 822 «باب استعمال فضل وضوء الناس»: اختلف الفقهاء فيه فعن أبي حنيفة ثلاث روايات (الاولى) ما رواه عنه أبو يوسف: انه نجس مخفف (الثانية) رواية الحسن بن زياد عنه: انه نجس مغلظ (الثالثة) رواية محمد بن الحسن عنه: انه طاهر غير طهور، و هو اختيار المحققين من مشايخ ما وراء النهر، و عليه الفتوى عندنا.

[2] في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 4: عد الماء القليل المستعمل من أنواع الماء

______________________________
(2) كما في بدائع الصنائع و المحلى كما ذكرنا آنفا و غيرهما.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 103‌

و كذا المستعمل في الأغسال المندوبة (1)

______________________________
الماء المستعمل في الأغسال المندوبة

(1) هذا هو القسم الثاني من أقسام الماء المستعمل- التي تقدم الإشارة إليها آنفا- و هو ما لا يرفع حدثا و لا خبثا- كالأغسال المندوبة، سواء وجبت بنذر و شبهه أم لا، بناء على انها لا ترفع الحدث، أو أن المغتسل لم يكن محدثا، و كالوضوء التجديدي- و هذا كالقسم الأول لا ينبغي الإشكال في طهارته، و لا في كونه رافعا للحدث و الخبث، لإطلاق أدلة طهورية الماء من دون أن يثبت لها تقييد في المقام.

و لم ينقل الخلاف في ذلك إلا عن المفيد في المقنعة حيث ذهب الى استحباب التنزه عما استعمل في طهارة مندوبة من الغسل و الوضوء، بل الغسل المستحب- كغسل اليد للأكل- و «أورد عليه» المشهور بأنا لم نقف له‌

______________________________
الطاهر غير الطهور قولا واحدا في طهارته. و كان مؤلفيه لم يحققوا نسبة القول بالنجاسة الى ابي حنيفة، و في أدنى الصفحة: ان المالكية قالوا استعمال الماء لا يسلب طهوريته، و لو كان قليلا، فهو من قسم الطهور.

فيظهر منه اتفاق المذاهب الأربعة على طهارته، و ان اختلفوا في طهوريته.

ثم ذكر في ص 5: اختلاف المذاهب في تعريف الماء المستعمل، إلا انه يظهر مما ذكره في أدنى الصفحة اتفاقهم على ان الماء الذي يرفع به الحدث من أقسام الماء المستعمل. فراجع.

و في عمدة القارئ ج 1 ص 822: «و قال قاضيخان و رواية التغليظ رواية شاذة غير مأخوذ بها، و به يرد على ابن حزم قوله: الصحيح عن أبي حنيفة نجاسته. و قال عبد الحميد القاضي: أرجو ان لا تثبت رواية النجاسة فيه عن أبي حنيفة. و عند مالك طاهر و طهور، و هو قول النخعي، و الحسن البصري و الزهري، و الثوري، و ابى ثور. و عند الشافعي طاهر غير طهور، و هو قوله الجديد، و عند زفران كان مستعملة طاهرا فهو طاهر و طهور، و ان كان محدثا فهو طاهر غير طهور».

و في كتاب الأم للشافعي ج 1 ص 25 التصريح بطهارته و عدم طهوريته، فراجع.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 104‌

..........

______________________________
على دليل من الأخبار، بل و لا من الاعتبار. و «أجاب عنه» شيخنا البهائي (قده) في حبل المتين
«1» باحتمال أن يكون مستنده ما رواه في الكافي «2» عن محمد بن على بن جعفر عن الرضا عليه السّلام (في حديث) قال: «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه، فأصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه.»‌

و قال: «و إطلاق الغسل في هذا يشمل الغسل الواجب و المندوب. و في كلام المفيد (طاب ثراه) في المقنعة تصريح بأفضلية اجتناب الغسل و الوضوء بما استعمل في طهارة مندوبة، و لعل مستنده هذا الحديث و أكثرهم لم يتنبّهوا له».

و «أورد عليه» في الحدائق «3» بما حاصله: إن صدر الحديث- و هو ما نقله من الخبر- و إن كان مطلقا يشمل ماء الحمام و غيره، إلا أن عجز الرواية المذكورة يكون قرينة على أن مورد الخبر إنما هو ماء الحمام، فلا يمكن التعدي إلى مطلق الماء المستعمل في طهارة مندوبة، حيث قال في تتمة الرواية: «فقلت إن أهل المدينة يقولون: إن فيه شفاء من العين! فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما، و كل من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين.».

و قال: «و هذا هو أحد العيوب المترتبة على تقطيع [1] الحديث، و‌

______________________________
[1] روى (في الكافي ج 2 ص 220) تمام الحديث. بإسناده عن محمد بن علي بن جعفر، عن ابي

______________________________
(1) الصفحة- 116- 0

(2) ج 2 ص 220- و في الوسائل ج 1 ص 158 في الباب- 11- من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 2.

(3) ج 1 ص 437 طبع النجف عام 1376 ه‍.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 105‌

..........

______________________________
فصل بعضه عن بعض، فإنه بذلك ربما تخفى القرائن المفيدة للحكم كما هنا».

و عليه فظاهر الخبر كراهة الاغتسال من ذلك الماء من حيث كونه ماء الحمام الذي يغتسل منه هؤلاء المعدودون في الحديث، لا مطلق الماء المستعمل في الطهارة. على أن مورد الخبر هو الغسل، فلا يعم المستعمل في الوضوء، و المدعى أعم من ذلك، فإشكال المشهور على المفيد لا دافع له.

أقول: ان الذيل و إن كان مختصا بماء الحمام إلا أنه لا يوجب تقييد الصدر، لأنه أجنبي عنه لا قرينية لأحدهما على الآخر فالإنصاف [1] ان إطلاق قوله عليه السّلام: «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه.» يشمل مطلق الماء المستعمل، و لو لم يعتبر فيه النية- كغسل اليد و نحوه- لصدق الغسل على مطلق مباشرة الماء لجسم حيوان أو غيره، فيمكن أن يكون صدر الحديث مدركا لقول المفيد- كما ذكر شيخنا البهائي.

______________________________
الحسن الرضا عليه السّلام قال: «من أخذ من الحمام خزفة فحك بها جسده، فأصابه البرص فلا يلومن إلا نفسه، و من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه، فاصابه الجذام فلا يلومن الا نفسه، قال محمد بن علي: فقلت لأبي الحسن عليه السّلام: إن أهل المدينة يقولون ان فيه شفاء من العين! فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما و كل من خلق اللّه؟ ثم يكون فيه شفاء من العين! إنما شفاء العين قراءة الحمد، و المعوذتين، و آية الكرسي، و البخور بالقسط، و المرو اللبان».

[1] الإنصاف ان القرينة تامة لأن مرجع الضمير في قول الراوي «ان فيه شفاء من العين» هو بعينه ما يكون موضوعا للحكم في الصدر، فكأن السائل قد تعجب من قول الامام- ع- إن الغسل فيه يوجب الجذام، فقال: كيف ذلك مع ان أهل المدينة يقولون فيه شفاء من العين، و هو شاهد قوي على وحدة الموضوع- و هو ماء الحمام- و إرجاع الضمير الى بعض افراد ما ذكر في الصدر استخدام لا يصار اليه إلا مع القرينة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 106‌

..........

______________________________
نعم أصل الاستدلال به على إثبات استحباب التنزه عن الماء المستعمل أو كراهة الاغتسال منه غير سديد، لأن ظاهر قوله عليه السّلام:

«فأصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه» انه في مقام الإرشاد إلى مضرة استعمال نحو هذا الماء على البدن، و ما فيه من المفسدة، لا في مقام بيان حكم مولوي.

و قد ورد نظير ذلك في كثير من الروايات [1] التي تبين المصالح و المفاسد الموجودة في الأفعال، و لا يمكن إثبات الاستحباب، أو الكراهة الشرعيتين بذلك، إذ لا ملازمة بينهما، فإن الأئمة الأطهار عليهم السّلام كما يبينون الأحكام الإلهية قد يبينون المنافع و المضرات الموجودة في بعض الأمور إرشادا للناس الى ما فيه صلاحهم و فسادهم، و من جملته ما يرجع الى التحفظ على صحة أبدانهم بالاجتناب عن ماء استعمل في إزالة أوساخ أبدان الناس- التي قد توجب سراية الأمراض- كما أن من جملته ما ورد في الروايات من خواص المأكولات و المشروبات، و كيفية أكلها و شربها [2] فان جميع ذلك بيانات إرشادية لا يمكن إثبات أحكام شرعية من الاستحباب و الكراهة بها. و من هنا يمكننا التعدي عن مورد هذا الحديث‌

______________________________
[1] منها صدر نفس الحديث. عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام قال: «من أخذ من الحمام خزفة فحك بها جسده، فأصابه البرص فلا يلومن إلا نفسه.» (الوسائل ج 1 ص 379 في الباب- 20- من أبواب آداب الحمام، الحديث 3).

[2] منها ما ورد في شرب الماء من قيام نهارا، أو ليلا، كمرسلة الصدوق عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «شرب الماء من قيام بالنهار أدر للعروق، و أقوى للبدن قال: و قال عليه السّلام شرب الماء بالليل من قيام يورث الماء الأصفر» (الوسائل ج 17 ص 192 في الباب- 7- من أبواب الأشربة المباحة، الحديث 8 و 9) و نحوها غيرها في الباب المذكور.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 107‌

و أما المستعمل في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن لا إشكال في طهارته و رفعه للخبث (1)

______________________________
الى مطلق الماء المستعمل الذي يحتمل فيه سراية المرض، كالوضوء مما اغتسل فيه غيره أو توضأ به، بل الى مطلق استعمال الماء الذي استعمله غيره، و لو في الغسل العرفي مما لا يعتبر فيه النية، كغسل اليد، لما في استعماله من احتمال سراية الأمراض. فتحصل: أن جواب شيخنا البهائي (ره) لا يدفع الاشكال عن المفيد (قده) فلا يسعنا الحكم بكراهة الماء المستعمل في الأغسال المندوبة.

الماء المستعمل في الحدث الأكبر

(1) هذا هو القسم الثالث من الأقسام الأربعة للماء المستعمل- كما أشرنا إليه فيما تقدم- لا اشكال و لا خلاف في طهارته، لانه ماء طاهر لاقى بدنا طاهرا و من يقول من العامة بنجاسة المستعمل في الوضوء يقول بها هنا أيضا. و أما رافعيته للخبث فلا ينبغي التأمل فيه أيضا، لأنه بعد فرض طهارته لا مانع من رافعيته للخبث، و يكفى فيه إطلاقات طهورية الماء، و ادعى عليه الإجماع، و لم ينقل الخلاف في ذلك إلا عن الوسيلة [1] حيث صرح بعدم رافعيته للحدث و الخبث، بل ربما يستظهر من عبارته القول‌

______________________________
[1] راجع مفتاح الكرامة ج 1 ص 88 سطر 18. و قال في محكي عبارة الوسيلة: «و المستعمل في الطهارة الكبرى، و في إزالة النجاسة لا يجوز ذلك- يعنى استعماله ثانيا في رفع الحدث و ازالة النجاسة- فيها إلا ان يبلغ كرا فصاعدا بالماء الطاهر» و لعل وجه الاستظهار ان جهة المنع عن استعماله في إزالة النجاسة ليس الا تنجس الماء باستعماله في الطهارة الكبرى، و إلا فلا موجب للمنع عن استعماله في رفع الخبث، و لكن يمكن ان يقال: ان المانع حصول قذارة معنوية في الماء أسقطته عن الرافعية مطلقا مع بقائه على الطهارة نظير الماء المضاف، فإنه طاهر لا يرفع الحدث و الخبث.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 108‌

و الأقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضا (1)

______________________________
بنجاسته، و لا يخفى غرابته.

(1) وقع الخلاف بين الأصحاب في ان الماء المستعمل في الحدث الأكبر هل يجوز رفع الحدث به ثانيا و ثالثا و هكذا؟ و بعبارة أخرى: هل يتحمل الماء المذكور قذارة معنوية- باستعماله في رفع الحدث الأكبر- بحيث تسقطه عن الطهورية، فلا يجوز رفع الحدث به ثانيا أم لا؟

المشهور بين المتأخرين الجواز، و عن الصدوقين و المفيد و الشيخ الطوسي و جمع آخرين «1» القول بالمنع، بل عن الخلاف انه مذهب أكثر أصحابنا و هو مؤذن بشهرة المنع في الصدر الأول، فصح أن يقال إن في المسألة قولين معروفين. و لا يخفى أن مقتضى القاعدة الأولية هو القول بالجواز، لإطلاقات أدلة طهورية الماء، إلا أن يتم دليل على المنع، و لم يتم كما ستعرف.

و لا يخفى: ان محل الكلام إنما هو الماء القليل المفصل عن البدن بمقدار يمكن الغسل أو الوضوء به مرة ثانية، فالقطرات الناضحة في الإناء من بدن الجنب خارجة عن محل النزاع، كما يأتي، و سيأتي «2» أيضا خروج الماء المعتصم- كالكر و الخزانة و الغدران- عن محل النزاع، فمحل الخلاف إنما هو ما كان أقل من الكر سواء دخل فيه الجنب، أو انفصل عن بدنه، و اختلفوا في أن مثل هذا الماء هل تتحمل قذارة معنوية- باستعماله في رفع الحدث الأكبر- بحيث يسقطه عن الطهورية أم لا، و الأظهر هو ما عليه المتأخرون من القول‌

______________________________
(1) كما في مفتاح الكرامة ج 1 ص 88.

(2) في (مسألة 1) و (مسألة 8).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 109‌

..........

______________________________
بالجواز، و يكفى فيه إطلاقات أدلة طهورية الماء- كما ذكرنا- و لا مخرج عنها عدا ما استدل به المانعون من روايات لا تصلح لتقييدها.

و هي عدة روايات، أظهرها رواية عبد اللّه بن سنان «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل فقال (خ ل و قال): الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه، و أشباهه. و أما الماء الذي يتوضأ الرجل به، فيغسل به وجهه، و يده في شي‌ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به».

و المنع- عن الوضوء في هذه الرواية- يعم الماء المستعمل في مطلق الحدث الأكبر، سواء كان جنابة أو حيضا أو نفاسا أو غير ذلك، بناء على قراءة الجر في كلمة «و أشباهه» لكونها حينئذ عطفا على الضمير المجرور في «منه» [1] لأن شبه الماء المستعمل في غسل الجنابة ليس إلا الماء المستعمل في بقية الأغسال الرافعة، كغسل الحيض و النفاس و نحوهما. و من هنا قلنا: انها أظهر روايات الباب لأن غيرها تختص بغسل الجنابة- كما يأتي- و أما بناء على قراءتها بالرفع عطفا على «أن يتوضأ» بتأويله المصدر فيختص المنع‌

______________________________
[1] ربما يتوهم انه يحتاج إلى إعادة الجار، كما هو المحكي عن جملة من النحاة في مسألة العطف على الضمير المجرور، إلا ان بعض محققيهم أنكر ذلك كابن مالك مستدلا بثبوت العطف على الضمير المجرور من دون اعادة الجار في النظم و النثر الصحيح منها قوله تعالى «الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ- النساء- 1» بناء على قراءة الجر، كما عن جملة من القراء، فالاحتمال المذكور ليس على خلاف القواعد العربية.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 155 في الباب 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 13.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 110‌

..........

______________________________
بالماء المستعمل في غسل الجنابة، لأن المراد حينئذ شبه الوضوء، و ليس هو إلا الغسل، فتدل الرواية على المنع عن الوضوء، و الغسل بالماء المستعمل في غسل الجنابة، كما هو مدلول بقية الروايات الواردة في المقام، فحينئذ يحتاج تعميم المنع للماء المستعمل في سائر الأغسال إلى القطع بعدم الفرق، و ليس لنا قطع بذلك. كما ان إثباته بالإجماع التعبدي ممنوع.

و يقع الكلام في هذه الرواية- تارة- من جهة السند، و- اخرى- من جهة الدلالة، و هي ضعيفة من الجهتين، فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه.

أما السند فلما طعن فيه جملة من الأصحاب- منهم صاحب الحدائق «قده» الذي ليس من شأنه الطعن في الأخبار المروية في الكتب الأربعة- اشتماله على «أحمد بن هلال العبرتائي» الذي حاله في الضعف أشهر من أن يذكر، حيث انه نسب الى الغلو تارة، و الى النصب أخرى. و روى اللعن و الذموم الكثيرة عن العسكري عليه السّلام في حقه [1].

______________________________
[1] عده الشيخ «قده» في رجاله في أصحاب الهادي- ع- تارة، و في أصحاب العسكري- ع- خرى. و قال انه غال. و عنه في الفهرست: انه غال متهم، و عنه في التهذيب: «ان أحمد بن هلال مشهور باللعنة و الغلو.» و ربما نسب الى الوقف على ابي جعفر- ع- كما عن الشيخ في كتاب الغيبة في قضية إنكار أحمد بن هلال وكالة محمد بن عثمان العمري عن صاحب الزمان- ع-: «انه وقف على ابي جعفر- ع- فلعنوه و تبرأوا منه- يعني الشيعة- ثم ظهر التوقيع على يد ابي القاسم الحسين بن روح بلعنه و البراءة منه في جملة من لعن» و قد يقال: انه رجع الى النصب، كما عن الصدوق في كتاب إكمال الدين عن سعد بن عبد اللّه انه يقول: «ما سمعنا و لا رأينا بمتشيع رجع من تشيعه الى النصب إلا أحمد بن هلال.».

و ربما يوجه: ان المراد من نصبه نصب العداوة للفرقة الناجية الإمامية، لا الأئمة الأطهار عليهم السّلام، فلا ينافي غلوة، أو وقفه على ابي جعفر- ع- و ربما يجمع بين غلوه و نصبه بحمل كل منهما-

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 111‌

..........

______________________________
قال شيخنا الأنصاري «قده»: و بعد ما بين المذهبين لعله يشهد بأنه لم يكن له مذهب رأسا» إلا أنه مع ذلك تصدى لتصحيح سند الرواية بذكر قرائن ادعى أن التأمل فيها يلحق الرواية بالصحاح، و إن كان أحمد بن هلال ملعونا مذموما.

ثم أخذ في ذكر القرائن، و هي عديدة:

(الأولى): إن الراوي عن أحمد بن هلال «حسن بن على» [1] و هو من بنى فضال، و قد ورد في شأنهم في الحسن كالصحيح عن العسكري عليه السّلام «خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا» فيؤخذ برواية «حسن بن على» و لا ينظر الى من روى عنه، ثم أضاف الى ذلك ما محصله: انه لو نوقش في كون «حسن بن على» هو ابن فضال، و خروج رواية المقام عن مورد الحسنة يمكننا مع ذلك الاستدلال بها على جواز العمل بروايات مثل ابن هلال ممن روى حال الاستقامة، لاتحاد الملاك. و لذا استدل بها الشيخ الجليل أبو القاسم بن روح «قده» حيث أفتى أصحابه بجواز العمل بكتب الشلمغاني،

______________________________
على إمام بأن كان غاليا بالنسبة الى أمير المؤمنين- ع- ناصبا بالنسبة إلى الأخير- ع- و لا يخفى بعدهما. و كيف كان فقد روى الكشي عن الإمام العسكري- ع- ذموما في حقه و اللعن و الدعاء عليه بأدعية عديدة لا يدعو الامام- ع- بها على المرتد الخارج من الدين و المذهب فهو ضعيف إلى الغاية. راجع تنقيح المقال ج 1 ص 99- 100.

[1] رواها الشيخ عن المفيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن الحسن بن علي، عن احمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن ابي عبد اللّه- ع- (الوسائل ج 1 ص 155 الباب 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 13) و (الوافي في باب ما يستحب التنزه عنه في رفع الحدث. ص 10).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 112‌

..........

______________________________
فقال بعد السؤال عن كتبه أقول فيها: ما قاله العسكري عليه السّلام لما سئل عن كتب بنى فضال: «خذوا ما رووا.» إلخ، فكما انه تعدى عن مورد النص الى كتب الشلمغاني يمكننا أن نتعدى إلى رواية مثل «أحمد بن هلال» ممن روى حال الاستقامة، لاستكشاف ذلك عن عدم خصوصية لبني فضال في جواز العمل برواياتهم التي رووها حال استقامتهم. و قد ذكر «قده» نظير ذلك في رواية بن فرقد
«1» الواردة في باب المواقيت، الدالة على اختصاص أول الوقت بمقدار أربع ركعات بالظهر، و اختصاص آخره بالعصر كذلك، لأن الراوي عن داود هو حسن بن على بن فضال، فيؤخذ بروايته، و لا ينظر الى من روى هو عنه.

و (للمناقشة) في هذه القرينة مجال واسع. أما أولا: فلأنه لم يثبت أن «حسن بن على» الراوي عن «ابن هلال» هو حسن بن على بن فضال بل عن بعضهم [1] انه يكاد يقطع بامتناعه، فان ابن فضال أعلى طبقة من ابن هلال. و أما ثانيا: فلأنه لو سلم انه ابن فضال فلا تدل الرواية المذكورة إلا على وثاقتهم، و انهم لا يكذبون، لا انهم لا يروون إلا عن ثقة، فيكون حالهم حال سائر الرواة الثقات- كزرارة، و محمد بن مسلم، و أضرابهما- في أنه لا بد من النظر فيمن يروون عنه، و لا يؤخذ بروايتهم عن غير الثقة، فكذلك‌

______________________________
[1] هو البحراني في كتاب المعراج، فان «ابن فضال» من أصحاب الرضا- ع- و «احمد بن هلال» من أصحاب الإمام الهادي، أو العسكري عليهما السلام، و قد اختلفت كلمات القوم في تشخيص «حسن بن علي» هذا، الراوي عن ابن هلال على خمسة أقوال أحدها انه «ابن فضال» إلا انه لم ينقح شي‌ء من تلك الأقوال، كما في تنقيح المقال ج 1 ص 100- 101.

______________________________
(1) الوسائل ج 3 ص 92 في الباب 4 من أبواب المواقيت، الحديث 7. و هي مرسلة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 113‌

..........

______________________________
بنو فضال. و بعبارة أخرى: إن غاية ما يدل عليه النص المزبور أن انحراف بنى فضال في العقيدة لا يضر بوثاقتهم في الحديث، لا انه لا بد من الأخذ برواياتهم من دون فحص عمن رووا عنه، بحيث يزيدهم الانحراف أهمية و اعتبارا عن حال استقامتهم، فاذن لا يمكن الأخذ برواية المقام، لضعف «ابن هلال» و لو كان الراوي عنه ابن فضال.

و أما دعواه التعدي عن مورد النص- الوارد في بني فضال- الى المقام كما صنع ذلك حسين بن روح في كتب الشلمغاني فغير مجدية، لعدم ثبوت وثاقة «أحمد بن هلال» حال استقامته كي يكون مثل بنى فضال، أو الشلمغاني بل غايته أنه شيعي إمامي، فلا يمكن التعدي إلى المقام عن مورد النص- من جهة اتحاد الملاك- أيضا.

(القرينة الثانية): ان الراوي عن ابن فضال هنا «سعد بن عبد اللّه الأشعري» و هو ممن طعن على «ابن هلال» حتى قال: ما سمعنا بمتشيع يرجع من التشيع الى النصب، إلا أحمد بن هلال، و هو مع شدة اهتمامه بترك روايات المخالفين بحيث يحكى عنه: انه قال: «لقي إبراهيم بن عبد الحميد أبا الحسن الرضا عليه السّلام، فلم يرو عنه، فتركت روايته، لأجل ذلك» فكيف يجوز أن يسمع من «ابن فضال الفطحي» ما يرويه عن «ابن هلال الناصبي» إلا أن تكون الرواية في كتاب معتبر مقطوع الانتساب الى مصنفه، بحيث لا يحتاج إلى ملاحظة حال الواسطة، أو محفوفة بقرائن موجبة للوثوق بها.

(و الجواب عنها) أولا: فبأنه لم يثبت عدم رواية «سعد بن عبد اللّه» من غير الشيعة مدة حياته و لو مرة واحدة، بل غايته انه لم يوجد في رواياته انه‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 114‌

..........

______________________________
روى من غير الشيعة. و ثانيا: لو سلم ذلك و ان تعصبه للأئمة الأطهار عليهم السّلام كان يمنعه من أن يروى من غير الشيعة، فمن المحتمل انه روى هذه الرواية عن ابن هلال حال استقامته، و مع هذين الاحتمالين كيف يمكن دعوى الجزم بأنه وجد الرواية في كتاب مقطوع الانتساب؟ و ثالثا: ان وجدان «سعد بن عبد اللّه» هذه الرواية في كتاب معتبر مقطوع الانتساب إلى مؤلفه عنده بحيث لا يحتاج إلى ملاحظة الواسطة، أو احتفافها بقرائن عنده يوجب وثوقه بها، لا يجدى لنا ما لم ينسب الرواية إلى الكتاب المزبور، أو تتم تلك القرائن عندنا، و غاية هذا الوجه أن تكون الرواية حجة له، لا لغيره.

(القرينة الثالثة): ان «ابن هلال» روى هذه الرواية عن «ابن محبوب» و الظاهر قرائته عليه في كتاب ابن محبوب المسمى بالمشيخة، الذي هو أحد الأصول الموصوفة في أول الفقيه بالصحة، و اعتماد الطائفة عليها، و حكى عن ابن الغضائري الطاعن كثيرا فيمن لا يطعن فيه غيره: ان الأصحاب لم يعتمدوا على روايات «ابن هلال» إلا ما يرويه عن مشيخة ابن محبوب و نوادر ابن أبى عمير، و حكى عن السيد الداماد إلحاق ما يرويه ابن هلال عن الكتابين بالصحاح.

(و يدفعها): انه لو سلمنا الكبرى، و أن كتاب المشيخة لابن محبوب من الكتب المعتمد عليها عند الأصحاب فلا يسعنا إثبات الصغرى في المقام، و أن هذه الرواية قد رواها «ابن هلال» قراءة على «ابن محبوب» في كتاب المشيخة، لاحتمال انه رواها عنه من غير الكتاب المذكور، و مع عدم العلم بمطابقتها لما في كتاب المشيخة يتوقف الأخذ بها على وثاقة الراوي، و المفروض عدمها. و استظهار الشيخ «قده» لم يعلم وجهه، فيكون عذرا له، لا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 115‌

..........

______________________________
لغيره.

(القرينة الرابعة): اعتماد القميين على الرواية- كالصدوقين، و ابن الوليد، و سعد بن عبد اللّه- و قد عدوا ذلك من أمارات صحة الرواية باصطلاح القدماء إذ اعتماد هؤلاء على رواية لا ينقص عن توثيق أهل الرجال.

(و يدفعها): انه إن كان المراد من اعتماد القميين مجرد نقلهم للرواية فهو لا يدل على حجيتها عندهم، و إن كان المراد من اعتمادهم عليها عملهم بها فالقدر المسلم إنما هو عمل الصدوقين بها، لما حكى عنهما من القول بعدم الجواز، دون غيرهما من القميين. نعم عن المفيد، و الشيخ الطوسي أيضا القول بالمنع، إلا أن عمل هؤلاء لا يجدى في جبر ضعف الرواية- لو قلنا بانجبار ضعفها بعمل المشهور- لعدم تحقق الشهرة بهذا المقدار، لا سيما بملاحظة مخالفة جل من المحققين- كالسيدين و الشهيدين و العلامة و غيرهم- لهم بل عن بعضهم «1» دعوى الشهرة على الجواز، و مقتضى إطلاقها الشهرة قديما و حديثا، فإثبات صغرى عمل المشهور بهذه الرواية مشكل. على انه لو سلم تحقق الشهرة في الصدر الأول على القول بالمنع- كما قيل «2»- فالكبرى ممنوعة، لما ذكرنا مرارا من أن عمل المشهور لا يكون جابرا لضعف الرواية.

و مما ذكرنا ظهر الجواب: عن دعوى انجبار ضعفها باعتماد المشايخ الثلاثة على رواية «أحمد بن هلال» فان مجرد نقلهم لرواياته في كتبهم- الكافي و الفقيه و التهذيب و غيرها- لا يدل على اعتبارها عندهم، لاشتمال‌

______________________________
(1) كما عن الروض و الدلائل «مفتاح الكرامة ج 1 ص 88».

(2) كما عن حاشية المدارك. «مفتاح الكرامة ج 1 ص 88».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 116‌

..........

______________________________
كتبهم على كثير من الروايات الضعاف. نعم ذكر الصدوق في مقدمة كتابه- من لا يحضره الفقيه-: «إنما أورد في هذا الكتاب ما هو حجة بيني و بين ربى» و الظاهر ان مراده انه قد التزم بأن لا يورد في كتابه إلا ما رواه كل امامى لم يظهر منه فسق، لأنه حجة عنده بناء منه على أصالة العدالة في كل مسلم إمامي، و كأنه ثبت عنده ان روايات «ابن هلال» كانت حال استقامته بقرينة رواية «سعد بن عبد اللّه» عنه الذي لا يروى إلا عن الإمامي كما ذكرنا
«1» فاذن نقل الصدوق عن «ابن هلال» أيضا لا يدل على توثيقه له.

فتحصل: ان شيئا من هذه القرائن لا توجب اعتبار سند الرواية، لا من جهة وثاقة الراوي، و لا من جهة الوثوق بصدورها عن المعصوم عليه السّلام و إن مال الى ذلك المحقق الهمداني «قده» أيضا تبعا للشيخ الأنصاري «قده» فهي باقية على ضعفها، هذا كله في سند الرواية.

و أما دلالتها على المنع فضعيفة أيضا، لأن الظاهر منها و لو بضميمة القرينة الخارجية، و الداخلية في نفس الرواية أن المنع إنما هو من جهة نجاسة الماء المستعمل، لا من جهة رفع الحدث به. بيان ذلك: ان الاستدلال بهذه الرواية للمنع مبنى على ثبوت الإطلاق في قوله عليه السّلام: «أو يغتسل به الرجل من الجنابة» من حيث طهارة بدن الجنب، و إلا فمع فرض نجاسته بالمني فلا إشكال في المنع، لتنجس الماء القليل حينئذ بملاقاة بدنه، فلا يجوز استعماله في رفع الحدث لنجاسته، و هذا خارج عن محل الكلام. و مقتضى الجمود على العبارة و إن كان هو الإطلاق، بل و كذلك بالنسبة إلى الماء المستعمل في غسل الثوب لأن قوله عليه السّلام في المعطوف عليه: «الماء الذي‌

______________________________
(1) في ص 114.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 117‌

..........

______________________________
يغسل به الثوب» أيضا يكون مطلقا بالإضافة إلى نجاسة الثوب و عدمها، فيعم المنع لكلا الإطلاقين، إلا أنه لا بد من تقييدهما بصورة النجاسة للقرينة الخارجية و الداخلية- كما يأتي- فلا يمكن الأخذ بالإطلاق فيهما.

و من هنا منع بعضهم عن الاستدلال بالرواية بحمل النهى فيها على التنزيه لاحتمال أن يكون المراد من غسل الثوب ازالة الوسخ عنه دون النجاسة، فلا محالة يكون النهي في المعطوف و المعطوف عليه للكراهة، لا التحريم، للإجماع على عدم التحريم في الثوب حينئذ إلا أن هذا تقييد بلا شاهد، بل لا بد من العكس فيهما بحمل الثوب و بدن الجنب على صورة نجاستهما- كما ذكرنا.

أما في الثوب فلأن لفظ «الغسل» و إن كان لغة و عرفا يشمل جميع أنحائه من ازالة الوسخ و النجاسة و نحوهما بالماء إلا أن الظاهر منه في الاستعمالات الشرعية هو الغسل المزيل للنجاسة، و من هنا ذكرنا أن المستفاد من نحو قوله عليه السّلام: «اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه» «1» نجاسة بول غير المأكول، و طهارة ما أصابه بالغسل. هذا مضافا الى ما سيجي‌ء من القرينة على ذلك في ذيل الرواية.

و أما الجنب فلا بد من حمله- في الرواية- على ما هو الغالب فيه من بقاء نجاسة بدنه الى حين الغسل، فان الغالب- لا سيما في تلك الأزمنة التي كانت تقل فيها المياه- تطهير ما أصاب البدن من نجاسة المني عند الاغتسال بحيث يصدق على المجموع انه ماء مستعمل في غسل الجنابة، و يشهد للحمل المذكور القرينة الخارجية، و الداخلية.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1008 في الباب 8 من أبواب النجاسات، الحديث 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 118‌

..........

______________________________
أما الأولى: فهي الروايات [1] الواردة في كيفية غسل الجنابة، لاشتمالها على الأمر بغسل الفرج قبل الشروع في غسل البدن حتى كأن غسله جزء من الغسل، و ليس ذاك إلا من جهة ان الغالب بقائه على النجاسة إلى حين الغسل بحيث لو لم يغسله يفسد غسله، لتنجس الماء بملاقاته. و احتمال أن يكون غسل الفرج في مكان، و غسل البدن في مكان آخر- بحيث لا يصدق الماء المستعمل في غسل الجنابة على ما أزيل به نجاسة الفرج- بعيد غايته، لأنه على خلاف الطبع، و ما جرت به العادة.

و مثلها الروايات «2» الواردة في دخول الجنب في الماء، لما فيها من التفصيل بين الكر و الأقل بعدم تنجس الماء في الأول و تنجسه في الثاني، و ليس ذاك إلا من جهة نجاسة بدن الجنب، و الا فمجرد اغتسال الجنب في الماء القليل لا يوجب نجاسته لو لم يكن بدنه متلوثا بالمني.

و أما الثانية- أعني القرينة الداخلية- فهي قوله عليه السّلام في ذيل الرواية: «و أما الماء الذي يتوضأ به الرجل، فيغسل به وجهه و يده في شي‌ء‌

______________________________
[1] كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «سالته عن غسل الجنابة؟ فقال:

تبدأ بكفيك، فتغسلهما، ثم تغسل فرجك، ثم تصب على رأسك ثلاثا.» الحديث. (الوسائل ج 1 ص 502 في الباب 26 من أبواب الجنابة، الحديث 1). و في بعضها: «ثم بدأ بفرجه، فأنقاه بثلاث غرف» كما في صحيحة زرارة، الحديث 2 فان ظاهره النقاء من النجاسة. و في بعضها: «ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى، ثم اغسل فرجك» فان المراد من الأذى هو أذى نجاسة المنى، و كان غسله جزء من الغسل، لوروده جوابا للسؤال عن كيفية غسل الجنابة. و نحوها غيرها في الباب المذكور، و في الباب 34، الحديث 1 ج 1 ص 515.

______________________________
(2) الوسائل ج 1 ص 117 في الباب 9 من أبواب الماء المطلق ج 1 و 5 و 12 و 15.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 119‌

..........

______________________________
نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره، و يتوضأ به» فإنه صريح في أن مناط جواز الوضوء بالماء الذي توضأ به الغير إنما هو طهارته، و انه في شي‌ء نظيف، كما هو الغالب في الماء المستعمل في الوضوء، إذ لا موجب لنجاسة أعضاء الوضوء سوى الطواري، و العوارض الخارجية الموجبة لتنجسها، بخلاف الجنب، فان الغالب فيه تلوث بدنه بالمني، و بقائه إلى حين الغسل. و (بالجملة) المقابلة بين الصدر و الذيل بإناطة الجواز في الذيل على طهارة الماء أقوى شاهد على أن ملاك المنع في الصدر نجاسة الماء، لا كونه مستعملا في رفع الحدث تحكيما للمقابلة، فمع هاتين القرينتين لا يبقى مجال لتوهم الإطلاق (فدعوى) ان الحمل على صورة نجاسة بدن الجنب خلاف ظاهر العبارة المذكورة في الخبر، و لا سيما بملاحظة العطف على ما يغسل به الثوب (واضحة الدفع) بعد ملاحظة القرينتين المذكورتين، و لا شهادة للعطف المذكور على إرادة الإطلاق، إذ العطف لا يقتضي تغاير الملاك في المعطوف و المعطوف عليه لو لم يدل على وحدته. و يؤيد ما ذكرنا قوله عليه السّلام في بدء الرواية قبل ذلك كله: «لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل» لدلالته على أن مجرد صدق عنوان الماء المستعمل على الماء لا يمنع عن الوضوء به إلا أن يكون نجسا، كما في المغسول به الثوب، و المستعمل في غسل الجنابة الذين ذكرهما بعد ذلك، فيظهر من ذلك أن سبب المنع إنما هو النجاسة لا الاستعمال في رفع الحدث.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: ان النهى عن الوضوء بغسالة الثوب، أو بالمستعمل في غسل الجنابة- في هذه الرواية- إنما هو نهى تحريمي، إلا أن الظاهر أنه بملاك النجاسة، لا التعبد الصرف- بحيث يشمل صورة طهارة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 120‌

..........

______________________________
الثوب و بدن الجنب- و قد أشرنا فيما تقدم
«1» ان هذه الرواية تعم المستعمل في رفع مطلق الحدث الأكبر على أحد الاحتمالين فيها، و أما بقية الروايات فتختص بالمستعمل في غسل الجنابة، و التعميم الى غيره يحتاج إلى إثبات الإجماع و أنى لنا بإثباته.

و من الروايات- التي استدل بها على المنع- صحيحة محمد بن مسلم «2» عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن ماء الحمام؟ فقال: ادخله بإزار، و لا تغتسل من ماء آخر، إلا أن يكون فيهم (خ ل فيه) جنب أو يكثر أهله فلا تدري فيهم جنب أم لا».

بدعوى دلالة الاستثناء على المنع عن الاغتسال بماء الحمام إذا اغتسل فيه الجنب، أو كان مظنة ذلك لكثرة أهله، و ليس ملاك النهي إلا صيرورة ماء الحمام غسالة الجنب، و حينئذ يجب الاغتسال بماء آخر. و هذه الرواية و إن كانت صحيحة السند إلا أن الكلام في دلالتها.

و قد ناقش فيها صاحب المعالم «قده» بأن عدم الاغتسال بماء الحمام عند مباشرة الجنب له إنما استفيد من الاستثناء عن النهى عن الاغتسال بماء آخر، و هو لا يدل على الوجوب، لأن نفى الحرمة أعم من الوجوب فيجتمع مع الإباحة، فالمتحصل من الرواية حينئذ: أنه إذا لم يكن في الحمام جنب فليس له أن يغتسل من ماء آخر، و أما إذا كان فيه جنب فيجوز له الاغتسال من أيهما شاء- الماء الآخر، أو ماء الحمام- فلا دلالة في الرواية على المنع عن الاغتسال بماء الحمام إذا باشره الجنب.

______________________________
(1) ص 109.

(2) الوسائل ج 1 ص 111 في الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 121‌

..........

______________________________
و أجابه صاحب الحدائق بأن الاستثناء من النهى دال على الوجوب، كما في قولنا لا تضرب أحدا إلا زيدا، فإنه يدل على وجوب ضرب زيد، كما ان الاستثناء من الوجوب يدل على الحرمة، كما في قوله عليه السّلام: «اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة» [1] لدلالته على حرمة قتل أهل الذمة، و استشهد على مدعاه بكلام نجم الأئمة في تعريف المستثنى: بأنه المذكور بعد «إلا» و أخواتها مخالفا لما قبلها نفيا و إثباتا.

و في هذا الجواب نظر ظاهر، فان كلام نجم الأئمة و ان كان متينا، لأن الاستثناء من النفي إثبات، و بالعكس. الا أنه لا يثبت به دعوى صاحب الحدائق، إذ يكفي في نفى الحرمة رفعها دون إثبات الوجوب، فاستثناء صورة وجود الجنب في الحمام انما يدل على رفع المنع عن الاغتسال بماء آخر لا وجوب الاغتسال به الملازم للمنع عن الاغتسال بماء الحمام. نعم قد يستفاد الإلزام من قرائن خارجية، كما في مثال القتل، لما ثبت في الشرع من حرمة قتل النفس المحترمة و منها الذمي، و الا فمجرد الاستثناء من الوجوب لا يدل على حرمة المستثنى، كما ان الاستثناء من الحرمة لا يدل على وجوبه، و لا دلالة في كلام نجم الأئمة على ذلك بوجه، لأنه أعم. و من هنا لا دلالة في قول القائل: «لا تأكل من مال أحد إلا برضاه» على وجوب الأكل مع الرضا، بل غايتها رفع الحرمة الى غير ذلك من الأمثلة، فهذا الجواب لا يدفع الاعتراض.

بل الصحيح في دفعه أن يقال: ان النهى عن الاغتسال بماء آخر في المستثنى منه ليس نهيا تحريميا، و لا تنزيهيا قطعا كي يرد عليه الاعتراض‌

______________________________
[1] قال في تعليقة الحدائق (ج 1 ص 443): انه لم نجد حديثا بهذا المضمون.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 122‌

..........

______________________________
المذكور ضرورة انه لا حرمة في الاغتسال بماء آخر غير ماء الحمام بوجه تكليفا أو وضعا، سواء علم بوجود الجنب في الحمام، أو علم بعدمه، أو شك في ذلك، فليس المراد به الا الترخيص في ترك الاغتسال بماء آخر دفعا لتوهم السائل وجوب ذلك من جهة توهمه المنع عن الاغتسال بماء الحمام لتقذره بتوارد الأيادي المختلفة النجسة و القذرة عليه، و اغتسال الناس منه، بحيث صار ذلك منشأ لسؤاله عن ماء الحمام، فأجابه الإمام عليه السّلام بما محصله: انه لا محذور في الاغتسال منه، و لا يجب إتعاب نفسك بالاغتسال من ماء آخر إلا إذا كان في الحمام جنب، أو كان مظنة لذلك لكثرة أهله، فلا تغتسل حينئذ بماء الحمام و اغتسل بماء آخر، كما هو قضية الاستثناء فان الاستثناء من عدم الوجوب يدل على ثبوت الوجوب في المستثنى- كما ذكرنا- و استعمال النهي في مقام دفع توهم الوجوب كثير في المحاورات العرفية و الخطابات الشرعية.

و بهذا البيان و التقريب يمكن الاستدلال بهذه الرواية على المنع، لأن وجوب الاغتسال بماء آخر عند مباشرة الجنب لماء الحمام أو احتمالها ملازم لحرمة الاغتسال بماء الحمام حينئذ، الا انه مع ذلك لا دلالة فيها على أن سبب المنع كونه مستعملا في رفع الحدث- الذي هو محل الكلام.

توضيح ذلك: ان المستفاد من الرواية ان الماء الآخر المذكور فيها أيضا كان من المياه الموجودة في الحمام، لأن في الرواية تفريع الاغتسال منه على الدخول في الحمام لأنه عليه السّلام بعد أن أمره بالدخول في الحمام مئتزرا قال: «و لا تغتسل من ماء آخر» و ظاهره ان ذلك حكم الداخل، فهو إما أن يغتسل من ماء الحمام أو من الماء الآخر الموجود فيه، إذ لا مجال حينئذ‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 123‌

..........

______________________________
لاحتمال أن يغتسل في هذا الحال من ماء آخر في الخارج.

فعليه لا بد من معرفة هذين القسمين، و انه ما المراد من ماء الحمام الذي نهى عن الاغتسال منه في فرض مباشرة الجنب له أو احتمالها، و ما هو المراد من الماء الآخر الذي رخص في تركه إلا في هذا الفرض، لما عرفت من ورود النهى عنه في مقام دفع توهم الوجوب. فنقول: ان المياه الموجودة في الحمامات على ثلاثة أقسام: «أحدها» ماء الخزانة و «ثانيها» ماء الحياض الصغار المتصلة بها و «ثالثها» الغسالات المجتمعة في مكان منخفض معد لها في نفس الحمام عوضا عن البالوعة، على ما كان متعارفا في الأزمنة السابقة، بحيث كانوا يغتسلون فيها أيضا على ما يظهر من بعض الروايات «1» فاذن لا يخلو المراد من ماء الحمام- الذي نهى عن الاغتسال منه في الفرض المزبور- عن أحد هذه الثلاثة، و في مقابله الماء الآخر- الذي يجب الاغتسال منه في هذا الفرض- فهنا احتمالات ثلاثة:

أما الاحتمال الأول فهو أن يكون المراد من ماء الحمام الخزانة، و في مقابله الماء الآخر و المراد به إما الحياض الصغار، أو الغسالة، و هذا غير صحيح، أما أولا: فلأن الاغتسال في الخزانة لم يكن متعارفا في تلك الأزمنة، بل كان المتعارف الاغتسال حول الحياض الصغار بالاغتراف منها بالكؤوس و الأكف، و كانت الخزانات مخزنا و مادة لتلك الحياض لا يدخلها أحد- كما هو الحال في بعض البلدان الى زماننا الحاضر- و أما ثانيا: فلأن الخزانة من المياه المعتصمة، لاشتمالها على أضعاف الكر، و‌

______________________________
(1) راجع الوسائل ج 1 ص 158 و 371 في الباب 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، و الباب 13 من أبواب آداب الحمام.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 124‌

..........

______________________________
سيأتي
«1» أنها خارجة عن محل البحث، إذ لا اشكال بل لا خلاف في جواز الاغتسال في المياه العاصمة، و ان اغتسل فيها الجنب، فمحل الكلام إنما هو الماء القليل المستعمل في رفع الحدث و أما ثالثا: فلأن المراد من الماء الآخر حينئذ إما الحياض الصغار، أو الغسالة- كما ذكرنا- و كلاهما غير صحيح، لأنه لو كان دخول الجنب في الخزانة مانعا عن الاغتسال فيها أو منها لزمه المنع عن الاغتسال بما في الحياض بطريق أولى، لاتصالها بها، و هكذا الغسالة، لأنهما من الماء المستعمل في رفع الحدث حينئذ.

و أما الاحتمال الثاني و هو ان يراد من ماء الحمام الحياض الصغار، و من الماء الآخر الغسالة- و أما ارادة الخزانة منه فقد عرفت منعها، لعدم تعارف الاغتسال فيها- فهو أيضا غير ممكن و إن أصرّ عليه المحقق الهمداني «قده» أما أولا: فلعدم صيرورتها من الماء المستعمل في رفع الحدث، لأن المتعارف الاغتسال حول الحياض بأخذ الماء منها في إناء و نحوه، و صبه على البدن، لا الدخول فيها، بل لا يمكن ذلك لصغرها، فلا تنالها إلا يد الجنب، فكيف يصير من الماء المستعمل؟! و أما احتمال أن يكون سبب المنع تنجسها بملاقاة يد الجنب، أو صيرورتها مستعملا بوقوع القطرات الناضحة من بدنه فيها فضعفه ظاهر، لأن اتصالها بالمادة يعصمها عن الانفعال كما انها تمنعها عن صيرورتها ماء مستعملا- كما أشرنا- بل سيأتي «2» ان المستفاد من بعض الروايات ان القطرات الناضحة في الإناء من بدن الجنب لا تصيره من الماء المستعمل، لاستهلاكها في ماء الإناء. و أما ثانيا: فلأن لازمه المنع عن‌

______________________________
(1) في ذيل (مسألة 8).

(2) في ذيل (مسألة 1).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 125‌

..........

______________________________
الاغتسال بالماء الآخر أيضا، لما عرفت من ان المراد به حينئذ غسالة الحمام فإنه أيضا يكون من الماء المستعمل في الحدث الأكبر، بل هو أولى بذلك، فكيف يؤمر بالاغتسال منه عند اغتسال الجنب من ماء الحمام المحمول على الحياض الصغار كما هو مفروض الكلام؟! فإذا سقط هذان الاحتمالان يتعين (الاحتمال الثالث) و هو أن يراد من ماء الحمام- المنهي عنه عند وجود الجنب في الحمام، أو احتماله- الغسالة المجتمعة في الحمام، و يجب عليه في هذا الحال الاغتسال من الماء الآخر، كما هو قضية الاستثناء على ما عرفت، و يكون المراد بالماء الآخر ماء الحياض الصغار، فيكون حاصل معنى الرواية: انه يجوز الاغتسال بغسالة الحمام، و لا يجب أن تغتسل بماء آخر- أى بماء الحياض- إلا إذا كان في الحمام جنب أو كان مظنة ذلك لكثرة أهله فحينئذ لا تغتسل بالغسالة، لأنها غسالة الجنب، فاغتسل بماء الحياض لسلامتها عن ذلك.

نعم ربما يدعى الجزم بعدم إمكان حمل الرواية على هذا المعنى- كما عن المحقق الهمداني- بدعوى عدم معهودية الاغتسال من غسالة الحمام بين الناس، لتنفر الطباع عنها، فكيف يمكن تنزيل إطلاق السؤال عليه؟! و أضاف على ذلك: أن اللازم على الامام عليه السّلام على هذا التقدير إرشاده إلى الاغتسال من ماء الحياض، لا أمره بالغسل من غير ماء الحمام.

و يندفع: أما اعتراضه الأول فبأنه مجرد استبعاد لا يقدح في حمل الرواية عليه، بل لا استبعاد فيه بوجه، كيف و قد وردت روايات كثيرة [1]

______________________________
[1] (منها): رواية حمزة بن احمد عن أبى الحسن الأول- ع- قال: «سألته، أو سأله غيري عن-

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 126‌

..........

______________________________
تدل على تعارف الاغتسال من غسالة الحمام في الأزمنة السابقة، و ان الأئمة عليهم السّلام كانوا ينهون الناس عن ذلك، و ان حمل النهى فيها على الكراهة إلا مع العلم بالنجاسة. جمعا بينها و بين ما دل على الجواز.

و أما اعتراضه الثاني فمندفع بما ذكرنا من أن ظاهر الصحيحة ان الماء الآخر من أقسام الماء الموجود في الحمام، لا الموجود في الخارج، و المراد به على الاحتمال الأخير هو ماء الحياض.

ثم ان الظاهر من الصحيحة ان النهى فيها عن الاغتسال بغسالة الحمام تنزيهي ملاكه التجنب عن النجاسة، لا كونها من الماء المستعمل في الحدث الأكبر، فلا يمكن الاستدلال بها على ما هو محل الكلام بوجه.

أما كونه تنزيهيا فلأجل أن غسالة الحمام محكومة بالطهارة ما لم يعلم بنجاستها- على ما هو قضية الأصل فيها- و إن ذهب جماعة إلى القول بنجاستها تقديما للظاهر فيها على الأصل، إلا أن الصحيح أنها محكومة بالطهارة فلا محذور في الاغتسال بها من هذه الجهة. كما دل عليه جملة من الأخبار أيضا.

______________________________
الحمام؟ قال: ادخله بمئزر، و غض بصرك، و لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها ماء الحمام، فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرهم».

(و منها) رواية ابن أبى يعفور عن أبى عبد اللّه- ع- قال: «لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام، فان فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلى سبعة آباء.» (الوسائل ج 1 ص 158 في الباب 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل الحديث 1 و 4).

و نحوهما حديث 3 و 5 في نفس الباب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 127‌

..........

______________________________
(منها): صحيحة محمد بن مسلم
«1» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الحمام يغتسل فيه الجنب، و غيره، أغتسل من مائه؟ قال: نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب، و لقد اغتسلت فيه، ثم جئت فغسلت رجلي، و ما غسلتهما إلا مما لزق بهما من التراب».

إذ من المستبعد جدا أن رجله عليه السّلام لم يصب الغسالة الجارية على سطح الحمام، و مع ذلك لم يغسله من أجل ملاقاته لها، بل غسله من جهة ما لزق به من وسخ التراب، و هذه ظاهرة الدلالة على أن غسالة الحمام محكومة بالطهارة ما لم يعلم بنجاستها.

و يؤيدها رواية أبي يحيى الواسطي «2» عن بعض أصحابنا عن أبى الحسن الماضي عليه السّلام قال: «سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب؟ قال: لا بأس».

و هذه و إن كانت ظاهرة الدلالة على المطلوب، إلا أنها ضعيفة بالإرسال، هذا مضافا إلى أن عطف استثناء صورة الشك في وجود الجنب في الحمام بقوله عليه السّلام: «أو يكثر أهله فلا تدري فيهم جنب أم لا» أقوى شاهد على أن المنع في المستثنى إنما يكون على وجه التنزيه لا الحرمة، سواء كان بملاك احتمال النجاسة أو احتمال كون الغسالة من الماء المستعمل في رفع الحدث، إذ شي‌ء من الاحتمالين لا يوجب الحرمة قطعا.

و أما استناد المنع المذكور الى احتمال النجاسة دون كون الغسالة من الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر فيدل عليه أولا عدم صدق غسالة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 111 في الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.

(2) الوسائل ج 1 ص 154 في الباب 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 9.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 128‌

..........

______________________________
الجنب على غسالة الحمام، لاجتماعها من المياه المختلفة، كالمستعمل في إزالة الأوساخ، و غسل الثياب، و تطهير البدن، و نحو ذلك من المياه المستعملة في الحمام التي منها غسالة الجنب المستهلكة في ضمن المجموع. و ثانيا استثناء الامام عليه السّلام عن الجواز صورة العلم بأصل وجود الجنب في الحمام، أو احتماله بقوله: «إلا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا تدري فيهم جنب أم لا».

و لم يفرض انه اغتسل الجنب في الحمام، أو احتمل ذلك، و هذا دليل على أن ملاك النهى ليس إلا نجاسة بدنه الموجبة لنجاسة الغسالة، و لو لم يغتسل من الجنابة، و إلا كان الأنسب استثناء صورة ما إذا علم باغتساله منها أو احتمل ذلك، دون ما إذا علم أو احتمل وجوده في الحمام، إذ استثناء الأخير من آثار نجاسة بدنه لا اغتساله من الجنابة.

و يؤيد ما ذكرنا تعليل النهى عن الاغتسال بغسالة الحمام في روايات أخر [1] باجتماعها من غسالة اليهودي، و النصراني، و المجوسي، و الناصب، و من الظاهر انه ليس المانع في هؤلاء إلا نجاستهم- لا سيما بملاحظة التعليل في الناصب بأنه أنجس من الكلب- فالمنع في هذه الصحيحة أيضا يكون لنفس الملاك، لبقاء أثر النجاسة على بدن الجنب- غالبا- الى حين الاغتسال- لا‌

______________________________
[1] كموثقة ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه- ع- (في حديث) قال: «و إياك ان تغتسل من غسالة الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي، و النصراني، و المجوسي، و الناصب لنا أهل البيت، فهو شرهم، فان اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، و ان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه (الوسائل ج 1 ص 159 في الباب 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 5) و نحوها غيرها.

راجع الباب المذكور.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 129‌

..........

______________________________
سيما عند قلة الماء، كما في الأزمنة السابقة.

و من جملة ما استدل به على المنع الأخبار الدالة على عدم جواز استعمال الماء القليل إذا اغتسل فيه الجنب.

كصحيحة محمد بن مسلم «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «و سئل عن الماء تبول فيه الدواب، و تلغ فيه الكلاب، و يغتسل فيه الجنب؟ قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء».

و ضعفه ظاهر، لصراحتها في أن المانع تنجس الماء القليل، لا صيرورته من المستعمل في رفع الحدث الأكبر. و من هنا فصل عليه السّلام بين الكر و الأقل بعدم انفعال الأول بالنجاسة دون الثاني، و لا يتحقق ذلك في الجنب الا مع فرض نجاسة بدنه الى حين الاغتسال- على ما هو الغالب فيه- فينفعل الماء القليل بملاقاة بدنه لا محالة، فالرواية و ان كانت صحيحة السند، و ظاهرة الدلالة على المنع، الا أن سبب المنع فيها ليس إلا نجاسة بدن الجنب، لا صيرورة الماء القليل من الماء المستعمل في رفع الجنابة، و لو مع فرض طهارة بدنه- لا سيما بملاحظة ذكر و لوغ الكلب، و بول الدواب مع اغتسال الجنب- فان ظاهر السؤال و الجواب ان المانع في جميعها شي‌ء واحد، و ليس هو إلا النجاسة و من هنا اجابه الامام عليه السّلام بجواب واحد، و هو انه إذا كان الماء بمقدار الكر لا ينجسه شي‌ء من هذه الأمور، أو غيرها.

و مما استدل به على المنع صحيحة ابن مسكان [1] قال: «حدثني‌

______________________________
[1] الوسائل ج 1 ص 157 في الباب 10 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 2.

«الوهدة» الأرض المنخفضة- أقرب الموارد و غيره.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 117 في الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1. و نحوها الحديث 5 و 12.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 130‌

..........

______________________________
صاحب لي ثقة: أنه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل، و ليس معه إناء، و الماء في وهدة، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال: ينضح بكف بين يديه، و كفا من خلفه، و كفا عن يمينه، و كفا عن شماله، ثم يغتسل».

و قريب منها ما عن المعتبر و السرائر «1» عن محمد بن ميسر، بتوهم:

ان منشأ السؤال فيهما عن كيفية الغسل بمثل هذا الماء ليس الا ما أعتقده السائل من مانعية رجوع غسالة الجنب الى الماء عن صحة الغسل به، لامتزاجه بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، و أقرّه الإمام عليه السّلام على ذلك بذكر علاج يمنع عود الغسالة، و هو نضح الأكف الأربعة على الجوانب الأربعة، اما بأن يكون المراد رش أطراف الوهدة، ليكون أسرع في جذب الماء إلى الأرض، و اما المراد نضح أطراف البدن، ليجري عليه ماء الغسل بسرعة و يكمل الغسل قبل عود الغسالة الى الوهدة.

و يندفع: (أولا) بأن تقريب الاستدلال بهما بهذا الوجه يبتنى على أن يكون المراد من الاغتسال غسل الجنابة، و يمكن منعه باحتمال ارادة الغسل العرفي- بمعنى التنظيف، و ازالة الوسخ- أو إزالة النجاسة عن البدن، كما انه يحتمل إرادة الأغسال المستحبة كغسل الجمعة، و نحوها «2» و لو سلم ذلك لظهوره في ان المراد ما هو وظيفة الجنب شرعا من الغسل للجنابة، فيرد عليه (ثانيا) انه لا تعين لمنشإ السؤال فيما ذكر، إذ يحتمل أن يكون منشأه تنجس الماء الذي في الوهدة برجوع غسالة الجنب اليه، لنجاسة بدنه- غالبا- و قلة‌

______________________________
(1) الوسائل في نفس الباب بعد ذكر الحديث.

(2) كما احتمله الشيخ «قده» في الاستبصار ج 1 ص 28 طبع النجف عام 1375 ه‍.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 131‌

..........

______________________________
الماء المفروض في السؤال، لا صيرورته من الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، فتصبح الرواية مجملة من هذه الجهة. و لو سلم طهارة بدنه فيرد عليه (ثالثا) انه يحتمل أن يكون منشأ السؤال حينئذ تخيل السامع كراهة الاغتسال بالماء المذكور، لتقذره برجوع الغسالة اليه مصحوبة لأوساخ الأرض، لا حرمته من جهة كونه من المستعمل في رفع الحدث. و لو سلم ذلك أيضا فيرد عليه (رابعا) أن عمدة ما يتوقف عليه الاستدلال بهما هو إثبات دلالتهما على تقرير الامام عليه السّلام لما في ذهن السامع بذكر العلاج المذكور، و هو ممنوع غايته، لأن ما ذكره عليه السّلام من نضح الماء الى الجوانب الأربعة سواء كانت من البدن، أو من الأرض لا يكون مانعا عن رجوع الغسالة الى ما في الوهدة كيف و بل البدن توجب سرعة جريان الماء عليه، و انفصال الغسالة عنه، و عودها الى مركزها، كما ان رطوبة الأرض تمنع عن رسوب الماء فيه ثانيا، فلا محالة يزداد سرعة جريانه على الأرض، فيكون أسرع في وصوله الى ما في الوهدة، و لا أقل من عدم كونه مانعا- لا سيما في الأراضي الصلبة- نعم الأراضي الرخوة ربما يكون نضح الماء عليها موجبا لسرعة الجذب إليها، إلا أن ذلك لا يكون مصححا لإطلاق الجواب مع كثرة الأراضي الصلبة، فيعلم من ذلك انه عليه السّلام لم يكن بصدد بيان علاج يمنع عن رجوع الغسالة إلى الماء و إلا فكان الأولى بل المتعين أن يأمره بوضع حائل من تراب و نحوه مما يمنع عن جريان الماء إلى الوهدة، أو يأمره بالاكتفاء بأقل ما يجزى في الغسل من صب قليل من الماء على جزء من بدنه، و إيصاله إلى الباقي بالمسح من دون أن ينفصل عن بدنه غسالة تجري على الأرض، لما عرفت من أن رش الأرض أو بله البدن لا يمنعان عن رجوع‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 132‌

..........

______________________________
الغسالة مطلقا.

و عليه فلا بد من حمل الأمر بالنضح إما على الاستحباب، و أنه من آداب الغسل، أو الوضوء بالماء القليل الموجود في الطرقات الذي يتخوف أن تكون السباع قد شربت منه، أو على رفع استقذار الطباع من الوضوء، أو الغسل به، لذلك، فيؤخذ من وجه الماء أكفا و ينضح على الأرض كي تطيب به النفس، كما تطيب بنزح الدلاء من البئر عند وقوع نجس فيها. و من هنا ورد الأمر به في الوضوء بمثل هذا الماء أيضا.

كما في حسنة الكاهلي «1» قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

إذا أتيت ماء، و فيه قلة فانضح عن يمينك، و عن يسارك، و بين يديك، و توضأ».

مع دعوى اتفاقهم على عدم المنع عن رفع الحدث بالمستعمل في الوضوء، فلا بد من حمل الأمر بالنضح فيه على غير توهم المنع عن رجوع الغسالة، كالتعبد، أو دفع الاستقذار.

فظهر مما ذكرنا: ان دعوى دلالة الروايتين على الردع عما توهم كونه في ذهن السائل أولى من دلالتهما على التقرير، لدلالتهما على عدم مانعية رجوع الغسالة عن صحة الغسل بالماء الذي في الوهدة، فهما على خلاف المطلوب أدل، و من هنا استدل بهما بعضهم على الجواز.

و مع قطع النظر عن هذا كله، و تسليم دلالتهما على المنع لا يمكن الاستدلال بهما على ذلك، لمعارضتهما بصحيحة على بن جعفر الدالة بصراحتها على جواز الغسل بمثل هذا الماء الذي يعود فيه الغسالة.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 158 في الباب 10 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 133‌

..........

______________________________
و هي ما رواه
«1» عن أبى الحسن الأول عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية، أو مستنقع أ يغتسل منه للجنابة، أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره، و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة، و لا مدا للوضوء، و هو متفرق فكيف يصنع، و هو يتخوف أن يكون السباع قد شربت منه؟

فقال: ان كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة، فلينضحه خلفه، و كفا أمامه، و كفا عن يمينه، و كفا عن شماله، فإن خشي ان لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات، ثم مسح جلده بيده، فان ذلك يجزيه، و ان كان الوضوء غسل وجهه، و مسح يده على ذراعيه، و رأسه و رجليه. و ان كان الماء متفرقا فقدر أن يجمعه، و الا اغتسل من هذا و من هذا. و ان كان في مكان واحد، و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل، و يرجع الماء فيه، فان ذلك يجزيه».

لصراحة قوله عليه السّلام في ذيلها: «و ان كان في مكان واحد و هو قليل.» في جواز الاغتسال بماء قليل يرجع فيه الغسالة، و غاية الجمع بينها و بين الروايتين السابقتين- لو سلم دلالتهما على المنع- هو الحمل على الكراهة.

نعم ربما يقال بعدم المعارضة، لاختصاص هذه الصحيحة الدالة على الجواز بصورة الاضطرار الى الغسل بماء يمتزج به الغسالة، لأن المفروض فيها عدم وجدان ماء آخر، لقول السائل في صدرها: «إذا كان لا يجد غيره» فيختص ما دل على المنع بما إذا تمكن المكلف من غيره. و من هنا احتمل الشيخ «قده» في الاستبصار «2» عند تعرضه للجمع بين الأخبار جواز‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 156 في الباب 10 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 1.

(2) ج 1 ص 28 طبع النجف عام 1375 ه‍.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 134‌

..........

______________________________
التطهر بالماء المستعمل في حال الاضطرار.

و فيه أولا: ان ظاهر الروايتين أيضا الاختصاص بصورة الاضطرار و عدم وجدان ماء آخر، لظهورهما في تحير السائل في كيفية الغسل فيما إذا عثر على ماء قليل في الطريق لا يتمكن الا من الاغتسال على نحو ترجع غسالته اليه لعدم وجود ماء آخر، و لا إناء يغترف به، و يغتسل في مكان بعيد لا تعود الغسالة منه الى الماء، فتكون المعارضة مستقرة، لاتحاد مورد الروايات.

و ثانيا: ان التحقيق انه لا اضطرار في مفروض شي‌ء من روايات الطرفين الى الغسل كذلك، لإمكان الاكتفاء فيه بأقل ما يجزى في الغسل بأن يبلل يده، أو يملأه ماء، و يصبه على بدنه، و يمسح بها باقي جسده على وجه يحصل به أقل مسمى الغسل المعبر عنه بالتدهين «1» من دون زيادة غسالة ترجع الى الماء، و مع التمكن من ذلك لا اضطرار الى الغسل بماء يمتزج بالغسالة.

نعم إذا أراد الاغتسال على النحو المتعارف بأن يستوعب الماء بنفسه لتمام بدنه بصبه عليه تدريجا، لانفصلت الغسالة حينئذ عن البدن، و رجعت الى الحفرة إذا كانت قريبة منه، فإذا كان الماء قليلا و أراد الاغتسال بهذه الكيفية المتعارفة يحتاج لا محالة إلى امتزاجه بالغسالة لفرض القلة، فالعبرة في تحقق الاضطرار بعدم التمكن إلا من الغسل بهذا الوجه، لا بعدم وجود ماء آخر، و قد عرفت تمكنه من الغسل بكيفية أخرى التي لا تستلزم انفصال الغسالة عن البدن، و مع ذلك دلت الصحيحة على جواز الغسل المتعارف المستلزم لعود الغسالة إلى أصل الماء، فتدل على أن جواز الاغتسال بالماء‌

______________________________
(1) للروايات الدالة على كفاية ذلك، راجع (الوسائل ج 1 ص 510 ب 31 من أبواب الجنابة)

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 135‌

و ان كان الأحوط مع وجود غيره التجنب عنه (1)

______________________________
المستعمل ليس من جهة الضرورة، بل لأجل جوازه مطلقا.

ثم انه قد ظهر مما ذكرنا دفع مما قد يتراءى من المناقضة في الصحيحة بين فرض قلة الماء، و عدم كفايته للغسل مع قوله عليه السّلام: «لا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه» لأن المراد عدم كفايته وحده من دون امتزاجه بالمستعمل في الغسل المتعارف- بأن يصب الماء على بدنه، و يستوعبه الماء بنفسه- هذا لا ينافي كفايته للغسل بضميمة الغسالة المنفصلة عن البدن، و هما لا ينافيان كفايته للاغتسال على نحو التدهين- المراد بأقل مسمى الغسل- من دون عود الغسالة إلى أصل الماء رأسا، لأن ما تحتاج إليه الصورة الأخيرة من الماء أقل مما تحتاج اليه الصورتان الأوليتان، كما ان الثانية تحتاج إلى أقل مما تحتاج إليه الأولى، فلا مناقضة في الصحيحة بوجه.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: انه لا دليل على عدم جواز استعمال الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر فيما يشترط فيه الطهارة من الخبث، أو الحدث.

(1) قد عرفت: انه لم يتم شي‌ء من الأخبار التي استدل بها على المنع إما سندا أو دلالة. نعم ربما يستدل للمنع بالأصل العملي،- و لو بضميمة دعوى انصراف الإطلاقات عن المقام- فيقال: ان مقتضى قاعدة الاشتغال عدم جواز استعماله في رفع الحدث، للشك في رافعيته، و معه لا يحصل القطع بفراغ الذمة عما يكون مشروطا بالطهارة، فلا بد من الاحتياط بالوضوء، أو الغسل بماء آخر، و مع عدمه يحتاط بالجمع بين التيمم و التطهر بالماء المستعمل.

و يندفع أولا: بأن المقام من الشك في الأقل و الأكثر، للشك في اشتراط عدم كون ماء الوضوء، أو الغسل مستعملا في رفع الحدث الأكبر و‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 136‌

و أما المستعمل في الاستنجاء و لو من البول (1)

______________________________
المرجع فيه- على ما هو التحقيق- البراءة لا الاشتغال. و ثانيا: انه يرتفع الشك باستصحاب طهورية الماء قبل استعماله، لحكومته على قاعدة الاشتغال، إلا أنه مبنى على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، و هو ممنوع عندنا- كما مرت الإشارة إليه مرارا- و ثالثا: ان مقتضى إطلاق أدلة طهورية الماء جواز التطهير بالماء المستعمل في رفع الحدث، لصدق الماء عليه، و هو كاف في شمول الإطلاق، و لم يثبت ما يدل على التقييد- كما عرفت- و دعوى الانصراف ممنوعة، لعدم الموجب، فاذن لا وجه للاحتياط الوجوبي في المقام- كما عن بعض المحشين- نعم لا بأس بالاحتياط الندبي سواء كان هناك ماء آخر أم لا، خروجا عن خلاف من قال بالمنع مطلقا، فمع وجود ماء آخر يحتاط بالتجنب عن الماء المستعمل، و مع عدمه يحتاط بالجمع بين التيمم، و الوضوء أو الغسل بالماء المستعمل. نعم مقتضى صحيحة على بن جعفر المتقدمة
«1» عدم الحاجة إلى ضم التيمم، و جواز الاكتفاء بالغسل به في هذه الصورة، لأن المفروض فيها انه إذا لم يجد ماء غيره، و كان الماء قليلا لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل، و ان رجعت غسالته إلى أصل الماء، إلا أن ذلك لا ينافي الاحتياط المذكور.

ماء الاستنجاء

(1) هذا هو القسم الرابع من أقسام الماء المستعمل، و المراد به ما استعمل في رفع الخبث، و هو على قسمين، لأنه إما أن يستعمل في تطهير‌

______________________________
(1) ص 133.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 137‌

..........

______________________________
موضع النجو- و هو الغائط- أو غيره من المتنجسات من سائر أعضاء البدن أو غيرها، فيقع الكلام أولا في ماء الاستنجاء ثم في سائر الغسالات، لاختصاص الأول بما لا يجري في الثاني.

ما هو ماء الاستنجاء و المراد بماء الاستنجاء ما يعم غسالة مخرج البول، و من هنا لم ينقل القول بالفرق بين غسالة المخرجين من أحد، بل عن جماعة التصريح بعدم الفرق بينهما «1» و هو الصحيح. لأنه لو قلنا بصدق لفظ «الاستنجاء» على غسل مخرج البول كما عن بعضهم [1] فظاهر لشمول إطلاق النص لها حينئذ و أما إذا قلنا باختصاصه لغة [2] بغسل مخرج الغائط، لأنه من النجو الذي‌

______________________________
[1] كما في الحدائق ج 1 ص 469 طبع النجف عام 1376 ه‍، و الجواهر ج 1 ص 357 طبع النجف عام 1378 ه‍.

و يؤيد ذلك إرادته في بعض الروايات كما في روايات عبد الملك بن عمرو عن ابي عبد اللّه- ع-: «في الرجل يبول، ثم يستنجي، ثم يجد بعد ذلك بللا؟ قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة، و الأنثيين ثلاث مرات، و غمز ما بينهما، ثم استنجى، فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» (الوسائل ج 1 ص 200 في الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2).

إذ لا إشكال في ان المراد من الاستنجاء فيها غسل مخرج البول.

[2] في أقرب الموارد: استنجى الرجل غسل موضع النجو، أو مسحه بالحجر، أو المدر. و قال في معنى «النجو»: انه ما يخرج من البطن من ريح أو غائط.

و مثله في المنجد. هذا و لكن أصل «النجو» في اللغة بمعنى الخلاص من الشي‌ء، فيكون الاستنجاء

______________________________
(1) كما في مفتاح الكرامة ج 1 ص 93.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 138‌

فمع الشروط الآتية طاهر (1)

______________________________
هو بمعنى الغائط، أو انصرافه اليه، كما أصر عليه شيخنا الأنصاري «قده» مدعيا وضوح ذلك لمن تتبع موارد استعماله في الاخبار، و كلمات الأصحاب، حيث يقابل الاستنجاء فيها بغسل مخرج البول- مع أن مذهبهم عدم الفرق بينهما- فيدل على حكمها نفس أخبار الباب التزاما، و ذلك لعدم انفكاكها- غالبا- عن الاستنجاء من الغائط، لقضاء العادة بندرة انفراد الغائط عن البول، فتجتمع غسالتهما في محل واحد لا محالة، إذ لم يتعارف الاستنجاء من كل منهما على حده، فاذن ما دل من الاخبار على طهارة ماء الاستنجاء من الغائط، أو العفو عنه- على الخلاف الآتي- يدل بالالتزام على ثبوت الحكم المزبور لغسالة مخرج البول أيضا، لعدم انفكاكه عنها.

و (دعوى) اختصاص النصوص بالاستنجاء من الغائط- فقط- ضاء لحمل اللفظ على معناه الحقيقي، أو المنصرف إليه.

(مندفعة) باستلزامها لحملها على الفرد النادر، لندرة انفكاكه عن الاستنجاء من البول- كما ذكرنا- و بالجملة: جريان العادة قاضية بإرادة مجموعهما. هذا حكم غسالة مخرج البول حال اجتماعها مع الاستنجاء من الغائط، و أولى منها ثبوت الحكم لها حال الانفراد- كما هو واضح.

الأقوال في ماء الاستنجاء

(1) اختلف الأصحاب في ماء الاستنجاء على أقوال ثلاثة: «أحدها»‌

______________________________
بمعنى الاستخلاص منه، فإطلاقه على غسل مخرج الغائط من باب إطلاق الكلي على بعض مصاديقه، و عليه يحمل تفسير اللغويين له بذلك، فدعوى شموله لغسل مخرج البول غير بعيدة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 139‌

..........

______________________________
انه نجس معفو عنه من حيث السراية- فقط- فلا يجوز شربه، و لا استعماله في شي‌ء مما يشترط فيه الطهارة، كما لا يجوز رفع الخبث و الحدث به. نعم لا ينجس ملاقيه- كالثوب و البدن و نحوهما- بدعوى دلالة الأخبار على نفى البأس عن ملاقيه- فقط- من دون تصريح فيها بطهارة نفسه فيبقى تحت عموم ما دل على انفعال الماء القليل. حكى هذا القول عن صريح الشهيد «قده» في الذكرى، و عن ظاهر كل من قال بالعفو عنه من دون تصريح بطهارته «ثانيها» انه طاهر، و مطهر من الخبث و الحدث، كما عن المستند، و هو خيرة صاحب الحدائق
«1» ناسبا له الى المحقق الأردبيلي «قده» في شرح الإرشاد، قائلا بدلالة الاخبار على طهارته، فيبقى على طهوريته من الخبث و الحدث، الا أن يثبت دليل على الخلاف، و لم يثبت سوى دعوى الإجماع عن بعضهم على عدم رافعيته للحدث، و هي ليست بحجة «ثالثها» انه طاهر و مطهر عن الخبث دون الحدث- كما لعله المشهور و الموافق لما في المتن- لما أشرنا إليه آنفا من الإجماعات المنقولة على عدم رافعيته للحدث.

أقول: إذا ثبت طهارة ماء الاستنجاء، و انه خارج عن حكم الغسالة فمقتضى القاعدة ان تترتب عليه جميع آثار الطهارة- من جواز استعماله في الأكل و الشرب، و طهارة ملاقيه، و رفع الخبث و الحدث به الى غير ذلك من الآثار المترتبة على الماء الطاهر- فنحتاج في استثناء بعض تلك الآثار إلى إقامة دليل يدل عليه- كما ادعى الإجماع على عدم جواز رفع الحدث به- و على العكس من ذلك فيما لو قلنا بنجاسته، و انه باق تحت عموم ما دل على انفعال الماء القليل، إذ على هذا القول لا بد من ترتيب جميع آثار النجاسة التي‌

______________________________
(1) ج 1 ص 477 طبع النجف عام 1376 ه‍.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 140‌

..........

______________________________
منها الحكم بنجاسة ملاقيه، فلا بد في الخروج عن ذلك من اقامة الدليل على عدم السراية أيضا- كما ثبت ذلك بالاخبار على ما ستعرف- و بالجملة:

التفكيك بين آثار النجاسة، كالتفكيك بين آثار الطهارة يحتاج الى الدليل.

فعليه لا بد من التكلم في مقامين: (الأول) في طهارته، و نجاسته و (الثاني) في انه على القول بالطهارة هل هناك دليل على المنع عن رفع الحدث به، أو على القول بالنجاسة هل هناك ما يدل على العفو عن ملاقيه؟

أما المقام الأول: فيقع الكلام فيه تارة من حيث القاعدة الأولية، و أخرى من حيث دلالة الأخبار الواردة في المقام.

أما القاعدة فتقتضي نجاسته، لعموم ما دل على انفعال الماء القليل بملاقاته للنجس، و ماء الاستنجاء يلاقي البول، أو العذرة، أو المتنجس بهما لو فرض خلو المحل من عين النجاسة، فلا يكون رافعا للخبث أو الحدث، كما ان مقتضى قاعدة تنجيس المتنجس الحكم بنجاسة ملاقيه، فان هذه القاعدة و ان كانت محل الخلاف بين الاعلام من حيث الكبرى الكلية، و عمومها للجوامد، الا انه لا كلام بينهم في منجسية الماء المتنجس، بل مطلق المائعات المتنجسة، لعموم ما دل على السراية فيها، كموثقة عمار [1] الدالة على وجوب غسل كل ما أصابه الماء المتنجس. و بالجملة: مقتضى القاعدتين-

______________________________
[1] عن عمار بن موسى الساباطي: «انه سأل أبا عبد اللّه- ع- عن رجل يجد في إنائه فأرة، و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا، أو اغتسل منه، أو غسل ثيابه، و قد كانت الفأرة متسلخة؟ فقال: إن كان رآها في الإناء قبل ان يغتسل، أو يتوضأ، أو يغسل ثيابه، ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه، و يغسل كل ما اصابه ذلك الماء، و يعيد الوضوء و الصلاة.» إلخ (الوسائل ج 1 ص 106 في الباب 4 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 141‌

..........

______________________________
قاعدة انفعال الماء القليل، و قاعدة تنجيس المتنجس- نجاسة ماء الاستنجاء، و نجاسة ملاقية، فلا بد من ملاحظة أخبار المقام، و انها تكون مخصصة لأي منهما.

و هي- بجملتها- تدل على طهارة الثوب الملاقي لماء الاستنجاء بلا كلام لما فيها من نفى البأس عنه، أو التصريح بعدم نجاسته- على اختلاف ألسنتها كما ستعرف- و الظاهر انه لا خصوصية للثوب، بل يحكم بطهارة مطلق الملاقي له، كما هو المتسالم عليه عندهم. و السؤال في الروايات عن خصوص الثوب إنما هو من جهة كثرة الابتلاء بوقوعه في ماء الاستنجاء في حال التطهير، لا لخصوصية فيه جزما. نعم وقع الكلام بين الأعلام في أن عدم نجاسته هل هو من باب السلب بانتفاء الموضوع، لعدم نجاسة ملاقية- أي ماء الاستنجاء- كما هو المشهور المنصور عندنا، و المدعى عليه الإجماع عن غير واحد تخصيصا في قاعدة انفعال الماء القليل بالروايات، بحيث يكون خروج الملاقي له عن قاعدة السراية خروجا موضوعيا، أو هو من جهة عدم سراية نجاسة ماء الاستنجاء إلى ملاقيه تخصيصا في قاعدة السراية بالروايات المذكورة، فالسلب فيه بانتفاء المحمول و يكون خروجه عن تلك القاعدة خروجا حكميا؟ فاذن لا بد من ملاحظة أخبار الباب، و بيان الحق فيها.

أخبار الباب (منها) رواية الصدوق «1» في (العلل) بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن، عن رجل عن الغير، أو عن الأحول انه قال لأبي عبد اللّه‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 161 في الباب 13 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 142‌

..........

______________________________
عليه السّلام (في حديث): «الرجل يستنجى، فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به؟ فقال: لا بأس، فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به. قال: قلت لا و اللّه، فقال: لأن الماء أكثر من القذر».

و لعل هذه الرواية هي عمدة الوجه عند المشهور القائلين بطهارة ماء الاستنجاء، لما في ذيلها من التعليل بأكثرية الماء من القذر الدال على عدم انفعاله به، لغلبته عليه، و عدم تغيره به، إذ لو لا هذا التعليل لكان صدرها دالا على طهارة الملاقي فقط، لظهوره في ان المنفي عنه البأس هو الثوب، لأن السؤال عنه لا عن الماء، و ظاهر نفى البأس عن شي‌ء- في أمثال المقام مما يحتمل فيه نجاسة ذاتية أو عرضية- هو طهارة ما نفى عنه البأس، و عليه لا يمكن إثبات طهارة نفس الماء بهذا المقدار، لعدم محذور عقلي، أو شرعي في تخصيص قاعدة السراية، و على هذا تكون الرواية ساكتة عن حكم نفس الماء، إلا أن التعليل المذكور أوجب قلب الظهور، و رجوع نفى البأس و الضمير في قوله عليه السّلام: «لا بأس به» الى نفس الماء، لمناسبة التعليل بالأكثرية، و أن النجاسة الملاقية للماء لا تؤثر في انفعاله لبيان حكم الماء نفسه، فيكون عدم نجاسة الثوب من جهة عدم المقتضى، لا عدم السراية. هذا و لكنها ضعيفة السند، و الدلالة. أما السند فلأنها في حكم المرسل، لجهالة الرجل الذي روى عنه يونس «و دعوى» أن يونس بن عبد الرحمن ممن أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه، فيعمل بمراسيله، كما يعمل بمسانيده «لا تجدي» لما ذكرنا مرارا من عدم إمكان الاعتماد على المراسيل مطلقا، سواء كان المرسل من أصحاب الإجماع أم غيرهم، إذ لم يثبت عدم ارسالهم إلا عن الثقة بل ثبت خلافه، مضافا الى عدم حجية الإجماع المنقول‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 143‌

..........

______________________________
عن الكشي، أو غيره على العمل بمراسيلهم كمسانيدهم.

و أما الدلالة فلأنها في حكم المجمل، لعدم إمكان الأخذ بعموم العلة، إذ مقتضاه عدم انفعال القليل مطلقا إلا بالتغير لعموم العلة، لأكثرية الماء عن النجس الملاقي له دائما، و قد سبق في بحث الماء الراكد ان التحقيق انفعال القليل بالملاقاة، لدلالة الأخبار المتواترة عليه، و لزوم طرح المعارض، و أن التغير إنما يعتبر في نجاسة المياه العاصمة، دون القليل. فاذن لا يبقى مورد لعموم العلة المذكورة سوى ماء الاستنجاء، و التخصيص به مستهجن لا يصار اليه، و الحمل على ارادة مطلق الغسالة بمناسبة موردها كي تكون من أدلة طهارة الغسالة مطلقا- كما في الجواهر «1» لا وجه له بعد ما كانت العلة عامة تشمل غيرها، كما ان الأخذ بالمعلول و طرح العلة رأسا غير محتمل فيدور أمرها بين رفع اليد بها عن انفعال القليل مطلقا، أو تخصيص عموم العلة بموردها، و لا يمكن الالتزام بشي‌ء منهما، لما عرفت. فاذن تسقط الرواية عن الاستدلال بها على طهارة ماء الاستنجاء، و لا بد من حملها على خلاف الظهور، و الذي يسهل الخطب انها ضعيفة بالإرسال- كما أشرنا.

و (منها) حسنة محمد بن النعمان الأحول «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أخرج من الخلاء، فأستنجى بالماء، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال: لا بأس به».

و هذه الرواية و ان كانت معتبرة سندا، إلا انها ظاهرة في نفى البأس عن الثوب، أو عن وقوعه في ماء الاستنجاء، لظهور السؤال في كونه عنه‌

______________________________
(1) ج 1 ص 354 طبع النجف.

(2) الوسائل ج 1 ص 160 في الباب 13 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 144‌

..........

______________________________
لا عن الماء، فلا تدل- كسابقتها- على طهارة نفس الماء، بل غايتها الدلالة على طهارة الثوب الملاقي له.

و (منها) صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي «1» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أ ينجس ذلك ثوبه؟ قال: لا».

و هذه صريحة الدلالة على عدم نجاسة الثوب الملاقي لماء الاستنجاء من دون تعرض فيها لحكم الماء نفسه، و أن عدم نجاسته هل هو للعفو، أو لطهارة الملاقي- بالفتح.

و (منها) صحيحة محمد بن النعمان «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قلت له أستنجى ثم يقع ثوبي فيه، و أنا جنب؟ فقال: لا بأس به».

ربما يستظهر منها ان المراد الاستنجاء من المني بقرينة قوله: «و أنا جنب» حتى قال القائل: انه ينبغي استثناء الاستنجاء من المني أيضا، كالاستنجاء من الغائط. و عليه تكون الرواية أجنبية عما نحن فيه، لأنها تدل على طهارة الثوب الملاقي لماء الاستنجاء من المنى. (و يمكن دفعه) بأنه لم يفرض فيها وجود نجاسة المنى على بدن الجنب، إذ فرض الجنابة أعم من ذلك، فالأظهر هو كون السؤال عن حكم الاستنجاء من الغائط، و لعل ذكر الجنابة لتوهم صيرورة الماء المماس لبدن الجنب من المياه المستعملة المسلوب عنها الطهورية، لتحمله نجاسة معنوية حدثية- كما يقوله بعض العامة [1]-

______________________________
[1] راجع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة- ج 1 ص 6 و 7- و لاحظ ما ذكره في التعليقة عن

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 161 في الباب 13 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 5.

(2) الوسائل ج 1 ص 161 في الباب 13 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 145‌

..........

______________________________
إلا انه مع ذلك كله لا تدل على طهارة نفس الماء، بل غايته نفى البأس عن الثوب الملاقي له، كبقية روايات الباب.

هذه جملة الروايات، و هي بأجمعها انما تدل على طهارة الملاقي لماء الاستنجاء، فلا بد في الحكم بطهارة نفس الماء من التماس دليل آخر، إذ لا محذور عقلا في نجاسة الماء، و الحكم بطهارة ملاقيه، لأن قاعدة السراية ليست من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص، إذ لا ملازمة عقلا بين طهارة المتلاقيين.

نعم ربما يتوهم: ان الحكم بطهارة نفس الماء هو مقتضى القاعدة و الصناعة، لدوران الأمر في المقام بين التخصيص، و التخصص، و الثاني أولى، لأن الأول خلاف الأصل. بيان ذلك: أنه لو قلنا بنجاسة ماء الاستنجاء تكون طهارة ملاقيه من باب التخصيص في قاعدة السراية- أعني قاعدة تنجيس النجس أو المتنجس- بخلاف ما إذا حكمنا بطهارته، فان خروجه عن تلك القاعدة يكون بالتخصص و هو أولى من التخصيص تحفظا على عموم العام. و يندفع بما ذكرناه في الأصول من انه إذا كان الفرد معلوم الحكم‌

______________________________
الشافعية. و عليه ينحل السؤال في الرواية إلى أمرين «أحدهما» حكم الثوب من جهة ملاقاته لماء الاستنجاء و «الثاني» حكمه من جهة ملاقاته للماء المماس لبدن الجنب، و انه هل يمنع عنه من كلتا الجهتين، أو إحداهما، أو أن شيئا منهما لا يقتضي المنع، فان الماء الملاقي لبدن الجنب و إن كان طاهرا حتى عند القائل من العامة بسلب الطهورية عنه، إلا انه يمكن توهم المنع عن الصلاة في الثوب بسبب ملاقاته للماء المتحمل لخباثة معنوية بملاقاته لبدن الجنب، كما يمنع عن الصلاة فيه بملاقاته للماء المتنجس بنجاسة خبيثة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 146‌

..........

______________________________
و دار أمره بين التخصيص أو التخصص لم يثبت من العرف التمسك بعموم العام لإثبات عدم كونه من أفراده، و خروجه عنه تخصصا، كما إذا قال المولى أكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم زيدا، و شك في زيد أنه عالم أو جاهل، إذ لم يثبت فيه التمسك بعموم وجوب إكرام العالم لإثبات أنه جاهل. نعم إذا كان الفرد مشكوك الحكم يتمسك بالعموم، كما إذا قال المولى- في المثال- لا تكرم زيدا، و تردد بين شخصين أحدهما عالم و الآخر جاهل، و شك في المراد، إذ في مثله يتمسك بعموم وجوب إكرام العالم، و يلتزم بأن المراد هو زيد الجاهل تحفظا على العموم. و مقامنا من قبيل الأول، لأن ملاقي ماء الاستنجاء معلوم الحكم، و أنه طاهر على أى تقدير، و إنما الشك في خروجه عن قاعدة السراية بالتخصيص أو التخصص، و لا يمكن التمسك بعموم القاعدة لإثبات طهارة الماء كي يكون خروج الملاقي عنها بالتخصص، بل مقتضى أصالة العموم في أدلة انفعال القليل الحكم بنجاسته.

فالقول بنجاسة ماء الاستنجاء، و العفو عن ملاقيه- كما عن الشهيد «قده»- هو مقتضى الجمع بين قاعدة الانفعال، و أخبار الاستنجاء الدالة على طهارة ملاقي ماء الاستنجاء [1] هذا.

______________________________
[1] قد يتوهم: ان أصالة العموم في أدلة انفعال الماء معارض بأصالة العموم بالنسبة إلى الملاقي، إذ لو حكمنا بنجاسة الماء لزم الالتزام بالتخصيص في أدلة السراية، و إذا قلنا بطهارته لزم الالتزام بالتخصيص في أدلة انفعال الماء القليل، فلنا علم إجمالي بالتخصيص في إحدى القاعدتين- قاعدة انفعال القليل و قاعدة السراية- و معه لا يمكن التمسك بالعموم في شي‌ء منهما.

و لكنه يندفع: بأنه لو تم لزمه عدم جريان أصالة العموم بالنسبة إلى الملاقي ايضا، للمعارضة، و لا بد من الحكم بطهارة ماء الاستنجاء لأصالة الطهارة إلا ان الصحيح هو ما في المتن من عدم جريان أصالة العموم في نفسها بالنسبة إلى الملاقي، للعلم بحكمه، فتبقى أصالة العموم في الماء بلا معارض.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 147‌

و يرفع الخبث أيضا، لكن لا يجوز استعماله [1] في رفع الحدث (1)

______________________________
و لكن لا ينبغي التأمل في ان الفهم العرفي لا يساعد على التفكيك في حكم المتلاقيين من حيث الطهارة و النجاسة، لأنهم يرون السراية من اللوازم القهرية للنجس لا يمكن التخلف فيها، و لم يعهد لديهم وجود نجس غير منجس، فإذا حكم بطهارة الملاقي ينسبق إلى أذهانهم طهارة الملاقي- الفتح- أيضا، كما انه لو حكم بنجاسته يفهم منه نجاسة الملاقي أيضا، و من هنا جرى ديدن الأصحاب على الاستدلال على طهارة جملة من الأشياء بحكم الشارع بطهارة ملاقيها- في الروايات- كما انهم يستدلون على نجاستها بالحكم بنجاسة ملاقيها من غير نكير في ذلك من أحد، و هذا هو الحال في المفتين و المستفتين، فإنه إذا أراد المستفتي معرفة طهارة شي‌ء أو نجاسته، فسئل المفتي عن حكم ملاقيه، و أجابه بأنه طاهر، أو نجس يعرف من ذلك حكم ذاك الشي‌ء من حيث الطهارة و النجاسة، فإذا حكم المفتي بطهارة الثوب الملاقي لبول الخفاش- مثلا- يفهم من ذلك طهارة نفس البول أيضا.

و بالجملة، الإنصاف انه لا قصور في دلالة الروايات على طهارة ماء الاستنجاء دلالة التزامية عرفية، و إن كان مدلولها المطابقي طهارة الثوب الملاقي له فقط، فاذن يخرج بها عن عموم انفعال القليل، و مقتضى القاعدة حينئذ جواز رفع الخبث و الحدث به لأنه ماء طاهر، و لا بد في المنع عن رفع الحدث به من اقامة دليل، و يأتي الكلام على ذلك.

(1) سبق أن الأقوال في المقام ثلاثة: «أحدها» القول بنجاسة ماء الاستنجاء، و العفو عن ملاقيه «ثانيها» القول بطهارته، و طهوريته من‌

______________________________
[1] على الأحوط- كما في تعليقته (دام ظله).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 148‌

..........

______________________________
الخبث و الحدث «ثالثها» القول بطهارته، و عدم طهوريته من الحدث، و قد عرفت ضعف القول الأول بما لا مزيد عليه، و الظاهر [1] ان القائلين بالطهارة لم يختلفوا في جواز استعماله في رفع الخبث، و إنما الكلام في جواز استعماله في رفع الحدث، و مقتضى إطلاقات أدلة طهورية الماء الطاهر هو الجواز، إلا انه ذهب جماعة إلى المنع، و يمكن الاستدلال لهم بوجهين:

(الأول): الإجماع، و ينقل على نحوين «أحدهما» الإجماع على عدم جواز رفع الحدث بمطلق الغسالة، و منها ماء الاستنجاء- كما عن المعتبر و المنتهى- و عن المدارك و المعالم و الذخيرة الاعتراف به «2» «ثانيهما» الإجماع على عدم الجواز في خصوص المقام- كما حكى عن المعالم.

(و فيه) أولا: أنه لا يخرج بذلك عن الإجماع المنقول، و ان نقله جمع من الأعلام، إذ المراد به ما لا يبلغ حد التواتر بحيث يقطع برأي المعصوم عليه السّلام و نقل هؤلاء الجماعة لا يوجب لنا ذلك، بل لا يفيد الظن الشخصي، و لو كان فهو نوعي لا دليل على حجيته في المقام، و عهدة دعوى حصول القطع برأي الامام عليه السّلام من نحو هذه الإجماعات المنقولة على مدعيها.

و ثانيا: أن جملة من القائلين بالمنع استندوا الى الوجه الثاني، و هو خبر ابن سنان المتقدم و لا أقل من احتمال استنادهم اليه، و عليه يسقط الإجماع عن الحجية، لخروجه عن الإجماع التعبدي حتى لو فرض تحصيل اتفاق الكل، لأنه معلوم المدرك أو محتمله، فلا بد من ملاحظة مستندهم، فان‌

______________________________
[1] كما صرح بذلك في مفتاح الكرامة (ج 1 ص 93) في حكم المستعمل في غسل النجاسة، و منه المستعمل في الاستنجاء.

______________________________
(2) كما في مفتاح الكرامة (ج 1 ص 92- 93).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 149‌

..........

______________________________
تم سندا و دلالة فهو، و إلا فلا عبرة بالإجماع المذكور سواء كان منقولا أم محصلا [1].

هذا مضافا الى احتمال ابتناء دعوى الإجماع المذكور على نجاسة مطلق الغسالة- كما لعلها المعروف بينهم- و عليه يكون المنع عن استعمال ماء الاستنجاء في رفع الحدث هو مقتضى القاعدة، لأنه من أفراد الغسالة، هذا و لكن لا بد من الخروج عنه في خصوص ماء الاستنجاء، لحكاية الإجماع على طهارته.

(الوجه الثاني): خبر ابن سنان المتقدم «2» لما فيه من قوله عليه السّلام:

«الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه.».

فإنه من المقطوع به عدم خصوصية للثوب، بل المراد مطلق الغسالة الشاملة لماء الاستنجاء، كما يؤيد إرادة العموم، بل يدل عليها مقابلته مع ما في ذيل الخبر من قوله عليه السّلام: «و أما الذي يتوضأ الرجل به، فيغسل به وجهه و يده في شي‌ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره، و يتوضأ به» لدلالة المقابلة على ان علة النهي في الصدر إنما هي نجاسة المغسول، لا كونه ثوبا، فيدل الخبر على عدم جواز الوضوء بمطلق ما أزيل به النجاسة الشامل لماء الاستنجاء و أما الغسل به فان قلنا بأن كلمة «أشباهه» عطف على «أن‌

______________________________
[1] بل في مفتاح الكرامة (ج 1 ص 94) حكاية الخلاف عن جمع كالأردبيلي، و ظاهر جامع المقاصد، و الذكرى، و المهذب البارع، حتى انه «قده» فرع على خلاف هؤلاء ان معقد الإجماع على المنع غير ماء الاستنجاء.

______________________________
(2) في ص 109.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 150‌

..........

______________________________
يتوضأ» بتأويله المصدر فيعمه المنع أيضا، لأن المراد بها حينئذ شبه الوضوء من الروافع، و ليس هو إلا الغسل، و أما إذا كان عطفا على الضمير في «منه» فيبتني عدم جواز الغسل بالمستعمل في رفع الخبث على القطع بعدم الفرق بينه و بين الوضوء- كما هو غير بعيد- فيكون ذكر الوضوء من باب المثال.

فالمتحصل من الرواية: أنه لا يجوز رفع الحدث بغسالة النجس سواء أ كانت غسالة الاستنجاء أم غيرها.

(و فيه): ان الخبر المذكور ضعيف السند كما عرفت فلا يمكن الاستدلال به في شي‌ء، على انه يمكن المناقشة في دلالتها على ذلك أيضا، و ذلك من جهة ان أكثر القائلين بعدم جواز رفع الحدث بماء الاستنجاء- و لا كلهم- ذهبوا الى القول بنجاسة الغسالة، فعليه لا يسعهم الاستدلال بهذه الرواية على المنع في ماء الاستنجاء المحكوم بالطهارة- على الفرض- جواز أن تكون علة النهي فيها نجاسة غسالة الثوب، لا مجرد كونها مستعملة في رفع الخبث كي تعم الغسالة الطاهرة- كماء الاستنجاء- و لا يمكن التعدي عن موردها الى غيره بلا دليل. و هذا نظير ما ناقشنا به في الاستدلال بالإجماع على المنع من احتمال استناد المجمعين إلى نجاسة الغسالة، فلا يكون من الإجماع التعبدي كي يشمل الغسالة الطاهرة أيضا.

نعم ان قلنا بطهارة مطلق الغسالة، أو بعضها كخصوص المتعقبة لطهارة المحل- كما هو المختار- أو غير المزيلة للعين- كما هو خيرة آخرين- لشمل الخبر ماء الاستنجاء أيضا، إذ لا يحتمل حينئذ أن تكون علة النهي نجاسة الغسالة، لأن المفروض طهارتها مطلقا، أو طهارة بعض أقسامها، فلا يكون النهي إلا من جهة التعبد المحض، و كون الغسالة، مستعملة في رفع الخبث، و لو‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 151‌

و لا في الوضوء، و الغسل المندوبين (1)

______________________________
كانت محكومة بالطهارة- كماء الاستنجاء.

فظهر مما ذكرنا: انه بناء على القول بطهارة ماء الاستنجاء- كما هو المستفاد من الروايات- كان مقتضى القاعدة الأولية جواز ترتيب جميع آثار الطهارة عليه من طهارة ملاقيه و جواز شربه و رفع الخبث و الحدث به- كما هو مختار صاحب الحدائق، و المحقق الأردبيلي «قدس سرهما»- إلا أن يقوم دليل على المنع عن شي‌ء من ذلك و قد عرفت منعه. نعم الأحوط ترك استعماله في رفع الحدث خروجا عن خلاف القائلين بالمنع لو لم يكن الاحتياط في خلافه، كما إذا انحصر الماء فيه، إذ الاحتياط حينئذ بالجمع بين الوضوء أو الغسل به، و التيمم في سعة الوقت، و الاكتفاء برفع الحدث به في الضيق، لأن الاقتصار على التيمم في هذا الحال خلاف الاحتياط.

(1) قد عرفت أن ما يستدل به على عدم جواز استعمال ماء الاستنجاء في رفع الحدث أمران الإجماع، و رواية ابن سنان، و قد عرفت الإشكال فيهما، و أولى بالإشكال الاستدلال بهما على المنع عن الوضوء و الغسل غير الرافعين إذ معقد الإجماع إنما هو عدم جواز رفع الحدث بمطلق الغسالة، أو خصوص ماء الاستنجاء، فلا يعم غير الرافع، و الاستدلال بالرواية مبنى على ثبوت الإطلاق في النهي عن الوضوء و الغسل بالغسالة بالنسبة الى غير الرافع، مضافا إلى ضعف دلالتها حتى في الرافع مع الغض عن سندها فراجع ما ذكرناه آنفا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 152‌

و أما المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء فلا يجوز استعماله في الوضوء، و الغسل (1) و في طهارته و نجاسته خلاف، و الأقوى ان ماء الغسلة المزيلة للعين نجس، و في الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب [1].

______________________________
ماء الغسالة‌

(1) يقع الكلام في الماء المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء- المعبر عنه بالغسالة- في مقامين (أحدهما) في جواز رفع الخبث و الحدث به (الثاني) في طهارته و نجاسته.

أما المقام الأول: فالكلام فيه بعينه ما تقدم في ماء الاستنجاء، فان قلنا بنجاسة الغسالة فلا يجوز استعمالها فيما يشترط فيه الطهارة مطلقا، و إن قلنا بطهارتها فقد عرفت ان مقتضى القاعدة حينئذ ترتب جميع آثار الطهارة من دون فرق بين استعمالها في الأكل و الشرب، أو رفع الخبث أو الحدث بها، إلا أن يقوم دليل على المنع في شي‌ء منها، و ليس في البين سوى دعوى الإجماع، و خبر ابن سنان الدال على عدم جواز رفع الحدث بمطلق الغسالات، و قد سبق الخدشة فيهما، و أن الأظهر هو الجواز، فالعمدة هي صرف الكلام الى المقام الثاني: الذي هو المهم في هذا الباب. فنقول: انه قد اختلف الأصحاب في حكم الغسالة فيما إذا لم تتغير بالنجاسة على أقوال عمدتها أربعة بعد اتفاقهم على الحكم بنجاستها فيما لو تغيرت بها (أحدها) القول بالنجاسة مطلقا من دون فرق بين الغسلات، كما عن الأشهر، بل المشهور خصوصا بين المتأخرين (ثانيها) القول بالطهارة مطلقا، كما عن جماعة، بل في‌

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله): «و ان كان الأظهر طهارة الغسالة التي تتعقبها طهارة المحل فحكمها حكم ماء الاستنجاء المحكوم بالطهارة».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 153‌

..........

______________________________
الجواهر عن اللوامع ان عليه المرتضى، و جل الطبقة الأولى، و عن جامع المقاصد انه الأشهر بين المتقدمين، و قواه صاحب الجواهر [1] و أصر عليه غاية الإصرار مستدلا عليه ب‍ «قاعدة أن المتنجس لا يطهر» مرجحا لها على «قاعدة انفعال القليل» بوجوه كثيرة، مدعيا أن المتأمل في عمل القائلين بالنجاسة يقطع بأن عملهم مخالف لما يفتون به، لعدم اجتنابهم عنها، فكأنه «قده» يرى طهارتها من الواضحات (ثالثها) التفصيل بين غسالة الغسلة المزيلة للعين فيحكم بنجاستها، و بين ما لا تكون مزيلة لها إما لزوال العين قبلها بالماء أو بشي‌ء آخر، أو لعدم عين للنجاسة، فيحكم بطهارتها، و اختاره المصنف «قده» إلا انه احتاط بالاجتناب عنها أيضا (رابعها) التفصيل بين المتعقبة لطهارة المحل و غيرها، فيحكم بطهارة الأولى، دون الثانية- و هو المختار عندنا- و لا فرق في الأولى بين أن تكون مزيلة للعين، أم لا، فبناء على كفاية الغسل مرة واحدة في تطهير المتنجس بغير البول تكون الغسالة طاهرة، و إن كانت مزيلة لعين النجاسة- فيما إذا لم تتغير بها- لتعقبها بطهارة المحل، كما انه لا فرق في الثانية بين أن تكون مزيلة للعين أم لا، فبناء على اعتبار التعدد في تطهير الثوب المتنجس بالبول- كما هو الصحيح- يحكم بنجاسة الغسالة الأولى و إن لم تكن مزيلة للعين- كما إذا زال البول قبل الغسل- لعدم تعقبها بطهارة المحل، فالنسبة بين الغسالة النجسة، و المزيلة‌

______________________________
[1] ج 1 ص 344- 345. و ربما يظهر من بعض كلماته انه لا يقول بطهارة الغسالة المزيلة لعين النجاسة حيث قال في (ص 348): «و الأقوى في النظر الحكم بطهارة الغسالة مطلقا من غير فرق بين الأولى و الثانية. نعم يشترط ان لا تكون الغسلة التي فيها زوال عين النجاسة.» إلخ. و لكن التأمل في مجموع كلامه يعطي بأنه قائل بطهارتها ايضا، إما لكونها جزء للمطهر، أو لطهارة المحل بعدها، فراجع.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 154‌

..........

______________________________
للعين العموم من وجه، كالنسبة بين الغسالة الطاهرة، و ما لا تكون مزيلة لها، و هذا القول هو الأوفق بالقواعد، و المختار عندنا- كما أشرنا.

فنقول: في تحقيقه ان مقتضى القاعدة الأولية الثابتة بالآيات و الروايات طهارة مطلق المياه الغسالة أو غيرها فلا بد في الحكم بنجاسة فرد- الغسالة- من اقامة دليل عليه فان تم فهو مخصص لتلك القاعدة و إلا فيرجع الى الأصل المذكور و هو يقتضي الطهارة- كما عرفت.

و قد استدل على نجاسة مطلق الغسالة بوجوه: «أحدها» الإجماع «ثانيها» قاعدة انفعال القليل «ثالثها» الأخبار الخاصة، و شي‌ء من هذه الوجوه لا يسلم عن الإشكال.

أما (الوجه الأول): فهو ما حكى عن العلامة في المنتهى من دعوى الإجماع في بعض جزئيات المسألة، و هو نجاسة غسالة بدن الجنب و الحائض إذا كان على بدنهما نجاسة، حيث قال- على ما حكى عنه في الحدائق-: «و متى كان على جسد الجنب، أو المغتسل من حيض و شبهه نجاسة فالمستعمل ان قل عن الكر نجس إجماعا» و من المعلوم أنه لا خصوصية لبدن الجنب، أو الحائض، و لا لنجاسة المني، أو الدم، بل العبرة بمطلق المتنجس بأي نجاسة كانت.

(و فيه) أولا: أنه إجماع منقول لا نقول بحجيته- لا سيما في أمثال المقام مما يحتمل استناد المجمعين إلى بقية الوجوه الآتية التي استدل بها جمع من القائلين بالنجاسة- و ثانيا: أنه أخص من المدعى، إذ غايته أن تثبت به نجاسة خصوص غسالة الغسلة المزيلة للعين، لأن مفروض كلامه «قده» بقاء عين النجاسة من المني، أو الدم على بدن المغتسل، فغسالة غير الغسلة المزيلة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 155‌

..........

______________________________
خارجة عن معقد الإجماع المذكور، فالالتزام بطهارتها لا ينافيه.

و أما (الوجه الثاني)- و هو قاعدة انفعال القليل- فقد يقال في تقريبه:

إن مقتضى العموم الأفرادي لما دل على انفعال الماء القليل هو تنجسه بملاقاة أي فرد من أفراد النجس أو المتنجس، كما أن مقتضى إطلاقه الأحوالى عدم الفرق بين ورود الماء على النجس، أو العكس، و أيضا عدم الفرق بين أن يكون الوارد مستعملا في تطهير المورود عليه، و بشرائطه، أم لا. و يترتب على ذلك الحكم بنجاسة الغسالة مطلقا، سواء أ كانت متعقبة لطهارة المحل، أم لا، لأنها من الماء الملاقي للمتنجس- و إن كان مستعملا في تطهيره.

(و فيه): انه قد ذكرنا في بحث انفعال القليل «1» ما محصله: انه ليس بأيدينا من الأخبار ما يدل على هذا العموم، و الإطلاق، لأن مقتضى الجمود على الأخبار الخاصة الدالة على تنجس الماء القليل إنما هو تخصيص الحكم بالنجاسة بصورة ورود النجس، أو المتنجس على الماء، كما ان مقتضى مفهوم أخبار الكر هو الحكم بنجاسة ما دون الكر بملاقاة نجس ما في الجملة، فليس لمفهومها عموم أفرادي بالنسبة الى جميع أفراد النجاسات فضلا عن المتنجسات كما انه ليس له إطلاق أحوالي بالنسبة إلى الورودين، أو الواردين. بيان ذلك: ان مفهوم قوله عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» هو انه إذا لم يكن بمقدار الكر ينجسه شي‌ء ما في بعض الحالات، لا كل شي‌ء في جميع الحالات، لأن نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية. و الوجه في ذلك هو ان مقتضى العموم الأفرادي للمنطوق عدم تنجس الكر بشي‌ء مما يترقب منه التنجيس من النجاسات أو المتنجسات،

______________________________
(1) في الجزء الأول، ص 155- 156، الطبعة الثالثة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 156‌

..........

______________________________
كما ان مقتضى إطلاقه الأحوالى عدم تنجسه مطلقا سواء أ كان الكر واردا على النجس، أم مورودا، فمفاد المنطوق سالبة كلية، و هي ان الكر لا ينجسه شي‌ء من النجاسات أو المتنجسات في شي‌ء من الحالات، فيكون نقيضها رفع هذا العموم، و يكفي في صدقه تنجس ما دون الكر ببعض النجاسات- و لو في بعض الحالات- و هذا معنى ان نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية، فنفس المفهوم ليس فيه عموم أفرادي و لا إطلاق أحوالي. نعم قام الإجماع القطعي، و تم الاستقراء على عدم الفرق بين أفراد النجاسات في نظر الشرع، بل يمكن استفادة ذلك من نفس أخبار الكر لورودها
«1» في جملة من النجاسات، كولوغ الكلب، و اغتسال الجنب، و وطي الدجاجة العذرة، فيعلم منها بمناسبة الحكم و الموضوع أن لا خصوصية لنجاسة دون أخرى، و قد ألحقنا «2» المتنجسات بالأعيان النجسة بما دل من الأخبار على تنجس الماء القليل بالمتنجس أيضا بلا واسطة أم مطلقا. و المتحصل: ان العموم الأفرادي و ان كنا قد أثبتناه في محله إلا أنه ليس من جهة نفس مفهوم أخبار الكر، بل بمعونة القرائن الخارجية- كما أشرنا.

و أما الإطلاق الأحوالى فبالنسبة إلى الورودين- أى ورود الماء على النجس أو العكس- فثابت أيضا لما ذكرناه «3» في الرد على السيد المرتضى «قده» حيث ذهب الى التفصيل بين أن يكون الماء واردا على النجس فلا ينجس و بين أن يكون مورودا فينجس- من أن القدر المتيقن من مفهوم‌

______________________________
(1) لاحظ اخبارها في (الوسائل ج 1 ص 117 في الباب 9 من أبواب الماء المطلق).

(2) في الجزء الأول، ص 156، الطبعة الثالثة.

(3) في الجزء الأول، ص 166- 167، الطبعة الثالثة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 157‌

..........

______________________________
أخبار الكر، أو سائر الأخبار الخاصة و إن كان اعتبار ورود النجس على الماء، إلا أن الارتكاز العرفي لا تساعد على التخصيص به، إذ العبرة في نظر العرف في سراية النجاسة بمجرد الملاقاة- بأي وجه كانت- كما استوضحنا ذلك بملاحظة ما هو المرتكز في أذهانهم في القذارات العرفية، فإذا قيل لأحد من أهل العرف إن الثوب ينجس بوقوع البول عليه لا يفهم منه إلا أن ملاقاة البول موجبة لنجاسته، و إن وقع الثوب عليه، و لم يرد تصرف من الشارع في باب النجاسات على خلاف المرتكز العرفي، بل أحيل الأمر فيها الى ما هو المغروس في أذهانهم، فبضميمة هذا الارتكاز يثبت الإطلاق الأحوالى لمفهوم أخبار الكر، أو غيرها من الروايات الخاصة الدالة على انفعال القليل بالإضافة إلى الورودين.

و أما الإطلاق الأحوالى بالنسبة إلى الواردين (أعنى الماء المستعمل في التطهير بشرائطه، و غيره) فهل يكون ثابتا، أو لا، بحيث لو قلنا بثبوته لزمنا الحكم بنجاسة الغسالة مطلقا حتى المتعقبة لطهارة المحل، لأنها من الماء القليل الملاقي للنجس، أو المتنجس، و الظاهر عدم الثبوت. و نقول في توضيحه: إن الغسالة ان لم تكن متعقبة لطهارة المحل- كالغسالة الأولى فيما يعتبر فيه التعدد، كما في الثوب المتنجس بالبول، أو الأواني المتنجسة، أو فيما كانت العين باقية بعد الغسلة الأولى بحيث تحتاج في إزالتها إلى الغسل مرة ثانية- فلا محذور في الالتزام بنجاستها، لشمول الإطلاق الأحوالى لها، و لو بمعونة الارتكاز العرفي، لأنها من الماء الوارد على النجس، و لو كانت مستعملة في إزالته، إذ العبرة في نظرهم في انفعال الماء بمجرد الملاقاة مع النجس، أو المتنجس- كما ذكرنا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 158‌

..........

______________________________
و ان كانت متعقبة لطهارة المحل- كما في الغسالة الأخيرة فيما يعتبر فيه التعدد، أو الأولى فيما لا يعتبر فيه ذلك- فلا يمكن الالتزام بنجاستها، لمنع شمول الإطلاق الأحوالى لها، و ذلك لان القائل بالنجاسة لا بد و ان يلتزم بأحد أمرين (إما) دعوى نجاستها بعد الانفصال عن المحل بحيث كانت طاهرة حال الاتصال ثم طرئتها النجاسة بعده، و (إما) دعوى استمرار نجاستها من حين الملاقاة و طهارة المحل بانفصالها، و شي‌ء من الدعويين لا يمكن الالتزام به.

(أما الدعوى الاولى) فيردها: أنه لا موجب للحكم بنجاسة الغسالة بعد الانفصال مع فرض طهارتها حال الاتصال مع النجس، لأن الملاقاة لو كانت مؤثرة في تنجس الملاقي لأثرت فيه من حينها، فان ظاهر الأدلة هو التنجس بالملاقاة من حينها، لا بعد مضى زمان. نعم لا استحالة في ذلك عقلا إلا أن الكلام في دليله.

و (أما الدعوى الثانية) فيردها أولا: أن الالتزام بنجاسة الغسالة حال الاتصال يلزمه القول بنجاسة المتخلف في المغسول أيضا، إذ لا يعتبر في خروج الغسالة إلا الصدق العرفي، و هو لا ينافي بقاء أجزاء مائية في المغسول كالثوب- مثلا- على وجه لو عصر شديدا زائدا على المتعارف لخرج منه قطرات من الماء، فلو كانت الغسالة المنفصلة نجسة كان المتخلف في الثوب أيضا نجسا، لأنهما ماء واحد، و هذا مما لم يقل به أحد، إذ لازمه القول بلزوم التجفيف في تطهير المتنجسات، و هو كما ترى. و بعبارة أخرى: إن قلنا بأن الجزء المتخلف طاهر قبل انفصال الغسالة لزمه اختلاف حكم الماء الواحد، و ان قلنا بطهارته بعده لزمه الحكم بطهارته من دون مطهر.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 159‌

..........

______________________________
و ثانيا: ان القول بنجاستها حال الاتصال يستلزم بقاء المحل على النجاسة، و عدم إمكان تطهيره إلى الأبد، فإن الماء الموجود فيه المغسول به نجس، فكيف يؤثر في طهارته، و بعد انفصاله لا مطهر للمحل- فرضا- فيبقى على النجاسة لا محالة، و من هنا عد المصنف «قده» خروج الغسالة من جملة المطهرات، إلا انه لا يمكننا الالتزام به، لبعده عن الأذهان العرفية، و كفى به مانعا عن الالتزام بنجاسة الغسالة، و عن ثبوت الإطلاق الأحوالى لأدلة انفعال القليل بالنسبة إلى الغسالة المتعقبة لطهارة المحل، و هذا هو الوجه لما ذكرناه من منع الإطلاق المذكور لمفهوم أخبار الكر بالنسبة إلى الماء المستعمل في التطهير، لأن الإطلاق انما يثبت لو لم يكن هناك قرينة على الخلاف، و الاستبعاد المذكور تصلح للقرينية.

و ثالثا: إن الالتزام بنجاسة الغسالة قد توجب سراية النجاسة إلى تمام الجسم المتنجس بعضه، و ذلك فيما لو فرضنا تنجس بعض أطراف الثوب- مثلا- فصب عليه الماء لأجل التطهير، فلا محالة تجري غسالته الى غير الموضع المتنجس، فيتنجس، فإذا أريد تطهير ما وصل إليه الغسالة فلا محالة تجري غسالة التطهير الثاني الى غير الموضع المتنجس بالغسالة الاولى، و هكذا الى أن تعم النجاسة لجميع الثوب، و هذا أمر بعيد لا يسعنا الالتزام به، و قد نشأ من الالتزام بنجاسة الغسالة.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن القول بنجاسة الغسالة المتعقبة لطهارة المحل لا يخلو الحال فيه من الالتزام بأحد أمرين (إما) الالتزام بنجاستها بعد الانفصال و (إما) الالتزام بنجاستها من حين الملاقاة للمحل و على (الأول) يلزم محذور الحكم بنجاسة الغسالة بلا موجب و على (الثاني) يلزم المحاذير‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 160‌

..........

______________________________
الثلاثة:- 1- نجاسة الجزء المتخلف في المغسول- 2- بقاء المحل على النجاسة إلى الأبد- 3- سراية النجاسة إلى تمام الجسم المتنجس بعضه و لا يمكن الالتزام بشي‌ء من هذه الأمور التي هي بعيدة عن الأذهان العرفية، و معه كيف يمكن دعوى شمول الإطلاق الأحوالى لأدلة انفعال الماء القليل بالإضافة إلى الغسالة المتعقبة لطهارة المحل- كما عن بعض- بل الأوفق بالقواعد الحكم بطهارتها- كما هو المختار.

أما الوجه الثالث- و هي الأخبار الخاصة التي استدل بها على نجاسة الغسالة- (فمنها): رواية ابن سنان المتقدمة «1» لقوله عليه السّلام فيها: «الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ به و أشباهه».

بدعوى: ان علة النهي عن استعمال غسالة الثوب، أو الجنب في الوضوء و شبهه ليست إلا نجاستها، و إلا فلا موجب للمنع لو كانت طاهرة.

و يدفعها أولا: ضعف السند بأحمد بن هلال- كما تقدم- و ثانيا:

ضعف الدلالة، لعدم دلالة النهي عن استعمال غسالة الثوب، أو الجنب على النجاسة، لاحتمال أن تكون العلة فيه التعبد المحض، و إن كانت طاهرة. و من هنا قد استدل القائلون بطهارة الغسالة بنفس هذه الرواية على عدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل في رفع الخبث، أو الحدث، فلا ملازمة بين المنع عن الاستعمال، و النجاسة. كيف و قد ذهب المشهور إلى طهارة ماء الاستنجاء و مع ذلك منعوا عن استعماله في رفع الحدث.

______________________________
(1) في ص 109.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 161‌

..........

______________________________
و (منها): رواية عيص بن القاسم
«1» قال: «سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء؟ فقال: إن كان من بول، أو قذر فيغسل ما أصابه».

بدعوى: أن مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا كان في الطشت عين البول و القذر، أم لا، لصدق الوضوء من البول، أو القذر على غسالة المتنجس بهما بعد زوال العين. أقول: للمناقشة في سند هذه الرواية، و دلالتها أيضا مجال واسع.

أما السند فلقوة احتمال القطع فيه، لعدم نقلها في شي‌ء من كتب الأخبار و إنما ذكرها الفقهاء في كتبهم الفقهية، و قد رواها في الوسائل عن «الشهيد في الذكرى» و «المحقق في المعتبر» مرسلة عن العيص، و لم يذكرا سندهما اليه، و كذا نقلها في الحدائق «2» عن الشيخ «قده» في الخلاف، و قال في ذيلها: و زاد بعضهم في آخر هذه الرواية «و إن كان وضوء الصلاة فلا يضره» و لم يثبت كون هذه الزيادة من الرواية، و من هنا لم ينقلها في الوسائل و أسندها في الحدائق إلى البعض. و كيف كان فالظاهر ان نقل الشيخ في الخلاف هو الأصل في رواية غيره- كالشهيد، و المحقق- و مع ذلك لم يسندها في الوسائل اليه، و على أى حال لا يمكن الاعتماد عليها، لعدم ذكر الشيخ في الخلاف طريقه الى العيص، فتكون مقطوعة لا محالة، لعدم احتمال المشافهة، و حيث أن الواسطة بينهما مجهولة تسقط الرواية عن الحجية.

و الاعتذار عن ذلك- كما في الحدائق و غيره- بأن الظاهر من نسبة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 156 في الباب 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 14.

(2) ج 1 ص 477- 478، و في كتاب الخلاف في ذيل (مسألة 135).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 162‌

..........

______________________________
الشيخ الرواية إلى العيص- بعد عدم احتمال المشافهة- أنه أخذها من كتابه- و جادة- و طريقه في الفهرست الى كتابه حسن على المشهور بإبراهيم ابن هاشم، و صحيح عند آخرين- كما صرح به في الحدائق- و عليه تخرج الرواية عن كونها مقطوعة، لنقل الشيخ «قده» لها عن كتاب العيص بالوجادة مع حسن طريقه الى الكتاب المذكور.

غير مسموع، لمنع الظهور المدعى على نحو يمكن الاعتماد عليه، لقوة احتمال نقلها من غير كتابه مع الواسطة، و يشهد له عدم ذكرها في كتابيه المعدين لجمع الأخبار- التهذيب و الاستبصار- و إنما اختص بذكرها في كتاب الخلاف فلو كانت معتبرة عنده «قده» لم يكن وجه لتركها فيهما، و لعل ذكرها في الخلاف كان من باب التأييد، لا الاستدلال، فان الفقيه قد يتوسع في الكتب الاستدلالية بذكر المؤيدات، كالرواية الضعيفة و نحوها، مما لا يتوسع به في كتب الحديث. نعم لو ثبت نقل الشيخ لها وجادة عن كتاب العيص لكفى في حجيتها، لما ذكرنا من حسن طريقه الى هذا الكتاب، إلا أن الكلام في إثبات ذلك.

و أما المناقشة في دلالتها فلأنها أخص من المدعى، لأنها إنما تدل على نجاسة ما في الطشت من الماء المجتمع مما يستعان به على إزالة عين النجاسة، و المستعمل في التطهير، و نجاسة المجموع لا يلازم نجاسة الثاني- الذي هو محل الكلام في المقام.

بيان ذلك: إن الظاهر من قوله عليه السّلام: «إن كان من بول أو قذر» بقاء عينهما في المغسول، و البول من الأعيان النجسة، فكذلك المراد من «القذر» لأن الظاهر أنه بفتح الذال، و المراد به غير البول من سائر أعيان‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 163‌

..........

______________________________
النجاسات، كالعذرة و الدم، بقرينة المقابلة مع البول، و هو غير «القذر» بالكسر المراد به المتنجس، و عليه يحتمل أن يكون سبب الأمر بغسل ما أصابه قطرة من الطشت المذكور هو اشتمال ما في الطشت على ما يستعان به لازالة عين النجس قبل التطهير، فان الغالب المتعارف- في صورة بقاء العين في المحل- استعمال مقدار من الماء في إزالتها عنه بمعونة دلك، و نحوه، و هو محكوم بالنجاسة بلا خلاف حتى من القائلين بطهارة الغسالة، لأنه من الماء الملاقي لعين النجس، فما يقع في الطشت بعد ذلك من الماء المستعمل في التطهير- مستمرا أو مع فصل- يتنجس بملاقاته لما كان فيه أولا، و الرواية إنما دلت على نجاسة المجموع، لا نجاسة خصوص المستعمل في التطهير الذي هو محل الكلام.

و قد ظهر بذلك فساد القول بوجود الإطلاق في الرواية- بحيث تشمل صورة زوال العين قبل التطهير- كي يتم الاستدلال بها على نجاسة الغسالة- وحدها- غير مجتمعة مع ما أزيل به العين، كما ذكره المحقق الهمداني «1».

بدعوى: أن كثيرا ما يكون غسل البول، أو غيره بعد جفافه بحيث لا تكون نجاسته إلا حكمية. وجه الفساد: أن جفاف البول لا يوجب زوال عينه، لبقائه حتى بعد الجفاف، إلا أنه بول يابس، فالماء المستعمل في غسله لا ينفك عما أزيل به العين المحكوم بالنجاسة قطعا، هذا. مع أن المعتبر في تطهير المتنجس بالبول تعدد الغسل، فالغسالة الاولى لا تتعقبها طهارة المحل، فيحكم بنجاستها- على المختار- فيكون المجتمع منها و من الغسالة الثانية‌

______________________________
(1) كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص 61.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 164‌

..........

______________________________
أيضا نجسا، و إن كانت الثانية- في نفسها- طاهرة. فتحصل: أن الاستدلال بهذه الرواية على نجاسة ما هو محل الكلام من الغسالة أيضا ممنوع.

و (منها) موثقة عمار «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن الكوز و الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ و كم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه، ثم يفرغ منه، ثم يصب فيه ماء آخر، فيحرك فيه، ثم يفرغ ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر، فيحرك فيه، ثم يفرغ منه. و قد طهر.»‌

بدعوى: ظهور الرواية في اشتراط تطهير الإناء بإخراج الغسالة، و لا موجب له سوى النجاسة، إذ لو كانت الغسالة طاهرة لم يتوقف التطهير على إخراجها، لا سيما في المرة الثالثة، لاحتمال أن يكون لزوم إفراغ الاولى و الثانية من جهة توقف صدق تعدد الغسل المعتبر في الأواني عليه.

و يدفعها: أن إفراغ الغسالة في غسل الأواني بالماء القليل مقوم لصدق عنوان الغسل، و لا ينتقض بغسلها في الكر، و الجاري، و المطر حيث لا يلتزم بالإفراغ في تطهيرها بهذه الأمور- كما ذكر المحقق الهمداني «قده»- لأن مجرد الإصابة في المياه العاصمة كافية في صدق الغسل بخلافه في القليل، و من هنا لو صب الماء في إناء أو أخذه بكفه للشرب- مثلا- لا يقال إنه غسل الإناء، أو غسل كفه و عليه فيمكن أن يكون الأمر بإفراغ الغسالة من جهة توقف صدق الغسل عليه، لا من جهة نجاستها، و حيث أنه يعتبر في تطهير الأواني تعدد الغسل ثلاث مرات يجب إفراغ الغسالة حتى في المرة الثالثة مقدمة لتحقق الغسل، لا تخلصا من الغسالة النجسة.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1076 في الباب 53 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 165‌

..........

______________________________
و (منها) الروايات [1] الناهية عن الاغتسال بغسالة الحمام، إذ لو كانت طاهرة لم يكن وجه للمنع عن الاغتسال بها، و لا يعارضها ما دلت من الاخبار [2] على طهارتها، لأنها محمولة على صورة اتصالها بالمادة، و لو بجريان الماء إليها من الحياض الصغار التي يجري عليها الماء من الخزانة، فمقتضى الجمع بينهما هو الحكم بنجاسة غسالة الحمام لو لا اتصالها بالمادة. فلا تعارض في البين.

و في الاستدلال بهذه الاخبار- لما هو محل الكلام من نجاسة الغسالة مطلقا- نظر و إشكال، لأن غاية ما تدل عليه هذه الروايات هي نجاسة غسالة الحمام، و هي مجمع الغسالات الكثيرة التي لا بد من الحكم بنجاسة بعضها بلا خلاف، فيكون المجموع نجسا لا محالة بسبب امتزاج بعضها ببعض، فإن بئر الحمام تتكون من الغسالات المختلفة، كالغسالة المستعملة في إزالة العين من مني أو بول أو غيرهما من النجاسات، و من التي تكون متعقبة لطهارة المحل و ما لا تكون كذلك، بل يجرى فيها من المياه ما يلاقي عين النجاسة من دون أن يكون مستعملا في التطهير، أو ازالة العين و هذا المجموع‌

______________________________
[1] المروية في الوسائل ج 1 ص 159 في الباب 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل كرواية ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه- ع- قال لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام.» الحديث 4.

و في حديثه الآخر: انه قال- ع- و إياك ان تغتسل من غسالة الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي.» الحديث 5. و نحوها غيرها.

[2] كمرسلة الواسطي عن ابي الحسن الماضي- ع- قال: «سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب؟ قال: لا بأس» (الوسائل ج 1 ص 154 في الباب 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 9).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 166‌

..........

______________________________
يكون نجسا لا محالة، لنجاسة بعضه جزما، و أين هذا من الحكم بنجاسة الغسالة مطلقا حتى المتعقبة لطهارة المحل، إذ لا إطلاق في هذه الأخبار تشمل ذلك، لما عرفت من أن موردها خصوص غسالة الحمام المجتمعة من الغسالات المختلفة- التي بعضها نجس قطعا- نعم لا بأس بالاستدلال بها للرد على القائلين بطهارة الغسالة مطلقا- كصاحب الجواهر «قده»- لدلالتها على نجاسة الغسالة في الجملة [1] و أما القول بالتفصيل بين المتعقبة لطهارة المحل و غيرها- كما هو المختار- فهذه الأخبار قاصرة عن منعه.

(تتمة) حكى المحقق الهمداني «قده» «2» عن بعض القائلين بطهارة الغسالة: أنهم أيدوا مذهبهم بخلو كلام القدماء عن التعرض لبيان حكم الغسالة، و سائر فروعها الخفية كحكم القطرات العالقة على المحل، و غيره من الفروع المتكاثرة- مع عموم البلوى بها و شدة الحاجة الى معرفتها بناء على النجاسة.

و أورد عليهم بأن عدم تعرضهم لذلك يدل على إيكالهم معرفة حكمها الى ما ذكروه في مبحث الماء القليل من انه ينجس بملاقاة النجس، لكونه جزئيا من جزئياته، و لذا خصوا ماء الاستنجاء بالذكر، و لم يتعرضوا لغيره فهذا يشعر باختصاصه بالخروج عن القاعدة الكلية التي ذكروها في ذلك المبحث.

______________________________
[1] بل لا تكفى لرد هذا القائل أيضا، لما عرفت من تكون غسالة الحمام المجتمعة في البئر من المياه الملاقية لعين النجاسات من دون ان تكون مستعملة في تطهيرها، لا سيما بالنظر الى الملاقي لبدن الكافر و الناصب الذي لا يقبل التطهير فالأولى ان يقال: انها أجنبية عن بحث الغسالة رأسا.

______________________________
(2) كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص 64.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 167‌

..........

______________________________
أقول: ما أفاده «قده» من إشعار الاستثناء المذكور باختصاص ماء الاستنجاء بالخروج عن قاعدة الانفعال إنما يتم في قبال من يقول بطهارة الغسالة مطلقا- كصاحب الجواهر- إذ على هذا القول لا وجه لاستثناء خصوص ماء الاستنجاء، لعدم الفرق بينه و بين غيره من أقسام الغسالات في الحكم بالطهارة على وجه الإطلاق، و أما على القول بالتفصيل بين المزيلة و غيرها، أو بين المتعقبة لطهارة المحل و غيرها فلا ريب في صحة الاستثناء، إذ على هذين القولين تكون الغسالة غير المتعقبة لطهارة المحل، أو المزيلة للعين محكومة بالنجاسة، فيكون استثناء ماء الاستنجاء متينا جدا، لأنه محكوم بالطهارة مطلقا، و ان لاقى عين النجس من بول أو غائط- كما هو الغالب فيه- لخروجه عن حكم الغسالة بالدليل الخاص.

بل يمكن الالتزام بصحة الاستثناء حتى على القول بطهارة مطلق الغسالة لتغير ماء الاستنجاء في أول أجزائه بملاقاته للبول أو الغائط- غالبا- ثم يستهلك في الباقي تدريجا، فلو لا الدليل على طهارته لحكمنا فيه بالنجاسة، لا من جهة الغسالة، بل من جهة الاجتماع مع المتغير بالنجاسة. و الحاصل: أن مقتضى القاعدة هو الحكم بنجاسة ماء الاستنجاء حتى على القول بطهارة مطلق الغسالة، لامتزاجه بالمتغير بالنجاسة، فيتم استثنائه على جميع الأقوال، فليس في استثنائه أى اشعار بتسالم القدماء على نجاسة الغسالة بوجه.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: أنه لا دليل يعتمد عليه في القول بنجاسة الغسالة مطلقا، لورود الخدشة في جميع الأدلة حتى الإطلاق الأحوالى لمفهوم أخبار الكر- الذي هو العمدة في المقام- فالأقوى هو التفصيل بين غسالة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 168‌

[ (مسألة 1) لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل]

(مسألة 1) لا إشكال (1) في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل و لو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر.

______________________________
الغسلة المتعقبة لطهارة المحل، و غيرها، لقصور أدلة انفعال القليل عن شمول الأولى، فتبقى على طهارتها بمقتضى القاعدة الأولية من دون حاجة الى إقامة دليل على طهارتها، و هذه بخلاف غيرها، فإنها تدخل في عموم قاعدة الانفعال، كما سبق.

القطرات الناضحة في الإناء

(1) لا مانع من الاغتسال بالماء الذي تقع فيه القطرات الناضحة من بدن الجنب عند الغسل. أما على القول بجواز رفع الحدث بغسالة الحدث الأكبر فظاهر. و أما على القول بالمنع فلوجهين (الأول): قصور أدلة المنع عن شمول مثله. توضيحه: أن دليل المنع ليس إلا أمرين «أحدهما» الإجماع- ما سبق دعواه عن بعضهم- و لا إشكال في عدم شموله للمقام- لو سلم تحققه في أصل المسألة- و ذلك لذهاب الأكثر إلى الجواز هنا، بل يظهر من بعضهم «1» عدم الخلاف فيه، فكيف بالإجماع على المنع «ثانيهما» رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة «2» و هي مع غض النظر عما في سندها، و دلالتها من الاشكال- كما سبق- لا تشمل ما نحن فيه، لأن موضوع النهى فيها هو الماء المستعمل في غسل الجنابة، و لا يصدق هذا العنوان على ماء الإناء الذي تقع فيه القطرات الناضحة من بدن المغتسل، أو من الأرض، لاستهلاكها فيه‌

______________________________
(1) راجع الحدائق ج 1 ص 446 طبع النجف.

(2) في ص 109.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 169‌

..........

______________________________
لا بمعنى استحالتها، و تبدلها عما هي عليه من المائية بسب الامتزاج، كي يقال: لا استهلاك مع وحدة الجنس، و انما يوجب امتزاج أحدهما بالآخر زيادة المجموع، بل بمعنى أن وقوعها في الإناء لا يوجب ارتفاع العنوان عما في الإناء من كونه ماء غير مستعمل في رفع الحدث، لعدم زوال هذا العنوان منه بوقوع القطرات اليسيرة المنبثة فيه. و ان شئت فقل: ان القطرات تستهلك في ماء الإناء بعنوانها الثانوي- أي يزول عنها عنوان الماء المستعمل باضمحلالها في الإناء- و ان لم تستهلك فيه بعنوانها الأولي، لبقائها على عنوان المائية، و ظاهر الرواية ترتب الحكم على الماء المستعمل بما هو كذلك، لا على ذات الماء.

(الوجه الثاني): وجود المانع عن شمول أدلة المنع لو سلم عدم قصورها في نفسها، و هي الأخبار [1] الكثيرة- التي فيها الصحاح- الدالة على نفى البأس عن الاغتسال من الإناء الذي ينضح فيه الماء من بدن الجنب، أو من الأرض، و بها نخرج عن تلك العمومات لو تمت فهذا مما لا ينبغي التأمل فيه.

و انما الكلام في الممتزج بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر- على‌

______________________________
[1] و هي عدة روايات:

(منها) صحيح الفضيل قال: «سئل أبو عبد اللّه- ع- عن الجنب يغتسل، فينتضح من الأرض في الإناء؟ فقال: لا بأس هذا مما قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (الوسائل ج 1 ص 153 الباب 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحديث 1).

و (منها) صحيح شهاب بن عبد ربه عن ابي عبد اللّه- ع- انه قال: «في الجنب يغتسل، فيقطر الماء عن جسده في الإناء، فينتضح الماء من الأرض فيصير في الإناء انه لا بأس بهذا كله» (في الباب المذكور، الحديث 6). و نحوهما غيرهما.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 170‌

..........

______________________________
نحو لا يستهلك أحدهما في الآخر، كما إذا كانا متساويين في المقدار، أو كان أحدهما أقل بمقدار لا يوجب الاستهلاك- فهل يجوز رفع الحدث بالممتزج منهما؟ قال شيخنا الأنصاري «قده»: «يمكن التزام الجواز مع تساويهما في المقدار حيث أن ظاهر دليل المنع كون الاغتسال به، و ظاهره انحصار الغسل به الا أن يقال: ان المراد استعماله في الغسل، و ان كان بضميمة غيره فيختص الجواز بصورة الاضمحلال».

أقول: الظاهر هو صحة ما أفاده أولا من جواز الغسل به، و ذلك لعدم صدق عنوان الماء المستعمل في رفع الحدث على المركب منه و من غيره، و ان كان جزءا من المجموع، لوضوح ان المركب من الداخل و الخارج خارج، و هذا مما لا ينبغي الريب فيه، لأن عنوان الجزء لا يصدق على الكل، فلا يشمله إطلاق دليل المنع، كما هو الحال في نظائره من المركبات، فان الممزوج من الذهب و النحاس لا يصدق عليه الذهب، فالنهي عن لبس الذهب- مثلا- لا يشمله، و هكذا. و بالجملة: عدم اضمحلال الغسالة في الممتزج به- من جهة تساوى مقدارهما، أو كون التفاوت بمقدار لا يوجب الاستهلاك- لا يقتضي شمول دليل المنع للمركب منهما، لعدم صدق العنوان- لممنوع- عليه، و لو سلم صدقه على جزئه، كما انه لا يقتضي صدق الوضوء بالماء المستعمل في ضمن المجموع- بعد فرض الامتزاج بغيره- نعم لو توضأ بالماء المستعمل، و غيره بأن غسل بعض أعضائه بأحدهما، و الباقي بالآخر صدق ذلك الا أنه خارج عن الفرض، فظهر أن حكم الممزوج حكم المستهلك في غيره.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 171‌

[ (مسألة 2) يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور]

(مسألة 2) يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور: «الأول» عدم تغيره في أحد الأوصاف الثلاثة (1)

______________________________
شرائط ماء الاستنجاء

(1) لو تغير ماء الاستنجاء في أحد أوصافه الثلاثة يحكم عليه بالنجاسة بلا خلاف، و يدل عليه عموم ما دل نجاسة الماء بالتغير، و لا يعارضه الأخبار الدالة على طهارة ماء الاستنجاء، لانصرافها الى عدم النجاسة بالملاقاة، لظهورها في أن جهة السؤال فيها انما هي توهم انفعاله بملاقاة العذرة، لما هو المرتكز في أذهان المتشرعة من انفعال القليل بملاقاة النجس، ففرض التغير بالنجاسة خارج عن منصرف هذه الأخبار، لا سيما بملاحظة عدم تحققه الا نادرا، لما سيأتي في الشرط الثالث من اعتبار عدم التعدي الفاحش إلى أطراف المحل، و معه لا تكون النجاسة الباقية في المحل صالحة لتغيير ماء الاستنجاء. و عليه لا تكون جهة التغير ملتفتا إليها في الروايات- سؤالا و جوابا- هذا مع أنه لم يعهد في الشريعة المقدسة ماء لا يفسده التغير حتى المياه العاصمة- كالكر و الجاري و المطر- فكيف بالماء القليل- كماء الاستنجاء- و معهودية هذه القاعدة تؤكد بل تكفى للانصراف المذكور، إذ تغير الماء بالنجس كأنه تحوله اليه، و لا يدع مجالا لتوهم البقاء على الطهارة، هذا. مع انه لا خلاف بين الأصحاب، بل عن غير واحد دعوى الإجماع على النجاسة حينئذ.

و ان أبيت عن هذا كله جمودا على ما يوهمه إطلاق أخبار الباب فتقع المعارضة بين أخبار الطرفين بالعموم من وجه، لشمول أخبار المقام لماء الاستنجاء غير المتغير بالنجاسة، و شمول أخبار التغير لغير ماء الاستنجاء فتقع المعارضة في ماء الاستنجاء المتغير، الا أنه مع ذلك لا بد من ترجيح‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 172‌

«الثاني» عدم وصول نجاسة إليه من خارج (1)

______________________________
أخبار التغير، لأن فيها ما يدل على الحكم بالعموم، و دلالة أخبار الباب- لو تمت- فهي بالإطلاق، و لا بد من تقديم الاولى على الثانية، لما تقرر في محله من لزوم تقديم ما هو بالوضع على ما هو بمقدمات الحكمة، إذ من أخبار التغير.

صحيحة حريز «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء، و اشرب، فإذا تغير الماء، و تغير الطعم فلا تتوضأ منه، و لا تشرب».

فان ذيلها تدل بالعموم على نجاسة كل ماء بالتغير، و من مصاديقه ماء الاستنجاء إذا تغير بالنجاسة، كما أن صدرها تدل على طهارة كل ماء لم تغيره الملاقاة مع النجس، الا انه قد خصص بأدلة انفعال القليل المخصصة بما دل على طهارة ماء الاستنجاء ما لم يتغير.

(1) أى خارج عما يستنجى منه- من البول أو الغائط- و هذا من دون فرق بين أن يكون وصول النجاسة الخارجية إلى ماء الاستنجاء بعد انفصاله عن المحل، كما إذا كانت الأرض التي يقع عليها ماء الاستنجاء نجسة، أو قبله، كما لو فرض تنجس المحل بنجاسة خارجية- كالدم- قبل ملاقاته لما يستنجى منه، أو حينها، أو بعدها، و من دون فرق بين النجس و المتنجس، كما إذا كانت يده متنجسة بنجاسة خارجية. و الوجه في هذا الشرط هو ما أشرنا إليه في الشرط السابق من تمحض روايات الباب- سؤالا و جوابا- في عدم انفعال ماء الاستنجاء بخصوص النجاسة التي يستنجي منها، و أما‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 102 الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 173‌

«الثالث» عدم التعدي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء (1) «الرابع» أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى (2)- مثل الدم-

______________________________
النجس أو المتنجس الخارجيان فمقتضى إطلاق أدلة انفعال القليل هو الحكم بتنجس ماء الاستنجاء بملاقاتهما أو بملاقاة المحل المتنجس بهما، فان عدم انفعال الماء بنجس أو متنجس خاص لا ينافي انفعاله بآخر، كما أن عدم تنجس المحل بنجاسة لا حقة لعدم تنجس المتنجس لا ينافي ترتب الأثر على ملاقاتها للمحل- لو كان لها أثر خاص- كالحكم بنجاسة الغسالة المستعملة في تطهيره بلحاظ ملاقاته للنجاسة اللاحقة.

(1) و أما إذا كان التعدي بالمقدار المتعارف بحيث لا يخرجه عن صدق الاستنجاء- عرفا- فلا بأس به، لإطلاق الأدلة، بخلاف التعدي الفاحش، فإنه خارج عن الإطلاقات، لعدم الصدق، فهذا الشرط في الحقيقة بيان لحقيقة الموضوع، إذ بانتفائه ينتفي الصدق العرفي، لأن المراد بالاستنجاء غسل موضع النجو الذي هو بمعنى الغائط، فلا يشمل غسل غيره، فلو فرض تعدى النجاسة إلى فخذه أو ساقه- مثلا- لمرض الإسهال أو نحوه يكون الماء المستعمل في تطهيره محكوما بالنجاسة، لعموم قاعدة الانفعال من دون مخصص.

(2) إذ مع خروجها معهما لا يصدق على الماء المستعمل في تطهير المحل أنه ماء الاستنجاء، لما ذكرنا آنفا من كونه عبارة عن الماء المستعمل في غسل موضع النجو، و لا يصدق ذلك على المستعمل في غسل الممتزج بنجاسة أخرى- كالدم- و ان شئت فقل: ان نظر الروايات الى غسل الغائط، و أما غسل الدم- مثلا- فخارج عن موردها، فمقتضى عموم الانفعال تنجس الماء به، و عليه لا فرق في منع شمول إطلاق أخبار الاستنجاء بين أن تكون‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 174‌

نعم الدم الذي يعد جزأ من البول، أو الغائط لا بأس به (1) «الخامس» أن لا يكون فيه الأجزاء من الغائط بحيث يتميز (2)

______________________________
النجاسة خارجية- كما سبق في الشرط الثاني- أو داخلية- كما هنا- و بعبارة أخرى: خروج الدم سبب مستقل لوجوب الغسل حتى لو فرض صدق الاستنجاء بلحاظ خروج الغائط معه، و قد عرفت: أن منصرف روايات الباب هو إلغاء سببية الغائط في التنجيس، لا مطلق النجاسة، و ان كانت متعارفة في بعض الأشخاص- كالدم في المبتلى بالبواسير- و لا أقل من الشك في شمول الإطلاق لمثله.

(1) هذا الاستثناء [1] إنما يتم لو استهلك الدم فيهما على نحو لا يصدق على الخارج الا عنوان البول أو الغائط، كي يشملهما أدلة الاستنجاء، إذ لا أثر حينئذ للدم المستهلك بعد شمول الإطلاق، لتحقق موضوعه. و مع عدم الاستهلاك يشكل الحكم بالطهارة، لما ذكرناه من عدم صدق ماء الاستنجاء على المستعمل في غسل الممتزج بالدم، بل للدم تأثير مستقل في تنجيس الغسالة حينئذ، و لا سيما في البول لعدم ورود نص فيه بالخصوص، و إنما ألحقناه بالغائط للملازمة العادية بين استنجائهما، إذ لم يتعارف الاستنجاء من كل منهما على حده، و القدر المتيقن في الإلحاق- بالدلالة الالتزامية- هو ما لا يختلط بالدم اختلاطا يوجب زوال الاسم، إذ خروج الدم مع البول إنما يكون لمرض و اختلال في المزاج، فليس أمرا دائميا أو غالبيا كي يشمله الإطلاق.

(2) لأنها بمنزلة النجاسة الخارجية، فيشملها أدلة الانفعال، و لا يشملها‌

______________________________
[1] و في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «يعد جزء من البول»: (على نحو يستهلك في البول أو الغائط) و يظهر وجهه مما ذكرناه في المتن.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 175‌

و أما إذا كان معه دود، أو جزء غير منهضم من الغذاء، أو شي‌ء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به (1).

______________________________
إطلاق أخبار الاستنجاء- كما قد يتوهم-
«1» و لعله لدعوى عدم الفرق في صدق ماء الاستنجاء بين وجود أجزاء متمايزة منفصلة عن المحل في الماء و عدمه لأن المراد به الماء المستعمل في موضع النجو، و هو يصدق على ما ذكر، إلا أنه (يدفعه) ظهور الروايات سؤالا و جوابا في بيان حكم الماء بلحاظ ملاقاته للغائط في المحل، فدلت على عدم انفعاله به في هذا الحال، و أما ملاقاته له بعد الانفصال فخارجة عن موردها، و ان كانت النجاسة منفصلة عن المحل بالغسل، لأنها إذا كانت متميزة في الماء يصدق الملاقاة خارج المحل.

(1) و ان كان متنجسا، و لاقى المحل، لتعارف خروج ذلك مع الغائط بحيث لو كان موجبا لنجاسة ماء الاستنجاء لزم التنبيه عليه في الروايات، و مع عدمه لا مانع من التمسك بالإطلاق، إذ خروج مثل ذلك مع الغائط لا يمنع عن صدق ماء الاستنجاء على الماء المستعمل في تطهير المحل- بعد فرض كونه متعارفا- فلا يقاس المقام على خروج النجس، كالدم غير المستهلك، أو المتنجس الخارجي حيث حكمنا فيهما بنجاسة الماء بملاقاتهما، أو بملاقاة المحل الملاقي لهما، لعدم صدق ماء الاستنجاء على المستعمل في غسلهما، لاعتبار تمحضه في غسل موضع النجو، كما عرفت.

و مما ذكرنا ظهر ضعف ما مال إليه في الجواهر «2» و جزم به شيخنا الأنصاري «قده» من الحكم بالنجاسة، بدعوى عدم شمول الروايات للمتنجس الداخلي، كالأمثلة المذكورة في المتن، و المتنجس الخارجي، كاليد‌

______________________________
(1) كما في الحدائق ج 1 ص 476 طبع النجف.

(2) ج 1 ص 357- 358 طبع النجف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 176‌

[ (مسألة 3) لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد]

(مسألة 3) لا يشترط (1) في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد، و ان كان أحوط.

[ (مسألة 4) إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء، ثم أعرض، ثم عاد لا بأس]

(مسألة 4) إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء، ثم أعرض، ثم عاد لا بأس (2) إلا إذا عاد بعد مدة ينتفي معها صدق التنجس بالاستنجاء،

______________________________
المتنجسة إذا أصابها ماء الاستنجاء حين الغسل، لمنع الغلبة في الأول كالثاني، و لكن الإنصاف أن إخراج مثل ذلك عن الإطلاقات يوجب التقييد بغير الغالب، لما ذكرناه من غلبة خروج ذلك مع الغائط، و منعها لا يخلو عن مكابرة، هذا. الا أن الاحتياط حسن على كل حال.

(1) حكى «1» عن بعض المتأخرين اشتراط ذلك، بدعوى أنه لو سبقت اليد على الماء تنجست، و كانت كالنجاسة الخارجية. (و يدفعها) أن العبرة في عدم التنجس بجعل اليد آلة للاستنجاء من دون فرق بين سبق الماء عليها، أو سبقها على الماء، لتعارف كلتا الصورتين، فيشملهما إطلاق النص بحيث لو اعتبر سبق الماء لزم التنبيه عليه في النصوص، بل يثبت الحكم و ان لم يتعارف سبق اليد، فإنه نظير عدم جريان العادة بالاستنجاء باليمين، و هل يتوهم اعتبار الاستنجاء باليسار من جهة جريان العادة على ذلك؟ نعم إذا أصابت اليد نجاسة خارجية، أو تنجست بملاقاة المحل لغرض آخر لا يشملها الإطلاق لأن نجاستها حينئذ لم تكن من جهة كونها آلة للاستنجاء، فالأقوى ما عليه الأكثر من عدم الاشتراط.

(2) لصدق التنجس بالاستنجاء حينئذ.

______________________________
(1) كما في الحدائق ج 1 ص 476 طبع النجف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 177‌

فينتفى حكمه (1).

[ (مسألة 5) لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الأولى، و الثانية في البول]

(مسألة 5) لا فرق (2) في ماء الاستنجاء بين الغسلة الأولى، و الثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدد.

[ (مسألة 6) إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي]

(مسألة 6) إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعي [1]

______________________________
(1) لانتفاء موضوعه، و هو التنجس بالاستنجاء، بل يكون في حكم التنجس بنجاسة خارجية، و هكذا إذا لم يقصد الاستنجاء، كما إذا قصد حك المحل و نحوه، و تنجست يده، ثم أراد الاستنجاء، لعين ما ذكر.

(2) ربما يتمسك لعدم الفرق المذكور بإطلاق أدلة الاستنجاء، و لكنه غير صحيح، إذ ليس في المقام دليل لفظي يدل على طهارة ماء الاستنجاء من البول، لأن الاستنجاء هو غسل موضع الغائط، و إنما ألحقنا المستعمل في الاستنجاء من البول بالملازمة العرفية، و لغوية الحكم بطهارة المستعمل في غسل الغائط دونه، لعدم الانفكاك بينهما غالبا- كما سبق- بل الصحيح أن يقال: انه لما استفيد طهارة المستعمل في الاستنجاء من البول- و لو بالدلالة الالتزامية- لا يفرق فيه بين الغسلة الاولى و الثانية، لأن الموضوع هو المستعمل في تطهير البول بشرائطه الواقعية سواء أ كانت مرة أو مرتين، و كما جرت العادة على الاستنجاء من البول و الغائط في مكان واحد كذلك جرت على عدم التفكيك بين الغسلة الأولى و الثانية في الاستنجاء من البول- على تقدير اعتبار التعدد فيه- فلا يمكن الحكم بطهارة الغسالة الثانية دون‌

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «فمع الاعتياد كالطبيعي»: (فيه اشكال بل منع).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 178‌

و مع عدمه حكمه حكم سائر النجاسات في وجوب الاحتياط من غسالته (1).

______________________________
الأولى، و إلا كان لغوا، كما أن الحكم بطهارة المستعمل في الاستنجاء من الغائط دون المستعمل في الاستنجاء من البول كان كذلك.

(1) فصل المصنف «قده» في غير المخرج الطبيعي بين صورتي الاعتياد و عدمه، فمع الاعتياد جعله كالطبيعي في الحكم بطهارة استنجائه- كما لو انسد المخرج الأصلي لمرض أو علاج، و فتح ثقب في بطنه لخروج الغائط منه، أو لم ينسد و لكن اعتاد الخروج منهما معا- و مع عدمه يحكم بنجاسة غسالته- ما لو خرج الغائط لشق في بطنه اتفاقا- فكأنه «قده» جعل العبرة بالاعتياد من دون فرق بين الطبيعي و غيره، فلو لم يكن خروجه اعتياديا كان حكمه حكم سائر النجاسات في وجوب الاجتناب عن غسالته.

و يشكل: بأن موضوع الحكم في الروايات هو الاستنجاء، لا غسل مطلق مخرج الغائط، و لا خصوص المحل المعتاد منه، و إن لم يكن طبيعيا و الاستنجاء في اللغة [1] أخص من الأمرين المذكورين، إذ هو عبارة عن غسل موضع النجو أو مسحه بالحجر أو المدر، و ظاهره الموضع الطبيعي الأصلي، كما ان ظاهر تفسيرهم لل‍ «نجو» بأنه ما خرج من البطن من ريح أو غائط هو ما خرج من المخرج الأصلي دون مطلق الغائط أو الريح الخارجين من البطن. و الحاصل: أن النجو في اللغة ما خرج من الموضع الطبيعي، و الاستنجاء هو التخلص منه بغسل ذاك الموضع، فعليه لا يصدق الاستنجاء‌

______________________________
[1] تقدم ذلك عن بعض اللغويين في تعليقة ص 140 و في المجمع: «استنجيت غسلت موضع النجو أو مسحته، و منه الاستنجاء اعني إزالة ما يخرج من النجو».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 179‌

[ (مسألة 7) إذا شك في ماء أنه غسالة الاستنجاء، أو غسالة سائر النجاسات]

(مسألة 7) إذا شك في ماء أنه غسالة الاستنجاء، أو غسالة سائر النجاسات يحكم عليه بالطهارة [1] و إن كان الأحوط الاجتناب (1).

______________________________
على غسل غير المخرج الأصلي، و ان اعتاد الخروج منه، لا سيما في البول إذ قد عرفت عدم صدق الاستنجاء عليه رأسا، و إنما ألحقناه بالغائط للملازمة العادية بين استنجائهما، و القدر المتيقن في الإلحاق هو ما خرج من الموضع الطبيعي، فغيره يبقى تحت عموم انفعال القليل.

هذا كله مع قطع النظر عن انصراف الأخبار الى الاستنجاء المتعارف بحيث لو سلم الإطلاق، و شمول الاستنجاء لغسل مطلق مخرج الغائط، و ان لم يكن طبيعيا لكفانا انصراف الأخبار- سؤالا و جوابا- الى ما تعارف وجوده في الخارج بحسب الخلقة الأصلية، لأن غيره من الفرد النادر الذي لا يلتفت إليه في أسئلة السائلين، فالأحوط لو لم يكن الأقوى هو الاجتناب عن غسالة غير المخرج الطبيعي، و إن كان معتادا، للشك في تخصيص عموم انفعال القليل به.

(1) إذا علم إجمالا أن ماء معينا إما غسالة الاستنجاء، و إما غسالة سائر النجاسات فان كان الطرف الآخر أيضا مما يحكم بطهارته- كالغسالة المتعقبة لطهارة المحل- فلا كلام فيه، لعدم الأثر حينئذ، لأن المفروض طهارة كلا الطرفين، و أما إذا كان الطرف الآخر من الغسالة النجسة- كغير المتعقبة لطهارة المحل- فالحكم فيه بالطهارة، كما عليه المصنف «قده» مبنى على الرجوع الى قاعدة الطهارة، أو استصحابها.

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «يحكم عليه بالطهارة»: (بل يحكم عليه بالنجاسة إذا كان طرف العلم الإجمالي من الغسالات النجسة).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 180‌

..........

______________________________
و لا يخفى: انه لا تصل النوبة الى الأصل إلا بناء على عدم جواز التمسك بعموم ما دل على انفعال القليل في المقام. بدعوى: أنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من دون جريان أصل موضوعي ينقح به موضوعه، لأنه بعد تخصيص عموم الانفعال بماء الاستنجاء لم يحرز انطباقه على المشكوك، و في مثله لا يجوز الرجوع الى العموم. و هذه الدعوى مبنية على القول بأن تخصيص العام بمتصل أو منفصل يوجب تعنون الباقي تحته بعنوان وجودي، أو كالوجودى كعنوان «الغير» يشك في صدقه على الفرد المشكوك من دون جريان أصل يحرز به ذاك العنوان، ففي المقام إذا خصص عموم انفعال القليل بالمستعمل في الاستنجاء يكون الباقي تحته بعد التخصيص القليل المتصف بعدم كونه ماء الاستنجاء، أو القليل غير المستعمل في الاستنجاء، و مع الشك في ماء انه من أى الغسالات لم يحرز انطباق المتبقى تحت عموم الانفعال عليه، كي يجرى عليه حكمه، فلا محالة تصل النوبة الى الأصل العملي، من قاعدة الطهارة، أو استصحابها.

هذا و لكن حققنا في الأصول بطلان هذا القول بما لا مزيد عليه، و ذكرنا ان تخصيص العام مطلقا لا يوجب تعنون الباقي تحته بعنوان وجودي أو ما يشبهه، بل مقتضى الفهم العرفي هو تقيد العام بعدم ذاك الخاص، فإذا قال المولى أكرم العلماء- مثلا- ثم خصصه بقوله لا تكرم فساقهم يكون الباقي تحت العموم هو العالم اللافاسق، بمعنى من لا يكون متصفا بالفسق، لا المتصف بالعدالة أو بعدم الفسق. و السر فيه هو أنهم يرون الفسق مانعا عن وجوب الإكرام، فإذا ارتفع المانع أثر المقتضي أثره، فلا يعتبر في وجوبه إلا عدم المانع، و أما اتصاف الباقي تحت العام بوصف وجودي أو كالوجودى فهو و‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 181‌

[ (مسألة 8) إذا اغتسل في كر كخزانة الحمام، أو استنجى فيه]

(مسألة 8) إذا اغتسل في كر كخزانة الحمام، أو استنجى فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر (1).

______________________________
ان كان ممكنا في نفسه، إلا أنه يحتاج إلى مؤنة زائدة و عناية في الكلام لا دليل عليها، و التفصيل في محله.

و عليه يكون الباقي تحت عموم الانفعال بعد تخصيصه بماء الاستنجاء هو ما لا يكون ماء الاستنجاء، لا المتصف بعدمه، فاذن لا مانع من جريان الأصل الموضوعي، فيجري استصحاب عدم كونه مستعملا في الاستنجاء، على نحو العدم النعتي، لأن الماء حين وجوده لم يكن مستعملا في شي‌ء من الغسالات، و يشك في بقائه على ما كان، و لا يعارضه استصحاب عدم استعماله في سائر الغسالات، لأنه لا يثبت استعماله في الاستنجاء إلا بالملازمة العقلية، و لم يترتب أثر عليه في نفسه، لترتب الطهارة على المستعمل في الاستنجاء لا على ماء لم يستعمل في سائر الغسالات، فالأقوى هو الحكم بالنجاسة تمسكا بعموم الانفعال، و معه لا مجال للرجوع الى الأصل.

الاغتسال في الماء الكثير

(1) هل يختص المنع عن استعمال المستعمل في رفع الحدث الأكبر في رفع الحدث ثانيا- على القول به- بالقليل أو يعم الكثير الظاهر أنه لا خلاف في الاختصاص، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه. و نعم ما عن المحقق في المعتبر من قوله: «لو منع هنا لمنع و لو اغتسل في البحر» إذ لا فرق في الكثير بين كر و أكرار، و هذا هو الصحيح، بل يختص الحكم ببعض مصاديق القليل حتى أنه لا يشمل المنع ما نقص عن الكر بقليل يمنع عن صدق الغسالة على الباقي عرفا، كما سنبين.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 182‌

..........

______________________________
و الوجه في ذلك هو قصور أدلة المنع عن شمول الكثير، لأن عمدتها- بعد نقل الإجماع الممنوع تحققه كما سبق- قوله عليه السّلام في رواية ابن سنان المتقدمة
«1»: «الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ به.» و هي- مع غض النظر عن سندها، و المناقشة في دلالتها- لا تدل على المنع في الماء الكثير، لأن ال‍ «باء» فيها للاستعانة و لا استعانة إلا بالمقدار المماس للبدن المزال به الحدث، و أما المقدار الزائد على ذلك فأمر خارج عما استعمل في الغسل، لعدم تحقق المماسة معه، و ذلك لأن الغسل عبارة عن مس الماء للبشرة مع النية، بل في بعض الروايات «2» كفاية مثل الدهن فلا يصدق عنوان الغسالة إلا على خصوص الجزء المماس للبدن- عرفا- دون المجموع المركب منه، و من المقدار الزائد على ذلك، و هذا من دون فرق بين الصب، و الارتماس في القليل، فإنه لو كان الماء قليلا في حب و نحوه، و دخل فيه الجنب يصدق الاغتسال به لمماسة بدنه مع مجموع أجزاء هذا الماء- و لو عرفا- و هذا بخلاف الماء الكثير- كالكر و الخزانة- فإنه لا تتحقق المماسة إلا مع بعض أجزائه، حتى في نظر العرف إذ لا يحتمل صدق غسالة الجنب على مثل الخزانة، باغتساله فيها، و عدم الصدق في الكثير لا يفرق فيه أيضا بين الصب و الارتماس، فلو صب كر أو أكثر على البدن دفعة لا يصدق عليه غسالة الجنب، لعدم إصابة جميع أجزائه للبدن حتى في نظر العرف، بل يرون الجزء المستعمل مستهلكا في الباقي، فلا يصدق على المجموع عنوان الغسالة. و الحاصل: أن المدار على صدق الاغتسال بالماء سواء أ كان‌

______________________________
(1) في ص 109.

(2) الوسائل ج 1 ص 510 الباب 31 من أبواب الجنابة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 183‌

..........

______________________________
ذلك على نحو الصب أو الارتماس، و هذا يختص بالقليل.

و مما ذكرنا ظهر صحة ما أفاده الشيخ الأنصاري «قده» في المقام بقوله:

«لا ينبغي الإشكال في الجواز في الماء الكثير، و إن قلنا بالمنع في غيره، لاختصاص دليل المنع بما يغتسل به لا فيه» فان مراده ما ذكرناه من عدم صدق الغسالة على الكثير، لأن الممنوع هو الاغتسال بالماء لا فيه، و لا يصدق ذلك إلا في القليل. نعم لو كان الممنوع الاغتسال في الماء لشمل الكثير أيضا، لأنه يصدق أنه اغتسل في الخزانة، أو الحوض، و نحوهما.

كما ظهر دفع الإشكال عليه بأن ال‍ «باء» في قوله عليه السّلام: «يغتسل به الجنب» باء الاستعانة، و هي كما تصدق في القليل تصدق في الكثير. وجه الدفع: أنه لا استعانة بما يزيد على الجزء المماس للبدن، فكيف يصدق الاستعانة بالكثير مع أن المماس للبدن جزئه المستهلك في الباقي.

و على ما ذكرنا لا يدور صدق الغسالة و عدمه مدار القلة و الكثرة الشرعيتين- بمعنى القليل في مقابل الكر- بل على القليل و الكثير العرفيين فلا تصدق الغسالة حتى على ما دون الكر في بعض مصاديقه، و لو كان الاغتسال بالدخول فيه، كما أنه لا يدوران مدار غير العاصم، و العاصم، فتصدق الغسالة على عين كان فيه ماء قليل اغتسل فيه الجنب، فلا يجوز استعمال ذاك الماء ثانيا في رفع الحدث- على القول بالمنع- لصدق الغسالة عليه، و لا منافاة بين الاعتصام، و عدم جواز الاستعمال في رفع الحدث، إلا أن يثبت الإجماع القطعي على خروج المياه العاصمة مطلقا عن محل الكلام، أو يتجدد النبع بحيث يخرج عن عنوان الغسالة بالامتزاج.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌2، ص: 183

ثم إنه لو سلم شمول دليل المنع لمطلق الماء المستعمل في الجنابة و لو كان‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 184‌

..........

______________________________
كثيرا، كالخزانة و نحوها لزم الخروج عنه بما دل من الأخبار على الجواز في الكثير إلا أن مقتضاها الاقتصار على إخراج الكثير الشرعي- أي الكر- فيبقى الباقي تحت عموم المنع، حتى لو كان من المياه العاصمة، كالجاري، و العين إذا كانا أقل من الكر، إلا أن يثبت الإجماع على عدم الفرق في الجواز بين الكر و غيره من المياه العاصمة.

و أما ما دل على الجواز فهي صحيحة صفوان الجمال «1» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع، و تلغ فيها الكلاب، و تشرب منها الحمير، و يغتسل فيها الجنب، و يتوضأ منها؟ قال: و كم قدر الماء؟ قلت: الى نصف الساق، و الى الركبة. فقال: توضأ منه».

فإنها تدل على جواز الوضوء بالماء البالغ حد الكر، و ان اغتسل فيه الجنب، فان المراد من بلوغ الماء الى نصف الساق، أو الركبة بلوغه حد الكر، إذ لا خصوصية لغيره، فإن الأقل يتنجس بولوغ الكلب و إن بلغ الساق، أو الركبة. هذا مع أن المتعارف في الغدران التي تكون عرضة لهذه الأمور في الطرقات اشتمالها على ماء كثير يبلغ الأكرار.

و صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع «2» قال: «كتبت الى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء، و يستقى فيه من بئر، فيستنجي فيه الإنسان من بول، أو يغتسل فيه الجنب ما حده الذي لا يجوز؟ فكتب لا توضأ من مثل هذا إلا من ضرورة إليه».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 119 في الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 12.

(2) الوسائل ج 1 ص 120 في الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 15.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 185‌

أو غسالة الاستنجاء، أو الخبث (1).

[ (مسألة 9) إذا شك في وصول نجاسة من الخارج، أو مع الغائط يبنى على العدم]

(مسألة 9) إذا شك في وصول نجاسة من الخارج، أو مع الغائط يبنى على العدم (2).

______________________________
و هذه أيضا محمولة على بلوغ الكر، كسابقتها، و أما استثناء الضرورة فمحمول على الكراهة بدونها، لا عدم الجواز، للإجماع على عدم الفرق بين الضرورة و الاختيار في الجواز و عدمه، إذ القائل بالمنع يقول به حتى في حال الاضطرار بانتقال فرضه الى التيمم، إذا لم يكن عنده ماء غير الغسالة، كما أن القائل بالجواز يقول به حتى في حال الاختيار و وجود ماء غيرها.

و بالجملة مفاد هاتين الصحيحتين جواز الاغتسال بالماء الكثير البالغ حد الكر، و إن اغتسل فيه الجنب، و بهما يخصص عموم ما دل على المنع- لو سلم وجوده- و قد أشرنا آنفا الى حكم المياه العاصمة لو كانت أقل من الكر من جهة احتمال بقائها تحت العموم.

(1) و ذلك لما تقدم من عدم شمول الإجماع المدعى على المنع للكثير، و هكذا رواية ابن سنان، لعدم صدق الغسالة على الكثير المغسول فيه الثوب هذا. مضافا الى ما تقدم من احتمال اختصاص سبب المنع فيها بنجاسة الغسالة و لا يتأتى ذلك في الكثير، لعدم انفعاله بملاقاة النجس، و لو سلم شمولها للغسالة الطاهرة- كالمتعقبة لطهارة المحل- لاختص وجه المنع بعدم الشمول و لو سلم ذلك أيضا لكفانا في التخصيص الصحيحتان المتقدمتان لصفوان، و ابن بزيع، لا سيما مع التصريح في الثانية بالاستنجاء في الغدير.

(2) هذا من فروع اشتراط طهارة ماء الاستنجاء بالشرط الثاني، و الرابع حيث اشترطنا في طهارته عدم وصول نجاسة إليه من الخارج، و عدم خروج نجاسة أخرى- كالدم- مع الغائط، فإن أحرز الشرطان فهو، و إلا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 186‌

[ (مسألة 10) سلب الطهارة، أو الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر]

(مسألة 10) سلب الطهارة، أو الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، أو الخبث استنجاء أو غيره (1) إنما يجرى في الماء القليل دون الكر فما زاد، كخزانة الحمام، و نحوها.

[ (مسألة 11) المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر]

(مسألة 11) المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر، فلو أخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة (2) و كذا ما يبقى في الإناء بعد إهراق ماء غسالته.

______________________________
فيستصحب عدم وصول نجاسة خارجية إلى الماء، و عدم خروج نجاسة أخرى مع الغائط.

(1) لا تخلو العبارة عن نحو من المسامحة، لعدم سلب الطهارة عن الماء المستعمل في رفع الحدث، و الاستنجاء، و إنما الكلام في سلب الطهورية عنه، فلا يبعد أن يكون ذكر الطهارة سهوا من قلمه الشريف، أو يقال إن ذكر الأمرين بلحاظ مجموع الأمور الثلاثة، لسلب الطهارة عن غسالة سائر النجاسات، و سلب الطهورية عنها و عن الآخرين، و مع ذلك كله تكون هذه تكرارا لل‍ «مسألة 8».

الماء المتخلف بعد العصر

(2) لا إشكال في ثبوت حكمين للماء المتخلف في المغسول بعد خروج الغسالة المتعارفة «أحدهما» طهارته إذا كان متخلفا بعد الغسلة المتعقبة لطهارة المحل- على المختار- و أما في غيرها فهو باق على النجاسة- كالمحل- «ثانيهما» عدم ترتب أحكام الغسالة عليه، فلو انفصل عن المغسول بعلاج غير متعارف كعصر شديد، أو كبس، أو نحو ذلك جاز استعماله في رفع الحدث و الخبث إلا أنه لا يتفرع الحكم الثاني على الأول، كما يظهر من عبارة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 187‌

..........

______________________________
المصنف «قده» حيث أنه بعد أن حكم بطهارة المتخلف في الثوب فرع عليه الحكم الثاني بقوله: «فلو اخرج بعد ذلك.» لأن مجرد طهارته لا يكفي في عدم جريان تلك الأحكام، لأن بعض أقسام الغسالة مع أنها محكومة بالطهارة يثبت لها أحكامها، و ذلك كماء الاستنجاء، فإنه و إن كان طاهرا، إلا أنه مع ذلك يلحقه أحكام الغسالة، بل العبرة في عدم ترتب هذه الأحكام بعدم كون المتخلف غسالة، فيكون من باب انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه، فكان الأليق به أن يعكس الأمر، و يفرع طهارة المتخلف في الثوب على عدم كونه غسالة.

و كيف كان فلا كلام لنا في ثبوت أصل الحكمين المذكورين للمتخلف بعد الغسالة، أما طهارته فإما لما قيل من ثبوت الطهارة التبعية له، و إما لما هو الصحيح من طهارة الغسالة في نفسها- أى المتعقبة لطهارة المحل- و سيأتي البحث عن ذلك في مبحث المطهرات إن شاء اللّه تعالى.

و أما عدم جريان أحكام الغسالة عليه فلعدم الصدق، فيكون من باب السلب بانتفاء الموضوع. و توضيحه: أن الغسالة عبارة عما ينفصل عن المغسول على النحو المتعارف، لتقوم مفهوم الغسل بوصول الماء للمحل، و انفصاله عنه على الوجه المعمول، و ليس المقدار المتخلف في المغسول مما غسل به الشي‌ء. و ان شئت فقل: ان موضوع الأحكام انما هو غسالة التطهير- كما يظهر من قوله عليه السّلام في رواية ابن سنان المتقدمة «1»: «الماء الذي يغسل به الثوب.»- و هو ما تعارف انفصاله عن المغسول بحيث يحكم بعد انفصاله بطهارته، و لو بقي فيه رطوبة، لأنها ليست مما يتحقق به الغسل المطهر، و‌

______________________________
(1) في ص 109.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 188‌

[ (مسألة 12) تطهر اليد تبعا بعد التطهير]

(مسألة 12) تطهر اليد تبعا (1) بعد التطهير، فلا حاجة الى غسلها و كذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب، و نحوه.

______________________________
يشترط بانفصالها طهارة المغسول جزما.

فلو استخرجت بطرق غير مألوفة- كالعصر الشديد و نحوه- لا يصدق عليه غسالة التطهير، و ان صدق عليه الغسالة لغة، لأنها مطلق الماء المنفصل عن المغسول، فاذن لا مانع من رفع الحدث بالمياه المستخرجة من ثياب متعددة بعد خروج الغسالة المتعارفة- لو كانت تفي بذلك- لبقائها تحت عمومات ما دل على طهورية الماء من دون مخصص بالنسبة إليها، و كذا الحال في المتخلف في الأواني المغسولة بعد اهراق غسالتها المتعارفة.

طهارة اليد و الظرف تبعا

(1) سيأتي الكلام في بحث المطهرات- ان شاء اللّه تعالى- فيما يثبت له الطهارة التبعية في بعض الموارد الخاصة، كآلات تغسيل الميت من السدة، و يد الغاسل، و الخرقة التي تستر بها عورته، و كذا آلات نزح البئر، و أطرافها، و يد النازح- بناء على القول بنجاسة البئر و طهارتها بالنزح- الا أنه لا دليل على التبعية على وجه الإطلاق بحيث يشمل المقام- أعنى آلات التطهير، كيد الغاسل، و الظرف الذي يغسل فيه الثوب، و نحوه، كما نشير اليه هناك- بل لا بد من ملاحظة كل مورد بخصوصه، لأن عمدة ما يستدل به للطهارة التبعية في أمثال المقام انما هي الإطلاق المقامى، و سكوت الشارع عن بيان حكم التابع مع حكمه بطهارة المتبوع، و استبعاد التفكيك بينهما في الحكم بالطهارة، و النجاسة، بحيث يبقى التابع على نجاسته مع الحكم بطهارة المتبوع، و عدم تنجسه به مع غلبة الملاقاة أو استمرارها. فيقال في تقريبه: انه قد حكم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 189‌

..........

______________________________
الشارع بطهارة الثوب المغسول- مثلا- و سكت عن حكم يد الغاسل و لو كانت باقية على النجاسة لزم التنبيه عليه، و على كيفية تطهيره، و الا لتنجس الثوب بملاقاتها ثانيا، إذ من المستبعد جدا بقائها على النجاسة، و عدم انفعال الثوب بها، فيعلم من ذلك أنه حكم أيضا بطهارة اليد تبعا لطهارة الثوب و قس عليه حال الظرف المغسول فيه، هذا.

و لكن هذا الاستدلال إنما يتم فيما إذا لم يكن هناك وجه آخر لسكوت الشارع، بحيث يمكن الاعتماد عليه في الحكم بطهارة التابع كما في الآلات المعمولة في طبخ العصير على القول بنجاسته، و آلات تغسيل الميت، و آلات النزح إذ ليس هناك وجه لطهارتها إلا التبعية- كما سيأتي ان شاء اللّه تعالى في بحث المطهرات و تقدم «1» في أحكام البئر- و هذا بخلاف المقام، فان اليد و الظرف يغسلان غالبا مع الثوب، فيصب الماء على اليد حين صبه على الثوب فتطهر مستقلا بصب الماء عليها، كما أنه يطهر الظرف بصب الماء فيه لأجل غسل الثوب. و بالجملة لا بد من الحكم بطهارة اليد و الظرف حين طهارة الثوب لكن بطهارة استقلالية لا تبعية، لعدم تمامية دليلها فيهما، لكفاية انغسالهما بالتبع في السكوت عن حكمهما.

و تظهر الثمرة بين الطهارتين فيما يعتبر فيه التعدد- كالمتنجس بالبول- لو لم يغسل في المرة الثانية ما لاقته الغسالة في المرة الاولى، فلو أصاب أعالي اليد غسالة الغسلة الاولى، و لم ينصب عليها الماء في المرة الثانية يبقى ذاك المحل على نجاسته بناء على ما ذكرناه من الطهارة الاستقلالية، لعدم غسله ثانيا، و يحكم بطهارته على القول بالطهارة التبعية حين طهارة الثوب قضاء‌

______________________________
(1) في ص 48- 49 و سيأتي في الأمر التاسع من المطهرات.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 190‌

..........

______________________________
للتبعية، و كذلك الحال فيما إذا لم يبلغ الماء المنصب في الظرف في المرة الثانية إلى الحد الذي بلغه الماء في المرة الأولى، فإن الحد الأول يبقى على نجاسته على ما ذكرناه، و يحكم بطهارته على ما ذكروه.

إشكال و دفع:

ربما يتوهم دلالة صحيحة محمد بن مسلم- الواردة في كيفية غسل الثوب المتنجس بالبول- على طهارة الظرف تبعا للثوب المغسول فيه، و هي:

ما رواه «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سأله عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين، فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة».

فإنها قد دلت على اعتبار التعدد- مرتين- في الثوب المتنجس بالبول إذا غسل في المركن بالماء القليل، و طهارته تستلزم طهارة المركن المغسول فيه، و إلا لتنجس الثوب بملاقاته، لأن المعتبر في غسل الأواني ثلاث مرات، كما دل عليه موثقة عمار [1] فلا مناص عن الجمع بينهما بحمل الصحيحة على طهارة المركن تبعا لطهارة المغسول فيه، و حمل الموثقة على اعتبار التعدد فيه ثلاث مرات إذا غسل مستقلا.

و يندفع بأن مفهوم الإناء غير صادق على المركن، لأن الظاهر أن الإناء هو الظرف المعد للأكل، و الشرب، أو ما يستعمل في مقدماتهما‌

______________________________
[1] عمار عن أبي عبد اللّه- ع- قال: «سئل عن الكوز، و الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ و كم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات.» (الوسائل ج 2 ص 1076 الباب 53 من أبواب النجاسات، الحديث 1).

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1002 في الباب 2 من أبواب النجاسات، الحديث 1. و عن الجوهري:

المركن: الإجانة التي تغسل فيها الثياب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 191‌

[ (مسألة 13) لو أجرى الماء على المحل النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته]

(مسألة 13) لو أجرى الماء على المحل النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر (1) و إن عد تمامه غسلة واحدة، و لو كان بمقدار ساعة، و لكن مراعاة الاحتياط أولى.

______________________________
- كالقدر، و نحوه- لا مطلق الظرف الشامل لمثل المركن، و الطشت المعد لغسل الثياب فيه، و من هنا يختص المنع عن استعمال أو انى الذهب و الفضة بما كان كذلك، و لا يعم مطلق الظرف- كما سيأتي
«1»- فعليه لا تعارض في البين، لاختلاف موضوع الروايتين، فتكون طهارة المركن بنفس ما يطهر به الثوب المغسول فيه من صب الماء عليهما.

(1) لحصول الطهارة بمجرد صدق الغسل عرفا في أول آنات جرى الماء على المغسول، و انفصاله عنه بالمقدار المتعارف، فلو استمرّ صبه على المحل بمقدار ساعة- مثلا- كان الزائد ملاقيا لجسم طاهر، و خارجا عن عنوان غسل النجس، كما أن الأجزاء المنفصلة بعد تحقق المقدار الكافي في طهارته ليست من الغسالة في شي‌ء، لأنها عبارة عن الماء المستعمل في التطهير، و قد فرضنا حصول الطهارة قبل ذلك.

و قد يتوهم: صدق الغسل المطهر على الجميع، لأن الاتصال مساوق للوحدة، فيصدق الغسالة على الماء المجتمع من المجموع، فيكون ذلك منشأ للاحتياط بالاجتناب- كما في المتن.

و يندفع: بأن وحدة الغسل المستمر لا يلازم حصول الطهارة بمجموعه إذ يكفي فيه مجرد تحقق عنوان الغسل في أول آناته، و لا دخل لاستمراره في حصول الطهارة بوجه، فهذه الغسلة الواحدة مطهرة ببعضها لا بمجموعها و‌

______________________________
(1) في المسألة العاشرة من فصل الأواني.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 192‌

[ (مسألة 14) غسالة ما يحتاج الى تعدد الغسل كالبول]

(مسألة 14) غسالة ما يحتاج الى تعدد الغسل كالبول- مثلا- إذا لاقت شيئا لا يعتبر فيها التعدد (1) و إن كان أحوط.

______________________________
منه يعلم الحال في عدم كون المجموع غسالة النجس، لأنها خصوص الأجزاء المنفصلة في أول آنات تحقق الغسل، و أما الأجزاء المنفصلة بعد ذلك ليست من الغسالة في شي‌ء، فلا يترتب عليها أحكامها، فلا مانع من استعمالها في رفع الحدث و الخبث، و تكون محكومة بالطهارة حتى على القول بنجاسة الغسالة- فيما إذا لم تمتزج بالمنفصل في أول آنات الصب- و مما ذكرنا ظهر ضعف الاحتياط في المتن. نعم وحدة الغسل بسبب الاتصال إنما تمنع عن الطهارة فيما يعتبر فيه التعدد، لعدم صدق التعدد، و الغسل مرتين، أو ثلاث إلا بانقطاع الغسل السابق، و لا ضير في الالتزام بأن الانقطاع مؤثر في حصول الطهارة شرعا، و إن كان وصول الماء الى المحل أكثر في صورة الاستمرار.

حكم ملاقي الغسالة

(1) كان الأنسب ذكر هذه المسألة في باب المطهرات، لأنها من كيفيات التطهير بالماء، و إنما أشار إليها المصنف «قده» هنا بمناسبة ذكره لأحكام الغسالة، و لعلنا نبسط المقال هناك إن شاء اللّه تعالى.

و مجمل الكلام على وجه يناسب المقام هو أنه هل يجرى على الغسالة حكم النجاسة التي انفعلت بها- من حيث اعتبار التعدد في غسل ملاقيها، و عدمه- أولا؟ فعلى الأول يجب التعدد في ملاقي الغسالة الأولى للبول، بل الثانية بناء على القول بنجاسة الغسالة مطلقا، و لو كانت متعقبة لطهارة المحل و على الثاني يكفي فيها الغسل مرة واحدة، كغسالة سائر النجاسات التي تكفي المرة في تطهير ما تنجس بملاقاتها بأنفسها، أو يفصل بين الغسالة الأولى‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 193‌

..........

______________________________
فيعتبر فيها التعدد، و الثانية فيكفي فيها المرة بأن تكون الغسالة محكومة بحكم المحل قبلها لا قبل الغسل، بدعوى حصول ضعف في النجاسة بالغسل مرة، وجوه.

و الكلام في ذلك يقع- تارة- من حيث الأصل العملي- و أخرى- من حيث الدليل الاجتهادي أما الأصل فمقتضاه الحكم بلزوم التعدد مطلقا بناء على جريان استصحاب النجاسة الى أن يحصل العلم بالمطهر، فيجب الغسل مرتين في ملاقي غسالة البول حتى الثانية، لاحتمال بقاء النجاسة إلى أن يحصل مطهر ملاقي نفس البول، بل مقتضاه وجوب السبع في غسالة ما يعتبر فيه ذلك، كآنية و لوغ الخنزير، هذا. و لكن الصحيح منعه، لأنه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية، و لا نقول بحجيته كما مر مرارا، فالمرجع حينئذ قاعدة الطهارة بعد الغسل مرة واحدة. هذا كله فيما إذا لم يكن هناك دليل اجتهادي يدل بإطلاقه، أو عمومه على كفاية الغسل مرة، و معه لا تصل النوبة إلى الرجوع الى الأصل سواء استصحاب النجاسة، أو قاعدة الطهارة كي يبتني ذلك على الخلاف بيننا، و بين الأصحاب في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، إذ لا مجال للأصل مع وجود الامارة.

و أما الدليل الاجتهادي فهو ما وجدناه من إطلاق جملة من الروايات الآمرة بغسل المتنجسات من دون تقييده بمرتين أو أكثر، و مقتضى ذلك كفاية الغسل مرة واحدة، لصدق الطبيعي عليه، فيختلف حكم ملاقي النجس عن ملاقي غسالته، و ذلك نظير ما اتفقوا عليه من عدم وجوب التعفير في ملاقي غسالة إناء الولوغ، و إن كان يجب ذلك في نفس الإناء فمقتضى القاعدة هو الاكتفاء بالمرة في مطلق النجاسات، إلا أن يقوم دليل على التخصيص،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 194‌

..........

______________________________
كما في البول، و الأواني.

(منها): صحيحة زرارة «1» قال: «قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره، أو شي‌ء من منى، فعلمت أثره الى أن أصيب له الماء، فأصبت و حضرت الصلاة، و نسيت أن بثوبي شيئا، و صليت، ثم إني ذكرت بعد ذلك؟

قال: تعيد الصلاة، و تغسله.»‌

فان قوله عليه السّلام: «تغسله» مطلق يصدق على الغسل مرة واحدة.

(و منها): صحيحة الحلبي «2» قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في ثوبه، و ليس معه ثوب غيره (خ ل آخر)؟ قال: فإذا وجد الماء غسله».

و هذه في الإطلاق كسابقتها.

(و منها): موثقة عمار «3» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن رجل ليس عليه الا ثوب، و لا تحل الصلاة فيه، و ليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمم، و يصلى، فإذا أصاب ماء غسله، و أعاد الصلاة».

(و منها): رواية محمد بن إسماعيل «4» عن بعض أصحابنا عن أبى الحسن عليه السّلام: «في طين المطر أنه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام الا أن يعلم أنه قد نجسه شي‌ء بعد المطر، فإن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله، و إن كان الطريق نظيفا لم تغسله».

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1063 الباب 42 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

(2) الوسائل ج 2 ص 1066 الباب 45 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2 ص 1067 الباب 45 من أبواب النجاسات، الحديث 8.

(4) الوسائل ج 2 ص 1096 الباب 75 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 195‌

..........

______________________________
و الروايتان الأخيرتان تشملان بإطلاقهما مطلق النجاسات، لعدم اختصاص السؤال في الأولى منهما ببعضها دون بعض، فان المراد من قول السائل: «و لا تحل الصلاة فيه» إنما هو عدم الحل من جهة النجاسة دون جهة أخرى، كالغصب، أو كون الثوب من غير مأكول اللحم بقرينة قوله بعد ذلك:

«و ليس يجد ماء يغسله» و لم يفرض في السؤال تنجس الثوب بنجاسة خاصة، فيشمل بإطلاقه مطلق النجاسات، كما أن قوله عليه السّلام: «قد نجسه شي‌ء بعد المطر» في الرواية الثانية يكون مطلقا.

(و منها): رواية العيص المتقدمة «1» الواردة في خصوص ملاقي الغسالة، و هي و إن كانت ضعيفة السند كما تقدم إلا أنه لا بأس بجعلها مؤيدة للمطلوب، لما فيها من الأمر بطبيعي الغسل أيضا، لا سيما بملاحظة ما فيها من غسالة البول.

و بالجملة: مقتضى إطلاق الغسل في هذه الروايات، و غيرها مما يعثر عليها المتتبع في الأبواب المتفرقة حصول الطهارة لمطلق المتنجسات- التي منها ملاقي الغسالة- بمجرد صدق الغسل بالماء المتحقق في ضمن المرة، إلا أن يرد دليل على التعدد، كما ورد في بعضها، و مع الغض عن ذلك فيكفينا ما هو المرتكز في أذهان المتشرعة من اتحاد كيفية التخلص عن القذارات الشرعية، و العرفية، فكما يكتفون في الثانية بإزالتها بمجرد الغسل من دون حاجة الى التكرار فكذلك في الأولى، إلا أن يثبت ردع من الشارع عن هذه الطريقة في مورد بخصوصه، لعلمه بما يقتضي التكرار من رسوخ القذارة، و نحو ذلك.

______________________________
(1) في ص 161.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 196‌

[ (مسألة 15) غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا]

(مسألة 15) غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا يستحب (1) الاجتناب عنها.

______________________________
(1) وجه الاحتياط في الأصل «أعني المغسول» هو احتمال النجاسة فكذلك غسالته. نعم استحباب الاجتناب عن الغسالة الاحتياطية يبتنى على القول بنجاسة الغسالة، و عدم جواز استعمالها في رفع الحدث، و إلا فلا وجه لاستحباب الاجتناب عنها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net