3- نجاسة المني 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9838

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌2، ص: 349

[3- نجاسة المني:]

______________________________
3- نجاسة المني: مني الإنسان، منى الحيوان غير مأكول اللحم، منى الحيوان المأكول اللحم، منى ما لا نفس له، المذي، الوذي، الودي،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 350‌

«الثالث» المنى من كل حيوان له دم سائل حراما كان أو حلالا [1] بريا أو بحريا (1)

______________________________
الثالث «المنى»

(1) توضيح الكلام في نجاسة المني يقتضي بسطه في ضمن مسائل أربع:

(الأولى): في نجاسة مني الإنسان رجلا كان أو امرأة، و قد تحقق على نجاسته إجماعنا المحصل و المنقول- كما عن غير واحد- بل هي من ضروريات مذهبنا لم يختلف فيها اثنان، هذا مضافا الى ورود روايات كثيرة فيها الصحاح و الموثقات تدل على نجاسته، و لا يبعد دعوى تواترها على ذلك.

(منها) الروايات التي ورد فيها الأمر بغسل الثوب إذا أصابه المنى، و الأمر بالغسل في أمثاله إرشاد إلى تنجس المغسول بما اصابه و طهارته بالغسل كما هو الحال في جملة من النجاسات التي استفيد نجاستها من الأمر بغسل ملاقيها.

كصحيحة محمد بن مسلم «2» عن أحدهما عليهما السلام- في حديث- «في المني يصيب الثوب؟ قال: إن عرفت مكانه فاغسله، و إن خفي عليك فاغسله كله» و نحوها غيرها [2].

______________________________
[1] في تعليقته «دام ظله» (على الأحوط).

[2] كحسنة الحلبي عن ابى عبد اللّه- ع- قال: «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل-

______________________________
(2) الوسائل ج 2 ص 1021 الباب 16 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 351‌

..........

______________________________
(و منها) الروايات التي ورد فيها الأمر بإعادة الصلاة لو صلى في ثوب اصابه المنى و كان قد علم به قبل الصلاة، كما هو الحال في بقية النجاسات.

كصحيحة محمد بن مسلم «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «ذكر المنى و شدّده و جعله أشد من البول ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك، و كذلك البول».

و نحوها غيرها [1].

(و منها) الروايات الدالة على تنجس الماء القليل بملاقاة اليد المصابة بالمني.

كموثقة سماعة «3»- في حديث- «و إن كانت اصابته جنابته فأدخل‌

______________________________
الذي أصابه.» (في الباب المذكور، الحديث 4) و مثلها الحديث 3 و 5 6 في نفس الباب.

[1] كصحيحة زرارة قال: «قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني فعلمت أثره الى ان أصيب له الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت ثم إني ذكرت بعد ذلك؟ قال: تعيد الصلاة و تغسله.» (الوسائل ج 2 ص 1063 الباب 42 من أبواب النجاسات، الحديث 2).

و صحيحة أو حسنة عبد اللّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه- ع- عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان علم انه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل ان يصلي ثم صلى فيه، و لم يغسله فعليه ان يعيد ما صلى.» (الوسائل ج 2 ص 1059 الباب 40 من أبواب النجاسات، الحديث 3).

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1022 الباب 16 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

(3) (الوسائل ج 1 ص 114 الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 10) و نحوها في نفس الباب، الحديث 3 و 4 و 9 و 11 ج 1 ص 113.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 352‌

..........

______________________________
يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شي‌ء من المنى و إن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله».

فإن الأمر بالإراقة ظاهر في سقوط الماء عن معظم الانتفاع به، و لا يكون ذلك إلا بنجاسته.

الى غير ذلك من الروايات الواردة في أبواب متفرقة [1] بحيث لا يبقى لمن لاحظها مجال للتشكيك في نجاسة المني في مذهبنا.

نعم وردت بإزائها روايات معدودة ظاهرها طهارة المنى، و لا بد من تأويلها- و لو على وجه بعيد- بحيث لا تنافي أخبار النجاسة، أو حملها على التقية.

(منها)- صحيحة زرارة قال: «سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أ يتجفف فيه من غسله؟ فقال: نعم لا بأس به إلا أن تكون النطفة فيه رطبة، فإن كانت جافة فلا بأس».

حملها الشيخ «قده» على التجفيف بالموضع الذي لم يصبه المنى، و هو بعيد إذ لا فرق حينئذ بين النطفة الجافة و الرطبة لطهارة الموضع الذي لم يصبه‌

______________________________
[1] كبعض أحاديث الكر لما فيها من تعليق عدم نجاسة الماء الذي تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب على ما إذا كان كرا بناء على ظهورها في اغتسال الجنب فيه مع وجود المني على بدنه كما هو الغالب، لاحظ (الوسائل ج 1 ص 117 و 118 و 119 الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1 و 5 و 12).

و كبعض الأحاديث الواردة في سؤر الجنب لاحظ (الوسائل ج 1 ص 168 الباب 7 من أبواب الأسئار) و نحوها غيرها.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 353‌

..........

______________________________
المنى على أى تقدير [1] سواء أ كان المنى رطبا أم جافا.

(و منها) موثقة أبي أسامة زيد الشحام «2» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب تكون فيه الجنابة فتصيبني السماء حتى يبتل على؟ قال:

لا بأس».

و قد توجه بأن المراد الإصابة المطهرة للثوب أو المراد عدم العلم بإصابة المطر للموضع الذي تنجس بالمني بحيث تسرى النجاسة إلى بدنه، و لا يخفى ما في كليهما من البعد.

و نحوها غيرها [2] مما يجب تأويلها في مقابل تلك الروايات، أو‌

______________________________
[1] و قد يوجه التفصيل المذكور في الصحيحة بأن من طرح ثوبه ليغتسل فمعلوم أن أجزاءه تماس بعضها مع بعض، فان كان المني فيه رطبا يتنجس بعض المواضع الطاهرة ايضا بملاقاته للمني الرطب عادة، و ربما لا يميزه المغتسل عند ارادة التنشيف بالثوب لجفاف تلك المواضع مدة الغسل، فتصبح مواضع الثوب أطرافا للعلم الإجمالي لاشتباه الطاهر بالنجس، و من هنا منع الامام- ع- عن التجفيف به في هذه الصورة، و هذا بخلاف ما إذا كان المني جافا، فإنه لا يتنجس بملاقاته سائر مواضع الثوب فيجوز التجفيف به مع الاجتناب عن الموضع المعلوم نجاسته بالمني. و هذا التوجيه و ان كان ارق من ظاهر التوجيه المذكور عن الشيخ «قده» الا انه ايضا لا يخلو عن تكلف و بعد.

[2] كحسنة أبي أسامة قال: «قلت لأبي عبد اللّه- ع- تصيبني السماء و علي ثوب فتبله و انا جنب فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المنى أ فأصلي فيه؟ قال: نعم» (الوسائل ج 2 ص 1037 الباب 27 من أبواب النجاسات، الحديث 3) و حملت على عدم الرطوبة في المحل الملاقي للمني أو على زوال النجاسة بالمطر كما في موثقته.

و رواية علي بن أبي حمزة قال: «سئل أبو عبد اللّه- ع- و انا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق

______________________________
(2) الوسائل ج 2 ص 1038 الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 354‌

..........

______________________________
حملها على التقية، لذهاب جمع من العامة منهم الشافعي و أحمد إلى القول بطهارة مني الإنسان، و أما منى الحيوان فقالا بطهارته أيضا غير أن الأول خصها بما إذا كان نفس الحيوان طاهرا بدعوى أنه أصل للحيوان الطاهر، فكأنه يريد بذلك أن الفرع لا يزيد على أصله، فإذا كان الحيوان طاهرا فلا بد و ان يكون أصله- و هو المني- أيضا طاهرا، و خصها الثاني بما إذا كان الحيوان مأكول اللحم
«1».

و استدل الشافعي لطهارة مني الإنسان- مضافا إلى الوجه الاعتباري المتقدم الذي يعم الإنسان و غيره- بما رواه البيهقي «2» عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أنه سئل عن المنى يصيب الثوب؟ فقال: انما هو بمنزلة البصاق أو المخاط».

كما استدل الحنابلة بما رووه عن عائشة «3» من انها قالت: «كنت أفرك المنى من ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم يذهب فيصلي فيه».

فإذا كان هذا مذهب هؤلاء فاذن يتعين حمل الأخبار المذكورة على‌

______________________________
فيه؟ فقال: ما أرى به بأسا. قال: انه يعرق حتى لو شاء ان يعصره عصره؟! قال: فقطب أبو عبد اللّه- ع- في وجه الرجل فقال: ان أبيتم فشي‌ء من ماء فانضحه به» (الوسائل ج 2 ص 1037 الباب 27 من أبواب النجاسات، الحديث 4) و هي ضعيفة بقاسم بن محمد الجوهري فإنه ضعيف أو مجهول و حملت على ارادة الجماع في الثوب، و منشأ السؤال توهم نجاسة بدن الجنب فتتعدى الى الثوب بالعرق- كما لعله يلوح هذا التوهم من بعض الأخبار المذكورة في نفس الباب كحسنة أبي أسامة، الحديث 1.

______________________________
(1) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 17- الطبعة الخامسة.

(2) في سننه ج 2 ص 418.

(3) سنن البيهقي ج 2 ص 416.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 355‌

..........

______________________________
التقية لو تعذر الجمع بينها و بين أخبار النجاسة.

و تأخر زمان هذين عن عصر الإمام الصادق عليه السّلام [1] لا ينافي ذلك، لاحتمال شيوع مستندهما من الروايتين عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قبل زمانهما و وجود العامل بهما من العامة غير هذين [2] و هذا المقدار يكفي في الحمل على التقية.

(أما المسألة الثانية) ففي منى ما لا يؤكل لحمه من الحيوان ذي النفس السائلة سواء كان نجس العين كالكلب و الخنزير، أم طاهرا كالسباع و المسوخ، و نجاسته أيضا إجماعية لا خلاف فيها بيننا و يدل عليها- مضافا إلى ذلك- إطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة «3» لما فيها من قوله: «و ذكر المنى و شدده و جعله أشد من البول» فان ظاهر اللام فيه و في البول كونه للجنس فيشمل مطلق ما يصدق عليه المنى و لو من غير الإنسان و ارادة العهد كي يكون المراد خصوص مني الإنسان خلاف الظاهر لا يصار اليه ما لم تكن هناك قرينة. بل جعله أشد من البول لا يبعد أن يكون قرينة على التعميم و انه نجس من كل حيوان يكون بوله نجسا و إن كان نفس الحيوان طاهرا.

و اعتبار تعدد الغسل في البول لا ينافي أشدية المنى، لأنه يمكن أن تكون أشديته باعتبار ثخنه و لزوجته بحيث يحتاج في إزالته إلى الفرك و‌

______________________________
[1] كانت وفاة الامام الصادق- ع- في سنة 148 ه‍ و قد تولد الشافعي سنة 150 ه‍ و احمد بن حنبل سنة 164 ه‍.

[2] كما يظهر ذلك من مراجعة كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي ج 2 ص 92 و غيره.

______________________________
(3) في ص 348.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 356‌

..........

______________________________
الدلك بالصابون أو اليد و نحوهما، بخلاف البول لسهولة زوال عينه بصب الماء عليه. بل في بعض الروايات [1] ما يشعر بذلك من انه ماء صب عليه الماء.

و لا ينافي الإطلاق المذكور قوله عليه السّلام بعد ذلك: «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة.»‌

(بتوهم)- أن بيان حكم الصلاة في المني يكون قرينة على إرادة منى خصوص الإنسان لندرة ابتلاء الشخص في ثوبه بمنى غيره من الحيوانات فيكون المراد منى نفسه لا محالة و ذلك يوجب صرف الإطلاق في الصدر إليه أيضا. (لاندفاعه) بأن هذا حكم آخر ذكره الامام عليه السّلام بعد الحكم بنجاسة مطلق المنى، و اختصاصه بمنى الإنسان لا يوجب تخصيص الحكم الأول به أيضا.

نعم الروايات التي تكون على وزان الحكم المذكور في ذيل هذه الصحيحة- مما دلت على نجاسة الثوب أو البدن بالمني، أو وجوب إعادة الصلاة إذا صلى في ثوب متنجس به، كالروايات التي تقدمت الإشارة إليها في المسألة الاولى- لا يمكن الاستدلال بها على التعميم، لقوة الانصراف المزبور‌

______________________________
[1] كصحيحة البزنطي قال: «سألته عن البول يصيب الجسد؟ قال: صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء.».

و رواية الحسين ابن ابى العلاء قال: «سألت أبا عبد اللّه- ع- عن البول يصيب الجسد؟ قال: صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء.».

يمكن تضعيفها بحسين ابن ابي العلاء لعدم ثبوت وثاقته و لا حسنه المصطلح الموجب للاعتماد على روايته (الوسائل ج 2 ص 1001 الباب 1 من أبواب النجاسات، الحديث 7 و 4).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 357‌

..........

______________________________
فيها، لاستبعاد ابتلاء الإنسان في ثوبه أو بدنه بمنى غيره من الحيوان حتى أن بعضهم قد ادعى أنها ظاهرة في ذلك كالعيان بحيث لا يحتاج الى البيان
«1» فالمعتمد بعد الإجماع القطعي في المقام صدر الصحيحة المذكورة، و فيها غنى و كفاية. فما في الحدائق «2» من التردد في المسألة: «و أن الأحوط ما ذكروه لأنه لم يقف له على دليل شاف» كما ترى.

بقي شي‌ء، و هو انه قد (يتوهم)- من تفسير «القاموس» للمني بأنه ماء الرجل و المرأة و «الصحاح» بأنه ماء الرجل- عدم شمول الصحيحة لمنى غير الإنسان، لاختصاصه به- لغة- فلا يمكن إثبات نجاسته من غيره بما دل على نجاسة المنى.

و (دفعه) ظاهر، إذ لا نشك في المراد من لفظ المنى لعدم إجماله في لغة العرب كي يرجع فيه الى قول اللغوي، و يلجأ إلى ملاحظة القيود المذكورة فيه، لأن المني عبارة عن الماء الخارج بدفع و قوة عند الشهوة غالبا و يصلح لأن يكون مبدأ لنشوء حيوان آخر، و لا يفرق في ذلك بين الإنسان و غيره كما يرشد الى ذلك قوله عز من قائل: «خلق من ماء دافق» «3» أى الخارج بدفع و قوة، و هذا هو المسمى بالمني خرج من أى حيوان إنسانا كان أم غيره فما وقع في كلامهما محمول على تفسير الجامع بأظهر أفراده كما في أمثاله.

و أما (المسألة الثالثة) ففي منى الحيوان المأكول لحمه، كالشاة و البقر و نحوهما. و الظاهر نجاسته أيضا للإجماع المتقدم المنعقد على نجاسة مني مطلق‌

______________________________
(1) كما في الجواهر ج 5 ص 290 طبعة النجف.

(2) الجزء الخامس ص 33 طبعة النجف.

(3) الطارق 86: 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 358‌

..........

______________________________
الحيوان الذي له نفس سائلة، لنقل الإجماع عن غير واحد من الأصحاب على نجاسة المني من كل حيوان ذي نفس سائلة و إن كان مأكول اللحم
«1» و لو لا الإجماع المزبور يشكل إثبات نجاسته من مأكول اللحم بالروايات لعدم دلالة شي‌ء منها على ذلك.

أما غير صحيحة محمد بن مسلم من الروايات المتقدمة فواضح، لانصرافها أجمع إلى منى الإنسان، كما عرفت.

و أما الصحيحة المذكورة فهي أيضا قاصرة الدلالة، لأنها إنما تدل على نجاسته المنى من كل حيوان يكون بوله نجسا، لأنه- عليه السّلام- جعله أشد من البول و مقتضى صيغة التفضيل اشتراكهما في أصل المبدأ و أرجحية أحدهما على الآخر، و ليس ذلك في المقام إلا النجاسة، فلا تدل الصحيحة على نجاسة المني من حيوان يكون بوله طاهرا كالمأكول لحمه، و لا ينبغي توهم ان ذلك هو مقتضى الأشدية، إذ المناسب حينئذ التعبير بالتوسعة و التعميم، لا الشدة المقتضية للاشتراك في أصل النجاسة- كما ذكرنا.

بل هناك روايتان تدلان على طهارته من مأكول اللحم بحيث لو سلم عموم الصحيحة لزم تخصيصها بهما:

(إحداهما) موثقة عمار «2» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه».

فإن إطلاق الموصول يشمل المنى و غيره.

______________________________
(1) راجع مفتاح الكرامة ج 1 ص 136.

(2) الوسائل ج 2 ص 1011 الباب 9 من أبواب النجاسات، الحديث 12.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 359‌

..........

______________________________
(ثانيتهما) موثقة ابن بكير
«1» لقوله عليه السّلام فيها: «فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي‌ء منه جائز.» فإن عموم «كل شي‌ء» يشمل منيه، فلو كان نجسا لم تجز الصلاة فيه.

نعم: يشكل الثانية بأنها في مقام البيان من حيث جواز الصلاة في اجزاء مأكول اللحم لا من جميع الجهات، فلا ينافي المنع من جهة أخرى، و من هنا لا ينافيه ما دل على نجاسة دمه و عدم جواز الصلاة فيه من حيث النجاسة مع أن عموم «كل شي‌ء منه» يشمل الدم أيضا، و بذلك يرتفع التنافي بينهما و بين ما لو دل دليل على نجاسة منيه أيضا هذا، و لكن موثق عمار قوي الدلالة على الطهارة، إلا انه لا بد من الخروج عن إطلاقه بالإجماع القائم على نجاسة المني من كل حيوان ذي نفس سائلة- كما ذكرنا.

و أما (المسألة الرابعة) ففي منى حيوان لا نفس سائلة له سواء أ كان محلل الأكل- كالسمكة- أو محرمة- كالحية- بناء على عدم وجود نفس سائلة لها. المشهور بل ادعى الإجماع «2» على طهارته منه، و لم ينقل الخلاف فيه صريحا من أحد سوى أن المحقق تردد في حكمه أولا ثم اختار الطهارة، و هو الصحيح لعدم قيام دليل على نجاسته منه لا من الروايات، لانصراف غير صحيحة محمد بن مسلم إلى منى الإنسان، و أما هي فقد عرفت اختصاصها بحيوان يكون بوله نجسا فلا تكون شاملة لذي النفس المأكول اللحم- كما ذكرنا في المسألة الثالثة- فكيف بما لا نفس له، و لا من الإجماع كيف و قد ادعى الإجماع على الطهارة فيه فاذن يكون المرجع قاعدة الطهارة. بل يمكن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 3 ص 249 الباب 1 من أبواب لباس المصلى، الحديث 1.

(2) كما عن الرياض و مجمع البرهان على ما في الجواهر ج 5 ص 292 طبعة النجف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 360‌

و أما المذي و الوذي و الودي فطاهر (1) من كل حيوان

______________________________
اقامة الدليل على طهارته منه، و هو ما أقمناه دليلا على طهارة بوله من مفهوم قوله عليه السّلام: «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة»
«1» فإن إطلاقه يشمل ما لا نفس له بجميع شؤونه و لو بخروج ما في جوفه من البول و المنى و غيرهما، و ملاقاته للماء.

المذي و الوذي و الودي

(1) أما المذي- و هو الماء الخارج عقيب الشهوة- فالمشهور فيه بل ادعى إجماعنا على طهارته، و لم ينقل الخلاف فيه إلا عن ابن الجنيد، فإنه قال بنجاسته و ناقضيته للوضوء و لعله استند في خصوص نجاسته الى روايتين لحسين ابن أبى العلاء يأتي ذكرهما، إلا أن قوله مردود بالإجماع على خلافه، و بالروايات المستفيضة الدالة على الطهارة الموجبة للخروج عن ظاهر تلك الروايتين، أو لحملهما على التقية كما ستعرف.

و قد أطبقت مذاهب العامة الأربعة [1] على نجاسة المذي و الودي، و لا يقضى العجب من الشافعي و أحمد كيف ذهبا إلى طهارة المنى و نجاسة هذين بل أعجب من ذلك ما عن أبي حنيفة [2] من قوله بنجاسة مطلق ما‌

______________________________
[1] كما في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (ج 1 ص 17- الطبعة الخامسة) حيث انه عد من النجاسات «المذي و الودي» نعم في ذيل الصفحة عن الحنابلة انهم قالوا بطهارتهما إذا كانا من مأكول اللحم.

[2] في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (ج 1 ص 16 من تلك الطبعة) ما نصه: «الحنفية قالوا:

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1051 الباب 35 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 361‌

..........

______________________________
يسيل من البدن حتى الدمعة إذا كانت لعلة لا من البكاء و لعلهم توهموا نجاسة المذي و الودي بسبب خروجهما عن مجرى البول، و لم يلتزم الشافعي و أحمد بذلك في المني للروايتين عن النبي صلّى اللّه عليه و آله
«1» إلا انه توهم فاسد، لأن الملاقاة في الباطن لا توجب النجاسة، كما عرفت. و كيف كان فلنعطف الكلام على مذهبنا الذي هو الصحيح و هو القول بطهارة «المذي» لدلالة الأخبار الكثيرة عن أهل البيت عليهم السلام عليه و فيها المعتبرات.

(منها)- صحيحة ابن أبى عمير «2» عن غير واحد من أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس في المذي من الشهوة، و لا من الإنعاظ، و لا من القبلة، و لا من مس الفرج، و لا من المضاجعة وضوء، و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد».

و (منها)- صحيحة زيد الشحام و زرارة و محمد بن مسلم «3» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودى و‌

______________________________
- إن ما يسيل من البدن غير القيح و الصديد إن كان لعلة و لو بلا ألم فنجس، و إلا فظاهر و هذا يشمل النفط- و هي القرحة التي امتلأت و حان قشرها- و ماء السرة و ماء الاذن و ماء العين، فالماء الذي يخرج من العين المريضة نجس و لو خرج من غير ألم كالماء يسيل بسبب الغرب- و هو عرق في العين يوجب سيلان الدمع بلا ألم.

و الشافعية: قيدوا نجاسة السائل من القروح غير الصديد و الدم بما إذا تغير لونه أو ريحه، و إلا فهو طاهر كالعرق».

______________________________
(1) كما قدمناهما في ص 354.

(2) الوسائل ج 1 ص 191 الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2.

(3) الوسائل ج 1 ص 196 الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2 و ذيله.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 362‌

..........

______________________________
أنت في الصلاة فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة و لا تنقض له الوضوء و إن بلغ عقبيك فإنما ذلك بمنزلة النخامة.»‌

و (منها)- حسنة زيد الشحام «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المذي ينقض الوضوء؟ قال: لا و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد إنما هو بمنزلة البزاق و المخاط». و نحوها غيرها [1].

نعم بإزائها حسنتان لحسين ابن أبي العلاء ظاهرهما نجاسة «المذي» و لعله استند إليهما ابن جنيد في القول بالنجاسة.

(إحداهما)- ما رواه [2] الشيخ عنه انه قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب؟ قال: إن عرفت مكانه فاغسله، و إن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كله».

(ثانيتهما)- ما رواه «4» عنه أيضا انه قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب فيلتزق به؟ قال يغسله و لا يتوضأ».

و قد حملهما الأصحاب- و منهم الشيخ «قده»- على الاستحباب جمعا‌

______________________________
[1] و هي كثيرة مروية في الوسائل في البابين المتقدمين و الباب 16 و 17 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1021 و 1023، فراجع.

[2] الوسائل ج 2 ص 1024 الباب 17 من أبواب النجاسات، الحديث 3.

يمكن المناقشة في سندها و ما بعدها بحسين ابن ابي العلاء فإنه لم تثبت وثاقته و لا حسنه المصطلح الموجب للاعتماد على رواياته و ان حاول بعضهم جعله من الحسان لو لم يكن من الثقات.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 196 الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 5.

(4) الوسائل ج 2 ص 1023 الباب 17 من أبواب النجاسات، الحديث 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 363‌

..........

______________________________
بينهما و بين ما دل من الروايات الكثيرة على الطهارة صريحا و قد تقدم بعضها.

و ربما يؤيد الحمل المذكور برواية ثالثة لنفس الراوي و هي ما رواه «1» الشيخ أيضا عن حسين ابن أبى العلاء قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب؟ قال: لا بأس به، فلما رددنا عليه قال: ينضحه بالماء». فإن قرينة الاستحباب فيها ظاهرة، لأن الأمر بالنضح- بعد نفى البأس عنه- إنما كان بإصرار من السائل و تكراره السؤال على الامام عليه السّلام.

و مثلها في التأييد للحمل المذكور من جهة اشتماله على الأمر بالنضح بالماء دون الغسل معلقا له على المشيئة.

صحيحة محمد بن مسلم «2» عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن المذي يصيب الثوب؟ قال: ينضحه بالماء إن شاء.».

هذا و لكن يشكل الحمل على الاستحباب بما ذكرناه في أمثال المقام من أن الأمر فيه بالغسل إرشاد إلى نجاسة المغسول لا مولوية فيه كي يخرج عن ظهوره في الوجوب الى الاستحباب بقرينة.

بل يتعين حمل الروايتين في المقام على التقية، لما عرفت من اطباق المذاهب الأربعة على نجاسة «المذي» فالمعول هي روايات الطهارة.

و أما «الوذي»- و هو ما يخرج بعد المنى- و «الودي»- و هو ما يخرج‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1023 الباب 17 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

(2) الوسائل ج 2 ص 1023 الباب 17 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 364‌

..........

______________________________
بعد البول [1]- فلم يدل على نجاستهما دليل من الأخبار و لا من غيرها فمقتضى الأصل فيهما الطهارة.

بل يستدل لها بما دل من الأخبار [2] على طهارة البلل المشتبه الخارج بعد الاستبراء من المنى و البول إذ لو كان مطلق ما يخرج من المجرى نجسا لم يكن مجال لاحتمال طهارة الخارج.

بل صريح صحيحة زيد الشحام المتقدمة «3» طهارة «الودي» هذا مذهبنا.

و أما العامة فذهبوا الى القول بنجاسة «الودي» «4» على ما عرفت.

______________________________
[1] في مرسلة ابن رباط (في حديث): «و اما المذي فيخرج من شهوة و لا شي‌ء فيه، و اما الودي فهو الذي يخرج بعد البول، و اما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء و لا شي‌ء فيه» (الوسائل ج 1 ص 197 الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 6) و الأدواء جمع داء و هي العلة و المرض.

و في المجمع: «الوذي بالذال المعجمة ما يخرج عقيب إنزال المني» و لا منافاة لاحتمال تعدد السبب، و اما المذي و الودي فقد فسرا في اللغة بما ذكر في المرسلة كما يظهر ذلك من بعض الأخبار ايضا، و لعلنا نبسط المقال في ذلك في بحث نواقض الوضوء ان شاء اللّه تعالى.

[2] كصحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه- ع- في الرجل يبول قال ينتره ثلاثا ثم ان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» (الوسائل ج 1 ص 200 الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 3).

و رواية عبد الملك بن عمرو، الوسائل ج 1 ص 200 الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء، ح 2.

و نحوهما غيرهما في الباب المذكور.

______________________________
(3) في ص 360.

(4) كما في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (ج 1 ص 17- الطبعة الخامسة).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 365‌

إلا نجس العين (1) و كذا رطوبات الفرج (2) و الدبر (3) ما عدا البول و الغائط.

______________________________
(1) لنجاسته بجميع أجزائه- على ما هو ظاهر أدلة نجاسته.

حكم الرطوبات

(2) للأصل مضافا الى صحيحة إبراهيم ابن أبى محمود «1» قال:

«سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن المرأة عليها قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج، و هي جنب أ تصلى فيه؟ قال: إذا اغتسلت صلت فيهما».

و هذا أيضا مما لا خلاف فيه بيننا. نعم حكى عن بعض العامة «2» القول بنجاستها معللا بخروجها من مجرى النجاسة، و فيه منع ظاهر.

(3) للأصل، مضافا الى ما في ذيل صحيحة زيد الشحام المتقدمة «3» من قوله عليه السّلام: «و كل شي‌ء خرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل أو من البواسير فلا تغسله من ثوبك إلا أن تقذره».

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أن مطلق ما يخرج من المخرجين طاهر سوى البول و الغائط و المنى و الدم.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1077 في الباب 55 من أبواب النجاسات، ح 1.

(2) لاحظ مفتاح الكرامة ج 1 ص 138.

(3) في ص 361.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net