فصل وجوب إزالة النجاسة عن المشاهد المشرفة و المصحف الشريف 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌4   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7554

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌4، ص: 93

[فصل وجوب إزالة النجاسة عن المشاهد المشرفة و المصحف الشريف]

______________________________
وجوب إزالة النجاسة عن المشاهد المشرفة و المصحف الشريف‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 94‌

..........

______________________________
وجوب إزالة النجاسة عن المشاهد المشرفة.

عدم الفرق بين الضرائح و ما عليها من الثياب و سائر مواضعها إلّا في التأكد.

وجوب إزالتها عن خط المصحف الشريف و ورقه.

حرمة مسّ خطه أو ورقه بالعضو المتنجس مع الهتك.

حرمة كتابة القرآن بالمركّب النجس.

حرمة إعطاء القرآن بيد الكافر.

حرمة وضع القرآن على النجس.

وجوب إزالة النجاسة عن التربة الحسينيّة.

حكم وقوع ورق القرآن في البالوعة.

تنجيس مصحف الغير يوجب الضمان.

وجوب تطهير المصحف كفائي.

توقف تطهير مصحف الغير على إذنه.

وجوب إزالة النجاسة على المأكول و عن ظروف الأكل و الشرب.

حكم الانتفاع بالأعيان النجسة و المتنجسات.

حرمة التسبيب لأكل الغير أو شربه النجس.

حرمة سقي الأطفال المسكرات.

حكم سقيهم المتنجسات.

حكم إعلام الضيف بنجاسة موضع من البيت أو الفرش أو غير ذلك.

إذا استعار ظرفا أو فرشا فتنجس عنده.

من المسألة «20» إلى المسألة «35»

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 95‌

[ (مسألة 20): المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس]

(مسألة 20): المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس (1)، بل وجوب الإزالة إذا كان تركها هتكا، بل مطلقا على الأحوط، لكن الأقوى عدم وجوبها مع عدمه.

______________________________
(1)
حرمة تنجيس المشاهد المشرفة ألحق جماعة من الأعلام، كالشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم- على ما حكي عنهم- «1» المشاهد المشرفة بالمساجد في وجوب إزالة النجاسة عنها و حرمة تنجيسها، و يظهر من المصنف «قده» التفصيل بين الحكمين، فالتزم بحرمة التنجيس دون وجوب الإزالة، إلّا إذا كان تركها هتكا. فيقع البحث في أنّه هل هناك ملازمة بين الحكمين أم لا؟ و لتوضيح الحال لا بدّ من التكلم في مسائل ثلاث:

الأولى: فيما إذا استلزم التنجيس أو ترك الإزالة هتك المشاهد المشرفة، كما في تلويثها بنجاسات كثيرة. و لا إشكال حينئذ في حرمة التنجيس و وجوب الإزالة كالمساجد، لأنّ المشاهد المشرفة من شعائر اللّه تعالى «2» و حرماته «3»، و لا إشكال في حرمة هتكها و لو لم يكن تعظيمها واجبا بجميع مراتبه، و كما أنّ التنجيس يكون هتكا كذلك يكون إبقاء النجاسة فيها بترك إزالتها هتكا، فلا بدّ من رفعه و دفعه. و من هنا يظهر: أنّه لا يختص الحكم بالنجاسة، بل يعمّ غيرها و لو مثل القذارات العرفيّة- كالمخاط و نحوه- لوحدة الملاك في الجميع.

المسألة الثانية: فيما إذا لم يستلزم التنجيس أو بقاء النجاسة فيها هتك الحرمة كما إذا أصاب يده المتنجسة أرض الحرم أو حائطه من دون تلويث. و‌

______________________________
(1) كما في الجواهر: ج 6 ص 98 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 586.

(2) و قد قال اللّه تعالى وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ الحج: 33.

(3) و قد قال اللّه تعالى ذٰلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُمٰاتِ اللّٰهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ. الحج: 31.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 96‌

..........

______________________________
الأظهر حرمة التنجيس، لا لأجل الإلحاق بالمساجد، لعدم الدليل على الإلحاق تعبدا، بل لكونه تصرفا في الوقف الخاص- الذي هو ملك للإمام عليه السّلام، للوقف عليه لأنّ يزار فيه، أو للمسلمين من جهة الإمام عليه السّلام أي كان الوقف عليهم لأنّ يزوروا فيه الإمام عليه السّلام- تصرفا منافيا لجهة الوقف، لأنّ الرّواق أو الحرم الشريف معدّان للصلاة و العبادة فيهما، فتنجيسهما ينافي جهة الوقف لمعرضيّتهما حينئذ لتنجيس بدن المصلّين أو لباسهم بالملاقاة مع الرطوبة. فالمشاهد المشرّفة أولى بحرمة التنجيس من المساجد، لأنّ حرمته فيها إنّما تكون على القاعدة و لا تحتاج إلى دليل خاص للحاظ الطهارة في وقفها الخاص، و هذا بخلاف المساجد فإنّ الوقف فيها تحرير للملك عن رقبة الملكية، فتكون نظير المباحات الأصليّة ليست ملكا لأحد حتى يحرم التصرف فيه في غير الجهة المعدّة لها، فيحتاج الحكم فيها إلى ورود دليل خاص على حرمة تنجيسها. فحكم المشاهد المشرفة حكم فرش المسجد دون نفسه.

و من هنا يظهر الفرق بين حرمة التنجيس و وجوب الإزالة و أنّه لا ملازمة بينهما، فيمكن التفصيل بينهما، بالالتزام بالأوّل دون الثاني. فلو نجّس الحرم الشريف طفل أو مجنون أو مكلف لا يجب التطهير على الآخرين، لعدم تصرفهم في الوقف، و لا دليل يدل على توجه التكليف إليهم تعبدا. و لأجله فصّل المصنف «قده» بين الحكمين.

فظهر مما ذكرناه: أنّه ليس الوجه في حرمة التنجيس هي المهانة حتّى يستشكل حرمة النجاسة اليسيرة لعدم حصول المهانة بها، بل الوجه فيها ما ذكرناه من كونه تصرفا في الوقف الخاص على غير جهته. كما ظهر الفرق بين حرمة التنجيس و وجوب الإزالة، فلا وجه أيضا للاستشكال فيه بتوهم: أن ما يكون إحداثه مهانة يكون بقاؤه كذلك، لعدم الفارق بين الحدوث و البقاء.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 97‌

..........

______________________________
وجه الاندفاع: هو أنّ المهانة ليست هي المستند لحرمة التنجيس- في صورة عدم الهتك- بل هو التصرف في الوقف الخاص، و هو مما يختص بالتنجيس، فلا موجب لوجوب الإزالة إذا كان المنجس غير هذا الشخص. و من هنا يتضح الحال في:

المسألة الثالثة، و هي في وجوب الإزالة فيما إذا كان السبب لتنجيس الحرم الشريف غيره، كطفل أو غيره. فإنّ الأظهر فيها عدم الوجوب لعدم الدليل عليه، فإنّ دليل وجوب الإزالة عن المساجد لا يشملها، لا بعنوانها لعدم كونها مساجد، و لا بمناطها لعدم القطع بالمناط بل غايته الظن و هو مما لا يغني في مقام الإفتاء شيئا لعدم العلم بملاكات الأحكام التعبدية.

نعم قد يستدل لذلك بوجوب تعظيم شعائر اللّه تعالى. و الجواب عنه: أنّه لا دليل على وجوب تعظيمها بجميع مراتبها بل إنّ ذلك ممّا يتبع الدليل الخاص، كما ورد في الصفا و المروة فقد قال اللّه تعالى إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا «1» فلا يمكن التعدي إلى غير المورد إلّا بدليل. بل إنّا نقطع بعدم وجوب بعض مراتبه ككنس القذرات العرفية من المشاهد المشرفة- لا سيما في أيام الزيارات- إذ لا إشكال في أنّها من تعظيم الشعائر، إلّا أنّها لا تجب قطعا. ككنس المسجد و نحو ذلك مما استقرت السيرة على عدم وجوبه.

فتحصل: أنّ الأظهر عدم وجوب الإزالة و صحة القول بعدم الملازمة بين الحكمين في المشاهد المشرفة، و إن كان الاحتياط حسنا وفاقا لجمع من و الأصحاب.

______________________________
(1) البقرة: 157.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 98‌

لا فرق فيها بين الضرائح و ما عليها من الثياب و سائر مواضعها إلّا في التأكد و عدمه (1).

[ (مسألة 21): تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف و خطه]

(مسألة 21): تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف و خطه بل عن جلده و غلافه مع الهتك (2)، كما أنّه معه يحرم مس خطه أو ورقه بالعضو المتنجس و إن كان متطهرا من الحدث. و أما إذا كان أحد هذه بقصد الإهانة فلا إشكال في حرمته.

______________________________
لا فرق فيما ذكرناه من التفصيل بين الحكمين في صورة عدم الهتك و ثبوتهما في صورة الهتك بين الضرائح و ما عليها من الثياب و سائر مواضعها إلّا في التأكد و عدمه، لأنّ جميع ذلك من الموقوفات التي يحرم التصرف فيها بغير الجهة الموقوفة عليها. و أيضا من شعائر اللّه التي يحرم هتكها، و ما يكون أقرب يكون أولى بالتعظيم. فتعظيم الحرم الشريف أولى من الرواق، كما أنّ تعظيم الضريح أولى من الحرم، و تعظيم نفس القبر أولى من الضريح الموضوع عليه. و هذا ظاهر.

(2) إزالة النجاسة عن المصحف الشريف لا بدّ من التكلم في مسائل ثلاث أشار إليها في المتن.

الأولى: فيما إذا استلزم تنجيس ورق المصحف الشريف أو خطه أو جلده أو غلافه هتك حرمة الكتاب العزيز، أو كان ترك الإزالة عن أحد المذكورات- و لو كان التنجيس بفعل الغير أو بأمر غير اختياري- موجبا لذلك. و لا إشكال في حرمة التنجيس في هذه الصورة و وجوب الإزالة، للقطع بحرمة هتك القرآن الكريم حدوثا و بقاء، فكما يحرم هتكه يجب رفع الهتك عنه جزما. بل لا يختص حرمة الهتك بالتنجيس فإنّه يعم كل ما يوجب الهتك و لو بمثل البصاق عليه أو تلويثه بالمخاط أو نحو ذلك، بل بعض مراتبه‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 99‌

..........

______________________________
يؤدي إلى الكفر
«1»، و هذا كما إذا كان تنجيسه أو ترك الإزالة عنه بعنوان أنّه كتاب اللّه تعالى المنزل على نبيه صلّى اللّه عليه و آله، استخفافا و استهانة بالدين لا بشخص هذا القرآن، و إلّا فيحرم فقط.

المسألة الثانية: فيما إذا لم يستلزم التنجيس أو ترك التطهير هتك القرآن، بل كان مجرد النجاسة فقط، كما إذا مسّ ورقه بيده المتنجسة مع الرطوبة من دون تلويثه بشي‌ء، فهل يحرم الأوّل و يجب الثاني أم لا؟ الظاهر العدم كما هو ظاهر المتن، حيث أنّه قيد وجوب الإزالة بصورة الهتك. و ذلك لعدم الدليل على شي‌ء من الحكمين في خصوص المصحف الكريم بعنوانه الأوّلي، و أما عنوان تعظيم الشعائر فلم يثبت وجوبه بجميع مراتبه، كما ذكرنا.

هذا كله في غير خط المصحف، من ورقه، أو جلده، أو غلافه. إذ لا دليل على حرمة التنجيس و وجوب الإزالة في شي‌ء من ذلك و إن اكتسب الشرافة و الحرمة بإضافته إلى الكتاب العزيز، إلّا أنّ الأحوط ذلك خروجا عن خلاف من قال بإلحاقه بالمساجد في ثبوت الحكمين «2».

و أما خطه فهل يلحق بورقه في عدم ثبوت الحكمين فيه أو لا؟

الظاهر هو الإلحاق، لعدم الدليل أيضا، إلّا أنّ المحكي عن شيخنا الأنصاري «قده» الاستدلال على وجوب الإزالة عنه بفحوى حرمة مسّ المحدث له، المدلول عليها بقوله تعالى لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «3»- و لو بمعونة ما روي‌

______________________________
(1) و من هنا ذكر- دام ظله- في تعليقته على قول المصنف «قده»:- «تجب الإزالة»- إنّ «المصحف- أو غيره مما ثبت احترامه في الشريعة المقدسة- لا ريب في حرمة هتكه مطلقا، بل لا يبعد أن يكون بعض مراتبه موجبا للكفر. و أما الأحكام المذكورة في المتن فهي بإطلاقها عند عدم تحقق الهتك مبنية على الاحتياط».

(2) الجواهر ج 6 ص 98، و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 586.

(3) الواقعة: 80.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 100‌

..........

______________________________
في بعض الروايات
«1» من الاستدلال على حرمة مسّ المحدث للمصحف بالآية الكريمة- بدعوى: أنّه لو كان مسّ المحدث لخط المصحف الشريف حراما- مع فرض طهارة يده و عدم استلزامه تلويثه بشي‌ء من النجاسات- كان تنجيسه حراما بالأولويّة القطعيّة. بل و كذا وجوب الإزالة عنه لو تنجس.

و فيها أوّلا: أنّه لا ملازمة بين حرمة مسّ المحدث لخط المصحف و حرمة تنجيس المتطهر له، إذ لا علم لنا بملاكات الأحكام الشرعية، و من المحتمل وجود خصوصيّة في المحدث تقتضي المنع فيه و لم تكن تلك الخصوصية في المتطهر و إن أوجب مسّه التنجيس. و بعبارة أخرى: أنّ المطهرون صفة للإنسان لا العضو من البدن، و ثبوت حرمة المسّ على الشخص المتصف بعدم الطهارة لا يلازم ثبوت حرمة مسّ العضو المتنجس من الشخص المتطهر و إن أوجب السراية، فضلا عن الأولويّة.

و ثانيا: إنّه لو تمت الأولويّة بالتقريب المتقدم لتمت في خصوص حرمة التنجيس دون وجوب الإزالة لو كان التنجيس بفعل الغير، فكما يحرم مسّ المحدث لخط المصحف يحرم تنجيس خطه بالأولويّة، و أين هذا من وجوب تطهيره لو تنجس؟ فلا بدّ من التفصيل بين الحكمين، فإنّ الاستدلال بالأولويّة على الحكم الثاني غير تام. و بعبارة أخرى: إنّما يتم الفحوى على وجوب الإزالة، كما نسب إلى شيخنا الأنصاري «قده» لو دلت الآية الشريفة على وجوب حفظ المصحف عن أن يمسّه غير المتطهر و إن لم يكن مكلفا-

______________________________
(1) عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «المصحف لا تمسه على غير طهر، و لا جنبا، و لا تمس خطه، و لا تعلقه، إنّ اللّه تعالى يقول لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ.» الوسائل: ج 1 ص 269 في الباب: 12 من أبواب الوضوء. الحديث: 3، و نحوه الحديث: 5 في نفس الباب. و هي رواية مجمع البيان.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 101‌

..........

______________________________
لصغر، أو جنون، أو غفلة و نحو ذلك- بحيث كان يجب على المكلفين منع الغير عن مسّ المصحف على غير طهر، كما يحرم ذلك على المكلف نفسه، لجواز أن يقال حينئذ: إنّه كما يجب حفظه عن مسّ غير المتطهر يجب حفظه عن النجاسة حدوثا و بقاء بالأولويّة القطعيّة، فكما يحرم تنجيسه يجب تطهيره لو تحققت النجاسة بفعل الغير. إلّا أنّه لا إطلاق للآية الكريمة على هذا الوجه، لترتب الحرمة فيها على غير المتطهر ترتب الحكم على موضوعه، فكل محدث يحرم عليه المسّ ما لم يتطهر. و أما وجوب منع الغير عن مسّه محدثا فخارجة عن مدلول الآية الكريمة، كما أنّه لم يثبت هذا الحكم من الخارج أيضا.

فدعوى الفحوى بالنسبة إلى وجوب الإزالة عن المصحف بحرمة مسّ المحدث له مما لا شاهد عليها و لا دليل.

ثم إنّ الآية الكريمة- مع قطع النظر عن الروايات المفسّرة لها بحرمة مسّ المحدث للكتاب العزيز- أجنبية عن حكم المقام رأسا، فضلا عن دلالتها عليه بالأولويّة. و ذلك لأنّ المذكور فيها: «المطهرون» بالتخفيف في الطاء، و هو اسم مفعول من طهّره من باب التفعيل، فيكون المراد من طهّره الغير، مع أنّ المناسب لو كان المراد هو المغتسل من الحدث الأكبر و المتوضي من الحدث الأصغر التعبير ب‍ «المتطهّرون» من باب التفعّل، أو «المطهّرون» بالتشديد في الطاء، إدغاما للتاء بعد تبديله طاء، مع أنّ القراءة هي التخفيف فيه. فإذا لا تدل الآية الكريمة- في نفسها- على حرمة مسّ المحدث الكتاب العزيز رأسا. بل هي في مقام بيان أمر آخر. و لعلّها تشير إلى قوله تعالى:

إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1»،

______________________________
(1) الأحزاب: 34.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 102‌

..........

______________________________
فيكون المراد: أنّه لا يعرف القرآن بماله من البواطن و الخصوصيّات إلّا أهل بيت العصمة الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا، فيكون المسّ كناية عن معرفة الكتاب العزيز بما له من الشؤون الظاهريّة و الباطنيّة و غير ذلك، و أنّ من سواهم لا يعرف إلّا ظاهره فقط إلّا بدلالة منهم عليه السّلام.

و أما ما ورد في بعض الروايات «1» من الاستدلال فيها بالآية الكريمة على حرمة مسّ المحدث للقرآن العزيز- فمع الغض عن سندها لا بدّ من حملها على التأويل دون التطبيق، لمخالفتها لظاهر الآية الكريمة- كما عرفت- فلا بدّ من الاقتصار على موردها من حرمة مسّ المحدث دون مسّه بالعضو المتنجس و إن كان الماسّ متطهرا من الحدث، أي أنّه لا بدّ من تخصيص الآية بالطهارة من الحدث دون الخبث. و من ذلك يعلم الحال في:

المسألة الثالثة: و هي في حرمة مسّ كتابة القرآن بالعضو المتنجس من دون سراية إليها إذ لا دليل عليها سوى توهم عموم المنع في الآية بالنسبة إلى الطهارتين الحدثيّة و الخبثية إلّا أنك قد عرفت منع العموم، إذ غاية ما هناك تطبيق الآية على الطهارة من الحدث بمعونة الروايات، مع ارتكاب خلاف الظهور فيها إذا لا يسعنا التعدي إلى الطهارة عن الخبث، فمقتضى القاعدة هو جواز المسّ بالعضو المتنجس. إلّا أنّ الأحوط تركه- كما في نظيرها- خروجا عن خلاف القائلين بالحرمة.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن أحد هذه الأمور بقصد الإهانة. و إلّا فلا إشكال في الحرمة فيما إذا قصد الإهانة بشخص هذا المصحف، بل لا إشكال في‌

______________________________
(1) تقدمت في تعليقة ص 89 و رواية إبراهيم ضعيفة بعلي بن محمد بن الزبير في طريق الشيخ إلى ابن فضال و بإهمال ذكر جعفر بن محمد بن أبي الصباح في كتب الرجال و بعدم توثيق لجعفر بن محمد بن حكيم إلّا أنّه من رجال كامل الزيارات ب 81 ح 2 فتأمّل، و رواية المجمع مرسلة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 103‌

[ (مسألة 22): يحرم كتابة القرآن بالمركب النجس]

(مسألة 22): يحرم كتابة القرآن بالمركب النجس (1)، و لو كتب جهلا أو عمدا وجب محوه، كما أنّه إذا تنجس خطه و لم يمكن تطهيره يجب محوه.

[ (مسألة 23): لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر]

(مسألة 23): لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر (2)، و ان كان في يده يجب الأخذ منه.

______________________________
الكفر إذا كان من قصده إهانة الدين و لو بمسّ العضو المتنجس من دون سراية النجاسة أو بغير ذلك مما يوجب الإهانة.

(1) قد عرفت مما ذكرناه في المسألة السابقة أنّه لا دليل على ذلك بخصوصه إلّا إذا استلزم الهتك أو قصد الإهانة. و أما الآية الكريمة لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «1» فقد ذكرنا «2» أنّها أجنبية عن اشتراط جواز المس بالطهارة بل هي في مقام بيان أمر آخر. نعم بملاحظة الروايات- التي استشهد فيها بها لذلك- يمكن الاستدلال بها لو تم سندها، إلّا أنّ موردها الطهارة من الحدث فلا تعم الخبث. على أنّ مدلول الآية حرمة المس، و استفادة عموم الحكم لكتابة القرآن بالمركب النجس لا يخلو من تكلف و إشكال. فتحصل:

أنّه لا دليل على ما ذكره المصنف «قده» من حرمة كتابته به، و كذا باقي ما ذكره في المتن، إلّا أنّ الأحوط ذلك، خروجا عن خلاف القائل بها.

(2) إعطاء المصحف بيد الكافر حرمة إعطاء المصحف بيد الكافر، و كذا وجوب أخذه منه لو كان في يده مما لم يرد فيهما دليل بالخصوص، نعم لو استلزم ذلك الهتك أو المهانة في حق القرآن العظيم فلا إشكال في الحكمين.

______________________________
(1) الواقعة: 80.

(2) في الصفحة: 101- 102.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 104‌

..........

______________________________
و أما مع عدمهما فقد يتوهم: أنّ إعطاء المصحف بيد الكافر إعانة على الإثم، لأنّه مظنّة تنجيسه بيده أو مسّه بعضو منه، فيحرم الإعطاء و إن كان في يده يجب الأخذ منه دفعا للمنكر. و الحاصل: أنّ الإعطاء حرام لأنّه إعانة على الإثم و الأخذ منه واجب لأنّه دفع للمنكر.

و يندفع ذلك: بمنع الصغرى و الكبرى، أما منع الصغرى فلعدم التنجيس أو المس منه دائما، إذ قد يحصل العلم بعدم مباشرته له بيده النجسة، كما إذا أخذه الكافر للوضع في مكتبته. بل قد يكون الإعطاء راجحا، و ذلك فيما إذا كان الكافر بصدد الاهتداء و الاسترشاد بمعارف القرآن و الاطلاع على إعجازه، و لعلّه يكون موجبا لإسلامه- كما اتفق ذلك كثيرا- مع فرض العلم بأنّه لا ينجسه أو لا يمسّه. و لا أقل من الشك في ذلك الموجب للشك في الصغرى. و الحاصل: إنّه لا علم بالتنجيس أو المسّ دائما كي يكون الإعطاء إعانة على الإثم و الأخذ دفعا للمنكر بل قد يعلم العدم نعم لو علم بالتنجيس أو المسّ فالصغرى محققة.

و أما منع الكبرى فلما ذكرناه في محله «1» من عدم تحقق دليل على حرمة الإعانة على الإثم و إنّما ثبت الدليل على حرمة التعاون في الإثم. هذا بالنسبة إلى إعطاء المصحف للكافر، و أما بالنسبة إلى وجوب الأخذ منه لو كان في يده فلأنّه لا دليل أيضا على كبرى وجوب منع الكافر أو نهيه عن المنكر و لو قلنا بأنّه مكلف بالفروع كالمسلم، لأنّ الكافر الذمّي- أي الذي يعيش في بلاد المسلمين- يقرّ على مذهبه، و ليس من مذهبه حرمة تنجيس القرآن أو مسّه بالعضو النجس، و إلّا لوجب أخذ سائر الكتب السماويّة-

______________________________
(1) في بحث المكاسب المحرمة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 105‌

[ (مسألة 24): يحرم وضع القرآن على العين النجسة]

(مسألة 24): يحرم وضع القرآن على العين النجسة (1)، كما أنّه يجب رفعها عنه إذا وضعت عليه و إن كانت يابسة.

[ (مسألة 25): يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية]

(مسألة 25): يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية (2)، بل عن تربة الرسول و سائر الأئمة- صلوات اللّه عليهم- المأخوذة من القبر الشريف، أو من الخارج إذا وضعت عليه بقصد التبرك و الاستشفاء.

______________________________
كالتوراة و الإنجيل، بل سائر الكتب المشتملة على أسماء اللّه تعالى و أسماء أنبياءه كنهج البلاغة و كتب الأحاديث و غير ذلك- منه لعدم جواز مسّ الأسماء على غير طهر و طهارة، مع أنّه لم يلتزم أحد بذلك. كما أنّهم لم يلتزموا بوجوب نهيه عن شرب الخمر لو لم يتجاهر به لعدم كونه منكرا عنده، و نحوه سائر المحرمات الإسلاميّة الجائزة في سائر الشرائع.

فتحصل: أنّ حرمة إعطاء المصحف للكافر و وجوب أخذه منه لو كان في يده يدوران مدار الهتك و الإهانة، و مع عدمهما فلا محذور.

(1) لم يرد بهذا العنوان دليل أيضا كما في المسألة السابقة. نعم لو استلزم ذلك هتك حرمة القرآن، كما إذا وضع على العذرة اليابسة- و العياذ باللّه- كان حراما بلا إشكال، و أما مع عدمه- كما إذا وضعه على صندوق أو رحل مصنوع من جلد الميتة- فلا دليل على الحرمة، و إن كان الأحوط الترك. هذا إذا لم يستلزم التنجيس و إلّا ففيه الكلام المتقدم في (مسألة 21).

و لعل نظر المصنف «قده» في الحكم بالحرمة مبني على صورة الهتك و الإهانة.

(2) حكم التربة الحسينية لا إشكال في أنّ التربة المأخوذة من قبور المعصومين عليه السّلام بقصد التبرك أو الاستشفاء أو الصلاة عليها محترمة، و لا سيما تربة قبر‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 106‌

و كذا السبحة و التربة المأخوذة بقصد التبرك لأجل الصلاة (1).

[ (مسألة 26): إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء]

(مسألة 26): إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء أو بالوعته وجب إخراجه (2) و لو بأجرة (3)، و إن لم يمكن فالأحوط و الأولى سد بابه و ترك التخلي فيه إلى أن يضمحل (4).

______________________________
الحسين عليه السّلام
«1»، إلّا أنّه لا دليل على حرمة تنجيسها، أو وجوب تطهيرها بعنوانها الأولى. نعم لو استلزم التنجيس هتك الحرمة حرم، و كذا لو استلزمه ترك التطهير وجب إلّا أنّ الأحوط ذلك مطلقا و إن لم يستلزم الهتك، خروجا عن خلاف القائلين بذلك، و أما مع الهتك فلا يختص الحكم بالنجاسة بل يأتي في غيرها أيضا مما يوجبه. فحكم التربة حكم المشاهد المشرفة- بل المصحف الشريف- في دوران الحرمة مدار الهتك.

هذا كله فيما إذا أخذت التربة بقصد الاحترام، و أما بدونه فلا محذور في تنجيسها، كما إذا أخذت بقصد جعلها آجرّا أو خزفا أو نحو ذلك.

(1) لاتحاد الملاك في الجميع، و هو الاحترام.

(2) لوجوب رفع الهتك عنها كدفعه.

(3) مقدمة للواجب، إلّا أن تكون حرجا أو ضررا.

(4) المتيقن هو ذلك، و هو مما لا يحتمل الخلاف فيه كي يكون أحوط. و ذلك لحصول الهتك الجديد بإلقاء القاذورات عليها ثانيا و ثالثا، و هكذا، و كل فرد من أفراد الهتك حرام مستقل، و ليس الملاك هو التنجيس كي يقال: إنّ المتنجس لا يتنجس ثانيا. و عليه فيجب سدّ باب الخلاء أو بالوعته إلى أن يضمحل ورق القرآن أو التربة أو غيرهما من المحترمات.

______________________________
(1) للأخبار المتواترة المروية في وسائل الشيعة: ج 10 في الباب 72 ص 414.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 107‌

[ (مسألة 27): تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره]

(مسألة 27): تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره (1).

______________________________
(1)
تنجيس مصحف الغير ظاهر عبارة المصنف «قده» هو أنّ تنجيس مصحف الغير يوجب ضمان النقص الحاصل بتطهيره، و هذا غير النقص الحاصل بالتنجيس، و غير ضمان أجرة التطهير، كما لا يخفى.

توضيح ذلك: أنّ المحتمل ضمانه في المقام لا يخلو عن أحد أمور ثلاثة، أحدها: المال المصروف في تطهير المصحف. ثانيها: النقص الحاصل بالتطهير، فإنّ ورق المصحف إذا أصابه الماء ينقص قيمته، لا سيما إذا كان مكتوبا بحبر الذهب فمحي بالغسل، ثالثها: النقص الحاصل بمجرد النجاسة قبل الغسل، فإنّ المصحف النجس الواجب تطهيره مما لا يسوى بقيمة المصحف الطاهر، لوجوب غسله الموجب لنقص قيمته. و النسبة بين كل من هذه الأمور الثلاثة مع الآخر هي العموم من وجه كما لا يخفى. أما بين المال المصروف في التطهير و النقص الحاصل به، فلأنّ الشي‌ء قد يحتاج إلى صرف المال في تطهيره إلّا أنّه لا ينقص ماليّته بسبب التطهير، كما إذا كان القرآن مكتوبا على الإناء أو السجادة أو نحو ذلك مما لا يفسد بإصابة الماء إذ محل الكلام في التنجيس أعم من كتابة القرآن على الورق و من المعلوم أنّ غسل الآنية و السجادة لا يوجب نقصا فيهما، إلّا أنّه قد يحتاج إلى مؤنة زائدة في التطهير، كما إذا كان الفرش كبيرا يحتاج حمله إلى محلّ التطهير إلى الأجرة.

و قد ينعكس الأمر، بأن لا يحتاج في تطهيره إلى صرف المال إلّا أنّ غسله يوجب عيبا فيه و نقصا في قيمته، كما إذا كان الورق من الكاغذ- و لا سيما إذا كان الورق مما يسمّى في اللغة الفارسيّة ب‍ «ترمة»- و كانت الكتابة بالذهب، فإنّ الماء يفسد الكاغذ و يزيل حبرة، إلّا أنّه قد لا يحتاج إلى صرف‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 108‌

..........

______________________________
المال، إذا كان قريبا من الماء. و قد يجتمعان معا، كما إذا كان مكتوبا على الورق و احتاج في تطهيره إلى شراء الماء لقلته في المحل- مثلا- و هكذا النسبة بين المال المصروف في التطهير مع النقص الحاصل بمجرد النجاسة الواجب إزالتها، و كذلك النسبة بين النقصين الحاصلين بالنجاسة و التطهير، فإنّهما قد يتساويان، و قد يزيد أحدهما على الآخر. هذه هي الأمور المحتمل ضمانها عند تنجيس مصحف الغير، هذا.

و لكن لا دليل على ضمان الأوّلين- أعني أجرة التطهير و النقص الحاصل به- لعدم استناد شي‌ء منهما إلى من صدر منه التنجيس، بل هما يستندان إلى التكليف الشرعي بالتطهير على نحو الوجوب الكفائي على جميع المكلفين. نعم التنجيس أنّما يكون موضوعا لهذا التكليف، إلّا أنّ ذلك لا يوجب الضمان، لأنّ إيجاد الموضوع لا يوجبه، فإنّ الفقير غير القادر على الإنفاق على أولاده- مثلا- لا يضمن لمن ينفق عليهم امتثالا لوجوب حفظ النفوس المحترمة عن الهلكة بمجرد أنّه السبب لتعلق التكليف بغيره و الموجد لموضوعه. و كذا من ألقى مسلما في البحر فإنّه لا يضمن أجرة إخراجه لو أداها المسلمون امتثالا لوجوب إنقاذ النفس المحترمة عن الهلكة، و هكذا.

و الوجه في ذلك: أنّ الموجب للضمان- في غير المعاملات و الديون- أمران، الإتلاف و اليد- أي الاستيلاء على مال الغير- و لم يتحقق شي‌ء منهما فيما ذكر، فإنّ من نجّس مصحف الغير لم يتلف شيئا و لم يستول على أجرة التطهير أيضا و النقص الحاصل به مما لم يستند إليه. نعم إنّما أوجد هو موضوعه- كما ذكرنا- و أما نفس النقص فقد حصل ذلك بفعل الغير، و هو المباشر للتطهير.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 109‌

[ (مسألة 28): وجوب تطهير المصحف كفائي]

(مسألة 28): وجوب تطهير المصحف كفائي لا يختص بمن نجّسه (1)، و لو استلزم صرف المال وجب (2).

______________________________
فالمضمون على المنجّس ليس إلّا خصوص النقص الحاصل بالتنجيس بمقتضى قاعدة الضمان بالإتلاف، لأنّه كما يوجب ضمان العين التالفة كذلك يوجب ضمان الأوصاف التالفة، سواء كانت وصف صحة أو كمال. و الطهارة صفة كمالية في المصحف يزيد بها قيمته و قد أتلفها هذا الشخص بالتنجيس فيكون ضامنا للنقص الحاصل بزوالها. و عبارة المصنف «قده» لا تفي بذلك، بل ظاهرها هو ضمان النقص الحاصل بالتطهير، إلّا أن يؤول بوجوب التطهير المساوق للتنجيس الواجب رفعه.

نعم إذا باشر المنجس غسل مصحف الغير بدون إذنه ضمن النقص الحاصل به إذا كان أزيد من نقص التنجيس، لقاعدة الإتلاف في الأوصاف، كما ذكرنا.

(1) و الوجه فيه ظاهر، لأنّ التكليف عام لا يختص بمن نجّسه، لأنّ مثل رفع المهانة و الهتك عن القرآن واجب على كل أحد. و ما قيل من اختصاص الوجوب بالمنجّس- كما أشار المصنف «قده» إلى ذلك في آخر المسألة- فيجبره الحاكم لو امتنع، أو يستأجر آخر و لكن يأخذ الأجرة منه، لا وجه له، لأنّه إن أراد القائل عدم الوجوب على الغير رأسا و إن عصى المنجّس أو نسي، ففيه منع ظاهر، و لم يلتزم به أحد فيما نعلم، لوجوب رفع الهتك عن المصحف بلا إشكال. و إن أراد أنّه يجب على الغير مشروطا بعصيان من نجّسه فهو و إن كان ممكنا حيث لا إجماع على خلافه، إلّا أنّه لا دليل على هذا الاشتراط، بل مقتضى إطلاق الأدلة شمول الوجوب بالنسبة إلى الجميع في عرض واحد كسائر الواجبات الكفائية.

(2) مقدمة للواجب، كما في إزالة النجاسة عن المسجد، كما تقدم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 110‌

و لا يضمنه من نجسة إذا لم يكن لغيره (1) و إن صار هو السبب للتكليف بصرف المال. و كذا لو ألقاه في البالوعة، فإنّ مؤنة الإخراج

______________________________
(1) أي كان المصحف لنفسه. و لا يخفى: إنّ عدم ضمان المال المصروف في التطهير لا يختص بما إذا كان المصحف لنفسه، و قد طهره الغير، فإنّه إذا نجس مصحف الغير لا يضمن أجرة التطهير أيضا، كما هو واضح. إلّا أنّ ظاهر عبارة المصنف هو تخصيص عدم الضمان بالأوّل، حيث أنّه قيده بما إذا لم يكن لغيره. هذا و لكن التأمل في كلامه يدلنا على عدم إرادته «قده» الاحتراز عن الثاني و أنّه يضمن لو كان المصحف للغير لوضوح تساويهما في ضمان اجرة التطهير إثباتا و نفيا- كما أشرنا- لدورانه مدار جريان قاعدة التسبيب بالنسبة إليهما و عدمه على حد سواء- كما يأتي توضيحه- بل الوجه في اختصاص مصحف نفسه بالذكر هنا إنّما هو تقابله مع مفروض المسألة السابقة و هو مصحف الغير، لأنّ المبحوث عنه في تلك المسألة ضمان النقص الحاصل بالتطهير أو بالتنجيس- على الكلام المتقدم- و من المعلوم عدم احتمال ذلك في مصحف نفسه، فإنّ المالك لا يضمن نقص ماله إذا كان هو السبب له، و هذا بخلاف أجرة التطهير، إذ قد يتوهم: أن يكون على المالك لو كان هو المنجّس لمصحف نفسه، بناء على ثبوت الضمان بهذا النحو من التسبيب. فأراد المصنف «قده» دفع هذا التوهم بعدم اقتضائه له. و النتيجة:

أنّه كما لا يضمن نقص مصحفه لو كان هو المورد للنقص فيه، كذلك لا يضمن أجرة تطهيره لو كان هو المنجّس له.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أنّ الحكم بضمان أجرة التطهير يبتني على الضمان بالتسبيب، فإنّ قلنا به يكون المنجّس ضامنا لها سواء أ كان المصحف لنفسه أو لغيره، فإن كان للغير يكون الضمان عليه من جهتين، إحداهما: ضمان النقص الحاصل بالتطهير أو التنجيس- على كلام تقدم-

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 111‌

الواجب على كل أحد ليس عليه، لأنّ الضرر إنّما جاء من قبل التكليف الشرعي (1).

______________________________
ثانيتهما: أجرة التطهير، فإن كان المطهّر غيره يكون ضمان النقص للمالك و ضمان التطهير لمن طهّره إلّا أنّك تعرف عدم صحة الضمان بالتسبيب في أمثال المقام بعيد هذا.

(1) الضمان بالتسبيب إذا توقف تطهير المصحف على صرف المال، فطهّره غير من نجّسه فهل يحكم بضمان من صدر منه التنجيس لمن تصدّى للتطهير- بلحاظ أنّه السبب في صرف هذا المال- أم لا؟ الصحيح عدم الضمان.

توضيح ذلك: أنّه إذا اجتمع السبب و المباشر على فعل فلا يخلو الحال عن أحد وجوه ثلاثة، لأنّ المباشر إما أن يكون مسلوب الإرادة و الاختيار، أو مغلوبها أو يعمل بإرادته بأن يكون المباشر للعمل ذا إرادة و اختيار بالنسبة إلى فعله. و على الثاني إمّا أن يكون هناك تسبيب إلى عمل المباشر من قبل المسبب أو يكون مجرد إيجاد الداعي إليه، و يختص الضمان بالأوّل دون الأخيرين. و الوجه في ذلك هو: أنّه إذا كان المباشر مسلوب الإرادة و الاختيار- كالحيوان لو أرسله إلى زرع الغير فأفسده أو أكل منه- أو مغلوب الإرادة- كالصبي لو أمره بقتل نفس محترمة أو إتلاف مال- كان الفعل مستندا إلى السبب حقيقة، فيقال: زيد هو المتلف للزرع- مثلا- أو قاتل فلان، فيضمن المال التالف، و يقتص منه للمقتول، لصحة إسناد الفعل إليه حقيقة، كما ذكرنا. و المباشر في هذه الصورة حكمه حكم آلة القتل كالسكين و نحوه فكما لا يصح اعتذار القاتل بأنّي لم أقتله و إنّما قتله السكين كذلك في ما لو أمر الصبي بقتل نائم و نحوه.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 112‌

و يحتمل ضمان المسبب كما قيل، بل قيل باختصاص الوجوب به. و يجبره الحاكم عليه لو امتنع، أو يستأجر آخر، و لكن يأخذ الأجرة منه.

______________________________
و أما إذا لم يكن المباشر مسلوب الإرادة أو مغلوبها بل كان فعله عن إرادته و اختياره و إنّما كان صدور الأمر بذلك من الغير فلا إشكال في استناد الفعل إلى المباشر، لأنّ مجرد أمر الغير بذلك لا يوجب إسناد الفعل إليه إلّا مجازا. فلو أمر غيره بقتل نفس محترمة أو إتلاف ماله كان القاتل هو الذي يقتص منه و يحكم بضمانه لصدور الفعل منه حقيقة، و إذا نسب ذلك إلى الآمر فإنّما هو بنحو من العناية و المجاز، و إلّا فلا يجري عليه أحكام القاتل من القصاص أو الدّية و إنّما يجرى ذلك في حق المباشر لتحقق النسبة إليه واقعا.

و أظهر من ذلك ما إذا لم يكن في البين تسبيب بالأمر و نحوه رأسا، بل غاية ما هناك إيجاد الداعي للمباشر فقط، كما إذا كان للشخص عشيرة و أعوان بحيث لو أنّه نازع أحدا لقتله عشيرته من دون حاجة إلى أمره إيّاهم بقتله، لظهور صحة إسناد الفعل إلى المباشر في هذه الصورة، لأنّ مجرد إيجاد الداعي لا يوجب صحة إسناد الفعل إلى غير المباشر، كما في المثال. نعم مع العلم بذلك كان من باب إيجاد الداعي إلى الحرام و هو حرام، إلّا أنّه لا يترتب عليه آثار نفس الحرام، كالاقتصاص و الضمان و نحوهما.

و المقام- أعني به: صرف المال لتطهير المصحف- إنّما يكون من قبيل الثالث، لأنّ تنجيسه يكون من باب إيجاد الداعي للمكلفين إلى تطهيره، لوجوبه عليهم حينئذ كفاية، فلا موجب للضمان، لوضوح أنّ المطهر للمصحف هو الذي باشر إتلاف ماله، و المنجس إنّما أوجد الداعي له إلى ذلك، و هو التكليف بصرف المال و هذا نظير إخبار السارق بوجود مال في دار شخص، فإنّ السارق هو الضامن دون المخبر لأنّه لم يوجد له إلّا الداعي على السرقة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 113‌

[ (مسألة 29): إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال]

(مسألة 29): إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال، إلّا إذا كان تركه هتكا و لم يمكن الاستيذان منه، فإنّه حينئذ لا يبعد وجوبه (1).

______________________________
(1) لا بدّ من التكلم في مسألتين أشار إليهما في المتن.

إحداهما: ما إذا كان ترك تطهير مصحف الغير موجبا للهتك كما لو كان- و العياذ باللّه- ملوثا بعين النجاسة.

الثانية: ما إذا لم يكن كذلك، كما إذا أصابه اليد المتنجسة بالماء المتنجس مثلا.

أما الأولى فلها صور ثلاث، لأنّه إما أن لا يمكن استيذان المالك في التطهير على نحو لا ينافي فوريّة وجوب رفع الهتك أو يمكن ذلك. و على الثاني فإمّا أن يأذن المالك فيه لو استؤذن، أو يباشر هو التطهير بنفسه، أو أنّه يأمر الغير به، و إما أن لا يفعل شيئا من ذلك، إما لعدم مبالاته بالدين، أو لعدم تصديقه المخبر بالنجاسة.

و على الأوّل و الثالث يجب التطهير فورا و لو بدون إذن المالك، و ذلك لتزاحم الواجب الأهم مع الحرام، لتوقف التطهير الواجب على التصرف في مال الغير المحرم و بما أنّه من المعلوم أهميّة وجوب رفع الهتك عن حرمات اللّه تعالى- و منها المصحف الكريم- فيقدم ذلك على حرمة التصرف في مال الغير، نظير إنقاذ الغريق المتوقف على توسط الأرض المغصوبة. و منه يظهر حكم ما لو كان الماء للغير و لم يأذن في غسل المصحف المهتوك بالنجاسة به، فإنّه لا يتوقف حينئذ على استيذانه أيضا.

فظهر بما ذكرناه: أنّه لا ينبغي احتمال الخلاف في المسألة، كما يظهر من عبارة المصنف «قده»، حيث أنّه لم يستبعد الوجوب في هذه الصورة، و هذا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 114‌

[ (مسألة 30): يجب إزالة النجاسة عن المأكول]

(مسألة 30): يجب إزالة النجاسة عن المأكول (1) و عن ظروف الأكل و الشرب إذا استلزم استعمالها تنجس المأكول و المشروب.

______________________________
مما يدل على نحو تردد منه في الوجوب، مع أنّه لا إشكال فيه
«1» إذا كان الترك هتكا كما هو المفروض. و ذلك لأهميّة رفع الهتك عن القرآن- الذي هو من أعظم حرمات اللّه تعالى- و بذلك يستكشف إذن الشارع في التطهير، و معه لا مجال لاحتمال اعتبار إذن المالك.

و على الثاني لا يجوز التطهير إلّا بإذنه، لعدم التزاحم بين الحكمين، لإمكان امتثالهما كما هو المفروض.

و أما الثانية فالصور فيها أيضا هي الثلاثة المذكورة، إلّا أنّه لا يجوز التطهير بدون إذن المالك في فرض عدم الهتك بالنجاسة مطلقا و لو لم يمكن استيذانه، لأهميّة حرمة التصرف في مال الغير، و لا أقل من احتماله بالإضافة إلى وجوب إزالة النجاسة غير المستلزمة للهتك، فحرمة التصرف في مال الغير بلا إذنه هي المحكّمة. نعم مع اجتماع الشرائط يجب أمر المالك بالتطهير من باب وجوب الأمر بالمعروف، و لو بإجباره على ذلك بالضرب و نحوه، و هذا غير التصرف في ماله بدون إذنه.

ثمّ إنّ جواز تطهير مصحف الغير بدون إذنه لا ينافي ثبوت ضمان النقص بالتطهير لقاعدة الإتلاف، إذ لا تزاحم بينها و بين وجوب التطهير.

نظير أكل مال الغير في المخمصة. و كذا ضمان الماء المغسول به إذا كان للغير.

(1) إزالة النجاسة عن المأكول و المشروب و كذا المشروب. و المراد بالوجوب هنا هو الوجوب الشرطي،

______________________________
(1) و من هنا جاء في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»:- «و لا يبعد وجوبه»-:

(الظاهر أنّه لا إشكال في الوجوب إذا كان الترك هتكا، كما هو المفروض).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 115‌

..........

______________________________
بمعنى اشتراط جواز الأكل و الشرب بطهارة المأكول و المشروب، و كذلك طهارة ظروفهما لو استلزم استعمالها تنجسهما. و ذلك لعدم الدليل على الوجوب النفسي في المقام، بحيث يجب تطهير المأكول و لو لم يرد أكله، لأنّ الدليل إنّما دل على حرمة أكل المتنجس و شربه في كثير من الروايات الواردة في أبواب متفرقة- و لعلّها تبلغ حد التواتر- مثل ما ورد
«1» في اللحم المتنجس بوقوع فأرة أو قطرة خمر أو نبيذ مسكر في المرق و أنّه يغسل اللحم ثمّ يؤكل و يهراق المرق، و كذا الخبز المعجون بالماء المتنجس «2» و النهي عن أكله، و ما ورد «3» في السّمن و الزيت و العسل من النهي عن أكله لو تنجس بموت الفأرة فيه، و أنّه يلقى ما حوله لو كان جامدا، و يجتنب عن الجميع لو كان مائعا و ما ورد «4» من النهي عن استعمال الماء القليل الملاقي للنجس فيما يشترط فيه الطهارة، إلى غير ذلك من الروايات «5» الدالة على ما ذكرناه. هذا مضافا إلى أنّ الحكم ضروري في نفسه لا حاجة إلى الاستدلال عليه.

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 463 في الباب: 44 من أبواب الأطعمة المحرمة: الحديث: 1 و ج 2 ص 1056 في الباب: 38 من أبواب النجاسات، الحديث: 8.

(2) وسائل الشيعة: ج 1 ص 174 في الباب 11 من أبواب الأسئار. الحديث: 1، 2.

(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 461 في الباب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة. و ج 12 ص 66 في الباب: 6 من أبواب ما يكتسب به.

(4) وسائل الشيعة: ج 1 ص 112 في الباب: 8 من أبواب الماء المطلق.

(5) راجع وسائل الشيعة: ج 1 ص 149 في الباب 5 من أبواب الماء المضاف و المستعمل و الباب 3 ص 102 و الباب 8 ص 112 و الباب 13 ص 125 من أبواب الماء المطلق و ج 16 ص 463 في الباب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة و ج 17 في الباب 18 ص 272 من أبواب الأشربة المحرمة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 116‌

[ (مسألة 31): الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة]

(مسألة 31): الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة (1)، خصوصا الميتة، بل و المتنجسة إذا لم تقبل التطهير، إلّا ما جرت السيرة عليه، من الانتفاع بالعذرات و غيرها للتسميد، و الاستصباح بالدهن المتنجس. لكن الأقوى جواز الانتفاع بالجميع، حتى الميتة، مطلقا في غير ما يشترط فيه الطهارة.

______________________________
(1)
الانتفاع بالأعيان النجسة يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين أشار إليهما في المتن، الأوّل في حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة بل و المتنجسة و عدمها. الثاني في حرمة بيعها مطلقا أو بقصد استعمالها في الحرام.

أما المقام الأوّل فقد قوى المصنف «قده» جواز الانتفاع بمطلق النجاسات حتى الميتة فضلا عن المتنجسات في غير ما يشترط فيه الطهارة.

نعم، احتاط بالترك، إلّا فيما جرت عليه السّيرة، كالانتفاع بالماء المتنجس في تنظيف الثياب و البدن و غيرهما من القذرات، و في سقي الزرع و غير ذلك.

و كاستعمال الدهن المتنجس في الاستصباح و التدهين و نحو ذلك من الموارد التي قامت السّيرة على الانتفاع بها. و وجه الاحتياط هو الخروج عن خلاف القائلين بالمنع.

أقول: قد ذكرنا في بحث المكاسب المحرمة أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية هو جواز الانتفاع بكل شي‌ء حتى أعيان النجاسات فضلا عن المتنجسات في غير ما يشترط فيه الطهارة، فيحتاج المنع عن ذلك إلى دليل يدل عليه. و ليس في المقام ما يتوهم دلالته على المنع سوى رواية تحف العقول «1» التي ورد النهي فيها عن الانتفاع بالنجاسات و جميع التقلّبات فيها، الشاملة‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 12 ص 54 في الباب: 2 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 117‌

نعم لا يجوز بيعها للاستعمال المحرم. و في بعضها لا يجوز بيعه مطلقا كالميتة و العذرات (1).

______________________________
بإطلاقها جميع النجاسات بل المتنجسات، لصحة إطلاق النجس عليها ايضا، كما سبق. إلّا أنّها ضعيفة السند
«1». مضافا إلى إعراض المشهور عنها في خصوص هذا الحكم، إذ لم يلتزم أحد بالحرمة على وجه الإطلاق. فليس هناك دليل عام يدل على المنع المطلق، فلا بدّ من ملاحظة الموارد الخاصّة التي دل الدليل على المنع فيها بالخصوص، كما ورد ذلك في الخمر و المسكر، فقد وردت روايات كثيرة «2» دلت على حرمة الانتفاع بها بأي وجه كان إلّا في الضرورة، و أنّه لا بدّ من إراقتها كما أكفأها النبي صلّى اللّه عليه و آله حين ما نزلت آية التحريم «3». إلّا أنّها لا تدل على أنّ ملاك المنع عن الانتفاع بها هي النجاسة حتى يسري إلى غيرها من النجاسات، بل الملاك هو عنوان الخمر، فيجتمع ذلك حتى مع القول بطهارتها أيضا.

و أما في غيرها من النجاسات فلم نجد دليلا على حرمة الانتفاع بها فيجوز حتى في الميتة. و قد فصلنا الكلام في ذلك في بحث المكاسب المحرمة.

هذا تمام كلامنا في المقام الأوّل، و يأتي الكلام في المقام الثاني بعيد هذا.

(1) بيع الأعيان النجسة قد ذكرنا أنّ البحث في هذه المسألة يقع في مقامين، و قد تقدم‌

______________________________
(1) لأنّها مرسلة فإنّ راويها- و هو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني أو الحلبي- و إن كان من أجلة الأصحاب جليل القدر رفيع الشأن و قد اشتمل كتابه (تحف العقول) على مواعظ أهل البيت عليهم السّلام بما يغني عن الاطراء و المدح إلّا أنّه لم يذكرها مسندة بل أرسلها عن الصادق عليه السّلام و مثلها لا تشملها أدلة حجية الخبر، و لم يثبت عندنا قرينة تدل على وثاقة الوسائط المحذوفة من السند، و انجبارها بعمل المشهور ممنوع صغرى و كبرى.

(2) وسائل الشيعة: ج 17 في الباب: 21 و 34 من أبواب الأشربة المحرمة ص 278، 300.

(3) وسائل الشيعة ج 17 ص 221 في الباب: 1 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث: 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 118‌

..........

______________________________
الكلام في المقام الأوّل، و قد كان في حكم الانتفاع بأعيان النجاسات و المتنجسات.

و أما المقام الثاني ففي جواز بيعها وضعا و تكليفا. و الكلام فيه من جهتين أشار إليهما في المتن، إحداهما في بيعها في نفسها مع قطع النظر عن قصد استعمالها في الحرام، أي فيما يشترط فيه الطهارة. الثانية في بيعها للاستعمال المحرم. أما الجهة الأولى فمقتضى العمومات و الإطلاقات فيها- كعموم أحلّ اللّه البيع و نحوه- هو الجواز وضعا و تكليفا، فيحتاج في المنع إلى دليل مخصص، و لم يكن دليل في المقام إلّا الشهرة على المنع، و هي ليست بحجة. و قد يدعي الإجماع. مع أنّ المنقول منه ليس بحجة، و المحصل غير حاصل و قد يستدل- أيضا- برواية تحف العقول «1» الدالة على المنع. و قد أشرنا آنفا «2» إلى أنّها ضعيفة السند لا يمكن الاعتماد عليها، و الشهرة لو كانت فهي ليست بجابرة. فليس هناك نهي عام يشمل جميع النجاسات- فضلا عن المتنجسات- كي يخصص بها عموم حلّ البيع، فإذا لا بدّ من تتبع الدليل في كل من النجاسات بخصوصها، لنرى هل هناك دليل مخصص في بعضها أو لا؟

و قد ورد النهي في جملة منها كالخمر «3» و إنّ ثمنها سحت و لا ماليّة لها إلّا إذا كانت لأهل الذمة. إلّا أنّه لم يثبت أنّ المنع فيها بملاك النجاسة كي يمكن التعدي إلى غيرها بل لعلّه بملاك إفسادها للعقل. و الكلب غير الصود، و في بعضها: إنّ ثمنه سحت «4»، و كذا الخنزير و الميتة لما في بعض‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 12 ص 54 في الباب: 2 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 1.

(2) في الصفحة: 117.

(3) وسائل الشيعة: ج 12 ص 61 في الباب: 5 و ص 164 في الباب 55 من أبواب ما يكتسب به.

(4) وسائل الشيعة: ج 12 ص 82 في الباب: 14 من أبواب ما يكتسب به.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 119‌

..........

______________________________
الروايات
«1» من المنع عن بيعهما.

و في هذه الموارد نلتزم بالمنع، كما ذكرنا ذلك بوجه التفصيل في بحث المكاسب المحرمة، فلا يجوز بيعها بحال «2». و أما العذرة فرواية المنع عن بيعها ضعيفة السند. على أنّها معارضة بما تدل على الجواز «3»، فبعد التساقط يرجع إلى عمومات حلّ البيع، فلا وجه لإلحاق العذرة بالميتة كما صنع في المتن. و أما غير هذه الموارد الممنوعة المشار إليها آنفا فقد ذكرنا أنّ مقتضى القاعدة فيها الجواز و الصحّة.

و أما الجهة الثانية، و هي في بيع النجاسات أو المتنجسات بداعي استعمالها في الحرام، فإن كان ذلك على نحو الاشتراط- كما إذا باعه النجس أو المتنجس مشروطا بالانتفاع به فيما يشترط فيه الطهارة- مثل أن يبيعه الماء المتنجس بشرط أن يشربه- فلا إشكال في بطلان هذا الشرط، لأنّه خلاف الكتاب و السنة. إلّا أنّ فساد البيع يبتني على القول بأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد، و لكن قد حققنا في محله بطلان هذا القول، و أنّه لا يسري الفساد منه إلى العقد، فيصح البيع وضعا. و أما تكليفا فيبتني القول بالحرمة على حرمة إيجاد الداعي إلى الحرام.

و أما إذا لم يكن على وجه الاشتراط بل غايته مجرد العلم بأنّ المشتري يستعمله فيما يشترط فيه الطهارة من دون اشتراط عليه في ذلك،

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 12 في الباب: 5، 7، 57 من أبواب ما يكتسب به. ص 61، 67، 167.

(2) و من هنا جاء في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»:- «كالميتة و العذرات»- إنّه (لا يبعد جواز بيع العذرة للانتفاع بها منفعة محللة. نعم الكلب غير الصيود و الخنزير و الخمر و الميتة لا يجوز بيعها بحال). أقول: و ذلك لقيام الدليل الخاص في الموارد الأربعة دون غيرها.

(3) وسائل الشيعة: ج 12 ص 126 في الباب: 40 من أبواب ما يكتسب به.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 120‌

..........

______________________________
فهذا لا إشكال في جوازه وضعا، لأنّ مجرد العلم بانتفاع المشتري بالمبيع منفعة محرمة لا يقدح في صحة البيع، و إلّا لبطل كثير من المعاملات الدارجة بين المسلمين في كل يوم، فإنّ المالك يوجر داره أو دكانه- مثلا- و هو يعلم إجمالا بأنّ المستأجر يفعل فيها الحرام و لو بمثل الكذب و الغيبة و نحوهما، أو البائع يبيع السكين من شخص يعلم أنّه يذبح به شاة مغصوبة- مثلا- و هكذا. نعم يحرم بيع مثل السكين ممن يعلم أنّه يقتل به نفسا محترمة، لوجوب حفظها على كل أحد بأي وجه كان.

و الحاصل: أنّه ليس بيع شي‌ء ممن يعلم أنّه يستعمله في الحرام باطلا وضعا. و أما الحرمة التكليفية فقد يتوهم تحققها بلحاظ أنّ هذا البيع تسبيب إلى الحرام. و يدفعه: أنّ المشترى يفعله بسوء اختياره عالما عامدا، و ليس التسبيب إلّا في مورد الجهل، كما إذا باعه النجس من دون إعلامه بالنجاسة. و يأتي الكلام فيه في المسألة الآتية.

نعم يصدق عليه الإعانة على الإثم. إلّا أنّه لا دليل على حرمتها على وجه الإطلاق، إذ مجرد إيجاد مقدمة للحرام لا يكون مبغوضا، ما لم تكن علة تامة للفعل المحرم أو الجزء الأخير منها أو قام الدليل على مبغوضية الإعانة عليه بأي وجه كان كقتل النفس المحترمة، لوجوب حفظها على أيّ حال و إلّا لحرم كثير من المعاملات- كالأمثلة المتقدمة- و كثير من الصناعات لترتب الحرام عليها و لو بوسائط عديدة كيف و أنّ اللّه تعالى هو الخالق لجميع المقدمات التي يستفاد بها في المحرمات- كالقوة الشهوية، و آلة الزّنا، و وجود الخمر، و نحو ذلك- فالمبغوض إنّما هو صدور الفعل المحرّم عن المكلف اختيارا لا مجرد إيجاد مقدمة مشتركة بين الحرام و الحلال. بل قد ورد النص «1»

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 12 ص 168 في الباب: 59 من أبواب ما يكتسب به.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 121‌

[ (مسألة 32): كما يحرم الأكل و الشرب للشي‌ء النجس كذا يحرم التسبيب لأكل الغير أو شربه]

(مسألة 32): كما يحرم الأكل و الشرب للشي‌ء النجس كذا يحرم التسبيب لأكل الغير أو شربه (1) و كذا التسبيب لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة.

______________________________
بجواز بيع العنب ممن يعلم أنّه يصنعه خمرا. و في بعضها
«1» أسند الإمام عليه السّلام ذلك إلى نفسه، و هو حكم على القاعدة لا يختص بمورد الرواية.

(1) التسبيب لأكل النجس يقع الكلام في هذه المسألة في أمور ثلاثة إيضاحا للحال «الأوّل» في إعانة الغير على أكل النجس. «الثاني» في التسبيب إليه، و هو بمعنى فعل السبب مع جهل المباشر بالحال مع القصد أو العلم بترتب المسبب عليه. «الثالث» في وجوب إعلام الغير بالنجاسة و إن لم يكن هو السبب.

أما الأمر الأوّل، و هو إعانة الغير على أكل النجس أو شربه- كما إذا قدّم الخبز النجس للعالم بنجاسته مع العلم بأنّه يأكله و لا يبالي بالحرمة- فالصحيح جوازه لأنّه من مصاديق الإعانة على الإثم، و قد قدّمنا في ذيل المسألة السابقة أنّه لا دليل على حرمته على وجه الإطلاق إلّا فيما علم من مذاق الشارع مبغوضيّة وقوعه بأي وجه كان و من كل أحد، كقتل النفس المحترمة، فإنّه لا يجوز إعطاء السكين لمن يعلم من حاله أنّه يريد قتل الغير، لوجوب حفظها على كل أحد، و عدم إعطاء السكين للمريد قتل النفس المحترمة من مصاديق الحفظ. و من الظاهر عدم إرادة المصنف «قده» هذه الصورة، إذ ليست من التسبيب إلى الحرام في شي‌ء، لأنّ المفروض علمه بالموضوع و الحكم و فعله الحرام بسوء اختياره، و التسبيب إنّما يكون في‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 12 ص 168 في الباب: 59 من أبواب ما يكتسب به، كرواية أبي كهمس. الحديث: 6، و صحيح رفاعة، الحديث: 8.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 122‌

..........

______________________________
صورة الجهل، كما إذا قدم للضيف طعاما نجسا، و لم يخبره بنجاسته، و ليس إعطاء النجس للعالم به من هذا القبيل، بل هو من قبيل إعطاء العنب لمن يعلم من حاله أنّه يصنعه خمرا. و في ذلك بحث طويل ذكرناه في محله من المكاسب المحرمة، و الحقّ فيه الجواز.

و أما الأمر الثاني- و هو التسبيب إلى أكل النجس و شربه أو استعماله فيما يشترط فيه الطهارة، كالوضوء و الغسل- فقد منع عنه المصنف «قده» مطلقا. و لكن الحق فيه هو التفصيل «1» بين ما كان الشرط ذكريّا- أي كان الأثر مترتبا على الأعم من الواقع و الظاهر- و بين ما كان واقعيّا، بأن كان مترتبا على خصوص الواقع فيجوز في الأوّل دون الثاني.

أما الجواز في الأوّل فظاهر، لعدم صدور مبغوض، لا من السبب و لا من المباشر، أما المباشر فلاشتمال عمله على الشرط، المفروض تحققه حتى في حال الجهل. و أما السبب فلأنّه لم يتسبب إلّا إلى الحلال دون الحرام، فلا محذور في هذا النحو من التسبيب. و ذلك كما إذا أعاره ثوبا نجسا للصلاة، فإنّ الطهارة الخبثية في الثوب و البدن- التي هي شرط في الصلاة- أعم من الطهارة الواقعية و الظاهرية. و إن شئت فقل: إن الطهارة الخبثية في الصلاة ذكري لا واقعي. و عليه فيجوز الاقتداء بالمستعير المذكور من دون إشكال و خلاف.

و لا يبتني ذلك على النزاع المعروف في أنّ المدار في جواز الاقتداء هل هو على الصحة الواقعيّة أو الصحة عند الإمام، لأنّ مورده ما إذا كان‌

______________________________
(1) و من هنا جاء في تعليقته- دام ظله العالي- على قول المصنف:- «و كذا التسبيب لاستعماله»-: أنّه (لا بأس به إذا كان الشرط أعم من الطهارة الواقعية و الظاهرية، كما في اشتراط الصّلاة بطهارة الثوب و البدن).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 123‌

..........

______________________________
الأثر مترتبا على الواقع دون الأعم منه و من الظاهر بحيث تكون الصلاة باطلة واقعا و إن كانت صحيحة عند الإمام ظاهرا. و ذلك مثل ما إذا صلّى الإمام في ثوب مغصوب عن جهل أو إلى خلف القبلة باعتقاد أنّه القبلة، أو في الثوب النجس نسيانا، لأنّ الشرط في هذه الموارد واقعي لا أعم. و هذا بخلاف الصلاة في الثوب النجس جاهلا، فإنّها واجدة للشرط واقعا كما أشرنا. فيكون المقام نظير الصلاة في الثوب المتنجس بدم أقل من الدرهم، إذ لا مانع من إعارته للجاهل به، لعدم مانعيّته حتى في حال العلم فضلا عن صورة الجهل.

هذا مضافا إلى دلالة موثقة ابن بكير «1»- المتضمنة للنهي عن إعلام المستعير إذا أعاره ثوبا لا يصلّي فيه- على الصحة و ذلك لصحة صلاة الجاهل بنجاسة الثوب واقعا لأنّ الشرط في الصحة أعم من الطهارة الواقعية و الظاهرية.

و الحاصل: أنّه لا ينبغي التأمل في الجواز إذا كان الشرط أعم من الواقع و الظاهر، لعدم صدور مبغوض، لا من المباشر، و لا من السبب. و هذا ظاهر لا ينبغي التأمل فيه.

و أما المنع في الثاني- أعني التسبيب إلى الحرام فيما لو كان الشرط واقعيا و كان الأثر مترتبا على الواقع، بحيث كان عمل المباشر الجاهل بالحرمة مبغوضا واقعا أو فاقدا للشرط حقيقة و إن كان معذورا في المخالفة- فلأنّ المستفاد من إطلاق أدلة المحرمات- بمقتضى الفهم العرفي- حرمة العمل‌

______________________________
(1) عن عبد اللّه بن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه و هو لا يصلّي فيه؟ قال: لا يعلمه.» الوسائل ج 2 ص 1069 في الباب: 47 من أبواب النجاسات، الحديث: 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 124‌

..........

______________________________
على عامة المكلفين مباشرة أو تسبيبا من دون حاجة إلى إقامة دليل خارجي على ذلك فإذا نهي المولى عبيده عن أن يدخل عليه أحد مثلا يفهم من ذلك مبغوضيّة دخول أحدهم و أيضا مبغوضيّة تسبيبه لدخول آخر تغريرا به. فلو أنّ أحد عبيده أدخل عليه من لم يصلّ إليه نهي المولى كان عمله هذا مبغوضا و مفوّتا لغرض المولى و موجبا لاستحقاق العقوبة.

و السّرفيه: هو ضعف إسناد الفعل إلى المباشر الجاهل بالمنع و قوة إسناده إلى السبب العالم به، فإنّه الذي أوجد هذا العمل المبغوض و فوّت الغرض على المولى و لو على يد غيره تغريرا به. و الحاصل: أنّ المستفاد من إطلاق أدلة المحرمات مبغوضيّة نسبة الفعل المحرم إلى المكلفين، سواء أ كانت نسبة مباشريّة أم تسبيبيّة. و من هذا القبيل: إعطاء المأكول أو المشروب النجس- كلحم الميتة و الخمر- أو المتنجس- كالخبز و الماء المتنجسين- للضيف، بل إعطاء كل ما يحرم أكله و إن لم يكن نجسا كلحم الأرنب، و ميتة ما لا نفس له، و الطعام المغصوب و نحو ذلك. بل إعطاؤه النجس ليستعمله في غير الأكل و الشرب مما يشترط فيه الطهارة، كالماء المتنجس للتطهير به من الحدث أو الخبث، إلى غير ذلك من المحرمات التي يكون الخطاب متوجها فيها إلى عامة المكلفين.

و بعبارة أخرى: إنّا لا ندّعي توجه الخطاب بترك الحرام إلى كل أحد كي يحتاج ذلك إلى قيام دليل غير دليل أصل الحرمة، ليقال أيضا: بأنّ لازمه وجوب إعلام الجاهل، بل وجوب دفع وقوعه على كل أحد و إن لم يكن على وجه التسبيب تحفظا على غرض المولى، و إلّا لاستند التفويت إليه، و هو حرام، و قبيح.

بل نقول: إنّ مقتضى إطلاق نفس أدلة المحرمات إنّما هو حرمة استناد‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 125‌

..........

______________________________
الفعل إلى المكلف- سواء أ كان على نحو المباشرة أو التسبيب- دون مطلق الوجود بأي وجه كان. و الأوّل أخص من الثاني- كما هو ظاهر- و لازمه حرمة التسبيب فقط دون وجوب الإعلام، فضلا عن وجوب ردع العالم بالحرمة. إلّا أن يقوم دليل خاص في مورد اهتم الشارع بعدم وقوعه بأي وجه كان، كما ورد في الدماء و الأعراض. فلو أراد أحد قتل مسلم زعما منه أنّه كافر مهدور الدّم يجب إعلامه بالحال و أنّه مسلم محقون دمه، بل يجب ردعه و دفعه لو كان مقدما على قتله و لو مع العلم، و ذلك لوجوب حفظ النفس المحترمة. و هكذا لو أراد التزويج بامرأة زعما منه أنّها أجنبيّة مع أنّها كانت أخته من السبب أو الرضاع، و هو لا يدري بذلك، حيث يجب إعلامه بالأمر بل و كذلك يمنع الصبيان من الزّنا و اللواط و شرب المسكرات، فإنهم و إن لم يكلفوا بشي‌ء إلّا أنّه علم من الشرع عدم رضاه بوقوع هذه الأعمال منهم بأي وجه كان و أنّ تركها مطلوب من كل أحد.

و أما في غير ذلك من المحرمات التي لم يقم فيها دليل خاص فليس مقتضى أدلتها سوى حرمة التسبيب دون وجوب الإعلام أو الردع.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أنّ حرمة التسبيب إلى الحرام إنّما هي مقتضى القاعدة الأوّليّة. هذا مضافا إلى استفادة ذلك من الروايات، ك‍:

صحيح معاوية- الوارد في بيع الزيت المتنجس- لما فيه من الأمر ببيان ذلك للمشتري ليستصبح به، حيث قال عليه السّلام فيه «و يبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» «1»، فإنّ من المقطوع به عدم وجوب الاستصباح بالدهن‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 16 ص 461 في الباب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث: 1.

و نحوه غيره في الباب نفسه.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 126‌

..........

______________________________
المتنجس، بل عدم رجحانه، فيجوز استعماله في غيره أيضا، كالتدهين و نحوه، و ليس علة البيان إلّا لأجل ترك أكله، لأنّه المحرم دون غيره من الانتفاعات، و تخصيص الاستصباح بالذكر إنّما هو لغلبة استعماله فيه في تلك العصور. فبيع الدهن المتنجس من دون بيان نجاسته يكون من التسبيب إلى أكل الحرام و هو حرام.

و قد يقال: إنّ غاية ما يستفاد من هذه الروايات هي حرمة التسبيب إلى أكل النجس و شربه، و أما التسبيب إلى استعماله في غيرهما مما يشترط فيه الطهارة كاللبس في الصلاة و نحوه، أو غير النجس من المحرمات و لو في الأكل و الشرب، فخارجة عن مدلولها و يشكل التعدي إليها.

و يدفعه: أنّ الروايات المذكورة إنّما تشير إلى ما هو المرتكز في أذهان العرف من حرمة التسبيب إلى الحرام، من دون فرق في المحرمات بين النجس و غيره، استعملا في الأكل و الشرب أو غيرهما، فالإشكال المذكور لا وقع له.

و أما موثق ابن بكير الدال على النهي عن إعلام المستعير للثوب بأنّه مما لا يصلّى فيه، فقد عرفت «1» أنّ مورده أعم مما يشترط فيه الطهارة الظاهرية، و محل الكلام إنّما هو فيما لو ترتب الأثر على الواقع دون الأعم، كما ذكرنا.

ثم إنّ المحرم إنّما هو التسبيب إلى الحرام فلا حرمة في التسبيب إلى الحلال و إن حرمت المباشرة، كإعطاء الطعام النجس للصبي أو المجنون. إذ لا حرمة عليهما فالتسبيب إنّما هو إلى الحلال و إن حرم أكل النجس على المكلّف‌

______________________________
(1) في الصفحة: 122.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 127‌

..........

______________________________
نفسه. نعم يلتزم بالحرمة فيما قام الدليل كسقي الأطفال المسكر على ما يأتي ذلك في المسألة الآتية إن شاء اللّه تعالى، بل لا يبعد القول بالجواز فيما لو انعكس الأمر فجازت المباشرة فهل يحرم التسبيب أم لا؟ الظاهر هو الثاني.

و ذلك كإعطاء المرأة اللباس الحرير للرجل الجاهل به، إذ لا يحرم لبس الحرير على المرأة و إن حرم على الرجل، فلا يحرم تسبيب المرأة لأن يلبس الرجل الحرير، فالمحرم إنّما هو التسبيب فيما لو حرم على الجميع.

و أما الأمر الثالث- و هو في إعلام الجاهل بنجاسة مأكوله و مشروبه إذا لم يكن هو السبب في أكله و شربه- فالصحيح فيه عدم الوجوب كما في المتن. فلو رأى أنّ ما يأكله شخص أو يشربه أو يصلّي فيه نجس لم يجب إعلامه، لعدم الدليل عليه بالخصوص، لأنّ الجاهل معذور و لم يكن من غيره تسبيب إلى فعله. و لا يشمله دليل وجوب التعليم، لأنّ المفروض علمه بالحكم و إنّما هو جاهل بالموضوع. و لا دليل النهي عن المنكر، لأنّه لا منكر مع الجهل، و الواجب إنّما هو النهي عن المنكر المنجّز لا المنكر الواقعي. فلم يبق في البين إلّا إرشاد الجاهل بالموضوع و لا دليل على وجوبه، بل قد يكون مرجوحا أو حراما، كما إذا أوجب إلقاء الجاهل في العسر و الحرج، أو كان موجبا لإيذائه. و من هنا ورد في بعض الروايات أنّه عليه السّلام كان يغتسل من الجنابة. فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء. فقال:

«ما كان عليك لو سكتّ؟!» «1».

نعم لو أحرز اهتمام الشارع في مورد بحيث علمنا بإرادته تركه على أيّ وجه كان وجب الإعلام كما في الأعراض و النفوس.

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 1 ص 524 في الباب: 41 من أبواب الجنابة، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 128‌

فلو باع أو أعار شيئا نجسا قابلا للتطهير يجب الإعلام بنجاسته (1).

و أما إذا لم يكن هو السبب في استعماله- بأن رأى أنّ ما يأكله شخص أو يشربه أو يصلّى فيه نجس- فلا يجب إعلامه (2).

[ (مسألة 33): لا يجوز سقي المسكرات للأطفال]

(مسألة 33): لا يجوز سقي المسكرات للأطفال (3) بل يجب ردعهم.

و كذا سائر الأعيان النجسة إذا كانت مضرة لهم (4)،

______________________________
(1) قد ذكرنا أنّ هذا إنّما يتم فيما لو كان الشرط الطهارة الواقعيّة كما في المأكول و المشروب، و أما إذا كان أعم من الطهارة الواقعيّة و الظاهريّة- كما في اشتراط الصلاة بطهارة الثوب و البدن- فلا محذور في التسبيب. فراجع ما تقدم
«1».

ثمّ إنّه لا ينبغي التأمل في أنّ تمكين البائع أو المعير المشتري أو المستعير من النجس مع عدم إخباره بنجاسة المبيع أو المستعار هو من مصاديق التسبيب.

(2) لعدم الدليل عليه. و أما صحيحة معاوية المتقدمة «2» الدالّة على وجوب إعلام المشتري بنجاسة الدهن المبيع فلا تدل على وجوبه حتّى فيما يؤكل و يشرب- كما توهم- لاختصاصها بالتسبيب، و محل الكلام إنّما هو وجوب الإعلام فيما إذا لم يكن تسبيب.

(3) لا لأجل حرمة التسبيب إلى الحرام، فإنّه لا حرمة على الأطفال كما ذكرنا في المسألة السابقة، بل لأجل النصوص «3» الخاصة الدالة على المنع عن سقيهم لها.

بل يجب ردعهم عنها لعدم رضا الشارع بصدورها منهم بأي وجه كان.

(4) لحرمة الإضرار بالمؤمنين و من في حكمهم من أولادهم، فلا يجوز‌

______________________________
(1) في الصفحة: 122- 124.

(2) في الصفحة: 125.

(3) وسائل الشيعة: ج 17 ص 245 في الباب: 10 من أبواب الأشربة المحرمة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 129‌

بل مطلقا (1).

______________________________
سقيهم للبول- مثلا- لما فيه من السموم المضرّة. إلّا أنّ حرمة الإضرار بالغير لا يختص بالنجاسات بل يعم كل ما يضربه، سواء أ كان من النجاسات أم غيرها، و سواء أ كان من المأكول و المشروب أم غيرهما، كما هو ظاهر. كما أنّه لا تختص الحرمة بالولي بل يعم غيره. هذا كله في الإضرار بهم، و أما ردعهم عما يضر بحالهم لو باشروه بأنفسهم فيجب على الولي بلا إشكال لأنّه مقتضى ولايته عليهم، فإنّ عمدة شؤون الولاية حفظ الصّبي في نفسه و ماله، و أما غير الولي فلا دليل على وجوب الردع عليه، و إن كان حسنا منه لحسن الإحسان شرعا و عقلا، فما يظهر من المصنف «قده» من تشبيه النجاسات المضرّة بالمسكرات في كلا الحكمين- أعني حرمة السقي و وجوب الرّدع- غير تام على إطلاقه. نعم لو قام دليل خاص- كما في المسكرات- أو بلغ الضرر إلى حد الهلاكة وجب على الجميع لوجوب حفظ النفس المحترمة عنها، إلّا أنّ ذلك لا يختص بالصبيّ و لا بالنجاسات، فلو أراد الصبيّ السباحة في ماء يغرق فيه يجب على الجميع منعه عن ذلك، و هكذا كل ما يوجب هلاكته.

(1) لا دليل على هذا الإطلاق، و إنّما ورد النص في خصوص المسكرات، فلا مانع من إعطائه النجس ليأكله أو يشربه إذا لم يضر بحاله، كما يجوز إعطاء المتنجس لهم، فحكم النجاسات حكم المتنجسات مع عدم الإضرار بهم «1» و لا وجه للتفكيك بينهما، كما صنع في المتن، لأنّ التسبيب في جميع ذلك تسبيب إلى الحلال دون الحرام، لعدم حرمة أكلهم النجس أو المتنجس.

______________________________
(1) و قد ذكر في تعليقته- دام ظله العالي- على قول المصنف «قده»:- «و كذا سائر الأعيان النجسة»- (الظاهر أنّ حكمها حكم المتنجسات).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 130‌

و أما المتنجسات فإن كان التنجس من جهة كون أيديهم نجسة فالظاهر عدم البأس به (1) و إن كان من جهة تنجس سابق فالأقوى جواز التسبيب لأكلهم (2) و إن كان الأحوط تركه (3).

و أما ردعهم عن الأكل أو الشرب مع عدم التسبيب فلا يجب من غير إشكال (4).

[ (مسألة 34): إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا فورد عليه ضيف و باشره]

(مسألة 34): إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا فورد عليه ضيف و باشره بالرطوبة المسرية ففي وجوب إعلامه إشكال، و إن كان أحوط، بل لا يخلو عن قوة (5).

______________________________
(1) لعدم الدليل على الحرمة، بل قامت السيرة المستمرة على الجواز، لا سيما فيما إذا كان التنجيس من قبل الأطفال كما هو المفروض.

(2) لأنّه تسبيب إلى الحلال، إذ لا حرمة على غير المكلفين.

(3) لعلّه لما حكي عن بعضهم من القول بإجراء أحكام المكلفين عليهم، كما نسب إلى الأردبيلي «قده».

(4) كما لا يجب ذلك بالنسبة إلى المكلفين أيضا كما تقدم، إذ لا دليل على وجوب إعلام المكلفين و ردعهم عن أكل النجس أو شربه كي يتوهم ذلك في حق الأطفال.

(5) ذكر «قده» في هذه المسألة فروعا ثلاثة:

الأوّل: ما إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا فورد عليه ضيف و باشره بالرطوبة المسرية، فهل يجب إعلامه بالنجاسة أو لا؟ استشكل المصنف «قده» في الوجوب و احتاط بالإعلام، بل قال: إنّه لا يخلو عن قوة «1». و وجهها: قوة احتمال أن يكون سكوت صاحب البيت و إذنه في‌

______________________________
(1) و في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»:- «لا يخلو عن قوة»- (هذا إذا كانت المباشرة بتسبيب منه و إلّا لم يجب إعلامه) و يظهر وجهه مما ذكرناه في الشرح في الفرع الأوّل.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 131‌

و كذا إذا أحضر عنده طعاما ثم علم بنجاسته، بل و كذا إذا كان الطعام للغير و جماعة مشغولون بالأكل فرأى واحد منهم فيه نجاسة، و إن كان عدم الوجوب في هذه الصورة لا يخلو عن قوة، لعدم كونه سببا لأكل الغير، بخلاف الصورة السابقة.

______________________________
التصرف تسبيبا إلى الحرام، فوجوب الإعلام و عدمه يدوران مدار صدق التسبيب و عدمه. فالعمدة اعتبار ذلك، و يختلف باختلاف الموارد.

و الصحيح في المقام هو التفصيل بين ما إذا كان الشي‌ء النجس معدّا للاستعمال بالرطوبة- كالمنديل، و إناء الماء، و نحو ذلك- و بين ما لا يكون كذلك، فيجب الإعلام في الأوّل، لصدق التسبيب بسكوت صاحب البيت عن إعلام نجاسة المنديل أو الإناء المعروضين للاستعمال بالرطوبة، و هذا بخلاف الثاني، لعدم الصدق. فإذا كان حائط البيت أو سقفه- مثلا- نجسا فباشره الضيف بالرطوبة فلا يجب إعلامه، لأنّ السكوت عن مثله لا يكون تسبيبا. و الفرش و البيت المذكورين في المتن من قبيل الثاني لا الأوّل، لعدم كونهما معدين للاستعمال بالرطوبة كي يسري نجاستهما إلى الضيف.

الثاني: ما لو أحضر طعاما عند الضيف ثم علم بنجاسته. و فيه يجب الإعلام بلا إشكال، إذ لا فرق في حرمة التسبيب إلى الحرام بين الحدوث و البقاء، فإنّ صاحب البيت و إن لم يكن مسببا للحرام في أوّل إحضاره الطعام إلّا أنّه لما علم بالنجاسة في أثناء الأكل يكون بقاؤه على الإذن السابق تسبيبا. و أما إذا لم يعلم بها إلّا بعد تمام الأكل، فإنّ كان الأكل موجبا لنجاسة يد الضيف أو فمه يجب الإعلام أيضا بلحاظها لأنّه أيضا تسبيب بقاء و لو باعتبار هذه النجاسة. و إن لم يوجب ذلك- كما إذا كان المتنجس خبزا و لم يمسّه برطوبة- فلا موجب للإعلام حينئذ لأنّه معذور في الأكل المحرّم و لا أثر للإعلام بعده. و مما ذكرنا ظهر الفرق بين ما ذكرناه في الأمر الأوّل و في هذا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 132‌

[ (مسألة 35): إذا استعار ظرفا أو فرشا أو غيرهما من جاره فتنجس عنده]

(مسألة 35): إذا استعار ظرفا أو فرشا أو غيرهما من جاره فتنجس عنده، هل يجب عليه إعلامه عند الرد؟ فيه إشكال، و الأحوط الأعلام، بل لا يخلو عن قوة إذا كان مما يستعمله المالك فيما يشترط فيه الطهارة (1).

______________________________
الأمر فإنّه في الأوّل لا يصدق التسبيب مطلقا و إنّما يتم ذلك في بعض الأحوال كما عرفت، بخلاف الثاني فإنّه تسبيب مطلقا و أما الصورة الثالثة الآتية فلا تسبيب فيها كما ستعرف.

الأمر الثالث: إذا كان الطعام للغير و الجماعة مشغولون بالأكل فرأى واحد منهم نجاسة فيه. و لا يجب الإعلام في هذه الصورة- كما قواه في المتن- لعدم التسبيب من ناحية العالم بالنجاسة، فلا يكون سكوته تسبيبا بوجه، و لا دليل على وجوب الإعلام في نفسه. و صحيح معاوية المتقدمة «1» لا تدل عليه، لاختصاصها بصورة التسبيب، لأنّ بيع الدهن المتنجس- الذي هو مورد الصحيحة- من دون إعلام بنجاسته يكون تسبيبا، بخلاف مفروض المقام، كما هو واضح.

(1) قد علم حكم هذه المسألة مما تقدم في المسائل السابقة. و كأنّه «قده» أراد بذكرها التوضيح و الإشارة إلى عدم اختصاص التسبيب المحرم بمالك الشي‌ء بل يتأتى ذلك في مالك المنفعة- أيضا- كالمستأجر، فإنّه لو استأجر شيئا- كالظرف- فتنجس عنده يجب الإعلام عند الردّ إلى المالك. و كذا مالك الانتفاع، كما في العارية المفروضة في المتن. بل و كذا يتأتى ذلك فيمن أبيح له التصرف في الشي‌ء بل و فيمن استولى على العين غصبا، فلو غصب ظرفا- مثلا- و تنجس عنده ثم بدا له أن يردّه إلى المالك يجب عليه إعلامه بالنجاسة، و إلّا كان سكوته كالسكوت في الموارد المتقدمة تسبيبا منه‌

______________________________
(1) في الصفحة: 125.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 133‌

..........

______________________________
إلى الحرام. و هذا كله ظاهر لا إشكال فيه، كما لا إشكال في اختصاص ذلك بما لو كان الشي‌ء مما يستعمل فيما يشترط فيه الطهارة مطلقا، سواء أ كان مما يتعلق بالأكل و الشرب أم غيرهما كالمستعمل في رفع الحدث و الخبث كما تقدم
«1».

______________________________
(1) في الصفحة: 122- 124.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net