فصل حكم من صلّى في النّجس 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌4   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8846

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌4، ص: 135

[فصل حكم من صلّى في النّجس]

______________________________
حكم من صلّى في النّجس‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 136‌

..........

______________________________
لو صلّى في النجس متعمدا.

لو صلّى فيه جاهلا بالحكم.

لو صلّى فيه جاهلا بالموضوع و صوره.

لو صلّى فيه ناسيا للموضوع أو الحكم.

لو انحصر ثوبه في التنجس.

العلم الإجمالي بنجاسة أحد الثوبين.

العلم الإجمالي بنجاسة أحد الثلاثة و صوره.

إذا كان عنده ماء لا يكفي إلّا لطهارة بدنه أو ثوبه.

وجوب تقليل النجاسة أو تخفيفها للصلاة.

إذا كان عنده ماء لا يكفي إلّا لرفع الخبث أو الحدث.

الاضطرار إلى الصلاة في النجس.

السجود على الموضع النجس جهلا أو نسيانا.

فروع و تطبيقات في 13 مسألة

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 137‌

فصل إذا صلّى في النجس فإن كان عن علم و عمد بطلت صلاته (1).

______________________________
(1)
فصل إذا صلّى في النجس لا إشكال و لا خلاف في اشتراط الصلاة بالطهارة في اللباس و البدن في الجملة- كما ذكرنا ذلك في أوّل الفصل السابق- عدا ما استثنى من النجاسات، كالدم الأقل من الدرهم، أو المتنجسات كما في ما لا تتم فيه الصلاة، و يدل على ذلك- مضافا إلى معلوميّة الحكم، و ضروريته- الإجماع، و النصوص المتضافرة «1» التي سيأتي ذكر بعضها طي البحوث الآتية.

فأصل الاشتراط مما لا حاجة إلى البحث عنه بعد كونه ضروريا و مما لا خلاف فيه.

و إنّما ينبغي البحث عمّا لو صلّى في النجس بصورها المختلفة الآتية المعقود لها هذا الفصل. و أولى تلك الصور هي ما لو صلّى في النجس عن علم بالحكم و الموضوع عمدا، و لا إشكال في بطلان الصلاة حينئذ، لأنّه مقتضى الاشتراط. على أنّ الإخلال بالشرط المعلوم مما يخل بقصد القربة بالعبادة الفاقدة للشرط. هذا مضافا إلى أنّها القدر المتيقن من إطلاق الأخبار «2» الدالة على بطلان الصلاة في النجس. و إلى بعض النصوص الخاصة الدالة- منطوقا أو مفهوما- على بطلان الصلاة في النجس، إذا علم به ك‍:

صحيحة عبد اللّه بن سنان: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم. قال: إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم‌

______________________________
(1) تقدمت الإشارة إلى مصادرها في تعليقة ص 9.

(2) تقدمت الإشارة إلى مصادرها في تعليقة ص 9.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 138‌

و كذا إذا كان عن جهل بالنجاسة من حيث الحكم (1)، بأن لم يعلم أنّ الشي‌ء الفلاني- مثل عرق الجنب من الحرام- نجس، أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة.

______________________________
قبل أن يصلّي ثم صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى.»
«1».

و مصححة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب، أ يعيد صلاته؟

قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد» «2».

فإنّ مفهومها وجوب الإعادة لو علم. بل يمكن الاستدلال للمطلوب بفحوى ما دل من الأخبار الآتية على بطلان الصلاة في النجس نسيانا، لأنّه لو كان العلم السابق موجبا للبطلان كان العلم المقارن أولى باقتضائه البطلان.

(1) الصلاة في النجس جاهلا بالحكم قد تقع الصلاة في النجس عن علم و عمد، و أخرى عن جهل أو نسيان. و كل من الأخيرين إما أن يتعلقا بالحكم أو الموضوع، فهنا صور:

الأولى: الصلاة في النجس عالما عامدا.

الثانية: الصلاة فيه جاهلا بالحكم.

الثالثة: الصلاة فيه جاهلا بالموضوع.

الرابعة: الصلاة فيه ناسيا للحكم.

الخامسة: الصلاة فيه ناسيا للموضوع.

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1059 في الباب: 40 من أبواب النجاسات الحديث: 3.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1059 في الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث: 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 139‌

..........

______________________________
هذه مجموع الصور المشار إليها في المتن، إلّا أنّها تختلف من حيث الصحة و البطلان.

أما الصورة الأولى: فقد تقدم آنفا أنّها باطلة بلا كلام.

و أما الصورة الثانية- و هي الجهل بالحكم- فلا يفرق الحال فيها بين أن يكون الحكم المجهول هو نجاسة الشي‌ء- كعرق الجنب من الحرام و بول الخشاف و خرئه بناء على القول بنجاسته- و بين أن يكون المجهول هو اشتراط الصلاة بالطهارة عن الخبث، كما أشار في المتن، لوحدة الملاك فيهما.

إلّا أنّه لا بدّ من الفرق فيها بين الجاهل المقصر و القاصر، فيحكم ببطلان صلاة الأوّل دون الثاني.

فنقول: إذا كان الجهل بالحكم عن تقصير في تعلمه اجتهادا أو تقليدا فلا إشكال في بطلان صلاته. لعدم إتيانه بالمأمور به بمقتضى إطلاق ما دل على اشتراط الطهارة الخبثية في الصلاة، فإنّ مقتضاه أنّ فاقد القيد لم يكن مأمورا به، فيجب عليه الإعادة في الوقت و القضاء خارجه.

و هذا من دون فرق بين الجاهل الملتفت إلى جهله- أعنى الشّاك المتردد في الصحّة و البطلان- و الجاهل الغافل المعتقد بصحة عمله، أما الأوّل فواضح لحكومة العقل بأنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة، فلا يسعه الاكتفاء بالمشكوك، لصحة توجه الخطاب إليه بالواقع و تنجزه مع احتماله. و أما الثاني- أعني الغافل عن الحكم المعتقد بصحة عمله- فتوجه الخطاب إليه حال الغفلة و إن كان قبيحا إلّا أنّ ذلك لا يوجب صحة عمله الناقص، لعدم اقتضاء ذلك تعلق الأمر بالفاقد للقيد أو المقترن بالمانع. فإذا ارتفعت الغفلة في الوقت صح توجه التكليف بالواقع فتجب الإعادة في الوقت، و أما لو استمرت الغفلة إلى أن خرج الوقت و انكشف الحال بعد الوقت وجب‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 140‌

..........

______________________________
القضاء أيضا، لترتبه على الفوت الصادق مع تحقق التكليف في الوقت- كما في العاصي الملتفت- و عدمه، كما في النائم و نحوه.

و الحاصل: أنّ مقتضى الإطلاقات الأوليّة هو الحكم ببطلان صلاة الجاهل المقصّر بكلا قسميه، و لا دليل يوجب الخروج عنها.

و لا مجال للحكم بصحة صلاة الجاهل المقصّر بحديث «لا تعاد الصلاة.» «1»- بناء على أن المراد من الطهارة في المستثنى الطهارة الحدثيّة فقط دون الأعم منها و من الخبثيّة- فإنّ إطلاقه في نفسه و إن كان يعم الجاهل المقصر إلّا أنّه مما لا يمكن الأخذ به لاستلزامه تخصيص أدلة المانعية بالفرد النادر بل المعدوم، فإنّ لازم عموم الحديث بالنسبة إلى الجاهل المقصر- مع فرض شموله للجاهل القاصر و الناسي، كما سيأتي- هو تخصيص أدلة مانعية النجاسة عن الصلاة بمن صلّى في النجس عن علم و عمد، و هو من الفرد النادر بل المعدوم، لعدم إمكان الشروع في الصلاة مع نجاسة الساتر مثلا ممن يريد امتثال أمر المولى، لأنّ الملتفت إلى اشتراط الصلاة بالطهارة و نجاسة الشي‌ء الفلاني كيف يتمشى منه قصد الامتثال، إلّا إذا أراد اللعب و العبث بأمر المولى، أو التشريع المحرّم.

هذا مضافا إلى الإجماع القطعي على بطلان عمل الجاهل المقصّر و لو‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 683 في الباب: 1 من أبواب أفعال الصلاة الحديث: 14.

عن الصدوق في الخصال بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود. ثم قال عليه السّلام: القراءة سنة، و التشهد سنة، و التكبير سنة، و لا تنقض السنة الفريضة».

و روي صدره في الوسائل ج 1 ص 260 في الباب 3 من أبواب الوضوء. و غير ذلك من الأبواب المناسبة بأسانيد مختلفة. راجع تعليقة الوسائل ج 1 ص 260 للاطلاع على مصادر الحديث المذكور.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 141‌

..........

______________________________
كان معتقدا للصحة إلّا في موردين، كما هو المشهور، أحدهما: الإتمام في موضع القصر، الثاني: الجهر في موضع الإخفات و بالعكس، و هذا مانع آخر عن شمول الحديث المذكور الجاهل المقصّر.

بل يمكن القول بعدم شمول الحديث له في نفسه مع قطع النظر عن المحذورين المتقدمين- أعني الإجماع و لزوم تخصيص أدلّة المانعيّة بالفرد النادر أو المعدوم- و ذلك لأنّ المتفاهم عرفا من قوله عليه السّلام «لا تعاد الصلاة.»‌

إنّما هو بيان حكم الإعادة و تكرار العمل بعد الإتيان به أوّلا و إنّه لا تجب إعادة الصلاة بعد تحققها إلّا في موارد خمسة، و من المعلوم أنّ الجاهل المتردد الملتفت الشاك في صحة عمله شرعا لا يشمله الحديث، لحكومة العقل ببطلانه بمقتضى قاعدة الاشتغال. و بعبارة أخرى: المتفاهم عرفا من الحديث المذكور هو بيان حكم تكرار الصلاة و إعادتها بعد الإتيان بها باعتقاد الصحة، فالعالم بالبطلان وجدانا أو بحكم العقل- كما في الجاهل المتردد- لا يشمله الحديث و إن أمكن تحقق العمل منه رجاء في الصورة الثانية، لاختصاص الحديث- حسب الفهم العرفي- بمن يعتقد صحة الصلاة حين الإتيان، و أما المعتقد ببطلانه شرعا أو عقلا فلا يعمّه الحديث. نعم لا مانع من هذه الجهة عن شموله للجاهل الغافل الذي هو أحد قسمي الجاهل المقصّر إلّا أنّه قد عرفت تحقّق الإجماع على بطلان عمله أيضا. مضافا إلى استلزام شمول الحديث له تخصيص أدلة المانعيّة بالفرد النادر أو المعدوم.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أنّ مقتضى إطلاق أدلة مانعيّة النجاسة عن الصلاة هو بطلان صلاة الجاهل المقصر بكلا قسميه- الملتفت و الغافل- من دون مخصّص في البين كحديث «لا تعاد» و لا غيره. هذا كله في الجاهل المقصر.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 142‌

..........

______________________________
و أما الجاهل القاصر المعذور في جهله- اجتهادا أو تقليدا- فيحكم بصحة صلاته في النجس بمقتضى «حديث لا تعاد» الحاكم على أدلة الأجزاء و الشرائط و الموانع سوى الأمور الخمسة التي استثنيت في الحديث. و لا مانع من شموله له سوى ما قيل، أو يمكن أن يقال و هو أحد أمور ثلاثة:

أحدها: ما ذكره شيخنا الأستاذ «قده» من اختصاص الحديث بالناسي و نحوه، و عدم شموله للجاهل، مطلقا، مقصّرا كان أو قاصرا. و ذلك لأنّ الحكم بعدم الإعادة إنّما يصح في مورد يكون له شأنيّة الإعادة و يكون قابلا لها، بحيث لولا الحديث المذكور لحكم بوجوب الإعادة فيه، إلّا أن الشارع رفع الإلزام بها امتنانا و هذا إنّما يصح في مورد لا يمكن فيه الأمر بالواقع كما في الناسي، فإنّه لا يعقل خطابه بالجزء المنسي لعدم قدرته على الامتثال، فإذا ارتفع النسيان أمكن الأمر بإعادة الصلاة الفاقدة للجزء المنسي كالقراءة- مثلا- إلّا أنّ الشارع لم يأمر بها امتنانا إلّا في الموارد الخمسة. و هذا بخلاف الجاهل فإنّه مأمور بنفس الواقع، لصحة توجه التكليف به بالنسبة إليه، فهو مأمور بالإتيان بالمركب الواجد للأجزاء و الشرائط الفاقد للموانع، و لو كان بناءه على عدم وجوب جزء أو شرط أو عدم مانعيّة شي‌ء- اجتهادا أو تقليدا- و كان معذورا في المخالفة لجهله القصوري، إلّا أنّ العذر لا يوجب سقوط التكليف الواقعي، و إن أوجب عدم العقاب على مخالفته. فإذا لا يصح في حقه الأمر بالإعادة كي يرتفع امتنانا، لأنّه مأمور بنفس الواقع- أعني المركب الواجد للأجزاء و الشرائط الفاقد للموانع- فلا يكون مشمولا للحديث. و حينئذ فمقتضى إطلاق أدلة مانعيّة النجاسة عن الصلاة وجوب إعادتها لو صلّى في النجس و لو كان عن جهل قصوري.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 143‌

..........

______________________________
و الجواب عن ذلك: أنّ ما ذكره «قده» إنّما يتم فيما إذا لم يتجاوز المصلّي محل التدارك، كما إذا جهل بوجوب السورة- مثلا- اجتهادا أو تقليدا ثم التفت إلى وجوبها قبل الركوع فإنّه في هذا الحال يصح الخطاب بالقراءة و لا موجب لإعادة الصلاة و أما إذا علم بوجوبها بعد ما دخل في الركوع كان قابلا للأمر بالإعادة و عدمها، لعدم إمكان تدارك الجزء المجهول حينئذ بدون الإعادة، غير أنّه لم يؤمر بالإعادة امتنانا. فظهر أنّه لا فرق بين النسيان و الجهل في صحة تعلق الأمر بالإعادة بعد تجاوز محل المنسي أو المجهول، لوحدة الملاك و هو عدم إمكان الأمر بنفس الواقع المنسي أو المجهول، لعدم إمكان الامتثال و التدارك إلّا بإعادة الصلاة بتمامها. فالتحقيق هو شمول حديث «لا تعاد» للجاهل القاصر، فمن صلّى في النجس عن جهل قصوري صحت صلاته.

ثانيها: معارضة «حديث لا تعاد» ب‍ «صحيحة عبد اللّه بن سنان» المتقدمة «1» في خصوص المقام- أعني الصلاة في النجس جاهلا بالمانعيّة أو النجاسة- لوحدة اللسان فيهما، لدلالة الحسنة على وجوب الإعادة، و دلالة الحديث على عدمه، و النسبة بينهما إما أن تكون نسبة الخاص إلى العام فتقدم الحسنة لأنّها أخص مطلقا من الحديث، لدلالتها على وجوب الإعادة فيمن صلّى في النجس بعد العلم بموضوعه جاهلا بالمانعيّة، أو النجاسة، لأنّ موردها من علم بإصابة الجنابة أو الدم ثوبه قبل الصلاة ثم صلّى فيه، و الحديث يدل على عدم وجوب الإعادة، أو نسبة العموم من وجه، لشمول الحسنة للعالم المتعمد بخلاف الحديث فإنّه لا يعمّه، و شمول الحديث لغير‌

______________________________
(1) في الصفحة: 137.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 144‌

..........

______________________________
النجاسة من سائر الموانع أو الأجزاء و الشرائط بخلاف الحسنة، فإنّها تختص بالنجاسة، فتقع المعارضة بينهما في الجاهل بحكم النجاسة العالم بموضوعها، و مقتضى الحسنة وجوب الإعادة، و مقتضى الحديث عدمه، و بعد التساقط بالمعارضة لا بدّ من الرجوع إلى إطلاق أدلة مانعيّة النجاسة. فيحكم ببطلان صلاة الجاهل القاصر إذا صلّى في النجس.

و فيه: أنّ الأمر بالإعادة في الصحيحة ليس أمرا مولويا و إنّما هو إرشاد إلى شرطيّة الطهارة للصلاة أو مانعيّة النجاسة عنها، كسائر أدلة الأجزاء و الشرائط و الموانع المشتملة إما على الأمر المتعلق بالجزء أو الشرط، أو النهي عن المانع، أو المشتملة على الأمر بإعادة الصلاة عند فقد جزء أو شرط أو الاقتران بمانع. و الفرق بين الطائفتين إنّما هو في الدلالة المطابقيّة و الالتزاميّة، فإنّ الأمر بإعادة الصلاة المشتملة على وجود المانع يدل بالالتزام على مانعية ذاك الشي‌ء كالحسنة.

و بالجملة: لا فرق بين هذه الحسنة و غيرها من أدلة الأجزاء و الشرائط و الموانع في حكومة حديث «لا تعاد» عليها، و معها لا مجال لملاحظة النسبة و أنّها هل تكون بالعموم المطلق أو من وجه. و لعلّ منشأ توهم المعارضة هو وحدة اللسان في الحسنة و الحديث بالإعادة و عدمها، مع أنّك قد عرفت أنّ الأمر بالإعادة في الحسنة ليس هو إلّا للإرشاد إلى شرطيّة الطهارة أو مانعيّة النجاسة عن الصلاة، فيجري عليها ما يجري على سائر أدلة الأجزاء و الشرائط من محكوميّتها بحديث «لا تعاد».

ثالثها: دعوى: أنّ الطّهور في الحديث أعم من الطهارة الخبثيّة، فيدل على وجوب الإعادة فيما إذا صلّى في النجس جهلا، و لا أقل من كون الطهور مجملا بالإضافة إلى خصوص الطهارة الخبثيّة، فلا يدل الحديث على عدم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 145‌

..........

______________________________
الإعادة في الصورة المزبورة لسراية إجمال المستثنى إلى المستثنى منه، فلا يمكن التمسك بعموم «لا تعاد» و النتيجة: هي أنّ مقتضى أدلة مانعيّة النجاسة بطلان الصلاة. و لعلّ هذا أحسن الوجوه المذكورة في المقام.

و لكن يرد عليه: أنّ الأمر و إن كان كما ذكر من كون الطّهور أعمّ من الطهارة الخبثيّة، لما ذكرناه فيما سبق «1» من أنّ الطهور اسم لما يتطهر به كالوقود، و السحور، و الفطور، و غير ذلك، و هو بمعنى ما يحصل به المبدء، و الطهارة أعم من الحدثيّة و الخبثيّة، إلّا أنّ القرينة تمنعنا عن الأخذ بهذا الإطلاق في خصوص حديث «لا تعاد» و لعلّه لأجلها خصّ الفقهاء الحديث بالطهارة الحدثية، و القرينة: هي ما في ذيل الحديث من أنّ القراءة، و التشهد، و التكبير من السنّة، فيدل على أنّ غير الخمسة المذكورة في المستثنى ليست من الأركان، فلا تعاد منها الصلاة بل إنّما تعاد من الأركان الخمسة المذكورة في المستثنى التي ذكرت في الكتاب العزيز، و ليس منها الطهارة من الخبث.

حيث أشار- عزّ من قائل- إلى الركوع بقوله تعالى وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ «2» و بقوله تعالى يٰا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرّٰاكِعِينَ «3» و غيرهما من الآيات.

و إلى السجود بقوله تعالى فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السّٰاجِدِينَ «4» و بقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ. «5» و غيرهما.

و إلى القبلة بقوله تعالى:

______________________________
(1) ج 1 ص 13- 14 من كتابنا.

(2) البقرة 2: 44.

(3) آل عمران 3: 44.

(4) الحجر 15: 99.

(5) الحج 22: 78.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 146‌

..........

______________________________
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «1»، و بقوله تعالى وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ* «2»، و غيرهما.

و إلى الوقت بقوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ، وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً «3».

و إلى الطهارة الحدثية- الوضوء و الغسل و التيمم- بقوله تعالى «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ، وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً.» «4».

و الحاصل: أنّ تطابق الحديث مع الكتاب العزيز في ذكر الأركان الخمسة، و عدم ذكر الطهارة الخبثيّة في القرآن الكريم، بضميمة ما في ذيل الحديث: من أنّ غيرها من السنة، يكون قرينة على عدم إرادتها من الحديث أيضا، فيكون المراد من الطهور فيه خصوص الطهارة الحدثية.

هذا مضافا إلى فهم المشهور اختصاصه بالطهارة الحدثية. و مضافا إلى دلالة الروايات «5» الكثيرة على صحة الصلاة في النجس في الشبهات الموضوعيّة. بل في بعضها «6» الدلالة على صحتها حتى مع العلم بالنجاسة، كموارد الاضطرار و عدم إمكان التطهير، و موارد القروح و الجروح، و‌

______________________________
(1) البقرة 2: 145.

(2) البقرة 2: 150.

(3) الإسراء 17: 79.

(4) المائدة 5: 7.

(5) وسائل الشيعة ج 2 ص 1061 في الباب: 41 من أبواب النجاسات.

(6) وسائل الشيعة ج 2 ص 1066 في الباب: 45 من أبواب النجاسات. و ص 1028 في الباب: 22. و ص 1026 في الباب: 20. منها.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 147‌

و أما إذا كان جاهلا بالموضوع (1) بأن لم يعلم أنّ ثوبه أو بدنه لاقى البول- مثلا- فإن لم يلتفت أصلا، أو التفت بعد الفراغ من الصلاة صحت صلاته، و لا يجب عليه القضاء، بل و لا الإعادة في الوقت.

______________________________
الأقل من الدّرهم. فهذه القرائن تكون أقوى شاهد على عدم إرادة الطهارة الخبثيّة من الحديث، فلا تكون كالطهارة الحدثيّة من مقوّمات الصلاة. فإذا لا مانع من القول بعموم المستثنى منه للجاهل القاصر، كالناسي، و لا وجه لتخصيصه بالثاني، فالأقوى صحة صلاته. هذا تمام الكلام في الصورة الأولى و الثانية، و يأتي الكلام بعيد هذا في الصورة الثالثة، و هي الجهل بالموضوع.

(1) الصلاة في النجس جاهلا بالموضوع الصورة الثالثة من صور الصلاة في النجس هي الصلاة فيه جاهلا بموضوع النجاسة كما أشرنا فيما سبق «1».

و الجاهل به إما أن يستمر جهله إلى أن يفرغ من الصلاة، و إما أن يلتفت في الأثناء. فيقع الكلام في مقامين:

أما الأوّل- و هو فيما لو استمر جهل المصلّي إلى أن يفرغ من الصلاة- ففيه أقوال «2»:

أحدها- و هو الأشهر، بل المشهور- عدم وجوب الإعادة مطلقا، لا في الوقت، و لا في خارجه.

ثانيها: القول بوجوب الإعادة مطلقا. و لكن لم يتحقق قائله «3». و على تقدير وجوده فهو مردود بما ستعرف.

______________________________
(1) في الصفحة: 138.

(2) لاحظها في الحدائق: ج 5 ص 413. و في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه. ص 616.

(3) الجواهر: ج 6 ص 209.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 148‌

..........

______________________________
ثالثها: التفصيل بين الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه فيجب الأوّل دون الثاني كما عن جملة من القدماء و المتأخرين، كالشيخ في مياه النهاية، و الغنية، و النافع، و القواعد، و ظاهر جامع المقاصد، و الروضة، و المسالك. و عن المبسوط و المهذب و نهاية الأحكام و المختلف، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه
«1».

رابعها: التفصيل بين من شك و لم يتفحص و بين غيره فيعيد الأوّل دون الثاني.

و الصحيح هو القول الأوّل المشهور عند الأصحاب، لا لما قيل من أنّ أدلة اشتراط إزالة النجاسة لا تشمل صورة الجهل بالموضوع، لأنّ جلّها وردت بلفظ الأمر بالغسل، أو النهي عن الصلاة مع النجس، و لا يتنجز التكليف- بالفعل أو الترك- على الجاهل بالموضوع، بل لا يصح خطابه، فالشرطيّة المنتزعة عنهما تختص بمن تنجز في حقه التكليف و صح خطابه، و هو العالم به.

إذ فيه أوّلا: أنّ الأوامر المتعلقة بالأجزاء و الشرائط- كطهارة الثوب، أو البدن في الصلاة- إنّما هي أوامر غيرية إرشاديّة، و كذلك النواهي المتعلقة بالموانع كالنجاسة، لا أوامر مولويّة كي يتوهم عدم صحة توجهها إلى الجاهل، و من الواضح أنّ مقتضى إطلاق تلك الأوامر و النواهي عدم الفرق بين العالم و الجاهل لأنّها بمنزلة الإخبار، إذ لا فرق بين قول القائل: الطهارة شرط في الصلاة، و بين قوله: اغسل ثوبك من النجاسة للصلاة، في استفادة الشرطيّة المشتركة بين العالم و الجاهل بمقتضى الإطلاق.

______________________________
(1) الجواهر: ج 6 ص 211.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 149‌

..........

______________________________
و ثانيا: أنّ هذا لو تم فإنّما يتم في الغافل، و الجاهل المعتقد للخلاف، و الناسي لعدم صحة تكليف هؤلاء. و أما الجاهل البسيط- أعني الشاك في النجاسة- فلا محذور عقلا في توجه التكليف إليه، غاية الأمر أنّه معذور في المخالفة لو لا إيجاب الاحتياط الموجب لتنجزه. و الفرق بين ثبوت التكليف و تنجزه غير خفي. و يكفي في البطلان مجرد الأوّل، فلا موجب لتخصيص الأوامر المولويّة بالعالمين بالموضوع.

و ثالثا: أنّه قد دلت الأخبار و قام الإجماع- بل الضرورة- على اشتراك العالمين و الجاهلين في الأحكام الشرعيّة.

بل الوجه في الصحة: هو حديث «لا تعاد.» الشامل للجاهل المصلّي مع النجاسة، لما عرفت «1» من أنّ المراد بالطهور في المستثنى هو خصوص ما يتطهر به من الحدث فيبقى الطهارة الخبثيّة تحت عموم المستثنى منه، و لا تعاد الصلاة بالإخلال بها، و مقتضى إطلاق الحديث عدم وجوب الإعادة لا في الوقت و لا في خارجه.

و يعضده: الأخبار الكثيرة الدّالة على عدم وجوب الإعادة مطلقا:

منها: صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي، و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد» «2».

و منها: صحيح الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «في الدم يكون في الثوب، إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من قدر‌

______________________________
(1) في الصفحة: 140.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1059 في الباب: 40 من أبواب النجاسات، الحديث: 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 150‌

..........

______________________________
الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد الصلاة»
«1».

و منها: صحيحتا زرارة «2» و محمّد بن مسلم «3» الآتيتين.

و منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثم علم. قال: قد مضت صلاته و لا شي‌ء عليه» «4».

و منها: رواية ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم. قال: إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثم صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى، و إن كان لم يعلم فليس عليه إعادة» «5».

و نحوها غيرها و الفقهاء و إن اصطلحوا في لفظ الإعادة على كونها بمعنى الإتيان في الوقت، إلّا أنّها في لسان الروايات تكون أعم من القضاء، كما هو كذلك في اللغة بل بعضها يكون صريحا في عدم وجوب القضاء، ك‍:

صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل صلّى في ثوب رجل أياما ثم إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّى فيه؟ قال: لا يعيد شيئا من صلاته» «6».

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 في الباب: 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1053 في الباب: 37 من أبواب النجاسات، الحديث: 1. و قد ذكرها أيضا في الباب 41، 42، 44 منها.

(3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1069 في الباب: 47 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

(4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1059 في الباب: 40 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

(5) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1059 في الباب: 40 من أبواب النجاسات، الحديث: 3.

(6) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1069 في الباب: 47 من أبواب النجاسات، الحديث: 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 151‌

..........

______________________________
فإن الصلاة أياما في الثوب النجس لا تكون إعادتها إلّا بقضائها.

فتحصل إلى هنا أنّ الأقوى عدم وجوب القضاء، بل و لا الإعادة في الوقت، كما في المتن.

القول بالتفصيل بين الإعادة و القضاء نسب إلى جمع «1» من القدماء و المتأخرين القول بالتفصيل بينهما فيجب الأوّل دون الثاني. و يستدل لهم بروايتين كان مقتضى إطلاقهما وجوب الإعادة مطلقا حتى في خارج الوقت. إلّا أنّ نتيجة الجمع بينهما و بين غيرهما من الروايات هو التفصيل المذكور، كما سنبيّن.

و هما:

صحيح وهب بن عبد ربّه عن الصادق عليه السّلام: «في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم بها صاحبه، فيصلّي فيه، ثم يعلم بعد ذلك؟ قال: يعيد إذا لم يكن علم» «2».

و موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل صلّى و في ثوبه بول أو جنابة. فقال: علم به أو لم يعلم، فعليه إعادة الصلاة إذا علم» «3»:

______________________________
(1) كما في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص 616. و في الجواهر ج 6 ص 211: نسبته إلى الشيخ في مياه النهاية، و إلى الغنية، و النافع، و القواعد، و ظاهر جامع المقاصد، و الروض، و المسالك، و عن المبسوط، و المهذب، و نهاية الأحكام، و المختلف، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه كما تقدم في الشرح ص 131.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1059 في الباب: 40 من أبواب النجاسات، الحديث: 8.

(3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1059 في الباب: 40 من أبواب النجاسات، الحديث: 9.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 152‌

..........

______________________________
و تقريب الاستدلال بهما على الدعوى المذكورة هو أن يقال: إنّ مقتضى إطلاقهما و إن كان وجوب الإعادة مطلقا في الوقت و خارجه- كما أشرنا- إلّا أنّه لا بدّ من تقييدهما بما هو كالصريح في عدم وجوب القضاء، كصحيح عيص المتقدمة
«1» فتنقلب النسبة بينهما و بين النصوص النافية للإعادة مطلقا من التباين إلى العموم المطلق، و كان مقتضى الجمع بينهما و بين تلك هو التفصيل بين الوقت و خارجه حملا للمطلق على المقيد، فيلتزم بوجوب الإعادة في الوقت للروايتين، و بعدم وجوبها خارج الوقت للنصوص النافية.

و بعبارة واضحة: النصوص الواردة في المقام تكون على ثلاثة طوائف:

الأولى: النصوص النّافية للإعادة مطلقا في الوقت و خارجه، و هي الأخبار المتقدمة «2».

الثانية: النصوص المثبتة للإعادة كذلك، و هي هاتان الروايتان.

الثالثة: النص النافي لوجوب القضاء، كصحيح عيص المتقدم.

و النسبة بين الأولى و الثانية و إن كانت التباين، إلّا أنّه بعد تقييد الثانية بالثالثة جمعا بين المطلق و المقيد المتنافيين تنقلب النسبة بين الأولى و الثانية من التباين إلى العموم المطلق، لاختصاص المثبتة حينئذ بالإعادة في الوقت، و كان مقتضى الجمع بينهما هو حمل الطائفة الأولى على عدم وجوب القضاء خارج الوقت، و الثانية على وجوب الإعادة في الوقت.

و لا يخفى: أن مقتضى الجمع بين مجموع نصوص المقام و إن كان‌

______________________________
(1) في الصفحة: 150.

(2) في الصفحة: 149.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 153‌

..........

______________________________
ما ذكر لصحة انقلاب النسبة عندنا، فلا إشكال
«1» من هذه الجهة. إلّا أنّه لا يمكن الالتزام به هنا:

أما أوّلا: فلما في متن الروايتين من الاضطراب و التشويش الموجب لعدم الاعتماد على ما يتراءى منهما من وجوب الإعادة أو رجحانها.

أما صحيحة وهب فهي و إن تمت سندا إلّا أنّها قاصرة دلالة، و ذلك لعدم إمكان العمل بها، لظهورها في تعليق وجوب الإعادة على الجهل بالنجاسة، فلا تجب مع العلم، كما هو مقتضى الشرطية في قوله عليه السّلام: «يعيد إذا لم يكن علم» منطوقا و مفهوما. و هذا مما لا يمكن صدوره من المعصوم عليه السّلام لأنّ وجوب الإعادة مع العلم أولى- جزما- فعليه لا بدّ من الالتزام بعدم إرادة المفهوم من الشرطيّة. و حينئذ كان الأنسب التعبير بأداة الوصل ك‍ «إن» الوصليّة أو غيرها بأن يقول عليه السّلام: «يعيد و إن لم يكن علم». أو: «حتّى إذا لم يكن علم» أو: «و لو لم يكن علم» و نحو ذلك فكانت تدل حينئذ على مطلوب الخصم. إلّا أنّ الرواية ليست كذلك، إذ فيها التعبير بأداة الشرط التي لا يمكن العمل بظاهرها. و من هنا نظن- بل نطمئنّ- بسقوط كلمة في الرواية. و لعلّها‌

______________________________
(1) تعريض على ما في الجواهر- ج 6 ص 212- و أوضحه في مصباح الفقيه المحقق الهمداني- ص 617- من استلزام الجمع المذكور التصرف في كل من الدليلين- الدليل النافي للإعادة مطلقا، و الدليل المثبت لها كذلك- من دون شاهد خارجي في المقام. و مجرد كون الإعادة في الوقت متيقن الإرادة مما ورد فيه الأمر بالإعادة لا يصلح أن يكون شاهدا للجمع بين الأخبار المتنافية بظاهرها، و إلّا لأمكن الجمع في جلّ الأخبار المتناقضة- بل كلها- بهذا الوجه.

و الجواب عن ذلك: هو وجود شاهد للجمع، و هو ما دل على نفي القضاء خاصة، أعني الطائفة الثالثة من الأخبار. إذ بها تنقلب النسبة بين المتعارضين بالتنافي إلى العموم المطلق، و يكون الجمع المذكور على طبق القواعد، كما قربناه في الشرح.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 154‌

..........

______________________________
كلمة: «لا» و أنّ العبارة كانت هكذا: «لا يعيد إذا لم يكن علم»
«1» كما هو مفروض السؤال فيها فإنّ مفروضها جهل المصلّي بنجاسة ثوبه. أو يحمل قوله عليه السّلام «يعيد.» على الاستفهام الإنكاري بحذف أداة الاستفهام «2» و مرجعه إلى نفي وجوب الإعادة على الجاهل. و طرو هذه الاحتمالات أو غيرها «3» في هذه الصحيحة مما يوجب إجمالها المسقط لها عن الحجيّة. هذه حال الصحيحة.

و أما موثقة أبي بصير فهي أيضا كالصحيحة مجملة و ذلك لأنّ قوله عليه السّلام:

«فعليه إعادة الصلاة إذا علم» يحتمل معنيين.

أحدهما: أن تكون الشرطيّة لبيان تنجز التكليف بالإعادة، لأنّها إنّما‌

______________________________
(1) و قد جاءت الرواية في نسخ التهذيب المطبوع أخيرا- ج 2 ص 360. الحديث: 1491 طبعة دار الكتب الإسلامية- هكذا «قال: لا يعيد إذا لم يكن علم» و كذا في الاستبصار- ج 1 ص 181، الحديث: 635. طبعة دار الكتب الإسلامية- و لكن قد عرفت أنّ نقل صاحب الوسائل عنهما لا يشتمل على كلمة «لا» فيظهر أنّ نسخ الكتابين مختلفة، و لكن يظهر من تصدى الشيخ «قده» لحملها في كتابيه- التهذيب و الاستبصار- على عدم العلم بالنجاسة حال الصلاة و قد سبقه العلم بذلك قبلها- أي على النسيان- كما نشير إلى ذلك في التعليقة الآتية: أنّ روايته لها لا تشتمل على كلمة «لا» و إلّا فعدم الإعادة إذا لم يعلم بالنجاسة أصلا مما لا إشكال فيه.

(2) كما احتمله صاحب الوسائل «قده» في ذيل رواية أبي بصير ج 2 ص 1061 في ذيل الحديث: 9.

(3) و قد حملها الشيخ «قده» في التهذيب- ج 2 ص 360- و في الاستبصار- ج 1 ص 181 المطبوعين لدار الكتب الإسلامية- على أنّه إذا لم يعلم حال الصلاة و كان قد سبقه العلم بحصول النجاسة في الثوب- بمعنى أنّه نسي حتّى صلّى فيه- وجبت عليه الإعادة كما ذكرنا آنفا و لا يخفى بعده. و حملها بعضهم على الاستحباب. و احتمل الهمداني «قده»- في مصباح الفقيه ص 617- قويا كون الصحيحة مسوقة لبيان حكم الفرع المعنون في كلمات الفقهاء، و هو ما لو رأى الجنابة بثوبه المختص فقوله عليه السّلام: «يعيد إذا لم يكن علم» يعني أنّ الشخص الذي فرضه السائل- و هو من أصاب ثوبه جنابة و لم يعلم بها، فصلّى فيه، ثم علم بذلك بعد الصلاة- يعيد صلاته إذا لم يكن علم بذلك من أصله، يعني لم يكن عالما بأصل الجنابة، احترازا عما لو كان عالما بها مغتسلا منها فلا يعيد حينئذ و لا يخفى بعده أيضا لعدم دلالتها على أنّ المني الذي أصاب الثوب كان منه.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 155‌

..........

______________________________
تكون بعد العلم بالخلل الذي هو شرط عقلي في تنجز التكليف بها، فيكون بيانا لحكم عقلي- و هو اشتراط التنجّز بالعلم- و هذا أمر واضح لا سترة فيه. فعليه يكون قوله عليه السّلام قبل ذلك: «علم به أو لم يعلم» لبيان التسوية بين صورتي العلم و الجهل في وجوب الإعادة متى علم بالخلل، و حينئذ تكون الرواية مخالفة لمذهب المشهور و دليلا للخصم.

الثاني: أن تكون الشرطية لبيان تعليق الحكم الواقعي على العلم. و المعنى حينئذ: أنّه تجب الإعادة إذا علم بالنجاسة قبل الصلاة، و يكون مفهومه: «عدم الوجوب إذا لم يعلم. فعليه يكون قوله عليه السّلام: «علم به أو لم يعلم» لبيان التشقيق لا التسوية، و تكون الشرطيّة لبيان تخصيص الحكم بوجوب الإعادة بأحد الشقين بالمنطوق و عدم وجوبها في الشق الآخر بالمفهوم، فلا تكون حينئذ منافية لسائر الأخبار الدالة على مذهب المشهور، من عدم وجوب الإعادة في صورة الجهل بالنجاسة. إلّا أنّه لأجل ترددها بين الاحتمالين- كون العلم شرطا لتنجز التكليف، و كونه شرطا للحكم الواقعي- تكون مجملة لا يمكن الاعتماد عليها، لو لم نقل بظهورها في الاحتمال الثاني الموافق للمشهور. و أما ثانيا: فلإباء جملة من الأخبار النافية عن الحمل على خارج الوقت، لأنّها كالنص في الإطلاق، إذ:

منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به؟ قال: عليه أن يبتدئ الصلاة. قال: و سألته عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثم علم؟ قال: مضت صلاته و لا شي‌ء عليه» «1».

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1059 في الباب: 40 من أبواب النجاسات، الحديث 2. و في طريقها «محمّد بن عيسى اليقطيني» و قد اختلف العلماء في شأنه و لكنّه ممن وقع في أسناد كامل الزيارات ب 3 ح 9 ص 19. و ب 14 ح 10 ص 52.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 156‌

..........

______________________________
و هذه كالصريحة في عدم وجوب الإعادة في الوقت، لأنّ مفروض السؤال الثاني هو العلم بالنجاسة بعد الفراغ من الصلاة في مقابل ما لو علم بها في أثناء الصلاة، كما هو مفروض السؤال الأوّل، فكيف يمكن حملها على ما لو علم بالنجاسة بعد خروج الوقت؟

و منها- و هي أصرح من الأولى-:

صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلي. قال: لا يؤذنه حتّى ينصرف» «1».

فإنّ «حتى» غاية لعدم الإيذان، فإذا آذنه بعد الفراغ من الصلاة لا يجب عليه الإعادة و إلّا فلا فرق بين الإيذان حال الصلاة أو بعدها في الوجوب.

و منها: صحيحة زرارة، و هي أصرح من سابقتيها لما فيها من تعليل عدم الإعادة عند وجدان النجاسة بعد الصلاة مع كونه ظانا بإصابتها حال الصلاة- باستصحاب الطهارة المشترك بين الوقت و خارجه، و إلّا تعيّن التعليل بخروج الوقت دونه. قال فيها: «قلت: فإنّ ظننت أنّه قد أصابه و لم أتيقّن ذلك، فنظرت فلم أر فيه شيئا، ثم صلّيت فرأيت فيه؟ قال: تغسله، و لا تعيد الصّلاة. قلت: لم ذاك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا.» «2»

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1059 في الباب: 40 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1061 في الباب: 41 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 157‌

..........

______________________________
و يستفاد من التعليل المذكور أنّ الشرط الواقعي للصلاة إنّما هي الطهارة، أعم من كونها واقعيّة أو ظاهريّة، لا خصوص الطهارة الواقعيّة، و إلّا لم يكن الاستصحاب علّة لعدم الإعادة، بل كان علة للدخول في الصلاة مع الشك لا لعدم الإعادة بعد انكشاف الخلاف. إلّا على القول بإجزاء الأمر الظاهري، و لا نقول به.

و الحاصل: أنّ المستفاد من تعليل عدم الإعادة باستصحاب الطهارة هو صحة الصلاة واقعا و لو انكشف الخلاف بعد ذلك، فلا مجال لإعادتها، لا في الوقت و لا في خارجه، و معه كيف يمكن حملها على عدم الإعادة خارج الوقت؟

و عليه لا بدّ من حمل الروايتين- صحيحة وهب و موثقة أبي بصير- الآمرتين بالإعادة مطلقا على الاستحباب، لوقوع التعارض بينهما و بين هذه الروايات- و لا سيما صحيحة زرارة- بالتباين من دون إمكان حملها على خارج الوقت. و لعلّه لذلك احتاط المصنف «قده» استحباب بالإعادة في الوقت.

ثم أنّ هناك تفصيلا آخر «1» بين المتردد التارك للفحص، و بين غيره، فتجب الإعادة على الأوّل دون الثاني.

و يستدل له بروايات:

منها: ما في صحيحة زرارة المتقدمة: «قلت فإن ظننت أنّه أصابه و لم‌

______________________________
(1) حكي ذلك عن المفيد في المقنعة، و عن ظاهر الشيخ في شرحه في التهذيب، و عن ظاهر الصدوق في الفقيه، و عن الذكرى احتماله، و في الحدائق ج 5 ص 416 الميل إليه راجع المجلد المذكور منه من ص 414- 417 عند نقله أقوال الأعلام المشار إليهم. و كذلك الجواهر ج 6 ص 212- 213.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 158‌

..........

______________________________
أتيقن ذلك، فنظرت فلم أر شيئا، ثم صلّيت فرأيت فيه. قال: تغسله، و لا تعيد الصّلاة»
«1».

بدعوى: أنّ الحكم بعدم الإعادة إنّما ترتب فيه على ظن الإصابة مع النظر و عدم الرؤية، فيفهم منه وجوب الإعادة مع الظن المذكور و عدم النظر «2».

و يدفعها أوّلا: أنّ فرض النظر و الفحص بعد الظن بالإصابة إنّما ورد في كلام السائل لا في جواب الإمام عليه السّلام فلا ينافي ذلك ثبوت الحكم- أعني عدم الإعادة- مطلقا حتى في صورة عدم النظر.

و ثانيا: أنّ تعليله عليه السّلام الحكم بعدم الإعادة- بعد سؤال الرّاوي عن العلة- باستصحاب الطهارة قرينة ظاهرة على عدم الاختصاص بصورة الفحص، لجريانه حتى بدون الفحص. و قد قال الرّاوي: «قلت: لم ذاك؟»- يعني عدم الإعادة- قال: «لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» «3». فإنّ التعليل المذكور دالّ على أنّ عدم الإعادة مسبب عن كونه متطهرا في مرحلة الظاهر حال الصلاة فهو بنفسه علة لعدم الإعادة من غير أن يكون للفحص الذي فرضه السائل في المورد دخل في ذلك. و من المحقق في محله: أنّ جريان استصحاب الطهارة في الشبهات الموضوعية لا يتوقف على الفحص.

و ثالثا: أنّ الصحيحة بنفسها قد صرّحت بعدم وجوب الفحص، لما في ذيلها: «قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شي‌ء أن أنظر فيه؟

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1061 في الباب: 41 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

(2) و قد مال إلى الاستدلال به في الحدائق ج 5 ص 415.

(3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1061 في الباب: 41 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 159‌

..........

______________________________
فقال: لا، و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك.»
«1».

لدلالة قوله عليه السّلام في الجواب: «إنّما تريد.» على انحصار فائدة الفحص في ذهاب الشك الموجب للوسوسة و تشويش البال، فلو كان للفحص ثمرة أخرى، و هي عدم الإعادة عند انكشاف الخلاف- كما هو دعوى الخصم- لم تكن الثمرة منحصرة في ذهاب الشك، بل كان التنبيه على هذه الفائدة الشرعية أولى من التنبيه على فائدة تكوينيّة.

و بما ذكرنا يندفع توهم: أنّ عدم وجوب الفحص عند الشروع في الصلاة لا ينافي وجوب الإعادة لو انكشف الخلاف بعد ذلك.

وجه الاندفاع: هو ما ذكرناه من دلالة تعليله عليه السّلام لعدم وجوب الإعادة باستصحاب الطهارة على كفاية الطهارة الظاهريّة في صحة الصلاة واقعا، فلا مجال للإعادة، لأنّ الطهارة الظاهرية توجب صحة الصلاة واقعا و هي متحققة في المقام بلا حاجة إلى الفحص بنصّ هذه الصحيحة و غيرها لأنّها من الشبهات الموضوعيّة.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ذكر المنيّ فشدّده فجعله أشد من البول. ثم قال: إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة. و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صلّيت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك، فكذلك البول» «2».

بدعوى: أنّ مفهوم اشتراط عدم الإعادة بالنظر في الشرطيّة الثانية بقوله عليه السّلام: «و إن أنت نظرت.» هو وجوب الإعادة على تقدير ترك النظر لو رأى النجاسة بعد الصلاة.

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1053 في الباب: 37 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1061 في الباب: 41 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 160‌

..........

______________________________
و يدفعها: أنّ المقابلة بين الشرطيتين قرينة على أنّ التعبير بالنظر ليس لخصوصيّة فيه بل لكونه مقدمة للرؤية غالبا، فالمقصود بالشرطيّة الثانية- على ما يشهد به سياق العبارة- هو بيان مفهوم القيود المذكورة في الشرطيّة الأولى. فكأنه قال عليه السّلام: إن رأيت المنيّ قبل الصلاة أو في أثنائها فعليك الإعادة، و إن رأيته بعد الصلاة فلا إعادة عليك. فالتعبير بالنظر إنّما كان لأجل أنّ المتردد في إصابة المنيّ أو نجاسة أخرى لثوبه ينظر إليه غالبا لتعرّف الحال و دفع الوسوسة عن نفسه.

و منها: رواية ميمون (منصور) الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة. فقال: الحمد للّه الذي لم يدع شيئا إلّا و له حدّ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة» «1».

و نحوها مرسلة الصدوق «قال: و قد روي في المنيّ أنّه إن كان الرجل حيث قام نظر و طلب فلم يجد شيئا فلا شي‌ء عليه، فإن كان لم ينظر و لم يطلب فعليه أن يغسله و يعيد صلاته» «2».

و الظاهر اتحادها مع سابقتها. و كيف كان فلا مجال للإشكال في دلالتهما على مطلوب الخصم، و هما العمدة في المقام. إلّا أنّه لا يمكن الاعتماد عليهما بوجه:

أما أوّلا: فلضعفهما سندا، أما المرسلة فواضح، و أما سابقتها فبجهالة (ميمون الصّيقل) و في الكافي نقل الرواية عن (منصور الصيقل) و الظاهر أنّه‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1061 في الباب: 41 من أبواب النجاسات، الحديث: 3.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1061 في الباب: 41 من أبواب النجاسات، الحديث: 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 161‌

..........

______________________________
سهو، و ذلك بقرينة رواية سيف عن ميمون الصّيقل كثيرا
«1».

و كيف كان فلا فرق بينهما في الضعف لجهالة كليهما- ميمون و منصور- فلا أثر لتعيين الراوي.

و أمّا ثانيا: فلمعارضتهما بصحيحة زرارة المتقدمة «2» حيث علّل فيها عدم وجوب الإعادة باستصحاب الطهارة المشترك بين الفاحص عن النجاسة و غيره، و في هاتين قد علّق ذلك على النظر. هذا مضافا إلى ما في الصحيحة من عدم وجوب النظر حيث سأل الرّاوي الإمام عليه السّلام و قال: «فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شي‌ء أن أنظر فيه؟ فقال عليه السّلام: «لا» فمقتضى الجمع حينئذ هو أن يكون النظر طريقا للرؤية لا أنّ له موضوعية في الحكم بعدم الإعادة، فلا يجب لو لم ير النجاسة قبل الصلاة أو في أثنائها، سواء نظر أم لم ينظر و لو كان عدم الإعادة ثمرة للنظر قبل الصلاة لكان المناسب الأمر به إرشاد إلى عدم الوقوع في كلفة الإعادة، كما أمر بالاستبراء لئلّا يقع في كلفة إعادة الطهارة و غسل الثوب من البلل المشتبهة الخارج بعد البول.

بل تعارضهما صحيحة محمّد بن مسلم و أبي بصير المتقدمتين «3»،

______________________________
(1) روي هذا الخبر في التهذيب ج 2 ص 202 و ج 1 ص 424 عن عبد اللّه بن جبلة عن سيف عن ميمون الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و عن الاستبصار أنّه رواه عن عبد اللّه بن جبلة عن سعد عن ميمون الصيقل و لكن في الطبع الحديث ج 1 ص 182- 183 عن سيف عن منصور الصيقل.

و في الكافي ج 3 ص 406 رواه عن عبد اللّه بن جبلة عن سيف عن منصور الصيقل عنه عليه السّلام.

و قال في جامع الرواة- ج 2 ص 286- في ترجمة «ميمون الصيقل»: «الظاهر أنّ «سعد» في الاستبصار سهو، و الصواب «سيف» لقرب طبقته به- يعني بميمون الصيقل- و اتحاد الخبر، و رواية عبد اللّه بن جبلة عنه و كذا «منصور الصيقل» في الكافي سهو، و الصواب «ميمون» بقرينة اتحاد الخبر أيضا» و قد أشار إلى ذلك أيضا في ترجمة «منصور الصيقل» ج 2 ص 268 فلاحظ.

(2) في الصفحة: 157.

(3) في الصفحة: 155- 156.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 162‌

و إن كان أحوط (1). و إن التفت في أثناء الصلاة فإن علم سبقها و إن بعض صلاته وقع مع النجاسة بطلت مع سعة الوقت للإعادة (2).

______________________________
لدلاتهما على عدم وجوب الإعادة لو علم بالنجاسة بعد الصلاة، في مقابل ما إذا علم بها قبل الصلاة أو في أثنائها. فهما- كما تدلان على عدم الإعادة لو علم بها بعد الصلاة سواء في الوقت أو في خارجه كذلك- تدلان عليه سواء فحص عن النجاسة قبل الصلاة أم لا
«1» فتحصل: أنّ الأقوى هو ما عليه المشهور من عدم وجوب القضاء بل و لا الإعادة، من دون فرق بين سبق الفحص عن النجاسة قبل الصلاة و عدمه.

(1) خروجا عن خلاف من ذهب إلى وجوبها، كما سبق «2».

(2) لو علم بالنجاسة أثناء الصلاة قد سبق الكلام فيما لو استمر الجهل بالنجاسة إلى تمام الصلاة.

و يقع الكلام هنا فيما لو التفت إليها في الأثناء، و يكون ذلك على صور ثلاث أشار إليها في المتن، لأنّه إما أن يعلم بسبقها على الدخول في الصلاة بإحدى القرائن و الأمارات الدالة على ذلك، كيبوسة النجاسة على بدنه- و إن كان حال دخوله في الصلاة جاهلا بها- أو يعلم بعروضها في الأثناء، و على الثاني إمّا أن يعلم بعروضها قبل زمان الرؤية بحيث وقع بعض أجزاء الصلاة في النجس، أو أنّه لا يعلم بذلك إمّا بأن يعلم بطروها حين الالتفات إلى النجاسة أو يحتمل ذلك فيستصحب عدمها إلى زمان الالتفات. و النتيجة:

______________________________
(1) و لا يخفى أنّ ما ذكر إنّما هو مقتضى إطلاق هاتين الروايتين، و هو قابل للتقييد بما استدل به للخصم، لأنّ مفهومه وجوب الإعادة إذا لم ينظر قبل الصلاة و لو علم بالنجاسة بعد الفراغ منها. إلّا أنّ الذي يهون الخطب ضعف دليله سندا كما ذكر في الشرح.

(2) في الصفحة: 151.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 163‌

..........

______________________________
أنّه يحرز عدم وقوع الأجزاء السابقة في النجس إمّا وجدانا أو بالاستصحاب، فهذه صور ثلاث أشار إليها في المتن.

الأولى: ما إذا علم بسبق النجاسة على الدخول في الصلاة.

الثانية: ما إذا علم بسبقها في بعض الأجزاء السابقة لا من أوّل الصلاة.

الثالثة: ما إذا علم أو احتمل طروّها حين الالتفات إلى النجاسة، بحيث يحرز عدم وقوع الأجزاء السابقة في النجس إمّا وجدانا أو بالأصل.

و الظاهر أنّه أشار «قده» إلى الأوليتين بقوله: «فإن علم سبقها و أنّ بعض صلاته وقع مع النجاسة.» إذ الظاهر أنّ مراده من بعض الصلاة أعم من جميع الأجزاء السابقة على الالتفات أو بعضها. و إلى الثالثة بقوله: «و إن علم حدوثها في الأثناء مع عدم إتيان شي‌ء من أجزائها مع النجاسة.» هذه صور المسألة. و أمّا حكمها فالمنسوب «1» إلى المشهور أو الأكثر هو الحكم بالصحة في جميع الصور الثلاث. و عليه فإن أمكنه الإزالة أثناء الصلاة- بتطهير بدنه أو ثوبه أو إلقاءه إن كان عليه ثوب آخر أو استبداله و التستر بغيره على وجه لم يحصل منه إخلال بشرائط الصلاة من الستر و الاستقبال و نحوهما و لم يصدر ما ينافيها من الفعل الكثير و التكلم و نحوهما- وجبت الإزالة في الأثناء بأيّ وجه أمكن ما لم يستلزم إخلالا بالشرائط أو فعلا كثيرا ثمّ يتم الصلاة. نعم لو تعذر التجنب عن النجاسة إلّا بما يبطل الصلاة استأنف.

و استدلّ لهم، أمّا بالنسبة إلى الصورة الثالثة- و هي ما إذا علم أو احتمل طروّ النجاسة حين الالتفات- فبالروايات «2» الواردة في الرعاف،

______________________________
(1) كما في الحدائق ج 5 ص 427 و الجواهر ج 6 ص 222- 223.

(2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1244 في الباب: 2 من أبواب قواطع الصلاة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 164‌

..........

______________________________
الدالّة على صحة الصلاة مع إمكان التطهير في الأثناء. لأنّ موردها هو حدوث النجاسة في أثناء الصلاة من دون سبق علم بوجودها قبل زمان الالتفات، إذ تدل هذه الروايات على أنّ عروض النجاسة في الأثناء غير مانع عن الصلاة. و أما بالنسبة إلى الصورة الأولى و الثانية- و هما ما لو علم بوقوع الصلاة في النجس من أوّلها أو ببعض أجزائها السابقة- فبهذه الروايات، بضميمة فحوى ما دل من الأخبار المتقدمة
«1» على صحة الصلاة الواقعة في النجس لو علم بعد الفراغ.

و قد وافق المصنف «قده» المشهور في الحكم بالصحة في الصورة الثالثة فقط دون الأوليتين حيث حكم فيهما بالبطلان في سعة الوقت و لو مع إمكان الإزالة في الأثناء. و المختار عندنا هو إلحاق الصورة الثانية بالثالثة في الحكم بالصحة، فلا تبطل الصلاة إلّا في الصورة الأولى.

و توضيح الحال في المقام يستدعي بسط الكلام في كلّ من الصور، و يقع البحث فيها تارة في سعة الوقت و أخرى في الضيق فنقول:

أمّا الصورة الثالثة فالصحيح فيها هو ما عن المشهور حكما و دليلا، لأنّ الروايات المشار إليها- أعني ما وردت في الرّعاف أثناء الصلاة- تكفي في الدلالة على الصحة، إذ موردها- بعد إلغاء خصوصيّة دم الرعاف- هو عروض النجاسة في الأثناء و تذكّره لها حين حصولها، كما هو مفروض الصورة الثالثة. و هي أخبار كثيرة فيها الصحاح، و غيرها:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الرّجل يصيبه الرّعاف و هو في الصلاة؟ فقال: إن قدر على ماء عنده- يمينا، أو شمالا،

______________________________
(1) في الصفحة: 149.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 165‌

..........

______________________________
أو بين يديه- و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصلّ ما بقي من صلاته، و إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته»
«1».

و الظاهر أنّ ذكر الاستدبار، و التكلم فيها من باب المثال، و إلّا فجميع الأفعال المنافية توجب البطلان.

و منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّعاف أ ينقض الوضوء؟ قال: لو أنّ رجلا رعف في صلاته، و كان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله، فقال [فمال ظ] برأسه، فغسله، فليبن على صلاته و لا يقطعها» «2».

و نحوهما غيرهما «3»، و من جملتها ما في:

صحيحة زرارة المتقدمة- الواردة في دم الرعاف أيضا و كذلك المني- من قوله عليه السّلام فيها: «و إن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت و غسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنّك لا تدري لعلّه شي‌ء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا» «4».

لدلالته صريحا على أنّ عروض النجاسة في أثناء الصلاة لا توجب البطلان، سواء علم بعروضها حين الالتفات، أو احتمل ذلك، كما إذا كانت رطبة لا يحتمل عادة وجودها من قبل، فإنّه حينئذ يستصحب عدمها إلى حين الالتفات إليها.

فإنّ قوله عليه السّلام: «لعلّه شي‌ء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1245 في الباب: 2 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث: 6.

(2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1246 في الباب: 2 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث: 11.

(3) في الباب المتقدم.

(4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1065 في الباب: 44 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 166‌

..........

______________________________
بالشك أبدا» كالصريح في أنّ طرو النجاسة في أثناء الصلاة لا يوجب البطلان فيما إذا لم يقع شي‌ء منها في النجس و لو بحكم الاستصحاب، لتحقق الشرط الّذي هو أعم من الطهارة الواقعيّة و الظاهريّة.

و المتحصل من هذه الروايات: عدم اعتبار الطهارة في الأكوان الصلاتية، أعني الآنات المتخلّلة بين الأجزاء. و أما الأجزاء السابقة فالمفروض إحراز الطهارة فيها بالوجدان أو بالأصل. و أما الأجزاء اللاحقة فكذلك، لأنّ المفروض تحصيل الطهارة لها أيضا.

فما عليه المشهور- بل قيل «1» إنّه إجماعي- من الحكم بالصحة في هذه الصورة ممّا لا إشكال فيه حكما و دليلا في سعة الوقت فضلا عن الضيق.

و أما الصورة الأولى- و هي ما إذا علم في الأثناء بوجود النجاسة قبل الدخول في الصلاة- فقد أشرنا إلى أنّ المشهور فيها أيضا هو الحكم بالصحة كالصورة الثالثة فيزيل النجاسة لو أمكن و يمضي في صلاته من دون فرق بين سعة الوقت و ضيقه و يستدل له بوجهين.

أحدهما ما أشرنا إليه من ضم روايات الرعاف الدالّة على عدم مانعيّة النجاسة عن الأكوان المتخللة بين الأجزاء لو أزيلت في الأثناء إلى فحوى الروايات المتقدمة الدالة على صحة الصلاة مع استمرار الجهل بالنجاسة إلى ما بعد الفراغ، فإنّها لو دلت على الصحة في فرض استمرار الجهل لدلت بالأولوية القطعيّة على صحتها فيما لو ارتفعت النجاسة في الأثناء و اقترنت باقي الأجزاء بالطهارة، فإنّ الصلاة الواقعة ببعضها في النجاسة المجهولة أولى بالصحة من الواقعة بتمامها فيها.

______________________________
(1) الجواهر ج 6 ص 226.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 167‌

..........

______________________________
و منه يعلم وجه الاستدلال على الصحة في الصورة الثانية كما سبق أيضا
«1»، لوقوع بعض الصلاة- في مفروضها- في النجس أيضا دون تمامها، بل هي أولى بالصحة كما لا يخفى. و النتيجة: أنّ المستفاد من تلك الروايات أنّ النجاسة الواقعيّة لا تمنع عن صحة الصلاة ما لم يعلم بها المصلّي، سواء استمر جهله بها إلى أن فرغ من الصلاة أو علم بها في الأثناء و أزالها، لكفاية الطهارة الظاهرية في الصحة الواقعية كما سبق.

أقول: إنّ هذا الوجه تام لا بأس بالاستدلال به للصحة في الصورتين- الأولى و الثانية كما تقتضيه قاعدة معذورية الجاهل بالنجاسة في الصلاة- هذا و لكن الظاهر من جملة من الأخبار بطلان الصلاة و وجوب استينافها فيما لو علم بسبق النجاسة على الصلاة، و لذا حكي «2» عن جماعة من المتأخرين تقوية القول بالبطلان في هذه الصورة، خلافا للمشهور و لا محذور عقلا في الفرق بين استمرار الجهل إلى آخر الصلاة و بين الالتفات إلى النجاسة في الأثناء فيحكم بالصحة في الأوّل دون الثاني و إن أمكن الإزالة، لأنّ الأحكام الشرعيّة تعبدية لا طريق للعقل إلى كشفها، و هي عدّة روايات:

منها: صحيحة زرارة المتقدمة آنفا، لما فيها من قوله: «قلت له: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة؟ قال: تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و إن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت و غسلته ثمّ بنيت على الصلاة، لأنّك لا تدري لعلّه شي‌ء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا» «3».

______________________________
(1) في الصفحة: 163.

(2) كما في مصباح الفقيه للمحقق الهمداني كتاب الطهارة ص 620.

(3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1065 في الباب: 44 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 168‌

..........

______________________________
فإنّها كالصريح في التفصيل بين ما لو وقعت الصلاة من أولها في الثوب النجس- كما لو كانت النجاسة يابسة لا يحتمل عروضها في الأثناء- و بين ما لو عرضت في الأثناء، و إنّه يجب عليه نقض الصلاة و الإعادة بعد التطهير في الأوّل و البناء عليها بعد الغسل في الثاني، لقيام احتمال طرو النجاسة الرطبة في الأثناء، فيستصحب عدمها إلى حين الالتفات. هذا مضافا إلى أنّ مفهوم التعليل بقوله عليه السّلام: «لأنّك لا تدري لعلّه شي‌ء أوقع عليك.» هو بطلان الصلاة فيما إذا علم بوقوعها في النجس من أولها، لعدم جريان الاستصحاب مع العلم بالخلاف.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة «1»، الواردة في الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلي؟ قال: «لا يؤذنه حتى ينصرف».

فإنّها تدل على أنّ العلم بالنجاسة- الحاصل بإعلام الغير أثناء الصلاة- يوجب البطلان بخلاف ما إذا أخبر بها بعد الفراغ.

و منها: صحيحته الأخرى المتقدمة أيضا «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ذكر المنيّ فشدّده فجعله أشدّ من البول. ثمّ قال: إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك، فكذلك البول».

فإنّها أيضا تدل على البطلان لو التفت إلى النجاسة السابقة في الأثناء- كما هو مفروض الصورة الأولى في المقام- فإنّ ذكر المنيّ قرينة على سبق النجاسة على الصلاة، لبعد عروضه أثناء الصلاة- جدّا- إذ ليس المنيّ كسائر النجاسات الّتي يحتمل وقوعها عليه أثناء الصلاة، كالدم و نحوه. نعم قد يعلم‌

______________________________
(1) في الصفحة: 156.

(2) في الصفحة: 159.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 169‌

..........

______________________________
به قبل الصلاة و أخرى بعد الدخول فيها- كما هو مفروض الرواية- و في كلا الفرضين أمر عليه السّلام بالإعادة
«1».

و منها: موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في «رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به. قال: عليه أن يبتدئ الصلاة. قال: و سألته عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثم علم. قال: مضت صلاته و لا شي‌ء عليه» «2».

فإنّ المراد بالسؤال الأوّل- بقرينة المقابلة مع الثاني- هو حصول العلم بوجود الجنابة في الثوب أثناء الصلاة بعد أن صلّى ركعتين منها، و قد أمر عليه السّلام باستيناف الصلاة. و من المعلوم أنّ الجنابة في الثوب من النجاسة السابقة على الدخول في الصلاة، فهي دالة «3» على البطلان في مفروض الكلام‌

______________________________
(1) و يمكن المناقشة في دلالة هذه الصحيحة على وجوب الإعادة في مفروض الكلام- كما أشار المحقق الهمداني «قده» في مصباح الفقيه ص 621- بظهورها في بيان حكم آخر، و هو بطلان صلاة من صلّى في النجس عامدا، و إنّ المراد بها هو انه إن رأى النجاسة قبل الصلاة ثم صلّى معها عامدا، أو رآها في الأثناء و أتمها كذلك فعليه الإعادة، و إن رآها بعد الفراغ فلا شي‌ء عليه. فتكون من أدلة مانعية النجاسة المعلومة عن الصلاة فهي أجنبية عما نحن فيه من الجهل بالنجاسة حين الشروع و الالتفات إليها في الأثناء و إزالتها في الأجزاء الباقية. و يؤيده: التعبير بإعادة الصلاة الظاهر في الشروع بعد الإتمام بخلاف الاستيناف. و لا أقل من تساوي الاحتمالين الموجب للإجمال، و به تسقط عن الاستدلال.

فالعمدة في المقام هي صحيحة زرارة المتقدمة.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1059 في الباب: 40 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

(3) و قد ناقش المحقق الهمداني «قده»- في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 621- في دلالتها بأن احتمل قويا أن يكون المقصود بالسؤال حكم من علم قبل الصلاة بأنّ الثوب فيه جنابة لكنّه غفل عن ذلك حين الدخول في الصلاة، أو نسيه أو اشتبه عليه فلم يعلم أنّ ما يصلّي فيه هو ذلك الثوب النجس، فلما صلّى ركعتين علم بذلك، لا أنّه كان جاهلا بالجنابة رأسا و حصل له ابتداء العلم بوجودها في الثوب أثناء الصلاة، كما هو محل الكلام. و استبعد هذا الفرض، بل قال: ربّما ينصرف عنه وجه السؤال. و أيده بتذكير الضمير، الظاهر في رجوعه إلى الثوب. ثم أنّه تنزل عن قوة الاحتمال و التزم بتساوي الاحتمالين الموجب للإجمال، المسقط لها عن الاستدلال، كما في صحيحة محمّد بن مسلم. (و يندفع): بأنّ ما ذكره «قده» في هذه الرواية أشبه بالتأويل المخالف للظهور، إذ لا مجال للمناقشة في ظهور قول السائل:

«ثم علم به» في حدوث العلم بوجود الجنابة في الثوب بعد أن صلّى ركعتين. و فرض سبق العلم بذلك قبل الصلاة ثم الغفلة عنه أو نسيانه أو اشتباه الثوب بغيره كلها فروض بعيدة لا إشارة إليها في الرواية فضلا عن الدلالة. و تذكير الضمير لا يؤيد ما ذكره، لإمكان رجوعه إلى الثوب الخاص، أي علم بأنّ الثوب فيه الجنابة. بل حمل العلم به في الأثناء على التذكر المسبوق بالعلم قبل الصلاة خلاف الظاهر جدا.

فالإنصاف أنّه لا مجال للمناقشة في دلالتها على المطلوب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 170‌

..........

______________________________
كالروايات المتقدمة.

فتحصل إلى هنا: أنّ مقتضى الروايات هو بطلان الصلاة لو علم في أثنائها بسبق النجاسة على الدخول فيها، و معها لا مجال للاستدلال على الصحة هنا بالأولوية القطعيّة من الصحة في الصلاة الواقعة بتمامها في النجاسة المجهولة، إذ لا أولوية مع الدلالة على الخلاف، لأنّ الأحكام الشرعية تعبديّة، فلا محذور في أن تكون الطهارة الظاهريّة شرطا واقعيا للصحة لو استمر الجهل إلى ما بعد الفراغ، دون ما إذا ارتفع في الأثناء، فلا يصح الاستدلال للمشهور بالأولويّة القطعية.

الوجه الثاني هو عدّة روايات دلّت بإطلاقها على صحة الصلاة في النجاسة المجهولة لو رآها في الأثناء و لو كانت سابقة عليها.

الأولى: موثقة داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يصلّي فأبصر في ثوبه دما؟ قال: يتمّ» «1». بدعوى دلالتها على صحة الصلاة و وجوب الإتمام، سواء أ كان الدّم المرئيّ في أثنائها سابقا على‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1065 في الباب: 44 من النجاسات الصلاة، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 171‌

..........

______________________________
الدخول فيها- كما هو محل الكلام- أم كان في زمان الرؤية.

و يدفعها: أنّ الإطلاق المذكور و إن كان ثابتا لها إلّا أنّه قابل للتقييد بالروايات المتقدمة «1» الدالّة على بطلان الصلاة في صورة سبق النجاسة عليها.

توضيح ذلك: أنّ لهذه الرواية إطلاقات من جهات ثلاث، الأولى:

إطلاق الإتمام بلحاظ كونه مع الإزالة و عدمها، و على الثاني إما أن يكون متمكنا منها أم لا.

الثانية: إطلاق الدّم بلحاظ كونه أقل من الدرهم أو أكثر، و على الأوّل كونه مما يعفى عنه في الصلاة أم لا، كالدماء الثلاثة، و دم ما لا يؤكل لحمه.

الثالثة: إطلاق الدّم أيضا بلحاظ كونه سابقا على الصلاة أم لا. و لا ينبغي التأمل في عدم إمكان الأخذ بإطلاقها من جميع الجهات المذكورة- للإجماع و غيره على بطلان الصلاة في النجس غير المعفو عن علم و عمد- فلا بدّ إما من تقييدها من الناحية الأولى و حملها على صورة الإتمام مع الإزالة. و إما من الناحية الثانية بحمل الدم على كونه أقل من الدرهم و من غير الدماء الثلاثة، كما عن الشيخ «2»، و معه لا محذور في إبقاء الإطلاق من الناحية الأولى- بل الثالثة- إذ لا مانع من الإتمام في الدم المعفو عنه، سواء أ كان سابقا على الصلاة أم لا، إلّا أنّه لا يجدي المشهور، كما هو واضح. و أما إطلاقها من الناحية الثالثة- الّتي هي مستند المشهور في الاستدلال على‌

______________________________
(1) في الصفحة: 167- 169 و هي صحاح زرارة و محمّد بن مسلم و موثقة أبي بصير.

(2) في التهذيب ج 1 ص 423. طبعة دار الكتب الإسلامية.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 172‌

..........

______________________________
الصحة، مع التقييد من الناحية الأولى بالحمل على الإتمام بعد الإزالة، لما دل على بطلان الصلاة في النجس عن علم و عمد- فهو و إن لم يكن على خلاف الإجماع و الضرورة، بل نسب الالتزام به إلى المشهور، إلّا أنّه مع ذلك قابل للتقييد بما أشرنا إليه من الروايات المتقدمة الدالّة على بطلان الصلاة الّتي التفت في أثنائها إلى نجاسة سابقة عليها، فلا تجدي الإزالة في الأثناء للأجزاء الباقية، لبطلانها بوقوع أجزائها المتقدمة في النجاسة المجهولة.

الثانية: ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر. نقلا عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إن رأيت في ثوبك دما و أنت تصلّي و لم تكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك، فإذا انصرفت فاغسله. قال: و إن كنت رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله، ثمّ رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف فاغسله و أعد صلاتك» «1».

و لا إشكال في سندها، لنقل ابن إدريس لها عن كتاب المشيخة لابن محبوب. و أما الاستدلال بها للمشهور فيكون كالاستدلال بالموثقة فإنّها بإطلاقها تشمل رؤية الدم السابق على الصلاة و الطّاري أثنائها. و الجواب عنها: هو ما ذكرناه في الموثقة أيضا، من قابليّة هذا الإطلاق للتقييد بما سبق من الروايات «2» الدالّة على البطلان في صورة سبق النجاسة على الصلاة.

نعم، فرق بينها و بين الموثقة من ناحية أخرى، و هي إطلاق الدّم بلحاظ كونه معفوا عنه أم لا، إذ لا إطلاق فيها من هذه الجهة، فإنّها تختص بغير المعفو و ذلك بقرينة أمره عليه السّلام بالانصراف و الإعادة بعد الغسل متى صلّى‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1065 في الباب: 44 من أبواب النجاسات، الحديث: 3.

(2) و هي صحاح زرارة، و محمّد بن مسلم، و موثقة أبي بصير المتقدمات في الصفحة: 167- 169.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 173‌

..........

______________________________
في ثوبه ناسيا، و لا يكون ذلك إلّا في غير المعفو عنه، و إلّا لم يجز الانصراف عن الصلاة الصحيحة للإجماع على حرمة الإبطال عمدا. بل لعلّ أمره عليه السّلام بالغسل بعد الانصراف من الصلاة- في صورة الجهل بوجود الدم على ثوبه و رؤيته أثناء الصلاة- قرينة على ذلك أيضا، لظهوره في الإرشاد إلى بطلان الصلوات الآتية في هذا الثوب بعد العلم بتنجسه به، و لا يكون ذلك إلّا فيما إذا كان أكثر من الدّرهم، إذ لا يحتمل الأمر التعبدي و أما الإرشاد إلى غير ما ذكر من لوازم نجاسة الدّم فلعلّه مما ينصرف عنه الأمر.

و أما إطلاقها من ناحية الإتمام بدون الإزالة مع الإمكان، فلا بدّ من تقييده «1» أيضا بما دل من الإجماع و الروايات الواردة في الرّعاف «2» الدالة على وجوب الإزالة أثناء الصلاة مع الإمكان و الاستيناف بعد الإزالة مع عدمه، مضافا إلى الروايات «3» العامة الدالّة على بطلان الصلاة مع النجاسة عمدا. فلا بدّ من تقييد قوله عليه السّلام: «فأتمّ صلاتك» بالإتمام بعد إزالة الدم.

و على الجملة: حال هذه الرواية كسابقتها من حيث الاستدلال للمشهور و ردّه.

الثالثة: حسنة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: قال قلت له: «الدّم‌

______________________________
(1) لا مجال لتقييدها من هذه الجهة، لما فيها من التصريح بكون الغسل بعد الانصراف، حيث قال عليه السّلام: «فأتمّ صلاتك، فإذا انصرفت فاغسله»، و مع ذلك كيف يمكن تقييد الإتمام بما بعد الإزالة أثناء الصلاة؟ و حيث لم يعرف قائل بمضمونها من هذه الجهة- أعني الإتمام مع النجس عمدا- فهي تصبح من الأخبار الشاذة التي يجب رد علمها إلى أهله. إلّا أن يقال: أنّ عدم إمكان العمل بها من هذه الجهة لا ينافي الأخذ بإطلاقها من ناحية سبق النجس على الصلاة استنادا للمشهور. فتأمل.

(2) المتقدمة في الصفحة: 164- 165.

(3) المتقدمة في الصفحة: 10- 11 و تقدمت الإشارة إلى مصادر كثير منها في تعليقة ص: 9.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 174‌

..........

______________________________
يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة؟ قال: إن رأيته و عليك ثوب غيره فأطرحه و صلّ في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك، ما لم يزد على مقدار الدرهم، فإن كان أقلّ من الدرهم فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره. و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه.»
«1».

هكذا رواها الصدوق في الفقيه «2»، و كذا الكليني في الكافي «3».

إلّا أنّ الشيخ رواها في التهذيب «4» هكذا: «و لا إعادة عليك، و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي‌ء» بزيادة «الواو» و حذف جملة:

«فإن كان أقل من درهم».

و كيف كان فيستدل للمشهور بقوله عليه السّلام- في صدرها-: «إن رأيته و عليك ثوب غيره فأطرحه و صلّ في غيره» لدلالته على أنّه لو رأى النجاسة أثناء الصلاة، و أمكنه الإزالة و لو بطرح الثوب مع بقاءه مستورا، وجب عليه ذلك و صحت صلاته. و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين النجاسة السابقة على الصلاة و غيره. أقول: لو سلّم إطلاق لهذه الرواية من الجهة المذكورة لكان حالها حال الروايتين السابقتين «5» في وجوب تقييدها بما ذكرنا من الروايات «6» الدالّة على البطلان في صورة سبق النجاسة على الصلاة، إذ لا تزيد حالها على تلك.

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 في الباب: 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 6.

(2) ج 1 ص 161 طبعة دار الكتب الإسلامية مع اختلاف يسير.

(3) ج 3 ص 59 طبعة دار الكتب الإسلامية مع اختلاف يسير.

(4) ج 1 ص 254 طبعة دار الكتب الإسلامية.

(5) و هما موثقة داود بن سرحان و صحيحة ابن سنان المذكورتان في الصفحة: 170 و 172.

(6) المتقدمة في الصفحة: 167- 169.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 175‌

..........

______________________________
بل يمكن دعوى كونها أجنبيّة عن مدّعى المشهور رأسا. و ذلك لأنّ المحتملات فيها ثلاثة:

أحدها: أن يكون القيد- و هو قوله عليه السّلام: «ما لم يزد على مقدار الدرهم»- راجعا إلى كلا الحكمين المذكورين قبله «أحدهما» الحكم بصحة الصلاة مشروطا بطرح الثوب النجس مع الإمكان. المستفاد من الشرطية الأولى أعني قوله عليه السّلام: «إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره». «ثانيهما» الحكم بصحتها في الثوب النجس مع عدم إمكان الطرح المستفاد ذلك من قوله عليه السّلام: «و إن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك» و النتيجة رجوع القيد إلى كلتا الجملتين السابقتين عليه، كما هو أحد المحتملات في الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة، إذ المراد به مطلق القيود لا خصوص الاستثناء، و عليه يكون مورد كلا الحكمين الدّم الأقل من الدرهم. و هذا مما لا إشكال و لا خلاف فيه، لصحة الصلاة في الدّم المعفو عنه على كلّ حال و لو كان عن علم و عمد، كما هو صريح قوله عليه السّلام في ذيل هذه الرواية أيضا: «فإن كان أقل من الدرهم فليس بشي‌ء رأيته أو لم تره».

و على هذا الاحتمال تكون الرواية أجنبيّة عن دعوى المشهور- و هي الصلاة في النجاسة المجهولة المانعة عن صحتها- رأسا، و لا بدّ حينئذ من حمل الأمر بطرح الثوب في الشرطيّة الأولى على الاستحباب كما هو واضح.

ثانيها: أن يكون القيد المذكور راجعا إلى خصوص الحكم الثاني دون الأوّل، بأن تقيّد به الجملة الثانية فقط دون الأولى- كما هو الصحيح في الاستثناء أو سائر القيود المتعقبة للجمل المتعددة موضوعا و حكما على ما ذكرنا ذلك في بحث الأصول «1»- و عليه يكون مقتضى إطلاق الجملة‌

______________________________
(1) لاحظ كتاب أجود التقريرات ج 1 ص 496 في المتن و التعليقة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 176‌

..........

______________________________
الأولى صحة الصلاة في الثوب المتنجس بالدّم لو التفت إليه في الأثناء و طرح الثوب مع الإمكان و أتمّ الصلاة في غيره و هذا من دون فرق بين كون الدم أقل من الدّرهم أو أكثر كما هو قضيّة الإطلاق، و على هذا الاحتمال يصح الاستدلال بها للمشهور، و يكون الأمر بالطرح للوجوب، للزوم تخصيصها حينئذ بالدّم الكثير، لخروج الدّم المعفو عنه عن موردها، لضرورة صحة الصلاة فيما دون الدرهم من الدّم و لو كان عن علم و عمد.

هذا. و لكن لا يجدي الاستدلال بهذا الإطلاق للمشهور، للزوم تقييده بما سبق من الروايات الدّالة على البطلان في صورة سبق النجاسة على الصلاة، كما ذكرنا.

و هناك احتمال ثالث، و هو إطلاق كلا الحكمين و عدم رجوع القيد إلى شي‌ء من الجملتين السابقتين، بأن يكون قوله عليه السّلام: «ما لم يزد على مقدار الدرهم» جملة مستأنفة.

و ذلك يبتني على رواية الشيخ لها في التهذيب «1» و هي بإضافة «الواو» و إسقاط قوله عليه السّلام: «فإن كان أقل من الدرهم» فتكون الرواية هكذا:

«و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي‌ء.».

و على هذا الاحتمال يصح الاستدلال بها للمشهور أيضا، لإطلاق الجملة الأولى الّتي هي مورد الاستشهاد لهم. لكن يجاب عنها: بما ذكرناه من الجواب عن الاحتمال الثاني، و هو لزوم تقييدها بما دل على التخصيص.

هذا مضافا إلى عدم ثبوت صحة رواية الشيخ لها في التهذيب على الوجه المذكور و ذلك لعدم إمكان العمل بإطلاق الجملة الثانية للأمر فيها‌

______________________________
(1) ج 1 ص 254 طبعة دار الكتب الإسلامية.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 177‌

..........

______________________________
بالمضي في الصلاة مع النجس حتّى مع إمكان الاستيناف مع الثوب الطاهر و هذا مما لا يصح جزما، فلا بدّ من حملها إما على صورة انحصار ثوبه في الّذي عليه، أو المضي في الصلاة مع تطهير الثوب أثنائها من دون استلزامه فعلا كثيرا. و لا يخفى بعدهما عن ظهورها، و من هنا قيل
«1»: لو صح ما في التهذيب لوجب طرح هذه الفقرة من الرواية، لشذوذها و إعراض الأصحاب عن ظاهرها، حيث لم يقل أحد بوجوب المضي في الصلاة مع النجس. و هذا شاهد على وقوع الاشتباه فيه و عدم صحة الاعتماد عليه «2»، و أنّ الصحيح هو ما في الوسائل عن الكافي و الفقيه. فتحصل من جميع ما ذكرناه إلى هنا: أنّ هذه الروايات الثلاث- و هي روايات داود بن سرحان، و عبد اللّه بن سنان، و محمّد بن مسلم «3»- و إن دلت بإطلاقها على مسلك المشهور، من صحة الصلاة في النجاسة المجهولة لو رآها في الأثناء و أزالها و لو كانت سابقة على الصلاة، إلّا أنّه يلزم تقييدها بما دل «4» على بطلانها فيما لو كانت سابقة عليها.

فالأقوى: هو البطلان في هذه الصورة، و هي الصورة الأولى بحسب الترتيب الذي ذكرناه.

هذا كله في سعة الوقت حيث يتمكن المكلف من قطع الصلاة و الإزالة‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 620.

(2) حتى أنّه قال في الحدائق ج 5 ص 428 في ذيل هذه الرواية: «الاعتماد على رواية الشيخين المذكورين (يعنى الصدوق و الكليني) بل أحدهما لو لم يكن إلّا هو، إذ لا يخفى على من لاحظ التهذيب و ما وقع للشيخ فيه من التحريف و التغيير و الزيادة و النقصان في متون الأخبار و أسانيدها ترجيح ما ذكره غيره من المحدثين، و لا ريب أنّ هذا من جملة ذلك.».

(3) المتقدمات في الصفحة: 170، 172، 173.

(4) و هي الروايات المتقدمة في الصفحة: 167- 169.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 178‌

..........

______________________________
ثم الاستيناف.

و أمّا مع ضيق الوقت عن تمام الصلاة، فإن تمكن من إدراك ركعة منها في الوقت كان حكمها حكم سعة الوقت لتمامها، للروايات «1» الكثيرة- التي فيها المعتبرة- الدالة على أنّ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، فإنّه بعد هذا التنزيل يشملها الروايات المتقدمة الدالة على بطلان الصلاة في صورة سبق النجاسة المجهولة عليها لو التفت في الأثناء و كان متمكنا من الإزالة و الاستيناف. و النتيجة: أنّه لو تمكن من إدراك ركعة مع الطهارة الخبثيّة لزم عليه الاستيناف لبطلان ما بيده.

و أما إذا لم يتمكن حتى من إدراك ركعة بحيث يؤدي تحصيل الطهارة إلى فوات الصلاة في الوقت رأسا، فإن أمكن التبديل، أو التطهير من دون لزوم المنافي فعل ذلك و أتم صلاته، و إلّا فيدور أمره بين إتمام الصلاة في النجس ساترا كان أو غيره أو الإتمام عاريا بطرح الثوب النجس لو كان ساترا، على الخلاف في فاقد طهارة الساتر حيث ذهب المشهور فيه إلى وجوب الصلاة عاريا، و لكن الأقوى عندنا- وفاقا لجماعة- هو وجوب الصلاة فيه، كما حرّرنا ذلك في محلّه. و على الجملة: إذا لم يمكن التطهير أو التبديل في الأثناء يجب عليه الإتمام في النجس و لو كان ساترا.

و الوجه في ذلك كله: هو ما تقدم من أن مقتضى القاعدة الأوّلية هو صحة صلاة الجاهل بالنجاسة و إن التفت إليها في الأثناء و أزالها مع الإمكان، لأنّها مقتضى الجمع بين فحوى الروايات الدالة على معذورية الجاهل المستمر‌

______________________________
(1) المروية في وسائل الشيعة: ج 3 ص 157 في الباب 30 من أبواب المواقيت، منها ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «فإنّ صلّى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتمّ و قد جازت صلاته» الحديث: 1 في الباب المذكور.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 179‌

..........

______________________________
جهله إلى ما بعد الفراغ و منطوق الروايات الواردة في الرعاف الدالة على عدم بطلان الصلاة بعروض النجاسة في الأثناء لو أزالها بلا فعل المنافي. نعم لو لم يمكن الإزالة استأنف الصلاة في سعة الوقت، و أما مع الضيق فلا، لاستلزامه خروج الوقت الواجب رعايته على كل حال، فيدور أمره بين الصلاة في الوقت عاريا و بين الصلاة في الساتر النجس و الأقوى عندنا هو الثاني، كما أشرنا.

و أما الروايات الدالة على بطلان الصلاة التي التفت في أثنائها إلى نجاسة سابقة- التي استندنا إليها في مخالفة المشهور القائلين بالصحة- فهي مختصة بسعة الوقت، و بها يخرج عن عموم القاعدة. و أما في الضيق فلا تصلح لتخصيصها، و ذلك لظهور الأمر بالإعادة فيها في أن لا تكون المعادة كالمبتدأة من حيث الوقوع في النجاسة التي كانت سببا للإعادة. بل يكون منصرفا إلى صورة التمكن منها في الوقت مع الطهارة، و في فرض ضيق الوقت لا تكون المعادة إلّا كالمبتدءة من حيث الوقوع في النجس، فتكون الإعادة لغوا، إلّا بخروج الوقت اللازم رعايته على كل حال لتقدمه على شرطية الطهارة الخبثيّة بلا كلام، فالأقوى هو صحة الصلاة المفروضة في ضيق الوقت، على الوجه الذي ذكرناه، كما في المتن. هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.

و أما الصورة الثانية، و هي ما إذا التفت في الأثناء إلى سبق النجاسة في بعض أجزاء الصلاة لا من أوّلها بحيث وقع بعض أجزائها في النجس، كما إذا علم في الركعة الرابعة بوقوع الدّم عليه في الركعة الثالثة، فهل تلحق بالأولى في الحكم بالبطلان أو بالثالثة في الحكم بالصحة؟ ظاهر المصنف (قده) هو الأوّل، لما أشرنا إليه من ظهور قوله: «فإن علم سبقها و أنّ بعض صلاته وقع مع النجاسة بطلت مع سعة الوقت» في الأعم مما كان السبق من‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 180‌

..........

______________________________
أوّل الصلاة أو في أثنائها قبل زمان الالتفات إلى النجاسة. كما و أنّ بعض الصلاة أعم مما كان جميع الأجزاء المتقدمة على الالتفات أو بعضها. و الظاهر أنّ الوجه عنده في البطلان هو وقوع بعض الصلاة في النجس، سواء أ كان من أوّلها أو لا. و لكن الظاهر هو الصحة، كما هو ظاهر الأصحاب، فتلحق بالصورة الثالثة. و ذلك لما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية هو صحة الصلاة في جميع الصور الثلاث، لمعذورية الجاهل بالنجاسة مطلقا، كما هو المستفاد من نصوصها
«1»، كما سبق و لا موجب للخروج عن إطلاقها إلّا فيما ثبت الدليل على التخصيص، و لم يثبت إلّا في الصورة الأولى، و هي ما إذا كانت النجاسة سابقة على الدخول في الصلاة، و أما الصورة الثانية- و هي عروض النجاسة في الأثناء قبل زمان الالتفات- فباقية تحت إطلاق أدلة الصحة كالصورة الثالثة- أعني بها صورة عروض النجاسة حين الالتفات- بل شمول التعليل بقوله عليه السّلام في صحيحة زرارة المتقدمة «لعلّه شي‌ء أوقع عليك» إذا وقع عليه النجس أثناء الصلاة مع الاستمرار في بعض أجزائها- كما هو مفروض الصورة الثانية- أظهر منه مما إذا وقع ذلك حين الالتفات إليه كما في الصورة الثالثة. هذا في سعة الوقت. و أما في الضيق فالحكم بالصحة أظهر، لما ذكرناه في الصورة الأولى من عدم شمول دليل التخصيص الدال على البطلان لفرض ضيق الوقت مطلقا، سواء في ذلك هذه الصورة و غيرها، فيعمل فيها بمقتضى القاعدة الأوّلية على النحو الذي ذكرناه في الصورة الأولى، من أنّه‌

______________________________
(1) و هي النصوص الدالة على معذورية الجاهل بالنجاسة إذا التفت بعد الفراغ، فإنّها تدل بالأولوية على معذورية الملتفت في الأثناء لو أزالها مع الإمكان، كما سبق في الصفحة 148- 149 و كذا النصوص الدالة على الصحة في خصوص ما لو التفت في الأثناء، كموثقة داود بن سرحان، و صحيحة عبد اللّه بن سنان، و حسنة محمد بن مسلم، المتقدمات في الصفحة: 170، 172، 173.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 181‌

و إن كان الأحوط الإتمام (1) ثم الإعادة. و مع ضيق الوقت إن أمكن التطهير أو التبديل- و هو في الصلاة، من غير لزوم المنافي- فليفعل ذلك، و يتمّ، و كانت صحيحة (2).

______________________________
لو أمكن التبديل أو التطهير في الأثناء فعل، و إلّا استمر.

(1) قد عرفت أنّ المشهور هو الحكم بالصحة في جميع الصور الثلاث المتقدمة «1» فيجب عليه الإتمام مع إمكان الإزالة في الأثناء بلا لزوم المنافي، و إن لم يمكن استأنف الصلاة بعد الإزالة في سعة الوقت و مع الضيق يتمّ عاريا أو في الساتر النجس- على الخلاف في فاقد الساتر الطاهر- و إن كان المختار الصلاة فيه، هذا. و لكن قد عرفت أنّ الأقوى هو الحكم بالبطلان فيما إذا كانت النجاسة سابقة على الدخول في الصلاة- كما هو مفروض الصورة الأولى من الصور المتقدمة- فيجب عليه الاستيناف لبطلان ما بيده. و أمّا لو عرضت النجاسة في الأثناء قبل زمان الرؤية- كما هو مفروض الصورة الثانية- فالظاهر فيها الصحة، كما سبق و ظاهر المتن الحكم بالبطلان في كلتا الصورتين. و كيف كان فالاحتياط بالإتمام إنّما هو لاحتمال الصحة، وفاقا للمشهور القائلين بها و لازمه احتمال حرمة القطع، فيحتاط بالإتمام ثم الإعادة، لاحتمال البطلان أيضا.

(2) قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة هو ما عليه المشهور من معذورية الجاهل بالنجاسة و إن علم بها أثناء الصلاة، فيتمها مع إمكان الإزالة في الأثناء، و لا نخرج عنها إلّا بالنصوص «2» الدالة على البطلان فيما إذا التفت في الأثناء. و لكنّها مختصة بسعة الوقت، لانصراف الأمر بالإعادة فيها إلى و‌

______________________________
(1) في الصفحة: 163.

(2) المتقدمة في الصفحة: 167- 169.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 182‌

إن لم يمكن أتمّها و كانت صحيحة (1).

و إن علم حدوثها في الأثناء مع عدم إتيان شي‌ء من أجزائها مع النجاسة، أو علم بها و شك في أنّها كانت سابقا أو حدثت فعلا، فمع سعة الوقت و إمكان التطهير أو التبديل يتمها بعدهما، و مع عدم الإمكان يستأنف، و مع ضيق الوقت يتمها مع النجاسة و لا شي‌ء عليه (2).

و أما إذا كان ناسيا فالأقوى وجوب الإعادة (3).

______________________________
صورة التمكن من الإعادة في الوقت مع الطهارة الخبثية، كي تكون المعادة غير المبتدئة، و إلّا فتكون الإعادة في النجس لغوا، إلّا مع تحصيل الطهارة المتوقف على خروج الوقت على الفرض. و من المعلوم عدم جوازه، للزوم رعاية الوقت على كل حال، كما هو محرّر في محله. و قد سبق الكلام في ذلك كله بما لا مزيد عليه.

(1) أي مع النجس و إن كان ساترا، لما هو الأقوى- وفاقا لجماعة- من تقدم الصلاة في الساتر النجس على الصلاة عاريا، كما حرّر في محله.

(2) سبق الكلام في ذلك كله في الصورة الثالثة من الصور الثلاث المتقدمة، فراجع «1». و قد ذكرنا هناك أنّ الإتمام في الساتر النجس في صورة الانحصار و عدم التمكن من التطهير مبنى على القول المختار في ذلك، و أما بناء على وجوب الصلاة عاريا فيتعيّن إلقاءه و الصلاة عاريا إن أمكن.

(3) إذا صلّى في النجس ناسيا إذا علم بالنجاسة قبل الصلاة فنسيها و صلّى و تذكر بعد الفراغ، فالأقوال فيه ثلاثة:

______________________________
(1) الصفحة: 163- 166.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 183‌

..........

______________________________
أحدها: وجوب الإعادة في الوقت و القضاء خارجه، على الأشهر، بل المشهور بين الأصحاب، قديما و حديثا، بل عن السرائر: نفي الخلاف فيه، بل عن الغنية و شرح الجمل: الإجماع عليه
«1».

ثانيها: عدم وجوب الإعادة لا في الوقت و لا في خارجه، كما عن الشيخ في بعض أقواله، و استحسنه المحقق في المعتبر، بل عن المدارك الجزم به «2»، بل حكى ذلك عن غير واحد من الأصحاب «3».

ثالثها: التفصيل بين الإعادة في الوقت فتجب و القضاء خارجه فلا يجب، كما عن الشيخ في الاستبصار و الفاضل في بعض كتبه، بل نسب إلى المشهور بين المتأخرين «4».

أقول: ربّما يتوهم أنّ القول بعدم وجوب الإعادة مطلقا مقتضى القاعدة الأوّلية، و ذلك لوجهين:

الأوّل: أنّ الناسي حيث أنّه لا يصح تكليفه بالمنسي- لاستحالة تكليف الغافل العاجز عن الامتثال- فلا بدّ في توجه الأمر إليه بالصلاة من تعلقه بغير الطهارة المنسية من سائر الأجزاء و الشرائط أمرا اضطراريا، لأنّ المفروض اضطراره إلى ترك الطهارة المنسيّة لعلّة النسيان. و هذا نظير تعلق الأمر بغير الجزء أو الشرط المضطر إلى تركه في موارد الاضطرار في الصلاة،

______________________________
(1) راجع الحدائق: ج 5 ص 418، و الجواهر: ج 6 ص 215- 216، و مصباح الفقيه، كتاب الطهارة ص 621.

(2) كما في الحدائق: ج 5 ص 419، 421، و الجواهر: ج 6 ص 217.

(3) كما في الحدائق: ج 5 ص 425، و مصباح الفقيه، كتاب الطهارة ص 621.

(4) كما في الحدائق: ج 5 ص 419، و الجواهر: ج 6 ص 218، و مصباح الفقيه، كتاب الطهارة ص 621.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 184‌

..........

______________________________
كالاضطرار إلى ترك القيام و نحوه. هذا من حيث الصغرى، و أما من حيث الكبرى فقد تقرر أنّ الأمر الاضطراري يقتضي الإجزاء.

الوجه الثاني: هو التمسك ب‍ «حديث الرفع» لأنّ من جملة المرفوع فيه هو النسيان، و معنى رفعه هو رفع الجزئيّة أو الشرطيّة أو المانعيّة حال النسيان. فالطهارة المنسيّة لو كانت شرطا فهي مرفوعة، كما أنّه لو كانت النجاسة مانعة فهي مرفوعة حال النسيان أيضا، فلا أمر إلّا بغير المنسيّ.

و لا يخفى فساد كلا الوجهين، أما الأوّل فلأنّ الاضطرار إلى ترك جزء أو شرط في الصلاة إنّما يقتضي عدم الأمر بالمركب منه و من غيره من الأجزاء و الشرائط، فيسقط الأمر بالمجموع المشتمل على ذاك الجزء أو الشرط لا محالة، و أما تعلقه بالباقي فيحتاج إلى دليل مفقود في خصوص المقام، و إن ثبت في غيره من موارد الاضطرار في الصلاة.

و منه يعلم الجواب عن الوجه الثاني أيضا لعين ما ذكرناه، فإنّ «حديث الرفع» إنّما يدل على رفع التكليف بالصلاة المركب من المنسي و من غيره، و أما تعلق الأمر بغير المنسي من باقي الأجزاء و الشرائط فخارج عن عهدة الحديث المذكور، إذ هو رافع للحكم لا مثبت له فلا بدّ في إثبات الأمر بغير ما رفعه من دليل آخر.

هذا كله فيما لو استمر النسيان إلى أن خرج وقت الصلاة، بأن استوعب تمامه و حاصل ما ذكرناه في هذا الفرض هو منع الصغرى- أعني تعلق الأمر الاضطراري بما عدا المنسي- لعدم الدليل و إلّا فالكبرى غير ممنوعة، لما قررناه في محلّه من أنّ الأمر الاضطراري مجز في صورة استيعاب الاضطرار لتمام الوقت. و أمّا لو ارتفع النسيان قبل خروج وقت الصلاة ففساد هذين الوجهين أوضح و ذلك لمنع الصغرى و الكبرى معا، أما منع‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 185‌

..........

______________________________
الصغرى فلما ذكرناه من أنّه ليس مقتضى رفع النسيان أو الاضطرار تعلق الأمر بغير المنسي أو المضطر إلى تركه من سائر الأجزاء و الشرائط. و أما منع الكبرى فلما حققنا في محلّه من أنّ النسيان أو الاضطرار في بعض الوقت لا يرفعان التكليف بالصلاة التامة الأجزاء و الشرائط، لتعلقه بالطبيعة السارية في تمام الوقت، و هي مقدورة للمكلف، و لا اضطرار إلى تركها، و لم يتعلق بها النسيان، فلا موجب لارتفاع التكليف عنها مع فرض تمكن المكلف منها و لو في بعض الوقت، إذا المفروض عدم تقيدها بوقت الاضطرار أو النسيان، بل الواجب إنّما هو الإتيان بها في سعة من الوقت.

و على الجملة: المنسيّ أو المضطر إلى تركه إنّما هو خصوص فرد من الصلاة- و هو ما يأتي به المكلّف حال النسيان أو الاضطرار- و هذا مما لم يتعلق به الأمر به بخصوصه لأنّ المأمور به هي طبيعة الصلاة الجامعة بين هذا الفرد و غيره من الأفراد المقدورة، و لا موجب لرفع التكليف عنها، لأنّها مقدورة. فالمأمور به غير المنسيّ أو المضطر إليه فلا يجري فيه الحديث، كما أنّه لم يتعلق به الأمر الاضطراري، سواء في ذلك المقام و غيره من سائر موارد النسيان أو الاضطرار في بعض الوقت، كما حرّرناه في الأصول. فهذان الوجهان فاسدان في حدّ ذاتهما.

نعم هناك وجه ثالث لتطبيق عدم وجوب الإعادة مطلقا- في الوقت و خارجه- على القاعدة الأوّلية، و إن لزم الخروج عنها بمقتضى النصوص الخاصة الواردة في ناسي النجاسة. و هو التمسك ب‍ حديث «لا تعاد.» «1»

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 1 ص 259 في الباب 3 من أبواب الوضوء. الحديث: 8 و ج 4 ص 673 في الباب 1 من أفعال الصلاة. الحديث: 14.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 186‌

..........

______________________________
لدلالته على عدم وجوب الإعادة إلّا من خمس، الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود. و قد ذكرنا فيما سبق
«1»: أنّ المراد بالطهور فيه خصوص الطهارة من الحدث. فالطهارة من الخبث مما لا تعاد الصلاة منه، لبقائه تحت عموم المستثنى منه. إلّا أن النصوص الخاصة في ناسي النجاسة تمنعنا عن العمل بالحديث المذكور- كما أشرنا- لدلالتها على وجوب الإعادة مطلقا.

و هي عدة روايات، استند إليها المشهور، و فيها الصحاح و الموثقات، و في بعضها أنّه يجب عليه الإعادة عقوبة لنسيانه، كي يهتم بالشي‌ء.

منها: حسنة محمّد بن مسلم المتقدمة الواردة في الدم، حيث قال عليه السّلام فيها: «و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم، فضيّعت غسله، و صلّيت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صلّيت فيه» «2».

و منها: موثقة سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يرى في ثوبه الدم فينسى أن يغسله حتّى يصلّي قال يعيد الصلاة كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه.» «3»

و منها: صحيحة زرارة المتقدمة قال فيها: «قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من منى، فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء فأصبت.

و حضرت الصلاة و نسيت أنّ بثوبي شيئا و صلّيت. ثم إني ذكرت بعد ذلك.

قال: تعيد الصلاة، و تغسله.» «4».

و منها: صحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور- في حديث- قال: «قلت‌

______________________________
(1) في الصفحة: 145- 146.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 في الباب: 20 من أبواب النجاسات الحديث: 6.

(3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1064 في الباب: 42 من أبواب النجاسات الحديث: 5.

(4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1063 في الباب: 42 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 187‌

..........

______________________________
لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون في ثوبه نقط الدّم لا يعلم به، ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي، ثم يذكر بعد ما صلّى، أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته. إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة»
«1».

إلى غير ذلك من الأخبار «2» الدالّة بإطلاقها على وجوب الإعادة في الوقت أو خارجه، لأنّ المراد ب‍ «الإعادة» فيها هو معناها اللغوي الشامل للقضاء لا المعنى المصطلح عند الفقهاء.

نعم: بإزائها صحيحة العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد، قد مضت الصلاة و كتبت له» «3».

و ربّما يتوهم: أنّ مقتضى الجمع العرفي بينها و بين الروايات المتقدمة هو حمل تلك على الاستحباب لصراحة هذه في عدم وجوب الإعادة، فتصلح قرينة لحمل الأمر الظاهر في الوجوب في تلك على الاستحباب و يكون الجمع المذكور هو مستند القائل بعدم وجوب الإعادة مطلقا كما عن الشيخ في الاستبصار.

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 في الباب 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 في الباب 20 من أبواب النجاسات، الحديث: 2 و ص 1063 في الباب 42، الحديث 4 و 6. إلى غير ذلك من الأخبار أشار إليها في الوسائل ج 2 ص 1064 في ذيل الحديث: 6.

(3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1063 في الباب، 42 من أبواب النجاسات، الحديث: 3. و قد رواها عن العلاء و لكن في متن التهذيب ج 1 ص 424 و ج 2 ص 360 طبع دار الكتب الإسلامية. و في الاستبصار ج 1 ص 183 في الطبعة المذكورة: «عن العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام» و على أي تقدير فالرواية صحيحة لأنّ الظاهر أنّ المراد من أبي العلاء هو محمّد بن مسلم لأنّه يكنى به و قد صحبه علاء بن رزين راوي الحديث. راجع جامع الرواة ج 2 ص 402 ب الكنى و ج 1 ص 541 في ترجمة علاء بن رزين فيمكن روايته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام بلا واسطة أو مع وساطة محمّد بن مسلم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 188‌

..........

______________________________
و يدفع ذلك أوّلا: إنّ الجمع المذكور إنّما يصح في الأوامر المولويّة لظهورها في الوجوب فتحمل على الاستحباب لو قامت قرينة على عدمه جمعا بين الظاهر و النص. و ذلك نظير ما إذا ورد الأمر بالدعاء عند رؤية الهلال، و دل دليل آخر على عدم البأس بتركه. و أما الأوامر الإرشادية فلا يتم فيها ذلك، لأنّها بمنزلة الإخبار، و لا معنى لحملها على الاستحباب. و المقام من هذا القبيل لأنّ الأمر بإعادة الصلاة لو أتى بها في النجس يكون إرشادا إلى شرطية الطهارة، أو مانعية النجاسة، كما أنّ نفي وجوب الإعادة يكون إرشادا إلى عدم ذلك و صحة الصلاة مع النجس. و هذا حكم كلّي سار في جميع المركبات الشرعيّة، كالصلاة و نحوها، فالأمر بالإعادة لخلل في العبادة يدل على بطلانها، كما أنّ نفيها يدل على الصحة و لا معنى لاستحباب البطلان بدعوى الجمع بين الدليلين، فالمعارضة ثابتة بينهما لا يمكن الجمع بينهما في نظر العرف لأنّهما بمنزلة الجمع بين المتناقضين.

و ثانيا: أنّ بعض الروايات المتقدمة لا تقبل الحمل على الاستحباب كموثقة سماعة المتقدمة «1» لما فيها من تعليل وجوب الإعادة بكونه عقوبة لنسيانه. و من المعلوم أنّه لا عقوبة في ترك المستحب. و كصحيحة وهب بن عبد ربّه، و موثقة أبي بصير المتقدمتين «2» لما فيها من التفصيل بين الجاهل و الناسي باختصاص الأمر بالإعادة بالثاني دون الأوّل، مع أن استحباب الإعادة ثابت للأوّل أيضا، و هذا أظهر قرينة على إرادة الوجوب، و إلّا لم يكن ثمة فرق بين الجاهل و الناسي في الاستحباب، كما أشرنا إليه.

و صفوة القول: أنّه لا جمع عرفيا بين الروايات المتعارضة في المقام‌

______________________________
(1) في الصفحة: 186.

(2) في الصفحة: 151.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 189‌

..........

______________________________
فلا بدّ من إعمال قواعد التعارض و الرجوع إلى المرجّحات السنديّة، و مقتضاه هو ترجيح الروايات الدالّة على وجوب الإعادة على الناسي و ذلك لوجهين.

الأوّل أنّها أشهر فتكون صحيحة العلاء الّتي هي في قبالتها من الشاذّ النادر الّذي يجب طرحه، و مرادنا من الشهرة- في المقام- هو وضوح الصدور، و لو بالنسبة إلى بعض تلك الروايات من المعصوم عليه السّلام، لكثرتها، و لاعتبار سند جملة منها، و لموافقتها لفتوى المشهور بحيث لم ينسب الخلاف إلّا إلى الشيخ في الاستبصار دون باقي كتبه حتّى أنّه صرّح في التهذيب «1» بشذوذ الصحيحة، و أنّها لا تصلح لمعارضة الأخبار الدالّة على وجوب الإعادة، فبذلك كلّه نطمئن بصدور هذه الأخبار في الجملة عن الإمام عليه السّلام، و تصح دعوى معلوميّة صدورها عنهم عليه السّلام، فيكون الترجيح بذلك موافقا للقاعدة الأوّلية من دون حاجة إلى الأخبار العلاجيّة الدالّة على الترجيح بالشهرة، و بذلك يندفع ما يتوهم في المقام من أنّ ما دل منها على الترجيح بالشهرة يكون ضعيفا كمرفوعة زرارة «2» لضعفها بالإرسال، و كذا مقبولة عمر بن حنظلة «3» لعدم ثبوت وثاقته و ضعف سند ما دلّ على توثيقه من‌

______________________________
(1) ج 1 ص 424 طبعة دار الكتب الإسلامية في باب تطهير البدن و الثياب و ص 360 في باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و المكان و ما لا يجوز، و قال فيه بعد ذكر الصحيح: «فإنّه خبر شاذ لا يعارض به الأخبار التي ذكرناها هاهنا، و فيما مضى من كتاب الطهارة».

(2) مستدرك الوسائل في الباب: 9 من أبواب صفات القاضي و في الحدائق ج 1 ص 93 و قد أشار إلى ضعفها في ص 99 منه كما و قد أشار إلى ضعفها أيضا في كتاب مباني الاستنباط ج 4 ص 440- 441 من تقريرات السيّد الأستاذ دام ظله.

(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 75 في الباب: 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث: 1 و قد أشار إلى ضعفها في كتاب مباني الاستنباط ج 4 ص 443- 444 من تقريرات السيد الأستاذ دام ظله.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 190‌

..........

______________________________
قوله عليه السّلام: «إنّه لا يكذب علينا»
«1» وجه الاندفاع: هو أنّ مرادنا من شهرة الروايات الدالّة على وجوب الإعادة هو وضوح صدورها عنهم عليهم السّلام بحيث يكون العمل بخلافها طرحا للسنّة المعلومة مع أنّه قد أمرنا بطرح ما يخالف الكتاب و السنّة- لا كثرة عددها كما هو المصطلح عليه في الشهرة المرجّحة التي وردت في بعض الأخبار العلاجية التي أشرنا إليها.

الوجه الثاني: أنّها مخالفة للعامة، فتحمل الموافق لهم- و هي الصحيحة- على التقية و قد ذكر العلامة في «التذكرة» «2» القول بعدم الوجوب عن أحمد بن حنبل «3» و كذا الشيخ في «الخلاف» «4» القول به عن الأوزاعي، و عبيد اللّه بن عمر، و الشافعي في أحد قوليه، و أبي حنيفة، فمشاهير علماء العامة «5» قائلون بعدم الوجوب، فيقوى احتمال التقية في الصحيحة، فالمتعين هو الأخذ بالأخبار الدالّة على لزوم الإعادة.

و بما ذكرنا يظهر الجواب عن التعارض الواقع بين أخبار الاستنجاء، فإنّها أيضا على طائفتين.

______________________________
(1) إشارة إلى ما رواه يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت. قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا لا يكذب علينا.» فإنّه ضعيف ب‍ «يزيد بن خليفة» و يمكن تضعيفه بغيره أيضا. لاحظ جامع الرواة ج 1 ص 633 في ترجمة عمر بن حنظلة.

(2) ج 1 ص 97.

(3) في «المغني» لابن قدامة الحنبلي ج 2 ص 65: «الصحيح إنّ مسألة الجهل بالنجاسة و نسيانها واحدة، فكما في الجهل يعذر ففي النسيان أولى، لورود النص بالعفو».

(4) ج 1 ص 177- 178 م 221.

(5) في شرح الزرقانى «في فقه مالك» ج 1 ص 165: الطهارة من الخبث شرط في الصحة في حال الذكر و القدرة على المشهور ابتداء و دواما. و في «الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 20 الطبعة الخامسة» بعد نقله عن المالكية قولين في إزالة النجاسة قال: «فإنّ صلّى بالنجاسة ناسيا أو عاجزا عن إزالتها فصلاته صحيحة على القولين».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 191‌

..........

______________________________
الأولى: ما دلت على عدم وجوب الإعادة على من نسي الاستنجاء من الغائط أو البول فصلّى، و هي عدّة روايات قد ادعى
«1» أنّها مستفيضة.

منها: موثقة عمار، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي لم يعد الصلاة» «2».

و منها: ما عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء، قال: ينصرف و يستنجي من الخلاء و يعيد الصلاة، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك، و لا إعادة عليه» «3».

و نحوهما غيرهما «4» حتّى أنّ بعضهم احتمل الفرق بين ناسي الاستنجاء و غيره من موارد النسيان فيلتزم بصحة الصلاة في الأوّل دون الثاني «5».

و يندفع أوّلا: ببعد احتمال الفرق بين النجاسات المنسيّة. و ثانيا:

بمعارضة هذه الروايات في خصوص موردها بالطائفة الثانية و هي روايات كثيرة قد ادّعى «6» استفاضتها أيضا، و فيها المعتبرة، حيث دلت على وجوب الإعادة في ناسي الاستنجاء.

______________________________
(1) كالفقيه الهمداني في مصباح الفقيه- كتاب الطهارة ص 622.

(2) وسائل الشيعة ج 1 ص 223 في الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة. الحديث: 3.

(3) وسائل الشيعة ج 1 ص 223 في الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة. الحديث: 4.

(4) الوسائل في الباب المتقدم الحديث 2، و في الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء ج 1 ص 208 الحديث: 6، و موردهما نسيان الاستنجاء من البول.

(5) لاحظ الحدائق ج 5 ص 419، و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 622.

(6) ادعاها الفقيه الهمداني أيضا- في مصباحه كتاب الطهارة ص 622.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 192‌

..........

______________________________
منها: صحيحة عمرو بن أبي نصير، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

أبول و أتوضأ و أنسى استنجائي، ثمّ أذكر بعد ما صلّيت؟ قال: اغسل ذكرك، و أعد صلاتك، و لا تعد وضوءك» «1».

و منها: صحيحة زرارة قال توضأت- يوما- و لم أغسل ذكري، ثمّ صلّيت فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقال: اغسل ذكرك، و أعد صلاتك» «2».

و نحوهما غيرهما «3» فإذا تحققت المعارضة بين الطائفتين لا يمكن العمل بالطائفة الأولى لوجود المعارض، كما لا يمكن حمل الثانية على الاستحباب جمعا بينهما لما ذكرناه في الروايات السابقة المتعارضة في غير الاستنجاء، من أنّ الأوامر و النواهي في أمثال هذه الموارد إرشادية، لا تصلح للحمل المذكور، فلا بد من ترجيح إحدى الطائفتين. و الترجيح- في موردنا هذا- مع الآمرة بالإعادة سواء في ناسي الاستنجاء أم غيره، لما ذكرنا من موافقتها للشهرة- بالمعنى المتقدم- و مخالفتها للعامة.

فتحصل: أنّ الأقوى هو القول بوجوب الإعادة مطلقا في الوقت أو خارجه سواء في الاستنجاء أم غيره، كما هو المشهور قديما و حديثا، و لم ينسب الخلاف إلّا إلى الشيخ في الاستبصار- كما سبق- و هو في غاية الضعف حتّى أن صاحب الجواهر «قده» «4» قد ناقش في صحة النسبة قائلا: «فما عن الشيخ في بعض أقواله من القول بعدم الإعادة مطلقا ضعيف جدا، مع أنّه غير ثابت عنه بل الثابت خلافه».

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 1 ص 208 في الباب: 18 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج 1 ص 208 في الباب: 18 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 7.

(3) لاحظ الوسائل في البابين المذكورين.

(4) ج 6 ص 217.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 193‌

..........

______________________________
القول بالتفصيل بين الإعادة و القضاء و قد سبق نسبة هذا القول إلى المشهور بين المتأخرين «1» و يستدل له بوجهين.

الأوّل دعوى: أنّ التفصيل المذكور هو مقتضى الجمع بين الروايات المتعارضة في المقام بأنّ تحمل الروايات الآمرة بالإعادة على الإعادة في الوقت، لأنّها القدر المتيقن منها، و الروايات النافية على نفي الإعادة خارج الوقت، لعين الوجه. و هذا نظير ما ذكروه في وجه الجمع بين ما دلّ «2» على أنّ «ثمن العذرة سحت» و ما دلّ على أنّه «لا بأس ببيع العذرة» بحمل الأوّل على عذرة غير مأكول اللحم، و الثاني على عذرة ما يؤكل لحمه، حملا لكل من الدليلين على القدر المتيقن منه.

و فيه: أنّ هذا- أعني الحمل على القدر المتيقن- جمع تبرعي لا شاهد عليه حتّى في المثال المذكور فلا يمكن الاعتماد عليه من دون شاهد. نعم إذا كان هناك دليلان كان أحدهما نصّا في معنى و ظاهرا في آخر، و كان الدليل الثاني على عكس ذلك يجمع بينهما بحمل الظاهر على النص، لأنّ نصوصيّة كل منهما في شي‌ء تكون قرينة على إرادة خلاف الظاهر من الدليل الثاني. و هذا كما إذا ورد في دليل الأمر بشي‌ء و جاء في دليل آخر أنّه لا بأس بتركه،

______________________________
(1) نسبه إليهم في الحدائق ج 5 ص 418 و ص 421- 422، و لكنّ صاحب الجواهر «قده» أنكر ذلك عليه أشد الإنكار، و جعل القول بذلك من متفردات الشيخ في الاستبصار الذي لم يعده للفتوى، و إلّا فالمحكي عنه في باقي كتبه موافقة المشهور، و تبعه الفاضل في بعض كتبه، و تعجب من صاحب الحدائق حيث حكاه عن شهرة المتأخرين، لاحظ كتاب الجواهر ج 6 ص 218- 219.

(2) وسائل الشيعة: ج 12 ص 126 في الباب 40 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 1، 2، 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 194‌

..........

______________________________
فإنّه يجمع بينهما بحمل الأمر على الاستحباب، لأنّ الأمر بشي‌ء يكون نصا في رجحانه و ظاهرا في وجوبه، كما أنّ نفي البأس عن تركه يكون نصا في جوازه بالمعنى الأعم و ظاهرا في جوازه بالمعنى الأخص فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب بنصوصيّة نفي البأس في جواز الترك، فيحمل على الاستحباب- لا محالة- و الروايات المتعارضة في المقام ليست من هذا القبيل، لأنّ التعارض بينها إنّما يكون بالإطلاق، و حمل المطلق على القدر المتيقن منه ليس من الحمل العرفي.

هذا، مضافا إلى عدم تحمل بعض الروايات المتعارضة، لهذا الحمل لصراحة بعض ما دلّ على الوجوب في القضاء و صراحة بعض ما دلّ على عدمه في الإعادة في الوقت و معه كيف يصح الحمل المذكور.

و من الأوّل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتّى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال: إن كان رآه و لم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي و لا ينقض منه شي‌ء و إن كان رآه و قد صلّى فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله» «1».

فإنّها صريحة في وجوب قضاء ما فات، و لا سيما بلحاظ أنّ العلم بوقوع الصلاة في النجس كان في الغد.

بل و كذا حسنة محمّد بن مسلم المتقدمة «2» لقوله فيها: «و إذا كنت قد رأيته- يعني الدم- و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1059 في الباب: 40 من أبواب النجاسات، الحديث: 10.

(2) في الصفحة 186.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 195‌

..........

______________________________
فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه» لظهور قوله عليه السّلام «صلاة كثيرة» في الفرائض اليوميّة لا الأعم من النوافل المتعددة، لبعد إرادة إعادة النوافل، فلا يتمّ ذلك إلّا بمعنى يوم أو أكثر فهي كالصريح في إرادة الأعم من الإعادة و القضاء
«1».

و من الثاني موثقة عمار و ما عن علي بن جعفر المتقدمتين «2» في ناسي الاستنجاء حتّى يصلّي، فإنّهما كالصريح في نفي الإعادة في الوقت، فكيف يصح حملهما على نفي القضاء بعد وضوح عدم الفرق بين المسألتين، كما ذكرنا. فتحصل: أنّ هذا الوجه غير تام في نفسه، مضافا إلى إباء جملة من نصوص الطرفين عن الحمل المذكور.

الوجه الثاني: الاستشهاد على التفصيل بين الأداء و القضاء بصحيحة عليّ بن مهزيار، فتكون شاهد جمع للروايات المتعارضة في المقام، فبها يخرج الجمع المذكور عن الجمع التبرعي، و هي:

ما رواه علي بن مهزيار، قال: «كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل، و أنّه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشك أنّه أصابه و لم يره و أنّه مسحه بخرقة ثمّ نسي أن يغسله و تمسّح بدهن فمسح به كفّيه و وجهه و رأسه، ثمّ توضأ وضوء الصلاة فصلّى؟ فأجابه بجواب قرأته بخطه:

______________________________
(1) و لا يخفى أنّ الصحيحة، و إن كانت نصا في القضاء و الحسنة في الأعم منه و من الإعادة في الوقت بالتقريب المذكور في الشرح، إلّا أنّهما ليستا نصا في الناسي، بل هما أعم من هذه الجهة، لشمولهما للعامد المفرط في غسل النجاسة و من بحكمه- كالجاهل بالحكم- فلو تمّ الدليل على عدم وجوب القضاء على الناسي- كما زعم الخصم- أمكن تخصيص هاتين بالعامد و الجاهل بالحكم، لشمولهما للناسي بالإطلاق لا النصوصية، نعم لم يتم له دليل على عدم وجوب القضاء عليه لضعف الوجهين المذكورين في الشرح- كما ذكرنا.

(2) في الصفحة: 191.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 196‌

..........

______________________________
أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي‌ء إلّا ما تحقق، فإن حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات اللّواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها: من قبل أنّ الرّجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت، و إذا كان جنبا أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللّواتي فاتته، لأنّ الثوب خلاف الجسد، فاعمل على ذلك إن شاء اللّه»
«1».

و قد أشكل «2» الأصحاب على هذه الرواية، «تارة» بتوهم اضطراب متنها و إجمال عبارتها حتّى أنّهم جعلوا «3» ذلك موجبا لردّها، و «أخرى» بضعف سندها.

أما اضطراب متنها فلوجوه:

أما أوّلا فلأجل التنافي بين التعليل و المعلّل له، و ذلك لظهور قوله في صدر الرواية: «فإن حققت ذلك كنت حقيقا إن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها» في أنّ الخلل الواقع في الصلاة إنّما كان لأجل بطلان ذاك الوضوء و هذا ينافي تعليله بعد ذلك بقوله:

«إنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت» لصراحته في أنّ الخلل في الصلاة كان لأجل النجاسة لا بطلان الوضوء، فلا تلائم بين التعليل و المعلّل له.

و أما ثانيا: فللمناقضة قضة بين الصدر و الذيل لدلالة صدرها على أنّ‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1063 في الباب: 42 من أبواب النجاسات الحديث: 1 استشهد بها في الاستبصار ج 1 ص 184.

(2) لاحظ الحدائق ج 5 ص 422- 424 و الجواهر ج 6 ص 219.

(3) لاحظ الحدائق ج 5 ص 422- 424 و الجواهر ج 6 ص 219.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 197‌

..........

______________________________
بطلان الوضوء لا يقتضي إلّا الإعادة في الوقت- كما ذكرنا- و دلالة ذيلها أعني قوله: «و إذا كان جنبا أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته» على وجوب الإعادة مطلقا في الوقت أو خارجه لو صلّى من غير وضوء و هذان متناقضان.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌4، ص: 197

و ثالثا: فلأنّ بطلان وضوئه لو كان لعلّة نجاسة يده بالبول لم يكن وجه لاختصاصه بالوضوء الأوّل بعينه، بل يعم البطلان الوضوء الثاني و الثالث، و هكذا لاشتراك العلّة- و هي نجاسة اليد- في الجميع.

أقول: قد بلغ بهم أمر اضطراب متن هذه الرواية إلى أن جعلوا ذلك موجبا لردّها- كما أشرنا- و لقد أطالوا الكلام في النقض و الإبرام في ذلك «1» حتّى أنّ صاحب الحدائق «2» استجود ما ذكره المحدث الكاشاني في رد هذا الحديث، قائلا: «و لقد أجاد المحدث الكاشاني في الوافي «3» حيث قال بعد نقل الرواية المذكورة: «معنى هذا الحديث غير واضح و ربما يوجه بتكلفات لا فائدة في إيرادها، و يشبه أن يكون قد وقع فيه غلط من النساخ».».

و يندفع: أوّلا: بأنّه لا إجمال في مورد الاستشهاد منها و هو قوله:

«إنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت» فإنّه صريح في الدلالة على التفصيل بين الوقت و خارجه من جهة نسيان النجاسة. و أما إجمال سائر الجملات أو عدم ملائمة بعضها مع بعض فلا يضر بالاستدلال بمورد الاستشهاد، كما هو مقتضى القاعدة الكلية في العمل بالأخبار.

و ثانيا: فبابتناء جميع الإيرادات المتوهمة في متنها على قاعدة تنجيس‌

______________________________
(1) لاحظ الحدائق ج 5 ص 423- 424.

(2) ج 5 ص 424.

(3) ج 1 م 4 ص 24 باب «ما إذا شك في إصابة البول أو نسي غسله أو تعمد الترك».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 198‌

..........

______________________________
المتنجس، و بناء عليها لا بدّ من الحكم ببطلان وضوئه الأوّل لتنجس الماء بملاقاة اليد المتنجسة بالبول، إذ لا دليل على اعتبار طهارة أعضاء الوضوء إلّا تنجس الماء بإصابتها، و لا طهارة بالماء المتنجس. و عليه يكون الخلل في الصلاة مستندا إلى فقد الطهارة الحدثية، فلا يلائم تعليله بعد ذلك بفقد الطهارة الخبثية، كما أنّه يقع التناقض بين الصدر و الذيل و تعم علة البطلان الوضوآت اللّاحقة، كما ذكرنا في الإيرادات الثلاثة.

و لكن قد ذكرنا في بحث تنجيس المتنجس «1» إنّ هذه الرواية تكون من أدلة عدم التنجيس، و عليه فلا اضطراب في متنها بوجه، إذ لا دلالة فيها- حينئذ- على بطلان وضوئه الأوّل الّذي وقع بعد تجفيف يده المتنجسة بالخرقة، بل غايته الدلالة على وجوب إعادة الصلوات اللّواتي صلّاها بذلك الوضوء بعينه في الوقت لا غير.

و هذا يمكن ان يكون من جهة نجاسة بدنه كما يدل عليه التعليل بعد ذلك بقوله «إنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت» بعد وضوح عدم الفرق بين نجاسة الثوب و البدن من هذه الجهة، لا لبطلان وضوئه المبتني على تنجيس المتنجس، بل يصح دعوى: دلالة قوله «فإنّ حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها» على إنّ سبب الإعادة إنّما هي النجاسة و ذلك لدلالته على حصر وجوب الإعادة في خصوص الصلوات اللواتي صلّاهن بذلك الوضوء بعينه، أي ما اكتفى فيها بالوضوء مرة واحدة و هو الوضوء الأوّل، و أما لو توضأ ثانيا و ثالثا فلا إعادة حتّى في الوقت، و ذلك‌

______________________________
(1) ج 3 من كتابنا في الصفحة: 382- 383.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 199‌

..........

______________________________
لحصول طهارة يده- بإجراء الماء عليه للوضوء الثاني لحصول تعدد الغسل المعتبر في المتنجس بالبول، كما هو مفروض الرواية- بمجموع الوضوء الأوّل و الثاني. و أما تنجس باقي أعضاء الوضوء بالتمسح بالدهن فمبني على تلك القاعدة أيضا، و هي ممنوعة في مفروض الرواية.

و على الجملة: لو قلنا بعدم تنجيس المتنجس يرتفع جميع الإيرادات المتوهمة عن متن هذه الرواية.

أما حصول التلاؤم بين التعليل و المعلّل له فظاهر- كما عرفت.

و أما اندفاع الإيراد الثاني فلأنّه لا مناقضة- حينئذ- بين الصدر و الذيل لدلالة صدرها على وجوب الإعادة في الوقت خاصّة دون خارجه في صورة نسيان الطهارة الخبثيّة، و دلالة ذيلها على وجوبها مطلقا في صورة نسيان الطهارة الحدثيّة.

كما أنّه يندفع الإيراد الثالث- و هو اشتراك علّة بطلان الوضوء في غير الوضوء الأوّل بأنّ الأعضاء تطهر بالوضوء الثاني، لحصول التعدد المعتبر في طهارة المتنجس بالبول به- كما ذكرنا.

فتحصل: أنّه لا اضطراب و لا إجمال في متن هذه الرواية بوجه من الوجوه لابتناء توهمه على قاعدة تنجيس المتنجس، و هي ممنوعة في مفروض الرواية فتكون من أدلّة عدمه.

و أما الخدش في سندها بالضعف «1» فوارد، لجهالة الكاتب- و هو سليمان بن رشيد- إذ لم نعرف حاله و لعلّه من العامة و جهالة المكتوب إليه «2» إذ لم يثبت أنّه المعصوم عليه السّلام.

______________________________
(1) كما عن المدارك في نقل الحدائق ج 5 ص 422.

(2) كما عن الروض في نقل الحدائق ج 5 ص 424.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 200‌

مطلقا سواء تذكر بعد الصلاة أو في أثنائهما (1).

______________________________
و الاعتذار
«1» عن جهالة السائل، بأنّ الاعتماد إنّما يكون على نقل علىّ بن مهزيار، و هو الثقة الجليل فإنّه قرأ الكتاب و نقله إلينا بقوله:

«فأجابه بجواب قرأته بخطه» لا السائل، و عن جهالة المكتوب إليه أيضا، بأنّ مثل علي بن مهزيار في جلالة شأنه لا ينسب مثل هذه العبارة إلى غير الإمام عليه السّلام، بل و لا يعتمد على غيره في شي‌ء من الأحكام غير مجد إذ لم يثبت بذلك اعتماد علي بن مهزيار على هذه الرواية و أنّه عمل بها، فلا يتم استظهار أنّ المكتوب إليه هو الإمام عليه السّلام، ما لم يثبت أنّ السائل ممن لا يسأل إلّا المعصوم عليه السّلام، فمن الجائز- حينئذ- أن يكون المسؤول من فقهاء العامة ممن يستفتي منه، فرأى ابن مهزيار المكاتبة و نقلها إلينا و مجرد نقله لها في قضية خاصة لا يدل على اعتماده عليها. نعم تدوينها في الكتب المعتبرة- في سلك الأخبار المنقولة عن الأئمة عليهم السّلام- لعلّه يوجب الظن بصدورها عن المعصوم عليه السّلام، إلّا أنّ الظن لا يغني من الحق شيئا، ما لم يقم دليل على اعتباره.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أنّ الأقوى ما هو المشهور من وجوب الإعادة على ناسي النجاسة مطلقا في الوقت أو خارجه.

(1) و يدل على ذلك نصوص خاصة كصحيح على بن جعفر المتقدمة «2» لقوله في صدره: «سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء قال: ينصرف و يستنجي من الخلاء و يعيد الصلاة.».

فتدل على وجوب الاستيناف لو تذكر أثناء الصلاة، و لو قلنا بعدم وجوب الإعادة لو تذكر بعد الفراغ كما هو مقتضى ذيلها، فضلا عما إذا لم نقل به.

______________________________
(1) و المعتذر هو صاحب الحدائق «قده» ج 5 ص 424- 425.

(2) في الصفحة: 191.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 201‌

أمكن التطهير أو التبديل أم لا (1).

______________________________
(1) لإطلاق الأخبار المتقدمة
«4» الدالّة على أنّ ناسي النجاسة يعيد صلاته، إذ لم يفرق فيها بين إمكان التطهير أو التبديل و عدمه.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net