سائر ما يعفى عنه 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌4   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7594

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 350‌

[الثالث ما لا تتم فيه الصلاة]

______________________________
«الثالث» مما يعفى عنه في الصلاة، ما لا تتم الصّلاة فيه، كالجورب و نحوه.

لو كان ما لا تتم فيه الصّلاة من الميتة أو نجس آخر.

المناط في عدم تماميّة الصّلاة عدم إمكان الستر.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 351‌

«الثالث» مما يعفى عنه: ما لا تتم فيه الصلاة (1) من الملابس، كالقلنسوة، و العرقجين، و التكة، و الجورب، و النعل، و الخاتم، و الخلخال، و نحوها.

______________________________
(1)
ما لا تتم فيه الصلاة يقع الكلام فيما لا تتم فيه الصلاة تارة في المتنجس بنجاسة عرضيّة- كما إذا تنجس العرقجين المنسوج من القطن بالبول و نحوه- و أخرى فيما إذا كان مصنوعا من الأعيان النجسة- كالخف المتخذ من جلد الميتة و القلنسوة المنسوجة من شعر الكلب و الخنزير، و نحو ذلك.

أما الأوّل فلا خلاف «1» بين الأصحاب في جواز الصلاة فيه، بل عن بعض «2» دعوى الإجماع عليه، و هذا من دون فرق بين أن يكون النجس معفوا عنه، أو لا.

و يشهد له- مضافا إلى ذلك- عدّة روايات عمدتها و أصحها سندا موثقة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده، فلا بأس بأن يكون عليه الشي‌ء، مثل القلنسوة، و التكة، و الجورب» «3».

فإنّ الظاهر من قوله عليه السّلام «يكون عليه الشي‌ء» هو النجس،- أي يكون عليه النجس- و عموم «كلّ ما كان» يعم كلّ ما لا تتم الصلاة فيه وحده، فالمذكور فيها- أعني القلنسوة و التكة و الجورب- يكون من باب المثال. و نحوها غيرها «4» إلّا أنها ضعاف لا يمكن الاعتماد عليها، و من هنا‌

______________________________
(1) الحدائق ج 5 ص 334 و الجواهر ج 6 ص 128.

(2) كالانتصار و الخلاف، و السرائر، و التذكرة و غيرها- الجواهر ج 6 ص 128.

(3) وسائل الشيعة ج 2 ص 1045 في الباب 31 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

(4) وسائل الشيعة ج 2 ص 1045 في الباب 31 من أبواب النجاسات.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 352‌

بشرط أن لا يكون من الميتة (1)

______________________________
لم يستند إليها بعض الأصحاب
«1» حتّى الموثقة المتقدمة بناء منهم على عدم حجيّة خبر الثقة، و إنّما اعتمدوا في الحكم بالجواز على الأصل و الإجماع، و أيّدوا ذلك بهذه الأخبار، و لكن لا نجد مانعا عن الاستدلال بالموثقة، لحجيّة خبر الثقة عندنا، مؤيدا ذلك بالإجماعات المحكية، هذا كله في المتنجس، و أما الثاني- أعني المصنوع من عين النجس- فيأتي الكلام فيه.

(1) إذا كان ما لا تتم فيه الصلاة من الميتة ربما يستظهر «2» من بعض، بل من المشهور إطلاق العفو عما لا تتم الصلاة فيه بحيث يعم ما كان متخذا من أعيان النجاسات- كالخف المتخذ من جلد الميتة و القلنسوة المنسوجة من شعر الكلب أو الخنزير- و التحقيق هو المنع كما في المتن، و ذلك لاختصاص دليل العفو بالمتنجس، فلا يشمل الأعيان النجسة، فإنّ موثقة زرارة المتقدمة «3» كالصريح في النجاسة العرضيّة، لقوله فيها «يكون عليه الشي‌ء» فإنّه دال على عروض النجاسة عليه و أصرح منها خبره حيث قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمّ صلّيت؟ فقال: لا بأس» «4».

فالروايات الدّالة على العفو لا تعم النجس الذاتي، فعموم المنع عن الصلاة في النجس يكون محكما.

______________________________
(1) كالسيّد في المدارك و الشيخ حسن في المعالم- الحدائق ج 5 ص 335.

(2) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 597.

(3) في الصفحة: 351.

(4) وسائل الشيعة ج 2 ص 1045 في الباب 31 من أبواب النجاسات، الحديث: 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 353‌

..........

______________________________
نعم هناك روايتان تدلان في نفسهما على جواز الصلاة في النجس إذا كان مما لا يتم فيه الصلاة.

«إحداهما» رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل التكة الإبريسم، و القلنسوة، و الخف، و الزنار يكون في السراويل و يصلّي فيه» «1».

فإنّ اشتمالها على ذكر الإبريسم يكون قرينة على العفو عن مطلق المانع، إذا لم تتم فيه الصلاة و لو كان من الإبريسم، أو مانع آخر كنجس العين، كما إذا كان الخف- مثلا- من الميتة مضافا إلى إطلاقها في الأمثلة المذكورة فيها بالإضافة إلى المتنجس و النجس.

«ثانيتهما» موثقة إسماعيل بن الفضل قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لباس الجلود، و الخفاف، و النعال، و الصّلاة فيها إذا لم تكن من أرض المصلّين؟ فقال: أمّا النعال و الخفاف فلا بأس بهما» «2».

فإنّ ظاهرها السؤال عن لبس الجلد المحكوم عليه بعدم التذكية بمقتضى الاستصحاب، لأنّه من غير أرض المسلمين، فحكم الإمام عليه السّلام بالجواز في النعال و الخفاف دون غيرهما، لأنّهما مما لا تتم فيه الصلاة، لعدم احتمال خصوصية لهما، فيجوز الصّلاة في مطلقه. فالمتحصل من هاتين الروايتين: جواز الصلاة في الميتة، بل مطلق النجس إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه.

هذا، و لكن بإزائهما روايات كثيرة تدل على المنع عن الصلاة في‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 3 ص 272 في الباب 14 من أبواب لباس المصلّي، الحديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج 3 ص 310 في الباب 38 من أبواب لباس المصلّي، الحديث: 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 354‌

..........

______________________________
الميتة، و لو كانت مما لا تتم الصّلاة فيه، فتقع المعارضة بين الطائفتين، فلا بدّ من العلاج، و هي عدّة روايات
«1».

منها: صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الميتة؟ قال: لا تصل في شي‌ء منه، و لا في شسع» «2».

فإنّها تدل على المنع عن الصلاة في الميتة و لو فيما لا تتم الصلاة فيه كشسع النعل، و هي ليست مرسلة، لأنّ ابن أبي عمير ينقلها عن غير واحد فكأنّ صدورها عن المعصوم عليه السّلام كان من المسلّمات.

و منها: صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عن الخفّاف يأتي السوق فيشتري الخفّ لا يدري أ ذكي هو أم لا ما تقول في الصّلاة فيه و هو لا يدري، أ يصلّي فيه؟ قال: نعم، أنا أشترى الخف من السّوق و يصنع لي، و أصلّي فيه، و ليس عليكم المسألة» «3».

فإنّها تدل على أنّ المسألة قد تؤدي إلى حكم إلزامي، و هو عدم جواز الصّلاة في الخفّ إذا علم أنّ الخف- و هو ما لا تتم فيه الصلاة- من الميتة لكن مع عدم السؤال يحكم عليه بالتذكية، لأنّه من سوق المسلمين.

فلا بدّ من علاج المعارضة، و قد حمل روايات المنع جمع كثير على الكراهة بقرينة روايتي الجواز.

و لكن لا يمكن المساعدة عليه، لأنّ رواية الحلبي- الدالة على الجواز- ضعيفة السند ب‍ «أحمد بن هلال» الواقع في طريقها فقد رمي تارة‌

______________________________
(1) لاحظها في الوسائل ج 2 ص 1071 في الباب 50 من أبواب النجاسات. و في ج 3 في الباب 1 من أبواب لباس المصلّي.

(2) وسائل الشيعة ج 3 في الباب 1 من أبواب لباس المصلّي، الحديث: 2.

(3) وسائل الشيعة ج 2 ص 1071 في الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث: 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 355‌

..........

______________________________
بالغلو و أخرى بالنصب حتّى أنّه لا يبعد القول بأنّ المستفاد مما ذكر في ترجمته أنّه لم يكن يتدين بشي‌ء، و من ثمّ كان يظهر الغلو مرة، و النصب أخرى، فالرواية ضعيفة به
«1».

هذا مضافا إلى إمكان الجمع بينها و بين روايات المنع بحملها على غير الميتة من الموانع، فإنّ النسبة بينها و بين تلك نسبة المطلق إلى المقيد.

فتبقى في المقام من روايتي الجواز موثقة إسماعيل بن فضل، و هي و إن كانت معتبرة من حيث السند و لكن قد يجمع بينها و بين روايات المنع بحملها على الجلود المتنجسة بنجاسة عرضيّة حملا للمطلق على المقيد.

و فيه منع ظاهر، لأنّ احتمال النجاسة العرضيّة لا يختص بالجلود حتّى يقع السؤال عنها بالخصوص، بل مطلق اللباس المجلوب من غير أرض المصلين- أي المسلمين- يحتمل فيه ذلك، و لو كان من القطن أو الصوف، و تجري فيه قاعدة الطهارة الواضح جريانها في مطلق محتمل النجاسة بحيث لا يحتاج إلى السؤال.

و من هنا فصّل الإمام عليه السّلام في الجواب بين الخف و النعال، و بين لباس الجلود، فأجاز الصلاة في الأوّلين، لأنّهما مما لا تتم فيه الصلاة، و لم يجز في الأخير، و هذا يكون قرينة على عدم كون السؤال من حيث النجاسة العرضية، و إلّا لجرى أصل الطهارة في الجميع.

هذا مضافا إلى أنّ تقييد الجلود بأرض غير المصلّين قرينة على أنّ‌

______________________________
(1) لا يخفى: أنّه دام ظله ذهب أخيرا إلى توثيقه، لتوثيق النجاشي له بقوله «أنّه صالح الرواية» مضافا إلى وقوعه في أسناد كامل الزيارات ب 72 ص 179 ج 2. و لا أثر لفساد عقيدته أو عمله في سقوط رواياته عن الحجية- لاحظ معجم رجال الحديث ج 2 ص 370.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 356‌

..........

______________________________
جهة السؤال إنّما هي احتمال عدم التذكية و النجاسة الذاتية.

و أما الجمع بينهما بحمل أخبار النهي على الكراهة كما عن كثير ففيه بعد أيضا لإباء بعض نصوص المنع عن ذلك، كصحيح ابن أبي عمير «1» لأنّ فيه المنع حتّى من شسع النعل و صحيح البزنطي «2» للنهي فيه عن السؤال، و هو دال على أنّ السؤال قد يؤدي إلى الابتلاء بحكم إلزامي، و إلّا فالحكم الغير الإلزامي لا محذور في السؤال عنه لجواز ارتكاب المكروه.

و الصحيح في الجمع أن يقال بتحقق الفرق بين الميتة و غير المذكي في ترتب الأحكام، فلا تجوز الصلاة في الأوّل مطلقا، و لو كان مما لا تتم فيه الصلاة، و يفصّل في الثاني بين ما تتم، و ما لا تتم كما فرّقنا بين العنوانين في الحكم بنجاسة الأوّل دون الثاني، و إن اشتركا في حرمة الأكل، و بطلان الصّلاة، و اختلاف الأحكام الشرعية باختلاف العناوين غير عزيز، و إن كانت متلازمة في الوجود الخارجي كما تقدم «3» في الدم الأقل من الدرهم، و أنّ المعفو عنه هل هو الدم الأقل من الدرهم، أو دم لا يكون بقدر الدرهم و ما زاد؟ و هذان العنوانان و إن كانا متلازمين في الخارج، إلّا أنّ الأوّل عنوان وجودي و الآخر عنوان عدمي، و بذلك يفترق الحكم بالجواز و المنع في جريان الاستصحاب في الدم المشكوك كما تقدم «4».

و في المقام أيضا يكون الحال كذلك، فإنّ عنوان الميتة أمر وجودي- و هو ما استند موته إلى سبب غير شرعي- و غير المذكي عنوان عدمي- و هو ما لم يستند موته إلى سبب شرعي- و الأوّل موضوع النجاسة دون الثاني‌

______________________________
(1) المتقدم في الصفحة: 354.

(2) المتقدم في الصفحة: 354.

(3) في الصفحة: 341.

(4) في الصفحة: 342- 344.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 357‌

..........

______________________________
- كما مرّ
«1»- و من هنا قلنا إنّ استصحاب عدم التذكية لا يثبت النجاسة، لعدم ثبوت عنوان الميتة به. نعم يترتب عليه حرمة الأكل، و بطلان الصلاة.

و من ثمرات الفرق بين العنوانين في ترتب الأحكام هو إمكان الجمع بين روايات المقام من دون معارضة في البين و ذلك لاختلاف موضوعها، فإنّ موضوع روايات المنع كصحيح ابن أبي عمير هو الميتة و كذلك صحيح البزنطي، لأنّه بعد السؤال يظهر حال الخف و يعلم أنّه ميتة، أو مذكى، و أما موضوع روايات الجواز كموثقة إسماعيل فهو الجلد المشكوك ذكاته، و مقتضى الاستصحاب فيه عدم التذكية، فلا تجوز الصّلاة فيه أيضا إلّا أنّها قد دلت على الجواز لو لم تكن مما تتم فيه الصلاة، كالخف و النعل.

فيتحصل مما ذكرناه: أنّه إذا علم أنّ الشي‌ء الذي يراد الصلاة فيه من الميتة لا تجوز الصّلاة فيه مطلقا سواء أ كان مما تتم فيه الصلاة، أم لا بمقتضى روايات المنع، و أما إذا شك في ذلك فيجوز فيما لا تتم فيه الصلاة، لأنّ مقتضى الاستصحاب عدم كونه من المذكي، لا ثبوت كونه من الميتة و هذا هو موضوع رواية الجواز.

و يشهد لما ذكرنا:

موثقة سماعة بن مهران «أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام في تقليد السيف في الصّلاة و فيه الفراء و الكيمخت؟ فقال: لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة» «2».

فعلّق الجواز على عدم العلم بكونه ميتة، كما أنّه علق المنع على العلم بكونه ميتة في ما رواه عليّ بن حمزة أنّ رجلا سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده:

______________________________
(1) في ج 2 ص 424- 425 من كتابنا.

(2) وسائل الشيعة ج 2 ص 1071 في الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث: 12.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 358‌

..........

______________________________
«عن الرجل يتقلد السيف و يصلّي فيه؟ قال: نعم، فقال الرجل: إنّ فيه الكيمخت؟ قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دوابّ منه ما يكون ذكيّا و منه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه»
«1».

و لو منع عن هذا الجمع- الذي به ترتفع المعارضة بين الروايات- فإن أمكن القول بإطلاق الموثقة من حيث شمولها للميتة و المشكوك ذكاته فلا بدّ من تقييدها بصحيحة ابن أبي عمير الدالّة على المنع عن خصوص الميتة.

و إن أبيت إلّا عن تحقق الإطلاق في الطرفين- بدعوى عدم الفرق بين الميتة و غير المذكي فما دل على المنع عن الميتة يدل على المنع عن غير المذكي و لو كان ثبوته بمقتضى الاستصحاب- كانت المعارضة مستقرة، لعدم صحة حمل روايات المنع على الكراهة- كما ذكرنا- فيرجع بعد التساقط إلى عمومات المنع عن الصلاة في مطلق النجس الشاملة بإطلاقها لما لا تتم الصّلاة فيه، لابتلاء المخصص في خصوص الميتة بالمعارض، و تكون النتيجة هو المنع عن الصلاة في الميتة، و لو كان مما لا تتم فيه الصلاة- كما ذكر الماتن.

و حاصل ما ذكرناه في هذا المجال: هو أنّ مانعيّة الميتة عن الصّلاة إنّما تكون من حيث النجاسة، و لا دليل على العفو عنها، لأنّ موثقة زرارة الدالة على الجواز تكون مختصة بالمتنجس، فلا تشتمل نجس العين- كالميتة- و أما غير المذكي فمانعيّته إنّما تكون بنفس هذا العنوان و إن لم يكن موضوعا للحكم بالنجاسة- كما عرفت- و لكن موثقة إسماعيل بن الفضل قد استثنت منه خصوص النعال و الخفاف- بلحاظ أنّهما مما لا تتم فيه الصلاة- فتجوز‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1071 في الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث: 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 359‌

و لا من أجزاء نجس العين (1) كالكلب و أخويه.

______________________________
الصّلاة فيهما إذا شك في صنعهما من الميتة أو المذكي و إن كان مقتضى استصحاب عدم التذكية عدم جواز الصلاة، إلّا أنّه نخرج عن مقتضاه في خصوص ما لا تتم فيه الصلاة بمقتضى الموثقة.

نعم لو أحرز عدم التذكية المساوق إحرازه لإحراز أنّه ميتة فلا تجوز الصّلاة فيه لمانعيّة الميتة من دون تحقق دليل على استثنائه، و بما ذكرنا ترتفع المعارضة بين ما دل على المنع عن الصّلاة في الميتة و لو في شسع منها، و بين ما دل على الجواز فيما لا تتم فيه الصّلاة من الجلود المجلوبة من أرض الكفار، فإذا لا حاجة إلى الجمع بوجوه بعيدة تقدمت الإشارة إليها.

(1) أجزاء نجس العين قد تقدم الكلام في الميتة، و أما غيرها من أعيان النجاسات- كالكلب و أخويه- فربما يستدل «1» على خروجهما عما دل على العفو. عن نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة بصدق عنوان الميتة عليها، لعدم قبول نجس العين للتذكية.

و فيه أوّلا: أنّه لا يعتبر الموت في المنع عن أجزاء نجس العين، لأنّ الأجزاء المبانة من الحيّ- كالشعر- مثلا أيضا يكون داخلا في محل الكلام، فالدليل يكون أخص.

و ثانيا: أنّ الموت لا تؤثر في نجاسة الأجزاء الّتي لا تحلها الحياة حتّى يكون المنع من حيث كونها ميتة، فالقلنسوة المصنوعة من شعر الخنزير- مثلا- تكون داخلة في محل الكلام أيضا سواء أ كانت من الخنزير الحي، أو الميت.

______________________________
(1) المستمسك ج 1 ص 581- الطبعة الرابعة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 360‌

..........

______________________________
بل الصحيح هو الاستدلال بإطلاق ما دل على مانعية النجس عن الصلاة، و دليل العفو عما لا تتم الصلاة فيه، كموثقة زرارة المتقدمة
«1»، لا يشمل نجس العين، لظهور قوله عليه السّلام فيها: «فلا بأس بأن يكون عليه الشي‌ء» في النجاسة العرضيّة دون الذاتية بأن يكون على الثوب شي‌ء طارئ من النجاسات، لا أن يكون بنفسه نجسا.

و يصح الاستدلال في خصوص الكلب و الخنزير بما دل على مانعيّة أجزاء غير المأكول و لو شعرة منه دون الكافر لانصراف عنوان غير المأكول عن الإنسان، و دليل العفو مختص بالنجس حتّى لو كان شاملا لنجس العين، و عليه لو كان موثقة زرارة- الدالة على العفو- شاملا لنجس العين أيضا وقعت المعارضة بينهما و بين موثقة ابن بكير المتقدمة «2» الدالة على مانعيّة غير المأكول بالعموم من وجه، و لا بدّ من الرجوع إلى عموم ما دل على مانعيّة النجس- بعد تساقطهما- لأنّ المعارضة في كل منهما بالعموم لاشتمال كل منهما على لفظة «كل» و هي من أداة العموم لقوله عليه السّلام في موثقة زرارة «كل ما كان لا تجوز فيه الصّلاة.» و اشتمال موثقة ابن بكير عليها أيضا، لقوله عليه السّلام فيها «و كل شي‌ء منه.» و لا مجال للمرجحات السندية.

بقي شي‌ء- كان على المصنف التعرض له- و هو أنّه هل تصح الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة لو كان من سائر الموانع كالأبريسم أو غير المأكول و لو كان طاهر العين كما إذا كان من شعر الأرنب- مثلا- أو لا؟ الظاهر هو الثاني، لقصور موثقة زرارة- الدالة على العفو عما لا تتم فيه الصلاة- عن شمول غير المتنجس، و ذلك لظهور قوله عليه السّلام فيها «كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده‌

______________________________
(1) في الصفحة: 351.

(2) في الصفحة: 312.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 361‌

و المناط عدم إمكان الستر بلا علاج (1) فإن تعمم أو تحزم بمثل الدستمال مما لا يستر العورة بلا علاج لكن يمكن الستر به بشدة بحبل أو بجعله خرقا لا مانع من الصلاة فيه.

______________________________
فلا بأس بأن يكون عليه الشي‌ء مثل القلنسوة» في عدم مانعيّة اللباس من جهة عروض النجاسة له، لمكان قوله عليه السّلام «فلا بأس بأن يكون عليه الشي‌ء» فلا يشمل نجس العين- كما تقدم- كما لا يشمل ما إذا كانت المانعيّة من جهة نفس ذاك العارض و لو لم يكن مؤثرا في اللباس، كأجزاء غير المأكول، فإنّها مانعة عن الصلاة من حيث هي فالثوب الّذي يقع عليه شعر من غير المأكول لا تكون المانعيّة فيه من جهة لبس ذاك الثوب، بل تكون من جهة تلك الشعرة، كما يدل على ذلك قوله عليه السّلام في موثقة ابن بكير «فالصلاة في وبره، و شعره، و جلده، و بوله، و روثه، و كل شي‌ء منه فاسدة»
«1» لصراحتها في أنّ أجزاء غير المأكول بنفسها تكون مانعة لا من جهة لبس ما عليه أجزائه بخلاف المتنجس فإنّ الممنوع هو لبس ما عرضته النجاسة كالثوب و نحوه، و دليل العفو يكون مخصصا له فيما لا تتم فيه الصلاة.

و على الجملة لا تكون موثقة زرارة ناظرة إلى أدلة سائر الموانع، لاختصاصها بمانعيّة النجاسة العارضة فقط دون غيرها، فلاحظ.

(1) المناط في عدم إمكان الستر و لو مع تغيير هيأته، و ذلك لظهور قوله عليه السّلام في نصوص العفو «كلّ ما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس.» في عدم إمكان الصلاة فيه بالفعل، و لو مع تغير هيئته، كالدستمال المتعمم أو المتحزم به، فإنّه لا يمكن‌

______________________________
(1) المتقدمة في الصفحة: 312.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 362‌

و أما مثل العمامة الملفوفة التي تستر العورة إذا فلت فلا يكون معفوا (1).

______________________________
الستر به، و لو مع تغيير هيئته عن التعمم أو التحزم إلى فلّه و جعله ساترا، فإنّه لا يمكن الصلاة فيه بالفعل على أيّ حال، لصغره و إن أمكن بعلاج كشدّة بحبل أو جعله خرقا.

(1) قد ذكرنا آنفا أنّ العبرة في العفو بعدم إمكان التستر بالشي‌ء بالفعل، و لو مع تغيير في هيئتها، فمثل العمامة الملفوفة لا يعفى عنها، لإمكان التستر بها بتغيير هيئتها بأن تفلت و تجعل إزارا، فإنّها من الثياب، و لا دخل لهيئتها في صدق الثوب عليها، فهي في حد ذاتها ثوب قابل لأنّ يلف على الرأس فيصدق عليه اسم العمامة، أو يشد على الوسط و يتستر به، فيصدق عليه اسم الإزار، فهو في حد نفسه ثوب تجوز الصلاة فيه وحده، بخلاف مثل الجورب و القلنسوة و التكة و نحوها، فيعفى عن هذه دونها.

و لكن عن الصدوق في الفقيه أنّه قد عدّ العمامة في جملة المعفو عنه كالقلنسوة و التكة و الجورب و نحوها و نقله عن أبيه في الرسالة أيضا «1» معللا في جميع ذلك بأنّه لا تتم الصلاة في شي‌ء من هذا وحده.

و يمكن استناده إلى أحد أمرين، إما الفقه الرضوي «2» قال فيه: «إن أصاب قلنسوتك و عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخفّ منيّ أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه، و ذلك أنّ الصلاة لا تتم في شي‌ء من هذا وحده» «3».

______________________________
(1) الحدائق ج 5 ص 336 و الجواهر ج 6 ص 129.

(2) الصفحة: 6.

(3) جامع أحاديث الشيعة ج 1 ص 57 في الباب 29 من أبواب النجاسات، الحديث: 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 363‌

..........

______________________________
و إما عموم قوله عليه السّلام في موثقة زرارة أو غيرها «كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشي‌ء» بدعوى شموله للعمامة كشموله للقلنسوة و نحوها.

و يرد الأوّل ضعف السند- بل لم يثبت كونه رواية- بل الدلالة لأنّ بقية الأمثلة المذكرة فيه، و كذا التعليل بأنّ الصلاة لا تتم في شي‌ء من هذا وحده تكون قرينة على أنّ المراد بالعمامة هي الصغيرة منها على نحو لا يمكن التستر بها كالعصابة، و منه يظهر:

رد الوجه الثاني، لأنّ المستفاد من روايات العفو ان المستثنى منه هو الثوب فالمستثنى يكون أيضا ثوبا لا تتم الصلاة فيه و لا دخل لهيئة العمامة في صدق الثوب عليها- كما ذكرنا آنفا- إذا مع فلّها أيضا يصدق عليها الثوب بخلاف القلنسوة و الجورب و نحوها، فإن صدق الثوب عليهما متوقف على عروض الهيأة الخاصة عليهما، فخيط الجورب- مثلا- لا يكون ثوبا ما لم ينسج على هيئة الجورب، فمن هنا لو أمكن التستر بهما بعلاج لم يكن قادحا في العفو بخلاف العمامة. نعم: لو خيطت على نحو توقف صدق الثوب عليها على الخياطة الخاصّة، كالقلنسوة يعفي عن لبسها أيضا لو تنجست، فإنّه بذلك يخرج عن قابلية التستر بها بالفعل- عرفا- و قد عرفت أنّ العبرة في المنع و الجواز هو إمكان الستر و عدمه بالفعل، فالأقوى ما عليه المشهور من عدم جواز الصلاة في العمامة المتنجسة إذا كانت قابلة للتستر بها فعلا.

بقي أمران «أحدهما» أنّ الظاهر من روايات العفو إنّما هو العفو عن الثوب الّذي لا تتم الصلاة فيه لصغره، و أما ما لا تتم فيه الصلاة لرقته بحيث يحكي ما تحته فلا يعفى عنه.

«ثانيهما» إنّه كان البحث فيما سبق عما إذا كان ما لا تتم فيه الصلاة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 364‌

إلّا إذا خيطت بعد اللف بحيث تصير مثل القلنسوة (1).

______________________________
ملبوسا للمصلّي و أما إذا كان محمولا له فيأتي الكلام فيه في الأمر الرابع.

(1) فإنّه بذلك يخرج عن كونها مما يمكن التستر به بالفعل- عرفا- نعم الخياطة الجزئية لا تكون مانعة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 366‌

[الرابع المحمول المتنجس]

______________________________
«الرابع» مما يعفى عنه في الصّلاة:

المحمول المتنجس إذا لم تتم فيه الصّلاة.

المحمول المتنجس لو كان مما تتم فيه الصّلاة.

حمل الأعيان النجسة في الصّلاة.

الخيط المتنجس إذا خيط به الجرح أو اللباس.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 367‌

«الرابع» المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصّلاة (1) مثل السكّين، و الدرهم، و الدينار، و نحوها.

______________________________
(1)
المحمول المتنجس يقع الكلام في المحمول المتنجس من جهات:

الأولى: في المحمول المتنجس الّذي لا تتم فيه الصلاة، سواء أ كان من الملبوس، كالقلنسوة، و الجورب، و نحوهما إذا حمله المصلّي في جيبه أو لم يكن، كالسكين و الدينار، و نحو ذلك.

و فيه قولان «1»: و الأظهر الجواز، للأصل، و عدم دليل على المنع، إذ النهي عن الصلاة في النجس لا يشمله لا على وجه الحقيقة، و لا المجاز.

توضيح ذلك: أنّ النهي عن الصلاة في النجس و إن كان ثابتا و مستفادا من مجموع الروايات الواردة في موارد مختلفة، فإنّه و إن لم يرد نص بهذا العنوان الكلي، و لكن المستفاد من النهي الوارد في موارد خاصة، كالنهي عن الصلاة في الثوب الّذي اصابه البول أو الدم أو المنيّ أو غير ذلك من النجاسات هو المنع عن الصلاة في مطلق النجس.

و يؤيد ذلك تعليل النهي عن الصلاة في الحديد بأنّه نجس كما في رواية موسى بن أكيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- «لا تجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد فإنّه نجس.» «2».

فإنّ النهي فيه و إن كان محمولا على الكراهة إلّا أنّه معلّل بالنجاسة‌

______________________________
(1) أحدهما: القول بالجواز- كما عن الذكرى و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و المدارك و الذخيرة و غيرها، و نسبه في المدارك و غيره إلى المعتبر، و ظاهر الشرائع.

الثاني: القول بالمنع- كما عن السرائر و النهاية و المنتهى و البيان و الموجز و نسب إلى ظاهر الأكثر- المستمسك ج 1 ص 582 الطبعة الرابعة.

(2) وسائل الشيعة ج 3 ص 303 في الباب 32 من أبواب لباس المصلّي، الحديث: 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 368‌

..........

______________________________
المنطبقة على جميع أفرادها.

و على الجملة: لا إشكال في ثبوت النهي عن الصلاة في النجس إلّا أنّ الكلام كله في صدق هذا العنوان على المتنجس أو النجس في الصلاة، و الظاهر عدم الصدق لا حقيقة و لا مجازا و ذلك، لأنّ الصلاة- كبقية الأفعال- لا بدّ فيها من ملاحظة المفاهيم العرفية، إذ لا خصوصيّة لها من هذه الجهة، و لا إشكال في أنّ كل فعل من الأفعال يحتاج إلى ظرفين ظرف زمان، و ظرف مكان، و لا ثالث لهما، فكما يقال أكلت في يوم الخميس في داري، كذلك يقال صلّيت في يوم الجمعة في المسجد، و لا يصدق شي‌ء من هذين المعنيين حتّى على الصلاة في الثوب النجس، لأنّ الثوب لا يكون ظرفا للصلاة لا ظرف مكان، و لا ظرف زمان.

نعم قد يتسامح العرف في جعل ظرف الفاعل ظرفا لفعله، فاللباس يكون ظرفا للفاعل، و لكن يجعله ظرفا لفعله بالعناية و المجاز، فيقال: نام زيد في ثيابه، أو دخل على الأمير في ثياب سفره، فإنّ الثياب يكون ظرفا لشخص النائم، لاشتمالها عليه و لكن يجعل ظرفا للنوم بنحو من العناية و المجاز، و هذا استعمال شائع يساعده الذوق العرفي و لو كان مجازيا، و عليه لا يصدق الصلاة في النجس إلّا فيما إذا كان النجس لباسا لجميع بدن المصلّي- كالثوب- أو لبعضه- كالخاتم و الجورب إذا لبسهما- فلا يدل المنع عن الصلاة في النجس إلّا على لبس النجس في الصلاة و لو مع العناية المذكورة- أعني العلاقة بين الفعل و فاعله- و أما حمله في الصلاة فلا يكون داخلا تحت عموم هذا المنع، إذ لا علاقة مصححة للإطلاق، فلا بدّ فيه من التماس دليل آخر، إذ الدليل المذكور لا يجري فيه، فكما لا يصدق أكلت في الدرهم و الدينار- إذا كانت الدراهم و الدنانير في جيبه- كذلك لا يصدق الصلاة فيها في هذا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 369‌

..........

______________________________
الحال، و دعوى الصدق مكابرة محضة و بلا شاهد و برهان، و لم ينشأ إلّا عن مسلميّة الحكم عند القائل ثم تطبيق الدليل على زعمه.

نعم قد ثبت في بعض الموارد الخاصة استعمال كلمة «في» و إرادة «المعيّة» لكن هذا لا يصار إليه إلّا في خصوص تلك الموارد، لعدم القرينة العامة على إرادته في جميع استعمالها في الروايات، و ذلك كما في النهي عن الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه كما في موثقة ابن بكير «أنّ الصلاة في وبر كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره، و شعره، و جلده، و بوله، و روثه و كل شي‌ء منه فاسدة.» «1».

فإنّ الصلاة في شعره و وبره و ان كان قابلا للحمل على إرادة لبس اللباس المصنوع منهما، بل و كذلك العظم، لا مكان جعله فصّا للخاتم- مثلا- فإنّه يصدق عليه الملبوس و لكن لا يمكن ذلك في الروث و البول، لعدم كونهما ظرفا للصلاة و لا المصلّي، فلا يصدق الظرفية لا حقيقة و لا مجازا، إذ لا علاقة مصححة للتجوز في الظرفية فيما كان المعقول فيه مجرد المصاحبة، فلا بدّ من إرادة المعيّة، أي لا يصح الصلاة مع مصاحبة أجزاء غير المأكول، و من هنا عبّر الفقهاء بالمنع عن استصحاب أجزاء غير المأكول في الصلاة.

و نحوه النهي الوارد «2» عن الصلاة في السيف للإمام إلّا في الحرب و جواز الصلاة فيه إلّا أن يري فيه دما «3».

فتحصل: أنّه لا بدّ في أمثال هذه الموارد مما قامت قرينة على عدم صحة إرادة الظرفية لا للفاعل و لا لفعله من حمل «في» على معنى «مع» و أما‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 3 ص 250 في الباب 2 من أبواب لباس المصلّي، الحديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج 3 ص 334 في الباب 57 من أبواب لباس المصلّي، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة ج 3 ص 334 في الباب 57 من أبواب لباس المصلّي، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 370‌

..........

______________________________
إذا لم تقم قرينة على ذلك فلا بدّ من إبقاء الكلمة على معنى الظرفية الحقيقية أو المجازية.

و أما دعوى: تصحيح الظرفية في النهي عن الصلاة في البول و الروث مما لا يؤكل لحمه في الموثقة بأنّ ذلك إنّما يكون باعتبار تلوث اللباس بها الموجب لعدها جزء منه، فتكون ظرفا للمصلي، كاللباس.

فلا ترجع إلى معنى محصل، أما أوّلا: فلأنّ غاية ما هناك أن يكون الثوب ظرفا لمظروفين- الصلاة و ما على الثوب من أجزاء ما لا يؤكل لحمه- و هذا لا يصحح جعل أحد المظروفين ظرفا للآخر بأن يجعل البول أو الشعر مما لا يؤكل ظرفا للصلاة، إذ لا علاقة مصححة لهذا الاسناد و لو مجازا كما هو أوضح من أن يخفى.

و أما ثانيا: فلأنّه لو تم فإنّما يتم في الثوب دون البدن، إذ لو تلوث البدن ببول أو روث ما لا يؤكل لحمه، أو وقع عليه شعر أو وبر منه فلا تصح فيه هذه العناية بوجه.

فتحصّل: أنّ دليل المنع عن الصلاة في النجس بنفسه قاصر الشمول عن حمل النجس في الصلاة، فلا نحتاج في إخراجه إلى دليل مخصص.

و ظهر مما ذكرنا: أنّه لا فرق في المحمول المتنجس بين أن يكون من نوع الملبوس، كالجورب و القلنسوة و التكة و نحوها مما لا تتم فيه الصلاة إذا حملها فيها و بين أن يكون من غيره كالسكين و نحوه، لعدم شمول المنع المذكور لكليهما، و مقتضى الأصل الجواز.

هذا، مضافا إلى إمكان الاستدلال على الجواز ب‍:

موثقة زرارة المتقدمة «1» لقوله عليه السّلام فيها: «كل ما كان لا تجوز فيه‌

______________________________
(1) في الصفحة: 351.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 371‌

و أما إذا كان مما تتم فيه الصلاة كما إذا جعل ثوبه المتنجس في جيبه- مثلا- ففيه إشكال (1) و الأحوط الاجتناب.

______________________________
الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي‌ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب».

فإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين أن يكون ما لا تتم فيه الصلاة محمولا أو ملبوسا بالفعل، و ذلك لتعلق نفي البأس بذات الشي‌ء الّذي من شأنه أن يلبس، لا بلبسه بالفعل، ثمّ إنّه من المقطوع به عدم الفرق في الجواز بين الملبوس المحمول و غيره، كالدرهم و الدينار و غيرهما. و يؤكد ذلك:

مرسلة عبد اللّه بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «كل ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصّلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه و إن كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفّين و ما أشبه ذلك» «1».

فإنّها صريحة الدّلالة على جواز حمل ما لا تتم الصلاة فيه إذا كانت متنجسة إلّا أنها ضعيفة السّند.

(1) الجهة الثانية: في أنّه هل يفرق بين المحمول إذا كان من نوع الملبوس بين ما لا تتم فيه الصلاة و ما تتم فيه- كما إذا جعل ثوبه المتنجس في جيبه، مثلا.

استشكل المصنف «قده» في الجواز و أحتاط بالاجتناب، و لعلّ وجه الاحتياط عنده «قده» احتمال صدق الصلاة في النجس على ذلك، و لكن قد عرفت منعه إذ لا يصدق هذا العنوان إلّا على لبس النجس في الصلاة دون حمله، فالثوب المحمول في الصلاة و إن كان قابلا للستر إلّا أنّ ذلك لا يكفي في‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1045 في الباب: 31 من أبواب النجاسات، الحديث: 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 372‌

و كذا إذا كان من الأعيان النجسة (1) كالميتة، و الدم، و شعر الكلب، و الخنزير، فإنّ الأحوط اجتناب حملها في الصلاة.

______________________________
صدق عنوان الصلاة فيه، إلّا إذا لبسه بالفعل، فمقتضى الأصل فيه الجواز
«1» نعم لا يمكن الاستدلال على جواز حمله بالموثقة المتقدمة «2» لاختصاصها بما لا تتم فيه الصلاة.

(1) حمل النجس في الصلاة الجهة الثالثة: مما يبحث عنه في هذه المسألة هي حمل الأعيان النجسة في الصلاة كما إذا وضع قارورة فيها الدم في جيبه حال الصلاة، فهل يحكم ببطلان الصلاة حينئذ أوّلا؟ أحتاط المصنف «قده» بالمنع و لكن الأظهر الجواز للأصل، و عدم صدق الصلاة في النجس.

و لكن عن جمع من الأصحاب «3» القول بالمنع و يمكن الاستدلال لهم بروايات.

منها: ما في الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام قال: «و سألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العذرة فتهب الرّيح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه و رأسه يصلّى فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم. ينفضه، و يصلّي فلا بأس» «4».

بدعوى: أنّ الأمر بالنفض ظاهر في مانعيّة العذرة الّتي على بدنه و‌

______________________________
(1) و من هنا جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «ففيه إشكال» أن «أظهره الجواز».

(2) في الصفحة: 351.

(3) نسب القول ببطلان الصلاة حال حمل النجس إلى السرائر و المبسوط و الجواهر و الإصباح و الجامع و جملة من كتب العلامة، الحدائق ج 5 ص 340، 341 و الجواهر ج 6 ص 134.

(4) وسائل الشيعة ج 1 ص 1034 في الباب 26 من أبواب النجاسات، الحديث: 12.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 373‌

..........

______________________________
ثوبه عن الصلاة.

و يدفعها: أنّها خارجة عن محل الكلام، لأنّها إنّما تمنع عن الصلاة في الثوب و البدن المتلوثين بغبار العذرة التي نسفتها الريح عليه، و هذا من مصاديق الصلاة في النجس دون حمله، إذ هو في حكم تنجس البدن أو اللباس بالعذرة الرطبة من هذه الجهة.

و منها: صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يصلّي و معه دبّة «1» من جلد حمار أو بغل؟ قال: لا يصلح أن يصلّي و هي معه إلّا أن يتخوف عليها ذهابها فلا بأس أن يصلّي و هي معه.» «2».

و قريب منه ما رواه الشيخ عنه قال: «و سألته عن الرجل صلّى و معه دبّة من جلد حمار و عليه نعل من جلد حمار هل يجزيه صلاته أو عليه إعادة؟ قال: لا يصلح له أن يصلّي و هي معه إلّا أن يتخوف عليها ذهابها فلا بأس أن يصلّي و هي معه» «3».

بدعوى حملها على الدّبّة المصنوعة من جلد الميتة، و ظهور المنع في الحرمة إلّا في حال الاضطرار، كالخوف عليها من السرقة.

و يدفعها أوّلا: عدم ظهور «لا يصلح» في الحرمة بل ظاهرها الكراهة، و لعلّها لعدم تناسب حمل الدّبة في الصلاة الّتي هي عبادة يتقرب بها إلى اللّه تعالى.

______________________________
(1) الدّبّة (بالفتح و التشديد): وعاء يوضع فيه الدهن و نحوه.

(2) وسائل الشيعة ج 3 ص 336 في الباب 60 من أبواب لباس المصلّي، الحديث: 3 و الفقيه ج 1 ص 164، الحديث: 775. طبعة الإسلامية.

(3) الوسائل في الباب المتقدم. الحديث: 4. و في التهذيب ج 2 ص 373، الحديث 1553 طبعة الإسلامية.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 374‌

..........

______________________________
و ثانيا: عدم تقييد الدّبّة بجلد الميتة من الحمار أو البغل و الحمل عليها بلا دليل، لا مكان أن يكون منشأ السؤال شيئا آخر، و هو احتمال المنع عن حمل المصنوع عن جلد الحمار و البغل في الصلاة، لأنّهما من الممنوع أكله و إن كان المنع عندنا منع كراهة و عند العامة
«1» منع تحريم كما اختلفنا معهم في حكم أبوال الدّواب الثلاثة- الحمار و البغل و الخيل- من حيث الطهارة و النجاسة، فإنّ المشهور عندنا قديما و حديثا هو القول بطهارتها على كراهة، و لكن ذهب معظم العامة لا سيما المذاهب المعروفة و بالخصوص الحنفية إلى القول بنجاستها كما تقدم «2».

و كيف كان فلا موجب للحمل على كون الدّبة مصنوعة من جلد الحمار الميت مع إمكان أن يكون منشأ السؤال كراهة أكل لحم الحمار أو حرمته.

و أما ما جاء في كتاب الطهارة لشيخنا العلامة الأنصاري «قده» من زيادة لفظ «ميت» و نقل الرواية هكذا «و معه دبّة من جلد حمار ميت.»‌

فهو سهو من قلمه الشريف، فإنّها مروية بطرق ثلاثة- الصدوق و الشيخ و‌

______________________________
(1) في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة- ج 2 ص 2، الطبعة الخامسة كتاب الحظر و الإباحة- «و يحرم من البهائم أكل الحمر الأهلية بخلاف حمر الوحش فإنّها حلال، و كذا يحرم أكل البغل الذي أمه حمار، أما البغل الذي أمه بقرة أو أبوه حمار وحشي و أمه فرس فأكله حلال، لتولده من مأكولين».

و في أدنى الصفحة قال: «المالكية- قالوا: في الحمر الأهلية و الخيل و البغال قولان: المشهور منهما التحريم، و الثاني الكراهة في البغال و الحمير. و الكراهة و الإباحة في الخيل».

و في البدائع- ج 5 ص 37 في كتاب الذبائح- «لا تحل البغال و الحمير عند عامّة العلماء و يكره لحم الخيل عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمّد لا يكره و به أخذ الشافعي».

(2) في ج 2 ص 298 من كتابنا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 375‌

..........

______________________________
الحميري في قرب الإسناد- و ليس في شي‌ء منها هذه الزيادة أعني لفظ «ميت» فراجع
«1» و من البعيد جدا أنّه «قده» قد عثر على رواية غير هذه الرواية المذكورة في كتب الحديث.

و ثالثا: لو سلم ثبوت هذه الزيادة لزم الالتزام بالمنع في خصوص الميتة و لا موجب للتعدي إلى سائر النجاسات، لأنّه قياس، و لعلّه لأجل الاهتمام بالميتة دون غيرها من النجاسات، و من هنا ورد «2» المنع عن الصلاة في الميتة و لو في شسع منها، فيفصل في حمل النجاسات في الصلاة بينها و بين غيرها كما فصّلنا «3» بذلك فيما لا تتم فيه الصلاة وحده.

بل ذكرنا أنّه لا تجوز الصلاة في أجزاء المشكوك ذكاته مما لا تتم فيه الصلاة و إن لم يحرز نجاسته إلّا الخف و النعل للنص «4» فراجع.

و منها: صحيحة عبد اللّه بن جعفر قال: «كتبت إليه يعني أبا محمّد عليه السّلام يجوز للرجل أن يصلّي و معه فأرة المسك؟ فكتب: لا بأس به إذا كان ذكيّا» «5».

و ظاهرها السؤال عن نفس الفأرة لا المسك الموجود فيها لأنّها‌

______________________________
(1) راجع الوسائل في الباب المتقدم، و الفقيه ج 1 ص 164، الحديث: 775، و التهذيب ج 2 ص 373، الحديث 1553، طبعة الإسلامية، و قرب الإسناد ص 87 و 88 بنقل تعليقة الوسائل ج 3 ص 337.

(2) كما روى ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الميتة؟ قال: لا تصل في شي‌ء منه و لا في شسع» وسائل الشيعة ج 3 ص 249 في الباب 1 من أبواب لباس المصلّي الحديث: 2.

(3) في الصفحة: 352- 353.

(4) و هو موثق إسماعيل بن الفضل المتقدم في الصفحة: 353.

(5) وسائل الشيعة ج 3 ص 314 في الباب 41 من أبواب لباس المصلّي، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 376‌

[ (مسألة 1) الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح يعد من المحمول]

(مسألة 1) الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح يعد من المحمول (1) بخلاف ما خيط به الثوب، و القياطين، و الزرور، و السفائف، فإنّها تعد من أجزاء اللباس لا عفو عن نجاستها.

______________________________
المسؤول عنها دونه و هي تدل بمفهومها على عدم جواز حمل غير المذكى في الصلاة.

و لكن هذه كسابقتها إنّما تختص بغير المذكّى و لا تعم جميع النجاسات و لا بأس بالالتزام بالمنع في مورده، و في حكمه الجلود المجلوبة من الخارج إذا كانت مشكوكة الذكاة لاستصحاب عدم التذكية فيها فيمنع عن الصلاة فيها كالمحرز موته.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أنّه لا مانع من حمل النجاسات في الصلاة إلّا الميتة و المشكوك ذكاته إلّا الخف و النعل للنص الخاص فيهما كما أشرنا آنفا و سبق نعم لو كان المحمول النجس فيه مانع آخر كما إذا كان من أجزاء غير المأكول يمنع عنه في الصلاة لهذه الجهة دون جهة النجاسة.

(1) أما الخيط الّذي يخاط به الثوب- كالأمثلة المذكورة في المتن- فيحكم بالمنع عن الصلاة فيه، و ذلك بلحاظ أنّ الخيط في الثوب قد يكون أصليّا و هي الخيوط التي ينسج منها الثوب و قد يكون فرعيّا و هو ما يخاط به قطع الثوب و كلاهما يعدان جزء من اللباس، فيمنع عنهما في الصلاة إذا كانا نجسين، إذا لا فرق في صدق الصلاة في النجس بين أن يكون جميع اللباس نجسا أو بعضه.

و أما الخيط الّذي يخاط به الجرح فإنّه يعد من المحمول المتنجس، فلا يمنع عن الصلاة فيه، و لا يعد جزء من بدن الإنسان، لأنّ أجزائها إما أن تحلها الحياة الحيواني كاللحم و الجلد، و إما أن تحلها الحياة النباتي كالعظم و الشعر، و الخيط الخارجي لا يكون شيئا منهما، فيكون من المحمول في الصلاة لا محالة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 377‌

..........

______________________________
فتجوز الصلاة فيه.

هذا إذا كان الخيط متنجسا، و أما إذا كان من الأعيان النجسة كشعر الكلب أو الخنزير فبناء على القول بالمنع مطلقا لا تجوز الصلاة فيه إلّا مع الاضطرار، و في خصوص ما اتخذ مما تحله الحياة من الميتة على المختار، لعدم جواز حملها بل حمل غير المذكّى في الصلاة كما تقدم آنفا.

نعم قد يكون المحمول المتنجس أو النجس مما يعد في نظر العرف من التالف، كما إذا شرب الماء المتنجس، أو أكل لحم الميتة، أو أجبر عظمه بعظم حيوان نجس العين، فإنّ أمثال هذه الموارد لا يمنع عنها في الصلاة، لما ذكر، أو لصيرورته جزء من بدن المصلّي عرفا، و هكذا إذا كان ذلك من المغصوب أو غير المأكول فأكله.

و من هنا يظهر فساد ما التزم به بعض من عاصرناه من الأعلام من لزوم قي‌ء المأكول المغصوب أو غير المأكول لئلا تقع الصلاة فيهما فتبطل، وجه الفساد أنّ المأكول يعدّ من التالف في نظر العرف و إن كان باقيا بعد في بطن الآكل بالدقة العقلية، فلا مجال لتوهم صدق التصرف فيه حينئذ كي يصدق الصلاة في المغصوب أو غير المأكول.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 380‌

[الخامس ثوب المربية للصبي]

______________________________
«الخامس» مما يعفى عنه في الصّلاة:

ثوب المربية للصبيّ.

هل يختص العفو بما إذا كان الصبي ذكرا.

لزوم غسل الثوب كلّ يوم مرة.

اختصاص العفو بصورة انحصار الثوب في واحد.

إذا تمكنت من تحصيل ثوب آخر.

هل يعفى عن نجاسة بدن المربية للصبيّ.

هل يلحق المربي بالمربّية.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 381‌

«الخامس» ثوب المربية للصبي (1).

______________________________
(1)
ثوب المربية للصبي يقع الكلام عن ثوب المربّية للصبي «تارة» في أصل العفو عن نجاسته في الصلاة و «أخرى» في خصوصياته.

فنقول: المشهور بل ادّعي الإجماع- في كلمات كثير من الأصحاب كصاحب الحدائق «1» و غيره «2»- على العفو عن نجاسته إذا غسلته في اليوم مرة، و لم يكن لها ثوب غيره.

و عن «3» الدلائل: «أنّه لا خلاف فيه إلّا ممن لا يعتد بخلافه في إمكان تحصيل الإجماع، لخلل في الطريقة، كصاحبي المعالم و المدارك و الذخيرة بعد اعتراف الأخيرين بأنّه مذهب الشيخ و عامة المتأخرين تبعا لتوقف الأردبيلي فيه.»‌

و كيف كان فلا دليل على الحكم المزبور إلّا أمران.

أحدهما: الإجماع. و فيه: ما مرّ غير مرة من عدم ثبوت إجماع تعبدي في أمثال المقام مما فيه مستند آخر للحكم لا سيما إذا استند إليه أكثرهم كما هنا لاستدلالهم بالرواية الآتية.

الثاني: رواية أبي حفص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سئل عن امرأة ليس لها إلّا قميص واحد و لها مولود، فيبول عليها كيف تصنع؟ قال: تغسل القميص في اليوم مرة» «4».

و هي ضعيفة السند لا يمكن الاعتماد عليها، لأنّ في طريقها «محمّد بن‌

______________________________
(1) ج 5 ص 345.

(2) الجواهر ج 6 ص 231.

(3) الجواهر ج 6 ص 231.

(4) وسائل الشيعة ج 2 ص 1004 في الباب 4 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 382‌

..........

______________________________
يحيى المعاذي» فإنّه لم يثبت وثاقته، بل ضعّفه العلامة في الخلاصة
«1».

و كذا «محمّد بن خالد» فإنّه مردد بين الطيالسي و الأصمّ و كلاهما لم يوثّقا في الرجال «2».

و كذا أبو حفص، لاشتراكه بين الثقة و الضعيف «3» فلا يسعنا الاعتماد على هذه الرواية.

و دعوى: انجبار ضعفها بعمل المشهور و إن كانت مسلّمة صغرى إذ لا دليل في المقام على الاستثناء سوى هذه الرواية، و قد صرح الأكثر‌

______________________________
(1) و قد ضعفا الرواية صاحبا المدارك و المعالم به أيضا، و لكنّه من رجال كامل الزيارات- ب 29 ح 9 ص 96- الّذين قال بتوثيقهم السيد الأستاذ دام ظله و لم يعتمد على توثيق أو تضعيف المتأخرين للرواة- كالعلامة و ابن طاوس و نحوهما- لابتناء آرائهم على الاستنباط و الحدس، لاحظ معجم رجال الحديث للسيد الأستاذ دام ظله- ج 1 ص 57- 58 و ص 63- 64- فهو ثقة على ما سلكه دام ظله.

(2) و لكنّ الطيالسي من رجال كامل الزيارات- ب 71 ح 8 ص 174- فهو ثقة على ما سلكه الأستاذ دام ظله- كما أشرنا آنفا- و الظاهر أنّه الواقع في سند الرواية كما لعلّه يشير إلى ذلك في جامع الرواة ج 2 ص 110 فإنّه أشار إلى روايته هذه في التهذيب في باب تطهير الثياب- ج 1 ص 250 ح 719.

و لم يذكر ذلك في ترجمة الأصم ج 2 ص 108 و كأنّه لرواية محمد بن يحيى المعاذي عن الطيالسي دون الأصم و إن كانا يرويان معا عن سيف بن عميرة فلاحظ.

(3) كذا في المدارك و الظاهر أن المراد بالثقة هو أبو حفص الرمّاني اسمه «عمر» و غير الثقة أبو حفص الكلبي حيث أنّه لم يوثق، و في تنقيح المقال- ج 3 ص 13 من فصل الكنى- أنّه لم يقف على اسمه، و في جامع الرواة ج 2 ص 380 ما يدل على أنّه الواقع في سند الرواية حيث أنّه أسند رواية التهذيب في باب تطهير الثياب إليه، و لقبه بالكلبي من دون ذكر للصفة المذكورة في متن التهذيب ج 1 ص 250 ح 719 فراجع.

فتحصل أنّ الرواية ضعيفة و لا أقل بهذا الرجل أعني أبو حفص المشترك بين الثقة و غيره.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 383‌

..........

______________________________
باستنادهم إليها، و لكن الكبرى ممنوعة- كما مر غير مرة- لأنّ مجرد عملهم برواية ضعيفة لا يجدى شيئا ما لم يوجب الوثوق الشخصي بصحتها و صدورها عن المعصوم عليه السّلام و لم يوجب لاختلاف مشارب الأصحاب في العمل بالروايات، فإنّ بعضهم يرى صحة أخبار الكتب الأربعة، و يدعي القطع بصدورها عنهم عليهم السّلام أو يراها حجة معتبرة، و عهدة هذه الدعوى على مدّعيها، و بعضهم يرى أنّ عدالة الراوي ليست إلّا عبارة عن إظهار الإسلام، و عدم ظهور فسق منه، و بعضهم يفتي بمضمون الرواية لو قام الإجماع أو الشهرة على طبقها، و شي‌ء من ذلك لا يمكننا المساعدة عليه، كما هو واضح، بل العبرة في الحجية بوثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية عن المعصوم عليه السّلام، و لو بقرائن خارجيّة، و لم يحصل شي‌ء من الأمرين بمجرد عمل الأصحاب برواية ضعيفة.

فتحصل: أنّه لا دليل- يعتمد عليه- على العفو عن نجاسة ثوب المربّية للصبيّ، فلا بدّ إذا من رعاية القواعد العامة، و هي لا تقتضي العفو إلّا في موارد الحرج الشخصي بدليل نفي الحرج، فلو لم يكن لها إلّا ثوب واحد و تنجس ببول الصبي يجب عليها غسله للصلاة في اليوم و لو مرّات إلّا إذا استلزم الحرج «1».

هذا كله في أصل العفو و المناقشة فيه، و أما خصوصياته على تقدير أصل ثبوته بالحديث فلا بدّ من البحث عنها، و هي عدة أمور أشار إليها المصنف «قده» في المتن نذكرها تبعا له.

______________________________
(1) و من هنا جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده»: «ثوب المربية للصبي» (الأحوط الاقتصار في العفو على موارد الحرج الشخصي).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 384‌

أما كانت أو غيرها (1) متبرعة أو مستأجرة ذكرا كان الصبي أو

______________________________
(1)
هل يعتبر أن تكون المربية أمّا للصبي الأمر الأوّل: في أنّه هل يعتبر أن تكون المربّية أمّا للصبيّ، أو يكفي مجرد التصدي للتربية و لو كانت المربّية أجنبية، ظاهر التعبير في كلمات الأصحاب ب‍ «المربّية للصبي» هو الثاني، و في الجواهر «1» دعوى القطع بعدم الفرق بين الأم و الأجنبيّة، و لكنّ القدر المتيقن هو الأم، إذ لا دليل على التعميم، لظهور السؤال بقوله «و لها مولود» في كون المولود ابنا للمرأة الّتي وقع السؤال عن حكمها، لأنّ اللأم للاختصاص المطلق- أي من جميع الجهات- و لا يكون ذلك إلّا في الأم، لا الاختصاص من جهة خاصة كالتربية إلّا بقرينة.

و دعوى أنّه لمطلق الاختصاص فيشمل الاختصاص بلحاظ التربية.

مندفعة بأنّه خلاف ظاهر الإطلاق و إن كان يصح استعماله فيه أيضا، و دعوى القطع بعدم الفرق بين الأم و غيرها مجازفة لا يمكن المساعدة عليها.

بل لا يمكن التعدي إلى الجدّة و إن كانت والدة مع الواسطة، لظهور قوله «لها مولود» في تولده منها من دون واسطة نعم لو كان التعبير في الرواية بأنّ «لها ولد» أمكن دعوى الشمول للجدة، و لكن وقع التعبير بالأوّل.

فتحصل: أنّ مدلول الرواية هو العفو عن ثوب الأم فقط، فلا تشمل الجدة من أب كانت أو من أم فضلا عن الأجنبيّة و لو كانت مربّية «2».

______________________________
(1) ج 6 ص 238- 239.

(2) و من هنا جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «أما كانت أو غيرها»:

«ثبوت العفو في غير الأم و في غير الذكر من الصبي و في غير المتنجس بالبول محل إشكال بل منع».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 385‌

أنثى (1) و إن كان الأحوط الاقتصار على الذكر. فنجاسته معفوة بشرط غسله في كل يوم مرة (2).

______________________________
(1)
هل يعمّ العفو للصبي و الصبية الأمر الثاني: في أنّه هل يعم العفو للصبي و الصبية أو يختص بالأوّل حكي «1» عن الشهيدين في الذكرى و المسالك التصريح بالتعميم بل عن الذخيرة و المعالم نسبته إلى أكثر المتأخرين بل عن المدارك أنّه ينبغي القطع به.

و عن جمع «2» آخرين القول باختصاصه بالصبيّ بل عن جامع المقاصد نسبته إلى فهم الأصحاب و هو الأقوى، لظهور «المولود» في الذكر، فلا يعم الأنثى، و إرادة الجنس الشامل لهما و إن كان ممكنا إلّا أنّه بالعناية، لأنّ الأنثى يصدق عليها «المولودة» فالإطلاق منصرف إلى الأوّل، و لا أقل من الشك في التعميم، فالقدر المتيقن هو العفو عن خصوص بول الذكر «3» و دعوى القطع بعدم الفرق مجازفة.

(2) الغسل في كل يوم مرة الأمر الثالث: في وجوب غسل الثوب كل يوم مرة، لا إشكال في عدم كون غسل الثوب واجبا نفسيا بحيث يجب عليها غسله و إن لم تجب عليها الصلاة- كما إذا كانت حائضا- بل يجب مقدمة للصلاة، و حينئذ يقع الكلام في أنّه هل يكون شرطا لجميع صلواتها اليومية، أو يكون شرطا‌

______________________________
(1) الجواهر ج 6 ص 234 و الحدائق ج 5 ص 346.

(2) الجواهر ج 6 ص 234 و الحدائق ج 5 ص 346.

(3) كما أشار دام ظله إلى ذلك فيما حكيناه من تعليقته دام ظله على المتن آنفا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 386‌

..........

______________________________
لواحدة منها مخيرا، و على الأوّل هل يكون شرطا لها من باب الشرط المتقدم فيجب تقديمه على صلاة الفجر، أو يكون من قبيل الشرط المتأخر، فيجب تأخيره عن العشاء، أو يكون شرطا لها في الجملة فيكون شرطا متقدما بالنسبة إلى ما تقع بعده من الصّلاة و متأخرا بالنسبة إلى ما وقعت قبله، و على الثاني يكون من باب الشرط المقارن لواحدة منها مخيرا بينها، و سقوط الشرطية عن باقيها- أي يكون شرطا لخصوص الصلاة الّتي غسل الثوب لها لا غير.

و الصحيح هو الثاني، لأنّ الطهارة من الخبث تكون- كالطهارة من الحدث- من الشرائط المقارنة للصلاة، إذ من المقطوع به عدم كفاية غسل الثوب إن علمت بتنجسه قبل الصلاة، بل يجب عليها حينئذ تأخير الغسل إلى وقت تتمكن من المبادرة إلى الصلاة في الثوب الطاهر، و لا يظن بفقيه أن يلتزم بالجواز في الفرض المزبور، فلو كان الغسل معتبرا على نحو الشرط المتقدم لجاز ذلك، لصدق الغسل مرة في اليوم كما أنّه لا يحتمل صحة الالتزام بأنّ غسل الثوب آخر النهار يكون لأجل تحصيل شرطية الطهارة لصلاة الفجر مع فرض وقوعها في الثوب النجس، أو الالتزام بأنّ غسل الثوب أوّل النهار يكون شرطا لصلاة العشاء مع العلم بوقوعها في النجس.

و على الجملة مقتضى الأدلة الأوّلية اشتراط الطهارة من الخبث لكلّ صلاة على نحو المقارنة، لاعتبار الطهارة حال الصلاة لا قبلها و لا بعدها، و الرواية المذكورة- الواردة في حكم ثوب المربية للصبيّ الّتي ليس لها إلّا قميص واحد- لم ترد لتأسيس حكم جديد في الاشتراط بجعل الطهارة شرطا متقدما أو متأخرا، بل غايتها الدلالة على إسقاط الشرطية عن جميع الصلوات اليومية بالنسبة إلى المرأة المذكورة إلّا بالمقدار الممكن لها، و هو‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 387‌

مخيرة بين ساعاته (1) و إن كان الأولى غسله آخر النهار لتصلّي

______________________________
الغسل في كلّ يوم مرة، إرفاقا بها و تسهيلا عليها، و عليه فلا بدّ و أن تبادر إلى الصلاة بعد الغسل تحصيلا للشرط بقدر الإمكان، فإن لم تتمكن إلّا من صلاة واحدة تكتفي بها و إن تمكنت من أكثر فتجب أيضا.

و من هنا نلتزم بوجوب الجمع عليها بين الظهرين و العشاءين لو تمكنت من إبقاء الطهارة لهما، و لا تدل الرواية على سقوط الطهارة عن العصر و العشاء مع فرض التمكن، إذ لا دلالة لها إلّا على سقوط الشرطية عن جميع صلواتها اليومية.

و أما البعض الممكن لها الطهارة فلا سقوط فتبقى تحت عمومات ما دلّ على الاشتراط. نعم لا يجب التأخير إلى آخر النهار لتصلّي الظهرين و العشاءين مع الطهارة، لعدم دخول وقت العشاءين قبل المغرب، و ظهور الأمر بغسل الثوب مرة واحدة في اليوم في عدم اعتبار الطهارة لأكثر من صلاة واحدة و لو باعتبار وحدة الوقت، و إن كان الأولى ذلك إمّا لإتيان الأربع مع الطهارة، أو مع تخفيف النجاسة- كما في المتن.

(1) لإطلاق رواية أبي حفص المتقدمة «1» لقوله عليه السّلام فيها: «تغسل القميص في اليوم مرة».

فإنّ إطلاقه إنّما يقتضي جواز إيجاد الغسل في أي جزء من أجزاء اليوم، نعم لما ثبت أن وجوبه وجوب مقدمي لزم تقديمه على بعض صلواتها كي يتصف بالمقدمية لا على جميعها.

و دعوى: أنّ الأمر إنّما تعلق بالغسل بلحاظ كون الطهارة الحاصلة منه شرطا في الصلاة فلا يتبادر من الأمر به في كلّ يوم إلّا إرادة إيجاده قبل‌

______________________________
(1) في الصفحة: 381.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 388‌

الظهرين و العشاءين مع الطهارة أو خفة النجاسة (1).

و إن لم يغسل كل يوم مرة فالصلوات الواقعة فيه مع النجاسة باطلة (2).

______________________________
الأخذ في الصلاة مطلقا، فكما أنّ شرطية الطهارة للصلاة اقتضت صرف الإطلاق إلى إرادة إيجاد الغسل قبل شي‌ء من صلواتها، كذلك شرطيتها لمطلق الصلاة مقتضية لصرفه إلى إرادة إيجاده في كلّ يوم مقدمة لمطلق الصلوات الواقعة في ذلك اليوم، فيجب تقديمها على الجميع.

مندفعة: بأنّ الإطلاق يدفع هذا الاحتمال، و إلّا لزم تقييد الغسل بكونه أوّل النهار أو قبل الفجر مع أنّ الرّواية مطلقة، على أنّه لا يحتمل أن يكون غسل الثوب قبل صلاة الفجر موجبا لتحصيل الطهارة لصلاة العشاء مع تنجس ثوبها أثناء النهار ببول الصبيّ، و من هنا قلنا بلزوم الجمع بين الصلاتين لو أمكن إبقاء الطهارة لهما.

(1) و عن «1» التذكرة احتمال وجوب ذلك إلّا أنّه مناف لإطلاق النص المتقدم.

(2) و لا يخفى: أنّ مقتضى ما ذكرناه آنفا من دلالة الرواية على سقوط شرطية الطهارة- في ثوب المربية للصبيّ- إلّا عن صلاة واحدة هو عدم وجوب القضاء إلّا لصلاة العشاء، لأنّ مقتضى الإطلاق هو اشتراط صلاة واحدة بالطهارة- كما ذكرنا- فإذا ترك التطهير في أوّل النهار لصلاة الصبح، و كذلك الظهرين و المغرب تعين الاشتراط للعشاء، كما هو مقتضى القاعدة في جميع الواجبات التخييرية إذا تعذر بقيّة الأفراد إما لمضي وقتها أو لمانع آخر، كما إذا لم يتمكن في خصال الكفارة إلّا من إطعام ستين مسكينا.

______________________________
(1) الجواهر ج 6 ص 236.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 389‌

و يشترط انحصار ثوبها (1) في واحد أو احتياجها إلى لبس جميع ما عندها و ان كان متعددا.

______________________________
نعم: لو قلنا باشتراط الطهارة لجميع الصلوات اليوميّة بحيث يكون الغسل مرة واحدة في كلّ يوم شرطا للجميع و لو على نحو الشرط المتأخر صح ما ذكره في المتن، و لكن قد عرفت فساد المبنى.

المراد من اليوم بقي الكلام: في المراد من اليوم- الّذي ورد في النص- هل المراد به خصوص النهار أو ما يعم الليل فعلي الأوّل يجب الغسل نهارا بخلاف الثاني.

ربما يقال بالأوّل إما لظهور اليوم في النهار، أو لإجماله فيحمل على المتيقن، كما أنّه ربما يقال بالثاني بدعوى الظهور في الأعم أو أنّ التعبير باليوم يكون باعتبار وقوع الغسل غالبا في النهار، و إلّا فلا خصوصيّة له.

و الصحيح أن يقال بكفاية الغسل ليلا، و ذلك للقطع بجواز غسل الثوب للعشائين قبل المغرب بزمان يسع الغسل و يبوسة الثوب، فإذا دخل وقت المغرب صلّت فيه إذا لم تعرضه نجاسة، فإنّ مقتضى إطلاق النص جواز الغسل في هذه الساعة من آخر النهار جزما، فإذا جاز ذلك يقطع بعدم الفرق بينه و بين ما إذا غسلت الثوب بعد المغرب، و الحاصل: أنّه لا فرق بين غسل الثوب للعشائين بين غسله نهارا أو ليلا للقطع بذلك.

كما أنّه لا فرق في غسله في اليوم الثاني و ما بعده بين غسله في الساعة التي غسلته في اليوم الأوّل، أو بعدها، أو قبلها، و ذلك لعدم الاشتراط إلّا لصلاة واحدة كيفما تحقق.

(1) انحصار الثوب في واحد.

الأمر الرابع: في لزوم انحصار ثوبها في واحد فلو كانت لها أثواب‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 390‌

و لا فرق في العفو (1) بين أن تكون متمكنة من تحصيل الثوب

______________________________
متعددة لا يعفى عنها و ذلك لصراحة قول السائل في النص المتقدم
«1» «ليس لها إلّا قميص واحد» في عدم وجوب ثوب طاهر لها للصلاة، فلو كان لها قميصان أو أكثر و تتمكن من غسل إحداهما و الصلاة فيه لزمها ذلك، لتمكنها من الصلاة في ثوب طاهر، فمورد الرواية هو ما إذا كان الغسل موجبا لبقائها عريانة، لعدم وجود قميص آخر لها، فلا عفو في صورة تعدد الثياب.

نعم: لو احتاجت إلى لبس جميعها لبرد أو نحوه، أو لم يكن الثوب الآخر ساترا، أو كان فيه مانع آخر، كالغصبيّة، أو كونه من غير المأكول، و نحو ذلك تكون في حكم من لها قميص واحد، لأنّ الزائد حينئذ في حكم العدم، فلا يجب عليها إلّا الغسل مرة واحدة في اليوم، لأنّ المستفاد من الرواية هو العفو عند عدم التمكن من التبديل و لو كان القميص متعددا، لعدم الفرق بين القميص الواحد و المتعدد إذا كان النزع و الغسل لكلّ صلاة فيه مشقة، إما لبقائها عريانة أو للاستبراد أو وجود مانع آخر.

(1) مقتضى إطلاق النص المتقدم «2»- بعد الفراغ عن جواز الاستناد إليه و الغض عن ضعف سنده- هو عدم الفرق بين أن تكون متمكنة من تحصيل ثوب طاهر بشراء أو استيجار أو نحو ذلك أو لا، لأنّ مفروضه أنّه ليس لها إلّا ثوب واحد و ظاهر الكلام كون الثوب تحت تصرفها بالفعل لا مجرد التمكن منه، فموضوع العفو هو وحدة ثوب تتمكن من التصرف فيه بالفعل سواء أ كانت متمكنة من تحصيل ثوب آخر أم لا، هذا هو مقتضى إطلاق النص، إلّا أنّ مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع في المقام هو التقييد بعدم التمكن، لأنّ الظاهر من النص سؤالا و جوابا هو أنّ ملاك العفو الحرج‌

______________________________
(1) في الصفحة: 381.

(2) في الصفحة: 381.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 391‌

الطاهر بشراء، أو استيجار، أو استعارة أم لا، و إن كان الأحوط الاقتصار على صورة عدم التمكن.

[ (مسألة 1) إلحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته محل إشكال]

(مسألة 1) إلحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته محل إشكال (1) و إن كان لا يخلو عن وجه.

______________________________
النوعي و إن لم يكن حرجا شخصيا، و من المعلوم ارتفاع الحرج بالتمكن من تحصيل ثوب طاهر بشراء و نحوه، إذ لا حرج حينئذ في الصلاة في ثوب طاهر، و إنّما الحرج في تطهير هذا الثوب مع الانحصار، و هذا هو منشأ الاحتياط في المتن
«1» هذا و لكن التقييد بصورة العجز عن ثوب آخر يوجب حمل النص على الفرد النادر، لأنّ الغالب هو التمكن من الصلاة في ثوب آخر، و لو بالاستعارة أو الشراء أو الاستيجار و نحو ذلك، فمقتضى إطلاق النص هو عدم الفرق في العفو بين أن تكون متمكنة من تحصيل ثوب طاهر أم لا.

(1) هل يلحق البدن بالثوب الأمر الخامس: في أنّه هل يلحق البدن بالثوب، فيه منع لاختصاص النص المتقدم «2» بالثوب و إلحاق البدن به قياس لا يصار إليه، و مقتضى إطلاق أدلة مانعية النجاسة لزوم تطهير البدن و أما ما عن بعضهم «3» من الإلحاق بدعوى غلبة التعدي من الثوب إلى البدن بل يشق التحرز عنه مع خلو النص عن الأمر بتطهيره لكل صلاة فممنوع، لجواز إيكال أمر البدن‌

______________________________
(1) بل هو مقتضى ما ذكره السيد الأستاذ دام ظله في تعليقته من لزوم الاقتصار في العفو على موارد الحرج الشخصي كما تقدم في تعليقته في الصفحة: 383 و ذلك لعدم اعتبار النص المستند في المقام لضعف سنده فلا بدّ من الرجوع إلى القواعد العامة و مقتضاها هو ذلك.

(2) في الصفحة: 381.

(3) راجع الجواهر ج 6 ص 232.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 392‌

[ (مسألة 2) في إلحاق المربي بالمربية إشكال]

(مسألة 2) في إلحاق المربي بالمربية إشكال (1).

______________________________
إلى عمومات مانعية النجاسة عن الصلاة، لاختصاص النص سؤالا و جوابا بالثوب، فلا يصح الإلحاق اعتمادا على هذا الوجه لأنّه من الوجوه البعيدة
«1».

(1) هل يلحق المربي بالمربية الأمر السادس: في أنّه هل يلحق المربّي بالمربّية فيعفى عن نجاسة ثوب الرجل أيضا لو تصدي لتربية الصبيّ أو لا؟ فعن «2» صريح جماعة و ظاهر آخرين، بل لعلّه ظاهر الأكثر عدم الإلحاق، خلافا للفاضل في قواعده و تذكرته و الشهيد الأوّل في بيانه و ذكراه، و الثاني في المسالك بدعوى القطع باشتراكهما في علة الحكم و هي المشقة من غير مدخلية للأنوثة.

و يدفعها: أنّه لا قطع بالعلة، و إن كانت المشقة حكمة، بل غايته الظن بذلك، مع أنّ مورد النص سؤالا و جوابا إنّما هي المربّية.

و دعوى: اشتراك المكلفين في الأحكام الشرعية فلا فرق بين الرجل و المرأة.

مندفعة: بأن ذلك أنّما يتم فيما إذا لم نحتمل الفرق لخصوصية في المرأة أو الرجل، و أما معه فلا قطع بالاشتراك، كيف و قد افترقا في جملة من الأحكام في الصلاة و الحج و غيرهما، فلا يمكن دعوى الاشتراك في المقام مع احتمال الفرق بينهما «3» نعم لو كان المربّي رجلا و كان الغسل حرجا عليه يعفى عن‌

______________________________
(1) و من هنا جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «و ان كان لا يخلو من وجه» (و لكنّه بعيد).

(2) الجواهر ج 6 ص 231- 232.

(3) و من هنا جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «في إلحاق المربي بالمربية إشكال» (أظهر عدم إلحاق، و كذا الحال فيمن تواتر بوله).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 393‌

..........

______________________________
نجاسة ثوبه بل بدنه، لقاعدة الحرج لا الاشتراك في الحكم، و لا بدّ حينئذ من لحاظ الحرج الشخصي.

هل يعم العفو للمولود المتعدد الأمر السابع- و لم يشر إليه المصنف «قده»- و هو أنّه هل يختص العفو بمن كان لها مولود واحد أو يعم المولود المتعدد؟ ذهب بعض الأصحاب «1»- كالشهيد في الذكرى و الدروس- إلى التعميم للاشتراك في العلة، و هي المشقة و زيادة، فلا معنى لزوال العفو عند تعدد المولود.

و نوقش «2» فيه بأنّه يمكن أن يكون التعدد- لكونه مقتضيا لكثرة النجاسة و قوتها- موجبا لاختصاص العفو بالقليل الضعيف منها دون الكثير القوي، فلا وجه للإلحاق المذكور.

أقول: الظاهر شمول نفس الرواية للمتعدد، لصدق لفظ «مولود» فيها على المتعدد كالمتفرد، لظهوره في إرادة الجنس الصادق على الواحد و الكثير، إذ لا يحتمل إرادة فرد واحد- في السؤال- و إن كان اللفظ نكرة في سياق الإثبات، لعدم احتمال دخل خصوصيّة الفردية في السؤال، فإذا لا حاجة إلى استنباط العلّة كي يناقش فيها بما ذكر، فإنّ الدلالة حينئذ لفظية، لا عقليّة.

هل يختص العفو بالبول أو يعم سائر النجاسات الأمر الثامن- و لم يشر إليه المصنف أيضا- و هو أنّه هل يختص العفو‌

______________________________
(1) الحدائق ج 5 ص 347.

(2) الحدائق ج 5 ص 347.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 394‌

و كذا من تواتر بوله (1).

______________________________
بنجاسة البول أو يعم الغائط بل سائر النجاسات العارضة للصبي كالدم و نحوه؟

نسب «1» إلى متن الشرائع استشعار إلحاق مطلق نجاسة الصبيّ و لو دمه حيث قال: «و المربية للصبيّ إذا لم يكن لها إلّا ثوب واحد غسلته في كل يوم مرة» حيث لم يخص النجاسة بالبول و عن الشهيد «2» القول بعدم الفرق بين البول و الغائط. بتقريب: أنّه ربّما يكنّى عن الغائط بالبول، كما هو قاعدة لسان العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن التصريح به، و ربّما يستدل على التعميم باشتراك المشقة في التحرز عنهما.

أقول الظاهر هو اختصاص العفو بالبول لاختصاص النص المتقدم «3» به، فلا يعم الغائط فضلا عن سائر النجاسات، و الكناية به عن الغائط لا يصار إليها إلّا مع القرينة، فلا موجب لرفع اليد عما يتبادر من اللفظ لا سيما مع كثرة انفكاك البول عن الغائط خصوصا في الصبي، فلا ملازمة بينهما في الخارج، و أما الاشتراك في العلة فممنوع، لعدم القطع بها لا سيما مع أكثرية الابتلاء ببول الصبيّ لتكرره دون الغائط.

(1) حكم من تواتر بوله ألحق جماعة من الأصحاب «4» ثوب من تواتر بوله بالمربية للصبيّ في العفو، و عدم لزوم الغسل في اليوم إلّا مرة واحدة عند وحدة ثوبه،

______________________________
(1) الجواهر ج 6 ص 233 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 623.

 (2) الحدائق ج 5 ص 346 و الجواهر ج 6 ص 243.

(3) في الصفحة: 381.

(4) كما عن الذخيرة- الجواهر ج 6 ص 239- 240.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 395‌

..........

______________________________
و استدلوا على ذلك بوجهين:

الأوّل: نفي الحرج.

و فيه: أنّه أخصّ من المدعى، لاختصاصه بما إذا استلزم الغسل أكثر من مرة الحرج، فلا يعم غيره.

الوجه الثاني: الروايات و هي:

ما رواه الشيخ في التهذيب «1» في الصحيح إلى سعدان بن مسلم عن عبد الرحيم القصير قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام في الخصي يبول، فيلقي من ذلك شدّة فيرى البلل بعد البلل؟ قال: يتوضأ، و ينتضح في النهار مرة واحدة» «2».

و رواية الكليني «3» بإسناده عن سعدان بن عبد الرحمن قال:

«كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام و ذكر مثله» «4».

و رواها الصدوق «5» مرسلا عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام إلّا أنّه قال: «يتوضأ ثمّ ينتضح ثوبه في النهار مرة واحدة» «6».

و الظاهر أنّها ليست رواية أخرى غير الروايتين المتقدمتين.

و كيف كان فهذا الوجه أيضا ضعيف كسابقه لضعف الروايتين دلالة و سندا.

______________________________
(1) ج 1 ص 353، الحديث: 1051.

(2) وسائل الشيعة ج 1 ص 199 في الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث: 8.

(3) الكافي ج 3 ص 19 في باب الاستبراء من البول.، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة ج 1 ص 199 في الباب المتقدم.

(5) الفقيه ج 1 ص 39 في الباب ما ينجس الثوب و الجسد، الحديث: 20.

(6) وسائل الشيعة في الباب المتقدم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 396‌

..........

______________________________
أما ضعف دلالتهما فأوّلا باحتمال أن يكون البلل الّذي أوقعه في الشدّة لتكرّره من البلل المشتبهة المرددة بين البول و غيره، فهي مشكوكة النجاسة لا تجب إزالتها، و من هنا أمره الإمام بالنضح دون الغسل إمّا تعبدا دفعا لتوهم النجاسة، أو دفعا لليقين بخروجها من الذكر، لاحتمال أنّها من النضح، فيكون من قبيل الحيل الشرعية، كما ورد نظيره في بعض الروايات
«1».

من الأمر بمسح الذكر بالريق- في من بال و لم يقدر على الماء و يشتد ذلك عليه- لغاية أنّه لو وجد شيئا يقول هذا من ذاك و اين هذا من العفو عن نجاسة البول المقطوع البولية فيمن تواتر بوله؟ إذ يكون محصل معنى الرواية حينئذ: أنّه إذا بال و كان يرى البلل المشتبهة يتوضأ للبول ثم ينضح ثوبه أو بدنه بالماء دفعا لتوهم خروج البول الموجب لنقض الوضوء و نجاسة البدن.

و ثانيا بأنّه لو سلّم كون المراد من البلل هو البول لم تدل الرواية على المطلوب أيضا، لعدم تقييد الثوب فيها بالوحدة، كما هو موضوع العفو في المقام، و عدم الأمر بغسله في اليوم مرة، و إنّما ورد فيهما الأمر بالنضح دون الغسل، و حمله عليه بعيد جدا، كما أنّ تقييد الثوب بالوحدة لا وجه له، و حينئذ لا يسعنا العمل بمدلولها بوجه، بل لا بدّ من طرحها ورد علمها إلى أهله، لعدم كفاية الغسل مرة واحدة في سلس البول، بل له حكم آخر «2».

______________________________
(1) روي حنان بن سدير قال: «سمعت رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال إنّي ربّما بلت فلا أقدر على الماء و يشتد ذلك على؟ فقال: إذا بلت و تمسحت فأمسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئا فقل هذا من ذاك» وسائل الشيعة ج 1 ص 199 في الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث: 7.

(2) ذكره المصنف «قده» في فصل حكم دائم الحدث في (مسألة 3) و هو وجوب التحفظ من تعدي بوله بكيس فيه قطن أو نحوه، و غسل الحشفة قبل كل صلاة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 397‌

[السادس العفو عن النجاسة حال الاضطرار]

«السادس» يعفى عن كل نجاسة في البدن أو الثوب في حال الاضطرار (1).

______________________________
و أما ضعف سندهما فرواية الشيخ ضعيف ب‍ «سعدان بن مسلم، و عبد الرحيم القصير» لعدم توثيق لهما
«1» و رواية الكليني ب‍ «سعدان بن عبد الرحمن» لجهالته.

و دعوى «2» استفادة توثيق «عبد الرحيم و سعدان بن مسلم» باعتماد جماعة من أصحاب الإجماع- و منهم صفوان و محمّد بن أبي عمير- على الأوّل منهما، و كثير من الأجلاء و الأعيان عليهما جميعا، غير مسموعة، لأنّ رواية الأجلة لا تثبت الوثاقة لنا- كما مرّ غير مرة.

فتحصل: أنّ الأقوى في ثوب من يتواتر بوله لو انحصر في واحد رعاية الحرج في العفو.

(1) العفو عن النجاسة حال الاضطرار بلا إشكال و لا خلاف «3» و الوجه فيه ظاهر، لارتفاع التكليف بالاضطرار مع أنّ الصلاة لا تسقط بحال.

هذا تمام ما حررته في الجزء الرابع من كتاب «دروس في فقه الشيعة» و أحمده تعالى على ما أكرمني به من التوفيق لخدمة فقه أهل بيت العصمة صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين، و أسأله تعالى التوفيق لإخراج بقية الأجزاء.

______________________________
(1) إلّا أنّ سعدان بن مسلم من رجال كامل الزيارات في الباب 79، الحديث 13 ص 216 و 219.

(2) المستمسك ج 1 ص 592، الطبعة الرابعة.

(3) الحدائق ج 5 ص 349.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net