الاستعانة بالغير في مقدّمات الغسل - اشتراط غسل الجنابة بالبول قبله 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7184

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

    الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين .

   أمّا بعـد ،  فهذا هو الجزء السّادس من كتـابنا  «التنقيح»  في شرح العروة الوثقى وقد مكّننا الله تعالى من إعداده للطّبع، ونرجو من فضله العميم أن يوفّقنا لإتمام بقيّة أجزاء الكتاب ، إنّه خير موفِّق ومعين .

ــ[1]ــ

 فصل

في مستحبّات غسل الجنابة

    وهي أُمور :

   أحدها : الإستبراء من المني بالبول قبل الغسل .

   الثّاني : غَسل اليدين ثلاثاً إلى المرفقين أو إلى نصف الذراع أو إلى الزَّندين من غير فرق بين الإرتماس والتّرتيب .

   الثّالث : المضمضة والإستنشاق بعد غَسل اليدين ثلاث مرّات ، ويكفي مرّة أيضاً .

   الرّابع : أن يكون ماؤه في التّرتيبي بمقدار صاع ، وهو ستمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال .

   الخامس : إمرار اليد على الأعضاء لزيادة الإستظهار .

   السّادس : تخليل الحاجب غير المانع لزيادة الإستظهار .

   السّابع : غسل كلّ من الأعضاء الثّلاثة ثلاثاً .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل : في مستحبّات غسل الجنابة

    قد تعرّض (قدس سره) لجملة من الاُمور الّتي قالوا باستحبابها في غسل الجنابة إلاّ أنّ بعضها لم يرد فيه رواية ، وإنما أفتى بعض الأصحاب باستحبابه ، وهو يبتني على

ــ[2]ــ

   الثّامن : التّسمية ، بأن يقول «بسم الله» والأولى أن يقول «بسم الله الرّحمن الرّحيم» .

   التّاسع : الدُّعاء المأثور في حال الإشتغال ، وهو : «اللّهمّ طهِّر قلبي ، وتقبَّل سعيي ، واجعل ما عندك خيراً لي ، اللّهمّ اجعلني من التّوّابين ، واجعلني من المتطهِّرين» ، أو يقول : «اللّهمّ طهِّر قلبي ، واشرَح صدري ، وأجرِ على لساني مِدحتك والثّناء عليك ، اللّهمّ اجعله لي طَهوراً وشِفاءً ونوراً ، إنّك على كلّ شيء قدير» ، ولو قرأ هذا الدُّعاء بعد الفراغ أيضاً كان أولى .

   العاشر : الموالاة والابتداء بالأعلى في كلّ من الأعضاء في التّرتيبي .

   [ 684 ] مسألة 1 : يكره الاستعانة بالغير في المقدّمات القريبة على ما مرّ في الوضوء (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تماميّة قاعدة التّسامح في أدلّة السنن في نفسها ثمّ تعديتها إلى فتوى الفقيه ، ومن ثمّ لا يهمّنا التعرّض لها في المقام . ثمّ تعرّض لعدّة مسائل :

   (1) لم ترد رواية في كراهة الاستعانة بالغير في المقدّمات في الغسل ، وإنّما ذكروا ذلك في الوضوء وادّعوا دلالة بعض الأخبار (1) عليها معلّلاً بأنّ الله أمر أن لا يشرك في عبادته . وقد قدّمنا هناك (2) أنّ الظّاهر من تعليل الرّواية أنّ المنهي عنه هو الاستعانة بالغير في النيّة ، بأن يأتي بالوضوء لغير الله ، فإنّ العبادة لا بدّ أن يؤتى بها مستقلّة لله ، ولا يصحّ إتيانها للغير مستقلاًّ أو بالانضمام ، ولا دلالة لها على كراهة الاستعانة بالمقدّمات ، بل لا يتحقق الوضوء من غير الاستعانة بالغير في المقدّمات إلاّ على وجه الندرة والشذوذ ، لاحتياجه إليها ولو من حيث المكان والماء وغيرها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 476 / أبواب الوضوء ب 47 ح 1 ، 2 ، 3 ، 4 .

(2) ذيل القسم الثّاني قبل المسألة [ 561 ] .

ــ[3]ــ

   [ 685 ] مسألة 2 : الاسـتبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطاً في صحّته (1) وإنّما فائدته عدم وجوب الغسل إذا خرج منه رطوبة مشتبهة بالمني ، فلو لم يستبرئ واغتسل وصلّى ثمّ خرج منه المني أو الرطوبة المشتبهة لا تبطل صلاته ويجب عليه الغسل لما سيأتي .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   عدم إشتراط الاستبراء في صحّة الغسل

   (1) وذلك لعدم دلالة الدليل على الإشتراط ، فمقتضى إطلاق الأخبار الواردة في كيفية الغسل الآمرة بغسل الرأس والبدن بل وغسل الفرج (1) وسكوتها عن بيان إعتبار البول في صحّته مع كونها واردة في مقام البيان عدم إشتراطه به .

   نعم ، قد يستدلّ على اشتراط الغسل بالبول قبله بصحيحة محمّد بن مسلم «عن الرّجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شيء ، قال يغتسل ويعيد الصّلاة ، إلاّ أن يكون بال قبل أن يغتسل ، فإنه لا يعيد غسله» (2) ، نظراً إلى أنه لا وجه للأمر بإعادة الصّلاة والاغتسال إلاّ بطلان الغسل قبل البول بخروج البلل من إحليله ، فهذا يدل على اشتراط الغسل بالبول قبله .

   وفيه : أنّ راوي هذا الحديث وهو محمّد بن مسلم قد روى متّصلاً بهذا الحديث وقال «قال أبو جعفر (عليه السلام) من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ، ثمّ وجد بللا فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثمّ اغتسل ثمّ وجد بللا فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء ، لأنّ البول لم يدع شيئاً» (3) ، فإن التّعبير بالانتقاض كالصريح في أنّ غسله قبل أن يبول قد وقع صحيحاً ، إلاّ أ نّه انتقض بحدوث الجنابة الجديدة أعني البلل المشتبه ، وبهذا نحمل الأمر بإعادة الصّلاة فيها على ما إذا صلّى بعد خروج البلل المشتبه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 229 / أبواب الجنابة ب 26 .

(2) الوسائل 2 : 251 / أبواب الجنابة ب 36 ح 6 .

(3) الوسائل 2 : 251 / أبواب الجنابة ب 36 ح 7 .

ــ[4]ــ

   وقد يتوهّم : أنّ الأمر بإعادة الغسل على تقدير عدم البول قبل الاغتسال وخروج البلل المشتبه بعده ـ كما في صحيحة الحلبي(1) وموثقة سماعة (2) وغيرهما (3) بل وكذا في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة حيث دلّت على أ نّه إذا بال قبل أن يغتسل لا يعيد غسله ـ يدل على بطلان الغسل الواقع من غير بول ، إذ لو كان الغسل قبل أن يبول صحيحاً وكانت الرطوبة المشتبهة جنابة جديدة لم يصح التعبير بإعادة الغسل حينئذ لأنّ السبب الجديد يستدعي الإتيان بالعمل إبتداء ، ولا يصح أن يقال إنّه يوجب إعادة العمل . مثلاً زوال الشّمس سبب في الأمر بصلاة الظّهر ، فلا يصح معه أن يقال إذا زالت الشّمس أعد صلاة الظّهر ، لأ نّها حينئذ ليست إعادة للمأتي به ، بل هو مأمور به بالأمر الثّاني مستقلاًّ إبتدائيّاً ، فالأمر بالإعادة يكشف عن عدم كون البلل المشتبه الخارج بعد الغسل وقبل البول سبباً جديداً ، وإنما هو كاشف عن فساد الغسل الواقع قبل البول .

   ويدفعه : أنّ الكبرى المشار إليها وإن كانت صحيحة ، فإنّ السبب الجديد يستدعي إيجاد المأمور به إبتداء ، لا أ نّه يوجب إعادته ، فالتعبير بالإعادة غير صحيح عند حدوثه ، إلاّ أنّ تلك الكبرى غير منطبقة على المقام ، حيث إنّ الغسل ليس واجباً نفسيّاً ، وإنّما هو شرط مقارن للصلاة ، وإنّما يؤتى به قبلها من جهة عدم تمكّن المكلّف من أن يأتي به مقارناً للمأمور به ، فإذا أتى به قبل الصّلاة فإنّما يأتيه بداعي أن يصلِّي مع الطّهارة ، فإذا إغتسل ولم يحصل به غرضه الدّاعي إلى إتيانه ، أي لم يأت بالصلاة بعده لتخلّل جنابة جديدة بينهما واحتاج إلى إتيان الغسل ثانياً تحصيلاً لثمرته وغرضه صحّ أن يقال أعد غسلك ، لا لأنّ الغسل الواقع قبل الجنابة وقع باطلاً ، بل لأ نّه لم يحصل غرضه ولم يترتّب عليه ثمرته وكان في حكم الفاسد من حيث عدم إمكان الإتيان بالصلاة معه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 250 / أبواب الجنابة ب 36 ح 1 ، 5 .

(2) الوسائل 2 : 251 / أبواب الجنابة ب 36 ح 8 .

(3) كموثقة سليمان بن خالد ورواية معاوية بن ميسرة ، نفس المصدر ح 10 ، 9 .

ــ[5]ــ

   والّذي يدلّنا على ذلك الأخبار المستفيضة الآمرة بإعادة الوضوء إذا غلب النوم العقل أو تحقّق بعده غيره من نواقض الوضوء(1) وما ورد من أنّ الوضوء لا يعاد من الرعاف ونحوه(2) ، إذ لا يتوهّم أنّ عدم النوم شرط في صحّة الوضوء ، فالأمر بإعادته حينئذ ليس بكاشف عن وقوعه فاسداً ، وإنّما هو من جهة عدم ترتب الغرض المقصود منه عليه ، فكان الإتيان به صحيحاً كالإتيان به فاسداً من حيث عدم ترتب الواجب عليه فليراجع . فالصحيح عدم دلالة شيء من ذلك على إشتراط الغسل بالبول قبله .

   نعم ، موثقة أحمد بن هلال كالصريح في الإشتراط حيث قال «سـألته عن رجل إغتسل قبل أن يبول ، فكتب : إنّ الغسل بعد البول إلاّ أن يكون ناسياً فلا يعيد منه الغسل»(3) ، لأنّ قوله «إنّ الغسل بعد البول» كالصريح في أ نّه إذا وقع قبل البول فسد .

   إلاّ أ نّها ضعيفة الدلالة على المدّعى ، وذلك لعدم تعرّضها لخروج البلل المشتبه بعد الغسل ، وبطلان الغسل قبل البول إذا لم يخرج منه البلل المشتبه ممّا لا يلتزمون بـه فإنّما يقول من قال به على نحو الشرط المتأخّر ، وأ نّه إذا خرجت منه الرّطوبة المشتبهة يكشف ذلك عن عدم صحّة الغسل الواقع قبل البول ، وأمّا إذا إغتسل ولم يبل ولم يخرج منه بلل بعد ذلك فلا يحكمون ببطلان غسله بوجه .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 248 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 9 ، ب 3 ح 2 ، ب 5 ح 5 ، ب 7 ح 9 ، ب 9 ح 9 ، 10 .

(2) الوسائل 1 : 265 / أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 5 و 8 و 11 ، ب 7 ح 9 ، ب 6 ح 1 ، ب 9 ح 8 ، ب 10 ح 2 ، ب 14
ح 1،  ب 16 ح 3 .

(3) الوسائل 2 : 252 / أبواب الجنابة ب 36 ح 12 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net