الأقوال في حدّ اليأس - تعريف القرشية 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 14537


ــ[67]ــ

ويشترط أن يكون بعد البلوغ وقبل اليأس ، فما كان قبل البلوغ أو بعد اليأس ليس بحيض وإن كان بصفاته ، والبلوغ يحصل بإكمال تسع سنين ، واليأس ببلوغ ستّين سنة في القرشيّة ((1)) وخمسين في غيرها (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قيل (2) ، والصّحيح أن يقال إنّ رواية ابن الحجاج ضعيفة ، لأنّ في سند الشيخ إليه ابن عُبدون وعلي بن محمّد بن الزُّبير وهما لم يوثقا في الرّجال . نعم ابن عُبدون من مشايخ النجاشي ، فلا بأس به من هذه الجهة ، بخلاف ابن الزُّبير كما يأتي قريباً إن شاء الله تعالى(3) ، والأولى أن يستدل بموثقة عبدالله بن سنان «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيِّئة وعوقب ، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك وذلك أ نّها تحيض لتسع سنين» (4) .

   على أنّ اعتبار ذلك أمر متسالَم عليه ، بل قالوا إنّه ضروري عند المسلمين حتّى المخالفين . ويأتي أن أقلّه ثلاثة أ يّام ، فإذا وقع بعض الثّلاثة قبل إكمال التسع لم يحكم بحيضية الدم ، وعليه فلا وقع للتكلّم في أ نّها إذا رأت الدم في آن إكمال التسع هل هو حيض أو ليس بحيض ، وذلك إذ يعتبر في الحيض أن يكون ثلاثة أيّام على الأقل ، فلو وقع بعض من الثّلاثة قبل إكمال التسع بحيث صدق عرفاً أنّ الثّلاثة قبل الإكمال لم يحكم بالحيضيّة بوجه ، وأمّا منتهى رؤية الحيض فقد أشار إليه بقوله «وقبل اليأس» .

    منتهى رؤية الحيض

   (1) ذهب بعض العامّة إلى أنّ حدّ اليأس هو سبعون سنة ، وحدّده بعض آخر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيما ذكر إشكال والأحوط للقرشيّة وغيرها الجمع بين تروك الحائض وافعال المستحاضة فيما بين الحدّين .

(2) القائل هو السيِّد الحكيم في المستمسك 3 : 152 .

(3) يأتي في الصفحة 70 ، وتأتي هناك قاعدة نافعة .

(4) الوسائل 19 : 365 / كتاب الوصايا ب 44 ح 12 .

ــ[68]ــ

بخمسين أو بخمسة وخمسين ، إلى غير ذلك من التفاصيل ، وقال بعضهم إنّ الحيض لا  منتهى له ، فكلّ دم تراه المرأة بعد بلوغها يحكم بحيضيّته عند إستجماعه الأوصاف والشّرائط .

   وأمّا أصحابنا فقد ذهب جملة منهم كالشيخ في نهايته (1) وجمله (2) وصاحب السّرائر(3) والمحقّق(4) في كتاب الطلاق إلى أن حدّه خمسون سنة بلا فرق في ذلك بين القرشيّة وغيرها .

    وفي قبال هذا قولان آخران :

   أحدهما : أنّ حدّ إنقطاع الحيض ستّون سنة في القرشية وغيرها ، وهو قول المحقّق في كتاب الطّهارة (5) ، ونسب إلى العلاّمة في المنتهى والمختلف (6) ، ونسب إلى الأردبيلي الميل إليه (7) .

   وثانيهما : أن حدّه في القرشية ستّون سنة وفي غيرها خمسون ، وهذا هو المعروف بين أصحابنا .

   ومنشأ الخلاف هو اختلاف الأخبار ، حيث ورد في روايتي عبدالرّحمن بن الحجاج اللتين رواهما صفوان عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ حدّه خمسون ، ففي إحداهما قال «قال أبو عبدالله (عليه السلام) ثلاث يتزوّجن على كلّ حال ـ  إلى أن قال  ـ والّتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قلت : وما حدّها ؟ قال : إذا كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النّهاية : 516 .

(2) لم نعثر عليه في الجمل لكن نسبه إليه في الحدائق 3 : 171 كتاب الحيض .

(3) السّرائر 2 : 688 .

(4) الشّرائع 3 : 30 / الفصل الثّالث في ذات الشهور .

(5) الشّرائع 1 : 33 / الفصل الثّاني في الحيض .

(6) نسبه إلى العلاّمة في المستمسك 3 : 154 وراجع المنتهى 2 : 272 والمختلف 7 : 463 / الفصل السّادس في العدد لكن قال بالستّين في خصوص القرشيّة والنبطيّة .

(7) نسب القول بالخمسين لا بالستّين إلى الأردبيلي في المستمسك 3 : 154 وراجع مجمع الفائدة والبرهان 1 : 143 .

ــ[69]ــ

لها خمسون سنة (1) ، وهذه ضعيفة بسهل بن زياد الواقع في سندها ، وفي ثانيتهما عن أبي عبدالله (عليه السّلام) «قال : حدّ الّتي قد يئست من المحيض خمسون سنة»(2) وهي صحيحة .

   وهناك روايتان تدلاّن على أنّ حدّ اليأس ستّون سنة ، إحداهما : مرسلة الكليني وروي ستّون سنة أيضاً (3) .

   وثانيتهما : رواية الشيخ (قدس سره) بإسناده عن علي بن الحسن بن فَضّال عن ابن أبي الخطاب عن صفوان عن عبدالرّحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث «قال قلت : الّتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ؟ قال : إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض» (4) .

   وهاتان الطائفتان متعارضتان ، لأنّ الطائفة الاُولى تدل بإطلاقها على أنّ حدّ اليأس خمسون سنة في القرشية وغيرها ، والثّانية تدل بإطلاقها على أنّ الحدّ فيهما ستّون سنة .

   وهناك مرسلتان مفصلتان بين القرشيّة وغيرها ، إحداهما : مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش» (5) . وثانيتهما : مرسلة الصدوق ، قال «قال الصّادق (عليه السلام) : المرأة إذا بلغت خمسين سنة لم تر حمرة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش ، وهو حدّ المرأة الّتي تيأس من الحيض» (6) . هذه هي روايات المسألة .

   نعم، روى المفيد مرسلاً «أنّ القرشية من النِّساء والنبطيّة تريان الدم إلى ستّين سنة»(7)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 336 / أبواب الحيض ب 31 ح 6 ، 22 : 179 / أبواب العدد ب 2 ح 4 .

(2) الوسائل 2 : 335 / أبواب الحيض ب 31 ح 1 .

(3) الوسائل 2 : 336 / أبواب الحيض ب 31 ح 4 .

(4) الوسائل 2 : 337 / أبواب الحيض ب 31 ح 8 ، 22 : 183 / أبواب العدد ب 3 ح 5 .

(5) الوسائل 2 : 335 / أبواب الحيض ب 31 ح 2 .

(6) الوسائل 2 : 336 / أبواب الحيض ب 31 ح 7 .

(7) الوسائل 2 : 337 / أبواب الحيض ب 31 ح 9 .

ــ[70]ــ

حيث ألحق النبطيّة بالقرشيّة ، إلاّ أ نّه ممّا لم يظهر القائل به ، حتّى أنّ راوي الحديث الّذي هو المفيد (قدس سره) لم يذهب إلى إلحاقها بالقرشيّة .

   وبما أنّ الطائفتين الأوليين متعارضتان فتجعل الطائفة المفصلة شاهد جمع بين الطائفتين ، وبها تحمل الطائفة الاُولى على غير القرشية ، والثّانية على القرشية .

   أو يقال إنّ الطائفة الثّالثة تخصّص الطائفة الاُولى بغير القرشيّة ، لأنّ إطلاقها وإن كان يشمل القرشيّة أيضاً إلاّ أنّ الطائفة الثّالثة تخصصها بالمرأة غير القرشيّة ، وبهذا تنقلب النسبة بينها وبين الطائفة الثّانية وتكون النسبة بينهما عموماً مطلقاً ، لأنّ الثانية مطلقة وتدل بإطلاقها على أنّ حدّ اليأس ستّون سنة في القرشيّة وغيرها ، والطائفة الاُولى بعد تقييدها بغير القرشيّة تدل على أنّ حدّ اليأس في غير القرشيّة خمسون سنة ، فهي أخصّ مطلقاً من تلك الطائفة ، فتخصصها بالقرشيّة لا محالة . هذا غاية ما يمكن أن يقرب به المسلك المشهور .

   وربّما يناقش في ذلك بأ نّها ضعيفة سنداً ، حيث إنّ الشيخ يرويها عن علي بن الحسن بن فَضّال ، وطريقه إليه ضعيف ، لأنّ فيه أحمد بن عُبدون عن علي بن محمّد بن الزُّبير ، ولم يثبت توثيقها .

   ولكن الصّحيح أنّ أحمد بن عبدون ثقة ، لأ نّه من مشايخ النجاشي ومشايخه كلّهم ثقات ، وطريق الشيخ إلى ابن فضال وإن كان ضعيفاً بعلي بن محمّد بن الزُّبير إلاّ أنّ ذلك الكتاب بعينه هو الّذي للنجاشي إليه طريق صحيح ، وعليه فلا أثر لضعف طريق الشيخ بعد وحدة الكتاب . وأمّا ما ورد في كلام النجاشي : وكان ـ يعني أحمد ابن عبدون ـ قد لقي أبا الحسن علي بن محمّد القرشي المعروف بابن الزُّبير ، وكان علواً في الوقت (1) ، فهو يدلّ على أنّ الرّجل في ذلك الوقت كان من الأكابر وعالي المقـام ولا يستفاد منها الوثاقة بوجه .

   على أ نّا لو أغمضنا عن ذلك وبنينا على أنّ الجملة المذكورة تفيد التوثيق ، فكلام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي : 87 ، الرّقم [ 211 ] .

ــ[71]ــ

النجاشي مجمل ولم يعلم أنّ الضّمير في قوله «وكان علواً» يرجع إلى ابن عبدون أو إلى ابن الزُّبير ، وعلى كلّ حال فهو يرجع إلى أحدهما لا محالة .

   ومن الغريب ما في بعض الكلمات من إرجاع الضّمير إلى ابن عبدون والإستدلال به على
وثاقته (1) ، وإرجاعه إلى ابن الزُّبير والإستدلال به على وثاقته (2) ، فليراجع هذا كلّه في رواية الشيخ .

   وأمّا مرسلة الكليني فيدفعها ضعف سندها بالإرسال .

   وأمّا المرسلتان المستدل بهما على القول المشهور من التفصيل بين القرشيّة وغيرها فلا يمكن الإستدلال بهما لإرسالهما ، وقد مرّ غير مرّة أ نّا لا نعتمد على المراسيل ولو كان مرسلها ابن أبي عمير ، للعلم بأ نّه يروي عن الضعفاء ، ومعه نحتمل أن يكون الواسطة المحذوفة من الضّعفاء الّذين قد يروي عنهم ابن أبي عمير .

    تحقيق المسألة

   والصّحيح أن يقال إنّ روايتي ابن الحجاج غير قابلتين للإعتماد عليهما في نفسيهما وذلك لأنّ الرّاوي عن ابن الحجاج في كلتا الرّوايتين شخص واحد وهو صفوان ، وقد روى هو إحداهما لشخص والثّانية لراو آخر ، فلو كان كلّ من الرّوايتين صادراً عنه (عليه السلام) لم يكن أيّ وجه لما صنعه صفوان ، حيث نقل إحداهما لراو والآخر لراو آخر ولم ينقل له كلتيهما ، نعم في نقل الرّواية الاُولى يمكن أن نفرضه فيما قبل سماعه الرّواية الثّانية من ابن الحجّاج ، فلذا لم ينقل للراوي الأوّل إلاّ ما سمعه وهو إحداهما ، ولكنّه بعد ما سمع الرّواية الثّانية ليس له أن ينقـل للراوي إحداهما دون الاُخرى ، لعلمه بأنّ في المسألة روايتين ، فلو اكتفى بنقل إحداهما كانت هذه خيانة واضحة وتأبى ذلك منزلته ووثاقته ، فبهذا نجزم أنّ إحداهما غير صادرة عنه (عليه السلام) ، وهذا كما ترى لا اختصاص له بإحداهما المعيّنة ، فإنّه كما نحتمل أن تكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تنقيح المقال 1 : 66 السطر 37 .

(2) تنقيح المقال 2 : 304 السطر 25 .

ــ[72]ــ

والقرشيّة من انتسب إلى نضر بن كنانة (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية الستين غير صادرة عنه (عليه السلام) ، كذلك نحتمل أن تكون رواية الخمسين كذلك ، فالروايتان من باب إشتباه الحجّة باللاحجة وغير صالحتين للإعتماد عليهما في الإستدلال .

   إذن نحن ومقتضى القاعدة في المقام ، ولا ينبغي الإشكال في أنّ الدّم الّذي تراه المرأة بعد الستّين ليس بحيض ، كما أنّ ما تراه قبل الخمسين محكوم بالحيضيّة على التفصيل الآتي في محله ، وأمّا ما تراه بين الستّين والخمسين فمقتضى الإطلاقات الدالّة على أنّ كلّ دم واجد لأوصاف الحيض
حيض (1) ، أو أنّ ما تراه المرأة في أيّام عادتها حيض (2) ، هو الحكم بالحيضيّة ، إلاّ أنّ المشـهور حيث لم يلـتزموا بالحيضـيّة بين الحدّين في غير القرشيّة فلا بدّ فيه من الإحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة ، هذا .

   ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك وبنينا على أ نّهما روايتان مستقلّتان قد صدرتا من الإمام (عليه السلام) فهما متعارضتان لا محالة ، ولا مرجّح لما دلّ على التحديد بالخمسـين لو لم نقل بوجود المرجح لما دلّ على التحديد بالستّين ، لوجود القائل بالخمسين من العامّة بخلاف التحديد بالستّين ، إذن يتعيّن الحكم بالتساقط والعمل بالإحتياط لعين الوجه المتقدِّم آنفاً .

    تعريف القرشيّة

   (1) على تقدير التفصيل بين القرشيّة وغيرها يقع الكلام في معرفة القرشيّة ، فقد يقال إنّ قريش اسم لنضر بن كنانة ، وهو أحد أجـداد النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقيل إنّه اسم لفهر بن مالك بن نضر ، فأولاد أخي فهر لا تنتسب إلى قريش

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 2 : 275 / أبواب الحيض ب 3 .

(2) راجع الوسائل 2 : 275 / أبواب الحيض ب 3 و ب 4 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net