حكم الدمّين المتخلّل بينهما الطهر أقل من عشرة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6740


ــ[215]ــ

وطهرت خمسة أيّام ثمّ رأت خمسة أيّام أخر ، وحينئذ قد يكون الطّهر المتخلّل بين الدمين عشرة أيّام أو أكثر ، ومعه يحكم بحيضـيّة كلّ واحد من الدمين فيما إذا  كانا واجدين للشرائط ، لعدم المانع من حيضيتهما بعد وجود أمارات الحيض في الدمين وتخلّل أقل الطّهر بينهما .

   وقد لا يكون الطّهر المتخلّل بينهما عشرة أيّام بل أقل ، ومعه لا بدّ من ملاحظة الترجيح بينهما ، لعدم إمكان الحكم بحيضيّة الجميع ، لإسـتلزامه زيادة الحـيض عن عشرة أيّام ، فلا بدّ من أن يكون أحدهما حيضاً دون الآخر ، فإن كان أحدهما في العادة دون الآخر فما في العادة حيض دون الآخر ، وذلك لرواية يونس المتضمنة على أن كلّ ما تراه المرأة في أيّام عادتها فهو حيض ، دون ما تراه في غيرها (1) ، وكذلك غيرها من الأخبار الدالّة على أنّ ما تراه المرأة من صفرة أو حمرة في أيّام عادتها فهو حيض دون ما تراه في غيرها (2) ، فيستفاد من ذلك أنّ الترجيح بالعادة مقدم على التمييز بالصفات ، لأ نّه إنّما يرجّح ويميّز بها في غير أيّام العادة لا في العادة .

   وأمّا إذا  كان كلاهما في غير أيّام العادة فإن لم يكن شيء منهما متصفاً بأوصاف الحيض فيحكم بعدم كونهما حيضاً وإن كان ذلك خلاف ما هو المشهور بينهم ، لأنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض ، وقد عرفت أنّ الإمكان في قاعدة الإمكان بمعنى الإمكان القياسي ، ولا يمكن أن يكون شيء من الدمين حيضاً في مفروض الكلام بالقياس إلى أدلّة الشروط والأوصاف ، لأنّ الحيض كما يعتبر فيه أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام وأكثر من عشرة ويتخلّل بينه وبين الحيضة السابقة أقلّ الطّهر كذلك يعتبر فيه أن يكون أحمر أو أسود، ففاقد الصفات غير مشمول لقاعدة الإمكان .

   نعم ، لو تمّت قاعدة الإمكان بالمعنى غير الصحيح ، وهي القاعدة بمعنى الإمكان الإحتمالي ليقال : إنّ كلّ دم يمكن أي يحتمل أن يكون حيضاً فهو حيض ، فلا بدّ من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 279 / أبواب الحيض ب 4 ح 3 .

(2) نفس الباب .

ــ[216]ــ

الحكم بحيضيّة إحدى الصفرتين ، لإحتمالهما الحيضيّة كما هو ظاهر ، كما أ نّه إذا كان أحدهما واجداً للصفات دون الآخر يتعيّن الحكم بحيضيّة الواجد للصفات ، لأ نّها أمارات الحيض . هذا كلّه فيما إذا لم تكن المرأة ذات عادة عدديّة ، فإنّها تميز الحيض بالصفات .

   وأمّا ذات العادة العدديّة فلا يمكن نفي الحيضيّة عن الدمين في حقّها ، بل لا بدّ من أن تجعل عدد أيّامها حيضاً ، لما دلّ من الأخبار على أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سنّ في ذات العادة العدديّة أن ترجع إلى عدد أيّامها إذا كانت مستحاضة أي مستمرة الدم وتجعل الباقي إستحاضة (1) ، وهذا كلّه ممّا لا شبهة فيه .

   وإنّما الكلام فيما إذا كان كلاهما واجداً للصفات ، فهل يحكم بحيضيّة الدم الأوّل دون الثّاني ، أو يحكم بالتخيير بينهما كما في المتن ، أو لا يحكم بحيضيّة شيء منهما للتعارض وهو يقتضي التساقط؟ وذلك لعدم إمكان الحكم بحيضيّة الجميع، لإستلزامه كون الحيض زائداً عن العشرة ، فإذا لم يقم دليل خاص على حيضيّة أحدهما فلا يمكن أن يتمسّك بعمومات أدلّة الحيض وإطلاقاته فيهما معاً لما عرفته من المحـذور ولا في أحدهما المعيّن دون الآخر لأ نّه بلا مرجح ، ولا في أحدهما لا بعينه كما بيّناه في محلّه ، وهو معنى التساقط بالمعارضة ، فلا يحكم بحيضية هذا ولا ذاك .

   الصحيح الحكم بحيضيّة الدم الأوّل دون الأخير ، وذلك لما بيّناه في التعارض المتوهم بين الأصل السببي والمسببي من أنّ الأصل الجاري في السبب مقـدّم على الأصل في المسبب ، لأ نّه يرفع موضوع الشكّ المسببي ولا معارض له في نفيه ، حيث إنّ أدلّة الأصل الجاري في المسبب غير متكفّلة لإثبات وجود موضوعه أو نفيه ، وإنّما هي تثبت الحكم على تقدير وجود موضوعها .

   وهذا كما في الماء المشكوك طهارته فيما إذا غسلنا به ثوباً متنجساً ، فإنّ قاعدة الطّهارة الجـارية في الماء لا تبقي شكّاً في طهارة الثّوب المغسـول به ليجـري فيه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 276 / أبواب الحيض ب 3 ح 4 .

ــ[217]ــ

استصحاب نجاسته ، لأنّ من الآثار الشرعيّة المترتبة على طهارة الماء طهارة المتنجس المغسول به ، فهي رافعة لموضوع إستصحاب النجاسة الجاري في الثوب ، وأدلّة الإستصحاب لا تتكفّل بإثبات وجود موضوعه في الثوب ، وهذا بخلاف ما لو عكسنا الأمر وأجرينا الإستصحاب المسببي ، لأنّ نجاسة الثوب وبقاءها ممّا لا يترتّب عليه نجاسة الماء شرعاً إلاّ بالملازمة العقليّة ، لأ نّه لو كان طاهراً لطهر الثوب فيه .

   والأمر في المقام كذلك ، وذلك لأنّ من آثار حيضيّة الدم الأوّل شرعاً أنّ الدم الثّاني الّذي تراه المرأة بعدها إن كان قبل العشرة فهو من الحيضة السابقة ، وإن كان بعد العشرة فالزائد على العادة إستحاضة ، وإن كان بعد العشرة وبعد تخلّل أقلّ الطّهر بينهما فهو من الحيضة المستقبلة .

   وعلى الجملة إنّ من آثار حيضيّة الدم الأوّل أن لا يحكم بحيضيّة الدم الثّاني فيما إذا لم يتخلّل بينهما أقلّ الطّهر ولم يمكن إلحاقه بالدم الأوّل لإستلزامه زيادة الحيض عن العشرة .

   وهذا بخلاف حيضيّة الدم الثّاني ، حيث لم يترتب عليها عدم حيضيّة الدم الأوّل شرعاً في شيء من الرّوايات إلاّ من جهة الملازمة العقليّة ، نظراً إلى أ نّه لو كان حيضاً لزم عدم تخلّل أقلّ الطّهر بينهما أو كون الحيضة زائدة على العشرة .

   إذن الحكم بحيضيّة الدم الأوّل يرفع الشكّ في حيضيّة الدم الثّاني شرعاً ، ولا عكس ، ومعه لا معارضة بينهما ليتوهم التساقط ، كما لا وجه للتخيير إذ لم يدل دليل على أنّ إختيار الحيض بيد المرأة ، بل اللازم تعين الدم الأوّل في كونه حيضاً دون الأخير ، لأنّ الشكّ فيهما من الشكّ السبي والمسببي ، وقد عرفت عدم التعارض بينهما .

   ولعلّه إلى ذلك نظر صاحب الجواهر (قدس سره) فيما نسب إليه من الحكم بحيضيّة الدم الأوّل حتّى فيما إذا كان الدم الثّاني في العادة أو متّصفاً بأوصاف الحيض دون الدم الأوّل(1) ، كما هو أي الأخير صريح بعض آخر .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نسبه إليه في المستمسك 3 : 245 / كتاب الحيض ، وراجع الجواهر 3 : 187 / كتاب الحيض .

ــ[218]ــ

وإن تجاوز المجموع عن العشرة فإن كان أحدهما في أيّام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضاً ((1)) ، وإن لم يكن واحد منهما في العادة فتجعل الحيض ما كان منهما واجداً للصفات ، وإن كانا متساويين في الصفات فالأحوط ((2)) جعل أولهما حيضاً وإن كان الأقوى التخيير

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إلاّ أنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما يمكن المساعدة عليه فيما إذا كان الدمان متساويين في الأوصاف ولم يكن أحدهما في العادة ، وإلاّ فرواية يونس(3) المتقدِّمة وغيرها ممّا دلّ على أنّ ما تراه المرأة من حمرة أو صفرة في أيّام عادتها حيض لا يبقي مجالاً للترجيح بالأسبقيّة في الزّمان ، لأ نّها أمارة الحيض شرعاً ، وكذلك أدلّة الصفات ، فإنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض .

   ثمّ إنّ ما ذكرناه في المقام يأتي في غير هذه المسألة أيضاً من الفروع الآتية الّتي يدور فيها الأمر بين كون الدم الأوّل حيضاً دون الأخير أو العكس ، هذا .

   ولا يخفى أنّ ما ذكـرناه من لزوم جعل أوّل الدمين حيضاً وإن كان صحيحاً كما عرفت ، إلاّ أ نّه لا يتم على إطلاقه ، لأ نّه إنّما يصحّ في غير ذات العادة العدديّة ، لأنّ تميزها بالصفات كما مرّ ، وأمّا ذات العادة العدديّة فقد عرفت أنّ دمها إذا تجاوز عن العشرة وكانت مستمرّة الدم المعبّر عنها بالإستحاضة في الأخبار(4) ترجع إلى عدد أيّامها وتجعله حيضاً والباقي استحاضة ، وعليه لا بدّ من أن تأخذ من أوّل الدمين بعدد أيّامها حيضاً ، لإتمام الدم الأوّل وتجعل الباقي استحاضة .

   هذا كلّه فيما إذا  كان كلا الدمين في غير أيّام العادة وكانا واجدين للصفات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وأمّا الدم الآخر فهو استحاضة إلاّ إذا كان مقدار منه بصفات الحيض ولم يزد بضميمة ما في العادة مع النّقاء المتخلّل على عشرة أيّام وحينئذ فالمجموع مع النّقاء المتخلّل حيض .

(2) بل الأظهر ذلك لكنّها إذا كانت ذات عادة عدديّة وكان بعض الدم الثّاني متمّماً للعدد مع النّقاء المتخلّل جعلته حيضاً على الأظهر .

(3) الوسائل 2 : 279 / أبواب الحيض ب 4 ح 3 ، وكذا أكثر روايات الباب .

(4) الوسائل 2 : 283 / أبواب الحيض ب 5 ح 2 و 3 و ... .

ــ[219]ــ

وإن كان بعض أحدهما في العادة دون الآخر جعلت ما بعضه في العادة حيضاً (1)

   إذا  كان بعض أحد الدمين في العادة

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) كما إذا فرضنا المرأة ذات عادة وقتيّة وأ نّها تحيض من عاشر كلّ شهر ، أو أنّ آخر حيضها في كلّ شهر هو اليوم الخامس عشر ، ورأت(1) الدم من اليوم السّادس إلى اليوم الحادي عشر خمسة أيّام ونقت بعد ذلك ستّة أيّام ثمّ رأت الدم الآخر خمسة أيّام أيضاً فإنّ الثّاني وقع خارج العادة بأجمعه ، إلاّ أنّ الدم الأوّل وقع يوم منه في أيّام العادة .

   أو أ نّها رأت(2) الدم من اليوم الخامس إلى العاشر ونقت من اليوم العاشر إلى اليوم الخامس عشر ثمّ رأت الدم الآخر من اليوم الخامس عشر خمسة أيّام مثلاً ، فإنّ الدم الأوّل حينئذ لم يقع شيء منه في أيّام العادة ولكن الدم الثّاني وقع يوم منه في أيّام العادة .

   فمقتضى الأخبار الواردة في أنّ العادة متقدّمة على الترجيح بالصفات (3) أن تجعل ما في عادتها حيضاً سواء أكان واجداً للصفات أم فاقداً لها ، لأنّ ما تراه المرأة من صفرة أو حمرة في أيّام عادتها فهو حيض .

   ثمّ إنّ ما رأته من الدم في أيّام العادة إن كان ثلاثة أيّام فأكثر فهو ، وأمّا إذا كان أقل منها فمقتضى ما دلّ على أنّ المرأة إذا رأت الدم في أيّام عادتها فهو حيض (4) بضميمة ما دلّ على أنّ الحيض لا يقل من ثلاثة أيّام (5) أن يضمّ إليه ما يتمّ به ثلاثة أيّام من الدم الأوّل في المثال(6) ، لأ نّه المدلول الإلتزامي المستفاد من الأخبار المتقدِّمة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا مثال للفرض الأوّل ، أعني من تحيض من عاشر كلّ شهر .

(2) هذا مثال للفرض الثّاني ، أعني من ينتهي حيضها في اليوم الخامس عشر من كلّ شهر .

(3) الوسائل 2 : 278 / أبواب الحيض ب 4 .

(4) نفس المصدر .

(5) الوسائل 2 : 293 / أبواب الحيض ب 10 .

(6) في المثال الأوّل .

ــ[220]ــ

فإنّ الحيض لا يقل عن ثلاثة أيّام ، ففي المثال يحكم بلحوق يومين من الدم الأوّل باليوم السابق(1) الواقع في أيّام العادة من الدم الأوّل لأ نّهما متمّمات لثلاثة الحيض .

   وهل يحكم بحيضيّة الدم الثّاني أيضاً أو لا يحكم ، يختلف هذا باختلاف النِّسـاء لأنّ المرأة إن كانت ذات عادة عدديّة فترجع إلى عدد أيّامها وتأخذ من أيّام الدم بعد الثّلاثة بمقدار يكمل به عددها ، مثلاً إذا كانت عادتها جارية على التحيض ثمانية أيّام في كلّ شهر ورأت الدم ثلاثة أيّام ثمّ انقطع أربعة أيّام ثمّ رأته خمسة أيّام ، وفرضنا أنّ اليوم الثّالث من الثّلاثة الاُول كان واقعاً في أيّام عادتها الوقتيّة ولأجل ذلك حكمنا بكونه حيضاً ثمّ ألحقنا به اليومين السابقين حتّى تتمّ الثّلاثة المعتبرة في الحيض ، ولكن مجموع أيّام الدمين والنّقاء لمّا كان زائداً عن العشرة فلا محيص من أن تأخذ عدد أيّامها حيضاً وتجعل الباقي إستحاضة ، ولأجله تضمّ الثّلاثة إلى أربعة النّقاء لأ نّها أيضاً بحكم الحيض فيكون سبعة أيّام وحيث إنّ عدد أيّامها ثمانية فتأخذ يوماً واحداً من الخمسة المتأخّرة وتضمّه إلى السبعة ليكتمل به عدد أيّام المرأة ، والباقي إستحاضة أو تأخذ منها يومين إذا كانت عادتها تسعة أيّام . هذا فيما إذا كانت المرأة ذات عادة عدديّة .

   وأمّا إذا لم تكن لها عادة عدديّة فلا مناص من التمييز بالصفات فما كان بصفات الحيض حيض وما لم يكن بصفاته إستحاضة ، فلو فرضنا أنّ الدم في ثلاثة أيّام أو يومين أو يوم واحد من الخمسة كان أحمر والباقي أصفر فيحكم على ما كان لونه أحمر بالحيضيّة إلى أن تتمّ عشرة أيّام دون غيره لأ نّه استحاضة . هذا كلّه فيما إذا  كان بعض أحد الدمين في العادة دون الآخر .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) باليوم اللاّحق .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net