الكلام في وجوب الغسل والوضوء - الكلام في وجوب الجمع بين الصلاتين 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7234


ــ[56]ــ

   وأمّا وجوب الغسل عليها للفجر والظهرين والعشاءين فقد ظهر الوجه فيه ممّا قدمناه في الاستحاضة القليلة والمتوسطة فلا نعيده .

   وأمّا وجوب الوضوء عليها لكل صلاة فقد التزم به المشهور ، والظاهر المستفاد من كلماتهم أن القول به وبعدمه غير مبتن على إجزاء كل غسل عن الوضوء وعدم إجزائه ، فإن السيد المرتضى(1) وغيره ممن قالوا بـإغناء كل غسل عن الوضوء التزموا بوجوب الوضوء على المستحاضة في المقام لكل صلاة .

   ولكن الصحيح عدم وجوب الوضوء ، وذلك لعدم دلالة شيء من الأخبار الواردة في المقام ـ في الاستحاضة الكثيرة ـ سوى المطلقات الواردة في أن المستحاضة تتوضأ (2) ، أو المطلقات الآمرة بالوضوء كقوله تعالى (إذا قُمْتُم إلَى الصَّلاَةِ فاغْسِلُوا وُجُوهكم وأيديكم ... )(3) والاطلاقات الدالة على أن من نام أو بال يتوضأ (4) ، فإنها شاملة للمستحاضة في المقام ، وأمّا غير المطلقات فلا دليل على وجوب الوضوء لكل صلاة في الاستحاضة الكثيرة .

   إلاّ أن هذه المطلقات لابدّ من الخروج عنها بالأدلّة الخاصة النافية لوجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة .

   وذلك كصحيحة معاوية بن عمار ، حيث دلت على أن المستحاضة إن ثقب دمها الكرسف وجبت الأغسال الثلاثة عليها ، وإذا لم يثقب الكرسف وجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة .

   والوجه في دلالتها أن التفصيل قاطع للشركة ، وهي قد فصلت بين الدم الثاقب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جمل العلم والعمل : 27 .

(2) الوسائل 2 : 278 ، 280 / أبواب الحيض ب 4 ح 1 ، 7 ، 8 ، 281 / ب 5 ح 1 ، 376 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 13 .

(3) المائدة 5 : 6 .

(4) الوسائل 1 : 245 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 و 2 و 3 .

ــ[57]ــ

والدم غير الثاقب ودلت على وجوب الوضوء في الثاني وعلى وجوب الأغسال الثلاثة في الأول ، وهي تدل على أن الأول لا يجب فيه الوضوء .

   وموثقة سماعة حيث دلت على أن المستحاضة إذا ثقب دمها الكرسف اغتسلت للغداة وللظهرين وللعشاءين ، وإذا لم يتجاوز اغتسلت غسلاً واحداً وتوضأت لكل صلاة .

   وذلك لعين التقريب الذي مر في صحيحة معاوية ، حيث إنها فصلت بين الدم الثاقب المتجاوز فأوجبت فيه أغسالاً ثلاثة ، وبين الدم الثاقب غير المتجاوز فأوجبت فيه غسلاً واحداً مع الوضوء لكل صلاة ، وتفصيلها هذا يدل على أن المرأة عند ثقب دمها الكرسف وتجاوزه غير مكلفة بالوضوء .

   ويؤيده ما قدّمناه(1) من القاعدة الثانوية من أن كل غسل يغني عن الوضوء ، ومع اغتسال المرأة لا تحتاج إلى الوضوء ، هذا .

   وعلى الجملة إن الأخبار الواردة في الاستحاضة الكثيرة قد دلت على وجوب الأغسال الثلاثة في حقها وسكتت عن وجوب الوضوء عليها لكل صلاة ، وسكوتها عن وجوبه وهي في مقام البيان يدلنا على عدم وجوب الوضوء في حقها .

   على أن في جملة من الأخبار كموثقتي سَماعة وصحيحة معاوية فصّل بين الاستحاضة الكثيرة والمتوسطة أو بين الكثيرة والقليلة وحكم بوجوب الوضوء على المتوسطة والقليلة ، ولم يحكم بوجوبه في الكثيرة بل حكم بوجوب الأغسال الثلاثة في حقها ، وحيث إن التفصيل قاطع للشركة فيعلم من ذلك عدم وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة ، هذا كله .

   مضافاً إلى ما ذكرناه من أن الغسل يغني عن الوضـوء ، وإنما خرجنا عنه في الاستحاضة المتوسطة بالنص الخاص كما مر .

   ولكنه قد يقال : إن وجوب الوضوء لكل صلاة في المستحاضة الكثيرة مستند إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في شرح العروة  7 : 402 .

ــ[58]ــ

النص كما استند إليه في المتوسطة ، وهذا النص هو مرسلة يونس الطويلة حيث ورد فيها «وسئل عن المستحاضة فقال : إنما ذلك عرق عابر (عايذ) أو ركضة من الشيطان فلتدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة ، قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثعَب» (1) أي مجرى الماء .

   وقد ذكرنا أن الرواية معتبرة وخارجة عن حكم الارسال ، وقد ادعي صراحتها بحسب الدلالة على وجوب الوضوء لكل صلاة في المستحاضة الكثيرة .

   وفيه : أن المرسلة لا دلالة لها على وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة إلاّ بالاطلاق ، فحالها حال بقية المطلقات المتقدمة ، وأمّا قوله «وإن سال مثل المثعب» فهو غير ناظر إلى أن وجوب الوضوء للمستحاضة ثابت حتى فيما إذا سال دمها مثل المثعب ، بل هو ناظر إلى وجوب الصلاة عليها حتى إذا سال دمها مثل المثعب ، وذلك لأن الرواية إنما هي بصدد بيان أن المرأة ذات الدم متى تجب عليها الصلاة ومتى لا تجب .

   ومن هنا قسمتها إلى قسمين أعني الحائض والمستحاضة وأوجبت الصلاة على الثانية ، بمعنى أنها قسّمت المرأة ذات الدم إلى ذات العادة فدلت على أنها ترجع إلى عادتها ، وإلى واجدة الصفات فأوجبت رجوعها إلى الصفات وتمييز الحيض عن الاستحاضة بصفاتهما ، وإلى غير واجدة الصفات فأرجعتها إلى العدد أعني الستة أو السبعة .

   وعلى الجملة : إن هذه الرواية لا دلالة لها على أن المستحاضة يجب عليها أن تغتسل وتتوضأ لكل صلاة في الاستحاضة الكثيرة ، لما عرفت من أن قوله (عليه السلام) «وإن سال مثل المثعب» راجع إلى وجوب الصلاة على المرأة لا إلى وجوب الوضوء لكل صلاة ، لعدم كونها ناظرة إلى أحكام الاستحاضة وإنما هي واردة لبيان وجوب الصلاة عليها فحسب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 281 / أبواب الحيض ب 5 ح 1 .

ــ[59]ــ

   ولكن الامام (عليه السلام) لما حكم بعدم وجوب الصلاة عليها في أيام أقرائها وحكم بوجوبها عليها في الاستحاضة ، وتعجّب السائل من وجوبها عليها حتى في الكثيرة وفيما إذا سال منها الدم نظراً إلى أن حال المرأة حينئذ كحالها حال أقرائها من حيث كثرة الدم في كليهما قال وإن سال ؟ فأجابه (عليه السلام) بقوله : «وإن سال مثل المثعب» إشارة إلى أن الاستحاضة لا تقاس بالحيض .

   نعم ، هذه الرواية من الأخبار الدالة على وجوب الوضوء على المستحاضة مطلقاً وذلك لأن المراد بالاغتسال في قوله «ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة» هو الغسل من الحيض أي تغتسل بعد أيام أقرائها ، كما في الرواية حيث قال (عليه السلام) «فلتدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل» وليس المراد به غسل الاستحاضة .

   ويؤيده أنه إن اُريد به غسل الاستحاضة وجب الغسل لكل صلاة بمقتضى قوله «تغتسل وتتوضأ لكل صلاة» مع أنك عرفت أن الغسل لا يجب لكل صلاة في المستحاضة حتى في الكثيرة ، بل لكل صلاتين غسل واحد كما تقدم ولا يجب الغسل لكل صلاة ، فإذا كان الغسل فيها غسل الحيض فالرواية تدل على وجوب الوضوء لكل صلاة في حق المستحاضة مطلقاً .

   وقد خرجنا عن إطلاقها في المتوسطة لما دلّ من الأخبار على أن المستحاضة في المتوسطة لا يجوز لها أن تكتفي بالوضوء فقط بل تغتسل في اليوم والليلة مرة واحدة وتتوضأ لكل صلاة .

   وكذلك نخرج من إطلاقها في الكثيرة بما دلّ على أن المستحاضة بالكثيرة تغتسل ثلاث مرات ولا يجب عليها الوضوء لكل صلاة ، للاكتفاء بذلك في مقام البيان وبقرينة التقابل والتقسيم .

   ومن جملة تلك الروايات ذيل هذه الرواية حيث قال «فقال : احتشي كرسفاً فقالت : إنه أشد من ذلك ، إني أثُجّه ثجاً ، فقال : تلجّمي وتحيّضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ، ثم اغتسلي غسلاً وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة

ــ[60]ــ

وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلاً ، وأخّري الظهر وعجّلي العصر واغتسلي غسلاً وأخّري المغرب وعجّلي العشاء واغتسلي غسلاً» (1) .

   وكيف كان فمحط نظر الرواية إلى تشخيص أن ذات الدم أين تجب عليها الصلاة وأين لا تجب ، ولا نظر لها إلى بيان أوصاف المستحاضة وأقسامها وأحكامها من غير جهة الصلاة ، ومعه يكون قوله (عليه السلام) «وإن سال مثل المثعب» ناظراً إلى ما تقدّمه من وجوب الصلاة عليها وأنها واجبة في حقها وإن سال مثل المثعب ، ومعه لا تعرض للرواية لخصوص الاستحاضة الكثيرة بوجه .

   والذي يدلنا على ذلك أن الامام (عليه السلام) تعرض بعد ذلك لحكم المستحاضة الكثيرة وأوجب عليها أغسالاً ثلاثة من دون أن يوجب الوضوء عليها ، فلو كانت الرواية في هذا المقام أيضاً ناظرة إلى بيان أحكام المستحاضة ودالّة على وجوب الوضوء في حقها لكانت الرواية بصدرها وذيلها متناقضة .

    وجوب الجمع بين الصلاتين

   بقي الكلام في وجوب الجمع بين الصلاتين في الاستحاضة الكثيرة كما هو المشهور إلاّ أنه واجب شرطي للاكتفاء بغسل واحد للصلاتين وليس واجباً نفسياً ، بل للمرأة أن تفصل بينهما وتغتسل لكل منهما غسلاً ، والحكم بوجوب الجمع بين الصلاتين بناء على لزوم الفورية وعدم جواز تأخير الصلاة عن الأغسال في حق المستحاضة واضح .

   وذلك لعدم جواز تأخير الصلاة الثانية عن الاغتسال إلاّ بمقدار الصلاة الاُولى فحسب على ما يستفاد من الأخبار من جواز الاكتفاء بغسل واحد إذا جمعت بين الصلاتين ، وأمّا زائداً على مقدار الصلاة الاُولى فالتأخير مانع عن الاكتفاء بذلك الغسل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 288 / أبواب الحيض ب 8 ح 3 .

 
 

ــ[61]ــ

   وأمّا إذا لم نقل بالفورية وجوّزنا التأخير والفصل بين الاغتسال والصلاة فلا بدّ للحكم بوجوب الجمع بين الصلاتين من إقامة الدليل عليه .

   ويمكن الاستدلال عليه بالأخبار الواردة في المقام المصرحة بأنها تغتسل وتجمع بين الصلاتين بتقديم هذه وتأخير تلك (1) .

   بل يمكن أن يستدل بها على وجوب الفورية وعدم جواز التأخير بين الغسل والصلاة ، وذلك لأن التأخير إذا لم يجز في الصلاة الثانية ـ لدلالة الروايات على أنها لابدّ من أن تجمع بينهما ولا يجوز أن تؤخر الثانية عن الاُولى ـ لم يجز التأخير في الصلاة الاُولى أيضاً بعين ذلك الملاك ، للقطع بعدم الفرق بينهما من هذه الجهة .

   وكذا يمكن الاستدلال على وجوب الفور بما دلّ على وجوب الغسل ثلاث مرات مشتملاً على كلمة «عند» كما في صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «سمعته يقول : المرأة المستحاضة التي لا تطهر تغتسل عند صلاة الظهر وتصلِّي الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب فتصلِّي المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح فتصلِّي الفجر» (2) .

   وذلك لأن ظاهر كلمة «عند» التي هي من الظروف الزمانية هو المقارنة الحقيقية وبما أنها غير ممكنة في المقام إذ لا يمكن الاغتسال حال الصلاة فلتحمل على المقارنة العرفية وهي بأن تتصل الصلاة بالاغتسال ، نظير قولنا اغسل يدك عند الأكل ، أو ادع بالدعاء الكذائي عند النوم ونحو ذلك ، لوضوح أن المراد به هو الاقتران العرفي لعدم إمكان المقارنة الحقيقية .

   والوجه في حمله على الاقتران العرفي ـ أعني الاتصال ـ هو أنه لو غسل يده أو قرأ الدعاء الكذائي في ساعة ثم أكل بعد ست ساعات أو نام بعدها لا يقال عرفاً ولا عقلاً إنه غسل يده أو دعا بالدعاء الكذائي عند الأكل أو النوم ، بل يمكن استفادة لزوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 .

(2) الوسائل 2 : 372 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4 . وفي نسخة «المستحاضة تغتسل عند صلاة ...» .

ــ[62]ــ

   ويجوز تفريق الصلوات والاتيان بخمسة أغسال . ولا يجوز الجمع بين أزيد من صلاتين بغسل واحد (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفورية من كلمة الفاء في قوله (عليه السلام) «تغتسل ... فتصلِّي» لأ نّها ظاهرة في التفريع وكون الصلاة عقيب الاغتسال من غير فصل .

    جواز التفريق بين الصلوات للمستحاضة

   (1) ذكرنا أن المستحاضة في الكثيرة إذا أرادت أن تجمع بين الفريضتين اقتصرت على غسل واحد لهما ، وأمّا إذا أرادت التفريق فاغتسلت وصلّت الظهر ثم بعد فاصل زماني أرادت أن تصلِّي العصر فإن لم تحدث بحدث بين الصلاتين فمقتضى القاعدة عدم وجوب الغسل في حقها للثانية ، لأنها متطهرة ولم يحدث منها حدث مبطل لها ، مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في المقام .

   اللّهمّ إلاّ أن نقول بوجوب المبادرة ، فإنه يقتضي عدم جواز اقتصارها على غسلها قبل صلاة الظهر ، وأمّا مع قطع النظر عن الأخبار ووجوب المبادرة فمقتضى القاعدة عدم وجوب الغسل في حقها للصلاة الثانية .

   وأمّا إذا أحدثت بينهما بحدث فمقتضى القاعدة وجوب الغسل عليها للثانية مع قطع النظر عن الأخبار وعن وجوب المبادرة في حقها .

   وذلك لأنها بعدما أحدثت إما أن تأتي بالعصر مثلاً من دون غسل ولا وضوء وهذا غير محتمل لاشتراط الصلاة بالطهارة ، والمستحاضة محدثة حينئذ لارتفاع طهارتها بالحدث حسب الفرض ، وإما أن تأتي بالصلاة مع الوضوء ، وهو غير مشروع في حقها لدلالة الأخبار على أن الاكتفاء بالوضوء في الصلاة بعد الغسل مختص بما إذا كان الدم ثاقباً من دون تجاوزه عن الكرسف ، فلا يشرع في الاستحاضة الكثيرة ، وإما أن تأتي بالصلاة مع الاغتسال ، وهذا هو المطلوب ، هذا .

   ويمكن استفادة وجوب الأغسال الخمسة ـ أعني الغسل لكل صلاة عند التفرقة




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net