هل الفحص واجب نفسي أو شرطي أو طريقي ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7713


    هل الفحص واجب نفسي ؟

   وإنما الكلام في أنه واجب نفسي أو  أنه واجب شرطي أو  أن وجوبه طريقي والاحتمالان الأوّلان في طرفي النقيض ، لأن مقتضى الأوّل أنها لو اغتسـلت وتوضأت رجاء أو توضأت فقط وعلمت بمطابقة صلاتها للواقع لكون استحاضتها متوسطة أو كثيرة أو كونها قليلة ولكنها لم تفحص عن حالها صحّت صلاتها ولكنها عصت لتركها الفحص الواجب في حقها .

ــ[79]ــ

   ومقتضى الاحتمال الثاني أن صلاتها حينئذ باطلة لعدم كونها واجدة للشروط وهو الفحص .

   وأمّا الوجوب الطريقي فهو بمعنى أن الفحص منجز للواقع وطريق إليه ، نظير وجوب التعلم للأحكام ، بحيث إنها لو لم تفحص وكانت صلاتها على خلاف الواقع استحقت العقاب ، وأمّا إذا تركت الفحص إلاّ أنها اغتسلت وتوضأت رجاء وكانت صلاتها مطابقة للواقع فصلاتها صحيحة ولا عقاب في حقها ، فهذه احتمالات ثلاثة .

   وعلى احتمال أنه واجب طريقي يقع الكلام في أنه واجب مطلقاً حتى مع الاحتياط والاتيان بالغسل والوضوء رجاء أو أنه يختص بغير هذه الصورة .

   الصحيح أن الفحص واجب طريقي وأنه منجز للواقع فحسب ، وذلك لأنه الظاهر من الروايتين حيث فرع فيهما وجوب الاغتسال على الاختبار وإدخال الكرسف أو القطنة ، وهو ظاهر في أن الاختبار إنما هو مقدّمة للعلم بما هو الوظيفة في حقها من الاغتسال وغيره ، لا أنه واجب نفساً أو شرطاً .

   وعليه فلو تركت الفحص وتوضأت وصلّت وكانت صلاتها صحيحة في الواقع لكون الاستحاضة قليلة لم تستحق العقاب ، لأن الاختبار طريق إلى معرفة الحال والاتيان بالفريضة والواجبات ، ومع الاتيان بهما لا حاجة إلى الاختبار .

   وهل وجوب الاختبار مطلق حتى في صورة الاحتياط ، بحيث ليس للمرأة أن تحتاط في أعمالها ، بل لا بدّ لها من الفحص والاختبار ، أو أنه غير مانع عن الاحتياط .

   الصحيح هو الثاني ، لأن الوجوب الطريقي غير مناف للاحتياط ، لأنه وجب مقدمة للامتثال والاتيان بالواجب الواقعي ، ومع التمكّن من إتيانه بطريق آخر لا وجه للوجوب الطريقي .

   اللّهمّ إلاّ أن نقول إن الامتثال الاجمالي في طول الامتثال التفصيلي ، والمكلف مع التمكّن من الامتثال التفصيلي بالاختبار ليس لها الاختيار على الامتثال الاجمالي ، إلاّ أنّا لم نبن على ذلك وقلنا إنهما على حد سواء ، فالوجوب الطريقي لا يكون مانعاً عن الاحتياط .

ــ[80]ــ

   نعم ، هناك أمر آخر وهو أن الاحتياط في المقام ممكن في نفسه أو غير ممكن وهو بحث صغروي ، والظاهر عدم إمكانه في المقام إلاّ بالتكرار بناء على ما سلكناه من عدم وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة ، وذلك لما ذكرناه سابقاً من لزوم المبادرة إلى الصلاة في حق المستحاضة بعد الطهارة وأن الفصل بينهما مانع عن صحتهما .

   فعلى ذلك لو توضأت المرأة واغتسلت ثم صلّت ، فعملها هذا وإن كان موافقاً لاحتمال الاستحاضة المتوسطة والكثيرة إلاّ أنه لا يوافق الاستحاضة القليلة لتخلل الغسل حينئذ بين الطهارة والصلاة ، وهو أمر أجنبي فصل بينهما فتبطل طهارتها وصلاتها .

   ولو إنها عكست الأمر فاغتسلت أولاً ثم توضأت فقد وافقت احتمال الاستحاضة القليلة وخالفت احتمال الاستحاضة الكثيرة عندنا ، لاعتبار اتصال الغسل فيها بالصلاة ، لكلمة «الفاء» الواردة في رواياتها (1) و «أنها اغتسلت فصلّت» فلا يمكنها الاتيان بصلاة واحدة مستجمعة لاحتمالات القليلة والمتوسطة والكثيرة ، ومع الاحتمال لا يمكنها الاقتصار على ما أتت به .

   نعم ، بناء على مسلك المشهور من وجوب الوضوء في الكثيرة لا مانع من الاحتياط ، وكذلك في المتوسطة ، لما يأتي من أن المرأة في موارد وجوب الجمع بين الوضوء والاغتسال تتخير في تقديم كل منهما وتأخيره .

   نعم ، لها أن تكرر الصلاة فتصلِّي بالوضوء مرة ثم تتوضأ وتغتسل وتصلِّي مرة اُخرى ، وبذلك تقطع بفراغ ذمتها على جميع التقادير المحتملة في حقها ، هذا .

   ثم إن الاختبار المستفاد من الروايتين المتقدمتين (2) غير الاختبار الذي أوجبه الفقهاء في كلماتهم ، لأنهم أوجبوا الاختبار عند كل صلاة ، مع أن الروايتين تدلان على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 372 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4 .

(2) وهما صحيحتا عبدالرحمن بن أبي عبدالله ومحمد بن مسلم المذكورة في المشيخة وتقدّم ذكرهما في صدر المقام .

 
 

ــ[81]ــ

وجوب الفحص في حقها مرة واحدة ، فلا مانع من استصحاب حالتها السابقة الثابتة بالاختبار عند الصلوات الاُخرى ، وما ذكروه من وجوب الاختبار عند كل صلاة غير ظاهر الدليل .

   ثم إنه إذا لم تتمكن من الاختبار يجب عليها الأخذ بالقدر المتيقن ، وهو الوضوء لكل صلاة بناء على ما سلكه المشهور من وجوبه لكل صلاة في كل من القليلة والمتوسطة والكثيرة بزيادة الغسل الواحد لكل يوم وليلة في المتوسطة ، والأغسال الثلاثة أو الخمسة ـ على تقدير عدم الجمع ـ في الكثيرة ، فالوضوء لكل صلاة هو القدر المتيقن حينئذ .

   وأمّا بناء على ما سلكناه من عدم وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة وانحصار وظيفتها في الأغسال المتعددة فكون الوضوء قدراً متيقناً إنما هو إذا دار الأمر بين الاستحاضة القليلة والمتوسطة ، وأمّا إذا دار الأمر بين القليلة والكثيرة فهما من المتباينين ، لوجوب الوضوء في أحدهما ووجوب الغسل في الآخر . ومعه لابدّ من الاحتياط ولو بتكرار الصلاة مع الوضوء تارة ومع الغسل تارة اُخرى كما قدمناه .

   نعم ، يمكن تصوير المتيقن منهما من جهة الموضوع وإن كان بالنظر إلى أحكامهما متباينين ، وذلك لوضوح أن الدم في القليلة أقل من المتوسطة والكثيرة ، وهو في المتوسطة أكثر من القليلة ، وفي الكثيرة أكثر من المتوسطة ، فالمقدار المتيقن من الدم هو المقدار الأقل ، والزائد المشكوك فيه مورد لأصالة عدم الزيادة ، وبذلك أي باستصحاب عدم خروج الدم الزائد يحرز أن الاستحاضة من القليلة ، فتترتب عليها أحكامها .

   ولكن إجراء هذا الاستصحاب متوقف على لحاظ أن وجوب الفحص مختص بحال التمكّن فلا يجب مع التعذر ، أو أن الوجوب يعم كلتا الحالتين ، فعلى الأول لا مانع من جريانه دون الثاني .

   وذلك لما مرّ من أنّ أدلّة وجوب الفحص دلت على تخصيص أدلّة الاُصول وألحقت الشبهة الموضوعية في المقام بالشبهات الحكمية ، ومعه لا مناص من الاحتياط عند

ــ[82]ــ

دوران أمر الدم بين الاستحاضة القليلة والكثيرة ، لدوران الأمر حينئذ بين المتباينين .

   فنقول : إذا بنينا على أن الاختبار واجب نفسي وأنه المستفاد من الروايتين فلا ينبغي الاشكال في سقوطه عند عدم التمكّن من الاختبار لعدم وجود القطنة عندها أو لكون يديها مربوطتين أو لغير ذلك من الأسباب ، وذلك لاستحالة التكليف بما لا يطاق .

   وأمّا إذا بنينا على أنه واجب شرطي فلا موجب لاختصاصه بحالة الاختيار والتمكّن ، لما ذكرناه غير مرة من أن الأدلّة المثبتة للأجزاء والشرائط من قبيل القضايا الخبرية ، فما دلّ على النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه أو الأمر بالصلاة إلى القبلة معناه أن الصلاة يعتبر فيها أن لا تقع فيما لا يؤكل لحمه أو يعتبر أن تكون واقعة إلى القبلة .

   ومعه لا داعي إلى تخصيص الشرطية أو الجزئية بحال التمكّن ، بل مقتضى إطلاقها ثبوت الشرطية والمانعية والجزئية حتى في حال العجز وعدم التمكّن ، ونتيجة ذلك سقوط الأمر بالمركب رأساً عند عدم التمكّن من شيء من أجزائه أو شرائطه .

   فمقتضى القاعدة في المقام عدم وجوب الصلاة على المرأة عند عدم تمكنها من الاختبار إلاّ أن يثبت بالاجماع وقوله (عليه السلام) «لا تدعي الصلاة على حال» (1) وحينئذ يقتصر على المقدار المتمكن منه من المركب ، ومن هنا قلنا إن احتمالي الوجوب النفسي والشرطي على طرفي النقيض ، فإن وجوب الاختبار ساقط على الأوّل عند عدم التمكّن منه ، وغير ساقط على الثاني .

   وأمّا إذا بنينا على ما ذكرناه من أن الاختبار واجب طريقي فقد عرفت أن معناه تنجيز الواقع وتخصيص أدلة الاُصول إلحاقاً للشبهة الموضوعية في المقام بالشبهات الحكمية ، فمع الشك في اختصاص ذلك بحال التمكّن يشك في أن أدلّة الاُصول هل هي مخصصة بالاضافة إلى حال التمكّن فقط ، أو أنها مخصصة بالاضافة إلى حال عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 373 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .

ــ[83]ــ

التمكّن أيضاً .

   فإذا رجع الشك إلى الشك في التخصيص الزائد فلا مناص من الاقتصار فيه على المقدار المتيقن ، وفي المقدار الزائد يرجع إلى إطلاق أو عموم أدلّة الاُصول ، ومقتضاها جريان الاُصول في صورة عدم تمكن المرأة من الاختبار ، ولا وجه حينئذ للقول بعدم سقوط الوجوب ، وذلك لأنه ليس من الوجوب الشرطي حتى لا يسقط ، وإنما هو وجوب طريقي كما عرفت ، فإذا جاز للمرأة أن ترجع إلى الاُصول حينئذ فيقع الكلام في أنها ترجع إلى أيّ أصل .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net