أدلّة وجوب غسل المسّ - نقد أدلّة استحباب غسل المسّ 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6440


 فصل

في غسل مسّ الميِّت

    يجب بمس ميت الانسان بعد برده وقبل غسله (2)

 ــــــــــــــــــــــــــ
 فصل في غسل مسّ الميِّت

    (2) وجوب غسل مسّ الميِّت متسالم عليه بين الأصحاب ، وهل وجوبه نفسي أو شرطي يأتي عليه الكلام عند تعرّض الماتن له إن شاء الله .

   ولا يحتاج في الاستدلال على وجوبه إلى التسالم والاتفاق ، لدلالة جملة من

 

ــ[201]ــ

الروايات الصحيحة المتضافرة على وجوبه بألسنة مختلفة ، ففي بعضها : «ولكن إذا مسّه بعد ما يبرد فليغتسل»(1) وفي اُخرى: «إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل»(2) وفي ثالثة : «فإذا برد فعليه الغسل» (3) وفي رابعة : «إذا أصاب يدك جسد الميِّت قبل أن يغسّل فقد يجب عليك الغسل» (4) إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة في الوجوب .

   ومع ذلك حكي عن السبزاوري في الذخيرة قوله بعد نقل جملة من الروايات : ولا يخفى أنّ الأمر وما في معناه في أخبارنا غير واضح الدلالة على الوجوب ، فالاستناد إلى هذه الأخبار في إثبات الوجوب لا يخلو عن إشكال (5) .

   وتعبيره بلا يخفى يدل على أن عدم دلالة الأخبار على الوجوب كأ نّه من الاُمور الواضحة ، مع أنّ الأخبار كما عرفت مصرحة بالوجوب بمختلف أنحاء صيغ الوجوب وقلّ مسألة ترد فيها النصوص المصرحة بالوجوب مثل المقام ، فما الّذي دعاه إلى الاشكال والاستشكال في دلالتها والله العـالم به ، وهذا منه (قدس سره) على دقته وتحقيقه غريب ، هذا .

   ونسب إلى السيِّد المرتضى (قدس سره) استحباب الغسل من مسّ الميِّت(6) واستدلّ غيره له بوجوه :

    الوجوه المستدل بها على استحباب غسل المسّ

   منها : أ نّه ذكر في سياق جملة من المندوبات وأ نّه «اغتسل للفطر والأضحى والجمعة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 289 /  أبواب غسل المسّ ب 1 ح 1 .

(2) الوسائل 3 : 290 /  أبواب غسل المسّ ب 1 ح 3 .

(3) الوسائل 3 : 290 /  أبواب غسل المسّ ب 1 ح 4 .

(4) الوسائل 3 : 290 /  أبواب غسل المسّ ب 1 ح 5 وغيرها من روايات الباب .

(5) حكاه عنه في الحدائق 3 : 330 /  في غسل المسّ وراجع الذخيرة : 91  السطر 30 /  الأمر الأوّل غسل المسّ .

(6) نسبه إليه في الذخيرة : 91  وراجع جمل العلم والعمل : 25 .

ــ[202]ــ

وإذا مسست ميتاً»(1) ، وقد ذكر في بعض النصوص أنّ الفرض منها غسل الجنابة(2) .

   ويدفعه : ما ذكرناه في محلِّه(3) من أنّ الوجوب ليس مدلولا لصيغة الأمر ، وإنّما هي تدلّ على الطلب الجامع بين الوجوب والاستحباب ، وإنّما يستفاد الوجوب من عدم قيام القرينة على الترخيص في الترك ، كما أنّ الاستحباب يستفاد من قيامها على الترخيص في الترك ، وحيث قامت القرينة على الوجوب في غسل مسّ الميِّت حكمنا بوجوبه دون غيره ، وهذا لا يستلزم استعمال الصيغة في معنيين بل معناها واحد كما مرّ .

   على أنّا لو سلمنا ذلك فغاية ما يستفاد من ذلك أنّ الصيغة لم تستعمل في الوجوب ، وأمّا أنّها استعملت في الاستحباب فهو محتاج إلى الدليل ، وعليه فالرواية لا تدلّ على وجوب الغسل كما لا تدلّ على استحبابه لتعارض سائر الأخبار .

   وأمّا ما ورد في بعضها من أنّ الفرض غسل الجنابة ففيه أنّ الفرض بمعنى ما أوجبه الله تعالى في كتابه في قبال السنّة الّتي هي بمعنى ما أوجبه النبيّ (صّلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) ، وغسل الجنابة قد اُمر به في موردين من الكتاب ، وهما قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )(4) وقوله تعالى : (إِلاَّ عَابِرِي سَبِيل حَتَّى تَغْتَسِلُوا )(5) وهذا بخلاف غسل مسّ الميِّت ونحوه .

   وقد ورد في صحيحة زرارة الدالّة على أنّ الصلاة لا تعاد إلاّ من خمس ... (6) أنّ التشهّد سنّة أي واجب أوجبه النبيّ والأئمة (عليهم السلام) وغير مذكور في الكتاب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 303 /  أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ، 297 /  أبواب غسل المسّ ب 4 ح 2 . (نقل بالمضمون) .

(2) الوسائل 3 : 303 /  أبواب الاغسال المسنونة ب 1 .

(3) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 131 .

(4) المائدة 5 : 6 .

(5) النِّساء 4 : 43 .

(6) الوسائل 6 : 401 /  أبواب التشهّد ب 7 ح 1 .

ــ[203]ــ

العزيز ، فليس «سنّة» في قبال «واجب» كما توهم .

   ومنها :  ما ورد من السؤال عن أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هل اغتسل حين غسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند موته؟ فأجابه الصادق (عليه السلام) : النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) وجرت به السنّة (1) . لدلالتها على أن غسل مسّ الميِّت لم يكن واجباً قبل فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وإنّما فعله وجرت به السنّة فهو أمر مستحب .

   وفيه  أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة السند ، لأنّ الشيخ رواها في التهذيب في موضعين :

   أحدهما : باب الأغسال الواجبة والمندوبة (2) ، عن محمّد بن الحسن الصفار عن محمّد بن عيسى عن القاسم بن الصيقل (3) ، من الأغسال المفترضات والمندوبات .

   وثانيهما : في آخر باب الزيادات من تلقين المحتضرين ، عن الصفار عن محمّد بن عيسى العبيدي عن الحسين بن عبيد (4) .

   وهما ضعيفتان، الاُولى بالقاسم بن الصيقل، والثانية بالحسين بن عبيد كما في نسخة التهذيب ، وأمّا الحسن بن عبيد كما في الوسائل فلم يذكر في الرجال أصلاً .

   وأمّا ما في الوسائل من نقل الرواية عن الشيخ بطريقين ، أحدهما بطريق الصفار عن محمّد بن عيسى المتقدِّم ، وثانيهما عن المفيد عن أحمد بن محمّد عن أبيه عن الصفار عن محمّد بن عيسى ... فلم نقف على طريقه الثاني في التهذيب .

   وثانياً : أنّ الرواية غير تامّة من حيث الدلالة ، إذ لم تدلّ على أن كونه سنّة معلول لفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، بل جري السنّة وفعله (عليه السلام) في عرض واحد ، بمعنى أ نّه أتى به وجرى به السنّة ، حيث لم يقل فعله فجرى به السنّة بل قال : «فعل وجرت به السنّة» .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 291 /  أبواب غسل المسّ ب 1 ح 7 .

(2) التهذيب 1 : 107 /  281 .

(3) في الاستبصار [ 1 : 99 /  323 ] وفي بعض نسخ التهذيب القاسم الصيقل .

(4) التهذيب 1 : 469 /  1541 .

ــ[204]ــ

   على أنّها تدلّ على أن وجوب غسل مسّ الميِّت كان أمراً مفروغاً عنه في تلك الأزمنة ، ومن هنا لم يسأل الراوي عن أصل وجوبه ، وإنّما سأل عن اغتسال علي (عليه السلام) عن مسّه بدن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاصّة ، لأ نّه طاهر مطهر ولا قذارة فيه لتسري إلى علي (عليه السلام) ويجب عليه الاغتسال .

   أضف إلى ذلك أنّا لو سلمنا دلالتها على استحباب الغسل فهي مختصّة بمثل بدن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الّذي كان طاهراً مطهراً ، هب أن في مسّ كل بدن طاهر مطهّر كأبدان الأئمة (عليهم السلام) يستحب الاغتسال ولا يجب ، وأمّا في من مسّ بدن الميِّت الّذي ليس بطاهر ولا مطهّر فلا يستفاد منها استحباب الغسل فيه أيضاً .

   ومنها :  التوقيع المروي في الاحتجاج في إمام صلاة حدث عليه حدث وأ نّه يؤخّر ويتقدم بعض المأمومين ويتم صلاتهم : أن من مسّه ليس عليه إلاّ غسل اليد(1) ، حيث دلّ على عدم وجوب الغسل من مسّ الميِّت .

   ويدفعه أوّلاً: أنّها ضعيفة السند، لما ذكرناه غير مرّة من أنّ الطريق إلى الاحتجاج لم تثبت وثاقته .

   وثانياً : أن وجوب الغسل من المسّ إنّما هو بعد برده لا مع حرارته ، والإمام الميِّت لا يبرد بدنه بعد موته بدقيقة أو نصفها أي حال مسّه ليؤخره ، فإنّ الصلاة يعتبر فيها الموالاة فلا مناص من تأخيره في زمان قليل ، ولا يبرد بدنه حالئذ .

  ويوضح ما ذكرناه التوفيع الثاني المروي في الاحتجاج ، حيث قال : «وكتب إليه وروي عن العالم أن من مسّ ميتاً بحرارته غسل يده ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل وهذا الميِّت في هذه الحال لا يكون إلاّ بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو ؟ ولعلّه ينحِّيه بثيابه ولا يمسّه ، فكيف يجب عليه الغسل ؟ التوقيع : إذا مسّه على هذه الحال لم يكن عليه إلاّ غسل يده»(2) حيث إنّها ناظرة إلى الرواية الاُولى وشارحة لها ، وأن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 296 /  أبواب غسل المسّ ب 3 ح 4 .  الاحتجاج 2 : 564 .

(2) الوسائل 3 : 296 /  أبواب غسل المسّ ب 3 ح 5 .  الاحتجاج 2 : 564 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net