سقوط الغُسل عمّن وجب قتله - اشتراط أمر الإمام أو نائبه بالغُسل 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5845


ــ[383]ــ

   الثانية : من وجب قتله برجم أو قصاص (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأما مقدّمته الاُولى : وهي أنه قد استظهر درك المسلمين عماراً وبه رمق ، ففيها : أن هذا مما لم نقف عليه في رواية ولو ضعيفة ، بل المنقول في ترجمته (1) أنه دعا باللبن قبل خروجه إلى المعركة فشربه ، وكان آخر شرابه من الدنيا كما قال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «آخر شرابك ضياح من لبن» ثم خرج إلى القتال فاستشهد ، إذن لا يمكن المساعدة على ما أفاده .

   نعم ، روى الكشي(2) ـ كما في رجال المامقاني (قدس سره) (3) ـ عن إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت قيس بن أبي حازم قال قال عمار بن ياسر : ادفنوني في ثيابي فاني مخاصم ، إلاّ أنها غير قابلة للاعتماد عليها ، لأن في سندها أربعة من المجاهيل فلا يمكننا رفع اليد عن ظواهر الأخبار المعتبرة بأمثال ذلك من الروايات .

   فالصحيح ما ذكرناه من أن المدار في سقوط الغسل عن الشهيد إنما هو على درك المسلمين له وليس فيه رمق الحياة ، سواء كان في المعركة وحال الحرب أو في خارجها وبعد انقضائها .

   نعم ، في رواية زيد بن علي قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه ، وإن بقي أياماً حتى تغير جراحته غسّل» (4) إلاّ أنها ضعيفة بالحسين بن علوان ولم يعمل الأصحاب بمضمونها .

    المستثنى الثاني : من وجب قتله

   (1) سقوط الغسـل عن المرجـوم والمقتص منه من المسـائل المتسالَم عليها بين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تنقيح المقال 2 : 321 السطر 5 / 8598 .

(2) رجال الكشي 33 / 63 .

(3) تنقيح المقال 2 : 322 السطر 2 / 8598 .

(4) الوسائل 2 : 508 / أبواب غسل الميِّت ب 14 ح 5 وتقدم وثاقة حسين بن علوان .

ــ[384]ــ

الأصحاب ، ولم ينقل فيها خلاف من أحد فيما نعلمه ، وإنما الكلام في مدرك هذا الحكم المتسالَم عليه .

   وقد استدلّ عليه بما رواه الكليني والشيخ (قدس سرهما) عن مسمع كردين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلى عليهما . والمقتص منه بمنزلة ذلك يغسل ويحنط ويلبس الكفن (ثم يقاد) ويصلى عليه» (1) .

   وقد ورد ذلك في رواية اُخرى مرسلة ، وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلاّ أنه لا مناص من العمل على طبقها ، والأصحاب قد عملوا بها يقيناً .

   والوجه في ذلك ليس هو انجبار ضعف الرواية بعملهم ، لأنّا لا نرى الانجبار بعملهم ، بل من جهة أن المسألة محل الابتلاء ، إذ الرجم وإن كان لا يتفق إلاّ قليلاً ، بل لم يتفق في عصر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلي (عليه السلام) إلاّ في بعض الموارد ، إلاّ أن القصاص كان مورد الابتلاء في عصره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعصر علي (عليه السلام) وفي زمان الخلفاء ، فلو كان الغسل واجباً على المرجوم والمقتص منه لاشتهر ونقل لكثرة الابتلاء به ، مع أنه لم ينقل ذلك بوجه ولا توجد فتوى بوجوب التغسيل عليهما ، وقد ذكرنا في جملة من الموارد أن المسألة إذا كانت مما يبتلى بها كان الحكم فيها على تقدير وجوده مشهوراً لا محالة ، فنفس عدم الاشتهار في مثله دليل على العدم .

   ومن ذلك مسألة الاقامة ، حيث إن الأخبار الدالة على وجوبها كثيرة إلاّ أن المشهور بين المتقدِّمين لم يلتزموا فيها بالوجوب ، ولأجله قلنا بعدم وجوب الاقامة لأنها مسألة يُبتلى بها في اليوم مرّات ، فلو كانت واجبة لنقل واشتهر ولم يخف على المشهور بين الأصحاب ، فنفس عدم الاشتهار يدل على عدم الوجوب . والمقام أيضاً من هذا القبيل ، هذا كله في أصل المسألة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 513 / أبواب غسل الميِّت ب 17 ح 1 .

ــ[385]ــ

فان الامام (عليه السلام) أو نائبه الخاص أو العام يأمره (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    التحاق كل من وجب قتله بالمرجوم

   وهل يلحق بالمرجوم والمقتص منه كل من وجب عليه القتل في الشريعة المقدّسة ـ كما في اللواط والزنا بالمحارم وارتكاب بعض المنكرات  ـ أو أن الحكم بسقوط التغسيل مختص بالموردين ؟

   المصرّح به في كلمات جماعة هو الالحاق فكأنهم حملوا الرجم والقصاص على المثال ، إلاّ أن الصحيح هو اختصاص الحكم بالموردين ، وذلك لأنّا لم نعتمد على الرواية في المقام حتى يدعى دلالتها على التعميم بحمل الموردين على المثال ، وإنما استدللنا بالتسالم والاجماع وهما لبّيان ، ويقتصر في الأدلّة اللبّية على القدر المتيقن وهو المرجوم والمقتص منه ، فالحاق غيرهما بهما قياس ، هذا .

   وبعد ذلك يقع الكلام في خصوصيات المسألة وأن هذا الاغتسال قبل الرجم والاقتصاص هو غسل الميِّت وقد قدم على الموت فيعتبر فيه ما يعتبر في غسل الميِّت من التغسيل مرة بالماء القراح واُخرى بماء السدر وثالثة بماء الكافور ، أو أنه كغسل التوبة حتى يغفر الله له ذنبه فلا يعتبر فيه الخليط ؟

   وهل يعتبر فيه أن يكون الغسل بأمر الامام أو نائبه أو لا يعتبر ذلك ؟ إلى غير ذلك من الخصوصيات .

    هل يشترط أمر الامام أو نائبه بالغسل ؟

   (1) وقع الكلام في أن الغسل من المرجوم والمقتص منه هل يشترط في صحّته الأمر به من الامام (عليه السلام) أو غيره ، أو لا يعتبر فيه الأمر بوجه ، وعلى تقدير اعتبار الأمر فهل الآمر هو الإمام أو نائبه أو لا يتعيّن ذلك في شخص ؟

ــ[386]ــ

   ذكر الماتن (قدس سره) أنه يغتسل بأمر الامام أو نائبه الخاص أو العام ، وذكر في آخر كلامه أنه لو اغتسل من غير أمر الامام أو نائبه كفى ، فكأنه يرى أن الأمر واجب نفسي لا شرط في صحة الاغتسال .

   واستدلّ على ذلك بأن غسل الميِّت واجب كفائي على المسلمين ، وحيث إن المرجوم أو المقتص منه يباشر بنفسه ذلك الواجب على المسلمين ، مع أنه لا بدّ من أن يصدر من المسلمين فاعتبر صدوره منهم بالتسبيب والأمر به .

   وبعبارة اُخرى : إن الواجب على المسلمين هو المباشرة لتغسيل الميِّت كما في غير المرجوم والمقتص منه ، وبما أن المباشرة لا يمكنهم فيهما لأنهما يتصديان له بنفسهما فاعتبر صدور التغسيل الواجب منهم بالأمر به والتسبيب إليه .

   وهذا الوجه وإن ذكره صاحب الجـواهر (قدس سره) (1) إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأن وجوب التغسيل كفاية على المسلمين إنما استفدناه من الروايات الدالّة على وجوب تغسيل الأموات ، وهي كما ترى مختصة بالميت، والمرجوم والمقتص منه حيان فلا مقتضي ولا سبب لتوهّم الوجوب الكفائي في مثلهما ليقال : إن المباشرة لما كانت من المرجوم والمقتص منه فاعتبر من المسلمين الاصدار بالتسبيب بالأمر به ، هذا .

   وقد يقال : إن منشأ الوجوب الكفائي هو رواية مسمع كردين لدلالتها على أن المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ثم يرجمان فيصلّى عليهما فيدفنان ، والأمر في «يغسلان ويحنّطان»(2) متوجه إلى المسلمين وهما من باب التفعيل ، وحيث إن المباشرة غير ممكـنة لتصدي المرجوم والمرجومة لذلك فيعتبر منهم إصدار الغسل بالتسـبيب والأمر به .

   وهذا الوجه وإن كان لا بأس به إلاّ أن النسخة لم تثبت أنها «يغسلان ويحنطان»

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 4 : 99 .

(2) الوسائل 2 : 513 / أبواب غسل الميّت ب 17 ح 1 .

ــ[387]ــ

وإن رواها في الوسائل كذلك فان الشيخ (1) وصاحب الوافي(2) قد نقلا الرواية عن الكليني هكذا : «إنهما يغتسلان ويتحنطان» .

   وفي شهادة مثل الشيخ والفيض كفاية ، وإن كانت نسخة الكافي الموجودة كما رواه في الوسائل ولكنها غير ثابتة ، وغاية الأمر أن تصبح الرواية مجملة لعدم ثبوت شيء من النسختين ، هذا أولاً .

   وثانياً : أن المستند في المسألة ليس هو الرواية حتى نستدل بكلمة «يغسلان ويحنطان» وذلك لضعفها كما مر ، وإنما المدرك فيها هو الاشتهار وكونها مورداً للابتلاء فالدليل لبي ويقتصر فيه على المقدار المتيقن وهو الغسل فقط ، وأما اعتبار الأمر في ذلك شرطياً أو نفسياً فهو مندفع بأصل البراءة ، هذا كله في أصل اعتبار الأمر وعدمه .

   ثم على تقدير القول به فهل يعتبر أن يكون الأمر من الامام (عليه السلام) أو نائبه أو يكفي الأمر به من سائر المسلمين ؟

   الرواية مطلقة وليس فيها تقييد بكون الأمر من الامام ـ على تقدير دلالتها على اعتبار الأمر في الاغتسال ـ فلا دليل على هذا التقييد .

   وكون المتصدي للحد هو الامام (عليه السلام) أو نائبه لا ينافي جواز صدور الأمر بالاغتسال من غيره ، فيأمره غير الامام بالاغتسال والامام (عليه السلام) أو نائبه يقيم الحد ، لأن الحد لا يقيمه غير الامام أو نائبه ، فعلى ذلك فاشتراط الأمر بالاغتسال مبني على الاحتياط خروجاً عن مخالفة من اعتبره في الاغتسال وإن لم يكن معتبراً كما مرّ .

   ثم إن محل البحث في المقام هو اعتبار الأمر في خصوص غسل المرجوم والمقتص منه بما هو غسل صادر منهما ، وأما وجوب الأمر به من باب تبليغ الأحكام لجهالة المرجوم والمقتص منه أو من باب الأمر بالمعروف فهو مما لا إشكال فيه ، إلاّ أنه أمر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 1 : 334 / 978 .

(2) الوافي 24 : 350 /  أبواب التجهيز ب 63 ح 9 . إلاّ أنّ فيه «... ويحنّطان» .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net