جواز إتيان الصلاة في جميع الأوقات - استحباب التعجيل بالصلاة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6083

 

   [ 987 ] مسألة 19 : يجوز الصلاة على الميِّت في جميع الأوقات بلا كراهة حتى في الأوقات التي يكره النافلة فيها عند المشهور (2) من غير فرق بين أن يكون الصلاة على الميِّت واجبة أو مستحبة .

ــــــــــــــــــــــــــــ
    لا تحديد لصلاة الجنازة من حيث الأوقات

   (2) لأنها ليست بصلاة ذات ركوع وسجود وإنما هي دعاء ولا وقت معين للدعاء ولا يكره في شيء من الأوقات ، هذا بحسب القاعدة .

   وأما بحسب الأخبار فقد ورد ذلك في جملة من الروايات :

   منها : ما عن عبدالله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين تطلع ، إنما هو استغفار» (1) .

   ومنها : ما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «يصلى على الجنازة في كل ساعة ، إنها ليست بصلاة ركوع وسجود ، وإنما يكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان» (2) .

   وهما روايتان معتبرتان . ويأتي إن شاء الله في مبحث الصلاة(3) معنى قوله (عليه السلام) : «تغرب بين قرني شيطان وتطلع ...» .

   ومنها : موثقة الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد عن أبان عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) هل يمنعك شيء من هذه الساعات عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 108 / أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 1 .

(2) الوسائل 3 : 108 / أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2 .

(3) ضمن المسألة [ 1208 ] الخامس .

 
 

ــ[281]ــ

   [ 988 ] مسألة 20 : يستحب المبادرة إلى الصلاة على الميِّت وإن كان في وقت فضيلة ((1)) الفريضة ، ولكن لا يبعد ترجيح تقديم وقت الفضيلة مع ضيقه (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصلاة على الجنائز ؟ فقال : لا» (2) .

   ومنها : ما رواه الصدوق في العيون والعلل باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال : «إنما جوزنا الصلاة على الميِّت قبل المغرب ...»(3) .

   نعم ورد في رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «تكره الصلاة على الجنائز حين تصفر الشمس وحين تطلع» (4) . وحملها الشيخ على التقية (5) ، وحملها بعض على الكراهة وأقلية الثواب ، إلاّ أنها ضعيفة السند بوجود القاسم بن محمد الجوهري في طريقها فلا تعارض الأخبار المعتبرة المتقدمة ، ولا نحتاج إلى حملها على التقية أو الكراهة أو نحوهما .

    استحباب المبادرة إلى صلاة الجنازة

   (1) ورد في هذه المسألة روايات :

   منها : ما رواه هارون بن حمزة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميِّت إلاّ أن يكون الميِّت مبطوناً أو نفساء أو نحو ذلك» (6) أي يخاف عليه من الفساد بوجه ما . وهي ضعيفة بيزيد بن إسحاق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) استحباب تقديمها على الفريضة في وقت فضيلتها وعلى القضاء لا يخلو من إشكال .

(2) الوسائل 3 : 109 / أبواب صلاة الجنازة  ب 20 ح 3 .

(3) الوسائل 3 : 109 / أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 4 ،  عيون أخبار الرضا : 2 : 115 ، علل الشرائع : 268 / 9 .

(4) الوسائل 3 : 109 / أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 5 . والقاسم بن محمد الجوهري موجود في أسناد كامل الزيارات ، ولأجله عدل (دام ظله) في [ المعجم 15 : 51 ] عما أفاده في المقام وبنى على وثاقة الرجل .

(5) التهذيب 3 : 321 / 1000 .

(6) الوسائل 3 : 123 / أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 1 .

ــ[282]ــ

شعر ، اللّهمّ إلاّ أن نعتمد على توثيق العلاّمة (1) ونحن لا نعتمد عليه (2) .

   ومنها : ما عن جابر قال «قلت لأبي الحسن (جعفر) (عليه السلام) : إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ ؟ فقال : عجل الميِّت إلى قبره إلاّ أن تخاف أن تفوت وقت الفريضة ، ولا تنتظر بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها» (3) وهي ضعيفة السند بعمرو بن شمر .

   ومنها : ما عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن صلاة الجنائز إذا احمرت الشمس ـ أي عند الغروب لبقاء الحمرة حينئذ ـ أتصلح أو لا ؟ قال : لا صلاة في وقت صلاة ، وقال : إذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنائز» (4) . وهي ضعيفة السند من جهة عدم اعتمادنا على طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى كما تقدم غير مرة أو من جهة عبدالله بن الحسن في طريقها الثاني .

   وهي تدل على أن صلاة الميِّت متأخرة عن فريضة الوقت ، ومن هنا يظهر أن ما ذكره في المتن من أنه لا يبعد ترجيح تقديم وقت الفضيلة مع ضيقه ، ممّا لا دليل عليه .

   والوجه في عدم الاعتماد على طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى هو أن طريق الشيخ إلى نوادر أحمد بن محمد بن عيسى وإن كان صحيحاً إلاّ أنه ذكر في المشيخة (5) طرقه إلى أحمد بن محمد بن عيسى متقسطة حيث قال : ومن جملة ما رويته عن أحمد بن محمد بن عيسى بهذا السند . وهو طريق صحيح ، ثم قال : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمد بن عيسى ما رويته بهذا الإسناد عن محمد بن علي ابن محبوب عن أحمد بن محمد . ومراده بهذا الإسناد ما ذكره قبل ذلك بلا فصل : وما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) خلاصة الأقوال : 295 / 1098 .

(2) عدل (دام ظله) عن ذلك في [ المعجم 21 : 115 ] وبنى على وثاقة الرجل لوجوده في أسناد كامل الزيارات .

(3) الوسائل 3 : 124 / أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 2 .

(4) الوسائل 3 : 124 / أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 3 .

(5) التهذيب 10 (المشيخة) : 42 ، 72 ، وطريقه إلى النوادر في ص 74 .

ــ[283]ــ

ذكرته في هذا الكتاب عن محمد بن علي بن محبوب فقد أخبرني به الحسين بن عبيدالله ـ يعني الغضائري ـ عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن أبيه محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن محبوب .

   وحيث إنه طريق ضعيف ، لعدم توثيق أحمد بن محمد بن يحيى ـ وإن كان من الأجلاء  ـ ومن ثمة نتعامل معه معاملة الضعيف فلا يمكننا الاعتماد على ما يرويه الشيخ عن أحمد بن محمد بن عيسى ، لاحتمال أن يكون ما يرويه عن الرجل هو ما رواه عنه بطريقه الضعيف .

   إلاّ أ نّا راجعنا الفهرست(1) فوجدنا أن للشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب طرقاً ثلاثة :

   أحدها : ما قدّمنا نقله عن المشيخة بعينه ، وهو ضعيف .

   وثانيها : ما ذكره بقوله : وأخبرنا بها ـ أي بجميع كتبه ورواياته ـ أيضاً جماعة عن أبي المفضل عن ابن بطة عنه . وهذا أيضاً ضعيف بأبي المفضل .

   وثالثها : ما ذكره بقوله : وأخبرنا بها أيضاً جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس عنه . وهذا طريق صحيح ، وبهذا نبني على صحّة طريق الشيخ إلى كل من محمد بن علي بن محبوب وأحمد بن محمد بن عيسى ونحكم بصحّة الرواية في المقام ، كما عبّر عنها بالصحيحة صاحب الحدائق(2) وغيره . وهي تدل على أن صلاة الميِّت إنما هي متأخرة عن فريضة الوقت ، هذا كلّه في مزاحمة صلاة الميِّت مع فضيلة الوقت .

   وأما إذا زاحمت النافلة فذكر الماتن (قدس سره) أولوية تقديمها على النافلة ، لكنه إن أراد من النافلة النوافل المبتدأة فلا إشـكال في أنها نافلة مستحبة وصلاة الميِّت فريضة واجبة فتتقدّم عليها ، لأن الفريضة تتقدم على النافلة . وإن أراد منها النوافل المرتبة اليومية فلا وجه للحكم بتقديم صلاة الميِّت عليها لأنها متقدِّمة على الفرائض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفهرست : 145 / 623 .

(2) الحدائق 10 : 477 .

ــ[284]ــ

وقد ورد إنما جعل الذراع والذراعان لمكان النافلة ، وقد بينا أن الفريضة تتقدّم على صلاة الميِّت ومعه تكون النافلة المقدمة على الفريضة مقدمة على صلاة الميِّت أيضاً .

   وأمّا تقديمها على قضاء الفريضة فقد ذكر الماتن (قدس سره) أولوية تقديمها على القضاء . ولا وجه له ، لأن كلاً منهما فريضة واجبة لا وجه لأولوية تقديم إحداهما على الاُخرى ، وكلامنا في سعة الوقت طبعاً من كلا الصلاتين .

   بل يمكن القول بتقدّم القضاء على صلاة الميِّت ، لأن القضاء في سعة الوقت يتقدم على فريضة الوقت وهي متقدمة على صلاة الميِّت ، والمتقدم على المتقدم على شيء متقدم على ذلك الشيء .

   وأمّا إذا زاحمت صلاة الميِّت مع الفريضة فهذه على وجوه ثلاثة :

   الأوّل : أن يضيق وقت صلاة الميِّت دون الفريضة لحرارة الهواء أو للخوف من العدو أو لغير ذلك من الوجوه . ولا إشكال في تقدم صلاة الميِّت على الفريضة حينئذ .

   الثاني : أن يضيق وقت الفريضة دون صلاة الميِّت . ولا إشكال في تقدم الفريضة على صلاة الميِّت حينئذ .

   الثالث : ما إذا كان الضيق من الناحيتين لأن الجنازة لو تأخّرت تلاشـت مثلاً والفريضة لو تأخرت ذهب وقتها . وفي هذه الصورة قد يفرض التزاحم بين الفريضة وصلاة الميِّت دون الدّفن ، لإمكانه في أي وقت اُريد الدّفن أو أن غيره يدفن وهو يشتغل بالفريضة . واُخرى يفرض التزاحم بين الفريضة والدّفن .

   أمّا الفرض الأوّل : فان تمكّن من إدراك ركعة واحدة من الفريضة في وقتها قدم صلاة الميِّت ، فانّ مَن أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله .

   وأمّا إذا لم يتمكن من ذلك فيقع التزاحم بين الصلاة على الميِّت والأجزاء الاختيارية من الصلاة دون الأجزاء الاضطرارية منها بأن يومئ للركوع والسجود ويترك السورة وهكذا ، فيتعـيّن تقديم الصلاة على الميِّت ويكتفى بالأجـزاء الاضطرارية من الصلاة لأنه مضطر إلى ترك الركوع والسجود ، وإلى الإيماء لهما من جهة عدم إمكان التأخير في صلاة الميِّت .

ــ[285]ــ

كما أن الأولى تقديمها على النافلة وعلى قضاء الفريضة ويجب تقديمها على الفريضة فضلاً عن النافلة في سعة الوقت إذا خيف على الميِّت من الفساد ، ويجب تأخيرها عن الفريضة مع ضيق وقتها وعدم الخوف على الميِّت ، وإذا خيف عليه مع ضيق وقت الفريضة تقدم الفريضة ويصلى عليه بعد الدّفن ، وإذا خيف عليه من تأخير الدّفن مع ضيق وقت الفريضة يقدم الدّفن وتقضى الفريضة ((1)) ، وإن أمكن أن يصلِّي الفريضة مومئاً صلّى ولكن لا يترك القضاء أيضاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   نعم ذكر الماتن (قدس سره) أنه يقضي الصلاة خارج الوقت ، ولكنه أمر لا ملزم له وإن كان أحوط ، وهذا فيما إذا كانت المزاحمة بين أصل صلاة الميِّت وبين الفريضة .

   وأما إذا كانت المزاحمة بين الفريضة وبين الصلاة على الميِّت قبل دفنه ـ لا أصلها ـ فالمزاحمة حينئذ إنما هي بين الأجزاء الاختيارية من الصلاة وبين شرط صلاة الميِّت وهو أن يكون قبل الدّفن ، ومعه لا يمكن الحكم بتقديم صلاة الميِّت وشرطها على الفريضة ، بل الأجزاء الاختيارية من الفريضة مقدمة على شرط صلاة الميِّت لأهميتها ، لأنها عماد الدين ومعه يتعيّن الصلاة على قبره بعد دفنه .

   وأمّا إذا فرضنا أن ذلك غير ممكن أيضاً : إمّا أن يصلِّي على الميِّت وإما أن يأتي بالفريضة، فلا مناص من تقديم الفريضة ودفن الميِّت ثم الصلاة على قبره ، فان فريضة الصلاة من أركان الدين ومما بني عليه الإسلام وهي عماد الدين فلا يتقدم عليها مثل صلاة الميِّت ، هذا كله إذا كان التزاحم بين صلاة الميِّت وصلاة الفريضة .

   وأما الفرض الثاني : وهو التزاحم بين الفريضة والدّفن لأن الجنازة لو تأخّرت أكلتها السباع أو سرقت أو غرقت أو اُحرقت أو نحو ذلك ، والفريضة لو تأخرت انقضى وقتها ، فيأتي فيه ما تقدم في الفرض الأوّل ، أي أنه إن تمكن من إدراك ركعة واحدة من الفريضة في وقتها وجب تقديم الدّفن ، لأن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في إطلاقه إشكال بل منع .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net