حكاية طهارة المضاف النجس باتصاله بكر أو مطر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7059


   وقد حكي عن العلاّمة (قدس سره) أ نّها كما تطهر بهما تطهر بأمر ثالث أيضاً ، وهو اتصالها بما له الاعصام من كر أو مطر ونحوهما ، ولم نعثر على من يوافقه في ذلك من الأصحاب ، كما لم يقم دليل على مدعاه فإن الآيات المتقدمة قد عرفت عدم دلالتها على مطهرية الماء من الأخباث شرعاً ، وعلى تقدير دلالتها على ذلك لا تعرض لها على كيفية التطهير كما مرّ .

   وأمّا الروايات فلا دلالة فيها أيضاً على مدعاه . أمّا ما ورد من «أن الله وسّع عليكم

ــ[47]ــ

بجعل الماء طهوراً فإن بني إسرائيل ...» (1) فلأ نّها لو دلّت على أن الماء مطهّر من الأخباث فلا تدل على كيفية التطهير بالماء ، إذ لا تعرض فيها لذلك بوجه . وأمّا قوله (عليه السلام) الماء يطهّر ولا يطهر (2) فلأ نّه إنّما يدل على أن الماء طهور ، وأمّا أ نّه مطهر لأي شيء أو بأية كيفية فلا ، وهو نظير أن يقال : إن الله سبحانه يرزق ولا يُرزق فإنّه يدل على اسـتناد الرزق إلى الله تعالى وأمّا أ نّه يرزق أي شيء ، بنتاً أو إبناً أو مالاً وأن رزقه على نسق واحد ، فلا يمكن استفادته منه بوجه لامكان اختلافه حسب اختلاف الموارد كما هو الواقع .

   نعم ، يمكن الاستدلال على ما ذهب إليه العلاّمة بما رواه هو (قدس سره) في مختلفه مرسلاً عن بعض علماء الشيعة عن أبي جعفر (عليه السلام) من أ نّه أشار إلى غدير ماء وقال : إن هذا لا يصيب شيئاً إلاّ وطهّره (3) كما استدلّ بها على كفاية مجرد الاتصال بالكر في تطهير القليل كما يأتي في محلّه .

   وبمرسلة الكاهلي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث «.... أن كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر» (4) والاستدلال بهما مع ما فيهما من الارسال يتوقف على حمل الاصابة والرؤية فيهما على مفهومهما العرفي ، ولا نحملهما على معنى آخر بقرينة حالية أو مقالية حتى ولو كانت هي المناسبة بين الحكم وموضوعه ، وحينئذ يمكن أن يقال : المضاف المتصل بالكر أو المطر مما أصابه الكر أو رآه المطر .

   إلاّ أن ابقاءهما على معناهما العرفي غير ممكن لاستلزامه القول بطهارة مثل الخشب ، فيما إذا كان كلا طرفيه نجساً واتصل أحدهما بالكر أو المطر دون الآخر ، أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي صحيحة داود بن فرقد المروية في الوسائل 1 : 133 / أبواب الماء المطلق ب 1 ح 4 .

(2) المصدر السابق ح 6 .

(3) المختلف 1 : 15 ذكر بعض علماء الشيعة : أ نّه كان بالمدينة رجل يدخل إلى أبي جعفر محمد ابن عليّ (عليهما السلام) وكان في طريقه ماء فيه العذرة والجيف ، وكان يأمر الغلام يحمل كوزاً من ماء يغسل رجله إذا أصابه فأبصره يوماً أبو جعفر (عليه السلام) فقال : إن هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهّره فلا تعد منه غسلاً .

(4) الوسائل 1 : 146 / أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5 .

ــ[48]ــ

كان المتنجس أحد طرفيه خاصة واتصل طرفه الطاهر بالكر أو المطر دون الطرف المتنجس ، حيث يصح أن يقال عرفاً إنه مما أصابه الماء أو رآه المطر ، مع أ نّه لا وجه لطهارة الطرف الآخر الذي لم يلاقه الماء أو المطر ، وهل يطهر المتنجس من دون أن يلاقي شيئاً من المطهرات ؟ فدعوى أن الماء أو المطر إذا أصابا السطح العالي من المضاف يحكم بطهارة السطح السافل منه أمر لا وجه له ، وعليه فلا بدّ بملاحظة المناسبة بين الحكم وموضوعه من حمل الاصابة والرؤية في المرسلتين على معناهما التحقيقي دون العرفي المسامحي ، وأن إصابة كل موضع من الأجسام المتنجسة للماء أو رؤية المطر له إنّما توجب طهارة ذلك الموضع بخصوصه ، دون الموضع الذي لم يصبه الماء أو لم يره المطر ، هذا كلّه في المضاف .

   وأمّا الماء المتنجس فهو وإن التزمنا بطهارته بمجرد الاتصال بالعاصم كراً كان أو مطراً ، ولا نعتبر في تطهيره ملاقاة العاصم بجميع أجزائه ، إلاّ أ نّه إما من جهة الاجماع ولا اجماع في المضاف لاختصاصه بالماء ، وإما من جهة صحيحة ابن بزيع (1) الدالّة على طهارة ماء البئر بعد ذهاب تغيره معللاً بأن له مادة ، لأن العلّة متحققة في غير البئر أيضاً ، كما يأتي تفصيله في محلّه ، واختصاصها بالماء ظاهر .

   وقد تبيّن أن ما ادعاه العلاّمة في المقام مما لم يقم عليه دليل ، فطريق تطهير المضاف منحصر بالتصعيد واستهلاكه في ماء معتصم .

   ثم إن في المقام عنوانين : أحدهما : المضاف وثانيهما : التغير . وأحكام التغير وإن كانت تأتي في محلّها على وجه البسط إن شاء الله إلاّ أ نّا نشير إلى بعضها في المقام على وجه الاختصار فنقول :

   تارة : يمتزج المضاف النجس بالمطلق المعتصم ويستهلك فيه ، بمعنى أ نّه ينعدم في المطلق بنفسه ووصفه من غير أن يؤثر فيه شيئاً بل هو باق على إطلاقه ، غير أ نّه كان منّاً مثلاً قبل الامتزاج ، وقد زاد على وزنه بذلك فصار منّاً وزيادة ، ومثل هذا الماء لا إشكال في طهارته لا من جهة طهارة المضاف النجس بالامتزاج ، بل من جهة ارتفاع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 141 / أبواب الماء المطلق ب 3 ح 12 و ص 1 : 172 ب 14 ح  6 .

ــ[49]ــ

   [ 79 ] مسألة 7 : إذا اُلقي المضاف النجس في الكر  فخرج عن الاطلاق إلى الاضافة تنجس إن صار مضافاً قبل الاستهلاك ، وإن حصل الاستهلاك والاضافة دفعة لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه ، لكنّه مشكل ((1)) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 الموضوع إذ لا وجود للمضاف النجس أصلاً، والماء مطلق معتصم تشمله الاطلاقات. ومن هنا يظهر أن قولنا : يطهر المضاف النجس بالاستهلاك مبني على المسامحة فإنّه لا مضاف حتى يطهر .

   واُخرى : يمتزج المضاف بالمطلق ويستهلك فيه أيضاً ولكنه بنفسه لا بوصفه فيحدث أثراً في لون المطلق أو طعمه أو غير ذلك من التغيرات . وهل هذا يوجب تنجس المطلق بتغيره بأوصاف المتنجس أو لا يوجبه ؟ فيه وجهان مبنيان على ما  يأتي في محلّه من أن التغير يقتضي نجاسة الماء مطلقاً أو أ نّها تختص بالتغير بأوصاف النجس ، وأمّا التغير بالمتنجس فلا دليل على كونه موجباً للنجاسة ، ويأتي منّا في محلّه إن شاء الله تعالى أن الثاني هو الصحيح ، وعليه فلا يكون تأثير المضاف في تغيّر المطلق موجباً لانفعاله بعد وضوح أن التغير غير الاضافة ، وهي لا تحصل بالتغيّر وإنّما يحدث التغير أثراً في وصف المطلق ، لا أ نّه يسبب الاضافة كما نشاهده في ماء الشط فإن لونه متغيّر بالوحل مع انه مطلق ، ولا يعد من المضاف . وستعرف ان التغير بأوصاف غير النجس لا يوجب التنجيس .

   وثالثة : يمتزج المضاف بالمطلق ، ويستهلك الماء في المضاف على عكس الصورتين المتقدمتين ، ولا كلام في انفعال الماء في هذه الصورة ، لأ نّه مضاف وقد لاقى نجساً فيتنجس لا محالة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net