إلقاء المضاف النجس في الكر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7554


    إلقاء المضاف النجس في الكر

   (1) قد خص الكلام بالكر وهو المعتصم بنفسه ولم يعممـه إلى المعتصم بمادته

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أنّ يحكم بنجاسته على تقدير إمكان الفرض ، لكن الأظهر استحالته كما يستحيل الفرض الأول .

ــ[50]ــ

كالجاري وإن عممه إليه في الفرع المتقدم ، حيث قال : وبالاستهلاك في الكر والجاري وسيتضح وجه تخصيصه هذا في طي تفاصيل الصور إن شاء الله تعالى .

   ثم إن للمسألة صوراً ثلاثاً لم يتعرض الماتن لإحداها :

   الصورة الاُولى : ما إذا حصل الاستهلاك قبل الإضافة بأن يستهلك المضاف في الكر أوّلاً ثم يوجب إضافته ثانياً بعد مدّة وزمان ، وتصوير ذلك من الوضوح بمكان كما إذا مزجنا نصف مثقال من النشاء في مقدار قليل من الماء ، فإنّه يستهلك في الماء حين امتزاجهما ، ثم إذا أوصلنا إليه حرارة يتثخن بذلك وينقلب الماء مضافاً ، وهذه الصورة هي التي لم يتعرض السيد (قدس سره) لحكمها ، ولعلّه من أجل وضوح المسألة حيث لا موجب للحكم بالنجاسة في مفروض الكلام ، فإن المضاف النجس بعد ملاقاته الكر وقبل انقلاب الكر مضافاً قد حكم عليه بالطهارة لاستهلاكه في الكر ، فإذا انقلب الكر إلى الإضافة فهو ماء مضاف لم يلاق نجساً ، فلا وجه للحكم بنجاسته .

   الصورة الثانية : ما إذا حصلت الإضافة قبل الاستهلاك على عكس الصورة المتقدمة ، وقد حكم في المتن بنجاسة الكر في هذه الصورة لأ نّه خرج عن الاطلاق إلى الإضافة حين ملاقاته للمضاف النجس ، وغير المطلق ينفعل بملاقاة النجاسة ولو كان بمقدار كر وهو ظاهر ، ولا ينفع استهلاك المضاف بعد ذلك إذ لم يرد عليه مطهر شرعي بعد نجاسته ، وخروج الماء من الإضافة إلى الاطلاق ليس من أحد المطهرات شرعاً فهو ماء مطلق محكوم بالنجاسة على كل حال .

   الصورة الثالثة : ما إذا حصلت الإضافة والاستهلاك في زمان واحد معاً وذكر في المتن أن الحكم بطهارة الماء حينئذ لا يخلو عن وجه ولكنه مشكل ، والوجه الذي أشار إليه هو أن الماء في حال الملاقاة وقبل استهلاك المضاف فيه ماء مطلق معتصم فلا وجه لانفعاله ، وأمّا بعد استهلاك المضاف فيه المساوق لانقلاب المطلق مضافاً فلا مضاف نجس حتى يلاقي الماء وينجسه لاستهلاكه في المطلق على الفرض ، هذا .

   وقد أورد عليه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في هامش العروة بأن المضاف في كلا الشقين يستحيل أن يستهلك في الماء الملقى عليه وذكرنا نحن أيضاً في تعليقتنا على

ــ[51]ــ

الكتاب أن الصورة الثانية كالثالثة غير معقولة ، ثم على تقدير إمكان الصورتين فالماء محكوم بالنجاسة دون الطهارة .

   فلنا في المقام دعويان إحداهما : أن الصورتين مستحيلتان ، وثانيتهما : أن الحكم فيهما على تقدير إمكانهما هو النجاسة دون الطهارة .

   وقبل الشروع في إثبات الدعويين ينبغي أن يعلم أن مفروض كلام السيد (قدس سره) هو صورة ملاقاة المضاف النجس للماء الذي هو بمقدار الكر خاصة ، لا ما يزيد عليه ولا الجاري ولا غيرهما مما له مادة أو ما في حكمها مما يعتصم به على تقدير انفعاله ، وذلك لأن الماء إذا كان أكثر من كر واحد وحصلت الإضافة في مقدار منه بحيث كان غير المتغير كراً فلا يبقى وجه للحكم بالانفعال في الجميع ، فإن غير المقدار المضاف منه باق على طهارته وهذا ظاهر . نعم ، المقدار المتغير منه محكوم بالنجاسة ما  دام متغيراً فإذا زال عنه تغيره بنفسه نحكم عليه بالطهارة لاتصاله بالكر . وقد دلتنا على ذلك صحيحة ابن بزيع الواردة في البئر(1) ، لدلالتها على أن ماء البئر إذا تغير ينزح حتى يذهب ريحه ويطيب طعمه ، وانّه يطهر بذلك معللاً بأن له مادة ، والعلّة المذكورة متحققة في المقام أيضاً ، ولأجل هذا لم يضف (قدس سره) الجاري على الكر في عنوان المسألة كما أضافه عليه في الفرع المتقدم على هذا الفرع . وإذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ما كنّا بصدده فنقول :

   أمّا الصورة الاُولى : وهي ما إذا استهلك المضاف في الماء ولم يوجب إضافته بالفعل وإنّما صار سبباً لصيرورته مضافاً بعد زمان ، فلا إشكال في معقوليتها وإمكانها ، وأن حكمها هو الطهارة وسيأتي نظيره في أحكام التغير فيما إذا لاقت النجاسة ماء ولم تغيره حين ملاقاته وإنّما أوجبت تغيره بعد مضي زمان .

   وأمّا الصورة الثالثة : فهي كما أشرنا إليه غير معقولة ، بيان ذلك : أن المراد بالاستهلاك هو انعدام المستهلك إنعداماً عرفياً ، على نحو يعد المركب من المضاف والماء شيئاً واحداً عرفاً فكأن المضاف لا وجود له أصلاً ، لاندكاكه في ضمن المطلق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 141 / أبواب الماء المطلق ب 3 ح 12 ، وفي ص 172 ب  14 ح 6 .

ــ[52]ــ

إذا كان قليلاً بالاضافة إلى الماء بحيث لا يقال إن المركب منهما شيئان ، ومن هنا لو باع حليباً مزجه بشيء من الماء فليس للمشتري دعوى بطلان المعاملة ، وأن المبيع ليس بحليب بل حليب وغير حليب والوجه فيه : أن الماء بعد استهلاكه واندماجه في الحليب يعد المركب منهما شيئاً واحداً . نعم ، يثبت للمشتري في المثال خيار تخلف الشرط وهو أمر آخر ، ولو لا ما ذكرناه لبطل أغلب البيوع ، فإن المبيع كالخبز والسمن وأمثالهما يختلط بشيء آخر غالباً ولو بمثقال من تراب أو مقدار من الدردي والمفروض أ نّه يوجب تعدّد المركّب وبه تفسد البيوع ، مع أن صحة المعاملة في مثلهما ليست مورداً للخلاف ، ولا وجه له إلاّ أن المركب من الدقيق والتراب أو السمن والدردي شيء واحد عرفاً من جهة الاستهلاك والاندماج ، وإن كان لا يخرج بذلك عن التعدّد عقلاً والتركب من جزئين واقعاً ولكنهما شيء واحد عرفاً كما مرّ ، وليس ذلك من جهة التسامحات العرفية في التطبيق وإنّما هو ـ  كما ذكرناه في محلّه  ـ من جهة سعة المفهوم عندهم على نحو يعم الماء المختلط بمقدار يسير من التراب ، أو السمن الممتزج بشيء قليل من الدردي وهكذا ... فإذا تبينت ذلك فنقول :

   إن ملاقاة المضاف للمطلق لا يخلو عن إحدى صور ثلاث لا رابع لها :

   الاُولى : أن يستهلك المضاف في المطلق لكثرته وقلّة المضاف على وجه يراهما العرف ماء واحداً ، ولا يكون بنظرهم مركباً من ماء ومضاف ، ولا تأمّل في مثله في الحكم بطهارة الماء ، إذ لا وجود للمضاف والمفروض أن الماء عاصم لا ينفعل بشيء .

   الثانية : أن يستهلك المطلق في المضاف لكثرته وقلة المطلق ، وفي هذه الصورة أيضاً لا إشكال في الحكم بنجاسة الماء وانفعاله لأ نّه مضاف ولو كان ذلك بضرب من المسامحة ، إذ لا وجود حينئذ للمطلق حتى ينفعل فإنّه انعدم في المضاف عرفاً .

   الثالثة : أن لا يستهلك شيء منهما في الآخر لتوازنهما في الكثرة والقلة وعدم غلبة أحدهما على الآخر بحيث يراهما العرف شيئين ، وربّما يولد اجتماعهما أمراً ثالثاً نظير اجتماع الخل والسكر في السكنجبين ، والماء في هذه الصورة أيضاً محكوم بالنجاسة إذ لا يطلق عليه الماء ، لأن الفرض عدم استهلاك المضاف في الماء وتعددهما بالنظر العرفي ، فإذا لم يكن مطلقاً فهو مضاف لا محالة غاية الأمر لا بمرتبة عالية منه تستهلك

ــ[53]ــ

المطلق ، بل بمرتبة نازلة من ذلك وملاقاة مثله للنجس توجب الانفعال ، وهذه الصور هي التي نتعقلها في المقام ولا نتعقل صورة رابعة لها بأن يفرض حصول كل من الاستهلاك والإضافة في زمان واحد معاً ، والوجه في استحالتها أن فرض استهلاك المضاف في المطلق فرض أن المضاف لا وجود له مع المطلق عرفاً كما عرفت في معنى الاستهلاك . وفرض حصول الإضافة أن العرف لا يرى للمطلق وجوداً وانّه عندهم مضاف ، وهما أمران لا يجتمعان ففرض الاستهلاك والإضافة معاً خلف ظاهر .

   فإذا عرفت استحالة هذه الصورة وأن فرض الاستهلاك فرض عدم حصول الإضافة وفرض الإضافة فرض عدم حصول الاستهلاك ، تظهر لك استحالة الصورة الثانية أيضاً وذلك لأ نّا إذا فرضنا خروج المطلق إلى الإضافة لغلبة المضاف ، فكيف يتصوّر إنقلابه إلى الاطلاق بعد ذلك بالاستهلاك إذ المطلق قد استهلك في المضاف ولا وجود له كما تقدم في معنى الاستهلاك ، وما لا وجود له كيف يتغلّب على المضاف ويقلبه إلى الاطلاق بالاستهلاك . نعم ، لا مانع من انقلاب المضاف مطلقاً على غير وجه الاستهلاك كما إذا اختلط الوحل بالماء وأوجب اضافته ، فإنّه إذا مضى عليه زمان تترسب الأجزاء الترابية وتنفك عن الماء لا محالة وبه ينقلب إلى الاطلاق ولكنّه لا بالاستهلاك كما لا يخفى ، هذا كلّه في الدعوى الاُولى واستحالة الصورتين .

   وأمّا الدعوى الثانية : وهي أ نّه على تقدير إمكان حصول الإضافة والاستهلاك معاً لا وجه لحكمه (قدس سره) بالطهارة ، فالوجه فيها أن مستند حكم الماتن بطهارة الماء حينذاك ، أن المطلق قبل ملاقاته للمضاف باق على إطلاقه واعتصامه ، وأمّا بعد ملاقاتهما وانقلاب المطلق مضافاً فلأ نّه وإن انقلب إلى الإضافة على الفرض إلاّ أ نّه بعد كونه كذلك لم يلاق مضافاً آخر نجساً حتى يحكم بنجاسته ، فالماء محكوم بالطهارة لا محالة .

   وهذا الذي اعتمد عليه الماتن في المقام لا يتم إلاّ بالالتزام بامكان أمر مستحيل ووقوعه ، وهو فرض ملاقاة المضاف النجس للمطلق بجميع أجزائه دفعة واحدة حقيقية ، بأن يلاقي كل جزء من المضاف لكل جزء من المطلق دفعة واحدة ويستهلك كل جزء منه في جزء من المضاف في آن واحد عقلي .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net