الأقسام المتصورة في النفس التي يخاف تلفها بالعطش لو توضأ بالماء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6814


ــ[134]ــ

   ومنها : موثقة سماعة المتقدِّمة ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلّته ؟ قال : يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء ، فان الله عزّ  وجلّ جعلهما طهوراً : الماء والصعيد» (1) .

   وهي موثقة سنداً وتامة دلالة من دون اختصاصها بما إذا خاف العطش على نفسه بل تعم جميع الموارد المذكورة في المتن ، وذلك لعدم تقييد خوف قلّة الماء بما إذا كان على نفسه أو ولده أو من يهمه أمره أو حيوانه أو صديقه أو غيره فيشمل كل مورد يخاف قلة الماء فيه .

   وقد يورد على الاستدلال بها بكونها ليست مطلقة وبصدد البيان ، وإلاّ لشملت ما إذا خاف قلة الماء لتنظيف بدنه وغسل ثيابه وظروفه مع أنه لا يحتمل في هذه الموارد الانتقال إلى التيمّم .

   ويدفعه : أن قوله : «ومعه من الماء ...» معناه أنه يستصحب معه الماء في سفره والماء معه ، ولم تجر العادة في أسفار العصور المتقدمة التي كانوا يسافرون فيها على الإبل والفرس والحمير على حمل الماء لغسل ظروفهم وتنظيف أبدانهم ، بل يستصحبون الماء لضروراتهم من الشرب والوضوء ونحوهما ، فالموثقـة لا تشمل إلاّ ما هو المعـتاد المتعارف في حملهم الماء عند الأسفار .

   هذا على أ نّا لو سلمنا شمول الموثقة لحمل الماء لأجل تنظيف أبدانهم وظروفهم ونحو ذلك فنخرج عن إطلاقها بالمقدار الذي نقطع بعدم مسوغيته للتيمم ويبقى غير المقطوع به مشمولاً لإطلاق الموثقة . فالمتحصل تطابق النصوص مع القاعدة .

    الأقسام المتصورة في المسألة :

   وحاصل ما أفاده الماتن (قدس سره) أن الأقسام في المقام ثلاثة :

   الأوّل : أن تكون النفس التي يحتمل طروء العطش لها ويسبب صرف الماء في الطهور تلفها نفساً واجبة الحفظ على المكلف لكونها محترمة ويحرم قتلها وإتلافها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 388 / أبواب التيمّم ب 25 ح 3 .

ــ[135]ــ

وأمّا الخوف على غير المحترم كالحربي والمرتد الفطري ومن وجب قتله في الشرع فلا يسوّغ التيمّم ، كما أن غير المحترم الذي لا يجب قتله بل يجوز كالكلب العقور والخنزير والذئب ونحـوها لا يوجبه وإن كان الظاهر جـوازه . ففي بعض صور خوف العطش يجب حفظ الماء وعدم استعماله كخوف تلف النفس أو الغير ممن يجب حفظه وكخوف حدوث مرض ونحوه ، وفي بعضها يجوز حفظه ولا يجب مثل تلف النفس المحترمة التي لا يجب حفظها وإن كان لا يجوز قتلها أيضاً ، وفي بعضها يحرم حفظه بل يجب استعماله في الوضوء أو الغسل كما في النفوس التي يجب إتلافها ففي الصورة الثالثة لا يجوز التيمّم ، وفي الثانية يجوز ، ويجوز الوضوء أو الغسل أيضاً ، وفي الاُولى يجب ولا يجوز الوضوء أو الغسل .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولا ينبغي الإشكال في وجوب استبقاء الماء لتلك النفس المحترمة وحفظها وانتقال وظيفته إلى التيمّم .

   الثاني : أن تكون النفس التي يخاف العطش عليها غير واجبة الحفظ . وهذه النفس قد تكون محترمة مثل الذمي الذي هو محترم النفس ، حيث لا يجوز قتله لكنه لا دليل على وجوب حفظ نفسه من التلف ، نعم حفظ نفسه جائز شرعاً . ومثل الحيوان المملوك حيث لا يجوز إتلافه من دون إذن المالك ، بل مع إذنه إذا كان الإتلاف على غير الوجه الشرعي في الذبح ، إلاّ أنه لا يجب حفظه وإنما هو جائز شرعاً . وقد لا تكون النفس محترمة كالذئب والكلب غير العقور والخنزير إذا لم يكن في معرض الإضرار بالمسلمين ، فانها أنفس لا يجب التحفظ عليها كما لا يحرم قتلها .

   وفي هذه الصورة حكم بالتخيير بين التيمّم لجواز أن يصرف في حفظ هذه الأنفس لجوازه شرعاً على الفرض ، بل قد يكون راجحاً لقوله (عليه السلام) : لكل كبد حرى أجر(1) ومعه يكون غير واجد الماء فيسوغ له التيمّم ، وبين الوضوء أو الغسل بالماء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 9 : 473 / أبواب الصدقة ب 49 ، وكذلك المستدرك 7 : 250 / أبواب الصدقة ب 45 ، حيث ذكر فيهما مضمون هذا القول .

ــ[136]ــ

لأنه لا يجب عليه إبقاء تلك النفوس ولا يجب عليه حفظها فيصدق عليه واجد الماء .

   الثالث : أن تكون النفس محرمة الحفظ مثل الكافر الحربي والمرتد الفطري والزاني بالمحرم واللّائط وأمثالهم ممن حكم الشرع عليهم بالقتل ، ومثل الكلب العقور المؤذي للمسلمين ونحوه ، فان حفظ هذه النفوس محرم شرعاً لكونها محكومة بالقتل .

   وفي هذا القسم حكم الماتن بوجوب الوضوء أو الغسل على المكلف ولم يسوغ له التيمّم لغرض استبقاء الماء لحفظ هذه النفوس من العطش ، لكونها نفوساً لا يجوز حفظها من الموت والتلف . هذا خلاصة ما أفاده الماتن في المقام .

   ولكن ممّا ذكرناه في الكبرى المتقدِّمة تظهر الخدشة فيما أفاده (قدس سره) في المقام .

   وتوضيحه : أن ما أفاده في القسم الأوّل مما لا شبهة فيه ، لأن حفظ النفس المحترمة واجب شرعاً ولا بدل له فيتقدم على وجوب الصلاة مع الطهارة المائية التي لها بدل وهو الصلاة مع التيمّم ، حيث يكون حفظ النفس معجزاً مولوياً للمكلف عن استعمال الماء ، ومع عدم التمكن من استعمال الماء شرعاً أو عقلاً ينتقل الأمر إلى التيمّم .

   وأمّا ما ذكره في القسم الثاني والثالث فلا يمكن المساعدة عليه : أما القسم الثاني الذي حكم فيه بالتخيير بين الطهارة المائية والترابية فلأن الجواز الطبعي لا ينافي الوجوب الفعلي لعارض كالتزاحم ، فان سقي الماء للذمي أو الدابة المملوكة أو الذئب مثلاً وإن كان سائغاً في نفسه وطبعه لكنه لما كان مزاحماً لوجوب الوضوء فعلاً لتحقق شرطه وهو التمكن من استعمال الماء شرعاً وعقلاً ـ أما عقلاً فواضح ، وأمّا شرعاً فلجواز صرف الماء في وضوئه وغسله وإن كان صرفه في سقي الذمي أو الدابة جائزاً في نفسه ـ فلا يجوز التيمّم وترك الطهارة المائية لسقي الماء للذمي ونحوه .

   وكذلك الحال إذا قلنا باستحباب السقي في بعض الموارد لقوله (عليه السلام) : «لكل كبد حرى أجر» (1) لأن الاستحباب لا يزاحم الوجوب ، ومع التمكّن من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدمت قريباً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net