تقديم الطهارة الخبثية على الحدثية لو لم يكف الماء إلا لإحداهما 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5675


ــ[143]ــ

كالوضوء أهم من مزاحمه ، غاية الأمر إذا لم يتمكن المكلف من الطهارة المائية انتقل إلى البدل وأمّا مع تمكّنه منها ـ كما في المقام ـ  فلا موجب للانتقال إلى البدل بوجه هذا .

   والذي ينبغي أن يقال : إن الواجب إذا لم يكن له بدل يتقدم على الواجب الآخر الذي له بدل ، وذلك لأ نّا نستكشف من جعل البدل لمثل الوضوء أو الغسل أن إيجابه ليس إيجاباً مطلقاً وإنما تعلق الأمر به مشروطاً بالقدرة عليه شرعاً ، لأ نّا ذكرنا أن المراد من الوجدان في الآية المباركة إنما عدم العذر المطلق ، فالأمر بالوضوء مشروط بأن لا يكون هناك أي عذر عند المكلف في تركه ، وإلاّ انتقل الأمر إلى بدله وهو التيمّم .

   وحيث إن الواجب الذي لا بدل له مطلق وغير مشروط بالقدرة الشرعية فلا مناص من أن يتقدم على ما له البدل ، فانه حينئذ معجز مولوي وعذر شرعي موجب لسلب قدرة المكلف على الوضوء فينتقل معه إلى التيمّم. هذا كلّه بحسب كبرى المسألة.

   المقام الثاني: بحسب الصغرى، أي تطبيقها على الطهارة الحدثية والخبثية. وللمناقشة فيما ذكروه مجال واسع ، وذلك لأن الأمر بالطهارة الخبثية ليس أمراً نفسـيّاً وليست الطهارتان  واجبتين نفسيتين ليلاحظ التزاحم بينهما، بل وجوبهما وجوب ضمني شرطي فمعنى وجوب الوضوء أو الغسل هو أن الشارع أمر بالصلاة عن طهارة مائية ، كما أن معنى الأمر بازالة الخبث عن الثوب والبدن هو أن الشارع أوجب الصلاة مع طهارة البدن والثياب .

   إذن فالتزاحم بين الأمر بالصلاة مع الطهارة المائية وبين الأمر بالصلاة مع الطهارة الخبثية ، ولكل واحد منهما بدل ، فالصلاة مع التيمّم بدل الصلاة عن طهارة مائية والصلاة عارياً أو في البدن أو الثوب المتنجس ـ كما هو المختار ـ هي بدل عن الصلاة مع طهارة البدن والثوب من الخبث . إذن لا وجه للحكم بتقدّم أحدهما على الآخر بل المكلف يتخيّر بينهما ، هذا .

ــ[144]ــ

    عدم معقولية التزاحم في غير النفسيين

   والتحقيق أن أمثال الوضوء أو الغسل والطهارة من الخبث خارجة عن باب التزاحم بالكلية ، وذلك لأن التزاحم إنما يقع بين التكليفين النفسيين إذا لم يتمكن المكلف من امتثالهما معاً ، وأما التكليف الواحد إذا دار الأمر فيه بين ترك جزء أو جزء آخر أو بين شرط أو شرط آخر فهو خارج عن باب التزاحم ، لأن مقتضى القاعدة في مثله سقوط التكليف رأساً لعدم تمكن المكلف من شرط الواجب أو جزئه .

   إلاّ أ نّا في الصلاة لما علمنا أنها لا تسقط بحال علمنا أن الشارع قد جعل أمره بالصلاة في حق المكلف إما مقيداً بالطهارة الحدثية المائية وإما مقيداً بالطهارة الخبثية ولا يمكنه جعلها مقيدة بكلتيهما ، فالمجعول هو أحدهما في حقه فيدخل المقام وأمثاله في باب التعارض .

   وحيث إن مقتضى إطلاق شرطية الوضوء أن الصلاة يعتبر فيها الوضوء مطلقاً ـ  تمكن المكلف من الطهارة الخبثية أم لم يتمكّن  ـ ومقتضى إطلاق شرطية الطهارة الخبثية اعتبارها مطلقاً ـ  تمكن المكلف من الوضوء أو الغسل أم لم يتمكن  ـ ولا يمكن الأخذ بكلا الإطلاقين لعجز المكلف عن امتثالهما على الفرض فيسقط الإطلاقان وتدفع شرطية خصوص كل واحد منهما بالبراءة فينتج حينئذ التخيير بين الأمرين .

   ولكن الشهرة والإجماع المدعى في كلام جماعة قد قاما على تقديم الطهارة الخبثية ـ  على ما سبق  ـ ومعه فالأحوط أن يختار الطهارة الخبثية مع التيمّم بدلاً عن الوضوء أو الغسل ، كما أن الأحوط أن يقدم صرف الماء في إزالة النجاسة على التيمّم ثم يتيمم بعده ، هذا .

   وقد يستدل على تقديم الطهارة الخبثية ـ  والمستدل هو صاحب الجواهر (قدس سره) ـ برواية أبي عبيدة (الحذاء) قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة الحائض ترى الطهر وهي في السفر وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة ، قال (عليه السلام) : إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم

ــ[145]ــ

تتيمم وتصلِّي» (1) بتقريب أنها دلّت على تقديم الطهارة الخبثية مطلقاً حتى فيما إذا كانت متمكنة من الوضوء . وقال في الجواهر : لتقديمه إزالة النجاسة فيه على الوضوء لوجوبه عليها لولاها (2) .

   وقد اُورد على الاستدلال المذكور بوجهين :

   أحدهما : أن الحائض ليست مكلفة بالوضوء مع الاغتسال أو أنه محل إشكال ، ومع عدم وجوب الوضوء عليها لا دوران في حقها بين الوضوء وبين الطهارة الخبثية فلا تنطبق الرواية على المقام .

   ويدفعه : أن الاغتسال من الحيض والجنابة وإن كان يغني عن الوضوء إلاّ أن التيمّم بدلاً عن الغسل لم يتم دليل على كفايته عن الوضوء ، والمفروض في مورد الرواية أن الحائض تتيمم ولا تغتسل . إذن يدور أمرها بين الوضوء والطهارة الخبثية وقد قدم الإمام (عليه السلام) الطهارة الخبثية على الحدثية فلا مناقشة في الاستدلال بها من هذه الجهة .

   ثانيهما : أن ظاهر الرواية أن المرتكز في ذهن السائل أن الماء لو كان يكفي لغسلها لوجب عليها الاغتسال وتقديم الطهارة الحدثية أعني(3) غسل فرجها ، لقول السائل : «وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها» والإمام (عليه السلام) لم يردعه عن هذا الارتكاز وهو إمضاء منه له . إذن الرواية على خلاف المطلوب أدل .

   ويرده : أن صحّة الغسل مشروطة بطهارة بدنها وإزالة النجاسة عنه ، فغسل فرجها لازم ومعتبر في اغتسالها من الحيض ، ومعه لا ارتكاز لكون الغسل واجباً عليها دون غسل فرجها لتدل الرواية على أن الطهارة الحدثية متقدمة على الطهارة الخبثية ، بل غسل فرجها لازم على تقدير كفاية الماء لغسلها أيضاً . فلا مناقشة في الرواية من هذه الجهة أيضاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 312 / أبواب الحيض ب 21 ح 1 .

(2) الجواهر 5 : 223 .

(3) الصحيح : على .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net