شرائط التيمم \ الأول : النية 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4642


ــ[277]ــ

وأمّا شرائطه فهي أيضاً اُمور :

   الأوّل :  النيّة مقارنة لضرب اليدين على الوجه الّذي مرّ في الوضوء (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلأ نّه ليس من الظاهر ولا من الباطن ولأ نّه ممّا لا يقع عليه المسح عادة عند المسح باليد الاُخرى ، فلو كان مسح ذلك المقدار لازماً أيضاً وهو على خلاف ما يقتضيه طبع المسح للزم التنبيه عليه في الأخبار مع أ نّه لم يرد ذلك في شيء من الروايات .

    الكلام في شرائط التيمّم

   (1) الأوّل ممّا يعتبر في التيمّم : النيّة .

   يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :

   الأوّل :  في أصل اعتبار النيّة في التيمّم .

   والثّاني :  في مبدئها وأنّ النيّة تعتبر فيها المقارنة مع الضرب أو المقارنة مع مسح الوجه .

   المقام الأوّل :  لا ينبغي الشبهة في أنّ التيمّم كالوضوء والغسل تعتبر فيه النيّة وليس هذا لأجل أنّ التيمّم بدل عن الوضوء وحيث إنّه ممّا تعتبر فيه فلا بدّ أن تكون معتبرة في بدله أيضاً ، وذلك لعدم التلازم بين كون المبدل منه معتبراً فيه النيّة وكون بدله كذلك ، ولم يقم عليه دليل شرعي أو برهان عقلي ، بل قد وقع خلافه في الصوم فان بدله لمن لايتمكّن منه إطعام ثلاثة أشخاص أو مساكين من دون أن تعتبر النيّة في الإطعام .

   بل لأجل أنّ التيمّم طهور ، والطهور جزء من الصلاة تنزيلاً ، لما ورد من أنّ الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث الطهور (1) ، وبما أنّ الصلاة تعتبر فيها النيّة جزماً كذلك الحال فيما هو جزؤها تنزيلاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 366 /  أبواب الوضوء ب 1 ح 8 .

ــ[278]ــ

   المقام الثّاني : قد يقال: إنّ النيّة تعتبر مقارنة لمسح الوجه لأ نّه أوّل التيمّم، وضرب اليدين شرط فيه . ويدل عليه ما رواه زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال «قلت : رجل دخل الأجمة ... إلى أن قال : إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللّبد أو البَرْذَعة ويتيمّم ويصلِّي»(1) فانّ التيمّم قد تكرّر فيها حيث قال : «فليتيمم يضرب بيده على اللبد أو البرذعة ويتيمّم ويصلِّي» .

   وظاهره أنّ المراد به هو ما اُريد من التيمّم في الأمر به بقوله «فليتيمم» ، ومنه يظهر أنّ التيمّم إنّما يتحقّق بعد ضرب اليد على ما يصح التيمّم به ولا يتحقق من حين الضرب.

   والإنصاف أنّ الرواية لا تخلو عن الدلالة ولا أقل من الإشعار بأنّ التيمّم إنّما هو بعد ضرب اليد على ما يتيمّم به وهو مسح الوجه .

   إلاّ أ نّها ضعيفة السند بأحمد بن هلال الّذي نسب إليه النصب تارة والغلو اُخرى وقد استظهر شيخنا الأنصاري (قدس سره) من ذلك أنّ الرجل لم يكن له دين أصلاً(2) لأنّ البعد بين المذهبين كبعد المشرقين ، فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه .

   إذن يقع الكلام في أن كون التيمّم يبدأ من الضرب بأي دليل . ويمكن الاستدلال عليه بالأخبار البيانية الواردة لتعليم التيمّم وكيفيّته ، فانّهم في ذلك المقام بعد سؤالهم عن التيمّم ضربوا أيديهم على الأرض ومسحوا بها وجوههم وأيديهم ، كقوله في حسنة الكاهلي : «سألته عن التيمّم فضرب بيده ... إلخ» (3) فانّ الظاهر منه أنّ التيمّم يبدأ ويشرع من الضرب ، وهكذا غيرها من الأخبار البيانيّة .

   بل لو ناقشنا في دلالة تلك الأخبار على المدّعى تكفينا صحيحة إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا (عليه السلام) ـ وأحمد بن محمّد في سندها هو ابن عيسى ـ قال : «التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفين» (4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 354 /  أبواب التيمّم ب 9 ح 5 .

(2) كتاب الطّهارة : 57 السطر 19 .

(3) الوسائل 3 : 358 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 1 .

(4) الوسائل 3 : 361 /  أبواب التيمّم ب 12 ح 3 .

ــ[279]ــ

   حيث حملت الضربة على التيمّم ، وهي تدلّنا على أنّ الضربة أو الوضع داخل في التيمّم وهي أوّل التيمّم . إذن لا بدّ أن تكون نيّة التيمّم مقارنة للضربة .

   وتظهر الثمرة فيما لو بدا له في التيمّم بعد ضرب يده على الأرض ، فانّه ـ على ما ذكره ذلك القائل ـ ينوي التيمّم مقارناً لمسح وجهه وهو صحيح ، وأمّا بناءً على ما ذكرناه فلا بدّ من أن يضرب يده على الأرض ثانياً وينوي مقارناً للضرب .

   وأمّا الآية المباركة وهي قوله عزّ من قائل : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ )(1) فقالوا : إنّها لا دلالة لها على أنّ التيمّم يبدأ من الضرب لعدم اشتمالها عليه بل هي مشتملة على الأمر بالمسح .

   ويدفعه : أنّ الآية وإن لم تدل على أنّ الضرب من التيمّم إلاّ أ نّها لا تدل على خلافه ، بل يستفاد منها كون الضرب من التيمّم بقرينة قوله تعالى (مِنْهُ ) أي من التراب أو الأرض ، فان معناه هو الأمر بالمسح بما ينشأ من الأرض بضرب اليد أو بوضعها عليها فيكون الضرب أو الوضع داخلاً في التيمّم لا محالة ، هذا .

   وقد يقال : إن اشتراط إباحة التراب في التيمّم يقتضي أن يكون الضرب داخلاً في التيمّم ، فان حمله على التكليف المحض بعيد .

   ويدفعه : أنّ الصلاة مشروطة بالطهور وهو بمعنى الماء والتراب ، ويعتبر أن يكون استعمالهما استعمالاً جائزاً شرعاً بلا فرق في ذلك بين أن يكون ضرب اليد على التراب في التيمّم جزءاً أو شرطاً ، وذلك لأن ذات القيد وإن كان خارجاً إلاّ أنّ التقيد به جزء للمأمور به حينئذ ، ولا يمكن أن يكون قيد المأمور به مبغوضاً ، لأنّ المبغوض لا يمكن أن يكون مقرباً . فلا دلالة ولا إشعار في اشتراط إباحة التراب في التيمّم على كون الضرب داخلاً في التيمّم .

    استدراك :

   ذكرنا أ نّه وقع الكلام في أنّ الضرب جزء للتيمم أو أ نّه مقدمة له وابتداؤه مسح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

ــ[280]ــ

الوجه ، وقد استظهرنا من الأخبار البيانيّة أنّ الضرب جزء لا أ نّه مقدمة ، واستشهدنا له أيضاً بما ورد في صحيحة إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا (عليه السلام) قال : «التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفين» لأ نّها حملت الضربة على نفس التيمّم وقلنا إنّها تدلّنا على أنّ الضرب جزء منه .

   ولا نريد بذلك بيان أنّ التيمّم ضربة فقط ، كيف وليست الضربة تيمماً بلا ريب وإنّما المقصود أنّ الضرب بانضمام بقية الاُمور المعتبرة فيه من مسح الوجه والكفين والنيّة تيمّم ، فحمل التيمّم على الضرب(1) من أجل أنّ المركب عين أجزائه ، هذا .

   وقد يعارض ذلك بما ورد في موثقة سماعة في رجل مرّت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع ؟ قال : يضرب بيديه على حائط اللّبن فليتيمم به (2) حيث دلّت على أن ضرب اليدين على الأرض خارج عن التيمّم ومقدمة له ، والتيمّم إنّما يتحقق بعده .

   إلاّ أنّ الصحيح عدم دلالة الموثقة على ذلك ، لأ نّها ناظرة إلى اعتبار الضرب في التيمّم وأ نّه يكفي الضرب على الحائط ، وإنّما قال «يضرب ... فليتيمم به» باعتبار ما قدّمناه من أ نّه إذا ضرب يديه على الأرض لا يكون هذا الضرب تيمماً قطعاً بل الضرب بضميمة غيره ممّا يعتبر فيه يكون تيمماً ، فكأ نّه (عليه السلام) قال : يضرب بيده ويأتي ببقية الاُمور فيتحقق به التيمّم .

   وإطلاق «فليتيمم» بعد الشروع فيه بالضرب إطلاق عادي صحيح ، وهو نظير ما لو قلنا بأ نّه يكبِّر ويصلِّي ، فان معناه أ نّه بعدما كبر يأتي ببقية أجزاء الصلاة أيضاً ويكون ما أتى به صلاة ، لا أنّ التكبير خارج عن الصلاة ، وهذا ظاهر . إذن لا تكون الموثقة معارضة للصحيحة المتقدمة فتبقى دلالتها على أنّ الضرب جزء من التيمّم سليمة عن المعارض .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لعلّ الأنسب : فحمل الضرب على التيمم .

(2) الوسائل 3 : 111 /  أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5 . وفي الكافي والتهذيب : فيتيمّم به .

 
 

ــ[281]ــ

ولا يعتبر فيها قصد رفع الحدث بل ولا الاستباحة (1) .

   الثّاني :  المباشرة حال الاختيار (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عدم اعتبار قصد الرفع في التيمّم

   (1) يأتي التكلم على أنّ التيمّم هل هو كالوضوء رافع للحدث كما هو مقتضى ما دلّ على أن ربّ الماء والصعيد واحد (1) ، أو أ نّه مبيح للدخول معه في الصلاة تخصيصاً لما دلّ على أ نّه «لا صلاة إلاّ بطهور» (2) فيجوز في حق المتيمم ؟

   إلاّ أ نّه لا يعتبر في صحّته قصد شيء من ذلك ، لأنّ ذلك كلّه حكم من الأحكام المترتبة على التيمّم ، وليس هو إلاّ ضربة ومسحة ، فإذا أتى بهما ناوياً به القربة فقد تحقق المأمور به وحصل الامتثال ، سواء أكان التيمّم رافعاً كما هو الصحيح الموافق لما دلّ على أن ربّ الماء والصعيد واحد أم كان مبيحاً ، لعدم اعتبار نيّة الأحكام المترتبة على التيمّم في صحّته .

    الثّاني ممّا يعتبر في التيمّم

   (2) وذلك لأ نّه يقتضيه الأخبار البيانيّة الواردة في كيفيّة التيمّم ، حيث دلّت على أ نّهم ضربوا أيديهم على الأرض ومسحوا بها وجوههم وأيديهم فقد تصدوا له بالمباشرة .

   ثمّ لو ناقشنا في ذلك نظراً إلى أنّ الأخبار المذكورة إنّما وردت لبيان الكيفيّة المعتبرة في التيمّم لا لبيان من يصدر منه التيمّم فلا دلالة لها على اعتبار المباشرة ، كفانا في الاستدلال على ذلك إطلاقات الأمر بالمسح في الآية المباركة وفي الأخبار الآمرة بضرب اليدين على الأرض والمسح بهما على الوجه واليدين ، وذلك لأن مقتضى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 3 : 385 /  أبواب التيمّم ب 23 ، تجد مضمونها فيه .

(2) الوسائل 1 : 365 /  أبواب الوضوء ب 1 .

ــ[282]ــ

إطلاقهما أنّ المكلّف لا بدّ أن يصدر منه ضرب اليدين والمسح سواء صدر ذلك من غيره أم لم يصدر .

   على أ نّا لو شككنا في ذلك ولم يمكننا استفادة اعتبار المباشرة من الآية والأخبار فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم سقوط التكليف بالتيمّم عن المكلّف إذا يممه غيره ، لأ نّه مكلّف بالتيمّم قطعاً فلو شكّ في سقوطه بتصدي الغير لتيممه فقاعدة الاشتغال تقتضي البراءة اليقينية الحاصلة بالتصدي للتيمم بالمباشرة .

   نعم شرطية المباشرة تختص بحالة الاختيار ولا تعتبر في صحّة التيمّم عند العجز وعدم التمكّن . والوجه في ذلك أحد أمرين :

   أحدهما :  ما قدمناه من أن ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال (1) ذو حكومة على جميع أدلّة الأجزاء والشرائط في الصلاة ، ومن جملة الشرائط في الصلاة هو الطهور ، وقد دلّتنا الآية والأخبار على أنّ المباشرة معتبرة في الطهور ، ومع العجز عن المباشرة فمقتضى إطلاق الشرطية سقوط الأمر بالصلاة عن المكلّف ، إلاّ أنّ ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال يدلّنا على أنّ المكلّف مأمور بالصلاة حينئذ ولا صلاة إلاّ بطهور .

   ومقتضى ذلك سقوط قيد المباشرة في التيمّم ويستكشف أنّ اشتراط المباشرة مختص بحال التمكّن والاختيار ، وبهذا الدليل سنستدل على جملة من الفروع الآتية إن شاء الله تعالى .
ـــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 373 /  أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net