البدار الى التيمم وصوره 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4811


ــ[324]ــ

   [ 1141 ] مسألة 3 : الأقوى جواز التيمّم في سعة الوقت وإن احتمل ارتفاع العذر في آخره بل أو ظنّ به ، نعم مع العلم بالارتفاع يجب الصبر ، لكن التأخير إلى آخر الوقت مع احتمال الرفع أحوط وإن كان موهوماً ، نعم مع العلم بعدمه وبقاء العذر لا إشكال في جواز التقديم (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بناءً على التسامح في أدلّة السنن .

   فالمتحصل : أن ما ادّعي عليه الإجماع من كفاية التيمّم الواحد لجميع الغايات المترتبة على الطّهارة ممّا دخل وقته وما لم يدخل من دون حاجة إلى تكراره لكل صلاة وغاية هو الصحيح .

    صور البدار وأحكامها

   (1) شرع (قدس سره) في بيان حكم البدار ، وصوره ثلاثة :

   الاُولى :  ما إذا علم المكلّف بأ نّه يتمكّن من استعمال الماء قبل انقضاء الوقت وإن كان عاجزاً عنه بالفعل .

   الثّانية :  ما إذا احتمل طروء التمكّن له في الأثناء إلى آخر الوقت وإن كان يحتمل عدمه وبقاء عجزه أيضاً .

   الثّالثة :  ما إذا علم ببقاء عذره إلى آخر الوقت وعدم ارتفاعه في الأثناء .

    الصورة الاُولى :

   المعروف والمشهور فيها عدم جواز البدار ووجوب التأخير إلى أن يتمكّن من الماء.

   وقد يقال بجوازه حينئذ تمسّكاً بعموم أدلّة بدلية التراب عن الماء فان ربّ الصعيد وربّ الماء
واحد(1) ، وبما أنّ المكلّف لا يتمكّن من الماء بالفعل يسوغ له أن يتيمّم ويصلِّي ثمّ إذا وجد الماء لم تجب عليه إعادتها ، لما يأتي من الأخبار الدالّة على أن من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 385 /  أبواب التيمّم ب 23 ، 370 / ب 14 ح 13 ، 15 ، 17 .

ــ[325]ــ

صلّى بالتيمّم لا تجب عليه إعادتها إذا وجد الماء في الوقت .

   إلاّ أن ذلك ضعيف غايته ، لأ نّا أسلفنا أنّ الفقدان المسوغ للتيمم هو الفقدان بالإضافة إلى المأمور به ، والمأمور به هو الطبيعي الجامع بين الأفراد العرضية والطولية الواقعة بين المبدأ والمنتهى ، والخصوصيات الفردية خارجة عمّا تعلق به الأمر .

   ومن الظاهر أنّ المكلّف متمكّن من الماء بالنسبة إلى الطبيعي ، لعلمه بأ نّه متمكّن من استعماله قبل انقضاء وقته ، نعم هو فاقد للماء بالنسبة إلى بعض الأفراد كالفرد الّذي يريد أن يأتي به في أوّل الوقت ، إلاّ أنّ الفقدان بالنسبة إلى الأفراد وغير المأمور به غير مسوغ للتيمم بوجه ، وإلاّ فلو كان في السرداب مثلاً جاز له أن يتيمّم ويصلِّي لأ نّه بالنسبة إلى الفرد الواقع في السرداب فاقد للماء وإن كان واجداً له بالنسبة إلى غيره .

   وممّا يدل على ما ذكرناه الأخبار الآمرة بطلب الماء(1) فانّ الفقدان بالنسبة إلى فرد ما إذا كان كافياً لم يجب الطلب في جواز التيمّم، بل جاز التيمّم من دون طلب أيضاً . فهذا الوجه ساقط ، ولا يجوز البدار في هذه الصورة بوجه .

    الصورة الثّانية(2) :

   والمعروف فيها بين المتقدمين أو بينهم وبين المتأخرين هو عدم الجواز ، إلاّ أ نّه قد يلتزم بجوازه تمسّكاً بعموم أدلّة البدلية ، وبعد ما وجد الماء لا تجب الإعادة ، لإطلاق ما دلّ على أن من صلّى بتيمم لا تجب عليه الإعادة فيما إذا وجد الماء في أثناء الوقت .

   لكن الجواب عنه قد ظهر ممّا ذكرناه في الصورة الاُولى ، لأن أدلّة البدلية إنّما تدل على مشروعية التيمّم لمن لم يتمكّن من استعمال الماء بالإضافة إلى المأمور به وهو الطبيعي الجامع بين الأفراد الواقعة بين المبدأ والمنتهى ، وهذا مشكوك الانطباق في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 341 /  أبواب التيمّم ب 1 .

(2) وقد بُيِّن في ضمنها حكم الصورة الثالثة .

ــ[326]ــ

المقام ، لاحتمال أن يكون المكلّف متمكّناً من استعمال الماء إلى آخر الوقت كما يحتمل عدمه فهو شبهة مصداقية للعمومات ، ولا يمكن التمسّك بها في الشبهة المصداقية .

   نعم يمكن إحراز بقاء عذره وعدم تمكّنه من الماء إلى آخر الوقت بالاستصحاب، إلاّ أ نّه حكم ظاهري لو تمكّن من الماء بعده ينكشف عدم مطابقته للواقع وعدم كونه مأموراً بالتيمّم من الابتداء فتجب عليه الإعادة لا محالة ، فالتمسك باطلاق دليل البدلية في غير محلِّه .

   وعلى الجملة: إذا احتمل المكلّف وجدان الماء إلى آخر الوقت فهل يشرع له التيمّم أوّل الوقت أو يجب عليه التأخير ؟ المعروف هو عدم جواز البدار كما سبق ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلماتهم . وذهب جماعة إلى جواز البدار .

   وقد يفصّل في المسألة بين صورة رجاء الوجدان فلا يجوز البدار وبين صورة اليأس أو الاطمئنان بعدم وجدان الماء إلى آخر الوقت فيجوز البدار .

   ومنشأ الاختلاف بينهم هو اختلاف الأخبار ، وذلك لأ نّه ورد في جملة من الروايات ـ وفيها الصحاح ـ أنّ المكلّف إذا تيمّم فصلّى ثمّ وجد الماء في الوقت لم يعد صلاته ، وفي بعضها عبّر بالإجزاء وأ نّه قد أجزأته صلاته الّتي صلّى (1) .

   وهذه الأخبار وإن كانت مبتلاة بالمعارض حيث ورد في قبالها أ نّه يتوضأ أو يغتسل ويعيد صلاته ، ولكن يمكن الجمع بينهما بحمل ما دلّ على عدم الإجزاء ووجوب الإعادة على الاستحباب ، إذ الطائفة الاُولى صريحة في الإجزاء ، وإذا ورد في قبالها الأمر بالإعادة فلا يبعد حمل الأمر على الاستحباب ، لأ نّه مقتضى الجمع العرفي بين ما دلّ على الإجزاء وما دلّ على الأمر بالإعادة .

   وعلى أي حال تدلّنا كلتا الطائفتين على مشروعية التيمّم في أوّل الوقت قطعاً لدلالتهما على أنّ الصلاة المأتي بها بذلك التيمّم إمّا مشروطة بعدم وجدان الماء بعدها إلى آخر الوقت أو هي صحيحة وغير مشروطة بذلك ، فتيممه في أوّل الوقت صحيح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 366 /  أبواب التيمّم ب 14 .

ــ[327]ــ

   فتحصل : أ نّه إمّا عالم ببقاء العذر إلى آخر الوقت أو عالم بارتفاعه قبل الآخر أو محتمل للأمرين ، فيجوز المبادرة مع العلم بالبقاء ، ويجب التأخير مع العلم بالارتفاع،  ومع  الاحتمال الأقوى جواز المبادرة خصوصاً مع الظن بالبقاء، والأحوط التأخير((1)) خصوصاً مع الظن بالارتفاع .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومشروع وليس من المحرمات الإلهيّة ولا سيما بملاحظة قوله (عليه السلام) في بعضها : «أمّا أنا فكنت فاعلاً»(2) لدلالتها على أ نّه (عليه السلام) كان يتيمّم في أوّل الوقت .

   وهذا هو المقصود من مشروعية التيمّم أوّل الوقت عند احتمال وجدانه الماء قبل انقضاء الوقت أو عند اليأس عنه ، وأمّا أنّ الصلاة المأتية بالتيمّم صحيحة وغير مشروطة بعدم الوجدان إلى انقضاء الوقت أو هي مشروطة به فهو بحث آخر نتكلّم فيه إن شاء الله تعالى .

   فمقتضى هذه الأخبار جواز البدار في مفروض الكلام .

   وقد ورد في جملة اُخرى من الروايات المعتبرة أنّ المكلّف يجب أن يؤخر تيممه إلى آخر الوقت فانّه إذا فاته الماء لم يفته التراب(3) ، ومقتضاها عدم جواز البدار حينئذ ، وهي معارضة مع الطائفة المتقدمة ولا بدّ من العلاج بينهما فنقول :

   إنّ الطائفة الاُولى إنّما دلّت على جواز التيمّم في أوّل الوقت بالالتزام ، وإلاّ فهي ناظرة إلى بيان أنّ الصلاة المأتي بها بالتيمّم مشروطة بعدم وجدان الماء إلى آخر الوقت أو هي غير مشروطة به، فلا إطلاق لها بالإضافة إلى جواز التيمّم في أوّل الوقت.

   نعم يستفاد منها جوازه ومشروعيّته في الجملة لا مطلقاً ، لعدم كون الأخبار بصدد البيان من تلك الناحية ، بل تدل على صحّة الصلاة أو عدمها في فرض الإتيان بالتيمّم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا الاحتياط لا يترك .

(2) الوسائل 3 : 368 /  أبواب التيمّم ب 14 ح 10 .

(3) الوسائل 3 : 384 /  أبواب التيمّم ب 22 وفيها : الأرض ، بدل : التراب .

ــ[328]ــ

الصحيح ، وأمّا أ نّه في أي مورد يكون صحيحاً ومشروعاً فهي ساكتة عن بيانه .

   وبعبارة اُخرى : أ نّها فرضت التيمّم صحيحاً ودلّت على أ نّه متى ما صلّى بالتيمّم الصحيح ثمّ وجد ماءً أعادها .

   وأمّا الطائفة الثّانية فهي قد سيقت للدلالة على وجوب تأخير التيمّم ، وحيث إنّ هذه الطائفة ظاهرة فيما إذا احتمل وجدان الماء بعد ذلك قبل انقضاء الوقت ـ  لاشتمالها على أ نّه إن كان فاته الماء فلن تفوته الأرض  ـ فتكون مختصّة بصورة احتمال إصابة الماء وعدمها .

   ومنها : صحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت»(1) وهي الّتي قدّمنا (2) أن لها طرقاً بعضها صحيح وفيه : «فليطلب» وفي غير المعتبر منها : «فليمسك» ، ولا بدّ من الأخذ بما هو معتبر «فليطلب» .

   وهي كما ترى ظاهرة في صورة احتمال الوجدان ، وإلاّ لا معنى للطلب والفحص. وعليه فتحمل هذه الطائفة على صورة احتمال وجدان الماء إلى آخر الوقت ، والطائفة الاُولى على صورة اليأس عن وجدان الماء إلى آخر الوقت .

   ودعوى : أن صورة الاطمئنان واليأس عن وجدان الماء قبل انقضاء الوقت ثمّ وجدانه ليكون القطع على خلاف الواقع فرد نادر ، ولا يمكن حمل المطلق على الفرد النادر .

   مندفعة بأنّ الصورة المذكورة وإن كانت نادرة ، وليس هذا كالقطع بعدم التمكّن من الاستعمال إلى انتهاء الوقت ، لأ نّه يوجد كثيراً كما في المريض والكسير ونحوهما ممّن يقطع بعدم برئه إلى أسبوع أو أقل أو أكثر ، وأمّا القطع بعدم وجدان الماء ثمّ وجدانه بعدها كما هو محمل الطائفة الاُولى فهو نادر وأقل وجوداً من صورة الاحتمال . إلاّ أ نّا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 366 /  أبواب التيمّم ب 14 ح 3 .

(2) في ص 80 ـ 81 .

ــ[329]ــ

ذكرنا أنّ الطائفة الاُولى ليست مطلقة من هذه الجهة ليكون هذا حملاً للمطلق على الفرد النادر ، بل إنّما استفيد منها أنّ التيمّم في أوّل الوقت مشروع في الجملة ، وليكن هذا هو صورة القطع بعدم الوجدان ثمّ الوجدان بعده ، ومعه لا بأس بهذا الحمل جمعاً بين الطائفتين ، هذا .

   على أ نّا لو سلمنا إطلاق الطائفة الاُولى حتّى من هذه الجهة ـ  وأ نّها بصدد بيان أنّ التيمّم مشروع في أوّل الوقت مطلقاً  ـ لم يكن فيما ذكرناه من الحمل بأس أيضاً ، وذلك لأنّ النسبة بينها وبين الطائفة الثّانية عموم مطلق ، لدلالة الثّانية على عدم مشروعيّته عند احتمال وجدان الماء إلى آخر الوقت .

   وبه يظهر أن مورد الطائفة الاُولى هي صورة القطع بعدم الوجدان ثمّ وجدان الماء بعد ذلك فهي مطلقة قليلة الأفـراد ، ولا مانع من كون المطلق نادر الأفراد أو قليلها كما لو ورد أن ذا الرأسين حكمه كذا وكذا ، مع أ نّه لا يوجد إلاّ نادراً ، وهذا غير حمل المطلق على الفرد النادر المستهجن .

   على أن موردها ليس بنادر كما ادعي ، بل لها موردان :

   أحدهما : ما إذا قطع بعدم الوجدان ثمّ وجدانه قبل انقضاء الوقت .

   وثانيهما : ما إذا خاف فوت الوقت فتيمّم وصلّى ثمّ انكشف بقاء الوقت ، لأنّ الأخبار الدالّة على أ نّه لا يعيد صلاته أو يعيدها شاملة لهذه الصورة أيضاً ، حيث إنّا لو قلنا بوجوب تأخير التيمّم لا يراد منه التأخير العقلي على نحو يكون «ميم» السلام عليكم مقارناً للغروب ، بل المراد هو أن تكون الصلاة في آخر الوقت عرفاً .

   مثلاً إذا أخر التيمّم بحيث خاف فوات الوقت فتيمّم وصلّى ثمّ ظهر أنّ الوقت باق بمقدار ربع ساعة مثلاً صحّ تيممه بمقتضى الأخبار المتقدمة ، لأ نّه أخّر تيممه عرفاً . فتبيّن أنّ للطائفة الاُولى موردين :

   أحدهما : صورة القطع بعدم الوجدان ثمّ وجدانه .

   وثانيهما : صورة اعتقاد الفوت أو خوفه وظهور بقاء الوقت . فلا يكون حمل

ــ[330]ــ

الأخبار عليهما من الحمل على الفرد النادر المستهجن .

   والمتحصل من ذلك هو التفصيل في الصورة المذكورة بين احتمال وجدان الماء قبل انقضاء الوقت وبين القطع بعدم وجدانه ثمّ يجد الماء ، بأن يقال بالجواز في الثّاني وبعدم الجواز في الأوّل ، لما قدّمناه من أنّ الطائفة الاُولى ليست بصدد البيان من جهة التيمّم وإنّما تدل على صحّة الصلاة الواقعة بالتيمّم المفروض صحّته أو عدمها ، وأمّا أنّ التيمّم صحيح في أي صورة فلا تعرّض لها في تلكم الأخبار ، فلتحمل على صورة القطع واليأس من وجدان الماء ، والطائفة الثّانية تحمل على صورة رجاء الوجدان كما هو موردها ، هذا .

   وقد يقال : إنّما يتم هذا في غير صحيحة الحلبي ، وأمّا هي فلا مجال لإنكار إطلاقها من جهة التيمّم ، حيث روى علي الحلبي «أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء ، قال : يتيمّم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة» (1) لأ نّها بصدد بيان أ نّه يتيمّم حينئذ وبعدما وجد الماء يغتسل ولكن لا يعيد صلاته فلا مانع من التمسّك بإطلاقها ، فلا مجال لحملها على صورة القطع أو اليأس عن وجدان الماء .

   وفيه : أنّ الاستدلال بالصحيحة ليس في محلِّه ، وذلك من جهتين :

   إحداهما :  أنّ المفروض فيها أنّ المكلّف لم يجد الماء فتيمّم ، وهذا إنّما يكون فيما إذا قطع بعدم وجدان الماء أو اليأس عن وجدانه حتّى انقضاء الوقت ، وإلاّ فعدم الوجدان في ساعة أو بالنسبة إلى فرد ليس مصححاً للتيمم بوجه ، لما سبق وعرفت من أنّ المسوغ للتيمم عدم وجدان الماء بالنسبة إلى الطبيعي المأمور به وهو الجامع بين المبدأ والمنتهى لا الأفراد ، وإلاّ جاز التيمّم في حق كل شخص ، لصدق عدم وجدان الماء بالنسبة إلى الفرد الّذي يريد أن يوقعه في الدار أو السرداب ولا ماء عنده هناك .

   وثانيتهما :  لم يفرض في الرواية أ نّه وجد الماء في أثناء الوقت ، بل دلّت على أ نّه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 366 /  أبواب التيمّم ب 14 ح 1 .

ــ[331]ــ

إذا وجد الماء اغتسل ولم يعد صلاته ، فلتحمل على صورة وجدانه بعد الوقت كما لو أخر تيممه وصلّى في آخر الوقت ثمّ وجد الماء بعد الوقت ، ولا إشكال في أن مثله لا تجب عليه الإعادة أي القضاء كما اشتملت عليه الأخبار الدالّة على عدم وجوب الإعادة فيما إذا وجد الماء بعد الوقت .

   إذن ما ذكرناه في الجمع بين الروايتين هو الصحيح .

   وقد يقال : إنّ الأخبار الواردة في أن من صلّى بتيمم لم يعد صلاته إذا وجد الماء في أثناء الوقت لا يعارضها شيء لتحمل على صورة القطع بعدم وجدان الماء كما صنعتم لأنّ الطائفة الثّانية الدالّة على أ نّه يؤخر التيمّم إلى آخر الوقت لا تشتمل إلاّ على الإرشاد .

   وذلك لأ نّه لا إشكال في أنّ الصلاة مع الطّهارة المائيّة أفضل منها مع الطّهارة الترابيّة ، وقد أرشدت هذه الأخبار إلى ذلك بقوله (عليه السلام) : «فإن فاتك الماء فلن تفوتك الأرض» (1) .

   ومعناه أ نّه يؤخر تيممه إلى آخر الوقت حتّى لو وجد الماء في الأثناء يصلِّي مع الطّهارة المائيّـة فلا يفوته أفضل الأفراد ، ولو لم يجد الماء فيصـلّي مع التيمّم وهي كالصلاة معه في أوّل الوقت فلا يفوته شيء من الفضيلة ، بخلاف ما لو صلّى بتيمم في أوّل الوقت لأ نّه لا يتمكّن من الصلاة مع الطّهارة المائيّة بعد ذلك فتفوته الفضيلة . فهذه الأخبار وردت إرشاداً فلا تعارض الطائفة الاُولى الدالّة على جواز الإتيان بالتيمّم في أوّل الوقت .

   ويرد على ذلك :

   أوّلاً :  أن حمل الأمر على الإرشاد خلاف الظاهر في نفسه .

   وثانياً :  أنّ التيمّم في أوّل الوقت والصلاة لدرك مصلحته أمر مستحب ، وهو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 384 /  أبواب التيمّم ب 22 ح 1 ، 3 ، 4 .

ــ[332]ــ

أفضل من الصلاة مع الطّهارة المائيّة في آخر الوقت كما يستفاد ذلك من قوله (عليه السلام) : «أمّا أنا فكنت فاعلاً ، إنّي كنت أتوضأ واُعيد» (1) وقد دلّت الطائفة الاُولى على أ نّه لو صلّى بتيمم ثمّ وجد الماء لم يعد صلاته وإن قلنا باستحباب الإعادة أيضاً جمعاً بين الأخبار .

   إذن لا معنى للإرشاد في المقام ، لعدم فضيلة تأخير الصلاة عن أوّل وقتها وإيقاعها آخر الوقت لترشد الأخبار إليه ، فانّما يتم الإرشاد لو كانت الصلاة في آخر الوقت أرجح ، وقد عرفت خلافه .

   وثالثاً :  لا تنحصر الأخبار بما اشتمل منها على التعليل بقوله : «فان فاته الماء فلن يفوته الصعيد»(2) بل نتمسك بغير المشتمل مثل حسنة زرارة المتقدمة «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل آخر الوقت»(3) وأين الإرشاد في هذه المعتبرة ؟ هذا .

   وربما يقال : إنّ الجمع بين الطائفتين المتقدمتين بحمل الاُولى على صورة اليأس والقطع بعدم وجدان الماء وحمل الثّانية على صورة الرجاء والاحتمال إنّما يتم مع قطع النظر عن رواية محمّد بن حمران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت له : رجل تيمّم ثمّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال : يمضي في الصلاة ، واعلم أ نّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلاّ في آخر الوقت» (4) .

   لدلالتها على استحباب إيقاع التيمّم في آخر الوقت لقوله (عليه السلام) : «ليس ينبغي» الّذي يعني لا يناسـب ، ومعه تكون الرواية شـاهدة جمع بين الطائفـتين المتقدمتين ويحمل ما دلّ على تأخير التيمّم إلى آخر الوقت على الاستحباب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 368 /  أبواب التيمّم ب 14 ح 10 .

(2) المذكور في المصدر هو : ... فلن تفوته الأرض .

(3) الوسائل 3 : 366 /  أبواب التيمّم ب 14 ح 3 .

(4) الوسائل 3 : 382 /  أبواب التيمّم ب 21 ح 3 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net