معنى دوام النبع الذي اعتبره الشهيد في الجاري 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7243


    اعتبار دوام النبع عند الشهيد (قدس سره)

   ذكر الشهيد (قدس سره) في الدروس أن الجاري لا يشترط فيه الكرية على الأصح . نعم ، يشترط فيه دوام النبع (1) وقد وقع هذا مورداً للاشكال والكلام عند الأصحاب فنقول في شرح مراده (قدس سره) إن الدوام في كلامه هذا يحتمل اُموراً :

   الأوّل : ما عن الشهيد الثاني (قدس سره) في روض الجنان من حمل الدوام على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدروس : 15 .

ــ[112]ــ

الاستمرار في النبع ، وأن ما ينبع في بعض فصول السنة دون بعضها الآخر لا يحكم عليه بالاعتصام (1) .

   ويضعّف هذا الاحتمال أمران :

   أحدهما : ما أورده عليه صاحب الحدائق (قدس سره) من أن اشتراط دوام النبع في المادّة على خلاف إطلاق صحيحة ابن بزيع ، لأن المادّة فيها غير مقيدة بدوام النبع فهو مضافاً إلى أ نّه مما لا شاهد له من الأخبار ولا يساعد عليه الاعتبار قد دلّ الدليل على خلافه (2) .

   وثانيهما : أن استمرار النبع إن اُريد به الاستمرار إلى الأبد فهو مما لا يوجد في أنهار العالم إلاّ نادراً ، على أن إحراز ذلك أمر غير ميسور ، فبأي شيء يحرز دوام نبعه إلى الأبد ، وإن اُريد به الاستمرار المقيد بوقت خاص فيقع الكلام في تعيين ذلك الوقت ، وأن الزمان الذي لا بدّ من أن يستمر الجاري إلى ذلك الزمان أيّ زمان ، فهذا الاحتمال في غاية السقوط . ومن هنا طعن عليه المحقق الثاني (قدس سره) بقوله : إن أكثر المتأخرين عن الشهيد (طاب ثراه) ممن لا تحصيل لهم فهموا هذا المعنى من كلامه ...

   الثاني : أن يراد بالدوام استمرار النبع حين ملاقاة النجس ، لا على وجه الاطلاق . ولعلّ هذا هو الظاهر من اعتبار الدوام ، ولا بأس به في نفسه إلاّ أ نّه ليس أمراً زائداً على ما اعتبرناه في الجاري من الاتصال بالمادّة ، حيث قلنا إن الماء إذا انقطع عنها يحكم بانفعاله على تقدير قلته وعليه فيصبح اعتبار الدوام في كلامه قيداً توضيحياً وإن كان أمراً صحيحاً في نفسه .

   الثالث : ما نسب احتماله إلى بعضهم من إرادة الاحتراز عمّا ينبع آناً وينقطع آناً لفتور مادته وضعفها ، وأن مثله ينفعل إذا لاقى نجساً لعدم إحراز اتصاله بالمادّة حال ملاقاة النجس ، ولعلّها لاقته حين انقطاع نبعها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الروض : 135 السطر 8 ـ 10 .

(2) الحدائق 1 : 195 .

ــ[113]ــ

   هذا ولا يخفى أن ذلك أيضاً ليس بشرط جديد وراء شرط الاتصال وأمّا الحكم عليه بالانفعال على تقدير ملاقاته النجس فيدفعه ما أشرنا إليه سابقاً من أن الجاري إذا كان مسبوقاً بحالتين متضادتين أعني الاتصال وعدمه ، فهو وإن كان لا يجري فيه استصحاب الاتصال وعدمه إلاّ أن استصحاب الطهارة في الماء مما لا مانع عنه بوجه فبه يحكم بطهارته بل ولا أقل من قاعدة الطهارة ، فالماء لا يحكم عليه بالانفعال .

   الرابع : ما حـكاه صاحب الحـدائق (قدس سره) (1) عن بعض الأفاضـل من المحدثين من أن يراد به نبع المادّة دائماً ، أو بعد أخذ مقدار من مائها وقد ذكر في توضيح ذلك أن المواد على أنحاء ثلاثة :

   إحداها : ما تكون نابعة على وجه الاستمرار بالفعل بأن تنبع ويجرى ماؤها على وجه الأرض كما في العيون الجارية .

   وثانيتها : ما تكون نابعة على نحو الاستمرار أيضاً ولكنه لا بالفعل بل بالاقتضاء بمعنى أن تكون نابعة إلى أن يبلغ الماء حداً معيناً ، وهو تساوي الماء الخارج المجتمع منها في البئر للماء الموجود في مادتها وفي عروق الأرض ، وحينئذ تقف ولا تنبع إلاّ أن يؤخذ مقدار من مائها لينزل به سطح الماء ، فتنبع ثانياً بدل المتحلل مما اُخذ منه من الماء إلى أن يتصاعد الماء إلى السطح السابق وهكذا ... فللمادّة اقتضاء النبع دائماً ، وهذا هو الغالب في المواد فإن نبعها لو كان دائمياً وغير منقطع في زمان لأوجب غرق العالم بالماء .

   وثالثتها : ما تكون نابعة إلاّ أ نّه إذا أخذنا منها ماءها ينقطع نبعها وتقف ولا تنبع ثانياً إلاّ بعد حفر جديد ثم تنبع بمقدار ، وإذا أخذنا منها ذلك المقدار تقف ولا تنبع إلاّ بعد حفر آخر وهكذا ... . كما يتفق ذلك في بعض الأراضي والبلدان ، فالنبع في القسمين الأولين دائمي فعلاً أو بحسب الاقتضاء ، وأمّا في الثالث فلا دوام للنبع فيه بوجه بل ولا تصدق على مثله المادّة أصلاً ، لأنّ المادّة من المدد والإمداد والمفروض أ نّها لا تمد الماء بعد أخذه فلا يستمد منها في شيء ، والماء الحاصل منها غير مستند إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 1 : 196 .

ــ[114]ــ

المادّة فينفعل بالملاقاة لا محالة ، ومن هنا ذكر أن شمول الأخبار المستفاد منها حكم الجاري لهذه الصورة غير واضح . وعلى هذا الاحتمال كان اعتبار دوام النبع عبارة اُخرى عن اعتبار اتصال الماء بالمادّة لأن المادّة إذا لم تمدّ الماء فلا محالة تكون منقطعة وغير متصلة بالماء .

   الخامس : أن يراد بالدوام نبع المادّة وجريانها فعلاً ، وأمّا إذا لم تنبع بالفعل ولو لأجل مانع لا لأجل ضعفها وفتورها ، بل لحصر أطرافها على ما هو الغالب في الآبار إذ المادّة إنما تنبع إلى أن يساوي المقدار الخارج منها المجتمع في البئر للماء الموجود في المادّة وفي عروق الأرض ، وينقطع النّبع بعد ذلك فيحكم عليه بالانفعال ، وعلى الجملة لا يكفي اقتضاء النبع في الحكم بالاعتصام بل يعتبر فيه فعلية النّبع .

   وفساد هذا الاحتمال من الظهور بمكان لأن احتمال اعتبار الجريان الفعلي إنما يصح فيما إذا كان الحكم مترتباً في لسان الدليل على عنوان الجاري ويقال وقتئذ إن حكمه لا  يأتي في مثل الآبار المسدودة الاطراف لعدم الجريان الفعلي فيها ، ولكن الحكم في الدليل إنما رتب على عنوان ماله المادّة ، ومن الظاهر أن الآبار المذكورة مما له مادّة قطعاً ، وهذا العنوان صادق عليها بلا ريب وليس اعتصام الآبار متفرعاً على اعتصام الجاري حتى يحتمل فيها اعتبار الجريان الفعلي أيضاً بل الأمر بالعكس ، وإنما استفدنا حكم الجاري من قوله (عليه السلام) لأن له مادّة في صحيحة ابن بزيع الواردة في البئر حيث تعدينا من موردها إلى كل ماله مادّة .

   وأمّا اعتبار فعلية النبع وعدم كفاية الاقتضاء بالمعنى المتقدم وهو كون المادّة بحيث يخرج منها بدل المتحلل من الماء ويستمد منه ، فلم يقم عليه دليل بل الغالب في الآبار أن مادّتها تقتضي النبع بمقدار المتحلل من مائها ولا تنبع فيها دائماً فإنه يؤدي إلى غرق العالم كلّه .

   السادس : أن يراد بالدوام ما ذكره الماتن (قدس سره) في الكتاب وهو أن تكون المادّة طبيعية موجبة للجريان بطبعها في مقابل المواد الجعلية كما إذا جعلنا مقداراً من الماء على مكان منخفضة الأطراف أو فاض البحر أو النهر واجتمع الماء من فيضانهما في الغدران وأوجب النبع في الأمكنة المنخفضة عنها ، فإنها أيضاً مواد فعلية تنقطع بعد

ــ[115]ــ

   [ 95 ] مسألة 5 : لو انقطع الاتصال بالمادّة (1) كما لو اجتمع الطين فمنع من النبع كان حكمه حكم الراكد ، فإن اُزيل الطين لحقه حكم الجاري ، وإن لم يخرج من المادّة شيء ، فاللاّزم مجرد الاتصال .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net