الاخلال بالترتيب المعتبر بين المترتبتين 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4564


ــ[395]ــ

   [1216] مسألة 8  : يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر وبين العشاءين بتقديم المغرب فلو عكس عمداً بطل ، وكذا لو كان جاهلاً((1)) بالحكم ، وأما لو شرع في الثانية قبل الاُولى غافلاً أو معتقداً لاتيانها عدل بعد التذكر ان كان محل العدول باقياً وإن كان في الوقت المختص بالاُولى على الأقوى ـ كما مر ـ لكن الأحوط الاعادة في هذه الصورة ، وإن تذكر بعد الفراغ صح وبنى على أنها الاُولى في متساوي العدد ـ كالظهرين تماماً أو قصراً ـ وإن كان في الوقت المختص على الأقوى ، وقد مرّ أن الأحوط أن يأتي بأربع ركعات أو ركعتين بقصد ما في الذمة ، وأما في غير المتساوي كما اذا أتى بالعشاء قبل المغرب وتذكر بعد الفراغ فيحكم بالصحة ويأتي بالاولى ، وإن وقع العشاء في الوقت المختص بالمغرب لكن الأحوط في هذه الصورة الاعادة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شك في انطباق المأمور به على المأتي به ، بخلاف هذه الصورة ، إذ مع الشك في الدخول لا علم بالأمر فلا تجري القاعدة ، فالفرق بينهما واضح ولا موقع لقياس إحداهما على الاُخرى كما توهم .

   ومما ذكرنا تعرف الوجه في عدم جريان القاعدة في عدة فروع تقدمت في مطاوي المسائل السابقة وأوكلنا بيانه إلى ما سيأتي ، فلاحظ ولا نعيد .

   (1) تقدم(2) شطر من الكلام حول هذه المسألة المنعقدة لبيان صور الإخلال بالترتيب المعتبر بين الظهرين والعشاءين في مبحث الأوقات .

   وتفصيله : أنّ الإخلال تارة يكون عن علم وعمد ، واُخرى عن جهل بالحكم أو بالموضوع ، وثالثة عن غفلة أو نسيان أو اعتقاد الإتيان .

   أما مع العمد فهو المتيقن من البطلان ، لمخالفة دليل اشتراط الترتيب ، فينتفي المشروط بانتفاء شرطه ، وهذا ظاهر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا كان مقصّراً ، وإلا فالأظهر هو الحكم بالصحة .

(2) في ص 204 .

ــ[396]ــ

   وأما مع الجهل فالغالب فيه ما أشار إليه في المتن من الجهل بالحكم ، وأما بالنسبة إلى الموضوع فهو نادر التحقق ، وعلى فرض وقوعه كما لو استيقظ من النوم مثلاً فتخيل أن الوقت لم يسع أكثر من أربع ركعات فصلى العصر ، ثم انكشف سعة الوقت للظهر أيضاً فأخل بالترتيب لمكان جهله بالموضوع وهو الوقت ، فلا ريب في صحة الصلاة حينئذ ، لعموم حديث لا تعاد المسقط لشرطية الترتيب في هذا الظرف .

   كما أن الغالب في الجهل بالحكم هوالجهل المستند إلى التقصير ، وأما الجهل عن قصور الموجب للعذر فهو أيضاً قليل الاتفاق ، لملازمة العلم بالترتيب بين الفرائض مع العلم بأصل وجوب الصلاة ، فالتفكيك بأن يعلم الثاني ولم يقرع سمعه الأول لعله لا يكاد يتحقق خارجاً ، وليست مسألة الترتيب من نظريات مسائل الفقه كي يفرض تأدي الاجتهاد إلى عدم وجوبه حتى يكون المجتهد معذوراً في تركه فيكون جاهلاً قاصراً .

   نعم ، قد يكون الجهل عن التقصير موجباً للغفلة حين العمل عن وجوب الترتيب فيكون معذوراً عن توجه التكليف إليه(1) لامتناع خطاب الغافل ، إلا أن هذا الامتناع حيث إنه مستند إلى الاختيار ، والممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار فهو غير معذور واقعاً في هذا الإخلال ، فيكون ـ طبعاً ـ في حكم الجاهل المقصر .

   وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في أن مراد الماتن من الجاهل بالحكم ما هو الغالب منه في المقام وهو الجاهل المقصر كما عرفت ، ولا ريب في إلحاقه بالعامد في عدم شمول حديث لا تعاد ، لمكان تنجز التكليف عليه بمقتضى العلم الإجمالي الباعث له على الفحص عن الشرط وهو الترتيب .

   نعم ، لو فرض الجهل القصوري في مثل المقام أحياناً كما لو كان أول يوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الصحيح : فلا يتوجه التكليف إليه] .

ــ[397]ــ

من بلوغه فعلم بأصل وجوب الصلاة ولم يعلم بالترتيب فانه يحكم حينئذ بصحة صلاته لحديث لا تعاد ، لكنه خارج عن محط كلام الماتن .

   وأما لو كان الإخلال عن غفلة أو نسيان ، فان كان التذكر في الأثناء فسيأتي حكمه في المسالة الآتية إن شاء الله تعالى . وإن كان بعد الفراغ فلا إشكال في الصحة إن كان في الوقت المشترك سواء أكانا متساويين في العدد كالظهرين تماماً أو قصراً أم مختلفين كالعشاءين ، لحديث لا تعاد الحاكم على دليل شرطية الترتيب والموجب لاختصاصها بحال الذكر .

   نعم ، في صورة التساوي هل يكون المأتي به عصراً مقدّماً فيجب عليه الاتيان بالظهر بعد ذلك كما عليه المشهور ، أو أنه يحسب ظهراً فيعدل بنيته إليها ثم يأتي بالعصر بعد ذلك كما اختاره الماتن في مبحث الأوقات(1) وورد به النص الصحيح ؟ فيه خلاف ـ قد تقدم(2) ـ مبني على سقوط الرواية الصحيحة باعراض الأصحاب عن الحجية وعدمه ، وقد عرفت أن الأقوى عدم السقوط كعدم الجبر بالعمل .

   وكيف ما كان ، فطريقة الاحتياط غير خفية ، فيعدل بنيته إلى الظهر ثم يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة كما أشار إليه السيد الاُستاذ في تعليقته الشريفة .

   وأما إن كان في الوقت المختص بالاُولى فتبتني الصحة وعدمها على ثبوت وقت الاختصاص بالمعنى المعروف ، أعني عدم صلاحية الوقت في حد ذاته لإيقاع الشريكة فيه وعدمه .

   فعلى الأول يحكم بالبطلان ، للإخلال بالوقت الذي هو من مستثنيات حديث لا تعاد ، فهو كما لو أوقع الظهر بتمامها قبل الزوال نسياناً الذي لا إشكال في بطلانه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العروة الوثقى 1 : 375 / 1182 .

(2) في ص 204 .

ــ[398]ــ

   [1217] مسألة 9  :إذا ترك المغرب ودخل في العشاء غفلة أو نسياناً أو معتقداً لاتيانها فتذكر في الأثناء عدل إلا إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة فان الأحوط حينئذ إتمامها((1)) عشاءً ثم إعادتها بعد الاتيان بالمغرب (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وعلى الثاني ـ كما هو الصحيح ـ فحيث إن الوقت في حد ذاته صالح لكل من الظهر والعصر كما يفصح عنه قوله (عليه السلام) : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه»(2) غير أن مقدار أربع ركعات من أول الوقت يختص بالظهر ، بمعنى عدم جواز مزاحمة الشريكة معها اختياراً رعاية للترتيب ، فلو أخل به نسياناً فحيث لا مزاحمة حينئذ فالصلاة محكومة بالصحة ، لوقوعها في وقتها الصالح لها ، فلا نقص فيها من ناحية الوقت ، وإنما النقص من حيث فقد شرط الترتيب الساقط بحديث لا تعاد .

   هذا كله فيما إذا وقعت الثانية بتمامها في وقت الاختصاص ، وأما إذا وقع مقدار منها فيوقت الاشتراك ، كما لو وقع العشاء في الوقت المختص بالمغرب حيث إن الركعة الأخيرة تقع في الوقت المشترك لا محالة ، فينبغي الجزم حينئذ بالصحة حتى على القول بثبوت وقت الاختصاص ، بناءً على العمل برواية إسماعيل بن رياح المتقدمة(3) كما يراه الماتن تبعاً للمشهور ، إذ لا يزيد الفرض على ما لو شرع في الظهر قبل الزوال باعتقاد دخول الوقت فدخل في الأثناء بحيث وقع جزء منها بعد الزوال ، المحكومة بالصحة بمقتضى الرواية المزبورة فما ذكره في المتن من الاحتياط بالإعادة في هذه الصورة غير ظاهر الوجه .

   (1) إذا أخل في الترتيب فيما يعتبر فيه كالظهرين والعشاءين غفلة أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والأظهر جواز قطعها والاتيان بها بعد المغرب .

(2) الوسائل 4 : 130 / أبواب المواقيت ب 4 ح 21 .

(3) في ص 370 .

ــ[399]ــ

نسياناً أو معتقداً للإتيان وتذكر في الأثناء فإمّا أن يكون ذلك قبل التجاوز عن الحد المشترك بين الصلاتين ، بأن لم يأت بعدُ بجزء زائد على الفريضة السابقة أصلاً ـ كما لو كان التذكر في صلاة العصر أو في العشاء قبل القيام إلى الركعة الرابعة ـ أو يكون بعده ، وعلى الثاني فإمّا أن يكون قبل الدخول في الركن أو يكون بعده كما لو تذكر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة ، فالصور ثلاث :

   أما في الصورة الاُولى : فلا إشكال في الصحة وأنه يعدل عما بيده إلى الفريضة السابقة ، وقد ورد به النص الصحيح ، قال (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «وإن ذكرت أنك لم تصل الاُولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الاُولى ثم صل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر»(1) .

   وأما في الصورة الثانية : فالمشهور هو الصحة أيضاً والعدول إلى السابقة ، لكن الشأن في مستنده ، فان الصحيحة المزبورة قاصرة الشمول لهذه الصورة ، لاختصاص موردها بعدم التجاوز عن الحد المشترك .

   ورواية عبد الرحمن : «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها ، فاذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي . .» الخ(2) وإن كانت باطلاقها شاملة للمقام ، فان قوله : «بدأ بالتي نسي» الظاهر في إرادة العدول يشمل صورتي التجاوز القدر المشترك وعدمه ، لكنها ضعيفة السند بـ (معلى بن محمد) وقد حاول شيخنا النوري (قدس سره)(3) توثيقه بذكر اُمور لا يعبأ بشيء منها بعد تصريح النجاشي(4) بضعفه في حديثه ومذهبه ، ومنه تعرف أنه لا ينفع وجوده في أسناد كامل الزيارات . وكذا تفسير القمي بعد معارضته بالتضعيف المزبور(5) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 290 / أبواب المواقيت ب 63 ح 1 .

(2) الوسائل 4 : 291 / أبواب المواقيت ب 63 ح 2 .

(3) خاتمة المستدرك 5 : 323 / 318 .

(4) رجال النجاشي : 418 / 1117 .

(5) لكنه اختار دام ظله في المعجم وثاقته لاحظ المجلد 19 : 280 / 12536 .

ــ[400]ــ

   نعم ، يمكن الاستدلال للصحة بل وتطبيقها على القاعدة بأن محتملات المسألة ثلاثة : إما البطلان أو الإتمام عشاء ، أو العدول بها إلى المغرب ، ولا رابع .

   لكن الأول مدفوع بحديث لا تعاد ، إذ لا موجب لتوهم البطلان ما عدا الإخلال بالترتيب ، المنفي بالحديث بعد اندراجه في عقد المستثنى منه .

   والثاني يستوجب الإخلال بالترتيب عامداً في الركعة الاخيرة بناءً على ما هو الصواب من أنه شرط في تمام الأجزاء بالأسر لا في خصوص المجموع(1) ، إذ عليه وإن كان الإخلال بالإضافة إلى الأجزاء السابقة مستنداً إلى الغفلة لكنه بالنسبة إلى اللاحقة صادر عن علم وعمد ، فالإتمام عشاء إخلال عمدي للترتيب بقاءً ، فهذا الاحتمال يتلو سابقه في الضعف ، فلا جرم يتعين الاحتمال الثالث . إذن فالعدول وإن كان في حد نفسه مخالفاً للقاعدة ومحتاجاً إلى دليل خاص ، لكنه في خصوص المقام مطابق للقاعدة الثانوية بالبيان المتقدم . فما عليه المشهور هو الصحيح .

   وأما في الصورة الثالثة : ـ أعني ما لو كان التذكر بعد الدخول في ركوع الرابعة ـ فقد احتاط في المتن وجوباً بالاتمام عشاءً ثم إعادتها بعد المغرب ، ولكنه مخالف لما اختاره في المسألة الثالثة من مبحث الأوقات(2) من الفتوى بالبطلان ، وهو الأقوى ، فيجوز قطعها والإتيان بها بعد المغرب ، إذ لا سبيل للتصحيح لا عشاء لما عرفت من استلزامه الاخلال بالترتيب عامداً بالإضافة إلى الأجزاء اللاحقة ، ولا بالعدول إلى المغرب لفوات محله بالدخول بالركن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [لعل الصحيح التعبير بالشروع بدل المجموع ، لأن اعتبار الترتيب في المجموع ـ المراد به    العام المجموعي ـ معناه اعتباره في خصوص ما إذا كان ملتفتاً إليه من أول الصلاة إلى    آخرها ، فاذا غفل عنه في جزء منها سقط اعتباره . ولازمه صحة الصلاة فيما إذا دخل فيها    مخلاًّ بالترتيب عمداً مع زوال التفاته فيما بعد لحظة ، وهذا لا يمكن الالتزام به . فلعل منشأ  التعبير بالمجموع هو الغفلة عن هذا اللازم وتخيل اتحاد التعبيرين في المعنى] .

(2) العروة الوثقى 1 : 374 / مسألة 3 / 1182 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net