أدلّة المحقق الهمداني على عدم الاشتراط 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4581


   الجهة الثانية : وقد استدلّ المحقق الهمداني (قدس سره)(1) على عدم اعتبار الاستقبال حال الاستقرار بعدة من الأخبار ، التي هي بمنزلة المانع عن الأخذ بما تقدم من المقتضي .

   أحدها : صحيحة زرارة ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال له : «استقبل القبلة بوجهك ، ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فان الله (عزوجل) يقول لنبيه في الفريضة : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْـمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ . . . )»الخ(2) فانّ التقييد بالفريضة يكشف عن اختصاص الاعتبار بها فلا يشترط الاستقبال في النافلة مطلقاً ، لاختصاص الآية حسب تصريح الامام (عليه السلام) بالفريضة .

   ويتوجه عليه أوّلاً : أنّ الصحيحة مورداً واستشهاداً ناظرة إلى بيان حكم آخر أجنبي عن محل الكلام . توضيحه : أنّ هنا بحثين :

   أحدهما : في اعتبار الاستقبال في الصلاة مطلقاً ، أو اختصاصه بالفريضة فقط ، ونعني بذلك لزوم إيقاع الأجزاء الصلاتية من التكبيرة إلى التسليم حال الاستقبال ، فيبحث عن أنّ ذلك هل يختص بالفريضة أم يعم النافلة ؟

   ثانيهما : في قاطعية الالتفات إلى الخلف أو اليمين أو الشمال أثناء الصلاة ولو في غير حال الاشتغال بالذكر ، وأنّها هل تبطل الصلاة [به] مطلقاً أو في خصوص الفريضة ، وهذا بحث آخر لا يتكفله مجرد اعتبار الاستقبال في الصلاة بنفسها ، بل يحتاج إلى دليل بالخصوص كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 108 السطر 19 .

(2) الوسائل 4 : 312 / أبواب القبلة ب 9 ح 3 ، الكافي 3 : 300 / 6 ، الفقيه 1 : 180 /    856 ، التهذيب 2 : 286 / 1146 .

ــ[20]ــ

   وبالجملة : فهذان بحثان مستقلان . ومن هنا ذكرهما الفقهاء في مقامين فذكروا الاستقبال في باب الشرائط ، والالتفات في باب القواطع . ومحلّ الكلام هنا إنّما هو الأوّل ، وأمّاالصحيحة فهي ناظرة إلى المقام الثاني كما يرشد اليه قوله (عليه السلام) : «ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد . . .»الخ ، والاستشهاد بالآية إنّما هو لهذه الغاية ، ولا نضايق من اختصاص ذلك بالفريضة عملاً بهذه الصحيحة ، فنلتزم بعدم قاطعية الالتفات أثناء النافلة ما لم يخلّ برعاية الاستقبال في نفس الأجزاء . وأمّا أصل اعتبار الاستقبال في الصلاة ـ الذي هو محلّ الكلام في المقام كما عرفت ـ فالصحيحة غير متعرضة لذلك رأساً ، ولا نظر فيها إلى اطلاقه أو تقييده ، فالاستدلال بها ناش من الخلط بين المقامين كما لا يخفى .

   وثانياً : أنّ الاستدلال بها يتوقف على الالتزام بمفهوم الوصف كي يدل التقييد بالفريضة على انتفاء الحكم عن النافلة ، وهو ممنوع . نعم ، ذكرنا في محلّه ـ في الاُصول ـ ثبوت المفهوم للوصف لكن في الجملة(1) دون المفهوم الاصطلاحي الدال على الانتفاء عند الانتفاء كما في الجملة الشرطية .

   وملخص ما قلناه : أن غاية ما يستفاد من التقييد بالوصف عدم ثبوت الحكم للطبيعة المهملة أينما سرت ، وإلا كان التقييد به من اللغو الظاهر ، فاذا ورد : أكرم الرجل العادل . دلّ التقييد على عدم كون الرجل باطلاقه موضوعاً للحكم بحيث لو ورد في دليل آخر وجوب إكرام الرجل مطلقاً
كان معارضاً لهذا الدليل ، لكنه لا يدل على انتفاء الحكم عن حصة اُخرى من الطبيعة كالهاشمي مثلاً وإن لم يكن عادلاً ، فلا معارضة بينه وبين قوله : أكرم الهاشمي وإن كان فاسقاً . كما كانت المعارضة لو صدرت الجملة السابقة على صورة القضية الشرطية ، كأن يقول : أكرم الرجل إن كان عادلاً ، بدل قوله : أكرم الرجل العادل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 133 .

 
 

ــ[21]ــ

   وبعبارة اُخرى : الوصف مشعر بالعلية ، دون العلية المنحصرة التي هي مناط الدلالة على المفهوم الاصطلاحي كما في أداة الشرط .

   وعليه فغاية ما يستفاد من التقييد بالفريضة في الصحيحة عدم اعتبار الاستقبال في الصلاة على إطلاقها ، وأن هذه الطبيعة أينما سرت ليست موضوعاً للحكم ، ويكفي في صدق ذلك عدم اعتباره في النافلة حال السير كما دلت عليه الأدلة الخاصة على ما سيجيء إن شاء الله تعالى(1) وأن عدم ثبوت الحكم في حصة اُخرى من الطبيعة ـ وهي النافلة حال الاستقرار الذي هو محل الكلام ـ فليس ذلك مستفاداً من مفهوم الوصف كما عرفت .

   ومن الغريب أن المحقق الهمداني (قدس سره) مع عدم التزامه بمفهوم الوصف رأساً كيف استدلّ بهذه الصحيحة في المقام .

   ثانيها : ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب الجامع للبزنطي صاحب الرضا (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته ؟ قال : اذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به ، وان كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود»(2) ورواه الحميري في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن عن جده علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)(3) .

   وهذه الرواية المروية بطريقين وان كانت ضعيفة بالطريق الثاني ، لمكان عبدالله بن الحسن ، لكنها موثقة بالطريق الأول ، ولا يقدح(4) فيه جهالة طريق ابن إدريس إلى كتاب الجامع ، لما هو المعلوم من مسلكه من إنكاره حجية الخبر الواحد وانه لا يعتمد الا على الخبر المتواتر أو ما في حكمه مما يورث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في المقام الثاني .

(2) الوسائل 7 : 246 / أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8 ، السرائر 3 : 572 .

(3) قرب الإسناد : 210 / 820 .

(4) ولكنّه (قدس سره) بنى أخيراً على القدح .

ــ[22]ــ

القطع بالصدور فيظهر أنّ الكتاب واصل اليه بالتواتر أو ما في حكمه . فالرواية صحيحة السند لكنها قاصرة الدلالة ، لعين ما مرّ في الصحيحة السابقة من المناقشة الاُولى ، أعني ورودها في الالتفات في الأثناء إلى الخلف أو اليمين أو اليسار ، لا في اعتبار أصل الاستقبال الذي هو محل الكلام .

   ثالثها : ما رواه العياشي في تفسيره عن زرارة قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الصلاة في السفر في السفينة والمحمل سواء ؟ قال : النافلة كلّها سواء ، تومئ إيماءً أينما توجهت دابّتك ـ إلى أن قال ـ قلت : فأتوجه نحوها في كلّ تكبيرة ؟ قال : أمّا النافلة فلا ، إنّما تكبّر على غير القبلة الله أكبر ، ثم قال : كلّ ذلك قبلة للمتنفّل (أَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)»(1) فان موردها وإن كان الصلاة في خصوص السفر ، إلا أنّه يستفاد من قوله (عليه السلام) في الذيل : «كل ذلك قبلة للمتنفل» مستشهداً بالآية المباركة ـ الذي هو بمنزلة التعليل لما تقدمه ـ إرادة تطبيق كبرى كلية على المقام من دون خصوصية للمورد ، وأن قبلة المتنفل على الإطلاق إنما هي حيث ما توجه ، والتنفّل في السفر من مصاديق تلك الكبرى ، وإلا فالحكم يعم المسافر والحاضر حال السير والاستقرار .

   والإنصاف : أنّ الرواية قوية الدلالة ، فيصح الاستدلال بها لولا أنّها ضعيفة السند ، فانّ الروايات التى تضمنها تفسير العياشي بأجمعها مرسلة ، نشأ ذلك من حذف المستنسخ أسانيد الحديث روماً للاختصار ، زعماً منه أنّه خدمة ، غافلاً عما يترتب عليه من إسقاط تلك الروايات برمتها عن درجة الاعتبار ، سامحه الله وغفر له .

   وقد تحصّل من جميع ما تقدم : أنّ الأقوى اعتبار الاستقبال في النافلة حال الاستقرار ، لتمامية المقتضي وعمدته صحيحة زرارة : «لا صلاة إلا إلى القبلة»(2) وعدم وجود المانع كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 324 / أبواب القبلة ب 13 ح 17 ، تفسير العياشي 2 : 56 / 81 .

(2) الوسائل 4 : 312 / أبواب القبلة ب 9 ح 2.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net