انفعال القليل بالمتنجس ومناقشة الآخوند والاصفهاني (قدس سرهما) 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6453


ــ[137]ــ

 انفعال القليل بالمتنجسات

   الجهة الرابعة : أن ما ذكرنا من انفعال القليل بالملاقاة هل يختص بملاقاة الأعيان النجسة أو يعم ملاقاة المتنجسات أيضاً ؟

   ذهب المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) إلى أن المتنجس لا ينجس القليل(1) ووافقه على ذلك شيخنا المحقق الكبير الشيخ محمد حسين الأصفهاني (قدس سره) في بحثه الشريف مستدلاً بأ، مدرك انفعال القليل بالملاقاة إما هو الاجماع وهو غير متحقق في ملاقاة المتنجسات على نحو يفيد القطع بالحكم كما هو المطلوب في الأدلّة اللبّية ، والمقدار المتيقن منه هو خصوص ملاقاة الأعيان النجسة ، وإما الروايات الواردة في تحديد الكر ، وهي وإن دلت على انفعال القليل بما لا ينفعل به الكثير ، إلاّ أن مدلولها تعليق العموم لا السلب العام فمفهومها ان القليل ينجسه شيء ما ، فإن السالبة الكلية تناقضها الموجبة الجزئية وليس هذا الشيء هو التغيّر قطعاً ، لأنّه ينجّس الكثير أيضاً ولا اختصاص له بالقليل ، فتعيّن أن يكون هو ملاقاة النجاسات كما هي المتيقن ، وإذا ثبت منجسية شيء منها ثبت منجسية غيره من الأعيان النجسة أيضاً لعدم القول بالفصل، أو لما دلّ من الأخبار الخاصة على منجسية الأعيان النجسة وأمّا المتنجسات فلا يستفاد منها أنها كالنجاسات كما أسلفناه في الاُصول . وإما هو الأخبار الخاصة وهي إنما تختص بعين ا لنجسات من الكلب والدم والبول وغيرها من الأعيان النجسة ، كما أنها المنسبق من الشيء في الأخبار العامة ولا أقل أنها القدر المتيقن منه كماأشرنا إليه آنفاً ، وعلى الجملة لا دليل على انفعال القليل بالمتنجسات .

   ولا يخفى أنه وإن لم ترد رواية في خصوص انفعال القليل بملاقاة المتنجسات إلاّ أن مقتضى إطلاق غير واحد من الأخبار أن القليل ينفعل بملاقاة المتنجسات كماينفعل بملاقاة الأعيان النجسة ، وإليك جملة منها :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقل عنه فى المستمسك 1 : 146 .

ــ[138]ــ

   منها : ما رواه أبو بصير عنهم (عليهم السلام) قال : «إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس ، إلاّ أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الماء وفيها شيء من ذلك فاهرق ذلك الماء»(1) حيث دلت على أن ملاقاة اليد المصابة ببول أو مني تنجس الماء القليل مطلقاً سواء أكان فيها عين البول أو المني موجودة أم لم تكن .

   ومنها : صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «سألت أباالحسن (عليه السلام) عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة ؟ قال يكفئ الاناء»(2) ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين صورتي وجود عين النجاسة في اليد ، وزوالها عنها .

   ومنها : موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إن أصاب الرجل جنابة فأدخل يده في الاناء فلابأس إذا لم يكن أصاب يده شيء من المني»(3) ومفهومها أن اليد إذا أصابها شيء من المني وأدخلها في الاناء ففيه بأس وإطلاق مفهومها يشمل ما إذا كانت عين المني موجودة في اليد ، وما إذا زالت عينها .

   ومنها : موثقة اُخرى لسماعة قال : «سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الإناء قبل أن يفرغ على كفّيه ؟ قال : يهريق... وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شيء من المني...»(4) ومفهومها أنّه إذا أصابها شيء من المني ففيه بأس ، وإطلاق مفهومها يعمّ صورتي وجود عين المني في يده وزوالها عنها ، وقد صرح (عليه السلام) بهذا المفهوم بعد ذلك بقوله : وإن كان أصاب يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كلّه .

   ومنها : ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل اصبعه فيه ؟ قال : إن كانت يده قذرة فاهرقه ...»(5) وهي أيضاً مطلقة تشمل صورتي وجود عين النجس ، ووالها عن اليد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) الوسائل 1 : 152 / أبواب الماء المطلق ب 8 ح 4 ، 7 ، 9 .

(4) الوسائل 1 : 154 / أبواب الماء المطلق ب 8 ح 10 .

(5) الوسائل 1 : 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 11 .

ــ[139]ــ

   وعلى الجملة أن الأخبار مطلقة ، والاطلاق يكفي في الحكم بانفعال الماء القليل بالمتنجسات ، ومعه لا تسعنا المساعدة لما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدس سره» من التفصيل بين ملاقاة النجاسات والمتنجسات كما لا وجه لما ادعاه من عدم دلالة دليل على منجسية المتنجس للقليل ، فإن إطلاقات الأخبار تكفي دليلاً على المدعى ، ومجرد أن انفعال القليل بملاقاة الأعيان النجسة هو المقدار المتيقن من المطلقات ، لا يمنع عن التمسك باطلاقاتها لما قررناه في الاُصول من أن وجود القدر المتيقن في البين غير مضر بالإطلاق(1) .

   وقد يتوهّم تقييد تلك المطلقات بما ورد في رواية أبي بصير المتقدمة من قوله (عليه السلام) «إلاّ أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الماء وفيهاشيء من ذلك فاهرق ذلك الماء...» حيث قيّد (عليه السلام) الحكم بانفعال الماء بما إذا أدخل يده في الماء وفيها شيء من قذر بول أو جنابة ، ووجود القذر في اليد إنما يكون بوجود عين البول والجنابة فيها دون ما إذا زالت عينهما عن اليد ، فمقتضى الرواية عدم انفعال الماء القليل بملاقاة مثل اليد المتنجسة فيما إذا زالت عنها عين القذر من البول والمني فالمتنجس لا يوجب التنجيس وبها نقيّد اطلاق سائر الأخبار .

   ولا يخفى عدم امكان المساعدة عليه ، وذلك لأن للقذر اطلاقين : فربما يطلق ويراد منه المعنى الاشتقاقي بمعنى الحامل للقذارة ، وعليه فاضافته إلى البول والجنابة إضافة بيانية كخاتم فضة أي قذر من بول أو جنابة ولابأس بالاستدلال المتقدم حينئذ، فإن مفهوم الرواية أنّه إذا لم يكن في اليد بول أو جنابة فلا بأس بادخالها الاناء .

   واُخرى يطلق ويراد منه المعنى المصدري أي القذارة ، وبهذا تكون اضافته إلى البول والجنابة اضافة نشوية ومعناه أن في اليد قذارة ناشئة من بول أو جنابة ، وعليه لا يتم الاستدلال المذكور بوجه لأن اليد حينئذ وإن كانت خالية عن البول والجنابة إلاّ أنها محكومة بالقذارة النائشة من ملاقاة البول أو الجنابة ، فصح أن يقال فيها شيء من القذر ، وبما أنه لا قرينة على تعيين ارادة أحد المعنيين فتصبح الرواية بذلك مجملة ولا يصح الاستدلال بها على التقييد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 370 .

ــ[140]ــ

   هذا كلّه على أن الرواية غير خالية عن المناقشة في سندها حيث إن في طريقها عبد الله بن المغيرة ولم يظهر أنه البجلي الثقة ، فالرواية ساقطة عن الاعتبار .

   ونظيرها في توهم التقييد رواية علي بن جعفر(1) إلاّ أن شذوذها واشتمالها على ما لا يلتزم به الأصحاب ، وهو تفصيلها في الحكم بالانفعال وعدمه بين صورتي وجدان ماء آخر وعدم وجدانه ، يمنع عن رفع اليد بها من المطلقات .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net