المختار في نحو أخذ الموضوع في مورد البحث 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3766


ــ[293]ــ

   إذا عرفت هذه الاُمور فنقول : لا شبهة أنّ الموضوع في مسألتنا هذه لم يكن شخصياً ، وإنّما هو كلّي ، وهو عدم كون اللباس من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، كما لا شبهة في عدم كونه ملحوظاً على سبيل صرف الوجود ، لعدم تصوّره في الأحكام التحريمية كما عرفت ، فيدور الأمر بين كونه ملحوظاً على سبيل الانحلال والاستغراق أو على سبيل العموم المجموعي لتمام الأفراد ، وحيث لا يحتمل الثاني في المقام ، إذ مضافاً إلى امتناع إحصائها تبطل الصلاة في بعضها بالضرورة ، فلا جرم يتعيّن الأوّل ، فلكلّ فرد من أفراد ما لا يؤكل نهي يخصه . إذن فكلّ ما اُحرز فيه الصدق وأنّه مما لا يؤكل فهو منهيّ عنه ، وكلّ ما شك في الصدق فقد شك في تعلّق النهي به فيرجع إلى أصالة البراءة حسبما سبق .

   هذا إذا اُخذ بظاهر النهي وقلنا بأنّ المستفاد منه الزجر عن لبس ما لا يؤكل ، وأمّا لو أنكرنا ذلك ، نظراً إلى أنّه لا مقتضي للزجر الحقيقي والنهي المولوي ، إذ لا يحتمل أن تكون الصلاة فيما لا يؤكل ذات مفسدة في نفسها تستتبع التحريم النفسي إلا بعنوان التشريع ـ وهو أمر آخر خارج عن نطاق البحث ، وما نحن بصدده ـ فلا جرم يكون النهي في أمثال هذه المقامات من المركّبات الاعتبارية إرشاداً إلى الفساد والمانعية ، كما أنّ الأمر إرشاد إلى الجزئية أو الشرطية .

   ونتيجة ذلك تقيّد الصلاة بعدم الوقوع في شيء من أفراد ما لا يؤكل فكانت مقيّدة بهذه الأعدام الخاصة ، كما أنّها مقيّدة بوجودات كذلك ، والكلّ متعلّق للتكليف الغيري الضمني ، إذن فكلّ فرد اُحرز أنّه مما لا يؤكل فقد علمنا بتقيّد الصلاة بعدم الوقوع فيه ، وكلّ ما شك فيه فقد شك في تقييد زائد مدفوع بأصالة البراءة على ما هو الشأن من الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطيين .

   ولكن هذا كلّه مبني على ما هو الصواب من اعتبار نفس هذه الأعدام في الصلاة ، أعني القول بالمانعية .

ــ[294]ــ

   وأمّا بناء على القول بأنّ المعتبر هو عنوان وجودي ملازم لعدم لبس ما لا يؤكل أو منتزع منه ، وأنّ النهي إرشاد إلى اعتبار ذلك العنوان كما يقتضيه القول بالشرطية ، فالمرجع حينئذ قاعدة الاشتغال ، للشك في حصول ذاك العنوان المنوط به الامتثال ، والأصل عدمه . وإن شئت فقل : يندرج المقام حينئذ في كبرى الشك في المحصّل التي هي مورد لقاعدة الاشتغال بلا إشكال .

   ولكنّك عرفت ضعف المبنى عند التكلم حول موثقة ابن بكير(1) وأنّه لا يستفاد منها ولا من غيرها من نصوص الباب ما عدا المانعية دون الشرطية ، فلاحظ ولا نعيد ، هذا .

   ومما يؤكد القول بالمانعية تسالم الأصحاب على أنّ من اضطر إلى لبس ما لا يؤكل أو الحرير او النجس وما شاكلها مما ورد النهي عنه في الصلاة لا يجوز له الاقتحام إلا بمقدار الاضطرار ، فلا يسوغ له لبس الأكثر من القدر المضطر إليه ، وهذا خير دليل على أنّ مورد الاعتبار الشرعي هو نفس هذه الأعدام ، فيرتفع الاعتبار بمقدار الاضطرار بعد فرض الانحلال ، فانّ الضرورات تقدّر بقدرها .

   وهذا بخلاف ما إذا كان مورد الاعتبار هو العنوان الوجودي الملازم لهذه الأعدام ، إذ هو عنوان بسيط ملازم لجميع تلك الأعدام لا لبعضها ، فاذا سقط عن الشرطية بالاضطرار امتنع تحصيله ، ومعه لا مقتضي للاقتصار على مورد الاضطرار ، إذ لا يتفاوت الحال بينه وبين ما لو زاد عليه في مناط الحكم . فكيف ينسجم ذلك مع فتوى المشهور بلزوم الاقتصار حسبما عرفت .

   إلا أن يقال : إنّ العنوان الوجودي ملازم للأعدام الممكنة وللأفراد التي يجب تركها وهي المقدورة منها ، فان كانت بأجمعها مقدورة كان ملازماً لها أجمع وإن تعذّر بعضها لاضطرار ونحوه كان ملازماً للبعض الآخر المقدور ، فيجب تركه تحصيلاً للعنوان الملازم له .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 218 .

ــ[295]ــ

   أو يقال : إنّ العنوان المزبور له مراتب بعضها عالية ويحصل بترك الجميع وبعضها دانية يحصل بترك البعض ، فيتنزّل عند تعذّر العالية إلى المرتبة النازلة كما في الطهارة المائية والترابية .

   ولكنّك خبير بأنّ هذا كلّه فرض في فرض ومجرد دعاوى فارغة غير بينة ولا مبينة ، فانّ أصل اعتبار العنوان الوجودي لا دليل عليه ، وعلى تقديره لا دليل على كونه بأحد النحوين ، بل الصحيح الذي يساعده الدليل هو اعتبار الأعدام في أنفسها وعلى سبيل المانعية ، فيرجع فيما يشك في تقيّد الصلاة بعدمه إلى أصالة البراءة حسبما عرفته مستوفى ، من غير فرق بين الساتر والمحمول وبين ما كان مع المصلّي في مفتتح صلاته وغيره ، وبين ما علم اتخاذه من الحيوان وبين ما احتمل أخذه من غيره كالقطن أو الاسفنج ، لاتحاد المناط في الجميع .

   وأمّا ما ذكره العلامة(1) من اعتبار الوقوع فيما أحلّ الله أكله لا عدم الوقوع في غير المأكول ، استناداً إلى استفادة الشرطية من قوله (عليه السلام) في ذيل موثقة ابن بكير : «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّى في غيره مما أحلّ الله أكله . .» الخ(2) ومعه لا مجال للبراءة في إثبات ما علم تعلّق التكليف به ، بل لابدّ من إحراز الامتثال بقاعدة الاشتغال .

   فقد سبق التعرّض لجوابه(3) وعرفت أنّ المشار إليه في قوله : «تلك الصلاة . . .» الخ ليس هو شخصها ، لامتناع تصحيحها بعد وقوعها في غير المأكول ، بل كلّي الصلاة التي تقع في أجزاء الحيوان ، وحيث إنّ له قسمين غير مأكول ومأكولاً وقد حكم في الصدر بالبطلان في القسم الأول الذي استفيد منه المانعية ، فلا جرم تكون الصحة منوطة بالوقوع في القسم الثاني ، فالذيل بيان لمفهوم الصدر ، ولا يتكفّل حكماً آخر ليدلّ على الشرطية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المنتهى 4 : 236 .

(2) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .

(3) في ص 221 .

ــ[296]ــ

   بل قد عرفت فيما سبق(1) إمكان التصحيح حتى على القول بالشرطية استناداً إلى الأصل الموضوعي الحاكم على أصالة الاشتغال ، وهو استصحاب عدم تعلّق الحرمة بالحيوان المتخذ منه هذا اللباس بعد ما عرفت من تدريجية التشريع .

   ولكنّه يختص بما إذا علم الاتخاذ من الحيوان ، لا ما تردد بين الأخذ من غير المأكول أو من غير الحيوان كالقطن ، إذ لا أثر للأصل المزبور حينئذ كما لا يخفى .

   وقد تحصّل من جميع ما قدمناه : أنّه بناءً على القول بالشرطية فالمرجع قاعدة الاشتغال إلا مع وجود الأصل الموضوعي الحاكم .

   وأمّا بناءً على القول بالمانعية ـ كما هو الصحيح وعليه المشهور ـ فالأقوى جواز الصلاة في اللباس المشكوك ، أولاً لأجل التمسك باستصحاب العدم الأزلي .

   ومع الغض عنه فالتمسك باستصحاب العدم النعتي ، إمّا مطلقاً بناءً على أنّ مركز الاعتبار هو المصلي كما هو المختار ، أو في خصوص ما إذا لبسه في الأثناء لو كان المركز هوالصلاة .

   ومع الغض عنه أيضاً فالتمسك بأصالة البراءة ، من غير فرق بين جميع الصور كما تقدّم تفصيله بنطاق واسع .

   هذا تمام الكلام في مسألة جواز الصلاة في اللباس المشكوك ، والحمد لله ربّ العالمين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الوجه الرابع ص 245 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net