الصلاة فى غير المأكول جهلاً أو نسياناً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4184


ــ[297]ــ

   [1287] مسألة 19 : إذا صلّى في غير المأكول جاهلاً أو ناسياً فالأقوى صحة صلاته (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) إذا بنينا على جواز الصلاة في اللباس المشكوك فيه فلا ريب أنّ هذا الجواز حكم ظاهري مقرّر في ظرف الجهل بالموضوع ، فلو صلّى فيه استناداً إلى دليل الجواز فانكشف الخلاف بعدئذ ، أو صلّى غافلاً أو ناسياً أو معتقداً بعدم كونه من غير المأكول ثم انكشف الخلاف ، فالمشهور المعروف حينئذ التفصيل بين صورتي الجهل والنسيان فيحكم بالصحة في فرض الجهل مطلقاً بسيطاً كان أم مركّباً ، وبالبطلان في فرض النسيان . واختار السيد الماتن (قدس سره) الصحة في كلتا الصورتين .

   وقد وجّه التفصيل شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(1) بعد اختياره بما حاصله بتوضيح منّا : أنّ الحكم بالصحة في صورة الجهل مستند إلى النصّ الخاص وهي صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : «سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته ؟ قال (عليه السلام) : إن كان لم يعلم فلا يعيد»(2) . فيظهر منها أنّ المانعية ذكرية لا واقعية .

   وأمّا البطلان عند النسيان فلقوله (عليه السلام) في موثق ابن بكير : «لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصليها في غيره مما أحلّ الله أكله»(3) فانّ هذه الفقرة ظاهرة في التأسيس ، وناظرة إلى الجعل الثانوي بالإضافة إلى مرحلة الامتثال وليست تأكيداً للفقرة السابقة أعني قوله (عليه السلام) : «فالصلاة في وبره

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في كتاب الصلاة 1  : 168 ـ 169 .

(2) الوسائل 3  : 475 / أبواب النجاسات ب 40 ح 5 .

(3) الوسائل 4  : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .

ــ[298]ــ

وشعره ـ إلى قوله : ـ وكلّ شيء منه فاسدة» المتكفّلة لبيان المانعية بحسب الجعل الأوّلي ، فانّ الحمل على التأكيد على خلاف الأصل . فالمتحصّل من مجموع الموثقة حكمان تأسيسيان :

   أحدهما : جعل المانعية لما لا يؤكل بحسب أصل الشرع وبالعنوان الأوّلي وقد دلّت على ذلك الفقرة السابقة .

   الثاني : أنّه لو صلّى فيما لا يؤكل لجهة من الجهات من غفلة أو جهل أو نسيان فانّه لا يجتزئ بتلك الصلاة حتى يصلّيها في غيره مما أحلّ الله أكله . وهذا هو المستفاد من الفقرة اللاحقة أعني قوله (عليه السلام) : «لا يقبل الله تلك الصلاة . . .» الخ التّي هي في قوة الأمر بالإعادة .

   وعليه فتقع المعارضة بين الموثقة في هذه الفقرة وبين حديث لا تعاد بالعموم من وجه ، لأعميّة الاُولى بالنسبة إلى صورتي الجهل والنسيان واختصاصها بما إذا كان الخلل من حيث الوقوع فيما لا يؤكل ، كما أنّ الحديث عام بالإضافة إلى هذا الخلل وغيره وخاص بالنسيان ـ لعدم شموله للجاهل بناءً على مختاره (قدس سره) من الاختصاص بالناسي ـ ومورد المعارضة هي الصلاة الواقعة فيما لا يؤكل نسياناً ، فتجب الإعادة بمقتضى الموثّق ، ولا تجب بمقتضى الحديث .

   إلا أنّ صورة الجهل خارجة عن الموثّق بمقتضى صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة النافية للإعادة فيما لو صلّى وهو لا يعلم ، فيختصّ الموثّق بالناسي فتنقلب النسبة حينئذ بينه وبين الحديث إلى العموم والخصوص المطلق ، إذ الموثّق يكون حينئذ أخصّ من الحديث كما لا يخفى ، فيخصّص الحديث به ونتيجة ذلك الحكم بالبطلان ووجوب الإعادة في صورة النسيان . فاتّجه التفصيل حينئذ في المقام بين الجهل والنسيان ، فيحكم بالصحة في الأوّل لصحيحة عبد الرحمن ، وبالبطلان في الثاني للموثق كما عليه المشهور .

   أقول : الذي ينبغي أن يقال في المقام : أمّا بالنظر إلى الصحيحة فهي غير شاملة لجميع فروض الجهل ، فانّ موردها عذرة الإنسان أو السنّور أو الكلب

ــ[299]ــ

فيحكم بالعفو عنها من حيث النجاسة ومن حيث كونها جزءاً لما لا يؤكل وبالأولوية القطعية يتعدّى إلى غيرها من سائر أجزاء ما لا يؤكل الطاهرة كشعر السنّور مثلاً . وأمّا التعدّي إلى غيرها من سائر الأجزاء النجسة كالمني والبول والدم فهو قياس محض بعد فقد الأولوية كما لا يخفى .

   على أنّ موردها المحمول ، فالتعدّي إلى الملبوس قياس قطعاً ، مضافاً إلى أنّ موردها الثلاثة فكيف يتعدّى إلى غيرها من سائر الحيوانات . ومن الواضح أنّ اللازم في الحكم المخالف للقاعدة هو الاقتصار على المقدار المتيقن ، دون التعدي إلى غيره مما لم يساعده الدليل . فالصحيحة غير عامة لجميع مصاديق الجهل .

   ومنه يظهر عدم انقلاب النسبة بين الموثّق وحديث لا تعاد حتى بعد تخصيصه بالصحيحة ، لعدم خروج فروض الجهل عن الموثّق بأجمعها كما عرفت .

   وأمّا بالنظر إلى الموثّق فان بنينا على ظهور الفقرة الثانية في التأكيد ـ كما هو الصحيح ـ ولا أقل من عدم الظهور في التأسيس ، حيث إنّه (عليه السلام) بعد ما حكم بمانعيّة ما لا يؤكل بمقتضى الفقرة السابقة فلازمه عقلاً وعرفاً لزوم الإعادة لو صلّى فيه ، وعدم قبوليّة تلك الصلاة إلا بأن يصلّيها ثانياً فيما أحلّه الله ، فلو اُلقي هذا الكلام على العرف لم يفهم منه حكماً جديداً ، بل رأى أنّ ذلك من توابع الحكم الأوّل ومستتبعاته ومن شؤونه ولوازمه ، والتأكيد وإن كان على خلاف الأصل لكنّه في الكلام الذي يكون قابلاً للحمل على التأسيس بحسب الفهم العرفي ، بحيث دار الأمر بينهما ، دون ما لا يقبل ـ كما في المقام ـ فلا ظهور للفقرة الثانية في انشاء حكم ثانوي مجعول للمصلّي فيما لا يؤكل ناسياً أو جاهلاً ، بل هي ظاهرة في أصل جعل المانعية تأكيداً للفقرة الاُولى كما عرفت .

   فعليه لاريب في حكومة حديث لا تعاد على الموثّق ، كغيره من سائر الأدلّة المتكفّلة للأحكام الأوّلية التي هي محكومة بالنسبة إلى الحديث ، وحينئذ فتتبع الحكومة مقدار دلالة الحديث سعة وضيقاً .

ــ[300]ــ

   فان قلنا بشموله للجاهل كالناسي ـ كما هو الصحيح ـ لزم الحكم بصحة الصلاة في كلتا الصورتين كما عليه الماتن (قدس سره) وكانت الصحيحة ـ أعني صحيحة عبدالرحمن المتقدمة ـ مؤكّدة للصحة في الجاهل بالإضافة إلى بعض فروضه كما عرفت ، وإلا فمستند الحكم على سبيل الإطلاق إنّما هو الحديث .

   وإن قلنا باختصاصه بالناسي اختصت الصحّة به دون الجاهل إلا في بعض فروضه المندرجة تحت الصحيحة المتقدمة كما مرّ . فيفصّل حينئذ بين صورتي الجهل والنسيان ، ويحكم بالصحة في الثاني دون الأوّل على عكس التفصيل المنسوب إلى المشهور .

   وإن بنينا على ظهور الفقرة الثانية في التأسيس كما عليه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) وأنّها متعرّضة لبيان حكم جديد ، وهو لزوم الإعادة لو صلّى فيما لا يؤكل وقعت المعارضة حينئذ بين الموثّق وحديث لا تعاد بالعموم من وجه ، حتى بعد تخصيص الموثّق بالصحيحة المتقدّمة ، لا لمجرد اختصاص الصحيحة ببعض فروض الجهل كما أشرنا إليه ، بل لو أغضينا النظر عن ذلك وسلّمنا شمولها لتلك الفروض وغيرها كانت النسبة أيضاً كذلك .

   والوجه فيه : أنّ الصحيحة خاصة بالشبهات الموضوعية ، ولا تعمّ الشبهة الحكمية كما هو ظاهر ، فالجاهل بالحكم باق تحت الموثّق حتى بعد تخصيصه بالصحيحة ، وهو غير مشمول لحديث لا تعاد ، فانّا وإن عممنا الحديث للجاهل لكنّه يختص بما إذا كان الجهل عذراً كالجهل بالموضوع أو بالحكم إذا كان عن قصور ، دون الجاهل بالحكم عن تقصير الذي هو الغالب الشائع من مصاديق الجهل ، وإلا لزم حمل أدلّة الأحكام الأوّلية ـ كقوله (عليه السلام) : من تكلّم أو من أحدث في صلاته فعليه الإعادة ، ونحو ذلك ـ على العالم المتعمّد أو الجاهل بالموضوع أو بالحكم عن قصور التي هي أقلّ قليل بالإضافة إلى الجاهل بالحكم عن تقصير ، بل هي من الأفراد النادرة كما لا يخفى ، فيلزم حمل

 
 

ــ[301]ــ

تلك المطلقات على الفرد النادر ، وهو بعيد جداً ، سيما فيما كان مسبوقاً بأسئلة الرواة ، وهي كثيرة .

   وبالجملة : فالجاهل بالحكم المقصّر مشمول للموثّق دون الحديث .

   وعليه فما افاده الاُستاذ (قدس سره) من انقلاب النسبة بينهما ـ بعد تخصيص الموثّق بالصحيح ـ من العموم من وجه إلى العموم المطلق غير وجيه سواء قلنا بشمول الحديث للجاهل أم خصّصناه بالناسي .

   أمّا على الأوّل فلعدم شمول الحديث للجاهل المقصّر كما عرفت ، وشمول الموثّق له ، لعدم خروجه عنه حتى بعد تخصيصه بالصحيح كما مرّ .

   كما أنّ الحديث عام لمطلق الخلل ، والموثّق مخصوص بما لا يؤكل ، فمادة الافتراق من الطرفين ظاهرة ، ويتعارضان في مادة الاجتماع ، أعني الصلاة الواقعة فيما لا يؤكل نسياناً ، فتجب الإعادة بمقتضى الموثّق ، ولا تجب بمقتضى الحديث .

   وعلى الثاني فالأمر أظهر ، إذ عليه تكون مادة الافتراق من جانب الموثّق أكثر ، لعدم شمول الحديث لشيء من مصاديق الجهل على الفرض . وعلى أي تقدير فتقع المعارضة في مورد الاجتماع الذي عرفته ، فلا مجال للتخصيص ـ أي تخصيص الحديث بالموثّق ـ المبني على انقلاب النسبة كما زعمه كي ينتج البطلان في صورة النسيان .

   نعم ، هذه النتيجة ثابتة ، لكن لا لهذا الوجه الذي أفاده (قدس سره) بل لأنه بعد تعارض الدليلين وتساقطهما في مادة الاجتماع يرجع إلى عموم ما دلّ على اعتبار المانعية لما لا يؤكل بحسب الجعل الأوّلي ، كنفس الموثقة بلحاظ الفقرة السابقة وغيرها كموثقة سماعة ونحوها من سائر العمومات التي مفادها البطلان لو صلّى فيما لا يؤكل ، من دون حاكم عليها ، إذ الحاكم ليس إلا الحديث والمفروض ابتلاؤه بالمعارض في صورة النسيان كما عرفت .

   وأمّا في صورة الجهل فيحكم بالصحة إمّا للحديث بناءً على شموله للجاهل لعدم ابتلائه بالمعارض حينئذ كما لا يخفى ، وإمّا لصحيحة عبد الرحمن بناء على




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net