حشو الثوب بالحرير - لبس الحرير لمن به داء القمل 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4318


ــ[368]ــ

   [1297] مسألة 29 : لا بأس بثوب جعل الإبريسم بين ظهارته وبطانته عوض القطن ونحوه ، وأمّا إذا جعل وصلة من الحرير بينهما فلا يجوز لبسه ولا الصلاة فيه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صدق اللبس الممنوع على التقديرين ، بل لا يجوز وإن كان ثلث اللباس حريراً من الأعلى أو الوسط أو الأسفل ، بعد أن كان بمقدار تتم فيه الصلاة في حدّ نفسه ، لما ذكر .

   ومنه يظهر وجه المنع فيما إذا كان طرف العمامة من الحرير إذا كان زائداً على مقدار ما يكفّ به الثوب ، بل الأربع أصابع على الاحتياط الذي مرّ وجهه .

   وبالجملة : المتبع إطلاق الدليل الشامل لجميع هذه الموارد ، بعد انطباق الضابط المزبور من كونه لبساً لما تتم فيه الصلاة .

   كما أنّه لا بأس بما يرقّع به الثوب من الحرير إذا لم تكن الرقعة ممّا تتم فيها الصلاة وحدها ، وكذا الثوب المنسوج طرائق بعضها حرير وبعضها من غيره على الشرط المزبور . ومنه يظهر حكم الثوب الملفّق من قطع بعضها حرير .

   (1) أمّا إذا كان المجعول بينهما وصلة من الحرير شبه الوزرة ونحوها ممّا تتم فيه الصلاة فلا إشكال في عدم الجواز ، لصدق اللبس ، بعد عدم الفرق فيه بين الظاهر والخفي .

   وأمّا إذا كان الحشو بالإبريسم نفسه ـ أعني مادّة الحرير قبل النسج التي هي بمثابة القطن والصوف ـ فلم يتعرّض له القدماء ما عدا الشهيد في الذكرى حيث لم يستبعد الجواز(1) . والكلام يقع تارة في الروايات التي يستدلّ بها على الجواز ، واُخرى بالنظر إلى ما تقتضيه القاعدة .

   أمّا الروايات فهي ثلاث :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الذكرى 3 : 44.

ــ[369]ــ

   الاُولى : صحيحة الريّان بن الصلت أنّه سأل الرضا (عليه السلام) عن أشياء منها المحشو بالقزّ ، فقال (عليه السلام) : «لا بأس بهذا كلّه إلا بالثعالب»(1) .

   وفيه : أنّ مفادها ليس إلا جواز اللبس في نفسه ، لا عدم المانعية في الصلاة فيتوقّف الاستدلال بها على دعوى أنّ الممنوع في الصلاة هو ما كان ممنوعاً في نفسه ، لكن هذه الملازمة في حيّز المنع كما سبق(2) ومن ثم ذكرنا أنّ من اضطر إلى لبس الحرير لبرد أو في الحرب وإن ساغ له ذلك لكنّه يجب عليه نزعه في الصلاة إذا تمكّن منه في بعض الوقت .

   الثانية : صحيحة الحسين بن سعيد قال : «قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا (عليه السلام) يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز ، فكتب اليه قرأته : لا بأس بالصلاة فيه»(3) .

   وما عن المحقق في المعتبر من الطعن في السند باستناد الراوي وهو الحسين ابن سعيد إلى ما وجده في كتاب لم يسمعه من محدّث كما حكاه عنه في الحدائق(4) مدفوع بما ذكره غير واحد من المتأخّرين من عدم الفرق في تحمّل الرواية بين السماع من الراوي وبين الوجدان في كتاب يجزم بأنّه له ، سيما بعد شهادة ابن سعيد بأنّه قرأ الكتاب ولاحظ الجواب ، الظاهر في كونه بخط الإمام (عليه السلام) ومعرفته له .

 وما عن بعض المؤلّفات من إسناد الطعن المزبور من المحقّق المذكور إلى الرواية الآتية مبني على لغفلة ، فانّ الصدوق رواها بسنده الصحيح عن إبراهيم بن مهزيار أنّه كاتب الإمام (عليه السلام)(5) ، ولم يتعرّض المحقّق لذاك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 352 / أبواب لباس المصلي ب 5 ح 2 .

(2) في ص 342 .

(3)الوسائل 4  : 444 / أبواب لباس المصلي ب 47 ح 1 .

(4) الحدائق 7  : 93 .

(5) الفقيه 1  : 171 / 807 .

ــ[370]ــ

الطعن في هذه الرواية ، بل في رواية ابن سعيد فحسب كما عرفت .

   الثالثة : صحيحة إبراهيم بن مهزيار : «أنه كتب إلى أبي محمد (عليه السلام) : الرجل يجعل في جبّته بدل القطن قزّاً هل يصلّي فيه ؟ فكتب : نعم ، لا بأس به»(1) .

   وهي كالروايتين السابقتين معتبرة السند على الأظهر ، فانّ إبراهيم بن مهزيار وإن لم يرد فيه توثيق صريح ، وحاولوا التصحيح بوجوه لعلّ أحسنها أنّه كان وكيلاً للإمام (عليه السلام) وأجبنا عنه في محلّه(2) بأنّ الوكالة أعمّ من الوثاقة وصدق اللهجة ، فربّ وكيل غير موثوق في الحديث وإن كان مأموناً في خصوص ما وكّل فيه ، وقد كان جملة من وكلائهم (عليهم السلام) مذمومين . إلا أنّ الأولى التعويل في وثاقته بوقوعه في أسناد كامل الزيارات(3) .

   وعلى الجملة : فقد دلّت الروايتان الأخيرتان على جواز الصلاة في الثوب المحشوّ بالقز .

   إنّما الكلام في تفسير المراد من القز ، فقد حمله الصدوق في الفقيه على قزّ الماعز(4) ، ولكنّه خلاف الظاهر وعار عن الشاهد ، بل الظاهر أنّ الكلمة معرّب ما يسمّى بالفارسية بـ (كج) وهو الخارج من دود القز قبل أن يصفّى ، فهو اسم لنفس المادة قبل التصفية ويسمى بعدها بالإبريسم تارة وبالحرير اُخرى باعتبار حالتي النسج وعدمه . ونصوص المنع إنّما وردت بالعنوان الثاني والترخيص في هذه النصوص إنّما ورد بعنوان القز ، فالتعدّي منها لا وجه له إلا دعوى أنّ القزّ والإبريسم سواء ، استناداً إلى ما رواه في الكافي بسنده عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 444 / أبواب لباس المصلي ب 47 ح 4 .

(2) معجم رجال الحديث 1  : 71 .

(3) ولكنّه أيضاً لا ينفع ، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة .

(4) الفقيه 1  : 171 / 807 .

ــ[371]ــ

عباس بن موسى عن أبيه قال : «سألته عن الإبريسم والقز ، قال : هما سواء»(1) .

   ولكن الرواية ضعيفة السند ، فانّ عباس بن موسى الذي هو الورّاق وإن كان ثقة إلا أنّ أباه مجهول ، على أنّها مضمرة ، فانّ المسؤول غير معلوم ، ولم يكن السائل ممن لا يروي عن غير المعصوم كما هو واضح .

   نعم ، ذكر في الوسائل بعد قوله : عن أبيه ، كلمة (عليه السلام) الكاشفة عن أنّ المراد به هو العباس بن موسى بن جعفر (عليه السلام) . ولكنه مضافاً إلى خلو المصدر عن هذه الكلمة كما عرفت ، لا توثيق له ، بل قد ورد ذمّه في بعض الأخبار ، وأنّه عارض أخاه الرضا (عليه السلام) .

   أجل ذكر المفيد في الإرشاد أنّ أولاد موسى بن جعفر (عليه السلام) لكل واحد منهم منقبة
مشهورة(2). ولكن هذا التعبير أعم من التوثيق ، ومن الجائز أن يراد من المنقبة نوع كمال من شجاعة أو سخاوة وما شاكلها .

   نعم ، قد ورد في بعض نسخ رجال الشيخ توثيقه صريحاً(3) ولكنّه يشكل الاعتماد عليه ، إذ لم ينقل النجاشي ولا العلامة ولا ابن داود توثيقه عنه مع وجود نسخة الرجال عندهم ، ولا سيما الأخير الذي رأى نسخة رجال الشيخ بخطه الشريف حسبما أشار إليه في موارد من كتابه .

   فالرواية ضعيفة السند على التقديرين ، إذن فالتسوية المزبورة غير ثابتة ، بل الظاهر عرفاً إطلاق القز على غير المصفّى ، والإبريسم على المصفّى كما عرفت . فتبقى نصوص المنع في موردها على حالها ، هذا .

   والذي ينبغي أن يقال : إن الموضوع في النصوص الناهية وإن كان هو الحرير ، إلا أنّ المراد منه بحسب الفهم العرفي ومناسبة الحكم والموضوع هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 368 / أبواب لباس المصلي ب 11 ح 4 ، الكافي 6  : 454 / 9 .

(2) الإرشاد 2  : 246 .

(3) رجال الطوسي : 339 / 5042 .

ــ[372]ــ

ذات هذه المادة ، الأعم من المصفّى ومن غيره ممّا يسمّى بالقز . وقد نقل عن بعض اهل اللغة أنّ الفرق بين القز والحرير كالفرق بين الحنطة والدقيق ، ولعلّ تخصيص المنع بالحرير من أجل أنّه الغالب في اللباس ، فيفهم أنّ العبرة بنفس المادة على اختلاف هيئاتها من غير دخل للتصفية .

   كما أنّ التعبير بالقز في نصوص جواز الحشو من أجل أنّه الغالب في الحشو كما في الصوف والقطن ، فانّ الذي ينسج ثوباً هو المصفّى ، والذي يجعل حشواً غير المصفّى . فاذا ثبت جواز الحشو بالقز ، ثبت الجواز بالإبريسم أيضاً . ونتيجة ذلك ارتكاب التخصيص في نصوص المنع والالتزام بعدم الجواز إلا حشواً ، فيجوز الحشو مطلقاً ، كما لا يجوز اللبس مطلقاً حتى قبل النسج كما في الملبّد . هذا كلّه بالنظر إلى الروايات .

   وأمّا بالنظر إلى ما تقتضيه القاعدة مع الغض عن نصوص المقام فالظاهر أنّ مقتضاها هو الجواز أيضاً ، لا من أجل أنّ النهي عن لبس الحرير يختص بالمنسوج ـ كما احتمله بعضهم ـ لمنافاته لإطلاق اللبس الشامل لغير المنسوج أيضاً كالملبّد ، ولا من أجل اختصاص النهي باللباس غير الصادق قبل النسج فانّ صحيحة محمد بن عبد الجبّار المتقدّمة(1) الناهية عن الصلاة في الحرير مطلقة من حيث اللباس وغيره ، فانّ المنهي عنه إنّما هو ظرفية الحرير للمصلّي وإحاطته به ، سواء أصدق عليه اللباس أم لا .

   بل من أجل اختصاص المنع بحرير تتم الصلاة فيه ، وعدم شموله لما لا تتم كما سبق(2) . ومن الظاهر أنّ الحرير غير المنسوج مما لا تتم الصلاة فيه ، للزوم كون الساتر الصلاتي ثوباً منسوجاً يخرج به عن كونه عارياً ، ولا يكفي مطلق الستر كيف ما اتفق ولو بظلمة أو الالتفاف بقطن أو صوف ونحوهما مما يمنع عن الرؤية ، فانّ ذلك وإن كان كافياً في الستر التكليفي عن الناظر المحترم إلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 327 .

(2) في ص 331 فما بعدها .

ــ[373]ــ

   [1298] مسألة 30 : لا بأس بعصابة الجروح والقروح وخرق الجبيرة وحفيظة المسلوس والمبطون إذا كانت من الحرير (1) .

   [1299] مسألة 31 : يجوز لبس الحرير ممّن كان قَمِلاً على خلاف العادة لدفعه (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنّ المعتبر في الصلاة أن لا يكون عارياً ، وبما أنّ العاري في مقابل اللابس فيعتبر أن يكون لابساً للساتر المنسوج ، إذ بدونه لا يخرج عن العراء كما لا يخفى .

   وعليه فالحرير غير المنسوج بما أنّه مما لا تتم الصلاة فيه فلا مانع من الحشو به والصلاة فيه .

   (1) لوضوح أنّ هذه الاُمور مما لا تتم الصلاة فيه وحدها ، وقد تقدّم(1) اختصاص المنع بما تتم .

   (2) ويستدلّ للجواز تارة بمرسلة الصدوق قال : «لم يطلق النبي (صلى الله عليه وآله) لبس الحرير لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف ، وذلك أنّه كان رجلاً قملاً»(2) .

   واُخرى بما رود من طرق العامّة أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) رخّص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبس الحرير لما شكوا اليه القمل(3) .

   وفيه : مضافاً إلى التدافع بينهما في الحصر في ابن عوف وعدمه ، أنّ ضعفهما يمنع عن الاعتماد عليهما . ودعوى الانجبار بعمل المشهور ممنوعة صغرى وكبرى .

   لكن الحكم مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى النص ، لسقوط التحريم بدليل نفي الحرج ، بعد وضوح أنّ تحمّل الأذيّة من ناحية القمل زيادة على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 331 فما بعدها .

(2) الوسائل 4  : 372 / أبواب لباس المصلي ب 12 ح 4 .

(3) صحيح مسلم 3  : 1647 / 26 .

ــ[374]ــ

والظاهر جواز الصلاة فيه((1)) حينئذ (1) .
ـــــــــــــــــــــــــ

المتعارف حرجي يسقط معه التكليف وإن لم يبلغ حدّ الاضطرار ، فيجوز لبس الحرير حينئذ ما لم تكن له مندوحة من لبس الفنطاز أو النايلون المتداول في العصر الحاضر .

   (1) هذا مشكل ، بل ممنوع جداً ، لما تقدّم سابقاً(2) من أنّ كلاً من الحرمة التكليفية والوضعية قد ثبت بدليل مستقل ، فالتخصيص في أحدهما بدليل خاص كحالة الحرب أو عام كالحرج لا يستوجب التخصيص في الآخر . فلا مناص إذن من النزع حالة الصلاة ، إلا إذا فرض ولو نادراً حصول الاضطرار أو الحرج حتى في هذه الحالة .
ـــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع ، وقد تقدّم نظيره .

(2) في ص 342 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net